منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   المنتدى العام الإسلامي (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=240)
-   -   قصة الإسلام في اليمن (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=385983)

سلاف ايلاف 19-09-2019 01:17 PM

قصة الإسلام في اليمن
 
https://islamstory.com/images/upload...8%A7%D9%8A.jpg

صفحة رائعة من صفحات المجد والعروبة والإسلام، وقلعة شامخة من قلاع النضال والثورة.. إنها اليمن العربية السعيدة، صاحبة الجنان والسدود العظام، والتي استحقَّت الذكر في كتاب الله العزيز في أكثر من مناسبة!!

وإن نازع الناس في سبب تسميتها؛ فإن الراجح أنها من اليُمن وهي البركة[1]، وتُعرف اليوم رسميًّا باسم "الجمهورية اليمنية"، وعاصمتها صنعاء، وهي تلك البقعة التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، أي في جنوب غرب آسيا. يحدُّها من الشمال المملكة العربية السعودية، ومن الجنوب خليج عدن وبحر العرب، ومن الشرق سلطنة عُمَان، ومن الغرب البحر الأحمر، وتُشرف على مضيق باب المندب الذي يُعَدُّ من أهمِّ الممرَّات المائية في العالم، وهو يربط البحر العربي بالبحر الأحمر.


حضارات عتيقة ذكرها القرآن

هذه الحدود السياسية المعاصرة لم تكن تعرفها اليمن في تاريخها القديم؛ إذ جاء تاريخ شبه الجزيرة العربية -بما فيها اليمن وحضارتها القديمة- على أنها وَحْدَة جغرافيَّة مترابطة؛ فقد "كانت كل شبه الجزيرة مسرحًا لأحداث تاريخيَّة متنوِّعة؛ فقامت الممالك والحضارات، واتَّسعت بذاتها أو نفوذها داخل شبه الجزيرة، طالما توفَّرت لها القوَّة والنفوذ داخل شبه جزيرة العرب"[2].

ومن هذه الحضارات حضارة سبأ، وسبأ هو اسم أَبي اليمن[3]؛ وقوم سبأ من أقدم الشعوب التي عُرفت باليمن، وهم من العرب العاربة، وقد عُثِر على ذكرهم في حفريَّات "أور"، التي تُؤَرَّخ بخمسة وعشرين قرنًا قبل الميلاد، ويبدأ ازدهار حضارتهم ونفوذ سلطانهم وبسط سيطرتهم بأحدَ عشرَ قرنًا قبل الميلاد[4].


قوم سبأ

وقد مرَّ قوم سبأ في تاريخهم بعدَّة أدوار؛ فعُرِفت الفترة ما بين (1300 إلى 620 ق.م) بالدولة المَعِينِيَّة، وظهرت في الجَوْف؛ أي السهل الواقع بين نجران وحضرموت، ثم أخذَتْ تنمو وتتَّسع وتُسيطر وتزدهر، حتى بلغ نفوذها السياسيُّ إلى العُلا ومَعَان من شمالي الحجاز، ويقال: إن مستعمراتها وصلت إلى خارج بلاد العرب، وهم الذين بنَوْا سدَّ مأرب، وهو سدٌّ له شأن كبير في تاريخ اليمن، وهو الذي وفَّر لهم معظم خيرات الأرض، وفي الفترة ما بين (620 ق.م إلى 115 ق.م) عُرفت دولتهم بدولة سبأ[5].


سيل العرم

ومنذ سنة (115 ق.م إلى 300م) غلبت قبيلة حِمْيَر، واستقلَّت بمملكة سبأ، فعُرفت دولتهم بالدولة الحميرية الأولى، وفي هذا العهد بدأ فيهم السقوط والانحدار، والذي تزايد وكثُرت معه الحروب والاضطرابات في الدولة الحميرية الثانية، والتي امتدت منذ (300م إلى أن دخل الإسلام اليمن)، فجعل دولتهم عُرضة للأجانب؛ إذ دخلها الرومان، ثم احتلَّتها الأحباش لأوَّل مرَّة سنة 340م، ثم استقلَّت، ولكن وقع السيل العظيم الذي ذكره القرآن بسَيْل الْعَرِمِ في سنة 451م، وكانت حادثة كبرى، أدَّت إلى خراب العِمران وتشتُّت الشعوب[6].


أصحاب الفيل

وقد دخل الأحباش اليمن مرَّة ثانية سنة 525م، وفي سنة 549م نصَّب أبرهة الأشرم نفسه حاكمًا عليها، وهو الذي أخذ في نشر الديانة النصرانية بأوفر نشاط[7]، حتى بنى كعبة باليمن وذَهَب لهدم الكعبة في مكَّة، فأخزاه الله وأهلكه عقب وقعة الفيل المشهورة، وقد خَلَفَه على اليمن اثنان من أبنائه، كانا شرًّا من أبيهما، وأخبث سيرة منه في اضطهاد أهل اليمن وقهرهم وإذلالهم؛ وهو ما جعل اليمنيُّون يستنجدون بالفُرس ويُقاومون الحبشة، حتى تمَّ إجلاؤهم عن البلاد سنة 575م، ولم تَطِبْ لهم الأيام؛ إذ أصبحت اليمن مستعمرة فارسية يتعاقب عليها ولاة من الفرس، كان آخرهم "باذان" الذي اعتنق الإسلام سنة 628م، وبإسلامه انتهى نفوذ فارس على بلاد اليمن[8].


الإسلام يدخل اليمن

ولا ريبَ أن إسلام اليمنيين لم يأتِ بين عشية وضحاها؛ فلم يكن يخفى عليهم أمر البعثة النبوية (610م)، وذلك من خلال الرحلات التِّجارية التي كانت بين قريش واليمن، وما تلاها من دعوة سرية وجهرية، ثم مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم الوافدين من القبائل المجاورة، وبعد ذلك هجرة بعض المسلمين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة وبداية تكوين الدولة الإسلامية، والتي ظهرت مكانتها الخاصَّة بعد غزوة بدر الكبرى (2هـ/ 623م)، لتُهَدِّد بعد ذلك دولة الروم في دومة الجندل (5هـ/ 626م)، وتتوسَّع فيما حولها على حساب يهود بني قَيْنُقَاع وبني النضير وبني قُرَيْظة، ثم تُقِرُّ سلطانها بعد صلح الحديبية (6هـ/ 627م) أمام زعيمة الجاهلية العربية قريش، فكان لكل هذه الأحداث المتلاحقة أثر كبير في أهل اليمن، فجاء تأثُّرهم بالإيجاب في ذلك إما رغبة أو رهبة.

وقد كانت اليمن في تلك الأثناء منقسمة بين قوى قَبَلية هي: حمير، وحضرموت، وكندة، وهَمْدان، وبين حُكْمٍ فارسي في صنعاء وعدن وما حولها، وبين جَيْبٍ في نجران للنفوذ الروماني الحبشي، وهو الجَيْب الذي كان فيه نصارى نجران هناك.

والحقيقة أن إسلام أهل اليمن لم يأتِ دَفْعة واحدة أو في زمن واحد أو بوسيلة واحدة، وإنما كان لكلٍّ قوَّة، ولكلِّ قبيلة في اليمن أسلوب انتهجه واتبعه معها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكانت المقدِّمة حينما أسلم أفراد من قبائلَ مختلفة -كأبي موسى الأشعريِّ في الأشاعرة، والطفيل بن عمرو في دَوْس، وقيس بن نمط الهَمْدَاني في هَمْدَان- فأخذوا يَنْشَطون للدَّعوة في قبائلهم[9].

أما بالنسبة إلى الأبناء[10]، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رسالة إلى باذان -حاكم اليمن من قِبَلِ الفُرس- دعاه فيها إلى الإسلام، فاستجاب باذان لدعوة الإسلام، وتَبِعَه في ذلك أتباعه[11]، وقد أقرَّه الرسول صلى الله عليه وسلم على اليمن، فلم يزل عاملاً عليها حتى مات[12].


نصارى نجران

وأما نصارى نجران، فإن وَفْدَهم قَدِمَ المدينة ولم يكن مقصودهم الإسلام، وإنما الجدال والمفاخرة والملاعنة، وذلك بعد عرض الإسلام عليهم ومناقشتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، ولمَّا أخلفوا موعدهم في ذلك خيَّرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بين الجزية والقتال، فرفضوا القتال، ورفضوا أيضًا (صورة الجزية)، ولكنهم قَبِلُوا أن يَفْرض عليهم شيئًا من المال كلَّ عام، عُرِف بمال الصلح، واشترط عليهم شروطًا أَدْرَج ضمنها يهود نجران[13].

وأما قبيلة حمير، أعظم القوى القَبَلِية في اليمن وأعرقها، وصاحبة السيادة في تاريخ اليمن قبل الإسلام، فقد أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من رسول، كان أوَّلهم المهاجر بن أبي أمية في السنة السابعة، وقد جاء بالبشرى بإسلام ملوك حمير مالك بن مرارة الرَّهَاوي، الذي أُرسل في السنة التاسعة للهجرة أو أواخر الثامنة[14]، وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم مُعَاذ بن جبل إلى اليمن في أواخر السنة التاسعة للهجرة؛ ليتولَّى ليس القيادة الإدارية للمنطقة الجبلية كلها الممتدة من نجران شمالاً حتى عدن جنوبًا، وليس قبيلة حمير وحدها، وإنما لتكون جزءًا من وَحْدَة إدارية كبيرة عُرِفت بالمِخْلاَف الأعلى[15]. وبمثل ذلك جاءت وفود بقيَّة القبائل، مثل: كِنْدَة، وإقليم حضرموت، وتِهَامة اليمن[16].


كيف دخل اليمنيون الإسلام؟

وإذا كان إسلام هذه القوى وتلك القبائل قد أخذ الطابع السِّلْميَّ، عن طريق استجابتهم لدعوة الإسلام دون حرب أو قتال، فقد انتهجت الدولة الإسلامية كذلك أسلوب البعوث والسرايا تجاه بعض القبائل اليمنية الأخرى التي لم تستجب لدعوة الإسلام، كان منها تلك التي أُرْسِلَت إلى قبيلة (دَوْس) بقيادة الطفيل بن عمرو على إِثْر غزوة حُنَيْن وقبل حصار الطائف[17].

وعلى هذا فإن مجموع أهل اليمن يكون قد دخل الإسلام بين العام السادس للهجرة وعام الوفود في السنة العاشرة، وذلك باستثناء نصارى نجران[18]، وذلك إما عن رغبة في الدين الجديد، وإما رهبة من قوَّة المسلمين الجديدة النامية في المدينة، وقد جاء ذلك بطريقتين، الأولى: دَعَوِيَّة سلمية تَجَاوَبَ معها اليمنيُّون، وكانت في معظم جهات اليمن. والثانية: هي طريقة السرايا والبعوث العسكرية، وكان ذلك في الجهات الشمالية من تِهَامة، وتلك التي يقطنها البدو غير المستقرِّين.


الرِّدَّة بين قبائل اليمن

ولعلَّ العامل الثاني في دخول أهل اليمن الإسلام هو الرهبة من الدولة الإسلامية الفتيَّة، كان أهم الأسباب في حدوث الردَّة التي وقعت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية، والتي لم تسلم منها قبائل اليمن.

وقد كان من أول مظاهر الرِّدَّة في اليمن ما ظهر من حركة عبهلة بن كعب الذي عُرِف بالأسود العَنْسِيِّ، وكان يتمتَّع ببنية قويَّة ومنطق معسول[19]، فقد اعترف بنُبوَّةٍ مِن قريش، ونُبوَّة مِن ربيعة، ليُمَثِّل هو نبوَّة اليمن[20]؛ إذ الأمر لم يكن يَعْدُو عنده إلا مجرد منافسة قَبَلية، وقد حرص على جمع الزعامات الدينية حوله، لكنَّه لم يُفلِح إلا في نطاق ضيِّق وفي فترة قصيرة، ثم خسر الجولة في النهاية على يَدِ الحِلْفِ الموالي لسياسات الرسول صلى الله عليه وسلم في اليمن[21].

وبموت الرسول صلى الله عليه وسلم ارتدَّ كثير من أهل اليمن، وقد جاء التصدِّي لهذه الردَّة في اليمن في اتِّجاهين، تمثَّل الأوَّل في تصدِّي أولئك الذين ثبتوا على الإسلام من أبناء القبائل المرتدَّة نفسها، ومن أمثلة ذلك: مسعود الْعَكِّيُّ في وسط (عكٍّ والأشعريين)، وفروة بن مُسَيْك المُرَادِيُّ وغيره في مراد، وعمرو بن الحجاج الزُّبَيْدي في زُبَيْد، وعبد الله بن عبد المدان في بني الحارث.

وأما الاتِّجاه الثاني فيتمثَّل في تصدِّي الدولة الإسلامية لهم، حيث أرسل الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثلاثة جيوش إلى اليمن: الأول بقيادة سُوَيْد بن مُقَرِّنٍ المازِنِيِّ ووِجْهَتُه تِهَامَة، والثاني جيش عكرمة بن أبي جهل الذي انضمَّ إلى زياد بن لَبِيد الْبَيَاضِيِّ أمير إقليم حضرموت؛ وذلك لتشديد الخناق على كِنْدَة. أما الثالث فكان جيش المهاجر بن أبي أمية، وهو أكبر الجيوش المرسلة إلى اليمن، وكان يضمُّ عددًا من المهاجرين والأنصار، وكانت مهمَّته أوسع، وهو الذي تتبَّع مَن بقي من أتباع الأسود العَنْسي في مَذْحِج، ثم توجَّه إلى حضرموت وشارك في حصار كِنْدَة مع زياد بن لبيد الْبَيَاضِيِّ وعكرمة.


دور اليمنيين في بناء الدولة الإسلامية

وكانت النتيجة أن دخل أهلُ اليمن من جديد في الإسلام، بعد أن قُتِل من قُتِل، وعاد إلى الإسلام من كتب الله له الخير، ومِن بعدها أصبح اليمنيون يتجمَّعون حول مفهوم الأُمَّة وليس مفهوم القبيلة أو العشيرة[22]، وقد كانت لهم انطلاقاتهم فيما بَعْدُ في بناء الخلافة الإسلامية في كل بلاد الإسلام في الأزمان اللاحقة؛ فقد خرجوا مع الفتح الإسلامي في جيش عمرو بن العاص وغيره من الجيوش، واستقرَّ كثير منهم في بلاد الشام ومختلَف أقطار العالم الإسلامي.

تشهد لهم في الأندلس تلك القلاع التي تُسَمَّى بأسمائهم، كقلعة هَمْدَان في غرناطة، وقلعة خَوْلان في إشبيلية، وقلعة يَحْصُب وغيرها. كما يَشْهد لهم نبوغ كثير منهم بالعراق والشام والأندلس، منهم جماعة من العلماء كالقاضي عامر بن شَرَاحِيل الشَّعْبِيِّ، ومَسْرُوق الهَمْدَاني، وطلحة بن معرق الهمداني الْيَامِيّ، وإبراهيم النخعي المَذْحِجِيِّ، والأشتر النَّخَعِيِّ وغيرهم. وأشهرهم في ذلك: مالك بن أنس الأَصْبَحِيُّ إمام السُّنَّة، والقاضي عياض الْيَحْصُبِيُّ، وعبد الرحمن الغَافِقِيُّ من الأمراء البارزِينَ، ومنصور بن أبي عامر المَعَافِرِيُّ صاحب الأندلس[23].


اليمن في عهد الخلافة الراشدة

وفي زمن الخلافة الراشدة كان اليمن بكُلِّ تقسيماته الإداريَّة ولايةً أو ولاياتٍ تابعة للخلافة الإسلامية، ولم يشهد أحداثًا جسامًا إلا ما كان في زمن الفتنة، والتي تمثَّلتْ في مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه (35هـ)، ثم موقعة الجمل (35هـ)، وصِفِّين (37هـ)، والنهروان (38هـ)، ثم مقتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه (40هـ).

ففي الصراع الذي نشب بين علِيٍّ رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه بعد مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه وصل الوالي بسر بن أبى أرطاة إلى اليمن من قِبَل معاوية فتتبَّع شيعة علِيٍّ في اليمن بالقتل والمطاردة، ثم فرَّ أمام والي علي بن أبى طالب جارية بن قدامة السعدي الذي تتبَّع هو الآخر عثمانية اليمن وأعوان معاوية بالقتل والتشريد[24]، ثم غادر اليمن بعد سماعه بمقتل الخليفة علي بن أبي طالب، والذي تنازل بعده ابنه الحسن عن الخلافة لمعاوية؛ ليجتمع شمل الأمة عام 40 للهجرة، والذي عُرِف بـ"عام الجماعة"[25]، والذي مهَّد الطريق لبني أمية لإرساء خلافتهم وحكم المسلمين.


اليمن في عهد الدولة الأموية

وفي فترة الخلافة الأموية (41 - 132هـ) وَلِيَ اليمن أكثر من خمسة وعشرين واليًا، لعلَّ أطولهم مدَّة هو يوسف بن عمر الثقفي، الذي ولي اليمن ثلاثَ عشرةَ سنة، ابتداءً من خلافة هشام بن عبد الملك (105هـ)، وقد استأثر الثقفيون عامَّة بثقة بني أمية، فأكثروا من تَوْلِيَتهم ولايات مختلفة من بينها اليمن[26].

وفي خلافة ابن الزبير (64 - 73هـ) تولَّى اليمن من قِبَلِه أكثرُ من عشرة وُلاة، حتى إن فترة بعضهم لم تتجاوز الشهور[27].

وفي كثرة تغيير الولاة في فترة الخلافة الأموية لم نجد وقائع محدَّدة تكون مبررًا لذلك التغيير؛ ولعلَّه كان يجيء لحاجة دار الخلافة إلى تغيير الوالي لأمرٍ يراه الخليفة نفسه، وربما جاء استجابة لشكوى بأحد الولاة[28].

وفي أواخر الدولة الأُموية غلب الخوارج على اليمن، وكان زعيمهم عبد الله بن يحيى الحضرمي الملقب بـ "طالب الحقِّ"، فقد ثار بحضرموت، وتمكَّن من دخول صنعاء، ثم زحف شمالاً باتِّجاه مكة فسقطت بأيديهم، ووليها أبو حمزة الخارجي نائب عبد الله بن يحيى الحضرمي، ثم استولى بعد ذلك على المدينة، وبعدها اتَّجهوا نحو الشام إلا أن مروان بن محمد -آخر خلفاء بني أمية- أعدَّ لهم جيشًا كبيرًا قابلهم بوادي القرى، وأخذ يُلْحِق بهم الهزائم ويطاردهم، حتى وصل إلى حضرموت مُنْطَلقهم الأوَّل، حيث كان آخرَ نفس لهم، إلا أن عبد الملك السعدي قائد قوات مروان بن محمد قُتل في الجوف في طريقه إلى مكة لرئاسة موسم الحجِّ، ومن بعده عيَّن مروانُ بن محمد واليًا جديدًا على اليمن هو الوليد بن عروة، الذي بقي في منصبه حتى اضمحلَّت دولة بني أمية[29].


اليمن في عهد الدولة العباسية

ومن بعدها دخلت اليمن في حوزة العباسيين، وقد ساروا فيها من جهة نظام الحكم سيرة الأمويين قبلهم، فأرسلوا الولاة إلى اليمن، والذين تمكَّنوا من ضرب الثورات التي قامت ضدَّهم، مثل التي قامت في حضرموت على يد الخوارج زمن الوالي معن بن زائدة الشيباني، الذي ولي اليمن لأبي جعفر المنصور[30]، وتلك التي قامت في جهات تِهَامة والساحل زمن الوالي حماد البربري، الذي ولي اليمن لهارون الرشيد، والذي عانى من ثورة قام بها الهيصم بن عبد الصمد الحميري استمرَّت فترة طويلة[31].

إلا أن أمر العباسيين في اليمن لم يَدُمْ على القوَّة؛ وذلك لبُعْدِ اليمن عن مركز الحكم، ولطبيعتها الجبلية، ولوعورة أرضها، وللسبب نفسه كانت ملجأً لكثير من الفارِّين من الحكم أو الثائرين عليه؛ فانفصلت اليمن عن الدولة العباسية، ونشأ فيها الدُّويلات المستقلَّة، التي أَخذَت الطابع القبلي أحيانًا، والمذهبي (شيعي على وجه التحديد) أحيانًا كثيرة.


دويلات وثورات

فقامت دولة بني زياد السُّنِّيَّة سنة 204هـ، ودامت نحو قَرْنَيْن إلى أن انقرضت سنة 407هـ، وكان مركزها (زبيد) بِتِهَامة، وحَكَم بنو يَعْفُر الحَوَالِيِّين الحميريين صنعاء من سنة 247هـ وحتى سنة 387هـ، وكانوا على المذهب السُّنِّيِّ، وظهرت تلك الدولة في شبَام ثم في صنعاء في عهد أسعد بن أبي يَعْفُر الحَوَالِيِّ، ثم امتدَّت إلى حاشد في الشمال، وإلى مِخْلاَف جَعْفَر والجند والمَعَافِر في الجنوب، ويُعَدُّ حكم السلطان أسعد بن أبي يَعْفُر من أطول فترات حُكْم سلاطين بني يعفر. وسيطر القرامطة على اليمن بقيادة علي بن الفضل عام 292هـ ونهبوا مدنها، وفعلوا الأفاعيل، واستباحوا المنكرات، وقاموا بكل رذيلة. وقام بعدئذ بنو نَجَاح -وهم من مماليك بني زياد- وحكموا زَبِيدَ وملحقاتها سنة 412هـ. بينما سيطر بنو صُلَيْح على صنعاء 439- 492هـ، وخلفهم بنو هَمْدان حتى 569هـ، وآل أمر زَبِيدَ إلى بني مهدي من 544- 569هـ. وتسلَّم إمارة عدن آل زريع سنة 476هـ، وينتمون إلى المكرم اليامي الهَمْدَاني أول سلاطينها، ويُعْرَفون ببني زُرَيْع، وظلَّت هذه الدولة حتى عام 570هـ/ 1174م، أما صَعْدة فكانت تحت حكم دولة (بني رسّ) الشيعية التي قامت عام 280هـ[32].

وقد تصارعت القوى المتعاصرة مع بعضها البعض، وتبادلت النصر والهزيمة سِجالاً، وأطيح بأُسَرٍ حاكمة لتحلَّ محلَّها أخرى إلى حينٍ، وتمكَّن بعضها من السيطرة على ديار بعضٍ؛ فكانت الغلبة أوَّلاً لآل زياد، ثم كانت للقرامطة على حساب اليَعْفُريِّين والزَّيْدِيَّين، ثم كانت لليعفريين والزيديين في تحالفهم بعد صراع ومجابهات ضدَّ الجُزْء الخطر من القرامطة، وهو علي بن الفضل، ثم جاء دور الصُّلَيْحِيِّين ليتمكن مؤسِّس الدولة علي بن محمد الصُّلَيْحي، التلميذ النجيب والنابغ للداعية الإسماعيلي سليمان الزواحي، من الإطاحة بكل القوى القبلية والحاكمة، وتوحيد اليمن تحت حكمه، بل إنه أدخل مكة تحت حكمه. ويخلف بنو نجاح آل زياد في زَبِيدَ، ويتبادلون النصر والهزيمة مع الصُّلَيْحِيِّين، والصُّليحيون تنقسم دولتهم، فتأخذ بالتدريج في الضعف والزوال، فيبسط النَّجَاحيون دولتهم في التهائم، ويقوى آل زريع ولاة الصُّليحيين في عدن، ويؤسِّسون دولتهم المسيطرة على عدن، وأبين، وتعز. ويتداول السلطة في صنعاء وما حولها أُسَرٌ هَمْدَانية، كآل حاتم، وآل القبيب، وآل عِمران، وفي زَبِيدَ يحلُّ بنو مهدي محلَّ آل نَجَاح[33].

وقد ظلَّت الأوضاع تلك على حالها حتى مجيء الأيوبيين (569- 626هـ /1173- 1229م) إلى اليمن؛ إذ قضَوْا على عدد من الإمارات فيها وجمعوا أمرها، فأنهَوْا حكم بني هَمْدان في صنعاء، وبني مهدي في زَبِيدَ، وبني زريع في عدن[34].


الدولة الرسولية

وقد كان آخر الولاة الأيوبيين في اليمن السلطان المسعود الأيوبي، الذي تمكَّن من فرض هيبة الأيوبيين على مختلف القوى والمنافِسِينَ في اليمن، والذي عاد إلى الشام عام 626هـ مُخْلِفًا الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول نائبًا له في اليمن، والذي تمكَّن هو وإخوته من السيطرة على الأمور في اليمن، وتحقيق انتصارات مُهِمَّة على المنافِسِينَ؛ فَعَلَتْ بذلك مكانتُهم وعظمت قوَّتهم، والذي مهَّد لظهور الدولة الرسولية[35].

وتُعَدُّ الدولة الرسولية (626- 858هـ/ 1229- 1454م) من أطول الدُّول عُمرًا في تاريخ اليمن الوسيط، وقد حكمها خمسةَ عشرَ ملكًا، أوَّلهم نور الدين عمر الرسولي، وآخرهم المسعود[36].

وقد أعلن الرسوليُّون استقلالهم عن الدولة الأيوبية في مصر في عام 630هـ/ 1232م، وخطبوا للخليفة العباسي المعاصر لهم، بَعْدَ أن طلبوا منه أمرَ نيابة مباشر عنهم في اليمن دون وساطة الأيوبيين، وتمكَّن الرسوليون -وبقيادة مؤسِّس مُلْكِهم الملك المنصور- من توحيد اليمن كله تحت حكمهم، من حضرموت جنوبًا وحتى مكة شمالاً، وبسطوا سيادتهم الفعلية على كل جهات اليمن، ودخلوا مناطقَ وحصونًا لم يستطعها قبلهم الأيوبيون، ودانت لهم القبائل والأُسَرُ الحاكمة، كالأئمة الزيديين في صعدة وجهاتها، وآل حاتم في صنعاء وما حولها، ومع ذلك فقد جابه الرسوليون توثُّبات قوًى مختلفة، وجابهوا قوى زَيْدِيَّة بزعامة الإمام المهدي أحمد بن الحسين من جهة، ثم بزعامة أبناء وأحفاد الإمام عبد الله بن حمزة، وهم مَن تُطْلِق عليهم المصادرُ إجمالاً لقبَ الحمزات، وقد دخل الأئمة الحمزات في حرب تنافُسِيَّة على السيادة والنفوذ مع الإمام المهدي أحمد بن الحسين، وأُذِيقُوا شرَّ الهزائم، وخسروا كثيرًا من مواقعهم قبل أن يتدخَّل المظفَّر الرسولي إلى جانب الحمزات ويُمَكِّنهم من النصر، فاعترف الأئمة بسيادة الرسوليين على البلاد. كما جابه الرسوليون تمردًا من سلطان حضرموت سالم بن إدريس، فجهزوا له بعد المراسلات والإعذار حملات برِّية وبحرية انتهت بهزيمته ومقتله.

وبعد المظفَّر يأتي الملك الأشرف، فيدخل في حرب قصيرة مع أخيه المؤيَّد غير المعترف بحكم أخيه، لكن الموت يُعاجِل الأشرف الرسولي بعدما يَزِيد قليلاً عن العام، ليأتي أخوه المؤيد فيحكم اليمن لخمس وعشرين سنة، يتمكَّن خلالها من ترسيخ هيبة الدولة عَبْرَ قضائه على التمرُّدات في المِخْلاف السُّلَيْمَاني بتِهَامة، ومقاومته لوثبات الأئمة الزيديين في الجبال.

ويخلف المؤيَّد ولده المجاهد 721- 764هـ/ 1321- 1362م، الذي يبقى في الحكم ثلاثًا وأربعين سنة، يُجابِه فيها أعنف وأعتى التمرُّدات ضدَّ مُلْكِه من مختلَف الأطراف، حتى شهدت السنوات الأخيرة من حكمه تصدعًا في وَحدة اليمن السياسية، إذ لم يَمُتِ الملكُ المجاهد إلا وقد تمكَّن جيل جديد من الأئمة الزيديين في القسم الأعلى من اليمن، أمثال المتوكِّل مطهر بن يحيى، وابنه محمد بن المطهر، ثم المهدي علي بن محمد، والناصر صلاح الدين، وابنه المنصور علي، من بناء قوَّة جديدة لهم مكَّنتهم في الثلث الأول من القرن الثامن الهجري من السيطرة على القسم الأعلى من اليمن حتى ذمار، وسَلَخَهُ من جِسْم الدولة الرسولية، لتتقوَّض من جديدٍ أركان الوَحدة اليمنية للمرة الثانية بعد الصليحيين.

وخلف المجاهد ابنه الأفضل، وجاء بعده الملك الأشرف الثاني، ثم الملك الناصر، ليعقبه الأشرف الثالث، ثم الأشرف الرابع، ثم يأتي المَلِكَان المتنافسان: المظفَّر والمفضَّل، ثم يليهم الملك الناصر الثاني ليُخْلَع، وليتمَّ تنصيب الملك المسعود آخر ملوك بني رسول، ليذهب هو ومنافسه المؤيَّد.

وفي أزمنة هؤلاء الحكام تميَّزت فترات حكمهم في المحافظة على مناطق نفوذ الدولة الرسولية، وفي القضاء على التمرُّدات المختلفة، ثم بالقضاء على التمرُّدات داخل البيت الحاكم، وهي التي قام بها الإخوان والأعمام ضدَّ بعضهم مستعينين بقوى المماليك، والتي حاول الملك الأشرف الثالث التنكيل بهم لإخراجهم من حسابات القوَّة مُحْرِزًا بعض النجاح، كما قامت حرب بين الملك الناصر الرسولي وإمام الزيديَّة علي بن صلاح الدين، عندما حاول الأخير غزو بلاد رداع التابعة للرسوليين والمحكومة من قِبَلِ ولاتهم آل معوضة، جدود المؤسِّسين لدولة بني طاهر فيما بعدُ، وهم الذين وفدوا على آل رسول أول الأمر عام 817هـ/ 1414م ثم عام 842هـ/ 1438م، ليأخذوا بعد ذلك في تقوية أنفسهم في جهاتهم، في وقت أخذت فيه الدولة الرسولية تزداد ضعفًا جرَّاء المنازعات الأُسَرِيَّة على السلطة، وهي التي مزَّقت دولة الرسوليين بين المتنافسين على السلطة، وكانت آخر المنازعات الحربية بين الملك المسعود الذي استطاع استعادة التهائم وعدن؛ ليزحف من هناك إلى تعز؛ لطرد الملك المظفَّر الثاني منها.

وقد استغل مماليك تهامة الحرب بين الملكين ليُشَدِّدوا قبضتهم على تهامة، ولينصبوا الأمير حسين بن الملك الظاهر ملكًا، ويلقِّبوه بالمؤيَّد في العام 855هـ/ 1451م، لنجد أنفسنا أمام ثلاثة ملوك رسوليين في وقت واحد، يتنازعون المُلْكَ والسيادة، وقد شجَّع هذا التنازع الصريح بين آل رسول ولاتهم وحلفاءَهم من بني طاهر على الطمع في وراثة أسيادهم من بني رسول، وذلك بدخولهم عدن عام 858هـ/ 1454م، وأُسِرَ الملكُ المؤيَّد آخر حُكَّام بني رسول.

وقد تميَّز حُكم بني رسول طويل الأمد -بغضِّ النظر عن التاريخ السياسي الحربي- بكثير من الإنجازات المهمَّة في مَيْدان العلم والتِّجارة والزراعة والطب؛ فقد بنَوا المدارس الكثيرة، وأجزلوا العطاء للعلماء، وبرز في زمانهم العلماء والشعراء في كل فنٍّ، وكان كثير من ملوك بني رسول علماءَ وشعراءَ وأصحاب رأي ومؤلِّفي كتب في فروع المعرفة المختلفة، ولا تزال مدينة تعز إلى يومنا هذا تتزيَّن بمنجزاتهم العمرانية، كجامع المظفَّر وجامع الأشرفية، ومدرسة الأشرفية، وحصن تعز المسمى الآن قاهرة تعز، إضافة إلى آثار المدارس الفقهية[37].


الدولة الطاهرية وسيادة المماليك

وقد قامت الدولة الطاهرية (855- 923هـ/ 1451- 1517م) على إرث الدولة الرسولية، وأوَّل أمرائها عامر بن طاهر، الذي أخذ البلاد من بني الرسول، وأخذ بعضها من أئمة الزيدية إلى أن قُتِل في حربه معهم قُرْب صنعاء، فخلفه أخوه المجاهد علِيٌّ سنة 870هـ، ثم خلفه ابنه الظافر عامر سنة 894هـ، وكان عادلاً محبًّا للعلم والعلماء، حارب أئمة الزيدية في الجبال وغلبهم، واستولى على صنعاء.

وفي عهد الظافر عامر ظهر البرتغاليون، واستولوا على بعض سواحل الحجاز واليمن والهند، واستفحلت شرورهم، فأخذ بمراسلة المماليك الذين كانوا يجوبون البحر الأحمر وسواحل اليمن لمجابهة قوَّة البرتغاليين، فاستطاع المماليك بقيادة حسين الكردي طرد البرتغاليين من جزر قمران سنة 921هـ، ثم شجَّعه الأئمة الزُّيُود ضدَّ الظافر عامر الذي رفض التعاون معه ضدَّ البرتغاليين، فدخل حسين الكردي المملوكي اليمن واستولى على زَبِيدَ بعد معركة الرحب وذلك سنة 922هـ، ثم انتقل إلى تعز، ومنها إلى المقرانة فصنعاء، وأخيرًا جَرَت المعركة الأخيرة على أبواب صنعاء، وهي معركة الصافية التي قُتل فيها أخو السلطان، وهو عبد الملك بن عبد الوهاب، وفرَّ السلطان الذي قبض عليه أحد الرجال وسلَّمه إلى قائد المماليك الإسكندر بن محمد فقتله سنة 923هـ[38].


عوامل قدوم العثمانيين إلى اليمن

وفي هذه الأثناء التي دخل فيها المماليك صنعاء كان العثمانيون قد هزموهم في بلاد الشام ومصر، وهو ما جعل المماليك في وضع غير ملائم؛ فانسحبوا من صنعاء نحو تعز، ولم يصل الإسكندر بن محمد قائد المماليك إلى تعز إلا بصعوبة كبيرة؛ بسبب قتال اليمنيين له، وهو منسحب بجيشه، وقد اضطرَّ المماليك في اليمن إلى الاعتراف بالسيادة العثمانية[39].

ويُعَدُّ من عوامل قدوم العثمانيين إلى اليمن إخفاق المماليك في مقاتلة البرتغاليين في سواحل الهند، وهزيمة أسطولهم في معركة (ديو) في المياه الهندية عام 915هـ؛ إذ قام العثمانيون يَدْرَءُون الخطر عن ديار الإسلام، ويُلَبُّون نداء مسلمي الهند، ولما رفض المماليك التعاون معهم احتلَّ العثمانيون أرض الدولة المملوكية، وورثوا عنها المهمَّة الملقاة على عاتقها وهي حرب البرتغاليين، ودخلوا اليمن بصفة أن أرضها قاعدة ارتكاز لمحاربة البرتغاليين، سواء أكان ذلك في البحر الأحمر، أم في الخليج العربي، أم في المياه الهندية[40].

وهكذا دخلت اليمن تحت السيادة العثمانية عَبْرَ تبعيَّتها السابقة للمماليك؛ فبعد انهزام المماليك في الشام ومصر أمام السلطان سليم الثالث، قدَّم حاكم اليمن المملوكي الجركسي (إسكندر) وفدًا إلى السلطان سليم ليُقَدِّم فروض الولاء والطاعة له، فوافق السلطان العثماني على إبقائه في منصبه، وكانت اليمن تُشَكِّل بُعْدًا استراتيجيًّا، وتُعتبر مِفتاح البحر الأحمر، وفي سلامتها سلامة للأماكن المقدَّسة في الحجاز، وكانت السيطرة العثمانية في بَدْءِ الأمر ضعيفة؛ بسبب الصراعات الداخلية بين القادة والمماليك، إلى جانب نفوذ الأئمة الزيدية بين قبائل الجبال، هذا فضلاً عن الخطر البرتغالي الذي كان يُهَدِّد السواحل اليمنية، وهذا دفع السلطان إلى إرسال قوَّة بحرية، إلا أنها فشلت بسبب النزاع الذي دبَّ بين قائدها حسين الرومي متصرف جدة والريس سلمان أحد قادة البحر العثمانيين[41].

ثم أرسل السلطان سليمان باشا أرناءوطي حملة سنة 945هـ/ 1538م بهدف احتلال اليمن وبخاصَّة عدن، ثم إغلاق مضيق باب المندب أمام السفن البرتغالية، ودخل العثمانيون عدن عام 946هـ/ 1539م، وتعز عام 952هـ/ 1545م، وسقطت صنعاء في قبضتهم عام 954هـ/ 1547م، وتحرَّك سليمان باشا بأسطوله ليستولِيَ على بعض الموانئ العربية في حضرموت، ومنها الشحر، والمكلا، واجتاح ساحل الحبشة، وسواكن ومصوع على الجانب الغربي من البحر الأحمر سنة 964هـ/ 1557م[42].


المذهب الزيدي في اليمن

وقد ظلَّت اليمن في فترة هيمنة الدولة العثمانية عليها (1538 – 1635م) تتنازعها قوى العثمانيين والأئمة الزيدية، فلم يستطع العثمانيون السيطرة كلية على البلاد؛ بسبب تمرُّد بعض القبائل وحركات المقاومة، ويهمُّنا هنا أن نلقِيَ الضوءَ على دولة الأئمة الزيديين في بدايتها.

فقد جاءت تسميتهم نسبة إلى الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (79- 122هـ/ 698- 740م)، الذي خالف الإمام جعفر الصادق في مَبْدَأَي التقية والاستتار، وأَسَّس لمبدأ الثورة على الظلم متى ما وُجِد هذا الظلم، وهو شرط الخروج والثورة. ويتميَّز المذهب الزيدي بصفة عامَّة باعتداله وانفتاحه على المذاهب الأخرى، وهو أقرب المذاهب الشيعية إلى السُّنَّة، التي تأخذ عليهم حَصْرَهم الإمامة في أولاد الحسن والحسين، ومع ذلك فإنهم يُجَوِّزُون إمامة المفضول مع وجود الأفضل، كما يَنْبُذُون مبدأ العصمة والتقية، ويُجِيزُون الخروج على الظلم، كما يُجيزون خروج إمامَيْن في وقت واحد؛ وهو ما أدَّى في فترات كثيرة من تاريخ الدول الزيدية في اليمن إلى خروج أكثر من إمام، دارت بينهم صراعات عنيفة أراقت الدماء، وأهلكت الزرع والضرع. لكنَّ مبدأ الخروج هذا -رغم ويلاته- هو الذي احتفظ للطامحين من الأئمة الزيدِيين بجذوة الثورة، فمكَّنتهم من قيادة محاولاتٍ متعاقبة لتأسيس حكم علوي وراثي.

وقد اتخذت الدولة الزيدية الأولى بزعامة مؤسِّس الدولة والمذهب الزيدي في اليمن العلوي يحيى بن الحسين الرسي المنعوت بالهادي إلى الحقِّ، من صعدة مركزًا لها، وقد ابتدأ حكمهم باليمن من سنة 280هـ، وقد عاصروا بني أيوب والصليحيين والرسوليين والمماليك والعثمانيين، ودولة الأئمة الزيدية من البداية كانت منافسة للحكم العباسي، كما أنها كانت تجسيدًا لطموح العلويين في الحكم مُعْتَبِرِين أنفسهم أهل حقٍّ في قيادة المسلمين، ومُتَّهِمِين العباسيين باغتصاب السلطة من أهلها[43].

وقد بقي سلطان الزيديين محصورًا في الجهة الشمالية من اليمن، وإن تمكَّن أئمتهم في بعض الظروف من السيطرة على صنعاء وذمار في أيام المتوكل المطهر بن يحيى (676- 697هـ)، وابنه المهدي محمد (697- 908)، وكانت الخلافات شِبْهَ دائمة بينهم وبين سلاطين بني رسول وبني طاهر لمَّا كانوا معاصرين لهم، ولم يكن هناك إمام واحد يلتفُّ حوله الزيديون جميعًا، وإنما كان يوجد أكثر من إمام في بعض الأحيان، وقد يختلف الأئمة بعضهم مع بعض، حيث لكلِّ واحد منهم منطقة نفوذ وأتباع، كما حدث أيام الواثق المطهر بن محمد، والمؤيد يحيى بن حمزة، والمهدي علي بن صلاح، والداعي أحمد بن علي الفتحي، وكلهم في المدَّة المحصورة بين (730 - 750)، وقد تَمُرُّ سنوات دون أن يقوم إمام من علماء الزيدية بالأمر، وخاصَّة بعد هزيمة إمامٍ أو إلقاء القبض عليه، أو قتله من قِبَلِ خصومه.

ويُقَدَّرُ عدد أئمة اليمن تسعة وخمسين إمامًا، حكموا اليمن منذ عام 898م إلى 1962م، حين أُطِيحَ بحكمهم في يوم 26 من سبتمبر 1962م، وأُعْلِنَ النظام الجمهوري[44].


ثورة الزيدية ضد العثمانيين

وعلى الرَّغم من السيادة العثمانية في اليمن، والتنظيم الإداري العثماني فيه، وقوَّة الدولة العثمانية وشبابها وقتذاك، إلا أن نفوذ أئمة اليمن من الزيديين ظلَّ قويًّا وفاعلاً، وامتدَّ إلى مناطقَ كبيرةٍ من البلاد اليمنية، خاصَّة في المناطق الجبلية، وحَصَّن الأئمة الزيديون مدينة تعز التي احتلَّها الوالي العثماني الجديد على اليمن أُوَيس باشا، الذي وصل إلى اليمن عام 953هـ/ 1546م، واستطاع هذا الوالي أن يُوَطِّد السيادة العثمانية على منطقةٍ أوسعَ، وخاصَّة في المناطق الجبلية التي لم يصل إليها العثمانيون، كما استطاع الوالي أن ينظِّم جندًا محليًّا من اليمنيين، يعملون جنبًا إلى جنب مع القوَّات العثمانية، لكن العسكر غدروا به وقتلوه، فتولَّى الأمر أزدمر باشا، وهو من العسكر العثمانيين في اليمن، وأزدمر باشا مملوكي من الشركس، انتظم في خدمة العثمانيين، وعُيِّنَ واليًا على اليمن، ومن أعماله في اليمن: محاربة الأئمة الزيديين، ودخول صنعاء، وجعلها مركزًا للولاية العثمانية ومكانًا لإقامة مَلِك اليمن، وقد ظلَّ أزدمر هذا في الباشوية حتى عام 964هـ/ 1556م، فخلفه على باشوية (ملك) اليمن مصطفى باشا المعروف بالنشار، وهكذا توالى تعيين الولاة العثمانيين على اليمن بشكل منتظم.

ثار الأئمة الزيديون ضدَّ العثمانيين عام 954هـ/ 1547م بقيادة الإمام مطهر بن شرف الدين الزيدي، وساعده عدد من العسكر العثمانيين الذين تمرَّدوا على السلطة العثمانية في اليمن بسبب ضَعْف رواتبهم، وتعمَّقت الثورة اليمنية بسبب الخلاف القائم بين الوالي العثماني في زَبِيدَ وتِهَامة والوالي العثماني في صنعاء والمناطق الجبلية، ونَمَتِ الثورة الزيدية وازدهرت بعد وفاة السلطان سليمان القانوني، فدخل الإمام مطهر الزيدي مدينة صنعاء عام 975هـ/ 1567م، مما جعل السلطان سليم الثاني يُرْسِل سنان باشا والي مصر إلى اليمن على رأس حملة عسكرية لإعادة الأمن والنظام فيها، وكان ذلك عام 977هـ/ 1569م، وتمكن سنان باشا من دخول صنعاء وإرساء قواعد الأمن والنظام العثماني في اليمن، وبِناء عليه عُدَّ هذا الإنجاز العثماني الجديد في اليمن الفتح العثماني الثاني لليمن؛ حيث إن الفتح الأول بدأ عام 946هـ/ 1539م.

ومع هذا كله ظلَّ الأئمة الزيديون على حالهم، فتعاملوا مع الولاة العثمانيين أحيانًا بشكل حسن، وظلُّوا يحافظون على استقلالهم في مناطقهم، وظل الأئمة الزيديون في أوقات كثيرة يثورون ضدَّ السلطة العثمانية؛ فثار الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وشملت ثورته مناطق يمنية واسعة، مما أدَّى بالدولة العثمانية إلى إرسال حملات عسكرية ضدَّ ثورته، ثم قامت ثورة أخرى بقيادة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم ضدَّ الوالي العثماني أحمد فضلي عام 1031هـ/ 1621م، فاستولى على صنعاء وتعز وعدن، واستطاع إخراج العثمانيين من اليمن عام 1046هـ/ 1636م، وقد تمكَّن من ترسيخ دولة الإمامة الزيدية في اليمن، ومن هنا أصبح الأئمة الزيديون رمز الثورة اليمنية ضدَّ العثمانيين.

كانت الدولة العثمانية قد قرَّرت تعيين واليَيْنِ على اليمن عام 974هـ/ 1566م، أحدهما في ولاية اليمن من التهائم والسواحل ومركزها مدينة زَبِيد، والثاني في ولاية اليمن من تعز وصنعاء ومناطق الجبال، وهي محاولة هدف منها تثبيت دعائم الحكم العثماني في اليمن، وإرساء دعائم الأمن والنظام والاستقرار في المنطقة اليمنية التي ظلَّت تثور ضدَّ الدولة على مدى التاريخ والوجود العثماني في اليمن.


احتلال عدن

وعادت القوة إلى عسير بعد محمد بن أحمد المتحمي وقيام سعيد بن مسلط بأمر العسيريين ومن بعده علي بن مجثل، وعائض بن مرعي، فتوالت الحملات على المنقطة وجاءت حملة عام 1215هـ = 1835م بقيادة إبراهيم يكن، وتمكنت من القضاء على الثورة التي اندلعت في تعز ضد الإمام علي بن عبد الله المهدي وذلك عام 1253هـ = 1837م، كما استطاعت بعض فرق الحملة العثمانية من دخول عدن.

واحتل الإنكليز عدن عام 1255هـ = 1839م وعسير بعد هزيمة محمد علي في بلاد الشام، وعقد معاهدة لندن عام 1256هـ = 1840م التي حدَّدت نفوذ وحكم محمد علي في ولاية مصر فقط.

وضعف أمر الأئمة في هذه المدة إذ بدأ الخلاف بينهم، واستنجد الإمام محمد بن يحيى بالأمير عائض بن مرعي لنصرته فأرسل إليه قوة سارت عن طريق صحار، والأخرى عن طريق صعدة وكانت الثانية بإمرة الشريف حسين بن علي بن حيدر شريف (أبو عريش)، والأولى بإمرة يحيى بن مرعي أخي عائض بن مرعي، وتمكنت القوتان من دعم محمد ابن يحيى وتثبيته في صنعاء وعد واليًا للأمير عائض بن مرعي، ولكن ما إن عادت القوة العسيرية حتى تنكر الإمام محمد بن يحيى للعسيريين فكلف عائض بن مرعي عامله على أبي عريش حسين بن علي حيدر بتأديب إمام صنعاء، إلا أن الحيدري قد هزم ووقع أسيرًا بيد اليمنيين، وأراد عائض مرعي أن يسير إلى صنعاء لإنقاذ واليه إلا أن العثمانيين كانوا قد وصلوا إلى اليمن.


ضعف الوجود العثماني في اليمن

وتضايق العثمانيون من انتصار عائض بن مرعي في اليمن، وخافوا مغبة الأمر، وفي الوقت نفسه استنجد الإمام علي بن المهدي بالسلطان عبد المجيد ضد محمد بن يحيى وعائض بن مرعي، فأمر السلطان نائبه في جدة توفيق باشا بالتوجيه إلى اليمن ومعه مكة الشريف محمد بن عون، وسارت القوة من جدة ووصلت إلى الحديدة في 22 جمادى الآخرة عام 1265هـ = 1849م وتابعت زحفها إلى صنعاء دون أن تلقى أية مقاومة، وما إن علم الإمام المتوكل محمد بن يحيى بهذا الأمر حتى أطلق سراح الشريف الحيدري، وأسرع للقاء توفيق باشا فاستقبله، واتفق معه، وصحبه إلى صنعاء وأنزله في قصر غمدان... وأنكر أهل صنعاء على الإمام فعلته وثاروا عليه في الحال وأرغموا الأتراك إلى العودة إلى الساحل، وألقوا القبض على محمد ابن يحيى، ونصبوا على بن المهدي إمامًا.

وحدثت خلافات بين علي بن المهدي بصنعاء، ثم الذي قام مكانه، وهو مؤيد العباس ابن عبد الرحمن، وبين المنصور أحمد بن هاشم بصعدة، وكادت رياح الفتن تعصف باليمن كلها.

وكان العثمانيون قد قضوا على إمارة آل عائض في أبها وقتلوا محمد بن عائض، وحملوا جماعة من كبار القادة والعلماء إلى استانبول، وتولى أمر عسير أحمد مختار باشا بعد مقتل رديف باشا، استغل أحمد مختار الفوضى في اليمن فسار بقوة على طريق الساحل، ودخل صنعاء وأنهى هذه الخلافات، ولكنه لم يستطع أن يبسط نفوذه على شمال اليمن إذ بقي تحت سلطة المتوكل المحسن بن أحمد حتى توفي عام 1295هـ = 1877م فخلفه الهادي شرف الدين بن محمد.

وتولى حكم اليمن عام 1290هـ = 1872م بعد أحمد مختار باشا مصطفى فاشتد على السكان الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة قادها محمد بن يحيى حميد الدين، الذي كان قد سجنه مصطفى باشا مع عدد من سادات البلاد في الحديدة، وفر من السجن وحمل لواء الثورة، وتلقب بالمنصور.

وفي الشمال توفي عام 1307هـ = 1889م الهادي شرف الدين بن محمد فقرر السكان مبايعة محمد بن يحيى حميد الدين الذي استطاع أن يؤلف جيشًا، ويحارب الولاة العثمانيين، وأن ينتصر عليهم، وأن يحاصر صنعاء، واضطر العثمانيون إلى إعادة أحمد فيضي باشا إلى ولاية اليمن، فجاء بقوة كبيرة تمكنت من فك الحصار عن صنعاء ودخولها، وغادرها المنصور أحمد بن هاشم حيث اعتصم في (حاشد)، وحاول أحمد فيضي باشا القضاء عليه عدة مرات ولكنه فشل واستمر الإمام في الشمال حتى مات عام 1322هـ = 1904م، وخلفه ابنه يحيى الذي اتخذ لقب المتوكل، واتخذ بلدة (قفلة عذر) قاعدة له، وعاصمة مؤقتة.

أرسل العثمانيون قوة لحرب الإمام يحيى ولكنها هزمت، وشجعت هذه الهزيمة سكان اليمن فقاموا بحركتهم التي دفعت القوات العثمانية نحو صنعاء فحاصروها، واضطرت إلى الاستسلام وفر القائد التركي إلى زبيد. فأرسلت الحكومة العثمانية أحمد فيضي باشا مرة ثالثة على رأس قوة كبيرة نزلت بالحديدة، واتجهت إلى صنعاء فدخلتها، وانتقل الإمام يحيى إلى (شهارة)، فلحقه أحمد فيضي باشا ولكنه هزم على أبواب شهارة هزيمة نكراء، وعندما وصل الخبر إلى الحكومة التركية أرسلت المشير عزت باشا الألباني مندوبًا للمفوضية، فاتصل بالإمام يحيى وعقد معه اتفاقية (دعَّان). ولم تمض سوى ثلاث سنوات حتى قامت الحرب العالمية الأولى وخرج الأتراك من اليمن.


أطماع استعمارية في اليمن

ولأن عدن تُعَدُّ منطقة استراتيجية مُهِمَّة، وخاصَّة بالنسبة للدُّول الكبرى ذات المصالح التِّجارية والملاحية في البحار الدافئة، وفي مناطق شرقي آسيا، خاصة الهند، فإن بريطانيا كانت تهتم إلى حدٍّ كبير بها؛ وخاصة لأنها واقعة على طريق مواصلات الإمبراطورية البريطانية في الشرق، وكانت عدن مُهِمَّة أيضًا بالنسبة لشركة الهند الشرقية الإنجليزية العاملة في المنطقة، كما يُعَدُّ ميناء عدن، وجزيرة بريم الواقعة في فوهة مضيق باب المندب، وجزيرة كمران في البحر الأحمر، وجزيرة سوقطرى في المحيط الهندي من المواقع الرئيسية بالنسبة للمصالح البريطانية.

وعليه احتلَّت القوَّات البريطانية جزيرة بريم عام 1214هـ/ 1799م، وفي عام 1255هـ/ 1839م احتلَّت هذه القوَّات مدينة عدن بعد مقاومة محلية عنيفة، ثم أخذت بريطانيا توسع حدود منطقة استعمارها بشكل تدريجي، في الوقت الذي انشغلت فيه الدولة العثمانية في حربها مع القوى المحلية اليمنية بزعامة الأئمة الزيديين؛ فوسَّعت نفوذها الاستعماري على سواحل اليمن الغربية، وفي عام 1333هـ/ 1915م أصبحت كل المقاطعات الشرقية والغربية تابعة لحكم بريطاني، وأشرف عليها نائب الملك البريطاني في الهند، وكانت عدن تابعة لنفوذه أيضًا، وفي المقاطعات الشرقية توجد: سلطنة القعيطي وقاعدتها المكلا، والكثيري وقاعدتها سيون، والمهد وقاعدتها المهد، وقشن وسوقطرى ومركزها سوقطرى، ومشيخة بير علي ومركزها بير علي، ومشيخة حورة السفلى ومركزها حورة، وهناك محميَّات ومقاطعات غربية منها: سلطنة لحج وقاعدتها الحوطة، والصبيحة وقاعدتها الطور، والعقارب وقاعدتها بير أحمد، والحواشب وقاعدتها مسيمير، والعوالق العليا ومركزها مضاب، والعوالق السفلى ومركزها أحور، وإمارة الفضلي ومركزها شقرة، ويافع العليا وقاعدتها المجحنة، ويافع السفلى وقاعدتها القارة، وإمارة الضالع ومركزها الضالع، وإمارة بيحان ومركزها القبض.

انضمَّت ستُّ سلطنات في اتحاد فيما بينها عام 1378هـ/ 1958م بدعم من بريطانيا ومؤازرتها، ثم انضمَّت إلى هذا الاتحاد لحج، ثم تتابع انضمام السلطنات والمشيخات والإمارات، ثم انضمَّت إليه مستعمرة عدن عام 1382هـ/ 1962م، وسُمِّيَ هذا التكوين السياسي الاتحادي باسم اتحاد الجنوب العربي.


جبهة التحرير الوطنية

وفي عام 1388هـ/ 1968م، قرَّرت بريطانيا الانسحاب من جنوب اليمن المحتلِّ، وتنافست القوى اليمنية على مَن سيتولى أمور البلاد بعد الانسحاب البريطاني، وظهرت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتلِّ بقيادة عبد القوي مكاوي، وجبهة التحرير الوطنية بقيادة قحطان الشعبي، وحارب أتباع الجبهتين الإنجليز، وتحاربوا أيضًا فيما بينهم، وفي آخر المطاف سلَّمت بريطانيا مقاليد الحكم في اليمن الجنوبي إلى جبهة التحرير الوطنية بزعامة قحطان الشعبي، وغادرت القوات البريطانية جنوب اليمن عام 1387هـ/ 1967م، وأعلن اليمنيون الجنوبيون قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، جمهورية عربية مستقلَّة.


انقلابات متوالية

ولقد حدث تغيير في الحكم في اليمن الجنوبي عام 1389هـ/ 1969م فوُضِعَ قحطان الشعبي تحت الإقامة الجبرية، وتولَّى السلطة سالم ربيع علي، وتولى رئاسة الوزارة محمد علي هيثم، ثم علي ناصر محمد الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع أيضًا، وقامت حركة انقلابية أخرى أطاحت بسالم ربيع علي، وتسلَّم عبد الفتاح إسماعيل مقاليد الحكم، وبعد بضع سنوات حدث انقلاب آخر أنهى حكم عبد الفتاح إسماعيل، وتولَّى الحكم من بعده علي ناصر محمد.

وهكذا ظلَّت الأمور في اليمن الجنوبي مضطربة رِدْحًا من الزمن، وقد أثَّر ذلك على الوضع الاقتصادي في البلاد.

وكان قد حدث خلاف بين الأئمة الزيديين، وطلب الإمام محمد بن يحيى النجدة والمساعدة من الأمير عائض بن مرعي حاكم عسير، فأرسل عائض بن مرعي قوَّة عسكرية لمساعدة الإمام محمد بن يحيى، واستطاعت هذه النجدة دعم الإمام محمد بن يحيى وتثبيت سلطته في صنعاء على أن يكون تابعًا لسيادة عائض بن مرعي، وكان عائض بن مرعي مؤيَّدًا ومدعومًا من قِبَلِ الدولة السعودية.

ولم تَدُم العلاقة الحَسَنَة بين الإمام محمد بن يحيى وبين عائض بن مرعي؛ ممَّا أدَّى بابن مرعي إلى أن يُرْسِلَ حملة عسكرية تحت زعامة الشريف حسين بن علي حيدر، عامل ابن مرعي على (أبو عريش) لتأديب الإمام محمد بن يحيى، لكن اليمنيين هزموا جيش الشريف حسين بن علي حيدر، وأسروا قائده ابن حيدر.

انتهز العثمانيون في الحجاز فرصة الخلاف الناشب بين آل مرعي والإمامة الزيدية في اليمن، فأرسلوا جيشًا عثمانيًّا احتلَّ الحديدة وبعض أجزاء من تهامة سنة 1266هـ/ 1849م، وتمكن توفيق باشا والي جدة العثماني من دخول صنعاء دون أن يَلقى مقاومة تُذْكَرُ، وحدث تفاهم بين الوالي العثماني توفيق باشا والإمام محمد بن يحيى، مما أغضب اليمنيين الذين ثاروا على الإمام محمد بن يحيى وألقوا القبض عليه، ونصَّبوا الإمام الزيدي علي بن المهدي بديلاً عنه، وقد تمكَّن الثُّوَّار اليمنيون من إخراج القُوَّات العثمانية من صنعاء.

ووجَّه العثمانيون حملة جديدة إلى اليمن عام (1285هـ= 1868م) لتأديب الثوار اليمنيين، وأبدى اليمنيون بسالةً في مقاومة هذه الحملة، وفرضوا على العثمانيين الحصار حتى اضطرُّوهم إلى الاستسلام.

وتحت ضغط الثورة الزيدية والأئمة الزيدية على العثمانيين في اليمن، اضطر الوالي العثماني عزة باشا أن يعقد صلحًا مع الإمام الزيدي اليمني يحيى حميد الدين عام 1329هـ/ 1911م في دَعَّان، وهي قرية غربي مدينة عمران، وأهم شروط اتفاقية دعان هي: أن يُشرف الإمام يحيى حميد الدين على شئون القضاء والأوقاف، وتعيين الحكام والمرشدين، وتشكيل محكمة مؤلَّفة من هيئة شرعية تكون في الواقع محكمة استئناف للنظر في الشكاوى التي يعرضها الإمام، وأن يكون مركز المحكمة الاستئنافية في مدينة صنعاء، ويَنْتَخِب الإمام رئيسها وأعضاءها، وتُصَدِّق على هذا التعيين الدولة العثمانية، وأنه في حال صدور أحكام بالقصاص لا بُدَّ أن تصادق عليها الحكومة العثمانية في الآستانة وصدور الإرادة السَّنِيَّة بذلك، بشرط ألاّ يتجاوز زمن تلك الإجراءات أربعة أشهر، وأن تكون في اليمن ولاية عثمانية يتَّصل الإمام بها مباشرة، وهي بدورها تُحِيل الأمر إلى الآستانة، ويحقُّ للحكومة العثمانية أن تُعَيِّن قضاة شرعيين في المناطق التي يوجد فيها سكان شوافع وأحناف، وتشكيل محاكم شرعية مختلطة من قِبَلِ قضاة وعلماء من الشوافع والزيديين للنظر في الدعاوى التي تقام من قِبَلِ المذاهب المختلفة، وتُعَيِّن الحكومة العثمانية محافظين تحت اسم مباشرين للمحاكم السيَّارة التي تتجوَّل في القرى؛ لفصل الدعاوى الشرعية هناك، وذلك دفعًا للمَشَقَّات التي يتكبَّدها أصحاب المصالح في الذهاب والإياب إلى مراكز الحكومة في المدن، وصدور عفو عام عن الجرائم السياسية، ولا تجبى الضرائب من أهالي أرحب وخولان وجبل الشرق مدَّة عشر سنوات بسبب فقرهم وخراب بلادهم، ولا تؤخذ أي ضرائب غير التي وردت في الشرع الإسلامي، وأنه على الإمام أن يُعطِيَ الدولة العثمانية عُشر حاصلاته، كما يحقُّ لمأموري الدولة العثمانية في اليمن أن يتجوَّلوا في أنحاء اليمن بشرط ألا يُخِلُّوا بالسكينة والأمن.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوالي محمود نديم باشا الذي خلف الوالي عزة باشا، هو آخر الولاة العثمانيين في اليمن؛ لأن الإمام الزيدي يحيى حميد الدين دخل مدينة صنعاء عام 1336هـ/ 1918م، وأعلن نفسه حاكمًا مستقلاًّ على اليمن، وأصبح الإمام بهذا الإعلان سيد الموقف في اليمن، وأصبح عليه المسئولية الأولى في التصدِّي للمشكلات والمتاعب الكثيرة الموجودة في البلاد داخليًّا، ومشكلات الحدود مع جيرانه، والمشاكل التي نجمت عن احتلال بريطانيا لبلاد اليمن الجنوبي، ومشكلات الحرب العالمية الأولى وغيرها من القضايا الأساسية، مثل حادثة ضرب ميناء الحديدة اليمني بمدفعية الأسطول البريطاني في البحر الأحمر، ثم احتلاله من قِبَلِ القوات البريطانية، بمساعدة الإدريسي حاكم تهامة عسير (المقاطعة الإدريسية) على ساحل البحر الأحمر.

بعد أن قذف الأسطول البريطاني ميناء الحديدة بالمدفعية واحتلَّه عام 1336هـ/ 1918م أرسلت الحكومة البريطانية بعثة الكولونيل جاكوب عام 1337هـ/ 1919م إلى صنعاء، لكن جاكوب وأفراد بَعْثَته أُسِرُوا من قِبَلِ القبائل، ولم يتمكَّن جاكوب من الوصول إلى صنعاء، حاول الإمام يحيى حميد الدين أن يصفي عَلاقته بالبريطانيين جيرانه في اليمن الجنوبي المحتلِّ، فأرسل القاضي عبد الله العرشي مندوبًا له مقيمًا في عدن، لكن الإمام فوجئ بتسليم بريطانيا الحديدة إلى السيد الإدريسي في أعقاب الحرب العالمية الأولى؛ مما أدَّى إلى توتُّر العَلاقات بين الإمام يحيى حميد الدين وبريطانيا عام 1338هـ/ 1920م.

واستدعى الإمام يحيى حميد الدين مندوبه العرشي من عدن، ثم شنَّ هجومًا يمنيًّا على المحميات الجنوبية المحتلَّة من قِبَلِ بريطانيا، مثل محمية الضالع والشعيب والقعيطي وغيرها، واحتلَّ مدينة البيضاء، مما جعل بريطانيا ترسل بعثة السير جلبرت كلايتون إلى صنعاء عام 1921م للتباحث مع الإمام يحيى في هذا الأمر، إلاَّ أنها لم تنجح، وقام كلايتون بزيارة ثانية إلى صنعاء عام 1925م، وفاوض خلالها الإمام مدَّة شهر دون أن تُؤَدِّيَ هذه المفاوضات إلى اتِّفاق مُرْضٍ.

شنَّ الإمام هجمات جديدة على المحميات المجاورة، ولجأ بعض شيوخها إلى عدن، فَرَدَّت الطائرات البريطانية على هذا الهجوم بقيام غارات جوِّيَّة على المدن اليمنية عام 1347هـ/ 1928م، ومع هذا جَرَتْ محاولة لتسوية الموضوع بين اليمن وبريطانيا، وتَوَصَّل المفاوضون إلى صيغة معاهدة عام 1350هـ/ 1931م، وقَّعتها بريطانيا بعد ثلاثة أعوام، أي عام 1353هـ/ 1934م، وتُبُودِلَتْ وثائق التصديق على المعاهدة بين الطرفين، وأهمُّ بنود تلك المعاهدة: اعتراف بريطانيا بالإمام يحيى حميد الدين ملكًا مستقلاًّ على اليمن، ويُقْصَدُ بذلك اليمن الشمالي، وأن يحافظ الطرفان المتعاهدان على سياسة حُسْنِ الجوار والصداقة بينهما، وأن يعمل الطرفان على تخطيط الحدود بينهما، وتسوية مشكلاتهما عن طريق المفاوضات السلميَّة.

وفي عام 1951م عُقِدَتْ معاهدة جديدة بين اليمن وبريطانيا، إلا أنها لم تُؤَدِّ إلى حلِّ الخلافات الحدودية بين الدولتَيْنِ، وبِنَاءً عليه ظلَّت العَلاقات متوتِّرة.

أما عن عَلاقة اليمن بالدُّول الكبرى الأخرى، فكانت عَلاقة حَسَنة مع دُول الاتحاد السوفييتي، فقد سبقت اليمن جميع أقطار العالم العربي في إقامة عَلاقات مع السوفييت عام 1347هـ/ 1928م، وتوقيع معاهدة معهم، وقد جَدَّدت اليمن تلك المعاهدة بمعاهدة أخرى عام 1375هـ/ 1955م ركَّزت على العَلاقات الدبلوماسية والتِّجارية، ووقَّع اليمن معاهدة مع هولندا عام 1352هـ/ 1933م ركَّزت على موضوع التِّجارة ومعاملة سُفُنِ الطرفين معاملة الدُّول الأَوْلَى بالرعاية، كما عَقَدَتْ معاهدة مع بلجيكا عام 1355هـ/ 1936م، ومع الحبشة عام 1354هـ/ 1935م، ومع فرنسا عام 1355هـ/ 1936م.

وقرَّرت فرنسا أن تقوِّيَ عَلاقتها مع الإمام، فَسَعَتْ لأخذ امتياز بمدِّ خطٍّ حديدي بين صنعاء والحديدة؛ ليكون لفرنسا موطئ قدم في البحر الأحمر منافِسَةً بذلك بريطانيا، وظلَّت هذه الأفكار مجرَّد خطط، كما أقام الإمام عَلاقات ودِّيَّة مع الجمهورية التركية الحديثة عام 1346هـ/ 1927م، ومع الولايات المتحدة عام 1366هـ/ 1946م، وظلَّت إيطاليا أكثر الدول الأوربية اهتمامًا بأمر علاقاتها مع اليمن، فقَوَّتْ تلك العَلاقات، وعقدت معاهدة عام 1346هـ/ 1927م بعد مباحثات في صنعاء أجراها السنيور جاسباريني حاكم إريتريا التي كانت تحت الاستعمار الإيطالي، وجدِّدت تلك المعاهدة عام 1355هـ/ 1936م، وكانت إيطاليا تُقَدِّم للإمام مساعدات عسكرية وتَبِيعُه الأسلحة والمعدَّات.


العلاقات اليمنية السعودية

أما العَلاقات اليمنية السعودية فكان لها شأن آخر؛ والبداية حين شكَّل محمد بن أحمد الإدريسي إمارة صغيرة عُرِفَت بإمارة الأدارسة في منطقة جازان ونجران أو ما يعرف في نطاق ضيِّق بمنطقة المِخْلاف السُّلَيْمَاني في ثلاثينيات القرن التاسع عشر الميلادي، ويُنْسَبُ الأدارسة إلى عالم فقيه من أهل فاس بالمغرب اسمه أحمد الإدريسي، وقد حاول محمد بن علي بن أحمد الإدريسي تقوية الإمارة، خاصَّة بعد أن أدرك أن كُلاًّ من الشريف حسين بن علي (شريف مكة) والإمام يحيى حميد الدين (إمام اليمن) قد عدَّ أرض الإمارة جزءًا من أراضيه، ولكي يحافظ السيد محمد بن علي الإدريسي على إمارته اتصل بعبد العزيز آل سعود، سلطان نجد وملحقاته، وطلب منه العون والدعم، خاصة أن سلطان نجد وملحقاته كان على عَلاقة سيئة مع شريف مكة وإمام اليمن، وهو وقتها حاكم منطقة عسير الداخلية ويهمه أمر المنطقة الإدريسية المجاورة لحدوده، فوجد الإدريسي الدعم من سلطان نجد وملحقاته، واستمرَّ مَنِيعَ الجانب حتى وفاته عام 1923م.

وقد اضطربت الإمارة الإدريسية بعد وفاة السيد محمد بن علي الإدريسي مما دعا الحسن بن علي الإدريسي إلى توقيع معاهدة مع الملك عبد العزيز عام 1345هـ/ 1926م، عُرِفَتْ باسم معاهدة الحماية الخاصَّة بالإمارة الإدريسية، تمَّ بموجَبها وضع ما بقي من إمارة الإدريسي تحت حماية الدولة السعودية الحديثة، فاحتفظ الملك عبد العزيز آل سعود بموجب تلك المعاهدة بالشئون الخارجية للمقاطعة الإدريسية، تاركًا الشئون الداخلية للحسن الإدريسي يَتَصرَّف في إدارتها المحلِّيَّة، ويُساعِده مندوب سعودي، لكن الإدريسي قرَّر استعادة نفوذه، وسَلْخَ مقاطعته عن المملكة العربية السعودية، وحاول الاستعانة باليمن، فأرسل الملك عبد العزيز آل سعود حملة عسكرية إلى صبيا، لم يستطع الحسن الإدريسي مقاومتها، فرحل مع أهله وأقاربه إلى اليمن.

وفي عام 1353هـ/ 1934م وَقَّعَت المملكة العربية السعودية والمملكة اليمنية في مدينة الطائف معاهدة أنهت الحرب بينهما. وفي سنة 1421هـ الموافق 12/6/2000م تمَّ توقيع معاهدة الحدود بين البلدين في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.


علاقات اليمن الخارجية

أما عن عَلاقات اليمن الخارجية الأخرى؛ فقد شارك اليمن مع وفود الدول العربية الأخرى في بحث القضية الفلسطينية في مؤتمر القاهرة عام 1358هـ/ 1939م، وفي بلودان بسوريا عام 1366هـ/ 1946م، ووقف اليمن إلى جانب أشقائه في الدفاع عن قضية العرب والمسلمين في قضية فلسطين، كما اشترك اليمن في مباحثات ومشاورات الوَحدة العربية التي بدأها مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر، وتَمَخَّض عن تلك المحادثات قيامُ جامعة الدول العربية عام 1365هـ/ 1945م، ودخل اليمن عضوًا في هيئة الأمم المتَّحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك عام 1367هـ/ 1947م، كما دخل اليمن في اتحاد فيدرالي مع مصر (الجمهورية العربية المتحدة آنذاك) عام 1958م.


الجمهورية اليمنية

وبالنسبة إلى حركة المعارضة اليمنية ضدّ حكم الإمام، فقد تمرَّدت بعض القبائل عام 1344هـ/ 1925م على حكم الإمام يحيى حميد الدين، وقد أُخمدت حركة التمرُّد هذه على يَدِ قوَّة عسكرية قادها عبد الله بن أحمد الوزير، وقامت حركة تمرُّدية أخرى ضدَّ الإمام الزيدي، كانت من قِبَلِ قبيلة الزرانيق عام 1348هـ، 1929م، وبَقِيَت الثورة مشتعلة عامين، تمكَّن بعدها سيف الإسلام أحمد بن الإمام يحيى حميد الدين من القضاء عليها بالقوَّة.

كما قامت حركة معارضة أخرى ضدَّ الإمام يحيى قادها محمد الدباغ في مدينة البيضاء عام 1359هـ/ 1940م، وقضى عليها هي الأخرى بالقوة العسكرية، ثم قامت ثورة أخرى ضد الإمام سنة 1368هـ/ 1948م اشترك فيها بعض أبناء الإمام يحيى، ومعهم عبد الله بن أحمد الوزير، ونجحت في الإطاحة بالإمام، إلاَّ أنَّ ابنه سيف الإسلام أحمد تمكَّن من القضاء على الثورة، وانتزع الحكم من الثوار بالقوة، وأصبح إمامًا على اليمن، وتُوُفِّيَ الإمام أحمد بن يحيى عام 1382هـ/ 1962م، وخلفه ابنه الإمام سيف الإسلام محمد البدر الذي لُقِّبَ بالمنصور بالله، ولكن حدث انقلاب عسكري ضدَّه بعد ثمانية أيام من توليه الإمامة، قامت به جماعة من الضباط بزعامة عبد الله السلال، وأعلن السلال ومجموعته نهاية حكم الإمامة الزيدية في اليمن وقيام الجمهورية اليمنية.


التدخل العسكري المصري

وهنا اسْتَنْجَدَ السلال بمصر، فأمدَّه الرئيس جمال عبد الناصر بقوات مصرية، ومعدَّات حربية، فوقع في اليمن صراع طويل ومرير بين أنصار الإمام أو مَنْ يُعرفون بأنصار المَلَكِيَّة اليمنية وأنصار الجمهورية، ودام الصراع مدَّة سبع سنوات، ولم ينتهِ إلا عام 1389هـ/ 1969م، وقد انسحبت القوات المصرية من اليمن عام 1387هـ/ 1967م بعد لقاء تمَّ بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية في مدينة الخرطوم في مؤتمر القمَّة العربي في أعقاب هزيمة عام 1387هـ/ 1967م في الحرب العربيَّة - الصهيونية.

وما إن تمَّ انسحاب القوات المصرية من اليمن حتى قامت حركة جديدة أطاحت بالسلال الذي لجأ إلى بغداد، وشكَّل الانقلابيون مجلسًا رئاسيًّا لإدارة البلاد برئاسة عبد الرحمن الإيرياني، وكان القتال قد استمرَّ في أجزاء من اليمن حتى عام 1389هـ/ 1969م، على الرغم من انسحاب القوات المصرية من البلاد اليمنية عام 1387هـ/ 1967م، وقد توقَّف القتال اليمني في أواخر عام 1389هـ/ 1969م، ثم خرج عبد الرحمن الإيرياني من اليمن في عام 1394هـ/ 1974م، وتسلَّم رئاسة الوزراء المقدّم إبراهيم الحمدي، وبعد مرور ثلاث سنوات تم اغتيال إبراهيم الحمدي وتسلَّم رئاسة الجمهورية رئيس الأركان العقيد أحمد الغشمي، وهو من رؤساء قبيلة هَمْدان. وبعد عام واحد، في عام 1398هـ/ 1978م اغْتِيل الغشمي، وتسلَّم علي عبد الله صالح رئاسة الدولة.


توحيد شطري اليمن

وقد جرت في اليمنَيْنِ (الشمال والجنوب) عدَّة محاولات لقيام وَحدة بينهما، تضمُّ اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وبفضل المساعي المشتركة بين الحكومتين اليمنيَّتين توحّد شطرا اليمن في 22 من مايو عام 1990م، وتسلَّم رئاسة الدولة رئيس اليمن الشمالي علي عبد الله صالح، وأصبح نائب الرئيس علي سالم البيض، ومرَّت على الوَحدة أربع سنوات، بدأت تظهر خلالها الصعوبات والمعوِّقات التي يحتاج حلُّها إلى صبر ورويَّة ونكران الذات خدمة للشعب اليمني، وقد تعمَّقت الخلافات إلى حدٍّ اندلعت فيه الحروب والمعارك بين الشطرين الموحَّدَيْنِ رغم تدخُّل بعض الدول العربية للمصالحة بينهما، وتَوَسُّط جامعة الدول العربية، وتَوْقِيعُ وثيقة العهد والاتفاق بين الرئيس علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض في مدينة عَمَّان بالأردن.

توسَّع مجال الخلاف بين الطرفين بعد أن أعلن اليمن الجنوبي انفصاله عن اليمن الشمالي مُستعيدًا اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ممَّا أتاح فرصة قيام تدخُّل دُولي، فأصدر مجلس الأمن الدُّولي في يوم الأربعاء في مطلع شهر يونيو عام 1994م قرارًا بوقف القتال الدائر فورًا، وقيام لجنة من هيئة الأمم لتَقَصِّي الحقائق، وفَرْضِ حصار على توريد الأسلحة للطرفين المتصارعين.

انتهت الحرب بهزيمة مجموعة علي سالم البيض، وإعادة توحيد الشطرين في دولة واحدة يرأسها علي عبد الله صالح، وعاصمتها صنعاء.

وفي إبريل 1997م، أُعِيدَ انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح لفترة رئاسية جديدة، وفي نوفمبر 2000م وافق البرلمان اليمني على تعديل الدستور بما يسمح للرئيس اليمني بمدِّ فترة رئاسته إلى سبع سنوات بدلاً من خمس، ويسمح له بحلِّ البرلمان، ومدِّ دورة البرلمان إلى ستِّ سنوات بدلاً من أربع.

وفي الاستفتاء الذي أُجْرِيَ في مارس 2001م وافق اليمنيُّون على التعديلات الدُّستوريَّة، وتمَّ في الشهر نفسه انتخابُ ممثلي المجالس المحلية والمحافظات، وفاز مرشَّحو حزب المؤتمر الشعبي بمعظم المقاعد، ويُذْكَرُ أن إجراء الانتخابات في هذه المجالس هي الأُولَى بعد توحيد الشطرين[45].

[1] انظر حسين بن علي الويسي: اليمن الكبرى ص19، وانظر في الأقوال التي قيلت في معنى اليمن: المسعودي: مروج الذهب 1/197.
[2] انظر موقع الجمهورية اليمنية.
[3] الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن 20/375.
[4] صفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم ص29.
[5] انظر: أحمد حسين شرف الدين: اليمن عبر التاريخ ص77، 83، 124، 130، وتاريخ العرب قبل الإسلام ص101-103، والمباركفوري: الرحيق المختوم ص29.
[6] انظر: المباركفوري: الرحيق المختوم ص30.
[7] وكان ذلك ردًّا على يوسف ذو نواس الحميري، آخر ملوك حمير في اليمن، الذي كان يَدِين باليهودية، والذي سار إلى أهل نجران سنة 523م، حين بلغه أنهم مُقبِلون على النصرانية فحفر لهم الأخاديد؛ فمَن رجع إلى اليهودية نجا ومَن أبى أحرقه، وهو صاحب الأخدود المذكور في القرآن الكريم. انظر: سبل الهدى والرشاد 1/214، ومروج الذهب 1/22.
[8] راجع: اليمن عبر التاريخ ص77-83، 124-130، 157-161 وغيرها، وتاريخ أرض القرآن 1/133 إلى نهاية الكتاب، وتاريخ العرب قبل الإسلام ص101-151، مع ملاحظة أن في تعيين السنين وتفصيل بعض الحوادث اختلافًا كبيرًا بين المصادر التاريخية، والمصادر المذكورة نقلاً عن: المباركفوري: الرحيق المختوم ص30، 31.
[9] انظر تفصيل ذلك في: عبد الرحمن عبد الواحد الشجاع: تاريخ اليمن في الإسلام في القرون الأربعة الهجرية الأولى ص49-56.
[10] يقصد بهم الإدارة الفارسية في اليمن.
[11] انظر السيرة النبوية لابن كثير 1/48، وتاريخ ابن خلدون 4/212.
[12] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 1/363، جوامع السيرة 1/23، سبل الهدى والرشاد 1/55.
[13] انظر: سيرة ابن هشام 5/9-21، وطبقات ابن سعد 1/357، والأموال لأبي عبيد ص244، 245،
[14] ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/246.
[15] انظر عبد الرحمن عبد الواحد شجاع: تاريخ اليمن في الإسلام ص68-71.
[16] انظر المصدر السابق ص72-75.
[17] في أمر هذه السرايا انظر: عبد الرحمن عبد الواحد شجاع: تاريخ اليمن في الإسلام ص77-80.
[18] قبلوا أن يُفْرَض عليهم شيءٌ من المال كل عام، عُرِفَ بمال الصلح، وقد اشترط عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم شروطًا أدرج ضمنها يهود نجران. انظر سيرة ابن هشام 5/9-21، وطبقات ابن سعد 1/357، والأموال لأبي عبيد ص244، 245.
[19] الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/224.
[20] السهيلي: الروض الأنف 7/445، 446.
[21] الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/224، وللاستزادة انظر العمد: حركة الأسود العنسي في صدر الإسلام ص126، وانظر تاريخ اليمن في الإسلام ص89، 90.
[22] في تفصيل مواجهة الردة وجهاد المرتدين في اليمن انظر محمد حسن بريغش: ظاهرة الردة في المجتمع الإسلامي الأول ص159، وعبد الرحمن عبد الواحد شجاع: تاريخ اليمن في الإسلام ص96-104.
[23] انظر حسين بن علي الويسي: اليمن الكبرى ص263، 264.
[24] انظر ابن منظور: المختصر 5/186.
[25] انظر ابن الديبع: قرة العيون بأخبار اليمن الميمون 1/88-91، وتاريخ اليمن في الإسلام ص123.
[26] انظر: تاج الدين عبد الباقي اليماني: بهجة الزمن في تاريخ اليمن ص21-23.
[27] المصدر السابق ص21، 22.
[28] انظر: الخزرجي: العسجد المسبوك ص28، وعبد الرحمن عبد الواحد شجاع: تاريخ اليمن في الإسلام ص133.
[29] انظر: تاج الدين اليماني: بهجة الزمن في تاريخ اليمن ص23، وأحمد وصفي زكريا: رحلتي إلى اليمن ص50، وحسين بن علي الويسي: اليمن الكبرى ص265، 266.
[30] انظر: بهجة الزمن ص24.
[31] المصدر السابق ص27، وحسين بن علي الويسي: اليمن الكبرى ص267.
[32] في هذه الدول انظر: إسماعيل أحمد ياغي، ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر ص79، وحسين بن علي الويسي: اليمن الكبرى ص269-273، والموسوعة العربية العالمية (تاريخ اليمن).
[33] انظر موقع الجمهورية اليمنية.
[34] إسماعيل أحمد ياغي، ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر ص79.
[35] انظر محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 7/103-106، وموقع الجمهورية اليمنية.
[36] انظر حسين بن علي الويسي: اليمن الكبرى ص287.
[37] في تاريخ الدولة الرسولية انظر موقع الجمهورية اليمنية، وانظر أيضًا: أحمد وصفي زكريا: رحلتي إلى اليمن ص55، 56.
[38] في الدولة الطاهرية انظر: أحمد وصفي زكريا: رحلتي إلى اليمن ص56، 57، ومحمود شاكر: التاريخ الإسلامي 7/109-111، وإسماعيل أحمد ياغي، ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر ص80.
[39] محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 7/112.
[40] إسماعيل أحمد ياغي، ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر ص80، ومحمود شاكر: التاريخ الإسلامي 7/111.
[41] انظر: تاريخ العرب الحديث، مجموعة من الأساتذة ص41، نقلاً عن الصلابي: الدولة العثمانية ص176.
[42] انظر الصلابي: الدولة العثمانية ص176.
[43] انظر تاريخ ابن خلدون 4/111، وحسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام4/205، وحسين بن علي الويسي: اليمن الكبرى وموقع الجمهورية اليمنية.
[44] محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 7/113، والموسوعة العربية العالمية (تاريخ اليمن).
[45] في حكم العثمانيين لليمن، واحتلال الإنجليز لعدن، وما تلا ذلك من أحداث حول تاريخ اليمن المعاصر انظر: إسماعيل أحمد ياغي، ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر ص81-88، والموسوعة العربية العالمية (تاريخ اليمن)، وموقع الجمهورية اليمنية.
قصة الإسلام


الساعة الآن 08:18 AM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى