المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حسن سلامة .. 20 عاماً على "الثأر المقدس"


محبة الشهادة
03-03-2016, 04:05 PM
https://www.palinfo.com/Uploads/Models/Media/Images/2016/3/3/-580026962.jpg?h=500&w=947&crop=auto&scale=both&quality=80&404=default&format=jpg

"حسن عبد الرحمن حسن سلامة"، هذا الاسم لم يكن ليسجل كأي اسم عادي في سجلات الأحوال المدنية، لكنه اختار لنفسه أن يكون في رأس سجلات المجد رغم ما يكابده من آلام.

ففي مثل هذا اليوم، وقبل عشرين عاماً، أشرف القائد الأسير حسن سلامة بتوجيهات من القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف على عمليات "الثأر المقدس"، رداً على اغتيال مهندس الكتائب الأول يحيى عياش.

الثأر المقدس
لا يمكن لمن يحمل في قلبه ذرة من حب الوطن، أن ينسى ذاك اليوم الذي اهتز فيه كيان الاحتلال الصهيوني بضربتين في يومٍ واحد بالقدس وعسقلان، حيث أوقعت تلك العمليات عشرات القتلى والجرحى ضمن عمليات الثأر المقدس لاغتيال المهندس يحيى عياش.

ففي 25 من شهر فبراير من عام 1996 انطلقت الشرارة حينما فجر الاستشهادي القسامي الأول مجدي أبو وردة جسده الطاهر داخل حافلة صهيونية بالقدس المحتلة، وبعد 30 دقيقة فجر الاستشهادي القسامي الثاني إبراهيم السراحنة جسده الطاهر عند مفترق الطرق في مدينة عسقلان المحتلة فقتلا أكثر من 28 صهيونياً وأصابا أكثر من 80 آخرين بينهم الكثير من الحالات الخطيرة.

وبعد سلسلة من العمليات جن جنون الاحتلال وقادته السياسيين والعسكريين، وشكلوا من أجل ذلك لجنة أمنية تضم خيرة قادة الجيش والشاباك بدعم مطلق من الحكومة الصهيونية آنذاك، وبتنسيق كامل مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وتحديداً جهازي المخابرات العامة والأمن الوقائي، حيث شنا حملات اعتقال غير مسبوقة في الضفة وغزة، وتحولت سجون السلطة إلى مسالخ، وبعد جهد مضنٍ تم التعرف إلى المسئول الأول عن التخطيط لتلك العمليات النوعية ألا وهو القائد حسن سلامة.

فخر بالحكم
يفتخر الأسير حسن سلامة بالحكم عليه من قبل السجان الصهيوني كأحد قادة الأسرى ذوي المحكوميات العالية، ففي إحدى اللقاءات الصحفية النادرة تحدث سلامة عقب عزله لما يزيد عن 11 عاما أنّه محكوم بـ48 مؤبدا و35 سنة وستة أشهر.

لكنه لم ييأس ولم يكل ولسان حاله يقول: "لولا فسحة الأمل بالله لمات الإنسان، وحب الحياة وحب البقاء سمات فطرية جبلت بها النفوس، فمع الأمل يصبح للحياة معنى، ومعه يستطيع الإنسان أن يصبر على ما أصابه من مصائب وما ألمّ به من شدائد".

عزيمة حديدية
بعد أشهر قليلة يتم الأسير حسن سلامة عقده الثاني في سجون الاحتلال، قضى أكثر من 13 عاماً منها في إحدى زنازين العزل الانفرادي لم يلتقِ خلالها ببشر، لكنّه شخصيته وحياته كانت مفعمة بالحيوية والنشاط.

