منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   منتدى الحديث وعلومه (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=44)
-   -   إتحاف الأماجد بفتاوى علماء المذهب المالكي في بدعية قراءة القرآن جماعة (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=14458)

عبد الله ياسين 13-11-2007 08:04 PM

رد: إتحاف الأماجد بفتاوى علماء المذهب المالكي في بدعية قراءة القرآن جماعة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة algeroi (المشاركة 81116)
تقرير الشاطبي الامام في الرد على ماتعلق به المخالف من اوهام

يقول رحمة الله عليه في معرض حديثه عن ماخذ اهل البدع في الاستدلال-وانت عندي اعز من ذالك اخي الفاضل- من الاعتصام ما نصه

4ــ انحرافهم عن الأصول الواضحة إلى اتباع المتشابهات: التي للعقول فيها مواقف، وقد علم العلماء أن كل دليل فيه اشتباه وإشكال ليس بدليل في الحقيقة، حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه، لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهراً في نفسه، ودالاً على غيره، وإلا، احتيج إلى دليل، فإن دل الدليل على عدم صحته فأحرى أن لا يكون دليلاً.

ومدار الغلط في هذا إنما هو: الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامّها المرتب على خاصّها؛ ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر ببيّنها، إلى ما سوى ذلك من مناحيها.

من ذالك الادلة المحتملة التي استدل بها الاخ الكريم كحديث ابي هريرة رضي الله عنه في البخاري او كفهمه لما ينقله عن بعض الائمة الذين يخالفون مذهبه-لااقصد مذهب السادة المالكية-في فقه هاذه الاحاديث

ويقول
5ــ تحريف الأدلة عن مواضعها: بأن يرِد الدليل على مناط فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهماً أن المناطين واحد، وهو من خفيات تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله، ويغلب على الظن أن من أقر بالإسلام، ويذم تحريف الكلم عن مواضعه، لا يلجأُ إليه صراحاً إلا مع اشتباهٍ يعرض له، أو جهل يصده عن الحق، مع هوى يعميه عن أخذ الدليل مأخذه، فيكون بذلك السبب مبتدعاً.

وبيان ذلك أن الدليل الشرعي إذا اقتضى أمراً في الجملة مما يتعلق بالعبادات ـ مثلاً ـ فأتى به المكلف في الجملة أيضاً، كذكر اللّه والدعاء والنوافل المسبحات وما أشبهها مما يعلم من الشارع فيها التوسعة. كان الدليل عاضداً لعلمه من جهتين: من جهة معناه، ومن جهة عمل السلف الصالح به، فإن أتى المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة، أو زمان مخصوص، أو مكان مخصوص، أو مقارناً لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار متخيلاً أن الكيفية، أو الزمان، أو المكان، مقصود شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه، كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه.
فإذا ندب الشرع مثلاً إلى ذكر الله فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد وبصوت أو في وقت معلوم مخصوص عن سائر الأوقات ـ لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم، بل فيه ما يدل على خلافه، لأن التزام الأُمور غير اللازمة شرعاً شأنها أن تفهم التشريع، وخصوصاً مع من يقتدي به في مجامع الناس كالمساجد.
فكل من خالف هذا الأصل فقد خالف إطلاق الدليل أولاً، لأنه قيد فيه بالرأي، وخالف من كان أعرف منه بالشريعة وهم السلف الصالح رضي الله عنهم، بل كان رسول الله ( يترك العمل وهو يحب أن يعمل به خوفاً أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، ألا ترى أن كل ما أظهره رسول الله ( وواظب عليه في جماعة إذا لم يكن فرضاً فهو سنة عند العلماء، كصلاة العيدين والاستقساء والكسوف ونحو ذلك؟ بخلاف قيام الليل وسائر النوافل، فإنها مستحبات، وندب ( إلى إخفائها، وإنما يضر إذا كانت تشاع ويعلن بها.
ومن أمثلة هذا الأصل التزام الدعاءُ بعد الصلوات بالهيئة الاجتماعية معلناً بها في الجماعات. وسيأتي بسط ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.

ولا اضن ان الثكلى ستظحك بعد هاذا التقرير من الامام الشاطبي رحمه الله

اما بالنسبة لقولك

هذا الكلام لا يلزمنا من وجهين :
1 - فهم الجمهور للأحاديث الدالة على الذكر الجماعي تدعمه قواعد و أصول فهم النصوص الشرعية.
2 - ثبوت الذكر الجماعي عند السلف كما ذكر أئمتنا رحمهم الله

فهاذه دعوى عريضة وماقررناه سابقا عن جملة طيبة من العلماء الاعلام من امثال
1-إمام دار الهجرة الجبل الحبر البحر مالك بن أنس – رحمه الله- .
2-الإمام أبو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري الأندلسي المالكي المتوفى سنة 520هـ.
3-العلامة أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي المتوفى سنة 914 هـ .
4-الشيخ ضياء الدين أبو المودة خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المالكي المعروف بالجندي المتوفى سنة 767 هـ.
5-إمام المذهب محمد بن سحنون (المتوفى سنة256هـ) .
6-الإمام الأصولي أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المتوفى سنة 790 هـ .
7– الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المشهور بابن الحاج
.


لكفيلة بان تدفع اي ايهام حول ما قررناه او لنقل نقلناه وهو القول المخرج على قواعد اهل العلم في التفريق بين ماهو من هديه صلى الله عليه وسلم وبين ماهو محدث

فاذا كان ذالك كذالك فلا ندري ما مغزى قول الاخ الفاضل


ثبوت الذكر الجماعي عند السلف كما ذكر أئمتنا رحمهم الله

اما ما قرره اليوم نقلا عن الشيخ الغماري رحمه الله وعفا عنه فلنا معه وقفات فيما ياتي والله من وراء القصد والسلام عليكم

وكأنّك تدخل المنتدى للكتابة فقط !

كيف تُحاول أخي الكريم أن تُسقط فهمك لكلام الإمام الشاطبي رحمه الله على ما تقول أنّه فهمي أنا - العبد الضعيف - لكلام الأئمة و كأنّك ترى أنّ ما أوردناه من كلامهم غير واضح و قاطع في المسألة رغم أنّ كلّ من يقرأ كلامهم رحمهم الله يُقرُّ أنهّ يُقارع الشمس في الوضوح و الجلاء !

قديماً قالوا التّكرار من الأبرار فائدة للأخيار ، اقرأ أخي بتأنّي :

قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه [ التبيان في آداب حملة القرآن ] :
اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظاهرة ... والأحاديث في هذا كثيرة وروى الدارمي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نورا وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا وروى ابن أبي داود فعل الدراسة مجتمعين عن جماعات من أفاضل السلف والخلف وقضاة المتقدمين وعن حسان بن عطية والأوزاعي أنهما قالا أول من أحدث الدراسة في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل في قدمته على عبدالملك وأما ما روى ابن أبي داود عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب أنه أنكر هذه الدراسة وقال ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب رسول الله يعني ما رأيت أحدا فعلها وعن وهب قال قلت لمالك أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعا سورة واحدة حتى يختموها فأنكر ذلك وعابه وقال ليس هكذا تصنع الناس إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه فهذا الإنكار منهما مخالف لما عليه السلف والخلف ولما يقتضيه الدليل فهو متروك والاعتماد على ما تقدم من استحبابها لكن القراءة في حال الاجتماع لها شروط قدمناها ينبغي أن يعتنى بها والله أعلم.اهــــ

قال
الإمام النووي رحمه الله عند شرحه لحديث الإجتماع على ذكر الله في صحيح مسلم : وَفِي هَذَا : دَلِيل لِفَضْلِ الِاجْتِمَاع عَلَى تِلَاوَة الْقُرْآن فِي الْمَسْجِد , وَهُوَ مَذْهَبنَا وَ مَذْهَب الْجُمْهُور , وَقَالَ مَالِك : يُكْرَه , وَتَأَوَّلَهُ بَعْض أَصْحَابه.اهــ

قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله [ الفتاوى الكبرى ] :
وقراءة الإدارة حسنة عند أكثر العلماء ومن قراءة الإدارة قراءتهم مجتمعين بصوت واحد. وللمالكية وجهان في كراهتها ، وكرهها مالك ، وأما قراءة واحد والباقون يتسمعون له فلا يكره بغير خلاف وهي مستحبة ، وهي التي كان الصحابة يفعلونها : كأبي موسى وغيره .اهــــ

يعني و ببساطة ما تنعته بأنّه فهم الفقير الى ربه هو قول جمهور أهل العلم ولستُ من قاله لو تقرأ جيّداً ما يكتب !

نحن نُعالج كلّ جزئية على حِداً و نطرح استشكالات على فهم المُخالف في المسألة و أنت عوضَ أن تقابل الدّليل بالدّليل و تُقارع الحجة بالحجة نراك ما تبرح تنسخ و تُلصق كلاماً لأئمة كبار - بغض النظر عن فهمك له ! - لا يمتُّ بأيّ صلة للإشكال الذي طُرح عليك و يُفترض أن تُجيب عليه !

ثمّ إني أودّ أن أنبّهك أنّ المسألة لو كانت ترجعُ الى سرد أقوال " جملة طيبة من العلماء الاعلام " كما قُلتَ ( هذا إذا سلّمنا لك فهمك لكلامهم في المسألة !) ، لكان أوْلى بك حسب منطقك هذا أن تتبع الرأي القائل بالإستحباب فهو رأي الجمهور !

سأختصر لك الطريق و أقول :

روى الإمام مسلم في صحيحه ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَنْ ‏ ‏نَفَّسَ ‏ ‏عَنْ مُؤْمِنٍ ‏ ‏كُرْبَةً ‏ ‏مِنْ ‏ ‏كُرَبِ ‏ ‏الدُّنْيَا ‏ ‏نَفَّسَ ‏ ‏اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏كُرْبَةً ‏ ‏مِنْ ‏ ‏كُرَبِ ‏ ‏يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا ‏ ‏يَلْتَمِسُ ‏ ‏فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ

ما هو دليلكم على أنّ المقصود من قوله صلى الله عليه و سلّم : "
يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ" هو قراءة الواحد و الباقون يستمعون و ليس الذكر الجماعي بصوت واحد ؟

أظن السؤال بسيط والجواب إن شاء الله سيكون أبسط.

غريب الاثري 14-11-2007 07:40 AM

رد: إتحاف الأماجد بفتاوى علماء المذهب المالكي في بدعية قراءة القرآن جماعة
 
أغلب البدع والخرافات منشِؤها الفكر الصوفي الدخيل على الإسلام

قاتل الله الصوفية ما أخطرهم على العقول السليمة...

عبد الله ياسين 14-11-2007 08:52 AM

رد: إتحاف الأماجد بفتاوى علماء المذهب المالكي في بدعية قراءة القرآن جماعة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غريب الاثري (المشاركة 81366)
أغلب البدع والخرافات منشِؤها الفكر الصوفي الدخيل على الإسلام

قاتل الله الصوفية ما أخطرهم على العقول السليمة...

لازم كلامك أنّ الإمام النووي وغيره من جمهور أهل العلم فكرهم صوفي دخيل على الإسلام حيثُ قالوا بخرافة و بدعة استحباب الذكر الجماعي !!!

فلو كان عندك علم في المسألة فمنّ به علينا أمّا مُحاولة جرّ الحوار لمستنقعات الشتم و السب و تلفيق التّهم بعباد الله فهو دليل الإفلاس و يرتفع عنه
حتى السُذّج من الناس !

يا أخي تكلّم بعلم أو اصمت بحلم كما قال الحافظ الذهبي رحمه الله.





algeroi 28-11-2007 01:48 PM

رد: إتحاف الأماجد بفتاوى علماء المذهب المالكي في بدعية قراءة القرآن جماعة
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
و كما وعدت سابقا تجدون التفصيل حول مسالة تركه صلى الله عليه وسلم في المبحث اسفله

وهي المقدمة الثالثة من كتاب

المقدمات العشر
في نقض أصول صوفية العصر



تقديم
فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان

إعداد
عبدالعزيز بن ريس الريس

1426 هـ


المقدمة الثالثة:
كل إحداث في الدين لم يدل عليه دليل معتبر شرعاً فهو من جملة البدع المحرمة في الشرع . قال ابن تيمية [1] " والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع" ا . هـ ، وقال[2] " فالأصل في العبادات ألاَّ يشرع منها إلا ما شرعه الله " ا . هـ ،وقال " فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع - ثم قال – ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله ] أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدِّين ما لم يأذن به الله …( ا . هـ [3] ، وقال ابن القيم[4] " ولا دين إلا ما شرعه ، فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليلٌ على الأمر " وكلام الأئمة في هذا مشهورٌ ويدلُّ على هذه القاعدة قوله تعالى ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً … ( فالدِّين كاملٌ لا يقبل المُحدَثاتِ وقوله تعالى ) لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر …( وقوله ) قل إن كنـتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم … ( وحديث عائشة " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ " وحديث العرباض بن سارية " إياكم ومُحدَثاتُ الأمور فإن كل مُحدَثةٍ بدعةٌ " وحديثُ جابرٍ " وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ " رواه مسلم وثبت عن ابن مسعودٍ أنه قال " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم ، كل بدعةٍ ضلالةٌ " [5]. وثبت عن حذيفة بن اليمان أنه كان يدخل المسجد فيقف على الحِلَق فيقول " يا معشر القرَّاء اسلكوا الطريق فلئن سلكتموها لقد سبقتم سبقاً بعيداً ، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً "[6]

فائدة: ما ثبت أنه بدعةٌ في الدِّين فهو ضلالةٌ إذ كل بدعةٍ ضلالةٌ ويدل لهذا عموم الآيات والأحاديث الذامة للبدع كحديث جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " وكل بدعةٍ ضلالةٌ " رواه مسلم وحديث العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالة " وقد سبق قول ابن مسعود " وكل بدعةٍ ضلالةٌ " وروى اللالكائي[7] وغيره عن ابن عمر قوله " كلُّ بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنةً " فمن هذا يُعلم أن البدع كلها سيئةٌ ولا توجد في الدِّين بدعةٌ حسنةٌ ففي هذا ردٌ على مقسَّمي البدع قسمين حسنةً وسيئةً كالعز بن عبد السلام والقرافي والنووي والزركشي الشافعي وابن حجر الهيثمي والسخاوي والسيوطي وأبي السعادات ابن الأثير وعلي الجرجاني وغيرهم على أنّ لهؤلاء أدلّة في هذا التقسيم فإليكها مع الإجابة عليها :
أ – ما رواه الخطيب عن أنس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسنٌ " .
ب- وما رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي أنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في صدر النهار قال فجاءه قومٌ حفاةٌ عُراةٌ مجتابي النمار أو العباء مُتقلديّ السيوف عامَّتهم من مُضرَ بل كلهم من مُضر فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لمِا رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال : ) يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ … ( الآية والآية التي في سورة الحشر ) اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ واتقوا الله … ( تصدق رجلٌ من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع برِّه من صاع تمره ( حتى قال ) ولو بشقِّ تمرةٍ " قال فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجز عنها بل قد عجزت قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يتهلَّل كأنه مذهبةٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " من سنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ ومن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً كان عليه وزرُها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ " .
ج-وقول عمر بن الخطاب لما رأى الناس يُصلون القيام جماعةً في رمضان " نعمت البدعةُ " رواه البخاري .
د- كتابة القرآن وجمعه في مصحفٍ واحدٍ كما أمر أبو بكر- بمشورة عمر –زيد بن ثابت . والحديث في البخاري وقد تقدم .
وإليك الإجابة على هذه الأدلة بالاختصار ما أمكن :
أما الدليل الأول / فهو ضعيف لا يصح مرفوعاً . قال ابن عبدالهادي: إسناده ساقط والأصح وقفه على ابن مسعود ا.هـ[8] وروى الحديث مرفوعاً الخطيب البغدادي[9] وبين الشيخ الألباني – رحمه الله – أن في إسناده كذاباً ثم ذكر أنه إنما يثبت على ابن مسعود[10] كما أخرجه الإمام أحمد والخطيب في الفقيه والمتفقه . ومعناه ما أجمع العلماء عليه ولا تنس أن عبد الله بن مسعود يقول بأن كل بدعةٍ ضلالةٌ .
أما الدليل الثاني /حديث " سن في الإسلام سنةً حسنةً … " فالرد على المستدلين به من أوجهٍ :
1- لفظة ( سنَّ ) في الحديث محتملةٌ لمعنى أنشأ ولمعنى أحيا وذكَّر والاحتمال الثاني هو المتعين لأمرين :أولهما /مناسبةُ الحديث إذ غاية ما فيه أن الأنصاري صاحب الصُّرة أحيا وذكّر بهذه السنة . وثانيهما /أن الاحتمال الأول معارَضٌ بالأحاديث الذامة والناهية عن البدع فعلى هذا يترجح الاحتمال الثاني .
2- أن معرفة كون هذا العمل من الأمور الحسنة أو السيئة في الدِّين راجعٌ للشرع لأمرين: أولهما /أن عبد الله بن مسعود قال وكم من مريدٍ للخير لن يصبه . أخرجه الدارمي. وثانيهما /أن عقول الناس تتفاوت فلا يصلح كونها ميزاناً في تميز الحسن والسيئ[11] في الدِّين .
أما الدليل الثالث /قول عمر " نعمت البدعة " فالمراد بالبدعة في اللغة لا في الشرع فإن هذا الفعل ليس من جملة البدع لكون رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قد فعل القيام جماعة في رمضان ثم تركه لمانعٍ وهذا المانع زال بموته فصار فعله سنةً شرعيةً فيُحمل قول عمر بن الخطاب هذا على المعنى اللغوي لا الشرعي لكون هذا الفعل ليس بدعةً شرعيةً بل سنةٌ نبويةٌ ويُقال أيضاً عمر من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم كما في حديث العرباض بن سارية[12].
أما الدليل الرابع /وهو جمع القرآن في مصحفٍ واحدٍ فلا مَمسَك فيه لأنه من المصالح المرسلة .على أنه من سنةِ الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالتمسك بسنتهم .
فبهذا يتبين أن هذا التقسيم محدث لم يعرفه السلف فلا يجوز تقليد هؤلاء فيه .

تذييلات مهمات :
التذييل الأول: ذكر عبدالله الغماري في كتاب " إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة "[13] حديث "من أحدث في أمرنا هذا – مخصصٌ لحديث " كل بدعةٍ ضلالةٌ " ومبينٌ للمراد منها ، كما هو واضحٌ ، إذ لو كانت البدعة ضلالة بدون استثناء لقال الحديث من أحدث في أمرنا هذا شيئاً فهو ردٌ ، لكن لما قال : "أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو ردٌ " أفاد أن المحدث نوعان ما ليس من الدِّين بأن كان مخالفاً لقواعده ودلائله فهو مردودٌ وهو البدعةُ الضلالة وما هو من الدين بأن شهد له أصلٌ ، أو أيده دليلٌ فهو صحيحٌ مقبولٌ وهو السنة الحسنةُ "ا.هـ [14]
والرد أن يقال: ما قاله داعية البدعة الغماري خطأ وتأصيل لفتح باب البدع التي هي ضلالة وإنما مفهومه الصحيح هو أن يُحمل على أحد أمرين :
الأول/ المصالح المرسلة المعتبرة التي لم تُفعل إلا بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كجمع القرآن وأذان عثمان الأول يوم الجمعة وهكذا ...
الثاني/ على العبادات التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لوجود مانعٍ كقيام رمضان جماعةً في المسجد وهذا كله لأجل ألا يتعارض مفهوم هذا الحديث مع السنة التركية فإن السنة التركية دليل شرعي معتبر فإليك تقرير الاحتجاج بها ، وبعض ما يتعلق بها من مهمات:
السنة التركية هي: ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه الأخيار من العبادات مع وجود المقتضي وانتفاء المانع . فتركه واجب وفعله بدعة منكرة .
وهذه قاعدة مهمة ضبطها يجلي كثيراً من البدع فإن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم العمل مع إمكان فعله – وهو الحريص كل الحرص على طاعة ربه الموصوف بأنه أخشى خلق الله وأتقاهم له – والمانع منتفٍ فهو والحالة هذه كفعله للعمل التعبُّدي ففعله صلى الله عليه وسلَّم سنةٌ وتركه صلى الله عليه وسلَّم سنةٌ لكن لا يصح لنا الاستدلال بالسنة التركية إلا عند توفُّر الدواعي للنقل فلا ينقل .وأقوى ما يتصور هذا فيما إذا نقل جزء العبادة دون جزئها الآخر . كما أشار لهذا ابن تيمية [15] على أن الأصل في العبادات أنها مما تتوفر الدواعي على نقلها ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل بيّن وحجّة واضحة. وفائدة هذا أنه أحياناً تتوفر الدواعي لنقل الفعل أكثر من الترك ، وأحياناً على قلةٍ لا تتوفر- كما سيأتي توضيحه فيما يستقبل -، فمثلاً صلاة الرغائب والألفية لم يثبت فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه ففعلها بعد تركهم مع إمكان فعلهم لها والمانع منتفٍ من جملة البدع إذ لو كان خيراً لسبقونا إليه .أما ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لوجود مانعٍ فليس داخلاً في البدع وذلك كمثل استخدام مكبّرات الصّوت في الآذان فهذا لو فعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لنقل لكن لا يصح وصفه بالبدعة لأنّه وجد مانع من فعله وهو عدم وجوده في زمن النبي صلى الله عليه وسلَّم ،وكمثل صلاة القيام جماعةً في رمضان فإن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم تركه خشية أن يُفترض كما جاء في حديث عائشة المتفق عليه فلما زال المانع بموته - إذ الوحي انقطع فما لم يكن مفروضاً فلن يفرض - أمر الفاروق عمر بن الخطاب بفعلها كما ثبت في صحيح البخاري .وأما مالم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لأنّ الدّواعي لم تتوافر على نقله فهذا لا يصح وصف فعله بأنّه بدعة إذ اختلّ فيه شرط توفّر الدواعي للنقل- وقد سبق أنّ هذا لا يصار إليه إلا بدليل - ،وهذا مثل وضع اليدين على الصّدر بعد الرّفع من الركوع فإنّ بعد الركوع لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلَّم فيه شيء لا بالوضع ولا عدمه ،مما دلّ على أنّ الدواعي لم تتوفّر للنقل . فيتلخّص من هذا أنّه لا يصح وصف فعل تركه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أو صحابته بأنّه بدعة إلا إذا اجتمع فيه أمران:
أ- توافر الدواعي للنقل وهذا هو الأصل في كل عبادة ولا ينتقل عنه إلا ببرهان واضح .
ب- أنّ لا يوجد مانع يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أو صحابته من فعله .والله أعلم.

الأدلة على هذه القاعدة نوعان عامةٌ وخاصةٌ:
أما العامة فكل ما سبق من الأدلة القرآنية والحديثية في تحريم البدع إذ فعل ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مع إمكان فعله بدون مانع إحداثٌ في الدِّين .

أما الخاصة فكثيرة وهذا بعضها :
1-ما رواه مسلم عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة " وجه الدلالة / أن الصحابي عمارة بن رؤيبة استدل بالسنة التركية في الإنكار على بشر بن مروان
2-ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال : جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلَّم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلَّم ، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها وقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلَّم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبداً وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبداً فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إليهم فقال " أنتم الذين قلتم كذا وكذا . أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوَّج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وجه الدلالة / أن هؤلاء لم يعتبروا السنة التركية دليلاً -تأوُّلاً منهم -فأنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وبين أن التارك لها تاركٌ لسنـته .
3-ما رواه الشيخان عن معاذة قالت : سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحروريةٌ أنت ؟ قالت لست بحروريةٍ ، ولكني اسأل ، قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة . وجه الدلالة / أن عائشة أم المؤمنين استدلت بتركهم وإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لذلك .
4-ما رواه البخاري عن زيد بن ثابت في قصة جمع القرآن وأن عمر ابن الخطاب أشار على أبي بكر بجمع القرآن فقال له أبو بكر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ؟ فلما أن شرح الله صدر أبي بكر لهذا كلَّف زيد بن ثابت به فقال زيدٌ : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم . وجه الدلالة / أن كلا من أبي بكرٍ وزيدٍ احتجا بالسنة التركية . فإن قيل كيف خالفوها ؟ فيُقال لأن المقتضي من فعلها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لم يكن موجوداً إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلَّم بينهم حافظاً للقرآن فلا يخشى ذهابه بخلاف ما بعد وفاته صلى الله عليه وسلَّم . وقد سبق تقرير حجية السنة التركية عند وجود المقتضي وانتفاء المانع .
5-اخرج البخاري عن أبي وائل قال جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة فقال لقد جلس هذا المجلس عمر . فقال لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته قلت : إن صاحبيك لم يفعلا قال هما المرآن اقتدى بهما . وجه الدلالة / أنه ترك ما هم به استدلالاً بالسنة التركية .
6-أخرج الدارمي في سننه وابن وضاح في كتاب ما جاء في البدع وغيرهم عن عمرو بن سلمة كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى ، فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا . فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاً ، فقال له أبو موسى يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد أمراً أنكرته ولم أرَ – والحمد لله – إلا خيراً. قال فما هو ؟ فقال إن عشت فستراه . قال : رأيت في المسجد قوماً جلوساً ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقةٍ رجلٌ ، وفي أيديهم حصاً ، فيقول كبِّروا مائة ، فيكبِّرون مائة ، فيقول هللوا مائةً ، فيهللون مائةً ويقول سبِّحوا مائة ، فيسبِّحون مائةً ، قال فماذا قلتَ لهم ؟ قال ما قلتُ شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك . قال أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم ، وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم ؟ ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقةً من تلك الحلق ، فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصاً نعدُّ به التكبير ، والتهليل ، والتسبيح . قال فعدُّوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ ألا يضيع من حسناتكم شيءٌ وَيحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلَّم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تُكسر والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملَّةٍ أهدى من ملَّة محمد أو مفتِّحوا باب ضلالةٍ . قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير . قال وكم من مريدٍ للخير لن يُصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حدثنا " إنَّ قومنا يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيهم " وأيم الله لا أدري ، لعلَّ أكثرهم منكم . ثم تولَّى عنهم . فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج "[16] وجه الدلالة / أن الصحابي ابن مسعود اعتمد في الإنكار على هؤلاء بأن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه لم يفعلوا هذا الأمر ( السنة التركَّية ) ففاعلُهُ ما بين أمرين أن يزعم أنه أهدى منهم أو أنه يكون مفتحاً لباب ضلالةٍ و الثاني هو المتعيِّن . وبعد ذكر هذه الأدلة العامة والخاصة في إثبات السنة التركية بضوابطها إليك أقوال أهل العلم الدالة على اعتبارهم السنة التركيَّة .

أقوال أهل العلم في اعتبار السنّة التركية :
قال الشافعي " وللناس تبرٌ غيره من نحاس وحديد ورصاص فلما لم يأخذ منه رسول الله ولا أحد بعده زكاة تركناه اتباعاً بتركه " . ا . هـ[17] ، وقال ابن تيمية " والترك الراتب سنَّةٌ كما أن الفعل الراتب سنةٌ بخلاف ما كان تركه لعدم مقتضٍ أو فوات شرطٍ أو وجود مانعٍ وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلَّت الشريعة على فعله حنيئذٍ كجمع القرآن في المصحف وجمع الناس في التراويح على إمامٍ واحدٍ وتعلُّم العربية وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك مما يُحتاج إليه في الدِّين ، بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به وإنما تركه صلى الله عليه وسلَّم لفوات شرطه أو وجود مانعٍ فأما ما تركه من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعاً لفعله أو أذن فيه ، وَلَفَعَله الخلفاء بعده والصحابة ، فيجب القطع بأنه بدعةٌ وضلالةٌ . ويمتنع القياس في مثله ..ا.هـ[18] وقال: " فحاصُلُه أن الرسول صلى الله عليه وسلَّم أكمل البشر في جميع أحواله فما تركه من القول والفعل فتركه أولى من فعله ، وما فعله ففعله أكمل من تركه " [19] ا .هـ ، وقال [20] " والقياس هنا فاسد الوضع والاعتبار ، لأنه موضوعٌ في مقابلة النَّص ، وذاك أن ترْكه صلى الله عليه وسلَّم سنةٌ كما أن فعله سنةٌ " وقال [21] " ولأن التلفظ بذلك لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلَّم ولا عن أصحابه ولا عن أحدٍ من التابعين لهم بإحسانٍ ومعلومٌ أن ذلك لو كان مستحباً لفعلوه وعلَّموه وأمروا به ، ولو كان ذلك لنُقل كما نُقل سائر الأذكار وإذا لم يكن كذلك كان من محدثات الأمور … " ا . هـ ،
وقال رحمه الله " بل يُقال ترك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مع وجود ما يعتقد مقتضياً وزوال المانع سنةٌ كما أن فعله سنةٌ . فلما أمر بالأذان في الجمعة وصلى العيدين بلا أذانٍ ولا إقامةٍ كان ترك الأذان فيهما سنةً ، فليس لأحدٍ أن يزيد في ذلك – ثم قال – ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، فهذا الترك سنةٌ خاصةٌ ، مقدمةٌ على كل عمومٍ وكل قياس " ا . هـ [22]، وقال " لأن ذلك الفضل إن لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلَّم ولا أصحابه ولا التابعون ، ولا سائر الأئمة ، امتنع أن نعلم نحن من الدِّين الذي يقرِّب إلى الله ما لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلَّم والصحابة والتابعون وسائر الأئمة وإن علموه امتنع مع توفُّر دواعيهم على العمل الصالح وتعليم الخَلق والنصيحة لهم ألاّ يعلموا أحداً بهذا الفضل ولا يسارع إليه واحدٌ منهم فإذا كان هذا الفضل المدَّعى مستلزماً لعدم علم الرسول صلى الله عليه وسلَّم وخير القرون لبعض دين الله ولكتمانهم وتركهم ما تقضي شريعتهم وعاداتهم ألا يكتموه ولا يتركوه وكل واحدٍ من اللازمَين منتفٍ إما بالشرع وإما بالعادة مع الشرع علم انتفاء الملزوم وهو الفضل المدعى"ا.هـ[23] ، وقال ابن القيم " لأن هذا مما انعقد سبب فعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلَّم فإذا لم يفعله ولم يشرَعه كان تركه هو السنة – ثم قال – فلذلك كان الصحيح أنه لا يُسنّ الغُسل للمبيت بمزدلفة ولا لرمي الجمار ولا للطواف ولا للكسوف ولا للاستسقاء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه لم يغتسلوا لذلك مع فعلهم لهذه العبادات " ا . هـ [24]، وقال –رحمه الله –كلاماً مفيداً للغاية فيما يتعلق بالسنة التركية مع ذكره بعض الأمثلة عليها. قال(3) " وأما نقلهم لتركه صلى الله عليه وسلَّم فهو نوعان: وكلاهما سنة أحدهما / تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله ، كقوله في شهداء أحد " ولم يغسلهم ولم يصل وقوله في صلاة العيد " لم يكن أذان ولا إقامةٌ ولا نداءٌ " وقوله في جمعه بين الصلاتين " ولم يسبح بينهما ولا على أثر واحدةٍ منهما ونظائره .والثاني / عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم و دواعيهم أو أكثرهم أو واحدٍ منهم على نقله ، فحيث لم ينقله واحدٌ منهم ألبتة ولا حدث به في مجمع أبداً عُلم أنه لم يكن ، وهذا كتركه التلفُّظ بالنية عند دخوله في الصلاة ، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائماً بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات ، وتركه رفع يديه كل يوم في صلاة الصبح بعد رفع رأسه من ركوع الثانية وقوله " اللهم اهدنا فيمن هديت " يجهر بها ويقول المأمومون كلهم" آمين " ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه صغيرٌ و لا كبيرٌ ولا رجلٌ ولا امرأةٌ ألبتة وهو مواظبٌ عليه هذه المواظبة لا يخلُّ به يوماً واحداً ، وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة ولو رمى الجمار ولطواف الزيارة ولصلاة الاستسقاء والكسوف ، ومن ههنا يُعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة ، فإن تركه صلى الله عليه وسلَّم سنةٌ كما أن فعله سنةٌ ، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ، ولا فرق فإن قيل من أين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم ؟ فهذا سؤالٌ بعيد جداً عن معرفة هديه وسنـته وما كان عليه ، ولو صحَّ هذا السؤال وقُبِل لا ستحبَّ لنا مستحبٌّ الأذان للتراويح ، وقال من أين لكم أنه لم يُنقل؟ واستحبّ لنا مستحبٌ آخر الغسل لكل صلاةٍ وقال من أين لكم انه لم يُنقل ؟ واستحبَّ لنا مستحبٌّ آخر النداء بعد الأذان للصلاة يرحمكم الله ورفع بها صوته وقال " من أين لكم أنه لم يُنقل ؟ واستحبّ لنا آخرُ لبس السواد والطرحة للخطيب وخروجه بالشاويش يصيح بين يديه ورفعُ المؤذنين أصواتهم كلما ذكر اسم الله واسم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم جماعةً وفُرادى وقال من أين لكم أن هذا لم يُنقل ؟ واستحبَّ لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال من أين لكم أن إحياءهما لم يُنقل ؟ وانفتح باب البدعة وقال كل من دعا إلى باب بدعة من أين لكم أن هذا لم يُنقل ؟ " ا.هـ فانظر – يا رعاك الله – ما ذكره ابو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم، وتقسيمه للسنة التركية قسمين ،ودقته في تنـزيل هذا الأصل على الفروع التي ذكرها . وقال ابن رجب [25] " فأما ما اتفقوا على تركه فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يُعلم به " ا . هـ ، وقال العيني [26]" إن الترك – مع حرصه عليه السلام على إحراز فضيلة النفل – دليل الكراهة " ا . هـ ، وقال الشاطبي [27]" وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسألةٍ ما أو تركه لأمرٍ ما على ضربين :أحدهما / أن يسكت عنه أو يتركه ، لأنه لا داعية له تقضيه ، ولا موجب يُقرر لأجله ولا وقع سببُ تقريره كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلَّم فإنها لم تكن موجودةً ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدِّين – ثم قال – والضرب الثاني /أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص أو يترك أمراً ما من الأمور وموجبه المقتضي له قائمٌ وسببه في زمان الوحي وفيما بعده موجودٌ ثابتٌ إلا إنه لم يُحدد فيه أمرٌ زائدٌ على ما كان من الحكم العام في أمثاله و لا ينقص منه ، لأنه لما كان المعنى الموجب لشرعية الحكم العقلي الخاص موجوداً ثم لم يُشرع ولا نبَّه ( السبطا [28]) كان صريحاً في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعةٌ زائدة ومخالفةٌ لقصد الشارع ، إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حدّ هنالك لا الزيادة ولا النقصان منه " ا.هـ ، وقد ذهب العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - إلى بدعية رفع اليدين بعد الفريضة استدلالاً بعدم فعله صلى الله عليه وسلَّم ولا أصحابه مبيناً أن فعله سنةٌ وتركه سنةٌ [29]وقال العلامة الألباني-رحمه الله - " من المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل عبادةٍ مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بقوله ، ولم يتقرَّب هو بها إلى الله بفعله ، فهي مخالفةٌ لسنـته لأن السنة على قسمين سنةٌ فعليةٌ وسنةٌ تركيةٌ فما تركه صلى الله عليه وسلَّم من تلك العبادات ، فمن السنة تركها ألا ترى مثلاً أن الأذان للعيدين ولدفن الميت مع كونها ذكراً وتعظيماً لله عز وجل لم يجز التقرُّب به إلى الله عز وجل ، وما ذاك إلا لكونه سنةً تركها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم . وقد فهم هذا المعنى أصحابه صلى الله عليه وسلَّم ، فكثر عنهم التحذير من البدع تحذيراً عاماً ، كما هو مذكور في موضعه " ا .هـ[30] .

تنبيهات :
التنبيه الأول :
قد يعترض البعض على الاستدلال بالسنة التركية بقوله " عدم العلم بالشيء لا يدل على العدم " والاستدلال بهذا صحيح لكن بشرط ألا تتوفر الدواعي والهمم على النقل ثم لا يُنقل – راجع ما سبق نقله عن ابن القيم – فإنه أحياناً لا تتوفر الدواعي للنقل لقرينة ما فمثل هذا لا يُستدل بالسنة التركية مع كون الأصل في باب العبادات أن الدواعي متوفرةٌ للنقل –كما سبق- وإليك مثال موضحاً ذلك: قال بعض الفضلاء يلزم من الاستدلال بالسنة التركية عدم إيجاب الوضوء لصلاة الجنازة والاستسقاء لعدم وجود النص الخاص المبيِّن لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم والاستدلال بالنص العام معارضٌ بالسنة التركية إذا لم يُنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه توضأ لهذه الصلوات خاصةً وعندك أن السنة التركية مقدمةٌ على النصّ العام . فيُقال جواباً على هذا إن تقديم السنة التركية على النص العام هو المتعين كما سبق بعض كلام الأئمة فيه ، وأيضاً سيأتي بحثه بأوضح مما سبق لكن بشرط توفر الدواعي للنقل . وأنت إذا تأملت وجدت أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لو لم يتوضأ لهذه الصلوات لكان النقل لهذا أدعى وأشد فعلى هذا الاستدلال بالسنة التركية هنا لا يصح لأن الدواعي توفرت لنقل العكس فتنبه .

