منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   منتدى القصة القصيرة (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=63)
-   -   مخالب لا ترحم (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=31814)

سُهَادْ 23-07-2008 08:00 PM

مخالب لا ترحم
 
مخالب لا ترحم


أمسكت منيرة بيد متثاقلة كيس البطاطا الذي أحضره ابنها الأصغر هاني ذو التسع سنوات، من عند جارهم سليم بائع الخضار ،بدون دفع نقود في انتظار المرتب الحقير كالعادة..وأوصته بأن يعود بعد وقت قصير ولا يطيل البقاء في الشارع..
راحت تقشر البطاطا متذكرة زوجها الذي غادر المنزل هذا الصباح وليس في جيبه إلا خمسون دينارا..فكانت يدها تقشر ،وقلبها يذوب حسرة،ويحترق كيّا من هذا الواقع الذي تمادى في اللجاجة،وأجبرهم على التمادي في التلذذ بطعم الصبر المر،الصبر العلقم الذي أضحى لها ملازما وأنيسا..
ولم يقطع شرودها وتيهها إلا صوت ابنتها رقية..ذلك الصوت الموسيقي الناعم الجميل الذي يرقص على نغماته العذبة ،قلبها المحب الحنون:
-ماما..ماما ألم تعطي هاني حق المثلجات؟
-ليس لدي نقود أي بنية
-آه ماما
وانصرفت رقية إلى التلفزيون غير مبالية بتغير سحنة أمها التي سكتت سكوتا يشبه صمت الأموات،لأنها عاجزة عن تلبية طلب ابنتها.
وبعد دقائق ولج البيت أمير متناولا سيجارته كالعادة ،حاملا في يده جريدة رياضية، مزمجرا حاد اللهجة وهو ينادي أن عليّ بالقهوة...
أسرعت الفتاة في تحضير القهوة، بينما كانت رائحة البطاطا المقلية تنتشر في أركان المطبخ وتصل إلى أنف أمير الذي ما إن اشتمها حتى هرول مغاضبا "ونتوما ما تعرفو تديرو غير البطاطا؟"
وجهت الأم نظرة شزراء إلى ولدها علّها تفلح في إسكاته. ولكن دون جدوى "نهار كّل ونتي فالكوزينة على جالت الفريت؟ ياخي حالة ياخي"
ردت منيرة:"الناس ما لقاوش واش ياكلو"...وسكتت.
وعمّ صمت غريب فضاء المنزل الصغير للحظات، وما لبث أن دخل هاني وهو يسأل أخته إن كانت رسومه المتحركة المفضلة قد بدأت.

