المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثلاث أسس هي ملتقى دعوة كل الأنبياء وأصولها


جمال البليدي
14-05-2008, 07:54 PM
إكرام البشر بإرسال الرسل إليهم



وإنزال الكتب عليهم



ثم لم يكلهم الله إلى ما آتاهم من فطرة وعقل، بل أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتب لتبين لهم الحق من الباطل ولتكون مرجعاً لهم، فيما يختلفون فيه، حتى لا يبقى للناس أي عذر، ولتقوم عليهم الحجة، فلا يبقى لهم حجة على الله بعد الرسل.

وكلّف جميع الأمم بطاعة هؤلاء المصطفين الأخيار واتّباعهم والانقياد لهم وأنزل أشد العقاب بمن كذّبهم وعاندهم في الدنيا، وسوف ينزل بهم العذاب الأنكى والأشد، العذاب السرمدي الخالد في دار الجزاء العادل.

ما هي رسالة هذه الصفوة المختارة من البشر صلوات الله وسلامه عليهم؟ وما الذي قدّموه لأممهم؟

إنّ رسالاتهم تشمل كلّ خير وتبعد من كلّ شرّ، فقدموا للإنسانيّة كل ما يسعدها في الدنيا والآخرة، فما من خير إلا دلّوا الناس عليه، ولا شرّ إلا حذّروا الناس منه.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما - قال: كنّا في سفر، فنزلنا منزلاً فمنّا من يصلح خباءه، ومنّا من ينتضل([1])، ومنّا من هو في جشره([2])، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة([3])، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

(( إنّه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدلّ أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها، وتجيء فتن فيرقق([4]) بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبّ أن يزحزح عن النار ويدخل الجنّة، فلتأتيه منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه، ومن بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر )) .

هذه رسالة كل الأنبياء تدل على كل خير وتحذّر من كل شر لكن من أين تنطلق؟ وبماذا تبدأ؟ وعلى أي شيء تركّز؟ إنّ هناك دعائمَ وقواعدَ وأصولاً تركّز عليها دعواتهم، وتكون أوّل منطلقاتهم في دعوة الناس إلى الله.

تلك الأسس والقواعد هي:

1- التوحيد.

2- النبوات.

3- المعاد([5]).

هذه الأسس الثلاثة هي ملتقى دعواتهم وأصولها وقد اهتمّ بها القرآن غاية الاهتمام وبيّنها غاية البيان، وهي أهمّ مقاصده التي يدور عليها ويكررها، ويورد الأدلّة العقليَّة والحسيَّة عليها في جميع سوره وفي غالب قصصه وأمثاله، يعرف ذلك من له كمال فهم وحسن تدبّر وجودة تصوّر.

وقد عُنيت بها كتب الله بأجمعها واتّفقت عليها الشرائع السماويّة بأسرها.

وأهمّ هذه الأسس الثلاثة وأجلّها وأصل أصولها هو توحيد الله تبارك وتعالى الذي تضمّنته غالب سور القرآن، بأنواعه الثلاثة المشهورة بل تضمَّنته كلّ سورة من سور القرآن، فإنّ القرآن:

1- إمّا خبر عن الله وأسمائه وصفاته، وهو: التوحيد العلمي الخبري.

2- وإمّا دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي.

3- وإمّا أمر ونهي وإلزام بطاعته، فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته.

4- وإمّا خبر عن إكرامه لأهل التوحيد، وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء التوحيد.

5- وإمّا خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحلّ بهم في العقبى من العذاب، فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.

فالقرآن كلّه في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم([6]).
من كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل
للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ورعاه

__________

([1]) من المناضلة وهي المراماة بالنشاب.

([2]) الجشر: هي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها.

([3]) الصلاة جامعة هي بنصب (الصلاة) على الإغراء ونصب (جامعة) على الحال.

([4]) أي: يصير بعضها رقيقاً، أي: خفيفاً لعظم ما بعده.

([5]) ألف في بيان هذه الأسس الثلاثة الإمام الشوكاني كتاباً سماه: إرشاد الفحول إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات، طبع دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، وقد ساق أدلته من القرآن والتوراة والإنجيل.

([6]) شرح الطحاويَّة ( ص:88)، الطبعة الأولى 1392هـ، نشر المكتب الإسلامي.

وأصله من كلام الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وهو في مدارج السالكين لابن القيم (3/450).