tahriri
15-04-2007, 09:32 PM
فيما نص المحاضرة التي ألقاها الأستاذ عصام عميرة في جامعة بيرزيت بتاريخ 13/11/1996م. وقد رأيت أنها نافعة للمسلمين والمسلمات، واهذا نشرتها هنا:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للـه والصلاة والسلام على رسول اللـه وعلى آله وصحبه ومن والاه. ﴿رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي﴾ أما بعد: أيها الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته.
التزام الشرع دون إفراط أو تفريط:
لا يتوقعن أحد منكم أن تكون هذه المحاضرة درساً دينياً تقليدياً حول المرأة المسلمة ما لها وما عليها، أو أن تكون شرحاً لأحكام فقهية فروعية تعالج علاقة الرجل بالمرأة وما ينشأ عن تلك العلاقة من تفاعلات ومشاكل، فكتب الفقه زاخرة بالأحكام التي تعالج وباستفاضة كل تلك التفاعلات والقضايا. ولكن الأمر الأساس الذي سأتصدى له اليوم هو التعرف على سياسة الإسلام في معالجة أمر علاقة الجنس الذكري مع الجنس الأنثوي عند بني البشر، وبالتالي فهم النظام الاجتماعي في الإسلام بشكل أعمق مما هو مألوف عند المسلمين، بعيداً عن التقليد الأعمى لمفاهيم الغرب من جهة وعن الجمود الذي أحاط بعلماء المسلمين ومفكريهم في عصرنا ما أفقدهم القدرة التأثيرية على أبناء الأمة الإسلامية، بل على العكس فقد أدى جمودهم هذا إلى إبعاد الناس عن أحكام الشرع، وعدم الاكتراث بما يقولون، وذلك لسببين:
أولاً: تعاملهم الأعمى مع قضايا المرأة.
ثانياً: عدم ربطهم أحكام النظام الاجتماعي بباقي أنظمة المجتمع.
أما السبب الأول، وإن كان الدافع وراءه صيانة الفضيلة في المجتمع والحفاظ على المرأة المسلمة، إلا أن أصحابه تميزوا بالتعصب الأعمى لحجاب المرأة إلى درجة التضييق عليها وعدم السماح لها بالخروج من بيتها ومباشرة شئونها بنفسها حتى لا ترى أحداً ولا يراها أحد. فحالوا بينها وبين الحياة العامة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وأما السبب الثاني فإنهم لم يدركوا أن الأساس لبحث هذا الأمر هو العقيدة الإسلامية وأن المقياس هو الأحكام الشرعية، وليس المصلحة أو العقل أو المحافظة على التقاليد والعادات والأخلاق، وليس الدافع هو الوقوف في وجه الغزوة الكاسحة القادمة من الغرب، بل أن التصدي لها لا يكون إلا بتكامل تطبيق أنظمة المجتمع في دولة الإسلام الواحدة التي تشكل الدرع الواقي للمسلمين.
تأثر المسلمين بحضارة الغرب:
إذن فقد وقع المسلمون بين مطرقة الغرب وأفكاره عن علاقة الرجل بالمرأة المحصورة في صلات الذكورة والأنوثة دون غيرها، وسندان الضعف الفكري عند علماء المسلمين ومفكريهم في التصدي لهذه الواردات الثقافية المنحطة. ناهيكم عن الترويج الفاضح الذي يمارسه حكام المسلمين لتلك الواردات وكأنها قد نزلت من فوق سبع سماوات.
فماذا كانت النتيجة؟ اندفع المسلمون تحت شعار الحرية الشخصية إلى تسويغ اختلاط الرجال بالنساء من غير حاجة، والسكوت على التبرج وإبداء الزينة لغير المحارم، وتولي المرأة لمناصب الحكم. فشاعت الفاحشة وتدهورت الأخلاق وانحرف التفكير وفسد الذوق وتزعزعت الثقة وهُدمت المقاييس. وصار المجتمع الغربي مقياساً دون أن يؤخذ بعين الاعتبار أن ذلك المجتمع لا يأبه بصلات الذكورة والأنوثة، ولا يرى فيها أي طعن أو معرة، أو مخالفة للسلوك الواجب الاتباع، أو أي مساس بالأخلاق، أو أي خطر عليها. فأن يحضن الرجل امرأة ويقبلها في الشارع العام لا يشكل عندهم خرقاً للعرف أو خدشاً للحياء أو مساساً بالمشاعر، مع أن الإسلام -كما تعلمون- يعتبر هذا وأمثاله من الصلات الذكرية الأنثوية من الجرائم، وعليها عقوبات شديدة من الجلد أو حتى الرجم إن ثبتت الفاحشة على المحصن. ويعتبر مرتكبها منبوذاً منظوراً إليه بعين المقت والازدراء. وأن المرأة في نظر الإسلام أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، وأن ذلك من الأمور التي لا تقبل نقاشاً ولا جدلاً ويجب أن يبذل في سبيل الدفاع عنها المال والنفس عن رضا واندفاع.
ونحن اليوم نتخبط في فوضى لا مثيل لها، وتناقض كبير جراء تأرجحنا بين الجمود والتقليد، وغياب الحكم الإسلامي، فغلب تيار التقليد واندفع المسلمون طوعاً أو كرهاً نحو الكارثة الاجتماعية التي حلت بهم، ليضاف ذلك إلى رصيدهم من الكوارث السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها كثير.
النظام الإلهي هو وحده الصالح:حضرات الإخوة والأخوات:
من أجل ذلك كان لا بد من دراسة النظام الاجتماعي في الإسلام دراسة شاملة عميقة، حتى تدرك المشاكل بشكل دقيق ومحدد، بأنها اجتماع الرجل والمرأة والعلاقة الناشئة عن اجتماعهما وما يتفرع عن هذه العلاقة.
وإن المطلوب هو علاج هذا الاجتماع، وعلاج العلاقة الناشئة عنه، وعلاج متفرعاتها ومتولداتها ضمن إطار محدد، وهو الكتاب والسنة بغض النظر عن أية معطيات أو مؤثرات أخرى خارجة عنهما. ذلك أن اللـه سبحانه وتعالى هو الذي خلق الأزواج كلها ومنها الرجل والمرأة، وهو العليم بما خلق والخبير بما يصلحهم ويفسدهم، فتشريعه لهم هو الحق وما دونه هو الباطل، وكما أن اللـه سبحانه وتعالى قد أوجد توازنات زوجية في النبات والحيوان ضمن نظام كَرْهِيّ فرضه عليها، فقد أنزل تشريعاً يوجد التوازن بين الأزواج البشرية، إذا هم اتبعوه نجوا وإن خالفوه هلكوا.
من نتائج الحضارة الغربية:
ويختل هذا التوازن في المجتمع بقدر التفريط في الالتزام بمقتضى التشريع. ولقد سمعت يوم أمس نبأً أوردته وكالات الأنباء من الصين مفاده أن أكثر حالات الإجهاض تتم لأجنة أنثوية لأن الأزواج يريدون أبناءً من الذكور نظراً لحاجتهم إليهم، وبسبب منع «الحمل المتكرر» من قبل الدولة. وفي سياق الخبر تعليق حول تكون جيش من العزاب الصينيين بالملايين، لا يقابله عدد من الإناث يكفي لسد حاجتهم، مما أفقد المجتمع توازنه بشكل كبير، وخبر آخر من تركيا حيث قتل في حادث سير رجل أمن كبير وآخر من كبار رجال الجريمة المنظمة، وامرأة كانت في يوم من الأيام ملكة جمال تركيا وأصبحت تعمل مرافقة للرجال!! ولا يزال التحقيق مستمراً في ظروف، وملابسات الحادث، وهناك إحصاءات كثيرة لا أملك منها إلا القليل حول الجرائم الجنسية بالرضا أو بالإكراه، ومع قاصرين ذكوراً وإناثاً -حقائق وأرقام تكاد الأرض تنشق من هولها وتخرُّ لها الجبال هداً. وإحصاءات أخرى عن حالات الطلاق المرتفعة جداً حتى أنها
فاقت حالات الزواج في وقت ما في الكويت، وأن نسبة التزايد السكاني في النمسا عام 94 كان --1%، مما يعكس هرماً سكانياً رديئاً شكلاً ومضموناً. وأما الإيدز والأمراض الجنسية الأخرى فهي شواهد صارخة على فساد الأمر.
يضاف إلى ذلك كله ونتيجة للإباحية الدخيلة على مجتمعنا، فقد تخلخلت حالة التوازن الأسري بسبب خروج النساء إلى العمل وطلب العلم الزائد من غير داع يدعو إلى ذلك، وإخلاء قطاع كبير من البنات لمواقعهن في البيوت استعداداً وتأهيلاً ليكن زوجات وربات بيوت وأمهات وغيابهن المطول في المعاهد والجامعات وأماكن العمل مزاحمة للرجال مما أدى إلى ضعف شديد في الأداء الأنثوي في المجتمع وارتفاع كبير في نسبة البطالة بين الرجال الذين أوجب اللـه عليهم العمل ولم يوجبه على النساء والبنات.
ونظراً لخلو الشوارع من الضابطة السلوكية الإسلامية قل الحياء وكثرت الملاحقات والمغازلات والتعرض للفتيات والنساء بما يخدش الحياء ويدعو للرذيلة ويهدر الوقت ويضعف الهمة المطلوبة من الشباب لتحقيق الأعمال العظيمة. وتكفي وقفة قصيرة أمام إحدى مدارس البنات الثانوية لتروا العجب العجاب.
العودة إلى ما أنزل اللـه:
حضرات الإخوة والأخوات:
لستم في حاجة إلى مزيد من الشرح والإسهاب فالحال يغني عن المقال، والشيء المهم هو إعادة النظر فيما نحن فيه والبحث الجاد عن البديل الأنسب، ولعلي أوفق اليوم في عرض وجهة نظر الإسلام في هذا الشأن، والتي أعتقد أنها مفتاح الحل لهذه المعضلة. وإنها لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وأستفتح بالذي هو خير: يقول اللـه سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم﴾.
يعتبر هذا النص القرآني مدخلاً لفهم حقيقة الصلة بين الرجل والمرأة بأنه النسل من أجل إبقاء النوع الإنساني. فإذا تمت الصلة الجنسية بين الذكر والذكر أو الحيوان، وبين الأنثى والأنثى والحيوان لا يحصل مقصد النسل وبقاء النوع، بل يحصل إشباع للغريزة فقط، فينتفي بذلك مقصود الخالق من خلق الناس من ذكر وأنثى، وقد أورد الشيخ العلامة تقي الدين النبهاني رحمه اللـه في كتابه «النظام الاجتماعي في الإسلام» ما نصه: «لا صلاح للجماعة إلا بتعاون الرجل والمرأة باعتبار أنهما أخوان متضامنان تضامن مودة ورحمة، ولذلك لا بد من التأكيد على تغيير نظرة الجماعة إلى ما بين الرجل والمرأة من صلات تغييراً تاماً يزيل تسلط مفاهيم الاجتماع الجنسي ويجعلها أمراً طبيعياً وحتمياً للإشباع، ويزيل حصر هذه الصلة باللذة والتمتع ويجعلها نظرة تستهدف مصلحة الجماعة لا نظرة الذكورة والأنوثة ويسيطر عليها تقوى اللـه لا حب التمتع والشهوات، نظرة لا تنكر على الإنسان استمتاعه باللذة الجنسية ولكنها تجعله استمتاعاً مشروعاً محققاً بقاء النوع متفقاً مع المثل الأعلى للمسلمين وهو رضوان اللـه تعالى» أ.هـ. وصدق اللـه سبحانه وتعالى حيث يقول: ﴿واللـه جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة﴾.
فاللـه سلط الخلق على الذكر والأنثى من ناحية الزوجية وكرر ذلك حتى تظل النظرة إلى الصلات بين الذكر والأنثى منصبة على الزوجية أي على النسل لبقاء النوع. فلا يطلب الرجل بعد الزواج الذي تتحقق فيه المتعة واللذة سواء من امرأة واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع كحد أعلى، لا يطلب بعد ذلك بنين وحفدة فيكف عن أن يمد عينيه إلى ما متع اللـه به أزواجاً منهم، ولا يفكر في إشباع شهواته في غير هذا الاتجاه، لأن الحدود قد وضعت والخطوط
قد رسمت، ولكم أن تتصوروا ما يحققه ذلك الالتزام من طمأنينة وسعادة وتقليل للمشاكل التي نعاني منها اليوم إلى حدها الأدنى.
اختلاف النتائج باختلاف النظرة:حضرات الإخوة والأخوات:
أنتقل الآن إلى أثر النظرة إلى الصلات بين الرجل والمرأة في المجتمعات، فإذا كانت النظرة مسلطة على صلة الذكورة والأنوثة كما هي الحال في المجتمعات الغربية والشرقية كان إيجاد الفكر الجنسي المثير عند الرجل والمرأة أمراً ضرورياً لإثارة الغريزة حتى تتطلب إشباعاً، وحتى يجري إشباعها لتحقيق هذه الصلة، وتوجد الراحة بوساطة الإشباع. وهذا يفسر الكم الهائل من الأفلام والـمُـسلسلات والقصص والروايات والسهرات المختلطة والرحلات والمهرجانات التي لا طائل من ورائها إلا جمع الرجال مع النساء بهدف الجمع ذاته لا ليتحقق على يد المجتمعين أي خير أو أي إنجاز مجتمعي له معنى.
وأما إذا كانت نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة مسلطة على الغرض الذي من أجله وجدت هذه الغريزة -وهو بقاء النوع- كان إبعاد الفكر الجنسي المثير أمراً ضرورياً في الحياة العامة حتى لا تثور الغريزة لئلا تتطلب إشباعاً لا يتاح لها فينالها الألم والانزعاج، وكان حصر هذا الواقع المادي المثير في حالة الزوجية أمراً ضرورياً لبقاء النوع ولجلب الطمأنينة والراحة في تحقيق الإشباع عند تطلبه.
يتبع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للـه والصلاة والسلام على رسول اللـه وعلى آله وصحبه ومن والاه. ﴿رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي﴾ أما بعد: أيها الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته.
التزام الشرع دون إفراط أو تفريط:
لا يتوقعن أحد منكم أن تكون هذه المحاضرة درساً دينياً تقليدياً حول المرأة المسلمة ما لها وما عليها، أو أن تكون شرحاً لأحكام فقهية فروعية تعالج علاقة الرجل بالمرأة وما ينشأ عن تلك العلاقة من تفاعلات ومشاكل، فكتب الفقه زاخرة بالأحكام التي تعالج وباستفاضة كل تلك التفاعلات والقضايا. ولكن الأمر الأساس الذي سأتصدى له اليوم هو التعرف على سياسة الإسلام في معالجة أمر علاقة الجنس الذكري مع الجنس الأنثوي عند بني البشر، وبالتالي فهم النظام الاجتماعي في الإسلام بشكل أعمق مما هو مألوف عند المسلمين، بعيداً عن التقليد الأعمى لمفاهيم الغرب من جهة وعن الجمود الذي أحاط بعلماء المسلمين ومفكريهم في عصرنا ما أفقدهم القدرة التأثيرية على أبناء الأمة الإسلامية، بل على العكس فقد أدى جمودهم هذا إلى إبعاد الناس عن أحكام الشرع، وعدم الاكتراث بما يقولون، وذلك لسببين:
أولاً: تعاملهم الأعمى مع قضايا المرأة.
ثانياً: عدم ربطهم أحكام النظام الاجتماعي بباقي أنظمة المجتمع.
أما السبب الأول، وإن كان الدافع وراءه صيانة الفضيلة في المجتمع والحفاظ على المرأة المسلمة، إلا أن أصحابه تميزوا بالتعصب الأعمى لحجاب المرأة إلى درجة التضييق عليها وعدم السماح لها بالخروج من بيتها ومباشرة شئونها بنفسها حتى لا ترى أحداً ولا يراها أحد. فحالوا بينها وبين الحياة العامة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وأما السبب الثاني فإنهم لم يدركوا أن الأساس لبحث هذا الأمر هو العقيدة الإسلامية وأن المقياس هو الأحكام الشرعية، وليس المصلحة أو العقل أو المحافظة على التقاليد والعادات والأخلاق، وليس الدافع هو الوقوف في وجه الغزوة الكاسحة القادمة من الغرب، بل أن التصدي لها لا يكون إلا بتكامل تطبيق أنظمة المجتمع في دولة الإسلام الواحدة التي تشكل الدرع الواقي للمسلمين.
تأثر المسلمين بحضارة الغرب:
إذن فقد وقع المسلمون بين مطرقة الغرب وأفكاره عن علاقة الرجل بالمرأة المحصورة في صلات الذكورة والأنوثة دون غيرها، وسندان الضعف الفكري عند علماء المسلمين ومفكريهم في التصدي لهذه الواردات الثقافية المنحطة. ناهيكم عن الترويج الفاضح الذي يمارسه حكام المسلمين لتلك الواردات وكأنها قد نزلت من فوق سبع سماوات.
فماذا كانت النتيجة؟ اندفع المسلمون تحت شعار الحرية الشخصية إلى تسويغ اختلاط الرجال بالنساء من غير حاجة، والسكوت على التبرج وإبداء الزينة لغير المحارم، وتولي المرأة لمناصب الحكم. فشاعت الفاحشة وتدهورت الأخلاق وانحرف التفكير وفسد الذوق وتزعزعت الثقة وهُدمت المقاييس. وصار المجتمع الغربي مقياساً دون أن يؤخذ بعين الاعتبار أن ذلك المجتمع لا يأبه بصلات الذكورة والأنوثة، ولا يرى فيها أي طعن أو معرة، أو مخالفة للسلوك الواجب الاتباع، أو أي مساس بالأخلاق، أو أي خطر عليها. فأن يحضن الرجل امرأة ويقبلها في الشارع العام لا يشكل عندهم خرقاً للعرف أو خدشاً للحياء أو مساساً بالمشاعر، مع أن الإسلام -كما تعلمون- يعتبر هذا وأمثاله من الصلات الذكرية الأنثوية من الجرائم، وعليها عقوبات شديدة من الجلد أو حتى الرجم إن ثبتت الفاحشة على المحصن. ويعتبر مرتكبها منبوذاً منظوراً إليه بعين المقت والازدراء. وأن المرأة في نظر الإسلام أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، وأن ذلك من الأمور التي لا تقبل نقاشاً ولا جدلاً ويجب أن يبذل في سبيل الدفاع عنها المال والنفس عن رضا واندفاع.
ونحن اليوم نتخبط في فوضى لا مثيل لها، وتناقض كبير جراء تأرجحنا بين الجمود والتقليد، وغياب الحكم الإسلامي، فغلب تيار التقليد واندفع المسلمون طوعاً أو كرهاً نحو الكارثة الاجتماعية التي حلت بهم، ليضاف ذلك إلى رصيدهم من الكوارث السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها كثير.
النظام الإلهي هو وحده الصالح:حضرات الإخوة والأخوات:
من أجل ذلك كان لا بد من دراسة النظام الاجتماعي في الإسلام دراسة شاملة عميقة، حتى تدرك المشاكل بشكل دقيق ومحدد، بأنها اجتماع الرجل والمرأة والعلاقة الناشئة عن اجتماعهما وما يتفرع عن هذه العلاقة.
وإن المطلوب هو علاج هذا الاجتماع، وعلاج العلاقة الناشئة عنه، وعلاج متفرعاتها ومتولداتها ضمن إطار محدد، وهو الكتاب والسنة بغض النظر عن أية معطيات أو مؤثرات أخرى خارجة عنهما. ذلك أن اللـه سبحانه وتعالى هو الذي خلق الأزواج كلها ومنها الرجل والمرأة، وهو العليم بما خلق والخبير بما يصلحهم ويفسدهم، فتشريعه لهم هو الحق وما دونه هو الباطل، وكما أن اللـه سبحانه وتعالى قد أوجد توازنات زوجية في النبات والحيوان ضمن نظام كَرْهِيّ فرضه عليها، فقد أنزل تشريعاً يوجد التوازن بين الأزواج البشرية، إذا هم اتبعوه نجوا وإن خالفوه هلكوا.
من نتائج الحضارة الغربية:
ويختل هذا التوازن في المجتمع بقدر التفريط في الالتزام بمقتضى التشريع. ولقد سمعت يوم أمس نبأً أوردته وكالات الأنباء من الصين مفاده أن أكثر حالات الإجهاض تتم لأجنة أنثوية لأن الأزواج يريدون أبناءً من الذكور نظراً لحاجتهم إليهم، وبسبب منع «الحمل المتكرر» من قبل الدولة. وفي سياق الخبر تعليق حول تكون جيش من العزاب الصينيين بالملايين، لا يقابله عدد من الإناث يكفي لسد حاجتهم، مما أفقد المجتمع توازنه بشكل كبير، وخبر آخر من تركيا حيث قتل في حادث سير رجل أمن كبير وآخر من كبار رجال الجريمة المنظمة، وامرأة كانت في يوم من الأيام ملكة جمال تركيا وأصبحت تعمل مرافقة للرجال!! ولا يزال التحقيق مستمراً في ظروف، وملابسات الحادث، وهناك إحصاءات كثيرة لا أملك منها إلا القليل حول الجرائم الجنسية بالرضا أو بالإكراه، ومع قاصرين ذكوراً وإناثاً -حقائق وأرقام تكاد الأرض تنشق من هولها وتخرُّ لها الجبال هداً. وإحصاءات أخرى عن حالات الطلاق المرتفعة جداً حتى أنها
فاقت حالات الزواج في وقت ما في الكويت، وأن نسبة التزايد السكاني في النمسا عام 94 كان --1%، مما يعكس هرماً سكانياً رديئاً شكلاً ومضموناً. وأما الإيدز والأمراض الجنسية الأخرى فهي شواهد صارخة على فساد الأمر.
يضاف إلى ذلك كله ونتيجة للإباحية الدخيلة على مجتمعنا، فقد تخلخلت حالة التوازن الأسري بسبب خروج النساء إلى العمل وطلب العلم الزائد من غير داع يدعو إلى ذلك، وإخلاء قطاع كبير من البنات لمواقعهن في البيوت استعداداً وتأهيلاً ليكن زوجات وربات بيوت وأمهات وغيابهن المطول في المعاهد والجامعات وأماكن العمل مزاحمة للرجال مما أدى إلى ضعف شديد في الأداء الأنثوي في المجتمع وارتفاع كبير في نسبة البطالة بين الرجال الذين أوجب اللـه عليهم العمل ولم يوجبه على النساء والبنات.
ونظراً لخلو الشوارع من الضابطة السلوكية الإسلامية قل الحياء وكثرت الملاحقات والمغازلات والتعرض للفتيات والنساء بما يخدش الحياء ويدعو للرذيلة ويهدر الوقت ويضعف الهمة المطلوبة من الشباب لتحقيق الأعمال العظيمة. وتكفي وقفة قصيرة أمام إحدى مدارس البنات الثانوية لتروا العجب العجاب.
العودة إلى ما أنزل اللـه:
حضرات الإخوة والأخوات:
لستم في حاجة إلى مزيد من الشرح والإسهاب فالحال يغني عن المقال، والشيء المهم هو إعادة النظر فيما نحن فيه والبحث الجاد عن البديل الأنسب، ولعلي أوفق اليوم في عرض وجهة نظر الإسلام في هذا الشأن، والتي أعتقد أنها مفتاح الحل لهذه المعضلة. وإنها لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وأستفتح بالذي هو خير: يقول اللـه سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم﴾.
يعتبر هذا النص القرآني مدخلاً لفهم حقيقة الصلة بين الرجل والمرأة بأنه النسل من أجل إبقاء النوع الإنساني. فإذا تمت الصلة الجنسية بين الذكر والذكر أو الحيوان، وبين الأنثى والأنثى والحيوان لا يحصل مقصد النسل وبقاء النوع، بل يحصل إشباع للغريزة فقط، فينتفي بذلك مقصود الخالق من خلق الناس من ذكر وأنثى، وقد أورد الشيخ العلامة تقي الدين النبهاني رحمه اللـه في كتابه «النظام الاجتماعي في الإسلام» ما نصه: «لا صلاح للجماعة إلا بتعاون الرجل والمرأة باعتبار أنهما أخوان متضامنان تضامن مودة ورحمة، ولذلك لا بد من التأكيد على تغيير نظرة الجماعة إلى ما بين الرجل والمرأة من صلات تغييراً تاماً يزيل تسلط مفاهيم الاجتماع الجنسي ويجعلها أمراً طبيعياً وحتمياً للإشباع، ويزيل حصر هذه الصلة باللذة والتمتع ويجعلها نظرة تستهدف مصلحة الجماعة لا نظرة الذكورة والأنوثة ويسيطر عليها تقوى اللـه لا حب التمتع والشهوات، نظرة لا تنكر على الإنسان استمتاعه باللذة الجنسية ولكنها تجعله استمتاعاً مشروعاً محققاً بقاء النوع متفقاً مع المثل الأعلى للمسلمين وهو رضوان اللـه تعالى» أ.هـ. وصدق اللـه سبحانه وتعالى حيث يقول: ﴿واللـه جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة﴾.
فاللـه سلط الخلق على الذكر والأنثى من ناحية الزوجية وكرر ذلك حتى تظل النظرة إلى الصلات بين الذكر والأنثى منصبة على الزوجية أي على النسل لبقاء النوع. فلا يطلب الرجل بعد الزواج الذي تتحقق فيه المتعة واللذة سواء من امرأة واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع كحد أعلى، لا يطلب بعد ذلك بنين وحفدة فيكف عن أن يمد عينيه إلى ما متع اللـه به أزواجاً منهم، ولا يفكر في إشباع شهواته في غير هذا الاتجاه، لأن الحدود قد وضعت والخطوط
قد رسمت، ولكم أن تتصوروا ما يحققه ذلك الالتزام من طمأنينة وسعادة وتقليل للمشاكل التي نعاني منها اليوم إلى حدها الأدنى.
اختلاف النتائج باختلاف النظرة:حضرات الإخوة والأخوات:
أنتقل الآن إلى أثر النظرة إلى الصلات بين الرجل والمرأة في المجتمعات، فإذا كانت النظرة مسلطة على صلة الذكورة والأنوثة كما هي الحال في المجتمعات الغربية والشرقية كان إيجاد الفكر الجنسي المثير عند الرجل والمرأة أمراً ضرورياً لإثارة الغريزة حتى تتطلب إشباعاً، وحتى يجري إشباعها لتحقيق هذه الصلة، وتوجد الراحة بوساطة الإشباع. وهذا يفسر الكم الهائل من الأفلام والـمُـسلسلات والقصص والروايات والسهرات المختلطة والرحلات والمهرجانات التي لا طائل من ورائها إلا جمع الرجال مع النساء بهدف الجمع ذاته لا ليتحقق على يد المجتمعين أي خير أو أي إنجاز مجتمعي له معنى.
وأما إذا كانت نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة مسلطة على الغرض الذي من أجله وجدت هذه الغريزة -وهو بقاء النوع- كان إبعاد الفكر الجنسي المثير أمراً ضرورياً في الحياة العامة حتى لا تثور الغريزة لئلا تتطلب إشباعاً لا يتاح لها فينالها الألم والانزعاج، وكان حصر هذا الواقع المادي المثير في حالة الزوجية أمراً ضرورياً لبقاء النوع ولجلب الطمأنينة والراحة في تحقيق الإشباع عند تطلبه.
يتبع