المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هبي ياريح الإيمان (النسمة السادسة)


أبوصلاح الدين
26-04-2009, 10:50 PM
النسمة السادسة

أنا الفقير إليك :
أنا تائه في دروب الحياة أبحث عن جرعة هداية..معترف بعجزي عن قدرتك ، وبضعفي أمام قوتك ، وبفقري أمام غناك، وبهلاكي إن لم تداركني رحمتك،فارحمني ياارحم الراحمين..
كيف تصل إلي الفقر؟
1-المحن
الفقر نوعان :
أ-اضطراري :للمؤمن والكافر والبر والفاجر ،فبدون رعاية الله وحفظه للخلق لهلكوا جميعا ،فكل الخلق يتقلب في بره وإحسانه ..لو حرمنا الهواء ساعة لهلكنا...لوترك السماوات ولم يمسكها لوقعت علي الأرض وهلكنا ..لو امسك عنا المطر لهلكنا ..وليس هذا الفقر هو الذي نعنيه في رسالتنا هذه..فذا فقر لا ينفك عنه أحدا
ب-اختياري: وهو بمعني الافتقار إلي الله والتذلل غليه والخضوع له، وتفريغ القلب إلا منه وعدم التوكل إلا عليه، وعدم للجوء إلا إليه، وعدم الثقة إلا به، وعدم الرضا إلا عنه، وعدم الطلب إلا منه.
وهذه بعض النماذج:
أ-محمد صلي الله عليه وسلم هو سيد الفقراء وانظر إلي ما حدث له في الطائف حين لقي أول ما لقي أبناء عبد ياليل ، فقال أحدهم : أمات وجد الله رجلا غيرك يبعثه؟ وقال الثاني : لأشقن أستار الكعبة إن كنت نبيا ، وقال الثالث : إن كنت نبيا فأنت أعظم خطرا من أحدثك ، وإن كنت كاذبا فانا لا أحدث كاذبا .
وضرب النبي صلي الله عليه وسلم بالحجارة، وكان يضرب صلي الله عليه وسلم بالحجارة، وكان يضرب فيقع علي الأرض فيحمل من ساعديه، ثم يضرب فيحمل من ساعديه حتى سقط، والغلمان تجري من ورائه تنعته بالسفه والجنون.وفي أوج هذه المحنة ومن جوانب هذه البلية ينطلق الدعاء منه صادقا من قلب امتلأ فقرا إلي رحمة الله وأملا في رضاه .ليقول :
اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني علي الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلي من تكلني ؟إلي عدو يتجهمني ، أم غلي عدو ملكته أمري ؟إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من إن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك، لك العتبي حتى ترضي، ولا حول ولا قوة إلا بالله
واستجاب الله دعاءه فأيده بالملائكة والبشر.
البشر:كانوا نفرا من يثرب عرض عليهم الإسلام فأسلموا ، والملائكة : كان ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الاخشبين ، وهما جبلان حول مكة ،فأبي رسول الله صلي الله عليه وسلم .
ب-موسي عليه السلام:
حين أحاط به فرعون جنوده وضاقت عليه الأرض بما رحبت نادي : (وقال موسي ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس علي أموالهم واشدد علي قلوبهم فلا يومنوا حتى يروا العذاب الأليم قال قد أجيبت دعوتكما فا استقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون).
وكان هذا الدعاء عند اشتداد المحنة وعلو الطغيان، وكان بين الدعاء وإهلاك فرعون أربعون سنة.
ج-صاحب بشر بن الحارث :
قصد رجل فقير بشر بن الحارث يطلب مبالله ولن فنصحه بشر بأن يتحين الفرصة حين يخبره أولاده بنفاد الدقيق، ثم يدعوا الله في ذالك الوقت، فإن دعاءك أفضل من دعائي.لماذا ؟ لأنه في هذه الحالة لن يستعين إلا بالله ولن يعتمد إلا عليه.
حين لقي رجلا يتسول من الخلق ويلتمس الغني عندهم فإن بشرا ضربه بسوط وعظه قائلا:أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن طلب الدنيا..اطلب الدنيا ممن بيده الدنيا.
ياإخوتي ..الفقر الذي نستجلبه عن طريق المحن يدفعنا إلي الصبر، والصبر باب لدخول الجنة في الآخرة، وباب من أبواب الفرج في الدنيا وهذا هو عين الغني.
2-الذنوب
يا رب ..بأي رجل أسعي إليك..برجلي التي طالما سعت في غضبك وفرت من رحمتك .
يا رب..بأي عين انظر إليك ...بعيني التي التذت بالحرام وتطلعت إلي الشهوات .
يا رب..بأي لسان أناجيك ..بلساني الذي لطخته أقدار الغيبة وآثار النميمة.
يا رب.. بأي قلب أرجوك ...بقلبي الذي ملأت أرجاءه شواغل الدنيا ولم يعد فيه موضع شبرللآخرة..أم بقلي الذي عرفك ولم ولم يحبك ، وذاق طعم نعمك ولم يعبدك حق عبادتك .يارب إن لم ترحمني فهل عند غيرك رحمة ألتمسها ؟إن لم تغفر فهل هناك من يغفر الذنوب سواك ؟
يا أخي ..
اعرض بضاعتك علي الله لعله يشتريها ..فقر ودمع ..حزن وقلق ..خوف وإشفاق ..وجل وبكاء..وتسلم ثمن سلعتك جنة عرضها السموات والأرض .
تفرد عبد أسلمته ذنوبه إلي قسوة سدت وجوه نجاته
ففر إلي المولي وأسلم نفسه وألقي إلي التقوى عنان حياته
ينادي إذا ما الليل أسبل ستره وظل غريق الطرف في عبراته
وهاج لهيب الشوق بين ضلوعه فبات حريق الجسم من زفراته
عسي الملك المولي يمن بعفوه علي مذنب قد تاب قبل مماته
ناد ربك بأصدق لهجة:
يا من لم يمله الدعاء، ولا يقلقه النداء، ولا يخيب فيه الرجاء، ولا تنفد خزائنه من العطاء..يا أغني الأغنياء عن عذابي أنا أفقر الفقراء ‘إلي عفوك..
تسول وتوسل ..أشهر إفلاسك أولا ليشملك بالمعونة ثانيا ..تشبه بإخوة يوسف ليتصدق عليك ..
قد أوبقتني ذنوب لست احصرها فاجعل تغمدها من بعض إحسانك
وأرفق بنفسي يا ذا الجود إن جهلت مقدار زلتها مقدار غفرانك.
يا الله يا كريم ...
أشكوا إلي الله كما قد شكي أولاد يعقوب إلي يوسف
قد مسني الضر وأنت الذي تعلم حالي وتري موقفي
بضاعتي المزجاة محتاجة إلي وفاء من كريم وفي
فأوف كيلي وتصدق علي حال الفقير البائس المضعف
لقد أتي المسكين مستمطرا جودك فارحم جوده واعطف
ونوع الفقر الذي نستجلبه من استشعار أثر الذنوب هو الذي دفع إلي التوبة الصادقة، والتوبة الصادقة مقرونة برفع الدرجات وتبديل السيئات حسنات، وهذا هو عين الغني.
ياعين فلتبكي ولتذرفي الدمعا ذنبا أحاط القلب أصغي له سمعا
أين الدموع علي الخدين كم سالت فالنفس للعصيان يارب قد مالت
هل باتري أصحوا من سكرة الشهوة أم باتري أبقي في هوة الشقوة
كيف القدوم علي الجبار بالزلل أم كيف ألقاه من دونما عمل
قلبي لما يلقي قد أن بالشكوي دمعي جفا عيني من قلة التقوى
لكن من أرجو لا يغلق البابا التوب يا رحمان فالقلب قد تابا
مناجاة الفقراء
*قال عمر بنذر: اللهم إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك: الإيمان بك والإقرار بك، ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك: الكفر والجحود بك، اللهم فاغفر لنا مبينهما.
يارب ..إنك قلت وأقسموا باله جهد إيمانهم لا يبعث الله من يموت )ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن من يموت، أ فتراك تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة ؟
*كان يحي بن معاذ إذا سمع قول الله عز وجل (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي) يقول : إلهي ..إذا كان هذا قولك في حق من قال : أنا ربكم الأعلى ، فكيف رفقك بمن يشرك بك شيئا، بل يعلم أنك أنت الله لا إله وحدك لا شريك لك .
وكان يقول: لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليك لم تبتل بالذنب أكرم الخلق عليك.
يارب أنت رجائي وفيك حسنت ظني
يارب فاغفر ذنوبي وعافني واعف عني
العفو منك إلهي والذنب قد جاء مني
والطن فيك جميل حقق بفضلك ظني
*خرج الناس يستسقون بدمشق وفيهم بلال بن سعد فقال :يامعشر من حضر ..ألستم مقرين بالإساءة؟قلنا نعم .قال : اللهم إنك قلت : (ماعلي المحسنين من سبيل ) وقد أقررنا بالإساءة ، فاعف عنا واسقنا .قال : فسقينا يومئذ.
