المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلسفة القانون في العصور القديمة


زهرة العمر
16-03-2008, 04:42 PM
ملخص:
إن فكرة القانون الطبيعي عرفت عند اليونان، وكانت تعني عندهم " وجود قانون ثابت لا يتغير مستمد من الطبيعة، ويتمثل بكشف العقل عن روح المساواة والعدل الكامنة في النفس، ثم انتقلت الفكرة إلى الرومان.
نقصد بالقانون الطبيعي ذلك القانون الّذي لم يشرعه البشر، وهو فوق قوانين البشر وموجود في طبيعة الأشياء وفي فطرة الإنسان، وإنما ينبغي على الإنسان أن يسعى لاكتشافه ليطبقه على نفسه. القانون الطبيعي مرادف للقانون الأخلاقي، كما هو مرادف للإيمان بعقل الإنسان كانسان، بعيداً عن الفوارق العرقية أو الطبقية أو حتى التفاضل العلمي، وبهذا يحقق القانون الطبيعي أعظم انجاز إنساني، ومعروف أن الوحي الإلهي نزل على رسل الله سبحانه، لكي يبلور فطرة الإنسان ويعيده إلى عقله، ولكن هناك مشكلة في كيفية اكتشاف هذا القانون الطبيعي وأين نجده، لأنه يتعرض عادة لعملية الخلط، فيسوء استخدامه، كما نجد عند "هوبز" الذي اعترف بالعقل الكلي أو القانون الطبيعي، ولكنه جعله متجلياً عند الدولة (عقل الدولة)، وكذلك "هيجل" اعترف بالقانون الطبيعي ولكنه انتهى إلى تأليه الدولة، وهكذا المادية التاريخية التي نجدها عند "كارل ماركس". وهكذا كان القانون الطبيعي مطية لأسوء ألوان الفلسفات القانونية، والتي جرت البشرية إلى كوارث فظيعة.
المذاهب الموضوعية: ساهمت عوامل شتى في انتشار المذهب الموضوعي الذي يعتبر اليوم المذهب الأساسي للحقوقيين في العالم وأبرز العوامل طغيان الفلسفة المادية وانتشار المذهب التاريخي وتقدم العلوم الإنسانية وبالذات علم الاجتماع. وفكرة القانون الطبيعي تقليدية ودليلنا على ذلك أن نظرياته وأفكاره نجد جذورها في الفكر الإغريقي لدى فلاسفة اليونان، وعند الرومان....
مذهب القانون الطبيعي عند اليوناني: يؤمن الفكر اليوناني بأن الإقناع الناجم عن الحوار هو قوام الحكم وليست القوة، والحرية مصداقا لهذا الرأي تتضمن توقير القانون. وما كان الأثيني ليتصور خضوعه الكلي لقيود تفرض عليه، لكنه قد رسم فارقا قاطعا بين القيود التي تخضعه لإرادة إنسان آخر يتصف بالتحيز، وذلك القيد الذي يعني التسليم بقاعدة قانونية يجدر بالمرء احترامها، وهنا تفرض القاعدة نفسها على المجتمع فرضا، فالقانون هو صاحب السيادة في المجتمع الحر، ذلك ما تم مع اليونان، وخصوصا مع سقراط وأفلاطون وأرسطو لأن التحليل الفلسفي المنظم إنما ظهر مع مفكري الإغريق، حسب ما لدينا الآن من معارف عن تاريخ الفكر البشري (قد يكون هناك فلاسفة قبل اليونان، ومن شعوب أخرى، ولكن لا شيء لدينا عنهم). وبقطع النظر عن هذه المسألة يمكن القول إن التحليل الفلسفي كطريقة في النظر، سواء كان صاحبه من هذه الجهة أو تلك من جهات المعمور، لا يفسر بمفرده الارتقاء بالتفكير في "الحق" إلى المستوى الفلسفي. ذلك أن الانتقال بفكرة "الحق" من المستوى القانوني التاريخي الاجتماعي إلى المستوى الفلسفي إنما تم عبر خاصية لغوية هي كون الكلمة التي تفيد معنى "الحق" من الكلمات التي تقال بـ"اشتراك"، في اللغة اليونانية واللغات الأوروبية عموماً؛ فاللفظان "droit, loi" بالفرنسية و"law, right" بالإنجليزية يقالان بمعنى "القانون الوضعي" الذي تعتمده المحاكم - مثلا- وبمعنى الاستقامة وعدم الانحراف عن "القانون الطبيعي" الذي يحكم الظواهر الطبيعية (الخط المستقيم، الزاوية القائمة... الخ). أما في اللغة العربية فكلمة "حق" لا تقال بهذا النوع من الاشتراك: لا نقول:"الحق الطبيعي" بمعنى القانون الطبيعي (كقوانين الفيزياء)، ولا نقول: "الخط الحق"، ولا "الزاوية الحق". ربما يرجع هذا الاشتراك في كلمة "قانون"، في اللغات الأوروبية (والاشتراك هنا يعني دلالة الكلمة الواحدة على معان مختلفة)، إلى كون الفلسفة بدأت عند اليونان بالبحث في الأخلاق والسياسة مع الحكماء السبعة في القرن السابع قبل الميلاد. فهؤلاء - ومنهم صولون ودراكون- هم الذين شرعوا للمدينة اليونانية فوضعوا لها قوانين وضعية (من وضع العقل) بعد أن كانت تتبع "الناموس"، أي القانون الذي ينسب للآلهة. كان من بين هؤلاء الحكماء "طاليس" أول الفلاسفة، وكان في نفس الوقت من العلماء الطبيعيين الذين كان شغلهم الشاغل إرجاع ظواهر الطبيعة إلى مبدأ واحد أو جملة مبادئ. ومن هنا كان التفلسف يعني البحث عن "القوانين" التي تحكم الطبيعة وتحافظ على نظامها. وربما كانت فكرة "القانون الطبيعي" مستوحاة من القانون الاجتماعي الذي ينظم المدينة/الدولة في اليونان. وعلى كل حال ففكرة القانون الذي يحكم ظواهر الطبيعة والقانون الذي ينظم شؤون المدينة قد عرفت النور في فضاء فكري واحد عند اليونان، مما لابد أن يكون له دور ما في هذا "الاشتراك" الذي تختص به كلمة "قانون" ورديفها كلمة "حق". ومهما يكن فالثابت أنه عندما أخذ السفسطائيون يشككون في قوانين المجتمع، في ثباتها وعموميتها، ويلحون على كونها نسبية تختلف من مجتمع لآخر ومن عصر لآخر، انطلاقاً من مبدأ أن "الإنسان مقياس كل شيء"، وأن القانون الحقيقي الذي يحكم شؤون المجتمع البشري هو نفسه "قانون الغاب"، أعني "رأي الأقوى"، جاء الرد على لسان "سقراط" أولا، ثم على لسان "أفلاطون" و"أرسطو" من بعده. وقد اعتمد الثلاثة في ردهم على التمييز بين القانون الوضعي، الذي تطبقه المحاكم والقانون الطبيعي الذي هو "العدل" نفسه، فالقانون الوضعي يتغير ويختلف بتغير المجتمعات والعصور واختلافها. أما القانون الطبيعي فيتميز بالثبات والاطراد، قوامه نظام الكون. و"النظام" في الطبيعة معناه أن كل شيء من أشياء الكون وكل ظاهرة من ظواهره يحتل المكان المناسب له وللنظام ككل. وذلك ما عبروا عنه بـ"العدل". فالعدل على مستوى الكون هو إنزال كل شيء منزلته "الطبيعية". وقد استعير هذا المعنى من الطبيعة ووظف في المجتمع، فقالوا - قال فلاسفة اليونان- العدل في المجتمع هو "إنزال الناس منازلهم". والقانون الوضعي مهمته هي هذه بالضبط: أعني إنزال الناس منازلهم. وقد ورثت القرون الوسطى في العالم العربي والعالم الأوروبي هذا المعنى لـمفهوم العدل.
مذهب القانون الطبيعي عند الرومان: استمدت روما آراءها الفلسفية من اليونان، لكنها قد أنجبت خيرة المفكرين العمليين في العصر القديم الذين انشئوا نظما لها أثرها العميق في السياسة والقانون، وإن دعوة أفلاطون وأرسطو ومن جاء بعدهما هي دعوة حقيقية لأنها كانت صدى الفطرة والعقل وكما قال (سيسرون) إن الطبيعة لم تخلق عبيداً فالقانون هو وليد إحساسات وتفاعلات حقيقية تدعو الإنسان إلى تقنين وتشريع ينسجم مع سعادته وهو ما أكده القرآن والكتب السماوية حيث أكدت القيم والأخلاق بوصفها المحرك الطبيعي لإيصال المجتمعات إلى السعادة والرفاه الحقيقيين ومن دون الأخلاق لا معنى لأية قيمة اجتماعية لذلك ورد عن النبي(ص) قوله: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. ويقارن شيشرون "قانون الطبيعة" بنظرية أعظم منها أهمية وهي نظرية "المساواة الطبيعية بين الناس"، ويعني هذا أن الأفراد وان لم يتماثلوا في الشكل إلا أنهم يتماثلون في النوع –نوع الإنسان- ويرجع ذلك الى استمتاعهم بالعقل وهو وحده الذي يرفعهم إلى مرتبة أسمى من مرتبة الحيوانات..ويشترك الجميع في موهبة العقل وان اختلفوا في الدرجة، ويرتب شيشرون على نظرية "قانون الطبيعة" نتيجة مدارها أن اشتراك الناس في عضوية مجتمع مصدره خضوعهم لقانون مماثل فالمواطنون الرومان مثلا يشتركون في رعوية واحدة، لا بفضل رابطة العنصر أو الاستيطان في بقعة جغرافية واحدة، ولكن لأنهم يخضعون للقانون الروماني، وإذا كان الناس يستظلون بقانون واحد فيجب أن يتساو في تلقي ثمار العدالة. وظاهر ما في رأي شيشرون من طرافة وجدة تتفقان مع الفكر السياسي الحديث إلى حد بعيد، ولقد أصبحت نظريتاه عن "القانون الطبيعي" و "المساواة الطبيعية بين الناس" من أهم ركائز الديمقراطية الحديثة.