رجع أمير إلى حيث كان يشاهد التلفزيون حاملا فنجان القهوة ،مربتا على كتف أخيه الصغير، والأم في المطبخ مستعبرة لا أحد يدري عن حالها سوى رقية التي طلبت منها أن تمسح دمعتها من أجلها على الأقل
ثم وقفتا في البلكون تتأملان النجوم اللماعة والبدر المكتمل،والجبال الشامخة ولسان حال كل منهما يقول:"ليته يعود سريعا"
ليت محمد يعود سريعا قبل أن يطول انتظار ولده على المائدة،فيسمعهم كلماته البذيئة،ويقطع عنهم شهية الأكل،فأمير منذ تخلى عن دراسته في الصف السادس الابتدائي،والعصبية مزاجه الدائم،خاصة أن عمله كحارس مدرسة ابتدائية لايروقه،فهو يريد الوظائف الإدارية المرموقة التي لم يحصل عليها المتخرجون من الجامعات،وظروفه هذه جعلت منه إنسانا فظا حاد الطباع لايسلم من تصرفاته ولسانه صغير العائلة ولا كبيرها،يحب أن يكون له الآخرون خدما،ويكون أميرا كاسمه فيأمر وينهى دون أن يقف في وجهه أحد.
"ليت محمد يعود"
كانت منيرة تردد هذه الجملة في نفسها التي غرس فيها شيطان الفقر مخالبه،كانت نفسا بريئة نقية،متحسرة على أولاد لم تبتسم لهم الأيام المكفهرة
صاح أمير:
-إلى متى سننتظر العشاء؟إلى الغد؟
-وأردف هاني:
-ماما..أنا أيضا جائع
وراحت تمشي الهوينا حاملة تلك المائدة الصغيرة المستديرة وابنتها رقية من خلفها تحمل الصينية،ووجهها واجم ينتظر إطلالة أبيها ليسترجع إشراقه..
ياللناس!!
يظن الواحد أحيانا أن هناءه مرتبط برضى الآخرين وأن نفسه لتكتمل سعادتها الساخرة لابد لها من توقيع شخص آخر..من تأشيرة لها منه حتى ترتاح،وتحس بالأمن والاستقرار والأمان..بينما هذه الشخص لايخجل من إنشاب مخالبه الفتاكة فيها دون رحمة..!
انتظرت الأسرة مجيء محمد لساعة كاملة فلم يأت وازداد التوتر وصار للدقيقة ثقل السنة،وللانتظار طعم آخر..
وما إن رأت رقية احمرار وجه أمير واخضراره حتى سارعت للاتصال بأبيها من هاتف المنزل والاستفسار عن سبب تأخره ومكانه الآن،وكان هاني يلح على أمه للبدء،وهي تصر على لم شمل العائلة من جهة، ولأن البطاطا لن تكفي إلا إذا تناولتها الأسرة مجتمعة.
-ألو..بابا أين أنت؟
-الزحمة يا بنيتي أخرتني، لكني سأصل بعد خمس دقائق
دخل محمد البيت متغير الملامح، منتفخ الوجنتين، ليجد الوجوه قد أشرقت لوصوله، وفي اللحظة التي كان يفترض فيها أن يجلس للعشاء، هبّ في وجه ابنه صارخا:
-الرجل في مقام أبيك وتتشاجر معه؟ أهكذا ربيتك؟
-نخليه يطيّحلي قدري؟
-وهل إذا قال لك مازلت صغيرا يعني أنه أنقص من قدرك؟
-فليقل ذلك لشخص آخر، الكل يعرفون رجولتي وقدري
-وهل هذا يستدعي أن ترفع يدك في حضرته يا قليل الأدب؟
ومن كلمة إلى كلمة هبّ أمير من مكانه وقد قلب الصينية بما فيها وراح يحثّ الخطى إلى الشارع، متمتما بكلمات مبهمة، ومنيرة تلحق به وتنادي:
-على وجه ربي أمير..على وجه ربي
وهاني لا يكف عن البكاء، ورقية ممسكة بذراع أمها قائلة:
-ربي يعيشك ماما ما تقلقيش روحك..ماما تعيشي
-على وجه ربي أمير بْني
..أمير
..أمير
لكن هذه النداءات المحترقة المحبة كانت دون جدوى...
وأنّى لقلبه الذي أعماه الجهل أن يلبي النداء؟!!
توجّه الأب إلى البلكون بخطوات متثاقلة، والأم تمسك بذراعه وتحاول تهدئته:
-ليست المرة الأولى التي يبيت فيها خارج المنزل، سيعود في الصباح
نظر محمد نظرة دفء وأسى إلى زوجته، ثم راح يتأمل السماء وهو يقول:
"وما أدراك أنه سيعود؟"
أجابت منيرة:
"سيعود..لا تقلق"
ولملمت شتات نفسها ببارقة أمل عكّر صفوها صوت دفين، ما فتئ يقول لها:"ما أطول انتظار الصباح!!".

مع تحياتي:
أسماء ر.

Abdelbasset Kab 23-07-2008 09:41 PM

رد: مخالب لا ترحم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسماء@أسماء (المشاركة 210089)
مخالب لا ترحم


أمسكت منيرة بيد متثاقلة كيس البطاطا الذي أحضره ابنها الأصغر هاني ذو التسع سنوات، من عند جارهم سليم بائع الخضار ،بدون دفع نقود في انتظار المرتب الحقير كالعادة..وأوصته بأن يعود بعد وقت قصير ولا يطيل البقاء في الشارع..
راحت تقشر البطاطا متذكرة زوجها الذي غادر المنزل هذا الصباح وليس في جيبه إلا خمسون دينارا..فكانت يدها تقشر ،وقلبها يذوب حسرة،ويحترق كيّا من هذا الواقع الذي تمادى في اللجاجة،وأجبرهم على التمادي في التلذذ بطعم الصبر المر،الصبر العلقم الذي أضحى لها ملازما وأنيسا..
ولم يقطع شرودها وتيهها إلا صوت ابنتها رقية..ذلك الصوت الموسيقي الناعم الجميل الذي يرقص على نغماته العذبة ،قلبها المحب الحنون:
-ماما..ماما ألم تعطي هاني حق المثلجات؟
-ليس لدي نقود أي بنية
-آه ماما
وانصرفت رقية إلى التلفزيون غير مبالية بتغير سحنة أمها التي سكتت سكوتا يشبه صمت الأموات،لأنها عاجزة عن تلبية طلب ابنتها.
وبعد دقائق ولج البيت أمير متناولا سيجارته كالعادة ،حاملا في يده جريدة رياضية، مزمجرا حاد اللهجة وهو ينادي أن عليّ بالقهوة...
أسرعت الفتاة في تحضير القهوة، بينما كانت رائحة البطاطا المقلية تنتشر في أركان المطبخ وتصل إلى أنف أمير الذي ما إن اشتمها حتى هرول مغاضبا "ونتوما ما تعرفو تديرو غير البطاطا؟"
وجهت الأم نظرة شزراء إلى ولدها علّها تفلح في إسكاته. ولكن دون جدوى "نهار كّل ونتي فالكوزينة على جالت الفريت؟ ياخي حالة ياخي"
ردت منيرة:"الناس ما لقاوش واش ياكلو"...وسكتت.
وعمّ صمت غريب فضاء المنزل الصغير للحظات، وما لبث أن دخل هاني وهو يسأل أخته إن كانت رسومه المتحركة المفضلة قد بدأت.

رجع أمير إلى حيث كان يشاهد التلفزيون حاملا فنجان القهوة ،مربتا على كتف أخيه الصغير، والأم في المطبخ مستعبرة لا أحد يدري عن حالها سوى رقية التي طلبت منها أن تمسح دمعتها من أجلها على الأقل
ثم وقفتا في البلكون تتأملان النجوم اللماعة والبدر المكتمل،والجبال الشامخة ولسان حال كل منهما يقول:"ليته يعود سريعا"
ليت محمد يعود سريعا قبل أن يطول انتظار ولده على المائدة،فيسمعهم كلماته البذيئة،ويقطع عنهم شهية الأكل،فأمير منذ تخلى عن دراسته في الصف السادس الابتدائي،والعصبية مزاجه الدائم،خاصة أن عمله كحارس مدرسة ابتدائية لايروقه،فهو يريد الوظائف الإدارية المرموقة التي لم يحصل عليها المتخرجون من الجامعات،وظروفه هذه جعلت منه إنسانا فظا حاد الطباع لايسلم من تصرفاته ولسانه صغير العائلة ولا كبيرها،يحب أن يكون له الآخرون خدما،ويكون أميرا كاسمه فيأمر وينهى دون أن يقف في وجهه أحد.
"ليت محمد يعود"
كانت منيرة تردد هذه الجملة في نفسها التي غرس فيها شيطان الفقر مخالبه،كانت نفسا بريئة نقية،متحسرة على أولاد لم تبتسم لهم الأيام المكفهرة
صاح أمير:
-إلى متى سننتظر العشاء؟إلى الغد؟
-وأردف هاني:
-ماما..أنا أيضا جائع
وراحت تمشي الهوينا حاملة تلك المائدة الصغيرة المستديرة وابنتها رقية من خلفها تحمل الصينية،ووجهها واجم ينتظر إطلالة أبيها ليسترجع إشراقه..
ياللناس!!
يظن الواحد أحيانا أن هناءه مرتبط برضى الآخرين وأن نفسه لتكتمل سعادتها الساخرة لابد لها من توقيع شخص آخر..من تأشيرة لها منه حتى ترتاح،وتحس بالأمن والاستقرار والأمان..بينما هذه الشخص لايخجل من إنشاب مخالبه الفتاكة فيها دون رحمة..!
انتظرت الأسرة مجيء محمد لساعة كاملة فلم يأت وازداد وصار للدقيقة ثقل السنة،وللانتظار طعم آخر..
وما إن رأت رقية احمرار وجه أمير واخضراره حتى سارعت للاتصال بأبيها من هاتف المنزل والاستفسار عن سبب تأخره ومكانه الآن،وكان هاني يلح على أمه للبدء،وهي تصر على لم شمل العائلة من جهة، ولأن البطاطا لن تكفي إلا إذا تناولتها الأسرة مجتمعة.
-ألو..بابا أين أنت؟
-الزحمة يا بنيتي أخرتني، لكني سأصل بعد خمس دقائق
دخل محمد البيت متغير الملامح، منتفخ الوجنتين، ليجد الوجوه قد أشرقت لوصوله، وفي اللحظة التي كان يفترض فيها أن يجلس للعشاء، هبّ في وجه ابنه صارخا:
-الرجل في مقام أبيك وتتشاجر معه؟ أهكذا ربيتك؟
-نخليه يطيّحلي قدري؟
-وهل إذا قال لك مازلت صغيرا يعني أنه أنقص من قدرك؟
-فليقل ذلك لشخص آخر، الكل يعرفون رجولتي وقدري
-وهل هذا يستدعي أن ترفع يدك في حضرته يا قليل الأدب؟
ومن كلمة إلى كلمة هبّ أمير من مكانه وقد قلب الصينية بما فيها وراح يحثّ الخطى إلى الشارع، متمتما بكلمات مبهمة، ومنيرة تلحق به وتنادي:
-على وجه ربي أمير..على وجه ربي
وهاني لا يكف عن البكاء، ورقية ممسكة بذراع أمها قائلة:
-ربي يعيشك ماما ما تقلقيش روحك..ماما تعيشي
-على وجه ربي أمير بْني
..أمير
..أمير
لكن هذه النداءات المحترقة المحبة كانت دون جدوى...
وأنّى لقلبه الذي أعماه الجهل أن يلبي النداء؟!!
توجّه الأب إلى البلكون بخطوات متثاقلة، والأم تمسك بذراعه وتحاول تهدئته:
-ليست المرة الأولى التي يبيت فيها خارج المنزل، سيعود في الصباح
نظر محمد نظرة دفء وأسى إلى زوجته، ثم راح يتأمل السماء وهو يقول:
"وما أدراك أنه سيعود؟"
أجابت منيرة:
"سيعود..لا تقلق"
ولملمت شتات نفسها ببارقة أمل عكّر صفوها صوت دفين، ما فتئ يقول لها:"ما أطول انتظار الصباح!!".

مع تحياتي:
أسماء رمرام

أسلوب راق من راقية هي أسماء .لو جمعت كل ما قيل في المدح لن أوف المطلوب دمتي مميزة ولا تحرمينا من جديدك تحياتي

سُهَادْ 24-07-2008 05:56 AM

رد: مخالب لا ترحم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abbou32 (المشاركة 210194)
أسلوب راق من راقية هي أسماء .لو جمعت كل ما قيل في المدح لن أوف المطلوب دمتي مميزة ولا تحرمينا من جديدك تحياتي

جزيل الشكر لك أستاذ
وكل التقديرhttp://207.210.95.221/~echorouk/mont.../icons/fdf.gif
أتمنى أن أبقى عند حسن ظنك
تحية طيبة:)

nabil_faa1975 25-07-2008 06:26 PM

رد: مخالب لا ترحم
 
أخت أسماء لقد ذكّرتني شخصية أمير برجل أعرفه حق المعرفة ، لا يتوانى عن قول أو فعل سوء لأتفه الأسباب، أما رائحة الفريت فليته يدوم لأن العائلات الجزائرية ما عادت تستطيع المواصلة في زخم هذه الزيادات المسعورة

لقد استمتعت بقراءة هذه القصة المستوحاة من الواقع الجزائري، وكم هم كثر أشباه أمير ، شكرا وفي انتظار جديدك

تحياتي واحترامي

عايدة 25-07-2008 07:57 PM

رد: مخالب لا ترحم
 
إستمتعت كثيراً بقراءة قصتك أسماء


واصلي تألقك




خالص تقديري


بوبكر حداد 26-07-2008 09:23 PM

رد: مخالب لا ترحم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسماء@أسماء (المشاركة 210089)
مخالب لا ترحم


أمسكت منيرة بيد متثاقلة كيس البطاطا الذي أحضره ابنها الأصغر هاني ذو التسع سنوات، من عند جارهم سليم بائع الخضار ،بدون دفع نقود في انتظار المرتب الحقير كالعادة..وأوصته بأن يعود بعد وقت قصير ولا يطيل البقاء في الشارع..
راحت تقشر البطاطا متذكرة زوجها الذي غادر المنزل هذا الصباح وليس في جيبه إلا خمسون دينارا..فكانت يدها تقشر ،وقلبها يذوب حسرة،ويحترق كيّا من هذا الواقع الذي تمادى في اللجاجة،وأجبرهم على التمادي في التلذذ بطعم الصبر المر،الصبر العلقم الذي أضحى لها ملازما وأنيسا..
ولم يقطع شرودها وتيهها إلا صوت ابنتها رقية..ذلك الصوت الموسيقي الناعم الجميل الذي يرقص على نغماته العذبة ،قلبها المحب الحنون:
-ماما..ماما ألم تعطي هاني حق المثلجات؟
-ليس لدي نقود أي بنية
-آه ماما
وانصرفت رقية إلى التلفزيون غير مبالية بتغير سحنة أمها التي سكتت سكوتا يشبه صمت الأموات،لأنها عاجزة عن تلبية طلب ابنتها.
وبعد دقائق ولج البيت أمير متناولا سيجارته كالعادة ،حاملا في يده جريدة رياضية، مزمجرا حاد اللهجة وهو ينادي أن عليّ بالقهوة...
أسرعت الفتاة في تحضير القهوة، بينما كانت رائحة البطاطا المقلية تنتشر في أركان المطبخ وتصل إلى أنف أمير الذي ما إن اشتمها حتى هرول مغاضبا "ونتوما ما تعرفو تديرو غير البطاطا؟"
وجهت الأم نظرة شزراء إلى ولدها علّها تفلح في إسكاته. ولكن دون جدوى "نهار كّل ونتي فالكوزينة على جالت الفريت؟ ياخي حالة ياخي"
ردت منيرة:"الناس ما لقاوش واش ياكلو"...وسكتت.
وعمّ صمت غريب فضاء المنزل الصغير للحظات، وما لبث أن دخل هاني وهو يسأل أخته إن كانت رسومه المتحركة المفضلة قد بدأت.

رجع أمير إلى حيث كان يشاهد التلفزيون حاملا فنجان القهوة ،مربتا على كتف أخيه الصغير، والأم في المطبخ مستعبرة لا أحد يدري عن حالها سوى رقية التي طلبت منها أن تمسح دمعتها من أجلها على الأقل
ثم وقفتا في البلكون تتأملان النجوم اللماعة والبدر المكتمل،والجبال الشامخة ولسان حال كل منهما يقول:"ليته يعود سريعا"
ليت محمد يعود سريعا قبل أن يطول انتظار ولده على المائدة،فيسمعهم كلماته البذيئة،ويقطع عنهم شهية الأكل،فأمير منذ تخلى عن دراسته في الصف السادس الابتدائي،والعصبية مزاجه الدائم،خاصة أن عمله كحارس مدرسة ابتدائية لايروقه،فهو يريد الوظائف الإدارية المرموقة التي لم يحصل عليها المتخرجون من الجامعات،وظروفه هذه جعلت منه إنسانا فظا حاد الطباع لايسلم من تصرفاته ولسانه صغير العائلة ولا كبيرها،يحب أن يكون له الآخرون خدما،ويكون أميرا كاسمه فيأمر وينهى دون أن يقف في وجهه أحد.
"ليت محمد يعود"
كانت منيرة تردد هذه الجملة في نفسها التي غرس فيها شيطان الفقر مخالبه،كانت نفسا بريئة نقية،متحسرة على أولاد لم تبتسم لهم الأيام المكفهرة
صاح أمير:
-إلى متى سننتظر العشاء؟إلى الغد؟
-وأردف هاني:
-ماما..أنا أيضا جائع
وراحت تمشي الهوينا حاملة تلك المائدة الصغيرة المستديرة وابنتها رقية من خلفها تحمل الصينية،ووجهها واجم ينتظر إطلالة أبيها ليسترجع إشراقه..
ياللناس!!
يظن الواحد أحيانا أن هناءه مرتبط برضى الآخرين وأن نفسه لتكتمل سعادتها الساخرة لابد لها من توقيع شخص آخر..من تأشيرة لها منه حتى ترتاح،وتحس بالأمن والاستقرار والأمان..بينما هذه الشخص لايخجل من إنشاب مخالبه الفتاكة فيها دون رحمة..!
انتظرت الأسرة مجيء محمد لساعة كاملة فلم يأت وازداد وصار للدقيقة ثقل السنة،وللانتظار طعم آخر..
وما إن رأت رقية احمرار وجه أمير واخضراره حتى سارعت للاتصال بأبيها من هاتف المنزل والاستفسار عن سبب تأخره ومكانه الآن،وكان هاني يلح على أمه للبدء،وهي تصر على لم شمل العائلة من جهة، ولأن البطاطا لن تكفي إلا إذا تناولتها الأسرة مجتمعة.
-ألو..بابا أين أنت؟
-الزحمة يا بنيتي أخرتني، لكني سأصل بعد خمس دقائق
دخل محمد البيت متغير الملامح، منتفخ الوجنتين، ليجد الوجوه قد أشرقت لوصوله، وفي اللحظة التي كان يفترض فيها أن يجلس للعشاء، هبّ في وجه ابنه صارخا:
-الرجل في مقام أبيك وتتشاجر معه؟ أهكذا ربيتك؟
-نخليه يطيّحلي قدري؟
-وهل إذا قال لك مازلت صغيرا يعني أنه أنقص من قدرك؟
-فليقل ذلك لشخص آخر، الكل يعرفون رجولتي وقدري
-وهل هذا يستدعي أن ترفع يدك في حضرته يا قليل الأدب؟
ومن كلمة إلى كلمة هبّ أمير من مكانه وقد قلب الصينية بما فيها وراح يحثّ الخطى إلى الشارع، متمتما بكلمات مبهمة، ومنيرة تلحق به وتنادي:
-على وجه ربي أمير..على وجه ربي
وهاني لا يكف عن البكاء، ورقية ممسكة بذراع أمها قائلة:
-ربي يعيشك ماما ما تقلقيش روحك..ماما تعيشي
-على وجه ربي أمير بْني
..أمير
..أمير
لكن هذه النداءات المحترقة المحبة كانت دون جدوى...
وأنّى لقلبه الذي أعماه الجهل أن يلبي النداء؟!!
توجّه الأب إلى البلكون بخطوات متثاقلة، والأم تمسك بذراعه وتحاول تهدئته:
-ليست المرة الأولى التي يبيت فيها خارج المنزل، سيعود في الصباح
نظر محمد نظرة دفء وأسى إلى زوجته، ثم راح يتأمل السماء وهو يقول:
"وما أدراك أنه سيعود؟"
أجابت منيرة:
"سيعود..لا تقلق"
ولملمت شتات نفسها ببارقة أمل عكّر صفوها صوت دفين، ما فتئ يقول لها:"ما أطول انتظار الصباح!!".

مع تحياتي:
أسماء ر.

أسماء تحية تقدير على المجهود ....و بعد اذنك سأعود ثانية لأقرأها و تقبلي مروري و تقديري

سُهَادْ 27-07-2008 05:43 AM

رد: مخالب لا ترحم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو بسمة أمل (المشاركة 212770)
أسماء تحية تقدير على المجهود ....و بعد اذنك سأعود ثانية لأقرأها و تقبلي مروري و تقديري

يشرفني أن تقرأ لي
اشكرك كثيراhttp://207.210.95.221/~echorouk/mont...ons/icon11.gif

سُهَادْ 27-07-2008 05:47 AM

رد: مخالب لا ترحم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عايدة (المشاركة 211881)
إستمتعت كثيراً بقراءة قصتك أسماء



واصلي تألقك




خالص تقديري

تشرفت بمرورك
تحياتي

سُهَادْ 27-07-2008 05:49 AM

رد: مخالب لا ترحم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nabil_faa1975 (المشاركة 211800)
أخت أسماء لقد ذكّرتني شخصية أمير برجل أعرفه حق المعرفة ، لا يتوانى عن قول أو فعل سوء لأتفه الأسباب، أما رائحة الفريت فليته يدوم لأن العائلات الجزائرية ما عادت تستطيع المواصلة في زخم هذه الزيادات المسعورة

لقد استمتعت بقراءة هذه القصة المستوحاة من الواقع الجزائري، وكم هم كثر أشباه أمير ، شكرا وفي انتظار جديدك

تحياتي واحترامي

هم كثر كما قلت أخي
تحية احترام
شكرا

غمارى احمد 27-07-2008 04:15 PM

رد: مخالب لا ترحم
 
السلام عليكم
صورت جحيم الكثير من العائلات الجزائرية التي تعاني الفقر في أبشع صوره لا تجوعوا الناس حتى تكفروهم
النهاية كانت مفتوحة على جميع الإحتمالات خرج وهل يعود؟الأدمان الإنتحار ؟في الوقت الدى نحن بحاجة للتضامن و التأزر هناك الكثير من العائلات التي لا تجد حتى
البطاطا بل تقتات من المزابل ..إبن الثوار أصبح جزائريا مسكينا الكثيرون من يشدهم الحياء لطلب الصدقة جاءنا أحدهم ليس لطلب النقود لكن طلب منا أن نشتري له الخبز .............؟شده حياؤه على طلب النقود حتى لانشك في أمره الحمد للله أننا مازلنا ندفن بعضنا البعض في الكثير من الدول أصبح إكرام الميت بالدراهم
لك مني أسمى تحية أختاه


الساعة الآن 03:01 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى