المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهل غزة استعينوا بالله على ردّ العدوان الصهيوني، واصبروا


أبو عبد الرحمن يوسف
01-01-2009, 12:34 PM
الحمد لله ربّ العالمين، الذي أنزل كتابه المبين، على رسوله الصادق الأمين، فشرح به صدور عباده المتقين، ونوّر به بصائر أوليائه العارفين، فاستنبطوا منه الأحكام، وميزوا به الحلال من الحرام، و بينوا الشرائع للعالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ظهير له ولا معين، شهادة موجبة للفوز بأعلى درجات اليقين، ودافعة لشبه المبطلين و تمويهات المعاندين.
وأشهد أن نبينا محمدا صلى الله عليه واله وسلم عبده و رسوله سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوث لكافة الخلائق أجمعين، القائل: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)، صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين و بعد:
إنّ الهجوم السافر والمكشوف على مرأى من العالم الذي تتعرض له مقاطعة غزة المكلومة على يدي شرذمة من اليهود الغاصبين الظالمين، بإيعاز من بعض الدُّول الصليبية الحاقدة على أي مشروع إسلامي في المنطقة ولو كان من جعبة جهم بن صفوان، وسكوت واضح من بعض الجهات التي أساءت التعامل مع الأزمة، وخنعت لعهود باطلة ومخرومة من كل وجه أملاها الغرب على أهل المنطقة، عهود لا تخدم السلام ولا تجلب للعرب والمسلمين في المنطقة الأمن والكرامة، بل نسجت لحماية دولة الصهاينة المدللة، عهود يجب أن تحتوي بين أسطرها أن أي اعتداء من الصهاينة على إقليم عربي تصير منقوضة وباطلة، قال الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ))، قال العلامة ابن كثير في تفسيره: (يقول تعالى: وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال ديني، على عدوّ لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم، لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار (بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ)، أي: مهادنة إلى مدة فلا تخفروا ذمتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنه)اهـ.
إن اليهود كبلوا بعض دول المقاطعة بعهود، تسمح لهم بالتحرك على جميع الأصعدة، وتبيح لهم القتل والدمار والإبادة الجماعية دون العودة إلى هذه الدول المستكينة إلى العهود، وفي نفس الوقت تمنع هذه الدول من النطق ببنت شفة، بل عهود شلّت حركة هذه الدول وكأنها تمائم خربشها مشعوذ ساحر يتعامل مع الجن فجعلت من علّقها رهينا لأوهام وتأثيرات، يخيل له من سحرها أنه يخدم القضية العربية، ويحافظ على أمن المنطقة، ويورث للأجيال منطقة خالية من شوك السعدان، وهذا يدل أن المسحورين الذين تولوا التفاوض مع دولة صهيون عندهم فقر شرعي واضح، وجهل بالقانون الدولي فاضح، وهذه مغبة تغريب العلماء من التفاوض مع اليهود الظالمين.
أضف إلى هذا المرض والعفن تباطؤ باقي الدول الإسلامية في نصرة المستضعفين في غزة الجريحة، وهم إلى الآن مختلفون هل يعقدون قمة طارئة لعلاج الجرح الذي ينزف في غزة، أم أنهم ينتظرون حتى تقضي دولة صهيون وطرها من غزة، وتسوي أعلاها بأسفلها، ثم يجتمعون ليحصوا عدد القتلى والجرحى، ويخرجوا ببيان فيه شجب وإدانة وكلام مستهلك وقديم، أو يتوجهون إلى الأمم المتحدة على قهر المستضعفين في الأرض لإصدار بيان لا تعبأ به دول صهيون...
إنّ الوضع الذي تجري أحداثه في المنطقة يجعل أهل غزة يُعيدون النظر في صلتهم بالله جلّ وعلا، ويبحثون بصدق وتجرد عن المنافذ التي تسرب منها لهيب العادي الغاشم إلى فنائهم المحاصر، وذلك بتقليب النظر في أحوالهم وجلواتهم، هل هي تسير على مراد الله تعالى، وتسعى إلى تحقيق مرضاته، أم أنها أجساد خاوية، وأفئدة هواء؛ غارقة في يمّ الشهوات، ومستنقع الشّبه؛ من فكر إخواني مقيت يجلب سخط الله تعالى، ويؤخر نصره، ويكلِّب عليهم دول المنطقة جمعاء لما يرونه من الفكر الإخوان المسلمين من تطرف وجهل وبعد عن روح الشريعة الغراء، إذ لفكر الإخوان المسلمين بصماتٌ شنعية في دول المنطقة، ويد في امتداد فكر الروافض في صفوف أبناء المقاطعة، بل يعد فكر الإخوان المسلمين المنفذ الذي يسلكه الروافض للوصول إلى أفئدة أبناء الأمة، ولهذا نجد دول الجوار تتوجس خيفة من نصرة القائمين على تسير شؤون أهل غزة الذين يتبنون فكر الإخوان المسلمين منهجا لهم، ويخشون منهم أن يكافئوا المعونة بانقلاب على أنظمتهم في المستقبل القريب، أو بتصدير فكر الروافض إلى أقاليمهم، وهذا من المنظور الشرعي مقبول، فيجب على أهل غزة أن يتبرؤوا من فكر الإخوان المسلمين المبتدع والحادث، وأن يعودوا إلى منهج السلف الصالح الذي كان عليه الأخيار والأطهار من أبناء هذه الأمة، فإنهم إذا انتسبوا إلى منهج السلف الصالح، وعملوا بأصوله، وربوا أبناء المقاطعة عليه، واستعانوا بالله ثم بالدول التي تتبنى منهج السلف الصالح طريقا في سيرها إلى الله، فإنهم بإذن الله العزيز يجدون المدد والعون من الصادقين المجاهدين حقيقة، وليس من المتاجرين بالقضية الفلسطينية للوصول إلى مآرب دنيئة كما يسعى إلى هذا الغرض حزب حسن الرافضي في لبنان.
أخرج الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما بإسنادهما إلى عبد الله بن عباس أن النبي قال: (نصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدبور).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والصبا يقال لها القَبول، لأنها تقابل باب الكعبة، إذ مهبها من مشرق الشمس، وضدها الدبور، وهي التي أُهلكت بها قوم عاد؛ ومن لطيف المناسبة كون القَبول نصرت أهل القبول، وكون الدبور أهلكت أهل الإدبار).
يا أهل غزة الكرام، ويا أهل الرباط الشجعان إن النصر يأتيكم من ريح الصبا، ريح أهل الحديث والأثر، ريح من سلك منهج السلف الصالح في العلم والعقيدة والسلوك والسياسة والجهاد، فإنّكم إن عدتم إلى هذا المنهج سيكون النصر حليفكم في جملة قضاياكم، كما أكرم الله به الأولين من أسلافكم، وأما وإن اخترتم منهج الإخوان المسلمين الذي عفّن إقليم أفغانستان، وساق العراق إلى آتون الفتن، فلا تلومونّ إلا أنفسكم، قال تعالى: [أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ].
يا أهل غزة من الرجال والنسوان إن الهوان والذّل والصغار يأتي مَن ترك أمر الرحمن بعد ظهوره للخلق، أولم تقرؤوا التاريخ والسير، أم أن السياسة العرجاء أعمت أبصاركم عما أصاب من ترك حقّ بعد ظهور؟.
أخرج الإمام أحمد إسناده صحيح في (الزهد 1/86) بسنده إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص، فُرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عزّ وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك؛ تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى).
وقال أبو البختري كما أخرجه أحمد (4/260)، وأبو داود (4337، عون المعبود)، وعلي بن الجعد في مسنده (برقم: 130) بإسناد صحيح: أخبرني من سمع النبي يقول: (لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم).
ومعنى (يعذروا من أنفسهم)؛ أي تكثر ذنوبهم وعيوبهم، ويتركون العمل بالحق بعد ظهوره فيستوجبون العقوبة.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وابن ماجه، وغيرهم بإسناد حسن من طريق عبيد الله بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله : (ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، هم أعزّ منهم وأمنع، ولا يغيِّرون، إلاّ عمهم الله بعقاب).
وعبيد الله بن جرير مقبول حيث يتابع، وقد تابعه عند الإمام أحمد أخوه المنذر.
وقال عمر بن الخطاب: (توشك القرى أن تخرب وهي عامرة، قيل: كيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارها أبرارها، وساد القبيلة منافقوها).
وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله × قال: (إياكم ومحقِّرات الذّنوب، فإنّهن يجتمعن على الرّجل حتى يهلكنه).
الله أسأل أن يبصر أهل غزة بمنهج السلف الصالح، وأن يهديهم إلى الصراط المستقيم، وأن يوقفهم على المشروع الصحيح في مقاومة المحتلين، وأن يبعد عنهم عفن الروافض والبعثيين، لأن النصر على اليهود والرزق الحلال من ثمار هداية الله تعالى إلى الحق المبين.


اليهود قوم ذو مكر وغدر لا يؤمن جانبهم.

إنّ أوّلَ ما يجبُ على الشّعوب العربية عموما وعلى المسلمين خصوصا إدراكه خبث اليهود؛ قتلة الأنبياء والرّسل، وزعماء الغدر والبهتان، والسبّاقون إلى نقض العهود والمواثيق؛ قال تعالى في سورة آل عمران: [ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ]، والذين لن يهدأ لهم بال، ولن يستقر لهم قرار في وقت أمدتهم الصليبية الشمطاء بيدّ المؤازرة، وحبل المناصرة، حتى يحقّقوا ما سطروه في غابر الأزمان، من بناء دولة من النيل إلى الفرات كما جاء في كتبهم: (كل موضع تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم)، وقد سأل صحفي جنديا يهوديا في نكبة 5 يونيو 1967 ميلادية: ما هي حدود دولة إسرائيل؟ فأجاب بكل غرور وتكبر: حيث أضع قدمي.
وها هو الفرات وضواحيه يرضخ تحت خناجر الاحتلال، وسموم أهل الكفر والضلال؛ من الأمريكان وحلفائهم؛ يستنزفون خيراته، ويقتلون أبناءه، ويسرقون تُرَاثَه العتيق، وفي الوقت نفسه يئنّ من تحت وطأة الروافض الأخباث الأنجاس، يدقون أعناق أهل السنة بالغدر والخيانة، وفي المضمار نفسه يصرخ من هرج الخوارج الضُلال؛ الذين نُفخت فيهم الروح ليساهموا في إطالة مدة الاحتلال، ويكونوا الغطاء الذي تتحجج به دول الكفر لبث مشروعها المشبوه "محاربة الإرهاب"، وتصدير الديمقراطية إلى الشعوب المضطهدة، وضع عميسٌ يجعل الولدان شيبا.
هكذا الحال في العراق والله المستعان؛ إلاّ أن أعين اليهود بقيت ممتدة إلى النيل الأزرق، ينتظرون الوقت السانح للكرّ والغدر، متسترين وراء ستار مسرحية السّلام التي يوزعون أدوارها على بعض الجهات، ويغيرون فصولها وينقحون نصّها بتغير الأحداث والإحداثيات، فمن أوسلو، إلى مدريد، إلى شرم الشيخ، إلى خريطة الطريق، إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد، إلى المؤتمر العالمي للسلام، إلى أنابوليس، إلى....كلها أكاذيب متقنة الحبك والنسيج، يبتغي اليهودُ وأنصارُهم مِن ورائها تخديرَ الشعوب الإسلامية، واستنزافَ طاقتها، ليتسنى لهم بعد ذلك بسط الهيمنة على ما تبقى من صرح الأمة المتماسك، وبث الفرقة والخلاف في كل قرية يدخلونها بعد ما يجعلون أعزة أهلها أذلة، وكذلك الكفار يفعلون، وقد وقف على هذه الحقائق أخيرا الأمينُ العام للجامعة العربية، وثلة من زعماء المسلمين، وأعلنوها صريحة وموشحة بشيء من الحياء والخوف؛ إن عملية السّلام في الشرق الأوسط ولدت ميتة!.