وتصف العديد من الشهادات حالة الأسير سلامة داخل الزنازين بالقول: "كان حسن يستيقظ طوال 13 عاما في الزنزانة، يلعب الرياضة، ويقرأ القرآن، ويغني وقلبه ينبض بالأمل وحب الحياة، ولم ينقطع به الرجاء أو الأمل، متحدياً بذلك سجانيه الذين أقسموا أن يخرج حسن من سجنه محطم الروح هزيل الجسد، به ألف علة ومرض، وبحاجة إلى مجمع من العيادات النفسية قد تداوي جراحه، وكما قالوا يجب أن يخرج كقطعة الجبن السويسرية الفاسدة".

أم حسن كانت دائمة المكوث في مقر الصليب الأحمر ترفع الشعارات الهاتفة باسم الأسرى وصمودهم، غير أن المرض أنهكها ولم تعـد قادرة على التنقل مئات الأمتار لتصل غزة، وبقيت في فراشها حبيسة الحزن والانتظار.

يأتي صوتها ضعيفا باردا لكنه يمتلأ بحنان لو وزع على أرجاء الكون لكفاه، فتقول: "يا حسن يا ولدي لا تحزن إن الله معك وهو ناصرك، حسن أنا أتمنى من الله أن تخرج قريباً وأن أطبع على جبينك قبلة، ولا يهم لو رحلت بعدها، يا ولدي ساعتها سأكون قد عانقتك جسدا وروحا، وحققت حلمي في أن أشتم رائحتك، وأضمك إلى صدري يا ولدي الحبيب".

تفتخر أم الأسير حسن سلامة بابنها مبدية ثقتها بالله أولا وأخيرا، وردا على رسالته تقـول: "لا تتذكر أحكامهم ولا أرقامهم، فقط تذكر أن الله معك، أنت يا حسن بطل الأبطال".

خطوبة!
حسن صاحب القلب الذي ينبض بالحب والحياة قرر وفي خطوة مدروسة وبعد استشارات أن يعقد قرانه، ولأنه السجن له أحواله وحالته، لا يفهمها إلا من كابد الهم وعانى من الجرح؛ فقرر أن تكون شريكة مستقبله أسيرة محررة وكان اختياره غفران الزامل.

تعرفت غفران في الأسر على مجموعة من الأسيرات بينهن أحلام التميمي، التي كانت سبباً أيضاً في ارتباطها بحسن، وكانت دائماً تتحدث عن بطولاته وتضحياته ضد المحتل في منطقته بقطاع غزة.

وتشير المحررة زامل إلى طلب أحلام من حسن سلامة بأن تكون أختاً له في الإسلام تسانده في محنته وأزمته، وأنه وافق على ذلك، حديث الأسيرة التميمي المتواصل عن القيادي الأسير طبع في عقل وقلب الأسيرة زامل صورة عظيمة عن ذلك الرجل، بل دفعها إلى الطلب من التميمي أن تخبر حسن سلامة نيتها الارتباط به.

وحينما علم حسن بالأمر من خلال التميمي رفض ذلك خشية منه على حياة إنسانة قد ترهن نفسها بمصير شخص مجهول، لكن إصرار غفران على موقفها دفع بحسن إلى الموافقة، بعدما بين لها أنه طلق زوجته في أعقاب صدور الحكم بحقه حتى لا يظلمها معه.

الآن تتواصل غفران الحاصلة على بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية مع خاطبها عبر رسائل تبعثها له بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو من خلال توجيه كلماتها له ضمن برنامج إذاعي خصص للأسرى، متمنية أن تكتمل فرحتهما وأن يجتمعا خارج أسوار السجن.

رسالة غفران وحسن أن لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، وأنّ السجن مهما علت جدرانه فإنه إلى زوال، وأنه مهما أغلقت أبواب السجن فإنها ستفتح بإذن الله، وأن الأمل سيبقى فينا ما دام هناك في صدورنا أنفاس وفي عيوننا بريق.

رسالة غفران وحسن أن الأسير لا يموت، وأن الأمل أكبر من كل زنازين الاحتلال، وأن من أراد لحسن أن يموت فإن حسن ومعه غفران حطموا اليوم لبنة في جدار السجن الذي يقبع فيه حسن، وزرعوا الأمل في قلوب الآلاف.