المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرية المعرفة عند ابن تيمية للدكتور مصطفى حلمي حفظه الله


algeroi
12-11-2011, 04:51 PM
جاء في كتاب ( منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين ) للدكتور مصطفى حلمي حفظه الله هذا المبحث المتعلق بتوصيف نظرية المعرفة عند شيخ الإسلام ابن تيمية فلتتفضلّوه مشكورين :

نظرية ابن تيمية في المعرفة

الفطرة الإنسانية وطرق المعرفة :

لا يمكن فهم عملية المعرفة الإنسانية إلاّ بالنظر إلى الإنسان ومكوناته ، ذلك أنّ تضخيم أحد جوانبه على الجوانب الأخرى يؤدي إلى أخطاء في التصورات ناشيء عن إنحراف الفهم .
ويعد تعريف ابن تيمية للإنسان مدخلا للنظر غلى تفسير كيف تتم عملية المعرفة ، لأنّ الاختلاف الأساسي في رأيه بين الفلاسفة والمتكلمين من ناحية والصوفية والفقهاء من ناحية أخرى يرجع إلى تجزئة القدرات الإنسانية وعدم التصور الصحيح للإنسان كما خلقه الله تعالى . ومن ثم فإن الإسلام جاء مخاطبا الفطرة الإنسانية كما خلقها الله تعالى باعتبار أن الإنسان حي حساس متحرك بالإرادة - أو أنه علم وعمل ، عقيدة وعبادة ، معرفة وسلوك ، فأثبت ابن تيمية أن الإسلام جاء موافقا لهذه الثنائية في خلقه الإنسان ، فيعلمه بكل ما هو حق ويأمره باتباع المعروف ، ويلفت أنظاره إلى الآيات الكثيرة الدالة على وجود الله عز وجل ، وعلى حكمته وعدله ورحمته وقدرته وسائر الصفات والأسماء الكاملة له سبحانه ، كما أنه لا يأمره إلاّ بالمعروف ، ولا ينهاه إلاّ عن المنكر . ويهتم ابن تيمية ببيان الصلة التي ينبغي أن تكون بين العبد وربه حتى تستقيم الحياة ويسعد الإنسان فيقول : (أما النفس فإن لها قوة الإرادة مع الشعور وهما متلازمان ، والنفس تتقوم بمرادها ، وهو المعبود ، والله سبحانه هو المقصود المعبود وحده لا بمجرد ما تشعر به ) (1) .
ويستند ابن تيمية إلى النصوص ويفسرها ويشرحها ، فالإنسان قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (أصدق الأسماء حارث وهمام) فهو دائما يهم ويعمل ولكنه لا يعمل إلاّ ما يرجو نفعه أو يدفع مضرته ، وينطبق ذلك الوصف على من صحت فطرته ، فالفطرة السليمة تعرف الحق وتحبه وتطمئن غليه وتكذب الباطل وتبغضه وتنكره ، كما قال تعالى : (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) [الأعراف ، الآية : 157] (2) .
ولكن المشاهد في أحوال كثيرة من الناس يعلم أن شيئا يضره ومع ذلك يفعله ، ويعلم أن شيئا ينفعه ومع ذلك يتركه ، فما تعليل ذلك ؟
ويرى شيخ الإسلام أن ذلك عارض ما في نفسه من طلب لذة أخرى أو دفع ألم آخر ، فأصبح جاهلا ، حيث قدم هذا على ذلك ولهذا قال أبو العالية (متوفى 90ه) (وهو من كبار التابعين) سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : (إنّما التوبة على الله الذين يعملون السوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب) [النساء ، الآية : 17] (3) فقالوا : كلّ من عصى الله فهو جاهل ، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب .
وإذا عدنا إلى مبدأ الثنائية في خلق الإنسان ، وعرفنا حقيقة العداء بينه وبين الشيطان ، استطعنا الوقوف على أسباب أخرى للمفاسد والمعاصي لأنّ مبدأ العلم الحق والإرادة الصالحة من لمة الملك ، ومبدأ الإعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة من لمة الشيطان ، وذلك تفسير قول الله تعالى : (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) [البقرة ، الآية : 268] وقال تعالى أيضا : (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) [آل عمران ، الآية : 175 ] أي يخوفكم أولياءه
الاصل إذن أن الله تعالى خلق عباده على الفطرة التي إن تركت على سجيتها عرفت الحق وعملت به - لأنها جلبت على الصحة في الإدراك وفي الحركة (2) لذلك يأتي دور الرسل عليهم السلام بتكميل الفطرة الإنسانية لا بتغييرها . قال تعالى (سنريهم ءايتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنّه الحق) [فصلت ، الآية : 35]
وهذا التطابق والتوافق بين آيات الله تعالى في الآفاق والأنفس يأتي متطابقا مع الآيات القرآنية السمعية (لأن القرآن الذي أخبر به عباده حق ، فتطابق الدلالة البرهانية القرآنية والبرهانية العيانية ويتصادق موجب الشرع المنقول والنظر المعقول) .
ومما يساعد الإنسان في الوصول إلى معرفة الحق أن يهتدي بالطرق العقلية التي إستخدمها القرآن الكريم والتوافق بين آيات الله تعالى في الآفاق وفي الأنفس - أي العيانية والعقلية وكذلك السمعية .
وينتقد ابن تيمية الفلاسفة القائلين بأنّ العبادات التي أمرت بها الرسل مقصودها إصلاح النفس لتستعد للعلم الإلهي وهي الحكمة النظرية في تعريفهم الذي زعموا أنه كمال النفس ، أو مقصودها إصلاح المنزل والمدينة أي الحكمة العملية .
ويظهر تميز ابن تيمية في نقده للمناطقة والفلاسفة عندما يربط في مناقشته لهم بين العلم الإلهي عندهم وعند المسلمين - فالعلم بالله هو (العلم الأعلى) ويتحقق هذا العلم على الوجه الصحيح باكتمال ناحيته النظرية والعملية ، ولا يقتصر الأمر على أن النفس تكمل بمجرد العلم به فقط كما زعموه ، لأن النفس لها قوتان : قوة علمية نظرية ، وقوة إرادية عملية ، فلا بد لها من كمال القوتين بمعرفة الله تعالى ، وعبادته .
وبناء على هذا التفسير يسقط زعم الفلاسفة ويقصد ابن سينا خاصة بأن العبادات التي أمرت بها الرسل مقصودها إصلاح أخلاق النفس لتستعد للعلم الذي زعموا أنه كمال النفس ، فيجعلون العبادات وسيلة محضة إلى ما يدعونه من العلم ( ولهذا يرون ذلك ساقطا عمن حصل المقصود ، كما تفعل الملاحدة الإسماعيلية ، ومن دخل في الإلحاد أو بعضه ، وانتسب إلى الصوفية ، أو المتكلمين ، او الشيعة ، أو غيرهم) (4) .
ويبدع ابن تيمية في تحليله لمكونات النفس الإنسانية واشتمالها على القوة العلمية والقوة الإرادية العملية لكي يعطي العبادات مكانتها الصحيحة ودورها الفعال في العلاقة بين الإنسان وربه ، فغن عبادته - سبحانه وتعالى - تجمع بين محبته والذل له .
تتميز إذن نظرية ابن تيمية بنظرة شمولية جامعة ، فالنفس لها قوة نظرية علمية ، وقوة إرادة عملية ، وهي مفطورة على معرفة الله عزّ وجلّ كذلك تعرف المعروف وتنكر المنكر ويؤيدها الملك بالعلم والحق والإرادة الصالحة ، بينما الإعتقاد الباطل و الإرادة الفاسدة من هواتف الشيطان .
وإزاء هذا التصور للإنسان ومكوناته ودوافعه النفسية ، لا تكفي المعرفة ؛ لأنها تتصل فقط بالقوة النظرية العلمية ، بل لكي يقف الإنسان على قدميه مقاوما الأهواء وهواتف الشيطان ومعوقات سيره نحو الله تعالى لا بد له من عبادة الله وحده لا شريك له (والعبادة تجمع معرفته ، ومحبته ، والعبودية له . وبهذا بعث الله الرسل ، وأنزل الكتب الإلهية : كلها تدعو غلى عبادة الله وحده لا شريك له ) (5) .

الهدى والبينات :

تحدثنا من قبل عن نقد ابن تيمية للمتكلمين لا سيما في ظنّهم بأنّ الصحابة لم يكونوا أهل نظر ، واستخدامهم لأساليب كلامية بدعية مخالفة لأساليب القرآن في النظر والإستدلال العقلي .
بينما استدل القرآن الحكيم بالهدى والبيان والادلة والبراهين وهي تغني عن مناهج النظر التي اسسها اهل الكلام ، فغن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ، وأرسله بالآيات والبينات ، ومن الممتنع أن يرسل الله رسولا يامر الناس بتصديقه ولا يكون هناك ما يعرفون به صدقه .
وقال تعالى : (إنّ الّذين يكتمون مآأنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّنّه للناس في الكتاب ألئك يلعنهم الله ويلعنهم اللّعنون) [البقرة : 109]
ويفصّل ابن تيمية المعاني القرآنية لكلمات البينات والهدى والفرقان كما يلي :
أ - فإن البينات جمع (بينة) وهي : الأدلة والبراهين التي هي بينة نفسها أي :
بديهيات ، وأولويات وضروريات وكلها ألفاظ مترادفة تطلق منهجيا على القواعد الأساسية للمعارف والعلوم ، وبها يتبين غيرها ، يقال : بين الأمر أي تبين في نفسه ويقال بين غيره ، فالبين اسم لما ظهر في نفسه ولما أظهر غيره ، وكذلك المبين كقوله فاحشة مبينة : أي متبينة . ومقدمات الأدلة تكون معلومة بنفسها كالمقدمات الحسية والبديهية ، وبها يتبين غيرها فيستدل على الخفي بالجلي والهدى أيضا هو بيان ما ينتفع به الناس ويحتاجون إليه وهو ضد الضلالة ، فالضال يضل عن مقصوده وطريق مقصوده وهو سبحانه عرفهم ان الله هو المقصود المعبود وحده وأنه لا يجوز عبادة غيره .
ويوضح الصلة بين البينات والهدى فيذكر أن البينات فيها بيان الأدلة والبراهين وعلى ذلك فليس ما يخبر به ويأمر به من الهدى قولا مجردا عن دليله ليؤخذ تقليدا واتباعا للظن ، بل هو مبين بالآيات والبينات - وهي الادلة اليقينية والبراهين القطعية .
ثم يخطو خطوة أخرى فيذكر أن الهدى التام لا يكون إلاّ مع الفرقان ، ولهذا قال تعالى : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) [البقرة ، الآية : 185] فالفرقان هو المفرق بين بين الحق والباطل والخير والشر والصدق والكذب والمأمور والمحظور والحلال والحرام ، وأيضا فإن الأدلة تشتبه كثيرا بما يعارضها فلا بدّ من الفرق بين الدليل الدال على الحق وبين ما عارضه ليتبين أن الذي عارضه باطل ، فالدليل يحصل به الهدى وبيان الحق لكن لا بد مع ذلك من الفرقان وهو الفرق بين ذلك الدليل وبين ما عارضه (6) .
ويضرب الأمثلة على ما يقصده بالفرق بين الهدى والفرقان ، فالهدى مثل أن يأمر بسلوك الطريق إلى الله كما يؤمر قاصد الحج بسلوك طريق مكة مع دليل يوصله ، والفرقان أن يفرق بين ذلك الطريق وغيره وبين الدليل الذي يسلكه ويدل الناس عليه وبين غيرهم ممن يدعي الدلالة وهو جاهل مضل ، وهذا وأمثاله مما يبين أنّ في القرآن الأدلة الدالة للناس على تحقيق ما فيه من الأخبار والأوامر الكثيرة (7) .
والله سبحانه أنزل في كتبه البينات والهدى ، فمن تصور الشيء على وجهه فقد اهتدى غليه ، ومن عرف دليل قبوله فقد عرف البينات ، فالتصور الصحيح اهتداء وهو سبحانه - إذا ذكر الأنبياء - نبينا وغيره - ذكر انه أرسلهم بالآيات البينات ، وهي الأدلة والبراهين المعلومة علما يقينا إذا كان كلّ دليل لا بد أن ينتهي إلى مقدمات بينة بنفسها قد تسمى بديهيات وقد تسمى ضروريات وقد تسمى أوليات ، وقد يقال هي معلومة بأنفسها ، فالرسل صلوات الله عليهم بعثوا بالآيات البينات (8) .
أيحتاج الناس بعد ذلك إلى أقيسة وأدلة المتكلمين والفلاسفة ، إنّ الكتب المنزلة وآخرها القرآن الحكيم - كلها بذاتها - آيات بينة لأنها كلام الله تعالى أوحى به إلى أنبيائه ورسله ، كذلك اتجه الوحي إلى مخاطبة الفطرة التي فطر الناس عليها ، ومنها تمييزها الموازين العقلية بين الحق والباطل إذا حافظت على فطرتها ولم تنصت إلى هواتف الشيطان أو تجنح مع هوى النفس .
.............................. .................... ..........
1 - ابن تيمية : النبوات ص 90 - 91
2 - ابن تيمية : نقض المنطق ص 29
3 - ابن تيمية : نقض المنطق ص 29 - 30
4 - ابن تيمية : منهاج السنة النبوية ج 1 ص 83 - النبوات ص 303
5 - ابن تيمية : الردّ على المنطقيين ص 145
6 - ابن تيمية : الردّ على المنطقيين ص 144 - 145
7 - ويلحظ الباحث أن ابن تيمية يشتد في خصومته للجهمية ويحملهم مسؤولية الإنحرافات كلها وأنهم اصل البلاء الذي حدث بتفرق المسلمين شيعا وأحزابا ويصفهم بقوله : فهؤلاء الجهمية من أعظم مبتدعة المسلمين ، بل جعلهم غير واحد خارجين عن الثنتين وسبعين فرقة كما يروى ذلك عن عبد الله بن المبارك ، ويوسف ابن اسباط ( الرد على المنطقيين ص 146)

8 - النبوات ص __________________

مُسلِمة
26-10-2013, 08:41 PM
بارك الله فيك

تأمل عقل
09-06-2015, 09:25 PM
أيحتاج الناس بعد ذلك إلى أقيسة وأدلة المتكلمين والفلاسفة ، إنّ الكتب المنزلة وآخرها القرآن الحكيم - كلها بذاتها - آيات بينة لأنها كلام الله تعالى أوحى به إلى أنبيائه ورسله ، كذلك اتجه الوحي إلى مخاطبة الفطرة التي فطر الناس عليها ، ومنها تمييزها الموازين العقلية بين الحق والباطل إذا حافظت على فطرتها ولم تنصت إلى هواتف الشيطان أو تجنح مع هوى النفس .



مع كل احتراماتي لابن تيمية وما بذله من جهد في ابداع الكتب ونقد خاصة الفرق الكلامية ومنطق أرسطو ،لكنه لم يقدم بديلا كنظرية معرفة متميزة المسلمات والمراحل والنتائج ،بل استخدم القرءان الكريما انتقاءا وتفنن في الدلالات اللغوية
لو قلنا أبو حامد الغزالي نعم،جابر حيان وابن الههيثم نعم ,,,,لكن ابن تيمية لم يبدع نظرية معرفة بل احوال اعتبار معالم في النص القرءاني وتأويلاتها