إن السّلام مع يهود بني قينقاع وبني النضير، وقريضة، وأضرابهم ممن تربى في حجر الصليبية، وشرب من لبن الشيوعية يجب أن يكون بخطوط واضحة وملموسة المعالم يا ولاة أمور المسلمين -حفظكم الله من كل مكروه-ووقفات شامخة، وبنود تحفظ للمسلمين ماء وجوهم، وتجنبكم سخط الله ثم سخط الشعوب المتنامي، وتربي في أبناء الأمة الثقة بولاة أمورهم والولاء لهم؛ حتى إذا فكر اليهود في نقضه، والكرّ على أسيادهم، والاعتداء على أوطان المسلمين، وتدمير بنيتهم التحتية كما يحدث في غزة المنكوبة؛ تجلت لهم صور الجلاء وما أصاب أسلافهم من بني النضير، حين حُشروا إلى الشام، وكان أول حشر في الدنيا وفيهم نزل قوله تعالى ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾، حتى كان يسميها عبد الله بن عباس سورة بني النضير، وكان هذا منه صلى الله عليه وسلم صلحا، ولولا ذلك لعذبهم الله في الدنيا بالقتل والسّباء.
إن الصّلح مع دولة صهيون يجب أن تتجلى فيه معالم المصلحة العليا للأمة الإسلامية، وتنطفئ معه بوادر الفتن، ولهيب الحروب والإحن ولو إلى حين، ويشعر فيه المسلمون بالأمن في الأوطان، والحرية في اتخاذ القرار، والقدرة على ترتيب البيت المسلم من الداخل.
إنّ خبثَ اليهود وعداءهم لأهل الحق قديمٌ، كما جاء واضحا في القرآن الكريم في سورة المائدة: [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ]، وقتلَهم لكلّ من أتى بأمور تخالف هواهم وآراءهم الباطلة جليّ، كما أخبر تعالى في سورة آل عمران: [إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ]، فلا يليق ببعض الجهات العربية وصف اليهود بالعدل والحضارة، وأنهم أرقى من بعض الدول الإسلامية في باب التعامل، أو أن تقوم جهات أخرى بتخفيف كواهلهم من وزر الجرائم التي يرتكبونها في حق البشرية، أو أنهم -ما شاء الله- مُسالمون، ويلهثون وراء تطبيع العلاقات مع المسلمين، وأنهم لا يعتدون على الدول المجاورة، ولا يباشرون الإجرام والإبادة الجماعية، ولا يستعملون القنابل الذكية والمذكاة بسكين البيت الأبيض في إبادة الفلسطينيين إلا من باب الدفاع عن النفس، والمحافظة على أمن دول صهيون، فكل هذا الهراء الذي تقذفه بعض الأفواه العربية دليل على خبث المعدن، وفساد التصور، وضَعف الإيمان.
قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾، وقال تعالى في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وقال تعالى في سورة المائدة: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾، وقال تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.


نصيحة صادقة ومكررة إلى قادة حماس في مقاطعة غزة المكلومة طهرهم الله من فكر الإخوان المسلمين:
"إياكم أن تقعوا في شباك الروافض فتخسروا مع خسرانكم القديم خسرانا مبينا جديدا".

اعلموا يا إخواننا من الشعب الفلسطيني في مقاطعة غزة المحاصرة أن الدِّين الإسلامي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كامل غير منقوص، وسالم من التبديل والتغيير والتحريف والنكوس، فهو ظاهر ما بقي الليل والنهار، مصداقا لقول النبي المختار صلى الله عليه وسلم من حديث المقداد بن الأسود، وغيره من الصّحب الكرام عليهم من الله الرضوان: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزّ عزيز، أو بذل ذليل، عزّا يعزّ الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر). وقبل هذا قوله تعالى: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ]، فاشكروا الله على نعمة الإسلام والسنّة، واسألوه العصمة من كل وكسة ونكسة ومحنة، وإياكم واليأس والخور، وكونوا في قمة الصبر والأمل كما كان نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام [يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ]، واعتَزُّوا بعقيدتكم الصافية والطاهرة التي بُنيت على القُرب من أهل الحق والصدق، والبُعد عن أهل الطرق المبتدعة والفسق، عقيدةٌ لا عِوَجَ فيها، قيِّمة لتتمسكوا بها، وتدعوا النّاس إليها بالعلم والحلم والمال والنفس، وتردوا عنها شطحات أهل الزيغ والأهواء، وتلبيس دعاة الباطل وناقلي الوباء، من الروافض الأنجاس، أحفاد الخميني الهالك، وشيعتهم المنزوين وراء مترسة قمّ وكربلاء.
يا أهل غزّة وأبناءَ جباليا الكرام إنّنا نشارككم الألم، ونشعر بِكلِّ صيحةِ أمٍ فقدت صغيرها أو فردا من أهلها، وإننا ندعو الله لكم في النهار والسّحر بأن يبعد عنكم بطش الكافرين من اليهود وأعوانهم الصليبيين، وأن يصبِّرَكم في مصيبتكم التي هي مصيبتنا، وأن يلهمكم التعوذ من شماتة الأعداء، وجهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، ونبشركم بأمر؛ إن كنتم تألمون يا أهل غزة من اعتداءات الصهاينة، وسكوت العالم بما حوى من قريب أو بعيد، وكأنه نذر للرحمن صوما، فاعلموا أنهم يألمون أشدّ مما تألمون، والفاصل بينكم وبينهم أنكم ترجون من الله ما لا يرجون، فاثبتوا على الحقّ القديم، وإياكم والتبديل، واحذروا أن تولّوا الأدبار وتنقضوا الميثاق مع الله وأنتم تعلمون، واثبتوا على منهج السّلف، ولتكن هذه الآية صُلب أعينكم [مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا].
اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل الدائرة على الصهاينة المعتدين، وأن تفشل خططهم في المنطقة، وأن تحفظ المستضعفين في فلسطين من كيد الأعداء إنك ربي قوي متين، وعليم حكيم.


وأتوجّه فيما بقي من الحديث إلى قادة حماس في المنطقة، هداهم الله إلى منهج السّلف، وطهر قلوبهم من أدران وهواجس الخلف وأقول لهم:

إن خلافكم مع أهاليكم في رام الله بالضفة الغربية، واختلافكم مع السلطة الفلسطينية في مسائل عدة قد يكون الحق معكم في كثير منها، وتقلُّصَ أيدي المساعدة التي كانت تأتيكم من الدول العربية، وغلق المعابر التي كانت تأتي منها المعونة، وتلقيَّكم لحزمة من النقد من كبار أهل العلم في العالم الإسلامي؛ لا يسوِّغ لكم يا رعاكم الله من شر أنفسكم وأعدائكم من اليهود الركون إلى مستنقع الروافض المليء بالهوان والذل، والجنوح إليهم مع علمكم بخبثهم وضلالهم إن لم أقل كفرهم، والاستبشار بفتن الخوارج السفهاء الرعون، وأنتم تحملون لواء الممانعة والصمود، وتتنادون بدولة إسلامية سنية طاهرة؟، فإنّ الله تعالى لا يبارك في مقاومة ينصرها الأخبثان، وتموّل بخيصاء طهران.
يا قادة حماس في غزة هداكم الله إلى منهج أهل الحديث في مقاومة اليهود: لِمَا لا يكون هذا الهجوم السافر عليكم من الصهاينة وحلفائهم في المنطقة سببَه معاصِيكم، وركونكم إلى الرفض وأصحاب الحسينيات الهالكين، [أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]، وقال تعالى: [وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ] فتوبوا إلى الله، وفروا إليه، واحتموا بكنفه من شرّ اليهود والروافض ذلك خيرٌ لكم من صبّ جمّ غضبكم على عَالَمٍ عربيٍ ندفٍ يعاني من ضَعف شديد، ويجدف بيديه ورجلين ليخرج من مستنقع الخلاف، أو ليطير في السماء محررا ربقته من جاذبية الأقطاب المهيمنة!، عَالَمٌ لو يستطيع فقط أن يعقد قمة عربية ناجحة يكون قد حقق لكم نصرا عظيما، فحققوا لأنفسكم يا قادة حماس التقوى، فقد قال تعالى: [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا]، وقال تعالى: [وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا].
يا قادة حماس بصّركم الله بالحق، ودفع عنكم كيد الأعادي ودعاة العَوْق، إنّ وجود العدوّ المشترك في المنطقة لا يبيح لكم تعطيل النّصوص، وتكذيب التاريخ، وإنكار المعقول والمحسوس، والركون إلى أحفاد المجوس، ألم تقرؤوا قوله تعالى: [وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا]، قال الإمام مالك رحمه الله: أعوانا.
وإنني أعظكم بالله ثلاثا أن تكونوا الثقب الذي يتسرب منه أهل الرفض إلى ساحة بيت المقدس، فقد صحّ عن عبد الله بن عمرو فيما أخرج ابن خزيمة في كتاب التوحيد أنّه قال: (لا يدخل حظيرة القدس سكير، ولا عاق، ولا منان)، فكيف بعُبَّاد الأوثان، وألدّ أعداء الله لعباد الرحمن، أقطاب المشاهد وأعداء المساجد.
وأكرر التحذير مرة أخرى من تمكين الروافض من مربط البراق، فإنّ الشرّ الذي يتضوع منه الفلسطينيون من جرّاء الاحتلال مع بشاعته، لا يساوي شيئا في مقابل الذعاف والهلاك الذي سيصيبهم من زحف الروافض على معتقداتهم وثوابتهم وأعرافهم المتينة؛ التي بها استطاعوا أن يصمدوا في وجه دولة صهيون وحلفائها عهودا طويلة تجعل الولدان شيبا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (1/6-11) بعد ما بين أصنافا من الفرق الخارجة عن حقيقة متابعة الرسل، والتي قد يخفى أمرها على كثير من أهل الجهالات: (والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين، منهم يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله وآيات كتابه المبين...[ثم قال رحمه الله]: فملاحدة الإسماعلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا بهم على بلاد الإسلام، وسبوا الحريم وأخذوا الأموال، وسفكوا الدماء، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا ربّ العالمين).
يا قادة حماس في إقليم غزة المكلوم: إنّ مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين، ولو جاء العسر فدخل الحَجَر الأصم، لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه، فلا حاجة لكم أن تركنوا إلى الظالمين من الروافض فتمسكم النار، فإنّ غثّكم وفقركم خيرٌ من سمين الروافض ولو أعجبكم، واصبروا كما صبر أسلافكم ولا تستعجلوا نصرا منجسا بدينارهم، وعودوا إلى الله في جلواتكم وخلواتكم، وضعوا أيديكم في يد إخوانكم من أهل السنة والجماعة، [وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ]، وإن ضاقت بكم السُّبل ففي الأرض للحر الكريم منادح، والحر حرٌ وإنْ حلّ به الضُّر.
يا قادة حماس في غزة: إنَّ عودتَكم إلى الحكمة وصحيح المنقول وصريح المعقول، نصرٌ للمستضعفين الذين أوصلوكم إلى سدة الحكم، فاحرصوا على حقن دمائهم، وخذوا بوصايا إخوانكم من أهل السنة والجماعة، فإن للحرب معادلاتٍ وأسسا، وهي سجالٌ ودَول، وعتاد وعدّة، وحنكة وخدعة، وتأييد ونصرة، فالحرب كما لا يخفى عليكم تضبطها المصالح والمفاسد، فهل ما تصنعونه في منظور أهل العلم والمختصين في السياسات والحروب عاد عليكم بالنفع؟، فأنا لا أدعوكم إلى ترك المقاومة، والدفاع عن شرفكم وعرضكم وأرضكم؛ فقد صحّ عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال من حديث سعيد بن زيد: (من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وإنما أدعوكم إلى توظيف المقاومة في الوجهة الصحيحة، والمسار الناجع، واستثمارها في الزمان المناسب، قال تعالى:[وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ].
قال العلاّمة القرطبي في تفسير هذه الآية في جامعه: (فيه خمسُ مسائل: الثانية: قال العلماءُ: حكمُها باقٍ في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في مَنعةٍ، وخِيف أن يسب الإسلام، أو النبي عليه السلام، أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية).
إنّ المقاومة يا قادة حماس في غزة الجريحة ليست محصورة في رفع بندقية، أو إرسال صاروخ على العدو، بل هي أوسع من ذلك بكثير، ومن أسسها مقاومة الجهل والبدعة والرفض والأفكار المدمرة، التي ما إنْ حلت بديار قوم مهدت الطريق للعدو الخارجي باجتياح الأخضر واليابس.
قال ابن الجوزي رحمه الله كما في المضوعات (1/51 ط: المكتبة السلفية بالمدينة): (قال أبو الوفاء على بن عقيل الفقيه: قال شيخنا أبو الفضل الهمداني: مبتدعة الإسلام والواضعون للأحاديث أشد من الملحدين، لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله، والملحدون كالحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن، فهو شر على الإسلام من غير الملابس له)اهـ.
وقال الحميدي شيخ البخاري رحمه الله: (والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردون حديث رسول الله أحب إلي من أن أغزو عدتهم من الترك) انظر ذم الكلام للهروي (برقم288).
فأقيموا إقليمكم على أساس المنهج السليم في العقيدة والفقه والسلوك والاقتصاد والسياسة جنبا إلى جنب مع مشروع دفع العدو الصائل على حياضكم، إذا أرتم دولة متكاملة محمية الجناب، [أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ].
فيا أبناء غزة العظام احملوا إقليمكم على قوّة أساس الإيمان والتوحيد، فإذا تشعث شيء من أعالي البنيان وسطحه بسبب محرقة اليهود وقنابله المدمرة؛ كان تداركه أسهل عليكم من خراب الأساس، والله الهادي إلى الحق، وهو يعلم المصلح من المفسد.
وانتبهوا من نفخ الروافض الأوغال في مشروعكم الطاهر، فإنّهم يدفعونكم إلى التهلكة والفناء في لباس المقاومة والإيباء، ويتاجرون بقضيتكم العادلة على أوجه وسائل الإعلام، وذلك ليوطنوا لأنفسهم في المنطقة، ويحصنوا مواقعهم لنشر البدعة والضلال، ويكسبوا أكبر عدد من المؤيدين لمشروعهم المجوسي في المنطقة، ويثبتوا أعمدة الكفر والبدعة في أوساط الأنام، فإنّ نفختهم الموبوءة في مشروعكم النضالي شبيهة بنفخة الوزغ في النّار التي أوقدت لحرق نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولهذا أمر الله بقتله وسماه فويسقا، فاحذروا يا رعاكم الله الخُنْزُوَة.
واعلموا هداكم الله أنّكم إذا جنّبتم شعبكم وحشية الصهاينة، وخلصتموه من بين أنيابه الزرقاء فقد حققتم شوطا من النّصر المبين، الذي هو غائب عن أذهان كثيرين منكم، ألم تقرؤوا قوله تعالى [وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ].
قال العلاّّمة المفسر الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تفسير هذه الآية (ص267): (والتخلص من العدوّ يسمى نصرا وفتحا وغلبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة حين كانت الراية مع زيد بن حارثة، ثم كانت مع جعفر بن أبي طالب، ثم كانت مع عبد الله بن رواحة، وكلهم قتلوا رضي الله عنهم، قال: (فأخذها خالد ففتح الله على يديه)، وخالد رضي الله عنه لم ينتصر على الرّوم، ولم يغلبهم؛ ولكن نجا منهم، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه النجاة فتحا، كما سمى الله تعالى هنا نجاة موسى وهارون وقومه من فرعون أنها نصرٌ وغلبة).
أرجو أن يأخذ قادةُ حماس بهذه الوصايا، وأن يعضوا عليها بالنواجذ، إذا أرادوا زحل اليهود عن إقليم غزّة، وأن لا يقولوا أن أهل الحديث في الجزائر الغراء لم يقدموا لهم النُّصح، وبخلوا عليهم بالصّلح، حتى وإن كان في كلامي شيء من الخشونة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/53-54): (المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد الله معه ذلك التخشين).
واقبلوا يا رعاكم الله من شرّ أنفسكم وأعدائكم بكل خطة فيها تعظيم لشعائر الله وحقن لدماء المسلمين لردء الصدع ولمّ الشمل، فإننا وإن كنا نخالف جماعة حماس في قواعدَ عدة، وأصولٍ شتى -هدانا الله وإياهم إلى الحق-، فنظرتنا في هذا الظرف إلى الشعب الفلسطيني المسكين الذي كالقمح بين شقيّ الرحى، تتجاذبه تيارات متناطحة ومسدوحة بخنجر الغدر، تيارات تتسابق فيما بينها لتقدم كلّ يوم عضوا منه قربانا لمشاريعها، كي تنال به في زعمها درجة عند الخلق على حساب إغضاب الحق، صنيع زهد المسلمين في العالَم في صدق نوايا القائمين على تحرير القدس، بل كثير من المراقبين العقال يخشون اليوم الذي تُرسم فيه دولة فلسطين على الأرض، ويغيب العدو المشترك الذي جمع الأضداد في خندق واحد، وتبلى السرائر، وتَكْفُر الفصائل ببعضها البعض، [الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ]، وحينئذ –نسأل الله أن يجنب الشعب الفلسطيني شر ذلك اليوم- تتحول الرقعة المحررة إلى كابول أخرى في الشرق الأوسط، يقتل فيها الأخ أخاه، ويسبي امرأة جاره، وقد وقع شيء من هذا والله المستعان.
فيا من بيده زمام الأمور في فلسطين اعلموا أن كلّ شيء غلا في الأسواق إلا دماء المسلمين، فاتقوا الله في عباده، وأصلحوا ذات بينكم، وصوّبوا سهامكم القولية والفعلية إلى عدوكم الذي يتربص بكم الدوائر، واعلموا أن الذئب يأكل من الغنم القاصية، وأكرر التحذير وأقول: واتقوا يوما يغدق الله فيه عليكم بالخير، وتعود إليكم فلسطين، فيأتي الشيطان كلّ كتيبة على حدى، في صورة السيد الكبير الذي لا يردُّ قوله، ويزين لها التفرد بالغنيمة، ويمنيها بالنصر والهيمنة على الجميع، ويقول لها: إني جار لك، حتى إذا قامت كل كتيبة بضرب رقبة الكتيبة الآخر، نكص على عقبيه، وقال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين، وآنذاك تقع الطامة الكبرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا ما حذر منه نبي الملحمة والمرحمة صلى الله عليه وسلم حين قال من حديث عمرو بن عوف الأنصاري في الصحيحين: (فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتُهلِكَكم كما أهلكتهم).
فنحن لا نخشى على الفصائل الفلسطينية الحصار والفقر ومحرقة اليهود، فإن المحن تجمع الفرقاء، وتقوي أواصل النضال، وهاهي دماء غزة وجباليا استطاعت أن توقظ أهل رام الله ونابلس من غفوتهم، وتبث النبض في عروق الإخوة المتناحرين، هذه الأخوة التي عسر إنعاشها على مائدة الحوار، وإنما نخاف على الفلسطينيين من أن تفتح عليهم الدنيا، وتكثر أطماعهم، ويرضون بفتات الغرب فيتحقق فيهم كما تحقق في كثير من المقاومين للاستعمار حين غيروا وبدلوا حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذُلاًّ، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).
فأعدوا لذلك اليوم حلا وجوابا، وخذوا العبرة من غيركم، ولا تقولوا لم ننبه، فإن الحازم من عمل لغده كأنه يعيش أبدا.


وكتبه/ أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري
.

imadin
01-01-2009, 06:19 PM
كان الأولى بالكاتب أن لا يتعرض لأسياده بمثل هذه الأقوال
فبدل أن يتوجه بخطابه لفرعون مصر وحكام العرب يأتي بكلام لا قيمة له عند ذوي العقول
لم نسمع عن أحد من حماس أنه تشيع أو عظم الرافضة لكنه الإصطياد في الماء العكر
هي سياسية تتبعها الحركة الربانية المجاهدة في كسب بعض المصالح هي أدرى بها
أما علماء السوء فلا هم لهم إلا النيل من المجاهدين وتعظيم الطواغيت والدفاع عنهم
الحرب الأخيرة والعدوان على غزة بدات تكشف المستور وتنزع الأقنعة
اللهم وفق حماس لما تحبه وترضى واخذل طواغيت العرب