التنبيه الثاني :
ليعلم المستدلُّ بالسنة التركية أنه نافٍ وباب النفي أوسع وأصعب من باب الإثبات كما هو معروفٌ. لذا يجب عليه الحذر وعدم الاستعجال وليس معنى هذا أن يقفل باب الاستدلال بالسنة التركية كلا بل المراد أنه لا ينفي إلا بعد بحثٍ يجعل ظنَّه الغالب يحكم على هذا الأمر بالنفي إذ التعبُّد بالظن الغالب متعيِّن وحصرُ العلم في القطعيات واليقينيات هي طريقة المتكلمين .[31] وقد ينفي اعتماداً على الظن الغالب ثم يجد بعدُ ما يُخالف نفيه ففي مثل هذه الحالة هو مأجورٌ غير مأزور ولكن يجب عليه الرجوع للحق إذ هو دين الله . وليعلم المستدلُّ بالسنة التركية أيضاً أن على مخالِفِه المدَّعِي العملَ بجزئيةٍ معينةٍ إثبات مشروعية العمل بهذه الجزئية إذ الأصل في باب العبادات المنع والحضر كما تقدم .
التنبيه الثالث:
قرر عبدالله الغماري في رسالة له بعنوان " حسن التفهم والدرك لمسألة الترك "[32] أن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم له عدة دوافع ولا تفيد التحريم إلا إذا احتف بقرينة تفيد التحريم فقال: قررت في كتاب " الرد المحكم المتين " أن ترك الشيء لا يدل على تحريمه ، وهذا نص ما ذكرته هناك: والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع . وإما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظوراً فهذا لا يستفاد من الترك وحده ، وإنما يستفاد من دليل يدل عليه ا.هـ[33] وهو بتقريره هذا قد خلط غاية التخليط بين ترك العبادة مع إمكان فعلها بأن تتوافر الشروط وتنتفي الموانع ، وبين ترك غير العبادات ، لذا أورد بعد ص147 حديث " كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار " وهذا المثال غير داخل في ما نحن بصدده لأنه ليس تركاً للعبادة وقد تقدم التدليل أن ترك العبادة مع إمكان فعلها يكون ملزماً ومن فعلها وقع في البدع وهذه الشبهة من أقوى شبه القوم التي أضلتهم مع وضوح بطلانها فالحمد لله على نعمة التوحيد والسنة ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ )

التذييل الثاني: رُوى عن الشافعي كلامٌ تمسَّك به القائلون بتقسيم البدعة قسمين حسنةً وسيئةً والجواب على ما تمسّكوا به من وجهين : 1- لو سلمنا أن ما ذكرتم هو مقصود الشافعي فإنه خالف غيره من أئمة الدِّين- كما سبق- كالصحابة الذين ذموا البدع كلّها وإن رآها الناس حسنة وقد قال الإمام أحمد :وكل بدعةٍ ضلالةٌ وأيضاً خالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فليس قوله حجةً يصحّ التمسك به . 2-أنا لا نسلّم لكم بما فهمتم من كلامه لأنه أراد بالبدعة المحمودة هي البدعة اللغوية ليس غير قال ابن رجب[34] " وقد روى الحافظ أبو نعيم بإسناده عن إبراهيم بن الجنيد حدثنا حرملة بن يحيى قال سمعت الشافعي رحمه الله يقول البدعة بدعتان بدعةٌ محمودةٌ وبدعةٌ مذمومةٌ ، فما وافق السنة ، فهو محمودٌ وما خالف السنة فهو مذمومٌ . واحتجَّ بقول عمر بن الخطاب " نعمت البدعة هي " ومراد الشافعي رحمه الله ما ذكرنا من قبل أن البدعة المذمومة ما ليس لها أصلٌ من الشريعة يُرجع إليه ، وهي البدعةُ في إطلاق الشرع ، وأما البدعةُ المحمودة فما وافق السنة يعني ما كان لها أصلٌ من السنة يُرجع إليه وإنما هي بدعةٌ لغةً لا شرعاً لموافقتها السنة . وقد رُوى عن الشافعي كلامٌ آخرُ يُفسِّر هذا ، وأنه قال والمحدثات ضربان : ما أُحدث مما يُخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً ، فهذه البدعةُ الضلالة ، وما أُحدث من الخير ، لا خلاف فيه لواحدٍ من هذا ، وهذه محدثةٌ غير مذمومةٍ " ا.هـ .
التذييل الثالث : ينسب بعض دعاة البدع[35] إلى الإمام ابن تيمية أنه يرى جواز الاحتفال بالمولد معتمدين في ذلك على عبارة ذكرها في الاقتضاء[36]: وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع مالهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم بهما المثوبة تجدهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه أو يصلي فيه قليلا وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة ا.هـ
هذا الكلام صريح في أن المولد بدعة من البدع عنده إذ قال:( لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً )، وأكد ذلك بقوله في موضع آخر: وأما إتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها والله سبحانه وتعالى أعلم ا.هـ[37]
فإذا اتضح وبان أنه صرح ببدعية هذا اليوم فما معنى قوله: إنه يثاب ويؤجر ؟ يقال: إن كلامه صريح في أن الإثابة على نية محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن القصد لا على العمل ، وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " أخرجه الشيخان عن عمرو بن العاص . فهذا الحاكم أثيب لحسن نيته أجراً كما أفاده الشافعي وغيره وإن كان العمل خطأ ، ومثله المقلد فإنه إذا قلد من يثق فيه وعمل المولد ظناً منه أن فعله مشروع فهو لا يثاب على العمل لأنه أخطأ وإنما على حسن النية والقصد . كما قال في موضع آخر: وإنما الذي أراده ربيعة -والله أعلم- أن من كانت له نية صالحة أثيب على نيته وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع فهذا الدعاء وإن لم يكن مشروعا لكن لصاحبه نية صالحة قد يثاب على نيته فيستفاد من ذلك أنهم مجمعون على أن الدعاء عند القبر غير مستحب ولا خصيصة في تلك البقعة وإنما الخير قد يحصل من جهة نية الداعي ا.هـ[38]
وعلى كل فليس لأحد أن ينسب إلى ابن تيمية القول بجواز الاحتفال بالمولد وأنه لا يبدعه ، ثم لو قدر أن ابن تيمية ينفي بدعيته فإنه – رحمه الله -ليس حجة ولا دليلاً معصوماً ، وعليه فأقواله يحتج لها لا بها .


[1] مجموع الفتاوى ( 22/510 ) .

[2] الاقتضاء (2/585 ) .

[3] القواعد النورانية ص134 ،وانظر مجموع الفتاوى (31 /35 )

[4] ابن القيم في الأعلام (1/344 ).

[5] أخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم وابن وضاح في البدع .

[6] أخرجه ابن نصر في السنة وابن وضاح في البدع وأخرج البخاري نحوه في كتاب الاعتصام .

[7] ( 1/92 ) رقم (126 ) .

[8]بواسطة كشف الخفاء (2/188) .

[9]تاريخ بغداد (4/165) .

[10]السلسلة الضعيفة (2/17) .

[11] انظر الاقتضاء ( 2/585 ) والاعتصام ( 1/233 ) وجامع العلوم والحكم ( 2/128 ) وكتاب حقيقة البدعة ( 1/394 ) والإبداع في كمال الشرع ص 18 وأصول البدع ص 121 وكتاب البدعة وأثرها السيئ في الأمة ص 42-45 .

[12] انظر الاقتضاء ( 2/593 ) ومنهاج السنة ( 8/307-308 ) والاعتصام (1/248-250 ) وجامع العلوم والحكم ( 2/128 ) وكتاب حقيقة البدع (1/411 ) والإبداع في كمال الشرع ص 15-17 وكتاب أصول البدع ص 95 ،126،129 .

[13] ص22 –23 .

[14] بنحو هذا الكلام ذكر صاحب الموسوعة اليوسفية ص484 .

[15] رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص 34 .

[16] الأثر ثابت وتجد بحثاً مفيداً في دراسته روايةً في كتاب البدع وأثرها السيء في الأمة ص 26-29 .

[17] كتاب الرسالة ص 194 .

[18] القواعد النورانية ص 124 .وانظره في المجموع ( 26/172 ) .

[19] الصارم المسلول (2/332 ) .

[20] ص 591 .

[21] الإقتضاء (2 /600 ) .

[22] الاقتضاء (1/280)

[23] الإقتضاء (2/ 610 ) .

[24] زاد المعاد (1/432 )



[25] كتاب فضل علم السلف على الخلف ص 32 .

[26] كتاب إعلام أهل العصر ص 95 للعظيم آبادي بواسطة علم أصول البدع ص 109

[27] ) الاعتصام ( 1/466 )

[28] هكذا موجود في الأصل .

[29] رسالة فتاوى مهمةٌ في الصلاة ص 48

[30] راجع للاستزادة كتاب الإبداع في مضار الابتداع ص 34-35 وكتاب حقيقة البدعة (1/302 ) وكتاب أصول البدع ص 107 فقد أجاد في تقرير هذه القاعدة وتدعيمها بكلام العلماء وكتاب قواعد معرفة البدع ص 75 وتصحيح الدعاء ص 24 والموافقات (3/285 ).

[31] انظر الاستقامة لابن تيمية ( 1/54 ) .

[32] كرر هذه القاعدة صاحب كتاب " الموسوعة اليوسفية لبيان أدلة الصوفية " ص96 ، 148 ، 484 . و الرسالة ملحقة بكتابه " إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة " .

[33] ص141 .

[34] جامع العلوم والحكم ( 2/131 ) .

[35] ومنهم صاحب الموسوعة اليوسفية ص139 ، والسعودي صالح الأسمري عضو الدعوة والإرشاد الآن بالطائف وسابقاً بقطر . فكم له من كلمات مسجلة وافق فيها أهل التصوف والبدعة ، قرر فيها أن البدع تنقسم إلى حسنة وسيئة ، وأنه لا توجد سنة تركية وهكذا ... بل وله مكالمة مسجلة طعن فيها على الإمام محمد بن عبدالوهاب والإمام عبدالعزيز بن باز – رحمهما الله – وعدّ الماتريدية والأشاعرة من الفرقة الناجية عياذاً بالله من لبس الحق بالباطل . وله محاضرة مسجلة يذكر فيها بعض الأقوال البدعية ويذكر ما خالفها من السنة ، لكن ينشط لذكر أدلة هذه البدع دون أدلة هذه السنن .

[36] (2/619) .

[37] الفتاوى (25/298) .

[38] الاقتضاء (2/732) .



و في الختام لا يسعني الا ان ادعو الله لي ولاخي بالسداد وان يهدينا لما اختلف فيه من الحق باذنه ولعل هاذا من اخر ما اكتبه في هاذا الموقع الطيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الله ياسين 28-11-2007 11:20 PM

رد: إتحاف الأماجد بفتاوى علماء المذهب المالكي في بدعية قراءة القرآن جماعة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة algeroi (المشاركة 88454)
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
و كما وعدت سابقا تجدون التفصيل حول مسالة تركه صلى الله عليه وسلم في المبحث اسفله

وهي المقدمة الثالثة من كتاب

المقدمات العشر
في نقض أصول صوفية العصر



تقديم
فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان

إعداد
عبدالعزيز بن ريس الريس

1426 هـ


المقدمة الثالثة:
كل إحداث في الدين لم يدل عليه دليل معتبر شرعاً فهو من جملة البدع المحرمة في الشرع . قال ابن تيمية [1] " والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع" ا . هـ ، وقال[2] " فالأصل في العبادات ألاَّ يشرع منها إلا ما شرعه الله " ا . هـ ،وقال " فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع - ثم قال – ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله ] أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدِّين ما لم يأذن به الله …( ا . هـ [3] ، وقال ابن القيم[4] " ولا دين إلا ما شرعه ، فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليلٌ على الأمر " وكلام الأئمة في هذا مشهورٌ ويدلُّ على هذه القاعدة قوله تعالى ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً … ( فالدِّين كاملٌ لا يقبل المُحدَثاتِ وقوله تعالى ) لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر …( وقوله ) قل إن كنـتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم … ( وحديث عائشة " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ " وحديث العرباض بن سارية " إياكم ومُحدَثاتُ الأمور فإن كل مُحدَثةٍ بدعةٌ " وحديثُ جابرٍ " وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ " رواه مسلم وثبت عن ابن مسعودٍ أنه قال " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم ، كل بدعةٍ ضلالةٌ " [5]. وثبت عن حذيفة بن اليمان أنه كان يدخل المسجد فيقف على الحِلَق فيقول " يا معشر القرَّاء اسلكوا الطريق فلئن سلكتموها لقد سبقتم سبقاً بعيداً ، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً "[6]

فائدة: ما ثبت أنه بدعةٌ في الدِّين فهو ضلالةٌ إذ كل بدعةٍ ضلالةٌ ويدل لهذا عموم الآيات والأحاديث الذامة للبدع كحديث جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " وكل بدعةٍ ضلالةٌ " رواه مسلم وحديث العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالة " وقد سبق قول ابن مسعود " وكل بدعةٍ ضلالةٌ " وروى اللالكائي[7] وغيره عن ابن عمر قوله " كلُّ بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنةً " فمن هذا يُعلم أن البدع كلها سيئةٌ ولا توجد في الدِّين بدعةٌ حسنةٌ ففي هذا ردٌ على مقسَّمي البدع قسمين حسنةً وسيئةً كالعز بن عبد السلام والقرافي والنووي والزركشي الشافعي وابن حجر الهيثمي والسخاوي والسيوطي وأبي السعادات ابن الأثير وعلي الجرجاني وغيرهم على أنّ لهؤلاء أدلّة في هذا التقسيم فإليكها مع الإجابة عليها :
أ – ما رواه الخطيب عن أنس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسنٌ " .
ب- وما رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي أنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في صدر النهار قال فجاءه قومٌ حفاةٌ عُراةٌ مجتابي النمار أو العباء مُتقلديّ السيوف عامَّتهم من مُضرَ بل كلهم من مُضر فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لمِا رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال : ) يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ … ( الآية والآية التي في سورة الحشر ) اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ واتقوا الله … ( تصدق رجلٌ من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع برِّه من صاع تمره ( حتى قال ) ولو بشقِّ تمرةٍ " قال فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجز عنها بل قد عجزت قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يتهلَّل كأنه مذهبةٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم " من سنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ ومن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً كان عليه وزرُها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ " .
ج-وقول عمر بن الخطاب لما رأى الناس يُصلون القيام جماعةً في رمضان " نعمت البدعةُ " رواه البخاري .
د- كتابة القرآن وجمعه في مصحفٍ واحدٍ كما أمر أبو بكر- بمشورة عمر –زيد بن ثابت . والحديث في البخاري وقد تقدم .
وإليك الإجابة على هذه الأدلة بالاختصار ما أمكن :
أما الدليل الأول / فهو ضعيف لا يصح مرفوعاً . قال ابن عبدالهادي: إسناده ساقط والأصح وقفه على ابن مسعود ا.هـ[8] وروى الحديث مرفوعاً الخطيب البغدادي[9] وبين الشيخ الألباني – رحمه الله – أن في إسناده كذاباً ثم ذكر أنه إنما يثبت على ابن مسعود[10] كما أخرجه الإمام أحمد والخطيب في الفقيه والمتفقه . ومعناه ما أجمع العلماء عليه ولا تنس أن عبد الله بن مسعود يقول بأن كل بدعةٍ ضلالةٌ .
أما الدليل الثاني /حديث " سن في الإسلام سنةً حسنةً … " فالرد على المستدلين به من أوجهٍ :
1- لفظة ( سنَّ ) في الحديث محتملةٌ لمعنى أنشأ ولمعنى أحيا وذكَّر والاحتمال الثاني هو المتعين لأمرين :أولهما /مناسبةُ الحديث إذ غاية ما فيه أن الأنصاري صاحب الصُّرة أحيا وذكّر بهذه السنة . وثانيهما /أن الاحتمال الأول معارَضٌ بالأحاديث الذامة والناهية عن البدع فعلى هذا يترجح الاحتمال الثاني .
2- أن معرفة كون هذا العمل من الأمور الحسنة أو السيئة في الدِّين راجعٌ للشرع لأمرين: أولهما /أن عبد الله بن مسعود قال وكم من مريدٍ للخير لن يصبه . أخرجه الدارمي. وثانيهما /أن عقول الناس تتفاوت فلا يصلح كونها ميزاناً في تميز الحسن والسيئ[11] في الدِّين .
أما الدليل الثالث /قول عمر " نعمت البدعة " فالمراد بالبدعة في اللغة لا في الشرع فإن هذا الفعل ليس من جملة البدع لكون رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قد فعل القيام جماعة في رمضان ثم تركه لمانعٍ وهذا المانع زال بموته فصار فعله سنةً شرعيةً فيُحمل قول عمر بن الخطاب هذا على المعنى اللغوي لا الشرعي لكون هذا الفعل ليس بدعةً شرعيةً بل سنةٌ نبويةٌ ويُقال أيضاً عمر من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم كما في حديث العرباض بن سارية[12].
أما الدليل الرابع /وهو جمع القرآن في مصحفٍ واحدٍ فلا مَمسَك فيه لأنه من المصالح المرسلة .على أنه من سنةِ الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالتمسك بسنتهم .
فبهذا يتبين أن هذا التقسيم محدث لم يعرفه السلف فلا يجوز تقليد هؤلاء فيه .

تذييلات مهمات :
التذييل الأول: ذكر عبدالله الغماري في كتاب " إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة "[13] حديث "من أحدث في أمرنا هذا – مخصصٌ لحديث " كل بدعةٍ ضلالةٌ " ومبينٌ للمراد منها ، كما هو واضحٌ ، إذ لو كانت البدعة ضلالة بدون استثناء لقال الحديث من أحدث في أمرنا هذا شيئاً فهو ردٌ ، لكن لما قال : "أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو ردٌ " أفاد أن المحدث نوعان ما ليس من الدِّين بأن كان مخالفاً لقواعده ودلائله فهو مردودٌ وهو البدعةُ الضلالة وما هو من الدين بأن شهد له أصلٌ ، أو أيده دليلٌ فهو صحيحٌ مقبولٌ وهو السنة الحسنةُ "ا.هـ [14]
والرد أن يقال: ما قاله داعية البدعة الغماري خطأ وتأصيل لفتح باب البدع التي هي ضلالة وإنما مفهومه الصحيح هو أن يُحمل على أحد أمرين :
الأول/ المصالح المرسلة المعتبرة التي لم تُفعل إلا بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كجمع القرآن وأذان عثمان الأول يوم الجمعة وهكذا ...
الثاني/ على العبادات التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لوجود مانعٍ كقيام رمضان جماعةً في المسجد وهذا كله لأجل ألا يتعارض مفهوم هذا الحديث مع السنة التركية فإن السنة التركية دليل شرعي معتبر فإليك تقرير الاحتجاج بها ، وبعض ما يتعلق بها من مهمات:
السنة التركية هي: ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه الأخيار من العبادات مع وجود المقتضي وانتفاء المانع . فتركه واجب وفعله بدعة منكرة .
وهذه قاعدة مهمة ضبطها يجلي كثيراً من البدع فإن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم العمل مع إمكان فعله – وهو الحريص كل الحرص على طاعة ربه الموصوف بأنه أخشى خلق الله وأتقاهم له – والمانع منتفٍ فهو والحالة هذه كفعله للعمل التعبُّدي ففعله صلى الله عليه وسلَّم سنةٌ وتركه صلى الله عليه وسلَّم سنةٌ لكن لا يصح لنا الاستدلال بالسنة التركية إلا عند توفُّر الدواعي للنقل فلا ينقل .وأقوى ما يتصور هذا فيما إذا نقل جزء العبادة دون جزئها الآخر . كما أشار لهذا ابن تيمية [15] على أن الأصل في العبادات أنها مما تتوفر الدواعي على نقلها ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل بيّن وحجّة واضحة. وفائدة هذا أنه أحياناً تتوفر الدواعي لنقل الفعل أكثر من الترك ، وأحياناً على قلةٍ لا تتوفر- كما سيأتي توضيحه فيما يستقبل -، فمثلاً صلاة الرغائب والألفية لم يثبت فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه ففعلها بعد تركهم مع إمكان فعلهم لها والمانع منتفٍ من جملة البدع إذ لو كان خيراً لسبقونا إليه .أما ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لوجود مانعٍ فليس داخلاً في البدع وذلك كمثل استخدام مكبّرات الصّوت في الآذان فهذا لو فعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لنقل لكن لا يصح وصفه بالبدعة لأنّه وجد مانع من فعله وهو عدم وجوده في زمن النبي صلى الله عليه وسلَّم ،وكمثل صلاة القيام جماعةً في رمضان فإن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم تركه خشية أن يُفترض كما جاء في حديث عائشة المتفق عليه فلما زال المانع بموته - إذ الوحي انقطع فما لم يكن مفروضاً فلن يفرض - أمر الفاروق عمر بن الخطاب بفعلها كما ثبت في صحيح البخاري .وأما مالم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لأنّ الدّواعي لم تتوافر على نقله فهذا لا يصح وصف فعله بأنّه بدعة إذ اختلّ فيه شرط توفّر الدواعي للنقل- وقد سبق أنّ هذا لا يصار إليه إلا بدليل - ،وهذا مثل وضع اليدين على الصّدر بعد الرّفع من الركوع فإنّ بعد الركوع لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلَّم فيه شيء لا بالوضع ولا عدمه ،مما دلّ على أنّ الدواعي لم تتوفّر للنقل . فيتلخّص من هذا أنّه لا يصح وصف فعل تركه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أو صحابته بأنّه بدعة إلا إذا اجتمع فيه أمران:
أ- توافر الدواعي للنقل وهذا هو الأصل في كل عبادة ولا ينتقل عنه إلا ببرهان واضح .
ب- أنّ لا يوجد مانع يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أو صحابته من فعله .والله أعلم.

الأدلة على هذه القاعدة نوعان عامةٌ وخاصةٌ:
أما العامة فكل ما سبق من الأدلة القرآنية والحديثية في تحريم البدع إذ فعل ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مع إمكان فعله بدون مانع إحداثٌ في الدِّين .

