المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المكر في القرآن


issam1986
09-12-2008, 10:24 PM
http://alwaei.com/admin/topics/data/photos_and_files/SDFSDFSDF.bmpورد في القرآن الكريم لفظ (المكر) في مواضيع كثيرة، تارة مضافا إلى الله عز وجل وأخرى مضافا إلى العباد، وأحيانا يكون في سياق الذم وأخري في مقام العقوبة، وهذا المقال محاولة لبيان حقيقة (المكر) في القرآن الكريم من خلال استقراء الآليات التي ورد فيها لفظ (المكر) وفهمها في ضوء كلام المفسرين والمحققين من سلف الأمة رحمهم الله تعالى، ومن أعظم الأسباب المعينه على حسن الفهم عن الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) ولهذا ينبغي ان يقصد ـ إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث ـ ان يذكر نظائر ذلك اللفظ، ماذا عني بها الله ورسوله؟ فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده، ويمكن عرض الموضوع من خلال المحاور التالية:
كلمة (المكر) في لغة العرب تدور حول الاحتيال والخداع كما قال ابن فارس، وذهب بعضهم الى ان المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة كما قال الراغب في المفردات، وقال المطبري: "وأما المكر فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر ليورطه الماكر به مكروها من الأمر".
وأما في الاصطلاح فكثير من العلماء فرقوا بين المكر المضاف إلى الله عز وجل والمكر الواقع من الخلق، كما قال الجرجاني في التعريفات: "المكر من جانب الحق تعالى: هو إرداف النعم مع المخالفة، وإبقاء الحال مع سوء الأدب، ومن جانب العبد: إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر".
المكر المضاف إلى الله
يعتقد المسلم بأن الله عز وجل منزه عن كل ما لا يليق به سبحانه من النقائض وصفات المخلوقين كما قال (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وتنزيه الله تعالى يكون وفق المنهج الرباني الذي ورد في النصوص الشرعية، بحيث لا يثبت الإنسان الله تعالى وما لم يثبته لنفسه ولا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا ينفي عنه ما أثبته له رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإنما يقف مع النصوص الشرعية إثباتاً ونفيا مع اعتقاد كمال الله .
ومن هذا القبيل لفظ (المكر) حيث أضيف في القرآن إلى الله تعالى: ويتمثل الموقف الصحيح فيما قرره ابن القيم حيث قال: "وأما ما ورد بلفظ الفعل كقوله تعالى (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)، (ومكروا مكرا ومكرنا وهم لا يشعرون) فهذا يطلق على الله كما ورد ولا يجوز أن يشتق لله منه اسم، فلا يقال من أسمائه (الماكر) ولا الكائد، لأنه لم يرد، وأما تسميته مكراً وكيداً فقيل، من باب المقابلة، نحو (وجزاء سيئة بمثلها) ونحو ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وقيل: إنه على بابه، فإن المكر إظهار أمر وإخفاء خلافه ليتواصل به إلى مراده وينقسم إلى قسمين: محمود ومذموم، فالقبيح، إيصاله إلى من لا يستحقه، وأما الحسن فإيصاله إلى من يستحقه عقوبة له، فالأول ـ وهو المحمود منه ـ نسبته إلى الله لا نقص فيها، وأما الثاني ـ وهو المذموم ـ فلا ينسب إلى الله، فمن المحمود مكره سبحانه بأهل المكر مقابلة لهم بفعلهم وجزاء لهم من جنس عملهم، وكذا يقال في الكيد كما يقال في المكر، والله إنما يفعل من ذلك ما يحمده عليه عدلاً منه وحكمة".
قال ابن القيم: "وأما المكر الذي وصف به نفسه فهو مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شيء ومنه أحسن شيء لأنه عدل ومجازاة، وكذلك المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله أوليائه فلا أحسن من تلك المخادعة والمكر".
وقال الطبري مبينا معنى مكر الله بمن مكر به: "أنه أخذه منهم على غرة أو استدرجه منهم من استدرج على كفره به ومعصيته إياه ثم إحلاله العقوبة به على غرة وغفلة".
وعلى هذا المعنى جاءت الآيات التي أضيف فيها المكر إلى الله عز وجل مثل قوله تعالى (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) قال الطبري: "وأما مكر الله بهم فإنه فيما ذكر السدي إلقاؤه شبه عيسى عليه السلام على بعض أتباعه حتى قتله الماكرون بعيسى وهم يحسبونه عيسى وقد رفع الله عز وجل عيسى قبل ذلك، وقد يحتمل ان يكون معنى مكر الله بهم استدراجه إياهم ليبلغ الكتاب أجله".
ومنها قوله عز وجل (وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا ان رسلنا يكتبون ما تمكرون) قال ابن كثير :"يخبر تعالى أنه اذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم كالرخاء بعد الشدة والخصب بعد الجدب والمطر بعد القحط ونحو ذلك (إذا لهم مكر في آياتنا) قال مجاهد إستهزاء وتكذيب، وقوله (قل الله أسرع مكرا) أي أشد استدراجا وإمهالا حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب وإنما هو في مهلة ثم يؤخذ على غرة منه".
وقال ابن سعدي :"لا يقدر أحد أن يمكر مكراً إلا بإذنه وتحت قضائه وقدره، فإذا كانوا يمكرون بدينه فإن مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم".
وقاله عز وجل :(ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون) قال ابن عباس :(ومكروا مكراً) أرادوا قتل صالح ومن آمن معه، (ومكرنا مكراً) أردنا قتلهم (وهم لا يشعرون) بمكرنا".
وقال الطبري :"يقول تعالى ذكره وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح بمصيرهم إليه ليلاً ليقتلوه وأهله وصالح لا يشعر بذلك، ومكرنا مكراً يقول فأخذناهم بعقوبتنا إياهم وتعجيلنا العذاب لهم وهم لا يشعرون بمكرنا".
المكر المضاف إلى العباد
جاء في مواضيع كثيرة إضافة المكر الى الناس، والمقصود به في الجملة مخالفة الرسل والإعراض عن دين الله تعالى والصد عن سبيل الله مما استوجب العقوبة والجزاء كقوله عز وجل (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) قال ابن عباس :"ليمكروا فيها ليعلموا فيها بالمعاصي والفساد"، وقال الطبري :"يقول جل ثناؤه وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون كذلك جعلنا بكل قرية عظماءها مجرميها يعنى اهل الشرك بالله والمعصية له (ليمكروا فيها) بغرور من القول أو بباطل من الفعل بدين الله وأنبيائه (وما يمكرون) أي ما يحيق مكرهم ذلك إلا بأنفسهم لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدهم عن سبيله، (وهم لا يشعرون) يقول لا يدرون ما قد أعد الله لهم من أليم عذابه فهم في غيهم وعقوهم على الله يتمادون".
وقال عز وجل (بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد) قال مجاهد في معنى (مكرهم) : "قولهم أي ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار" وقال ابن سعدي :"وهو كفرهم وشركهم وتكذيبهم لآيات الله".
وقال عز وجل مبيناً عظم ذلك المكر وشناعة أمرة : فقال عز وجل (ومكروا مكرا كباراً)، قال الطبري يقول :"ومكروا مكرا عظيماً" وقال ابن زيد : "كثيرا".
وقال تعالى :(وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال ابن السعدي :"وعند الله مكرهم أي هو محيط به علما وقدرة وقد عاد مكرهم عليهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال أي ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به من عظمه لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها عن أي مكروا مكرا كبارا لا يقدر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلاً أو يبطل حقا والقصد أن مكرهم لم يغن عنهم شيئاً ولم يضروا الله شيئاً وإنما ضروا أنفسهم".
وبين سبحانه ان ذلك المكر متواصل ومستمر للصد عن دين الله فقال عز وجل (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذا تأمروننا أن نفكر بالله ونجعل له أندادا) قال ابن كثير : "اي بل كنتم تمكرون بنا ليلاً ونهاراً، وتغرونا وتمنونا وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء فإذا جميع ذلك باطل وكذب ومين، قال قتادة وابن زيد : بل مكر الليل والنهار يقول بل مكركم بالليل والنهار".
وأما نتيجة ذلك المكر الباطل فهو العقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل : (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) قال الطبري :" والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم" وعن قتادة قال : هؤلاء أهل الشرك، وقوله (ومكر أولئك هو يبور)، يقول : وعمل هؤلاء المشركين يبور فيبطل فيذهب لأنه لم يكن لله فلم ينفع عامله، وعن قتادة ومكر أولئك هو يبور أي يفسد، وعن شهر بن حوشب في قوله ومكر أولئك هو يبور قال هم أصحاب الرياء، وقال ابن سعدي :" أي يهلك ويضمحل ولا يفيدهم شيئاً لأنه مكر بالباطل لأجل الباطل".
الأمن من مكر الله من الكبائر
من المعاني التي ارشد إليها القرآن في هذا المجال التحذير من الأمن من مكر الله تعالى كما قال عز وجل : (أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون) قال ابن كثير :" أفامنوا مكر الله أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" قال الطبري : وهم الهالكون ـ ولهذا قال الحسن البصري : "المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن".
وقد وعد ابن حجر في الزواجر من جملة الكبائر (الأمن من مكر الله) بالاسترسال في المعاصي مع الاتكال على الرحمة قال تعالى :( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )، وفي الحديث "إذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته فأنما ذلك منه استدراج" أخرجه احمد وهو صحيح.

issam1986
09-12-2008, 10:26 PM
لا تبخلونــــــــــا بالدعـــــــاء وجزاكم اللــــــــــــــــــــــه بالف خير