المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جبل نابليون/للكاتب المفكر شكري شرف الدين -رواية-


جلول رفيق
02-09-2009, 01:34 PM
جبل نابليون


http://mimulus.files.wordpress.com/2009/03/rene-magritte-os-amantes.jpg?w=390&h=285




I



هل سينتهي هذا الشقاء ؟ ...
أين يربض موتزارت في هذا الولد ؟...
من جاء بهذا العذاب إلى هذا الكون ؟...
ما تخيّلت أن حياتي ستنتهي هكذا على هذه الأرض, وأنني سأتورط بهذا الولد؛ بهذا الجرم الذي ارتكبتُه عبر حماقات غائرة في نوستالجيتي الشرقية، والذي نطلق عليه إثر تنشئة بائسة جدا، عن غير وعي، تسمية : حب !
أذكر أنها كانت تردِّدُ ،ونحن في عزلة تامة في مخدعنا بالجامعة بأن : " العالم سمين وقبيحٌ وغبي" ، وأنها كانت ثائرة على كمون العنف الذي كان ذكور القبيلة يكتنزونه ويسيِّر مصائرهم، بنفس قدْر ثورتي أمام جمالها الفاضح الذي كان يُبهرني ارتسامه بنهمٍ على وجه الزمن يوما بعد يوم، واحتجاجه على الصمود في وجه الفراغ الذي كان يحاصر يومياتنا كطلاب منبوذين في علوم لاإنسانية، يمضون أغلب أيام الأسبوع في قراءة روايات منسية لمنى جبور وغادة السمان ومالك حداد وغارسيا ماركيز وميلان كونديرا، والاستماع إلى أغانٍ رومانسية باريسية حالمة تعود إلى عهد الثماني والستين، والتلذذ بأشعار نزار، وطفوليات نزار، وأشعار محمود، ونوافذ محمود التي لا تغادرها الشمس، وأشعار أدونيس، وتحولات أدونيس التي لا تهدأ عن العشق...


***



II



كان اليومُ ماطرا جدا على غير عادته،حين التجأنا إلى بيت صديقي الذي غادره لأجلنا،كي نصطاد بعض الحميميات .
كان وجهكِ كعادته يُمطرني سحرا وتيها.
ولكنّ السِّحر والتيه أبدا لم يكونا من العادة في شيء !.
في زمن "العادة"، لا يمكن للأشياء السّاحرة إلا أن تكون ساحرة...
في زمن "العادة "،لا يمكن للتيه إلا أن يكون ساحرا...!
أقترِبُ من وجهك..أتلمس تعرجاته المبهرة التي لم أحسن مسالكها رغم مروري عبرها مئات المراّت.
كنتُ على يقين بأنَّ عليّ أن أكون عاجزا دوما على حفظ هذه المسالك، وبأنَّ عليّ أن أعودَ في نهاية النهار إلى بيتي، وأعيدَ مراجعة تلك المسالك حتى أتيه أكثر.
في كل مساء،كنتُ أراجع أفضلَ السبل التي تجعلني أتوه.!
"لا يمكن لنا أن نستمر" كنت أردد ، " إذا عرف كلانا مسلكه إلى الآخر...".
وحدها الأسرار ،كانت تقودنا إلى بعضنا.حلاوة الضياع التي تُبقي على مغامرة البحث عن فريسة القلق،كانت هي المحرِّكُ الرئيس الذي يملأ حميميتنا الغريبة.
لم نبدأ حديثنا إلى بعضنا بعض، حين تعارفنا لأول مرة بسرد دونجوانيتنا الشرقية المسكينة، أو أخلاقياتنا السماوية التي لم تنزل أبدا إلى الأرض ...
بدأنا وفقط !
بدأنا كما تبدأ كل تلك القصص العادية البسيطة التي تسكن قاع نهر الحواس الشفافة الذي تبزغ فيه الأشياء بوجه بارق الوضوح.
وفي العادية أيضا شيء من السِّحر رغم أنّ السّحر أبدا لم يكن من العادة في شيء.!
لا السّماء غطّتنا ولا حكايا الحبّ الجميلة التي جعل موتها ينتهي إلى أنَّ أجمل حديث عن الحب في مجتمع يتهدد أغلب جهاته الدحضُ، لا يمكن له أن يتم إلا على الفراش.
بدأنا كما تبدأ كل تلك القصص العادية البسيطة، بدأنا بقناعة الفراش التي لا يمكن لها أن تكذب...
تحدثنا قليلا فقط، عن الخرابِ الذي ألحقته المرأة بالرجل، والخرابِ الذي ألحقه الرجل بالمرأة...
تحدثنا كمجرمَين، شاركا بعمق في نخر طبقة أوزون العاطفة..كمجرِمَين يستعدُّ كلاهما لتنفيذ حكم الإعدام في الآخر.
لم أكن أسعى إلى إبقائها على وجه الحياة، لأنها كانت مجرمة...
مجرمة بجمالها وسط عالم مجرم بقبحه..!
لم تكن من جهتها هي الأُخرى تسعى إلى عكس ذلك.
وفي النهاية اتفقنا على أن يشنق كل مجرم الآخر، بالوقوع في " تراجيديا الحب" من جديد.!


***


الحبُّ، كان هو الشّعلة التي جعلَتنا نشعرُ بعمق موت الشاعر دون الشِّعر. كُنا نقرأ قُدّاس نزار على فراش الدفء كمنبوذين يَترِبون قائدهم في سرية تامة، في ساعة معتمة من ساعات الحياة. وكانت هي، تبكي لإذاعة خبر موت القائد كالصَّاعقة. وكنت أغتنم مزنَ عينيها كي أبسط بمزن حنيني الذي لا ينضب من الحنين إلى جمالها،كي أتأكد من حقيقة امتلاكي ولو لشذرة هينة سحابةَ حزنها الجميل.
ما أجمل الحزن في وجه امرأة جميلة تُحبُّنا !..


***


في ذلك اليوم الماطر، الماطر جدا جدا...هجمت المياه على ملجأ الحبّ وغمَرَتْهُ من كل الجهات، ثم تسربَّت إلى الداخل كي ينتهي قُدّاسُ نزار ماطرا، كما كان يحلم دائما عبر نوافذ الكون التي كان يلامس فيها الحزنَ بأصابع من ماء.