ببابك عبد من عبادك مذنب كثير الخطايا جاء يسأل العفوا
فأنل عليه العفو يا من منه علي قوم موسي انزل المن والسلوي
أنا عبدك المسكين فارحم تضرعي ولا تجعل النيران يا رب لي مثوي
وخفف من العصيان ظهري إنني بلغت من الأوزار غايتها القصوي
هل فيكم مثل آق؟!
آق شمس الدين هو شيخ محمد الفاتح والفاتح المعنوي للقسطنطينية ذالك انه هو الذي غرس في قلب محمد الفاتح منذ الصغر انه المعني بالحديث "لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذالك الجيش " وأثناء الفتح أراد السلطان أن يكون شيخه بجواره فأرسل إليه يستدعيه فمنع حراس الخيمة رسول السلطان من الدخول ، فغضب محمد الفاتح وذهب إلي خيمة الشيخ فمنعه الحراس كذالك بناء علي أمر الشيخ ..فاخذ الفاتح خنجره وشق جدار الخيمة ودخل ، فإذا شيخه مستغرق في سجدة طويلة وعمامته متحرجة من علي رأسه وشعر رأسه الأبيض يتدلي علي الأرض، ثم رأي السلطان شيخه يقوم من سجدته والدموع تنحدر من خديه ، فقد كان يدعوا الله بإنزال النصر ويسأله الفتح القريب ، وخرج السلطان من الخيمة ونظر إلي الأسوار المحاصرة ، فإذا بالجنود قد أحدثوا أول ثغرات بالسور بدؤوا أيتدفقون منها إلي القسطنطينية، ففرح السلطان وقال : ليس فرحي لفتح المدينة !! إنما فرحي لوجود مثل هذا الرجل في زماني .
وغير الفقراء تائهون
قال منصور النمري يمدح هارون الرشيد :
إن اخلف الغيث لم تخلف أنامله أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع
فمر العتابي بالنمر ي وهو مغموم فقال العتابي :مالك ..أعزك الله قال : امرأتي تطلق منذ ثلاث ونحن علي يأس منها فقال له العتابي : إن دواءها منك أقرب من وجهها قال : هارون الرشيد فإن الولد يخرج !! فقال شكوت إليك ما بي فأخبرتني بهذا.. فقال :مااخذت هذا إلا من قولك :
إن اخلف الغيث لم تخلف أنامله أو ضاق أمر ذكرناه فاتسع.

استغاثة
أسير الخطايا عند بابك واقف على وجل مما به أنت عارف
يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيبها و يرجوك فيها فهو راج و خائف
و من ذا الذي يرجو سواك و يتقي و مالك في فصل القضاء مخالف
فيا سيدي لا تخزني في صحيفتي إذا نشرت يوم الحساب الصحائف
3- وحشة القلب:
قال ابن القيم:
" إن في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، و عليه وحشة لا يزيلها إلا الإنس به في خلوته، و فيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته و صدق معاملته، و فيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه و الفرار منه إليه، و فيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره و نهيه و قضائه و معانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، و فيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه، و فيه فاقة لا يسدها إلا محبته و دوام ذكره و الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا و ما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا".
يا أخي..
ألم يأتك وقت شعرت فيه بالحزن دون سبب، أو بالألم دون مسبب، و بالغربة وسط الأهل، و بالوحشة بين الأصحاب، و بالملل وسط أسباب النعيم.
إن كان أصابك شيء من هذا فلكي تعلم انه لا بد لك منه.. بدونه ستهلك..من غير رحمته ستموت ...بانقطاع لطفه ستفنى..بتوقف عفوه ستعاقب.
و هذا كله من فطرتك السليمة التي أعانك الله على شيطانك.. أنت من غير الله كالسمكة إذا خرجت من الماء.. كالمخنوق لا يجد الهواء.
البحث عن قلب
كان بعض الصالحين يطوف و ينادي: قلبي.. أين قلبي؟ من وجد قلبي؟ فدخل يوما بعض السكك، فوجد صبيا و أمه تضربه، ثم أخرجته من الدار، و أغلقت الباب دونه، فجعل الصبي يتلفت يمينا و يسارا لا يدري أين يذهب و لا أين يقصد، فرجع إلى باب الدار، فجعل يبكي و يقول: يا أماه... من يفتح لي الباب إذا أغلقت عني بابك؟ و من يقربني إذا طردتني؟ و من يرحمني بعد أن غضبت علي؟ فقامت أمه فنظرت من ثقب الباب ، و أخذته حتى وضعته في حجرها، و جعلت تقبله، و تقول: يا قرة عيني، و يا عزيز نفسي، أنت الذي حملتني على نفسك، و أنت الذي تعرضت لما حل بك، لو كنت أطعتني لم تلق مني مكروها، ففرح الفتى برضا أمه و صاح فرحا، فقال الرجل الصالح: الحمد لله... الآن وجدت قلبي... الآن وجدت قلبي.
الفقر أوسع الأبواب
قال ابن القيم:
" و اقرب باب دخل منه العبد على الله هو الإفلاس، فلا يرى لنفسه جاها و لا مقاما و لا سببا يتعلق به، و لا وسيلة منه يمن بها، بل يدخل على الله من باب الافتقار الصرف و الإفلاس المحض، دخول من قد كسر الفقر و المسكنة قلبه، حتى وصلت تلك الكسرة إلى سودائه فانصدع، و شملته الكسرة من كل جهاته فيشهد ضرورته إليه عز وجل، و كمال فاقته و فقره إليه، و أن لكل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة، و ضرورة كاملة إلى الله عز وجل، و انه إن تخلى عنه طرفة عين هلك ،و خسر خسارة لا تجبر إلا أن يتوب الله عليه و يتداركه برحمته".
4- فهم طبيعة الدنيا
أ- دار تعب:
لا راحة في الدنيا لأحد...مؤمنا كان أم كافرا..فقيرا كان أم غنيا..صحيحا كان أم سقيما، و هذا ما عبر عنه عباس العقاد في قوله:
صغير يشتهي كبرا و شيخ ود لو صغرا
و خال يبتغي عملا و ذو عمل به ضجرا
و رب المال في تعب و في تعب من افتقرا
يضيق المرء منهزما و لا يرتاح منتصرا
فهل حاروا في الأقدار أم هم حيروا القدرا
و هذا لتعلم فقرك فتطلب العون من المعين، و تستجلب القدرة من القدير.
ب- دار فناء:
الدنيا يا سادة..زهر زهرتها آفل، و طل طليلها زائل، أفراحها مشوبة بالأحزان، صحتها مقرونة بالأسقام، مدة اللقاء فيها أيام ثلائل، حلالها حساب،حرامها عقاب، نورها يعقبه الظلام، و حلاوة شهواتها مقرونة بالآثام، مآل وصلها إلى الفراق، حسن جمالها مستعار، حلاوة عيشها منغصة بالا كدار، سمينها مهزول، وواليها معزول، سم شهواتها قاتل، بريق نعيمها زائل.
جـ- دار شغل:
قال ابن القيم في الفوائد:
" كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه، وولد لا يعذره، و جار لا يأمنه،و صاحب لا ينصحه،و شريك لا ينصفه،و عدو لا ينام عن معاداته، و نفس أمارة بالسوء ، ودنيا متزينة ، و هوى مرد، و شهوة غالبة، و غضب قاهر، و شيطان متزين، و ضعف مسئول عليه، فان تولاه الله و جذبه إليه انقهرت له هذه كلها ، و إن تخلي عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة.
ما أحوجنا و نحن نلقى كل هذه المهلكات في خضم الحياة أن نهتف في الأسحار...نستغيث به...نستنجد بلطفه..نناجيه:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل مـــا يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلــــها يا من إليه المشتكى و المفزع
يا من خزائن جوده في قول كن امنن فان الخير عندك اجمـع
مالي سوى فقري إليك وسيلــة و بالافتقار اليم ربي اضـرع
مالي سوى قرعي لبابك حيلــة فلئن رددت فأي باب اقـرع
و من ذا الذي أدعو واهتف باسمه إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن يقنط عاصيا الفضا أجزل و المواهب أوسع
5- اتهام النفس"
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سألت النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه الآية:" و الذين يؤتون مت آتوا و قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون".
قالت عائشة: الذين يشربون الخمر و يسرقون؟قال:" لا يا ابنة الصديق و لكنهم الذين يصومون ويصلون و يتصدقون وهم يخافون أن لا يتقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات".
و طبقت عائشة رضي الله عنها هذا الحديث نصا وروحا، فلما دخل عليها احد التابعين يتلو عليها قول الله عز وجل:" ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير".
قالت رحمها الله: كل أولئك في الجنة، فإما السابق بالخيرات فهم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، صحبوه وذهبوا معه، و أما المقتصد فمن تبعوهم بإحسان، و أما الظالم لنفسه فمثلي و مثلك،
سبحان الله...تقول هذا وهي التي توفي الرسول عليه الصلاة والسلام و هو بين سحرها و نحرها، و هي أحب الخلق إلى النبي عليه الصلاة والسلام و هي التي كان آخر ما كان منه عليه الصلاة والسلام أن مس ريقه ريقها ( حين لينت له السواك) ، و هي التي مات النبي عليه الصلاة والسلام وهو عنها راض ، أنها زوجة أفقر الفقراء إلى رب العالمين : محمد عليه الصلاة والسلام.
الفقر مفتاح الإجابة؟!
قال ابن رجب: إن المؤمن إذا استبطأ الفرج و يئس منه، و لا سيما بعد كثرة الدعاء و تضرعه و لم يظهر له اثر الإجابة ، رجع إلى نفسه باللائمة يقول لها: إنما أوتيت من قبلك، و لو كان فيك خير لأجبت. و هذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فانه يوجب انكسار العبد لمولاه، و اعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه، فما أسرع إجابة الدعاء و تفريج الكرب حينئذ، فانه سبحانه وتعالى عند المنكسرة قلوبهم من اجله.
فأكثر ذكره في الأرض دوما لتذكر في السماء إذا ذكرتا
و ناد إذا سجدت له اعترافا بما ناداه ذو النون بن متى
و سل من ربك التوفيق فيها و اخلص في السؤال إذا سألتا
و لازم بابه قرعا عساه سيفتح بابه لك إن قرعتا
لطيفة
قال ابن نجيد شيخ نيسابور:
لا يصفو لأحد قدم في العبودية حتى تكون أفعاله عنده كلها رياء، و أحواله كلها دعاوى.
من لوازم الفقر
1- و إذا استعنت فاستعن بالله:
إذا شكوت الحاجة فالجا إلى الغني، و إذا جافاك العز و ابتدرك الذل فاطرق باب العزيز، و إذا سرى الضعف في جسدك فاستمد القوة من القوي.. فهو وحده الذي يعطي و يمنع.. وحده الذي يصل و يقطع.. وحده الذي بيده مفاتيح كل شيء.
" و إذا استعنت فاستعن بالله".
لما سمع الصحابة هذا الحديث كان احدهم إذا سقط سوط بعيره من على الفرس يتورع عن أن يطلب من احد أن يناوله إياه، بل يتناوله بنفسه.
استح من سؤال غيره
* كان صلة بن أشيم في غزاة فمات فرسه، فتلفت يمينا وشمالا، ثم قال: اللهم لا تجعل لمخلوق على منة، فإني استحيي من سؤال غيرك.
و علم الله صدقه فأحيا الله له فرسه، فركبه حتى إذا وصل إلى أهله قال لغلامه: فك السرج فان الفرس عارية، فنزع السرج فهبط الفرس ميتا!!
الزبير غني بربه
كان الزبير بن العوام في مرض موته يوصي ابنه عبد الله بدينه و يقول:
يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن بمولاي، قال: فوالله ما دريت ما عنى حتى قلت : يا أبت من مولاك؟ قال: الله عز وجل، فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير... اقض عنه، فيقضي.
2- التوكل على الله.
و معناه الاعتماد على الله، و التعلق به وحده، و صرف الهم إليه وحده، خاصة عند نزول البلايا و المحن التي تطيش لها العقول و تهلع لها الأفئدة ، و اسمع قوة التوكل على الله في قصة أبي علي قلندر.
سلطان العلماء
كان الشيخ أبو علي قلندر من كبار متصوفة القرن السابع و الثامن الهجري في الهند، و حدث أن مر السلطان علاء الدين خلجي في السوق، فنادى احد الحراس تلميذا من تلامذة الشيخ ليفسح الطريق فلم ينتبه، فضربه على رأسه فذهب إلى شيخه شاكيا فكتب الشيخ إلى السلطان: أما أن تعزل عاملك أو انصب مكانك ملكا آخر!!فارتعد السلطان، و أرسل الشاعر الكبير أمير خسرو، فغنى بعض شعره ليسترضي به الشيخ، فلما رضي الشيخ بلغه رسالة السلطان يطلب عفو الشيخ فعفا عنه!!
لو نظر إلينا الخالق!!
خرج احد الأمراء يجوب بلدة حاتم الأصم يوما، فاجتاز على باب حاتم فاستسقى الماء ، فلما شرب رمى إليهم شيئا من المال ففرح أهل الدار سوى ابنته الصغيرة فإنها بكت فقيل لها: ما يبكيك؟ فقالت:
مخلوق نظر إلينا فاستغنينا، فكيف لو نظر إلينا الخالق؟!
من نماذج الفقراء
1- النبي عليه الصلاة والسلام:
انظر إليه بعد أن بلغ رسالة ربه، و استفرغ فيها وسعه و طاقته، و دانت له جزيرة العرب في يوم الحج الأكبر يوم عرفة يدعو الله عز وجل بهذا الدعاء الذي ارتقى فيه أعلى قمم الضعف و العجز : يقول لنتعلم منه:
" اللهم انك ترى مكاني و تسمع كلامي و لا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير ، المستغيث المستجير ، الوجل المشفق، المقر المغترف بذنبه، أسالك مسالة المسكين، و ابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، و ادعوك دعاء الخائف الضرير، دعاء من خضعت لك رقبته، و ذل لك جسده، ورغم لك انفه، و فاضت لك عيناه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا، و كن بي رءوفا رحيما،يا خير المسئولين و يا خير المعطين يا رب العالمين".
و هكذا كان دأبه عليه الصلاة والسلام في أسمى مواقف الانتصار: يكون في أعلى درجات الفقر و التضرع، كما حدث يوم فتح مكة، دخلها منتصرا بعد أن اخرج منها... فإذا به يدخلها ساجدا على ظهر فرسه تواضعا لله و شكرا لنعمته، انتصر فتواضع أو إن شئت قلت: تواضع فانتصر.
2- ابن تيمية:
قال تلميذه ابن قيم الجوزية: كان شيخنا ابن تيمية- قدس الله روحه- كثير اللهج بهذه الكلمات: مالي شيء و ما عندي شيء و ما مني شيء.
أنا المكدى و ابن المكدى و هكذا كان أبي وجدي
أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي و الخير إن يأتي فهو من عنده يأتي
ثم يقول:
و الفقر لي وصف ذات لازم أبدا كما الغنى أبدا وصف له ذاتي
و هذه الحال حال الخلق كلهم و كلهم عنده عبد له آتي
فمن بغى مطلبا من غير خالقه فهو الظلوم الجهول المشرك العاتي
و كان يقول:
و الله منذ احتلمت وبلغت و عقلت ما اعلم أني أسلمت إسلاما جيدا، و أنا أصحح إسلامي إلى الآن.
قال ابن القيم: قال هذا في أواخر أيامه.
3- ابن أبي ذؤيب:
دخل الخليفة المهدي مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، و في المسجد أكثر من خمسمائة من طلبة الحديث أهل العمائم و المحابر و الأقلام، فقام الناس جميعا إلا ابن أبي ذؤيب، فقال المهدي: يا ابن أبي ذؤئب...قام الناس جميعا إلا أنت !! قال: و الله الذي لا إله إلا هو، لقد أردت أن أقوم لك فلما تهيأت للقيام تذكرت قول الله عز وجل: " يوم يقوم الناس لرب العالمين"، فتركت هذا القيام للقيام ذلك اليوم. قال:
اجلس... و الله ما بقي في راسي شعرة إلا وقفت.
و ماذا بعد الكلام
*اغتنم أوقات إجابة الدعاء:
v ثلث الليل الآخر.
v آخر ساعة من نهار الجمعة.
v في السجود.
v وقت طلوع الإمام المنبر يوم الجمعة.
v بين الآذان و الإقامة.
* احضر قلبك أولا ثم ادع بما تشاء ، فالدعاء اللساني دون حضور القلب لا قيمة له.
* أكثر من السجود، فبكى سجدة تسجدها ترتفع بك عند الله درجة، " كان سجود النبي عليه الصلاة والسلام مقدار قراءة خمسين آية".
* استصغر عملك: كلما صغرت عبادتك في عينك عظمت عند الله، و كلما عظمت في عينك صغرت عند الله.
* بالضغط تتلاءم الأجزاء المتبعثرة: و بالمحن يمحى الذنب و يصح الفقر فيستجاب الدعاء.
* من أدام قرع الباب أوشك أن يفتح له: " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت... فلم يستجب لي".