أما الخاصة فكثيرة وهذا بعضها :
1-ما رواه مسلم عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة " وجه الدلالة / أن الصحابي عمارة بن رؤيبة استدل بالسنة التركية في الإنكار على بشر بن مروان
2-ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال : جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلَّم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلَّم ، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها وقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلَّم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبداً وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبداً فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إليهم فقال " أنتم الذين قلتم كذا وكذا . أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوَّج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وجه الدلالة / أن هؤلاء لم يعتبروا السنة التركية دليلاً -تأوُّلاً منهم -فأنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وبين أن التارك لها تاركٌ لسنـته .
3-ما رواه الشيخان عن معاذة قالت : سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحروريةٌ أنت ؟ قالت لست بحروريةٍ ، ولكني اسأل ، قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة . وجه الدلالة / أن عائشة أم المؤمنين استدلت بتركهم وإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لذلك .
4-ما رواه البخاري عن زيد بن ثابت في قصة جمع القرآن وأن عمر ابن الخطاب أشار على أبي بكر بجمع القرآن فقال له أبو بكر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ؟ فلما أن شرح الله صدر أبي بكر لهذا كلَّف زيد بن ثابت به فقال زيدٌ : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم . وجه الدلالة / أن كلا من أبي بكرٍ وزيدٍ احتجا بالسنة التركية . فإن قيل كيف خالفوها ؟ فيُقال لأن المقتضي من فعلها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لم يكن موجوداً إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلَّم بينهم حافظاً للقرآن فلا يخشى ذهابه بخلاف ما بعد وفاته صلى الله عليه وسلَّم . وقد سبق تقرير حجية السنة التركية عند وجود المقتضي وانتفاء المانع .
5-اخرج البخاري عن أبي وائل قال جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة فقال لقد جلس هذا المجلس عمر . فقال لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته قلت : إن صاحبيك لم يفعلا قال هما المرآن اقتدى بهما . وجه الدلالة / أنه ترك ما هم به استدلالاً بالسنة التركية .
6-أخرج الدارمي في سننه وابن وضاح في كتاب ما جاء في البدع وغيرهم عن عمرو بن سلمة كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى ، فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا . فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاً ، فقال له أبو موسى يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد أمراً أنكرته ولم أرَ – والحمد لله – إلا خيراً. قال فما هو ؟ فقال إن عشت فستراه . قال : رأيت في المسجد قوماً جلوساً ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقةٍ رجلٌ ، وفي أيديهم حصاً ، فيقول كبِّروا مائة ، فيكبِّرون مائة ، فيقول هللوا مائةً ، فيهللون مائةً ويقول سبِّحوا مائة ، فيسبِّحون مائةً ، قال فماذا قلتَ لهم ؟ قال ما قلتُ شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك . قال أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم ، وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم ؟ ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقةً من تلك الحلق ، فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصاً نعدُّ به التكبير ، والتهليل ، والتسبيح . قال فعدُّوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ ألا يضيع من حسناتكم شيءٌ وَيحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلَّم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تُكسر والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملَّةٍ أهدى من ملَّة محمد أو مفتِّحوا باب ضلالةٍ . قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير . قال وكم من مريدٍ للخير لن يُصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حدثنا " إنَّ قومنا يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيهم " وأيم الله لا أدري ، لعلَّ أكثرهم منكم . ثم تولَّى عنهم . فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج "[16] وجه الدلالة / أن الصحابي ابن مسعود اعتمد في الإنكار على هؤلاء بأن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه لم يفعلوا هذا الأمر ( السنة التركَّية ) ففاعلُهُ ما بين أمرين أن يزعم أنه أهدى منهم أو أنه يكون مفتحاً لباب ضلالةٍ و الثاني هو المتعيِّن . وبعد ذكر هذه الأدلة العامة والخاصة في إثبات السنة التركية بضوابطها إليك أقوال أهل العلم الدالة على اعتبارهم السنة التركيَّة .

أقوال أهل العلم في اعتبار السنّة التركية :
قال الشافعي " وللناس تبرٌ غيره من نحاس وحديد ورصاص فلما لم يأخذ منه رسول الله ولا أحد بعده زكاة تركناه اتباعاً بتركه " . ا . هـ[17] ، وقال ابن تيمية " والترك الراتب سنَّةٌ كما أن الفعل الراتب سنةٌ بخلاف ما كان تركه لعدم مقتضٍ أو فوات شرطٍ أو وجود مانعٍ وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلَّت الشريعة على فعله حنيئذٍ كجمع القرآن في المصحف وجمع الناس في التراويح على إمامٍ واحدٍ وتعلُّم العربية وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك مما يُحتاج إليه في الدِّين ، بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به وإنما تركه صلى الله عليه وسلَّم لفوات شرطه أو وجود مانعٍ فأما ما تركه من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعاً لفعله أو أذن فيه ، وَلَفَعَله الخلفاء بعده والصحابة ، فيجب القطع بأنه بدعةٌ وضلالةٌ . ويمتنع القياس في مثله ..ا.هـ[18] وقال: " فحاصُلُه أن الرسول صلى الله عليه وسلَّم أكمل البشر في جميع أحواله فما تركه من القول والفعل فتركه أولى من فعله ، وما فعله ففعله أكمل من تركه " [19] ا .هـ ، وقال [20] " والقياس هنا فاسد الوضع والاعتبار ، لأنه موضوعٌ في مقابلة النَّص ، وذاك أن ترْكه صلى الله عليه وسلَّم سنةٌ كما أن فعله سنةٌ " وقال [21] " ولأن التلفظ بذلك لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلَّم ولا عن أصحابه ولا عن أحدٍ من التابعين لهم بإحسانٍ ومعلومٌ أن ذلك لو كان مستحباً لفعلوه وعلَّموه وأمروا به ، ولو كان ذلك لنُقل كما نُقل سائر الأذكار وإذا لم يكن كذلك كان من محدثات الأمور … " ا . هـ ،
وقال رحمه الله " بل يُقال ترك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مع وجود ما يعتقد مقتضياً وزوال المانع سنةٌ كما أن فعله سنةٌ . فلما أمر بالأذان في الجمعة وصلى العيدين بلا أذانٍ ولا إقامةٍ كان ترك الأذان فيهما سنةً ، فليس لأحدٍ أن يزيد في ذلك – ثم قال – ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، فهذا الترك سنةٌ خاصةٌ ، مقدمةٌ على كل عمومٍ وكل قياس " ا . هـ [22]، وقال " لأن ذلك الفضل إن لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلَّم ولا أصحابه ولا التابعون ، ولا سائر الأئمة ، امتنع أن نعلم نحن من الدِّين الذي يقرِّب إلى الله ما لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلَّم والصحابة والتابعون وسائر الأئمة وإن علموه امتنع مع توفُّر دواعيهم على العمل الصالح وتعليم الخَلق والنصيحة لهم ألاّ يعلموا أحداً بهذا الفضل ولا يسارع إليه واحدٌ منهم فإذا كان هذا الفضل المدَّعى مستلزماً لعدم علم الرسول صلى الله عليه وسلَّم وخير القرون لبعض دين الله ولكتمانهم وتركهم ما تقضي شريعتهم وعاداتهم ألا يكتموه ولا يتركوه وكل واحدٍ من اللازمَين منتفٍ إما بالشرع وإما بالعادة مع الشرع علم انتفاء الملزوم وهو الفضل المدعى"ا.هـ[23] ، وقال ابن القيم " لأن هذا مما انعقد سبب فعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلَّم فإذا لم يفعله ولم يشرَعه كان تركه هو السنة – ثم قال – فلذلك كان الصحيح أنه لا يُسنّ الغُسل للمبيت بمزدلفة ولا لرمي الجمار ولا للطواف ولا للكسوف ولا للاستسقاء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه لم يغتسلوا لذلك مع فعلهم لهذه العبادات " ا . هـ [24]، وقال –رحمه الله –كلاماً مفيداً للغاية فيما يتعلق بالسنة التركية مع ذكره بعض الأمثلة عليها. قال(3) " وأما نقلهم لتركه صلى الله عليه وسلَّم فهو نوعان: وكلاهما سنة أحدهما / تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله ، كقوله في شهداء أحد " ولم يغسلهم ولم يصل وقوله في صلاة العيد " لم يكن أذان ولا إقامةٌ ولا نداءٌ " وقوله في جمعه بين الصلاتين " ولم يسبح بينهما ولا على أثر واحدةٍ منهما ونظائره .والثاني / عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم و دواعيهم أو أكثرهم أو واحدٍ منهم على نقله ، فحيث لم ينقله واحدٌ منهم ألبتة ولا حدث به في مجمع أبداً عُلم أنه لم يكن ، وهذا كتركه التلفُّظ بالنية عند دخوله في الصلاة ، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائماً بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات ، وتركه رفع يديه كل يوم في صلاة الصبح بعد رفع رأسه من ركوع الثانية وقوله " اللهم اهدنا فيمن هديت " يجهر بها ويقول المأمومون كلهم" آمين " ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه صغيرٌ و لا كبيرٌ ولا رجلٌ ولا امرأةٌ ألبتة وهو مواظبٌ عليه هذه المواظبة لا يخلُّ به يوماً واحداً ، وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة ولو رمى الجمار ولطواف الزيارة ولصلاة الاستسقاء والكسوف ، ومن ههنا يُعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة ، فإن تركه صلى الله عليه وسلَّم سنةٌ كما أن فعله سنةٌ ، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ، ولا فرق فإن قيل من أين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم ؟ فهذا سؤالٌ بعيد جداً عن معرفة هديه وسنـته وما كان عليه ، ولو صحَّ هذا السؤال وقُبِل لا ستحبَّ لنا مستحبٌّ الأذان للتراويح ، وقال من أين لكم أنه لم يُنقل؟ واستحبّ لنا مستحبٌ آخر الغسل لكل صلاةٍ وقال من أين لكم انه لم يُنقل ؟ واستحبَّ لنا مستحبٌّ آخر النداء بعد الأذان للصلاة يرحمكم الله ورفع بها صوته وقال " من أين لكم أنه لم يُنقل ؟ واستحبّ لنا آخرُ لبس السواد والطرحة للخطيب وخروجه بالشاويش يصيح بين يديه ورفعُ المؤذنين أصواتهم كلما ذكر اسم الله واسم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم جماعةً وفُرادى وقال من أين لكم أن هذا لم يُنقل ؟ واستحبَّ لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال من أين لكم أن إحياءهما لم يُنقل ؟ وانفتح باب البدعة وقال كل من دعا إلى باب بدعة من أين لكم أن هذا لم يُنقل ؟ " ا.هـ فانظر – يا رعاك الله – ما ذكره ابو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم، وتقسيمه للسنة التركية قسمين ،ودقته في تنـزيل هذا الأصل على الفروع التي ذكرها . وقال ابن رجب [25] " فأما ما اتفقوا على تركه فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يُعلم به " ا . هـ ، وقال العيني [26]" إن الترك – مع حرصه عليه السلام على إحراز فضيلة النفل – دليل الكراهة " ا . هـ ، وقال الشاطبي [27]" وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسألةٍ ما أو تركه لأمرٍ ما على ضربين :أحدهما / أن يسكت عنه أو يتركه ، لأنه لا داعية له تقضيه ، ولا موجب يُقرر لأجله ولا وقع سببُ تقريره كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلَّم فإنها لم تكن موجودةً ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدِّين – ثم قال – والضرب الثاني /أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص أو يترك أمراً ما من الأمور وموجبه المقتضي له قائمٌ وسببه في زمان الوحي وفيما بعده موجودٌ ثابتٌ إلا إنه لم يُحدد فيه أمرٌ زائدٌ على ما كان من الحكم العام في أمثاله و لا ينقص منه ، لأنه لما كان المعنى الموجب لشرعية الحكم العقلي الخاص موجوداً ثم لم يُشرع ولا نبَّه ( السبطا [28]) كان صريحاً في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعةٌ زائدة ومخالفةٌ لقصد الشارع ، إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حدّ هنالك لا الزيادة ولا النقصان منه " ا.هـ ، وقد ذهب العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - إلى بدعية رفع اليدين بعد الفريضة استدلالاً بعدم فعله صلى الله عليه وسلَّم ولا أصحابه مبيناً أن فعله سنةٌ وتركه سنةٌ [29]وقال العلامة الألباني-رحمه الله - " من المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل عبادةٍ مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بقوله ، ولم يتقرَّب هو بها إلى الله بفعله ، فهي مخالفةٌ لسنـته لأن السنة على قسمين سنةٌ فعليةٌ وسنةٌ تركيةٌ فما تركه صلى الله عليه وسلَّم من تلك العبادات ، فمن السنة تركها ألا ترى مثلاً أن الأذان للعيدين ولدفن الميت مع كونها ذكراً وتعظيماً لله عز وجل لم يجز التقرُّب به إلى الله عز وجل ، وما ذاك إلا لكونه سنةً تركها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم . وقد فهم هذا المعنى أصحابه صلى الله عليه وسلَّم ، فكثر عنهم التحذير من البدع تحذيراً عاماً ، كما هو مذكور في موضعه " ا .هـ[30] .

تنبيهات :
التنبيه الأول :
قد يعترض البعض على الاستدلال بالسنة التركية بقوله " عدم العلم بالشيء لا يدل على العدم " والاستدلال بهذا صحيح لكن بشرط ألا تتوفر الدواعي والهمم على النقل ثم لا يُنقل – راجع ما سبق نقله عن ابن القيم – فإنه أحياناً لا تتوفر الدواعي للنقل لقرينة ما فمثل هذا لا يُستدل بالسنة التركية مع كون الأصل في باب العبادات أن الدواعي متوفرةٌ للنقل –كما سبق- وإليك مثال موضحاً ذلك: قال بعض الفضلاء يلزم من الاستدلال بالسنة التركية عدم إيجاب الوضوء لصلاة الجنازة والاستسقاء لعدم وجود النص الخاص المبيِّن لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم والاستدلال بالنص العام معارضٌ بالسنة التركية إذا لم يُنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه توضأ لهذه الصلوات خاصةً وعندك أن السنة التركية مقدمةٌ على النصّ العام . فيُقال جواباً على هذا إن تقديم السنة التركية على النص العام هو المتعين كما سبق بعض كلام الأئمة فيه ، وأيضاً سيأتي بحثه بأوضح مما سبق لكن بشرط توفر الدواعي للنقل . وأنت إذا تأملت وجدت أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لو لم يتوضأ لهذه الصلوات لكان النقل لهذا أدعى وأشد فعلى هذا الاستدلال بالسنة التركية هنا لا يصح لأن الدواعي توفرت لنقل العكس فتنبه .

التنبيه الثاني :
ليعلم المستدلُّ بالسنة التركية أنه نافٍ وباب النفي أوسع وأصعب من باب الإثبات كما هو معروفٌ. لذا يجب عليه الحذر وعدم الاستعجال وليس معنى هذا أن يقفل باب الاستدلال بالسنة التركية كلا بل المراد أنه لا ينفي إلا بعد بحثٍ يجعل ظنَّه الغالب يحكم على هذا الأمر بالنفي إذ التعبُّد بالظن الغالب متعيِّن وحصرُ العلم في القطعيات واليقينيات هي طريقة المتكلمين .[31] وقد ينفي اعتماداً على الظن الغالب ثم يجد بعدُ ما يُخالف نفيه ففي مثل هذه الحالة هو مأجورٌ غير مأزور ولكن يجب عليه الرجوع للحق إذ هو دين الله . وليعلم المستدلُّ بالسنة التركية أيضاً أن على مخالِفِه المدَّعِي العملَ بجزئيةٍ معينةٍ إثبات مشروعية العمل بهذه الجزئية إذ الأصل في باب العبادات المنع والحضر كما تقدم .
التنبيه الثالث:
قرر عبدالله الغماري في رسالة له بعنوان " حسن التفهم والدرك لمسألة الترك "[32] أن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم له عدة دوافع ولا تفيد التحريم إلا إذا احتف بقرينة تفيد التحريم فقال: قررت في كتاب " الرد المحكم المتين " أن ترك الشيء لا يدل على تحريمه ، وهذا نص ما ذكرته هناك: والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع . وإما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظوراً فهذا لا يستفاد من الترك وحده ، وإنما يستفاد من دليل يدل عليه ا.هـ[33] وهو بتقريره هذا قد خلط غاية التخليط بين ترك العبادة مع إمكان فعلها بأن تتوافر الشروط وتنتفي الموانع ، وبين ترك غير العبادات ، لذا أورد بعد ص147 حديث " كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار " وهذا المثال غير داخل في ما نحن بصدده لأنه ليس تركاً للعبادة وقد تقدم التدليل أن ترك العبادة مع إمكان فعلها يكون ملزماً ومن فعلها وقع في البدع وهذه الشبهة من أقوى شبه القوم التي أضلتهم مع وضوح بطلانها فالحمد لله على نعمة التوحيد والسنة ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ )

التذييل الثاني: رُوى عن الشافعي كلامٌ تمسَّك به القائلون بتقسيم البدعة قسمين حسنةً وسيئةً والجواب على ما تمسّكوا به من وجهين : 1- لو سلمنا أن ما ذكرتم هو مقصود الشافعي فإنه خالف غيره من أئمة الدِّين- كما سبق- كالصحابة الذين ذموا البدع كلّها وإن رآها الناس حسنة وقد قال الإمام أحمد :وكل بدعةٍ ضلالةٌ وأيضاً خالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فليس قوله حجةً يصحّ التمسك به . 2-أنا لا نسلّم لكم بما فهمتم من كلامه لأنه أراد بالبدعة المحمودة هي البدعة اللغوية ليس غير قال ابن رجب[34] " وقد روى الحافظ أبو نعيم بإسناده عن إبراهيم بن الجنيد حدثنا حرملة بن يحيى قال سمعت الشافعي رحمه الله يقول البدعة بدعتان بدعةٌ محمودةٌ وبدعةٌ مذمومةٌ ، فما وافق السنة ، فهو محمودٌ وما خالف السنة فهو مذمومٌ . واحتجَّ بقول عمر بن الخطاب " نعمت البدعة هي " ومراد الشافعي رحمه الله ما ذكرنا من قبل أن البدعة المذمومة ما ليس لها أصلٌ من الشريعة يُرجع إليه ، وهي البدعةُ في إطلاق الشرع ، وأما البدعةُ المحمودة فما وافق السنة يعني ما كان لها أصلٌ من السنة يُرجع إليه وإنما هي بدعةٌ لغةً لا شرعاً لموافقتها السنة . وقد رُوى عن الشافعي كلامٌ آخرُ يُفسِّر هذا ، وأنه قال والمحدثات ضربان : ما أُحدث مما يُخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً ، فهذه البدعةُ الضلالة ، وما أُحدث من الخير ، لا خلاف فيه لواحدٍ من هذا ، وهذه محدثةٌ غير مذمومةٍ " ا.هـ .
التذييل الثالث : ينسب بعض دعاة البدع[35] إلى الإمام ابن تيمية أنه يرى جواز الاحتفال بالمولد معتمدين في ذلك على عبارة ذكرها في الاقتضاء[36]: وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع مالهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم بهما المثوبة تجدهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه أو يصلي فيه قليلا وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة ا.هـ
هذا الكلام صريح في أن المولد بدعة من البدع عنده إذ قال:( لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً )، وأكد ذلك بقوله في موضع آخر: وأما إتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها والله سبحانه وتعالى أعلم ا.هـ[37]
فإذا اتضح وبان أنه صرح ببدعية هذا اليوم فما معنى قوله: إنه يثاب ويؤجر ؟ يقال: إن كلامه صريح في أن الإثابة على نية محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن القصد لا على العمل ، وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " أخرجه الشيخان عن عمرو بن العاص . فهذا الحاكم أثيب لحسن نيته أجراً كما أفاده الشافعي وغيره وإن كان العمل خطأ ، ومثله المقلد فإنه إذا قلد من يثق فيه وعمل المولد ظناً منه أن فعله مشروع فهو لا يثاب على العمل لأنه أخطأ وإنما على حسن النية والقصد . كما قال في موضع آخر: وإنما الذي أراده ربيعة -والله أعلم- أن من كانت له نية صالحة أثيب على نيته وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع فهذا الدعاء وإن لم يكن مشروعا لكن لصاحبه نية صالحة قد يثاب على نيته فيستفاد من ذلك أنهم مجمعون على أن الدعاء عند القبر غير مستحب ولا خصيصة في تلك البقعة وإنما الخير قد يحصل من جهة نية الداعي ا.هـ[38]
وعلى كل فليس لأحد أن ينسب إلى ابن تيمية القول بجواز الاحتفال بالمولد وأنه لا يبدعه ، ثم لو قدر أن ابن تيمية ينفي بدعيته فإنه – رحمه الله -ليس حجة ولا دليلاً معصوماً ، وعليه فأقواله يحتج لها لا بها .


[1] مجموع الفتاوى ( 22/510 ) .

[2] الاقتضاء (2/585 ) .

[3] القواعد النورانية ص134 ،وانظر مجموع الفتاوى (31 /35 )

[4] ابن القيم في الأعلام (1/344 ).

[5] أخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم وابن وضاح في البدع .

[6] أخرجه ابن نصر في السنة وابن وضاح في البدع وأخرج البخاري نحوه في كتاب الاعتصام .

[7] ( 1/92 ) رقم (126 ) .

[8]بواسطة كشف الخفاء (2/188) .

[9]تاريخ بغداد (4/165) .

[10]السلسلة الضعيفة (2/17) .

[11] انظر الاقتضاء ( 2/585 ) والاعتصام ( 1/233 ) وجامع العلوم والحكم ( 2/128 ) وكتاب حقيقة البدعة ( 1/394 ) والإبداع في كمال الشرع ص 18 وأصول البدع ص 121 وكتاب البدعة وأثرها السيئ في الأمة ص 42-45 .

[12] انظر الاقتضاء ( 2/593 ) ومنهاج السنة ( 8/307-308 ) والاعتصام (1/248-250 ) وجامع العلوم والحكم ( 2/128 ) وكتاب حقيقة البدع (1/411 ) والإبداع في كمال الشرع ص 15-17 وكتاب أصول البدع ص 95 ،126،129 .

[13] ص22 –23 .

[14] بنحو هذا الكلام ذكر صاحب الموسوعة اليوسفية ص484 .

[15] رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص 34 .

[16] الأثر ثابت وتجد بحثاً مفيداً في دراسته روايةً في كتاب البدع وأثرها السيء في الأمة ص 26-29 .

[17] كتاب الرسالة ص 194 .

[18] القواعد النورانية ص 124 .وانظره في المجموع ( 26/172 ) .

[19] الصارم المسلول (2/332 ) .

[20] ص 591 .

[21] الإقتضاء (2 /600 ) .

[22] الاقتضاء (1/280)

[23] الإقتضاء (2/ 610 ) .

[24] زاد المعاد (1/432 )



[25] كتاب فضل علم السلف على الخلف ص 32 .

[26] كتاب إعلام أهل العصر ص 95 للعظيم آبادي بواسطة علم أصول البدع ص 109

[27] ) الاعتصام ( 1/466 )

[28] هكذا موجود في الأصل .

[29] رسالة فتاوى مهمةٌ في الصلاة ص 48

[30] راجع للاستزادة كتاب الإبداع في مضار الابتداع ص 34-35 وكتاب حقيقة البدعة (1/302 ) وكتاب أصول البدع ص 107 فقد أجاد في تقرير هذه القاعدة وتدعيمها بكلام العلماء وكتاب قواعد معرفة البدع ص 75 وتصحيح الدعاء ص 24 والموافقات (3/285 ).

[31] انظر الاستقامة لابن تيمية ( 1/54 ) .

[32] كرر هذه القاعدة صاحب كتاب " الموسوعة اليوسفية لبيان أدلة الصوفية " ص96 ، 148 ، 484 . و الرسالة ملحقة بكتابه " إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة " .

[33] ص141 .

[34] جامع العلوم والحكم ( 2/131 ) .

[35] ومنهم صاحب الموسوعة اليوسفية ص139 ، والسعودي صالح الأسمري عضو الدعوة والإرشاد الآن بالطائف وسابقاً بقطر . فكم له من كلمات مسجلة وافق فيها أهل التصوف والبدعة ، قرر فيها أن البدع تنقسم إلى حسنة وسيئة ، وأنه لا توجد سنة تركية وهكذا ... بل وله مكالمة مسجلة طعن فيها على الإمام محمد بن عبدالوهاب والإمام عبدالعزيز بن باز – رحمهما الله – وعدّ الماتريدية والأشاعرة من الفرقة الناجية عياذاً بالله من لبس الحق بالباطل . وله محاضرة مسجلة يذكر فيها بعض الأقوال البدعية ويذكر ما خالفها من السنة ، لكن ينشط لذكر أدلة هذه البدع دون أدلة هذه السنن .

[36] (2/619) .

[37] الفتاوى (25/298) .

[38] الاقتضاء (2/732) .



و في الختام لا يسعني الا ان ادعو الله لي ولاخي بالسداد وان يهدينا لما اختلف فيه من الحق باذنه ولعل هاذا من اخر ما اكتبه في هاذا الموقع الطيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فهمه للأحاديث يخالفه فيه شراح كتب الحديث و شرح ذالك قد يطول.

و في ثنايا موضوعنا هذا رفع لبعض الإشكالات تبيّن أنّ الترك لوحده لا يفيد التحريم فليراجع.

لا زلنا ننتظر :

روى الإمام مسلم في صحيحه ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَنْ ‏ ‏نَفَّسَ ‏ ‏عَنْ مُؤْمِنٍ ‏ ‏كُرْبَةً ‏ ‏مِنْ ‏ ‏كُرَبِ ‏ ‏الدُّنْيَا ‏ ‏نَفَّسَ ‏ ‏اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏كُرْبَةً ‏ ‏مِنْ ‏ ‏كُرَبِ ‏ ‏يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا ‏ ‏يَلْتَمِسُ ‏ ‏فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ

ما هو دليلكم على أنّ المقصود من قوله صلى الله عليه و سلّم : "
يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ" هو قراءة الواحد و الباقون يستمعون و ليس الذكر الجماعي بصوت واحد ؟

أظن السؤال بسيط والجواب إن شاء الله سيكون أبسط.


فارس العاصمي 13-02-2008 07:50 PM

رد: إتحاف الأماجد بفتاوى علماء المذهب المالكي في بدعية قراءة القرآن جماعة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة algeroi (المشاركة 73080)
إتحاف الأماجد بفتاوى علماء المذهب المالكي في بدعية قراءة القرآن جماعة على صوت واحد

جمع و إعداد أبو عبد الله يوسف الزاكوري المالكي المغربي

تنبيه :جل هذه الفتاوي هي من بحثي الخاص و الكتب التي أعزو إليها عندي إما مطبوعة أو مصورة ، و حق النشر محفوظ لكل مسلم بشرط العزو إلى صاحب البحث .


1 –إمام دار الهجرة الجبل الحبر البحر مالك بن أنس – رحمه الله-

أ - يقول محمد العتبي الأندلسي المالكي ( المتوفى سنة 255هـ) في العتبية 1/298 : قال ابن القاسم : قال مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤن في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية ، فكره ذلك و أنكر أن يكون من فعل الناس .
ب - وقال العتبي كذلك في العتبية 1/242: وسئل عن القراءة في المسجد فقال لم يكن بالأمر القديم و إنما هو شيء أحدث ، و لم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها . والقرآن حسن .
ج- وسئل العتبي كذلك في 2/17 عن دراسة القرآن بعد صلاة الصبح في المسجد يجتمع عليه نفر فيقرؤون في سورة واحدة فقال : كرهها مالك و نهى عنها و رأى أنها بدعة .
د –قال ابن رشد ( الفقيه المالكي طبعا و ليس الفيلسوف الهالك )في البيان و التحصيل (1/298): إنماكرهه (يقصد الإمام مالكا)لأنه أمر مبتدع ليس من فعل السلف ، و لأنهم يبتغون به الألحان و تحسين الأصوات بموافقة بعضهم بعضا و زيادة بعضهم في صوت بعض على نحو ما يفعل في الغناء ،فوجه المكروه في ذلك بين ، و الله أعلم .

2- الملك المغربي العلوي العظيم المولى سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل – قدس الله روحه-

قال رحمه الله في خطبته العصماء المباركة التي كتبها بقلمه لخطباء المساجد يخطبون بها في الجُمَع يحذر فيها من اتباع أهل البدع وينكر عليهم جملة من البدع منها الاجتماع في المواسم بالإنشاد والآلات والرقص وأوعدهم بالعقوبة إن لم ينتهوا، قال : ((والذكر الذي أمر الله به ، وحث عليه ومدح الذاكرين به ، هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد ، فهذه سنة السلف وطريقة صالحي الخلف ، فمن قال بغير طريقتهم فلا يستمع ، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصير}، { قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله وما أنا من المشركين}، فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع ؟! أأمناً من مكر الله ؟! أم تلبيسا على عباد الله !؟ أم منابذة لمن النواصي بيده ؟! أم غروراً لمن الرجوع بعدُ إليه ؟! فتوبوا واعتبروا ، وغيروا المناكر واستغفروا ، فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم ! وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم ، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع ، ما بين العاصي والمداهن المطيع ! أ فيزين لكم الشيطان وكتاب الله بأيديكم ؟ أم كيف يضلكم وسنة نبيكم تناديكم !؟ فتوبوا إلى رب الأرباب ، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون )).
و للفائدة فإن العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله قد أفرد هذه الخطبة بالطبع وصدرها بمقدمة نافعة في مكتبة و مطبعة الساحل بالرباط أملك نسخة منها و الحمد لله . و قد أفردها بالطبع كذلك غيره كمحمد الكتاني في فاس .


3 – الإمام أبو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري الأندلسي المالكي المتوفى سنة 520هـ

أ - يقول في كتابه العجاب "الحوادث و البدع " و هو مطبوع عدة مرات ، يقول (117-118) : ((و قرآة القرآن جماعة ضمن البدع ، غير أنه أجازه بالإدارة أي : أن يقرأ هذا ، ثم يقرأ الذي بعده .)).
ب – ويقول كذلك في الصفحة 118 ناقلا عن مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان قول مالك : (( و الذين يجتمعون و يقرؤون سورة واحدة حتى يختموها ، يختمها كل واحد على إثر صاحبه مكروه منكر ، و لو قرأ أحدهم منها آيات ، ثم قرأ الآخر على إثر صاحبه ، و الآخر كذلك ، لم يكن به بأس ، هؤلاء يعرضون بعضعهم على بعض.))


4- الإمام الأصولي أبو إسحاق ابراهيم بن موسى الشاطبي المتوفى سنة 790 هـ


أ - يقول في كتابه المعطار : "الإعتصام "2/396: ((ونقل أيضا إلى أهل المغرب الحزب المحدث بالإسكندرية وهو المعتاد في جوامع الأندلس وغيرها فصار ذلك كله سنة في المساجد إلى الآن فإنا لله وإنا إليه راجعون))
ب- و يقول فيه أيضا 2/301: ((وخرج أيضا - وهو في العتبية من سماع ابن القاسم - عن مالك رحمه الله أنه سئل عن قراءة قل هو الله أحد مرارا في الركعة الواحدة فكره ذلك وقال هذا من محدثات الأمور التي أحدثوا
ومحمل هذا عند ابن رشد من باب الذريعة ولأجل ذلك لم يأت مثله عن السلف وإن كانت تعدل ثلث القرآن - كما في الصحيح - وهو صحيح فتأمله في الشرح
وفي الحديث أيضا ما يشعر بأن التكرار كذلك عمل محدث في مشروع الاصل بناء على ما قاله ابن رشد فيه
ومن ذلك قراءة القرآن بهيئة الاجتماع عشية عرفة في المسجد للدعاء تشبها بأهل عرفة ونقل الأذان يوم الجمعة من المنار وجعل قدام الإمام))
ج –و يقول فيه أيضا 2/321: ((ومنها ما هو مكروه كما يقول مالك في إتباع رمضان بست من شوال وقراءة القرآن بالإدارة والاجتماع للدعاء عشية عرفة )) .
قلت : و معنى مكروه عند مالك رحمه الله هو الحرام و البدعة كما تقدم عن ابن رشد .
د – سئل أبو إسحاق الشاطبي عن قراءة الحزب بالجمع هل يتناوله قوله عليه السلام : [و ما اجتمع قوم في بيت ] الحديث .كما وقع لبعض الناس ، أهو بدعة ؟
فأجاب : إن مالكا سئل عن ذلك فكرهه ، وقال لم يكن من عمل الناس .
و في العتبية سئل عن القراءة في المسجد ، يعني على وجه مخصوص كالحزب و نحوه فقال : لم يكن بالأمر القديم , وإنما هو شيء أحدث .))
ثم قال : ((و لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها .)) المعيار 11/112 و سيأتي ذكره.


5 – أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المشهور بابن الحاج

يقول في كتابه : "المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات و التنبيه على بعض البدع و العوائد التي انتحلت و بيان شناعتها و قبحها " 2/224/225 : ((وينبغي له أن ينهى من يقرأ الأعشار وغيرها بالجهر و الناس ينتظرون صلاة الجمعة أو غيرها من الفرائض ، لأنه موضع النهي لقول النبي صلى الله عليه و سلم : {لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن } و لا يظن ظان أن هذا إنكار لقراءة القرآن ، بل ذلك مندوب إليه بشرط أن يسلم من التشويش على غيره من المصلين و الذاكرين و التالين و المتفكرين وكل من كان في عبادة))

6 – العلامة أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي المتوفى سنة 914 هـ

يقول في كتابه الكبير المطبوع تحت إشراف الدكتور محمد حجي و نشرته وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية المغربية مشكورة سنة 1401هـ الموسوم ب"المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية و الأندلس و المغرب" الجزء11 الصفحة 115/116 :: ((و أما قراءته بالإدارة في وقت معلوم على ما نص فيه السؤال وما أشبهه ، فأمر مخترع ، وفعل مبتدع ، ولم يجر مثله قط في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا في زمن الصحابة رضي الله عنهم ، حتى نشأ أقوام خالفوا عمل الأولين ، وعملوا في المساجد بالقراءة على ذلك الوجه الإجتماعي الذي لم يكن قبلهم ، فقام عليهم العلماء بالإنكار و أفتوا بكراهيته .و إن العمل به كذلك مخالفة لمحمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه ، وذلك أن قراءة القرآن عبادة ، إذا قرأه الإنسان على الوجه الذي كان الأولون يقرؤون ، فإذا قرأ على غيره كان قد غيرها على وجهها فلم يكن القارئ متعبدا لله بما شرع له))

7- الإمام المجدد محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله المتوفى سنة 1407هـ

قال رحمه الله في كتابه " الحسام الماحق " : ((اعلم أنَّ الاجتماع لقراءة القرآن في المسجد في غير أوقات الصلاة مشروع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه فيما بينهم إلا نَزَلت عليهم السكينة و غَشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن عنده ، و من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه". رواه مسلم من حديث أبي هريرة .

لكن الاجتماع لقراءة القرآن الموافقة لسنة النبي صلى الله عليه و سلم و عمل السلف الصالح أن يقرأ أحد القوم و الباقون يسمعون، و من عرض له شك في معنى الآية استوقف القارئ، و تكلم من يحسن الكلام في تفسيرها حتى ينجلي تفسيرها، و يتضح للحاضرين، ثم يستأنف القارئ القراءة. هكذا كان الأمر في زمان النبي صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا في جميع البلاد الإسلامية ما عَدَا بلاد المغرب في العصر الأخير، فقد وضع لهم أحد المغاربة و يسمى ( عبد الله الهبطي ) وَقْفاً محدثاً ليتمكنوا به من قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة، فنشأ عن ذلك بدعة القراءة جماعة بأصوات مجتمعة على نغمة واحدة وهي بدعة قبيحة تشتمل على مفاسد كثيرة)) ثم شرع يذكر جملة من مفاسد هذه البدعة .


8- الشيخ ضياء الدين أبو المودة خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المالكي المعروف بالجندي المتوفى سنة 767 هـ

نقل عنه الإمام تقي الدين الهلالي في الحسام الماحق قوله : (قال في مختصره عاطفاً على المكروهات : ( و جهر بـها في مسجد كجماعة ) ) .فلما بحثت في كتاب مختصر خليل لم أجد هذا الكلام بهذا اللفظ و إنما وجدت قوله : ((وكره سجود شكر، أو زلزلة، وجهر بها بمسجد، وقراءة بتلحين: كجماعة وجلوس لها لا لتعليم.)) الجزء1 ص29، فلعل هذا ما أحال عليه الإمام الهلالي رحمه الله .

9 – الشيخ محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب

قال في كتابه "الفتاوى" - و هذا الكتاب قد حظي بتقديم العلامة عبد الله كنون الأمين العام للرابطة- ، قال : ((الجواب عن السؤال العاشر : حول قراءة القرآن بالصفة الجماعية ، على النحو الذي يفعله قراؤنا .
قال رحمه الله بعد أن ذكر السنة في القراءة : ولكن العمل في المغرب جرى بالإجتماع للقراءة في المساجد و غيرها ، ومن المقرر المعلوم أن الإمام مالكا رحمه الله يقول بكراهة ذلك حيث قال : ليست القراءة في المساجد بالأمر القديم و إنما هو شيء أحدث . و لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها ...إلى أن قال : و الذي ينبغي الأخذ به هو عمل السلف الصالح ، و منهم الإمام مالك رضي الله عن الجميع .))
10- إمام المذهب محمد بن سحنون (المتوفى سنة256هـ)

قال رحمه الله في كتاب آداب المعلمين: { و لقد سئلَ مالكٌ عن هذه المجالسِ التي يُجتمعُ فيها للقراءةِ فقالَ: بدعةٌ، و أرى للوالي أن ينهاهم عن ذلك و يحسنَ أدبهمَ، و لْيعلِّمهم الأدبَ، فإنه من الواجبِ للهِ عليهِ النصيحةُ، و حفظُهم و رعايتُهم).
ص:83. طـ:الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر العاصمة.
تنبيه : أفادني بهذا النقل عن ابن سحنون أخونا أبو أنس عبد الهادي السعيدي جزاه الله خيرا .

انتهى

بارك الله فيك أخي وجزاك الله خير الجزاء

وهذا سؤال لعبد الله ياسين هل أنت صوفي أم شيعي أم إباضي.....لأن مواقفك متناقضة؟


الساعة الآن 10:38 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى