منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   قسم المذكرات والأبحاث القانونية (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=66497)

الاسلامية 09-02-2009 05:58 PM

الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية
 
































[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/ami/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG]الشرق الأوسط الكبير
بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية











[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/ami/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image002.gif[/IMG]





البريد الالكتروني: [email protected] E-mail :
موقع اتحاد الكتّاب العرب على شبكة الإنترنت
qq



د. غازي حسين










الشرق الأوسط الكبير
بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية

- دراسة -










منشورات اتحاد الكتاب العرب
[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/ami/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image003.gif[/IMG]دمشق - 2005









الباب الأول:

الشرق الأوسط الكبير فكرة صهيونية تبنّتها الولايات المتحدة الأمريكية.




الفصل الأول: بروز مصطلح الشرق الأوسط.
الفصل الثاني: التخطيط الإسرائيلي للمنطقة.
الفصل الثالث: التعاون الإقليمي في مجال المياه والسياحة.
الفصل الرابع: المساعي الأمريكية لإقامة النظام الشرق أوسطي.
الفصل الخامس: بيرس والنظام الشرق أوسطي.
الفصل السادس: مخاطر الشرق أوسطية.
الفصل السابع: مخاطر القمم والمؤتمرات الاقتصادية.
الفصل الثامن: مخاطر التطبيع.





مقدمة:

يهدف نظام الشرق الأوسط المطروح إعادة صياغة المنطقة جغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحضارياً، وإقامة ترتيبات أمنية وسوق مشتركة إقليمية لخدمة الأهداف والمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة.
جرى ويجري رسم الخريطة الجديدة للمنطقة في مراكز البحث العلمي الصهيونية في "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية. وتبنّاها الرئيس الأمريكي بوش ووزير خارجيته الجنرال كولن باول وأعلنا عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط.
فالمشروع أو النظام الشرق أوسطي يجري تصميمه في خارج المنطقة وسيفرض من خارجها وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق لإعادة صياغة الوطن العربي والمنطقة انطلاقاً من ميزان القوى والواقع الجديد وحسب أسس جديدة تخدم المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة وفي العالم.
ومن المؤلم حقاً أن الواقع القائم بأبعاده العربية والإقليمية والدولية ربّما يشكل حالياً فرصة ملائمة لرسم الخريطة الجديدة والأسوأ من خريطة سايكس ـ بيكو إذا تمّ إنقاذ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من مأزقيهما في العراق وفلسطين.
ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن حل أزماتها الاقتصادية ونجاحها في أمركة العالم، وصراعها الاقتصادي مع أوروبا واليابان، والقضاء على المقاومتين العراقية والفلسطينية، يتطلب إقامة النظام الإقليمي الجديد امتداداً لمصالحها وضماناً لمخططاتها والسيطرة المُطلقة على النفط ومنابعه وممراته وأسواقه وأسعاره لإعادة النمو والتطوّر للاقتصاد الأمريكي.
شاهدت في محطة الجزيرة الرئيس الأمريكي بوش يقول حرفياً: (ازدهار العراق يؤدي إلى ازدهار أمريكا) ممَّا يدلّ دلالة واضحة على أهمية احتلال العراق ونهب ثرواته باسم إعادة الإعمار لحل أزمة الاقتصاد الأمريكي.
إن الخريطة الجديدة للمنطقة لا تقتصر على البعد الاقتصادي فقط وإنما تمتد لتشمل السيطرة على الوطن العربي عن طريق القواعد العسكرية الأمريكية وتنصيب الدمى والكرازيات في بلدان المنطقة والتحكم بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتّى التحكّم بالمناهج والكتب الدراسية وكتب الدين الإسلامي للمراحل الابتدائية والثانوية والجامعية.
إن التحليل الدقيق للنظام الإقليمي الشرق أوسطي المطروح يبيّن بجلاء الدور الـ"إسرائيل"ي فيه، والمصالح الكبرى التي تجنيها "إسرائيل" منه لحل جميع أزماتها المستعصية الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية.
إن الصراع على ثروات وهوية المنطقة وطابعها العربي الإسلامي والمخططات الأمريكية والصهيونية هي حجر الزاوية وجوهر صياغة النظام الإقليمي الجديد في المنطقة.
عبّر الرئيس الراحل حافظ الأسد عن طبيعة النظام المطروح قائلاً: ((موضوع الشرق أوسطية ليس موضوعاً اقتصادياً، بل إنه موضوع اقتصادي وسياسي))، وحدّد هدفه الأساسي بقوله: ((هو شطب شيء اسمه العرب، شطب شيء اسمه العروبة، شطب المشاعر العربية، شطب الهوية القومية)). ويهدف النظام المقترح إلى كسر الإرادات وتمزيق البلدان العربية واحتلال البعض منها وابتزاز البعض الآخر لفرض التسوية الإسرائيلية وإقامة "إسرائيل" العظمى من النيل إلى الفرات وإعادة صياغة المنطقة وتركيبها جغرافياً وبشرياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وفق المخططات والمصالح الأمريكية والصهيونية ولمحاربة العرب والمسلمين.
عندما بدأ دهاقنة الاستعمار الأوروبي يضعون الخطط لتقاسم مناطق النفوذ في آسيا وإفريقيا خططوا لتفكيك هذه البلدان وإعادة تركيبها جغرافياً لإضعافها وتسهيل السيطرة عليها. وأوجدت دول أوروبا الاستعمارية مصطلحات الشرق الأدنى والشرق الأوسط والشرق الأقصى، وذلك انطلاقاً من قرب أو بعد هذه المناطق عن أوروبا فأطلقوا على المناطق البعيدة عن أوروبا والممتدة من الهند غرباً بالشرق الأقصى، وعلى المناطق القريبة من شرق البحر المتوسط "الشرق الأدنى" وأصبحت المنطقة التي تتوسط الشرقَين الأقصى والأدنى تعرف بمنطقة الشرق الأوسط، ولكنهم اختلفوا حول تعيين حدودها.
الشرق الأدنى: ويشمل البلدان الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط ومنها تركيا وسوريا وفلسطين ولبنان والأردن ومصر وجزيرة قبرص. ظهر هذا المصطلح في منتصف القرن التاسع عشر (1850) جراء ضعف الإمبراطورية العثمانية وتصاعد التنافس الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا على مناطقها.
الشرق الأقصى: بدأ هذا المصطلح بالظهور في منتصف القرن الثامن عشر أي منذ عام (1751) عندما حوّلت بريطانيا الهند كمركز لها للعبور إلى بقية البلدان الأخرى. ويشمل هذا المصطلح شرق آسيا ما عدا كوريا واليابان وبعض الأجزاء من الصين ويشمل: الهند والبلدان المنتشرة في المحيط الهادي، ومناطق واسعة تطل على المحيطين الهندي والهادي...
الشرق الأوسط: برز هذا المصطلح مع ظهور الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة ويشمل منطقة تشكل امتداداً للشرقين الأدنى والأقصى، وهي أغنى المناطق في العالم بالنفط والمعادن، وتتمتع بمركز استراتيجي هام بين القارات الثلاث أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتشمل بلدان شبه الجزيرة العربية والعراق وإيران وأفغانستان وعرفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1989 بأنه المنطقة الممتدة من ليبيا غرباً إلى إيران شرقاً، ومن سورية شمالاً إلى اليمن جنوباً. وعرفه آخرون بأنه يضم جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية وإيران. ويضم إليه المتخصصون في الولايات المتحدة الحبشة وباكستان وأفغانستان والدول الإسلامية المستقلة حديثاً في آسيا الوسطى.
ويؤكد الباحثون العرب أن المصطلح سياسي النشأة والاستعمال ولا ينبع من سمات المنطقة السياسية أو الثقافية أو الحضارية أو الديمغرافية، ويمزق الوطن العربي بضمه دولاً غير عربية. ويقوم التصوّر الغربي للشرق الأوسط على افتراض أن المنطقة ما هي إلا عناصر عرقية مركّبة تتألف من خليط من الطوائف والشعوب والقوميات، وأن الأهداف التي يرمي إليها التصوّر الأمريكي والأوروبي والصهيوني يقوم على رفض مفهوم القومية العربية والوحدة العربية وإضفاء الشرعية على الكيان الصهيوني.
ولم تستقر بعد البلدان التي يشملها الشرق الأوسط، إذ يعمل الاستراتيجيون في الدول الإمبريالية على توسيعه ليضم ويشمل البلدان العربية، (باستثناء السودان والصومال)، والباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى، وبدأ مصطلح الشرق الأدنى بالاختفاء تدريجياً لصالح مصطلح الشرق الأوسط.





الفصل الأول:

بروز مصطلح الشرق الأوسط:




نظراً لأهمية فلسطين التاريخية والدينية وموقعها الاستراتيجي بين آسيا وإفريقيا، بين بلدان المشرق والمغرب العربي قرّر الاستعمار البريطاني إقامة "إسرائيل" في فلسطين، قلب الوطن العربي كنقطة ارتكاز وانطلاق للتحكّم بالمنطقة العربية وثرواتها وإراداتها، وإسفين لفصل البلدان العربية الآسيوية عن البلدان الإفريقية.
كتب تيودور هرتسل، مؤسس الصهيونية (كحركة سياسية عالمية منظمة) عام 1897 في يومياته، يقول: "يجب قيام كومنولث شرق أوسطي، يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل، ودور اقتصادي قائد، وتكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية([1])".
وأبرز ضابط البحرية البريطانية الفرد ماهان مصطلح الشرق الأوسط في مقال كتبه في الأول من أيلول عام 1902 في لندن، ثمَّ استخدمه فالنتاين شيرول مراسل التايمز اللندنية في تشرين الأول عام 1902 و1903 في سلسلة من المقالات تحت عنوان "المسألة الشرق أوسطية"، ثمَّ أصدرها في كتاب عام 1903.
صدر في عام 1907 في لندن تقرير كامبل بنرمان وزير المستعمرات آنذاك، الذي وضعه في مؤتمر عقدته مجموعة من علماء التاريخ والسياسة والاقتصاد، بمشاركة عدد من السياسيين الأوروبيين وتناول الوضع في المنطقة العربية، جاء فيه:
(يكمن الخطر على الغرب في البحر المتوسط، لكونه همزة وصل بين الشرق والغرب. ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد، تتوافر له وحدة التاريخ واللغة والجغرافية وكل مقوّمات التجمع والترابط، وذلك فضلاً عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية الكبيرة)([2]).
ويتساءل التقرير عن مصير المنطقة، إذا انتشر فيها التعليم والثقافة. ويجيب بأنه إذا حدث ذلك، فسوف تحل الضربة القاضية بالإمبراطوريات القائمة.
ووضع المؤتمر الاستعماري المذكور المخططات والوسائل الكفيلة لإضعاف الوطن العربي وتسهيل السيطرة عليه وعلى شطآنه واحتواء إراداته وطاقاته وثرواته ومنع تطوره وتقدمه ووحدته.
وحدد الوسائل والأساليب للوصول إلى ذلك بما يلي:
أولاً: إقامة حاجز بشري غريب وقوي مانع، يفصل بلدان المشرق عن بلدان المغرب العربي، وإقامة قوة قريبة من قناة السويس، عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية.
ثانياً: العمل على تجزئة الوطن العربي إلى دول وكيانات متعددة.
يهدف التقرير إلى إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، والسيطرة على الموقع الجيواستراتيجي الهام للوطن العربي وعلى قناة السويس، ونهب ثرواته الطبيعية والحيلولة دون تطوره ودون تحقيق الوحدة العربية.
وقد بدأت الصهيونية تعمّم هذا المصطلح ـ مصطلح الشرق الأوسط ـ بديلاً للوطن الواحد والشعب الواحد والأمة الواحدة، نظراً لأنه ملتقى القارات الثلاث ويُشرف على أهم الممرات المائية كقناة السويس، ومضيق باب المندب، والخليج، وخليج العقبة ومضيق هرمز، ويختزن أكثر من ثلثي احتياطي النفط العالمي. وتخشى الصهيونية والاستعمار من إقامة دولة اتحادية عربية قوية وغنية ومسلحة بالثروة النفطية والقومية العربية والعقيدة الإسلامية.
احتلت المنطقة مكانة هامة في التنافس الاستعماري بين دول أوروبا الاستعمارية وبالتحديد بين بريطانيا وفرنسا من أجل السيطرة على الهند (المسماة بدرِّة التاج البريطاني). وجاءت حملة نابليون على الشرق في هذا الاتجاه، ولكنه فشل أمام أسوار عكا فعاد إلى فرنسا.
ظهر في لندن عام 1909 كتاب بعنوان: مشاكل الشرق الأوسط لمؤلفه هاملتون وضّح فيه أهمية المنطقة لأوروبا والعالم، وطالب بضرورة السيطرة عليها. وأعلن الحاكم البريطاني على الهند اللورد كيرزون عام 1911 إدارة خاصة للشرق الأوسط، وكلّفها بالإشراف على شؤون فلسطين وشرق الأردن والعراق.
واقترح الإرهابي فلاديمير جابوتنسكي عام 1922 مشروعاً لإقامة سوق شرق أوسطية. وحدّدت الحركة الصهيونية عام 1942 أهدافها التوسعية وسيطرتها الاقتصادية على الوطن العربي في مؤتمر بلتمور الصهيوني، الذي يعتبر أهم مؤتمر صهيوني بعد المؤتمر التأسيسي في بازل على الشكل التالي: (إقامة قيادة يهودية للشرق الأوسط بأكمله في ميداني التنمية والسيطرة الاقتصادية) ووضع الصهاينة دراسات ومذكرات حول "الشرق الأوسط" في عامي 1941 و1942، وأنجزوا مشروعاً صهيونياً للشرق الأوسط لمواجهة الكتاب الأبيض لحكومة الانتداب البريطاني في فلسطين ويتضمن المشروع العمل على قيام تعاون سياسي واقتصادي يمنع التصادم بين العرب واليهود، ويدمج فلسطين وبقية بلدان المشرق العربي.
غرس يهود بريطانيا والولايات المتحدة فكرة الشرق أوسطية في صلب السياستين الأمريكية والبريطانية خلال الحرب العالمية الثانية.
وقد طُرحت فكرة التعاون الاقتصادي بين بلدان منطقة الشرق الأوسط لأول مرّة في 18 تشرين الثاني 1943، وذلك في اجتماع عُقد بين ممثلين عن وزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية في لندن، بمقر وزارة الخارجية البريطانية للتباحث في تسوية وضع الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لضمان مصالح البلدين في المنطقة والهيمنة عليها.
أعد اليهودي ـ الأمريكي د. ارنست بيرجمان "أحد تلامذة حاييم وايزمان، زعيم المنظمة الصهيونية العالمية"، مذكرة قدَّمها للاجتماع، ويمثّل فيها تهويد فلسطين جوهر الخطة الأمريكية والقائمة على هجرة اليهود إلى فلسطين العربية وإقامة "إسرائيل" فيها، وتحويلها إلى قاعدة صناعية متطورة لتكون حجر الزاوية في المشاريع والمخططات المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
ظهرت "الشرق أوسطية" كفكرة "إسرائيلية" لأول مرة في وثيقة أصدرها "اتحاد إيهود" بتاريخ 28/3/1948 وتضمنّت "التصاق فلسطين في اتحاد شرق أوسطي واسع"، ووقعها عن اللجنة التنفيذية للاتحاد المذكور: يهودا ماغنس، مارتن بوبر، ديفيد سيناتور، جيرت ويليلم وإيزل مولهو([3]).
وضعت الصهيونية وبريطانيا مخططاً لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين العربية من خلال:
أولاً: تهجير اليهود إلى فلسطين واستيطانهم فيها وترحيل العرب عنها وتوطينهم في البلدان العربية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني عن طريق المجازر الجماعية والحروب العدوانية وبناء المستعمرات اليهودية.
ثانياً: الانطلاق من الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والاحتلال والاستعمار الاستيطاني والمفاوضات لفرض اتفاقات إذعان على بعض الأطراف العربية.
وولَّد تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية، تحدياً مصيرياً للعرب والمسلمين كافة، وأحدث انقطاعاً في التواصل الجغرافي العربي واستنزافاً في الموارد الاقتصادية للبلدان العربية، وأصبح الكيان الصهيوني أداة عسكرية في يد الدول الاستعمارية للحيلولة دون وحدة العرب وتطورهم ولإذلالهم وإخضاعهم والسيطرة عليهم وعلى ثرواتهم.
اقترح بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني على الرئيس الأمريكي إيزنهاور بتاريخ 24/7/1958 في رسالة وجهها إليه "إقامة سد منيع ضد المد الناصري" (أي التيار القومي) وللوقوف أمام التوسع السوفييتي من "إسرائيل" وتركيا وإيران([4]).
فشلت جميع المساعي الأمريكية والبريطانية في فترة الخمسينيات في إخضاع البلدان العربية للهيمنة الإمبريالية، ففشل حلف السنتو، وحلف بغداد، ومشروع جونسون للتعاون المائي بين الأردن و"إسرائيل"، ومشاريع التوطين، ومبدأ إيزنهاور، نظرية الفراغ للحلول محل فرنسا وبريطانيا في المنطقة.
إن مفهوم العروبة، والأمة العربية، والدولة العربية الواحدة أقدم بكثير من مفهوم الشرق أوسطية. وتعود جذوره إلى أعماق التاريخ في المنطقة.
***



الفصل الثاني:

التخطيط "الإسرائيلي" للشرق الأوسط




خططت "إسرائيل" والولايات المتحدة لحرب حزيران العدوانية عام
1967، ولأهدافها السياسية والاقتصادية وحاولت الولايات المتحدة دون معاقبة العدو على حربه العدوانية وإجباره على دفع التعويضات طبقاً لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي.

بدأت المخططات الإسرائيلية لمستقبل الوطن العربي بالظهور بعد الحرب العدوانية مباشرة، وبعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وتمسك العدو الـ"إسرائيل"ي بالأراضي العربية المحتلة لإجبار العرب على القبول بمخططاته السياسية والاقتصادية.
نظّمتْ "إسرائيل" عقد المؤتمرات الثلاث للمليونيرية اليهود في أعوام 1967 و1968 و1969 لإحكام سيطرتها الاقتصادية على المناطق العربية المحتلة واستغلالها.
وأنشأ المليونير اليهودي روتشيلد معهداً بالقرب من جنيف أطلق عليه اسم "معهد من أجل السلام في الشرق الأوسط" لدراسة احتمالات التعاون الاقتصادي في المنطقة بعد تسوية الصراع والبحث عن وسائل لإقامة علاقات تجارية بين "إسرائيل" والبلدان العربية.
وتأسّست في الكيان الصهيوني عام 1968 جمعية للسلام في الشرق الأوسط، مهمّتها وضع الخطط والبرامج والمشاريع لفرض هيمنة "إسرائيل" الاقتصادية على البلدان العربية.
خطّطت الجمعية الإسرائيلية لإقامة سوق شرق أوسطية على غرار السوق الأوروبية المشتركة وبالتنسيق والتعاون معها، وتتألّف من عدّة سلطات أهمها:
ـ سلطة نفط الشرق الأوسط.
ـ سلطة التنمية السياحية.
ـ سلطة المياه والري.
ـ سلطة الزراعة والصناعة.
ـ سلطة تعمير الصحاري.
وحدّدت الجمعية الإسرائيلية بعض السمات الأساسية التي يجب أن تبرز في تطور اقتصاد المنطقة فخصّصت كل بلد من بلدان المشرق العربي بالصناعات التي تراها الجمعية، وتنبأت للسياحة بأن تكون من أهم صناعات الشرق الأوسط، بسبب تقارب سكان المنطقة وسرعة المواصلات وزيادة الدخل.
طرح حزب العمل الإسرائيلي في نهاية الستينات إقامة اتحاد "إسرائيلي" ـ فلسطيني أردني على غرار اتحاد بنيلوكس، بين بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وتبنى ياسر عرفات طروحات حزب العمل حول الاتحاد الثلاثي وأوهام مشروع مارشال.
ووضع جاد يعقوبي، وزير المواصلات في حكومة الجنرال اسحق رابين عام 1975م مخططاً سرياً للتعاون الإقليمي في مجال المواصلات بين "إسرائيل" والأردن ومصر، وقدمه للجنرال رابين وجرى بحثه ضمن هيئات حكومية "إسرائيلية"، ويشير جاد يعقوبي في مخططه إلى أن التعاون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط في مجال المواصلات هو أمر ضروري للطرفين، ويتضمن المخطط آنذاك التعاون بين مطاري إيلات والعقبة وإقامة مطار جديد مشترك في مرحلة لاحقة في الأردن، "لإسرائيل" والأردن ويكون استمراراً للمطار الأردني الحالي، وإقامة محطة مشتركة وبرج مراقبة واحد.
وتضمن مشروع يعقوبي ربط الأردن بميناء حيفا بواسطة سكة حديد قطار الغور، وإيجاد اتصال بري بين الأردن وميناء أسدود، وتطوير شبكة خطوط حديدية بين "إسرائيل" والدول العربية المجاورة، وتحويل "إسرائيل" في نطاق التعاون الإقليمي إلى جسر بري بين مصر ولبنان.
وتضمن المشروع أيضاً تطويراً إسرائيلياً أردنياً مشتركاً لإيلات والعقبة في المجال السياحي، وبحرية انتقال السيّاح بين إيلات والعقبة([5]).
ووضع يعقوب ميريدور، وزير الاقتصاد في حكومة مناحيم بيغن بعد شهر واحد من زيارة السادات للقدس عام 1977، مشروعاً للتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط وتوطين الفلسطينيين في البلدان العربية.
واشتمل المشروع على تأسيس صندوق مالي قوامه (30) مليار دولار لعشر سنوات من دول النفط العربية وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتستفيد منه فقط الدول التي توقّع على اتفاقات سلام مع "إسرائيل"، بينما تحصل "إسرائيل" على حصّة الأسد من الصندوق.
تبنّت بعض الأوساط الأمريكية مشروع ميريدور، وتقدّم فرانك شريش، عضو مجلس الشيوخ باقتراح إلى مجلس العلاقات الخارجية والأمن في الكونغرس طالب فيه رئيس الولايات المتحدة بلورة مشروع (مارشال جديد للشرق الأوسط) يؤدي إلى تعاون اقتصادي كامل في الشرق الأوسط مع الذين يعقدون اتفاقات سلام مع "إسرائيل".
اقترح شمعون بيرس خلال زيارته للولايات المتحدة في بداية نيسان 1986م اعتماد مشروع مارشال للشرق الأوسط لتأمين الاستقرار في المنطقة حسب التخطيط والمصالح الـ"إسرائيل"ية على غرار مشروع مارشال لأوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لدمج "إسرائيل" في المنطقة، والهيمنة عليها.
ويهدف بيرس من جرّاء طرح مشروعه الاستمرار في التسوية التي بدأت في كامب ديفيد بحيث ترتكز على أرضية اقتصادية لحل أزمات "إسرائيل" الاقتصادية وتحقيق الازدهار فيها وخلق مصالح مشتركة مع بعض الأوساط العربية لخدمة المخططات الإسرائيلية، ووعدت الولايات المتحدة بدراسة مقترحات بيرس بعناية مع حلفائها.
وقال بيرس قبل مغادرته الولايات المتحدة أنه "يعتقد بأن القضايا الاقتصادية ستصبح القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط، وإذا لم تعالج مثل هذه المشاكل فإننا يجب أن نتوقع عدم الاستقرار وأن يواجه الشرق الأوسط أعظم المشكلات في تاريخه"([6]).
وطرح يائير هير شفيلد، رئيس الوفد الإسرائيلي في اجتماع بروكسل في أيار 1992، لمجموعة عمل التعاون الاقتصادي الإقليمي في المفاوضات المتعددة الأطراف مخطط حزب العمل الـ"إسرائيل"ي للتعاون الاقتصادي الإقليمي.
وشملت المقترحات آنذاك المشاركة في الموارد الطبيعية والبشرية، وتوسيع أسواق المنطقة، وجذب الاستثمارات من الدول الأجنبية ومن دول النفط العربية ومؤسسات التمويل الدولية، وإقامة صندوق إقليمي للتنمية في الشرق الأوسط.
وأجمَلَ شمعون بيرس موقفه حول التعاون في الشرق الأوسط في المعهد القومي لدراسات الشرق الأوسط وأمام مثقفين مصريين خلال الزيارة التي قام بها إلى القاهرة في تشرين الثاني في 1992 بالعبارات التالية:
"لا ينبغي أن ننظر إلى المفاوضات السياسية بالتركيز في النظر إلى الماضي، يجب أن نضع نهاية للنزاع العربي الإسرائيلي وأن نبني شرق أوسط جديداً... يجب أن يكون الشرق الأوسط منطقة مفتوحة من ناحية اقتصادية لكل الشعوب التي تقطن فيه... يمكن أن تنشأ كونفدرالية أردنية ـ فلسطينية، أو كونفدرالية "إسرائيل"ية ـ أردنية ـ فلسطينية، أو حلف بصيغة بنيلوكس"([7]).
ويشير الكاتب الإسرائيلي أودد بتون إلى فشل الصليبيين في المنطقة ويطرح درساً على "إسرائيل" للاستفادة من هذا الفشل لتجنّب المصير الذي حلّ بالصليبيين، ويتلخص الدرس في ضرورة السيطرة الإسرائيلية على المقدرات الاقتصادية العربية.
ويتطرّق إلى الموارد النفطية الهائلة في المنطقة وعدم قدرة أصحابها على حمايتها ويقول: "إن هذا الوضع العربي يخلق فرصاً جيدة للسيطرة الإسرائيلية على المنطقة... تعويض "إسرائيل" ما فات عليها من فرص بسبب النظرات السياسية الضيقة والآراء اليهودية المتطرفة، وليس أمامها من مفر غير السيطرة على الموارد العربية إذا ما أرادت الاستمرار في الوجود"([8])، ويتوقع الخبير الإسرائيلي موشيه ماندلباوم أن تصبح "إسرائيل" في ظل السلام مركزاً للأموال العربية والتأمين في الشرق الأوسط، ويقول: "وبما أن "إسرائيل" تتمتع بأفضل الاتصالات في الشرق الأوسط، فمن الممكن جداً أنه مع حلول السلام أن تتحول أموال النفط العربية إلى أسواق "إسرائيل" المالية، أما بالنسبة للتأمين "فإسرائيل" تتمتع بمكان عظيم للحصول على القسم الأكبر من السوق العربية"([9]).
ويقول الجنرال أمنون شاهاك، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية ورئيس الأركان الأسبق في مقال له بعنوان "إسرائيل" والشرق الأوسط في عام 2000"، نشر في عام 1987 ما يلي:
"ينبغي أن تسعى "إسرائيل"، خلال السنوات القليلة المقبلة لترسيخ مفهوم انتمائها إلى الواقع الشرق أوسطي". ويقول الجنرال الوف هارايفن حول اندماج "إسرائيل" في المنطقة: "إذا لم تستطع "إسرائيل" الاندماج في عالم الغد فإن المشكوك فيه أن يكتب لها البقاء فترة طويلة"([10]).
إن "الشرق أوسطية" مصطلح صهيوني ـ استعماري ـ أوروبي النشأة والأصل، ولخدمة الأهداف الصهيونية والإمبريالية. جاء من أوروبا، فهو خارجي وغريب عن المنطقة، ولا ينسجم مع واقعها الجغرافي وخصائصها البشرية بل يخدم مصالح القوى التي ابتكرته. وهو يمزق وحدة الوطن العربي الجغرافية والبشرية، وبالتالي يعرقل الوحدة العربية ويقضي على إمكانية تبلور النظام العربي ويطرح بديلاً عنه النظام الشرق أوسطي.
وهو يستثني بعض الدول العربية ويخرجها من النظام المطروح ويضم إليه بعض دول الجوار غير العربية كالحبشة وقبرص والباكستان وأفغانستان.
ويرمي إلى دمج الكيان الصهيوني في المنطقة كمقدمة لتوليه القيادة وإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة، لتجزئة الوطن وإضعاف الأمة وإعادة تشكيلها من شعوب وقوميات وأديان وحضارات مختلفة لخدمة مصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية ولتسهيل السيطرة على الأرض والثروات العربية والتحكّم بصياغة حاضرها ومستقبلها.
***



الفصل الثالث:

التعاون الإقليمي في مجالي المياه والسياحة




تنطلق التصورات الإسرائيلية للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط من أن "إسرائيل" المركز والقائد للنظام الإقليمي والمستفيد الأوّل منه، وذلك لكي تُحكم سيطرتها على مسارات التطور الاقتصادي والسياسي والأمني فيه. وبالتالي تحقق الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي عن المساعدات الأمريكية والألمانية، ممَّا يساعدها في المستقبل على فرض الهيمنة الصهيونية على العالم.
إن النظام الإقليمي المطروح، الذي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي على فرضه وتسويقه يتضمن إجراء تغييرات جيوسياسية، بما يخدم تحقيقه وبعبارة أدق كما يُعلن الرئيس الأمريكي بوش إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية وتعيين كرزايات أكثر تبعية من السابقين، وتخليد الوجود العسكري الأمريكي في العراق والخليج لنهب ثرواته والحيلولة دون مساهمته في دعم النظام العربي.
فمن الممكن فصل العراق عن المشرق العربي ودمجه في إطار منطقة الخليج وبعض دول الجوار وربما بعض الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى. كما يمكن أن تقوم الإمبريالية الأمريكية بفصل السودان والصومال عن الوطن العربي وإقامة نظام إقليمي مع بعض دول الجوار الأفريقي، كما يمكن عزل موريتانيا عن المغرب العربي وإدخالها في تحالف مع دول الجوار كالسنغال. وفي حال نجاح رسم خريطة جديدة للمنطقة التي يتحدّث عنها بوش والجنرال كولن باول وخطط ويخطط لها الصهاينة، فإن ذلك سيقود حتماً إلى تجزئة الكيانات الجغرافية والبشرية والسياسية والاقتصادية في الوطن العربي.
وتركز الصهيونية والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية على نسيان الماضي، وطمس ذاكرة أمتنا التاريخية، وتغيير المناهج الدراسية وكتب الجغرافيا والتاريخ لكي تضع ركائز النظام الإقليمي المطروح.
وتجري حالياً بعد الحرب الأمريكية العدوانية على العراق وتدمير جيشه ومنجزاته وتواجد القوات الأمريكية في العديد من البلدان العربية رسم الخريطة الجديدة للوطن العربي على حساب وحدته وسيادته وثرواته لفرض هيمنة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية عليه بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي.
وتخدم الاتفاقيات التي وقعتها وسوف توقعها القيادات العربية والفلسطينية مع العدو الصهيوني ومعاهدة وادي عربة واحتلال العراق، إلى وضع النواة لإقامة إطار جديد أو خارطة جديدة. فاتفاقيات الإذعان هي العمود الفقري لإقامة النظام الجديد.
ركز الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على التعاون الإقليمي الاقتصادي كإجراء مسبق لدفع عملية التسوية وليس نتيجة من نتائجها، أي أن العدو الإسرائيلي يريد الأرض والأمن والسلام والتعاون الاقتصادي. ودعمته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي وأخذوا يربطون التقدم على مسارات التسوية في إطار التعاون الاقتصادي الإقليمي، كخطوة أولية لاندماج الاقتصاد الإقليمي في الاقتصاد العالمي.
وتولي دول الاتحاد الأوروبي اهتماماً كبيراً بالشرق أوسطية والمتوسطية لمجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها أهمية النفط العربي والمنطقة اقتصادياً لأوروبا، ولأن التنمية والاستقرار في المنطقة تقود إلى التخفيف من الهجرة من المنطقة إلى البلدان الأوروبية.
أما فيما يتعلق بالسوق الشرق أوسطية فتجري المحاولات لجعل "إسرائيل" المركز والقائد لها، أي قيادتها للمركز الإقليمي المرتبط مع المركز العالمي في وول ستريت بالولايات المتحدة. وتكون "إسرائيل" أيضاً القاسم المشترك بين الشرق أوسطية والمتوسطية المرتبطة بالمركز الأوروبي. وستكون "إسرائيل" بوابة الاستيراد والتصدير للمنطقة. وبالتالي تتوجه الفوائد والأرباح إلى الاقتصاد الـ"إسرائيل"ي وإلى الشركات الأمريكية والأوروبية على حساب الوطن والمواطن والأمة.
التعاون في مجال المياه

تلعب المياه دوراً مهماً في النظام الإقليمي المطروح، نظراً لأن المصادر الحالية لا تفي بالاحتياجات في المستقبل القريب، ممَّا يزيد من إمكانية انفجار النزاعات حول مصادر المياه في المنطقة وتلعب الهجرة اليهودية المستمرة وسرقة العدو الإسرائيلي للمياه الفلسطينية واللبنانية والسورية والتكاثر السكاني وشحّ المياه، دوراً في تأزيم مشكلة المياه في المنطقة.
حوّلت "إسرائيل"مجرى نهر الأردن، وتسرق كميات كبيرة من النهر. وتسرق المياه الجوفية في الضفة الغربية وجنوب لبنان والجولان. واستولت على مياه منطقة الباقورة الأردنية بموافقة أردنية. وبالتالي فإن سرقة "إسرائيل" للمياه العربية ستكون من أحد العوامل لاستمرار النزاع معها في المستقبل. يضاف إلى ذلك أن بعض دول الإقليم يستخدم ورقة المياه في الأنهر الدولية كوسيلة من وسائل الضغط للحصول على مكانة مرموقة في النظام الإقليمي المطروح.
وأدّت الأطماع الصهيونية التاريخية في مياه الجولان إلى قيام بريطانيا وفرنسا انتزاع بعض الأراضي والقرى اللبنانية والسورية وضمّها إلى فلسطين في اتفاقية عام 1923 التي وقّعتها بريطانيا وفرنسا. وكان بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني يُطلق على جبل الشيخ أبو المياه لفلسطين.
وضغطت الحركة الصهيونية على بريطانيا لتعديل حدود سورية ولبنان وفلسطين التي أقرها مؤتمر الحلفاء في سان ريمو في نيسان 1920 وهي: الجليل الأعلى، مرتفعات الجرمق، والمنخفض المائي الذي يضم قسماً من مياه سورية ولبنان.
طرحت تركيا و"إسرائيل" مشروع أنابيب السلام لترسيخ النظام الإقليمي المقترح وإعطاء تركيا دوراً مهماً فيه، وطرح تورجوت أوزال، رئيس وزراء تركيا الأسبق عام 1987، برميل ماء مقابل برميل نفط. ويعتمد مشروع أنابيب السلام على مياه نهري جيحون وسيحون ونقل الفائض من مياههما عن الاستهلاك الداخلي عبر خطين من الأنابيب: الأول: الخط الغربي: يتجه إلى سورية والأردن و"إسرائيل" والمنطقة الغربية من السعودية. والخط الثاني: "الشرقي" خط أنابيب الخليج ومركزه سورية ويتوزع إلى الكويت والمنطقة الشرقية من السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية وعمان. وتزيد الكلفة الإجمالية للخطين عن عشرين مليار دولار. ولكن المشروع تأجل بسبب رفض الأطراف العربية بحث التعاون الإقليمي المائي قبل الانسحاب الإسرائيلي الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة.
التعاون في مجال السياحة

تولي "إسرائيل" السياحة في النظام الإقليمي المطروح أهمية خاصة، نظراً للأموال الهائلة التي يمكن أن تجنيها من جراء علاقات السياحة بينها وبين العرب.
وتلعب السياحة دوراً هاماً في العلاقات بينها وبين دول المنطقة للأسباب التالية:
ـ وجود الأماكن المقدسة والمسجد الأقصى في القدس وبيت لحم والناصرة وطبرية، ممَّا يشجع على الحج وعلى السياحة الدينية.
ـ وجود معالم سياحية جذابة على سواحل البحر الأبيض المتوسط والأحمر والميت وبحيرة طبرية.
ـ وجود سياحة صيفية وشتوية بسبب المناخ والتضاريس والتركيز على السياحة الطبية.
ـ توافر المنشآت السياحية ومحلات اللهو والترفيه.
وتتضمن المخططات الإسرائيلية للسياحة بناء الفنادق والمعالم السياحية على الحدود مع الدول العربية وإنشاء مشاريع سياحية مشتركة، كالمشروع المسمى "ريفيرا البحر الأحمر" الذي يربط بين ساحل إيلات والعقبة وطابا من جزيرة المرجان عبر طابا، وساحل المرجان في إيلات وصولاً إلى العقبة وحتى السعودية. ويتطلب المشروع التعاون الإقليمي بين "إسرائيل" والأردن ومصر والسعودية. ويتوقع المخططون الإسرائيليون الحصول على أموال ضخمة من جرَّاء استقبال السياح العرب وتصدير الخدمات السياحية إلى البلدان العربية.
وتقود السياحة إلى علاقات قوية بين دول المنطقة وشعوبها وكسر الحواجز النفسية المزمنة نتيجة للصراع العربي الصهيوني واغتصاب فلسطين العربية.
وتساهم السياحة في رفع مستوى الحياة وتزيد من عجلة التطور.
وحاول العدو الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا إلغاء المقاطعة العربية والهرولة في التطبيع قبل التوصل إلى التسوية. إلا أن الجامعة العربية رفضت الانصياع للمطلب الأمريكي والأوروبي باعتبار أن المقاطعة وسيلة مشروعة تلجأ إليها الدول في علاقاتها الدولية لتحقيق أهدافها ومنها أمريكا.
وأعلنت الجامعة العربية ضرورة ربط تحقيق السلام العادل والشامل بإلغاء المقاطعة. ولكن دول مجلس التعاون الخليجي استجابت للمساعي الأمريكية وألغت المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة بعد اجتماع وزراء خارجيته مع وزير الخارجية الأمريكي وارن كرستوفر في الأول من تشرين الأول 1994.
ويمكن القول أن النظام الإقليمي في الشرق الأوسط يقود إلى سيطرة "إسرائيل" الاقتصادية والعسكرية والسياسية على المنطقة في غياب استراتيجية عربية واحدة وقوية وقادرة على مواجهة الأخطار التي تمكّن من رسم الخارطة الجديدة للوطن العربي في ظل الأوضاع العربية والإقليمية الدولية الراهنة.


***





الفصل الرابع:

المساعي الأمريكية

لإقامة النظام الشرق أوسطي




ظهرت إبان الحرب العالمية الثانية أهمية ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط الجيواستراتيجية والنفطية سواء في الحرب أم في السلم، لذلك أخذت الدول الاستعمارية الثلاث بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بالتعاون مع الصهيونية العالمية وبعض المسؤولين العرب لإخراج النظام الإقليمي الشرق أوسطي إلى حيِّز الوجود.
وقامت الولايات المتحدة بالدور الأساسي لإرساء معالمه، بالتنسيق والتعاون الكاملين مع بريطانيا وفرنسا. وشرعوا بمساعدة وتقوية الكيان الصهيوني عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. فوسّعت الولايات المتحدة مبدأ ترومان عام 1949 ليشمل بموجب النقطة الرابعة فيه تقديم المساعدات الزراعية والمادية إلى بعض دول المنطقة.
واشتركت في توقيع البيان الثلاثي في 25 أيار 1950 الذي يتضمن تعهد الدول الاستعمارية الثلاث المحافظة على أمن الكيان الصهيوني وإقامة العلاقات بينه وبين بعض الدول العربية، ومنع الدول العربية من الحصول على السلاح للدفاع عن بلدانهم.
وحاولت الإدارة الأمريكية أن تقيم قيادة رباعية لمنطقة الشرق الأوسط من فرنسا وبريطانيا وتركيا ومصر.
وحاولت بعد قيام ثورة 23 تموز في مصر إقامة "الحلف الإسلامي" على أساس ديني من بعض الدول العربية وبعض دول الجوار المسلمة. وسعى ألن دالاس وزير الخارجية الأمريكية في زيارته للمنطقة عام 1953 احتواء الثورة المصرية عن طريق المساعدات الاقتصادية وربط تمويل السد العالي في مصر بإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني وقطع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي.
وعلى أثر تأميم مصر لشركة قناة السويس أشعلت "إسرائيل" حرب السويس العدوانية بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا عام 1956. وأعلن الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور ما عرف بمبدأ إيزنهاور أي نظرية الفراغ عام 1957 للحلول محل بريطانيا وفرنسا وتضمن:
ـ استعداد الولايات المتحدة للتدخل العسكري المباشر لدعم دول المنطقة ضد الخطر الشيوعي (المزعوم).
ـ تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية للدول التي توافق عليه.
وأنزلت قواتها في لبنان، بينما أنزلت بريطانيا قواتها في الأردن عام 1958. ووسع الرئيس إزينهاور نظرية الفراغ رداً على الوحدة بين سورية ومصر.
ونجحت الولايات المتحدة الأمريكية بإخراج مصر من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني بتوقيع أنور السادات لاتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية. وهكذا تكون إدارة الرئيس كارتر التي أجبرت السادات وأغرته على توقيع الاتفاقيات قد حققت الحلم الذي راود بن غوريون والقادة الصهاينة بإخراج مصر من حظيرة الصراع، للاستفراد بالأطراف العربية الواحد تلو الآخر. وسكتت عن احتلال العدو للشريط الحدودي في جنوبي لبنان وإقامة دويلة العميل سعد حداد عام 1978، والتي قضت عليها المقاومة اللبنانية في أيار 2000 وحرّرت جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي البغيض.
وضعت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بعد توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد مخططاً للشرق الأوسط تحت عنوان: "التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط" وكانت الوكالة الأمريكية قد كلّفت ثماني عشرة مؤسسة أمريكية حكومية وغير حكومية لوضع هذا المخطط، وتمخض عن التقرير الذي أعلنته الوكالة الأفكار التالية:
ـ سيكون الدور الأمريكي حاسماً في مجال التعاون الإقليمي، وعلى الولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط.
ـ تقوم فكرة التعاون الإقليمي على أساس شرق أوسطي وليس على أساس عربي.
ـ إيجاد مؤسسات جديدة تتجاوز الجامعة العربية، لكي تسمح باستيعاب "إسرائيل" وانخراطها في النظام الإقليمي الجديد.
ـ إعطاء أهمية لدور الأكاديميين ورجال الأعمال في بداية التعاون الإقليمي وتطويره.
ويعالج المخطط الأمريكي آفاق التعاون بين "إسرائيل" ومصر وسورية والأردن ولبنان والسعودية والضفة الغربية وقطاع غزة، ويتطرّق إلى الموارد المشتركة مثل نهر الأردن، والبحر الميت وخليج العقبة، وإلى مشكلة الصحاري والزراعة والتعاون العلمي والتكنولوجي([11]).
ويوصي التقرير الأمريكي في مجال النقل بربط خطوط المواصلات بشكل يعمل على تعزيز التجارة والسياحة، والبحث عن المياه الجوفية في سيناء، وبيع مياه النيل "لإسرائيل" وتحلية مياه البحر.
ويطالب التقرير بإقامة مشروعات صناعية مشتركة بين "إسرائيل، وجيرانها، ويؤكد على الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة في المرحلة الأولى من البدء في تنفيذه.
تُولي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً كبيراً للمنطقة العربية لخدمة مصالحها الاقتصادية والهيمنة على النفط العربي والمحافظة على تفوّق "إسرائيل" على جميع البلدان العربية، لذا اقترح البروفيسور الأمريكي روبرت تاكر أنه "لمنع أمريكا من أن تنزف حتى الموت من جرّاء نفط الشرق الأوسط عليها فرض السيطرة الأمريكية الفعلية على المنطقة الممتدّة من الكويت نزولاً على طول الإقليم الساحلي للمملكة العربية السعودية حتى قطر([12]).
ودعا الجنرال الكسندر هيج، وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته لعدّة بلدان شرق أوسطية في نيسان 1981، إلى إنشاء حزام أمني في المنطقة يضمّ عدداً من الدول من باكستان إلى مصر، ويستوعب السعودية و"إسرائيل"، وتحدّث هيج عن مخططه للشرق الأوسط أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحاجة إلى جمع تركيا وباكستان و"إسرائيل" وعدد من الدول العربية في حلف مشترك([13]).
وتعمل الولايات المتحدة لخدمة مصالحها في المنطقة على:
ـ تأمين السيطرة الأمريكية على منابع النفط وممرّاته وأمواله عن طريق القواعد العسكرية الدائمة.
ـ المحافظة على تفوّق "إسرائيل" العسكري على جميع البلدان العربية.
ـ نزع السلاح غير التقليدي من أيدي العرب والحد من التسلح للدول العربية غير الخليجية.
ـ التوصل إلى تسوية للصراع العربي ـ الـ"إسرائيل"ي.
ـ إلغاء المقاطعة العربية.
ـ بيع كميات كبيرة من الأسلحة للدول العربية في الخليج لتحسين وضع الاقتصاد الأمريكية.
ـ توسيع تواجدها العسكري في المنطقة.
ـ إقامة النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية.
وأكد المحلّل الأمريكي أنطون لويس "أن السلام هو الفرصة لبناء "إسرائيل" أكثر أمناً وازدهاراً، وهذا هو جوهر الموقف الأمريكي إنقاذ "إسرائيل" رغم أنفها.
لقد خلقت أزمة الكويت في آب 1990 نزاعاً عربياً ـ عربياً على حساب صراع المصير والوجود مع العدو الصهيوني،. وأدّت حرب تحرير الكويت إلى تعزيز وترسيخ وتعاظم الوجود العسكري الأمريكي الدائم في الكويت وقطر والبحرين، وزادت من تأثير السياسة الأمريكية في دول الخليج والاعتماد على الولايات المتحدة للمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة وشملت نتائجها السلبية الجامعة العربية وغياب دورها الفاعل وانتعش نمو وتطوّر التعاون الإقليمي مع الكيان الصهيوني.
أخذت المخططات الإسرائيلية والأمريكية تتحقّق بعد حرب الخليج الثانية ونتائجها المدمّرة على النظام العربي بانعقاد مؤتمر مدريد 30/10/1991 وبدء المفاوضات الثنائية والمتعدّدة الأطراف.
وقام التصوّر الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط في الكلمة التي ألقاها الرئيس بوش الأب في افتتاح مؤتمر مدريد على تبني الأفكار الإسرائيلية حيث قال عن السلام ما يلي: "فهو ليس إنهاء حالة الحرب في الشرق الأوسط فحسب وإبدالها بحالة عدم اعتداء، إن هذا ليس كافياً ولن يدوم لكننا نسعى للسلام الحقيقي: المعاهدات، الأمن، العلاقات الديبلوماسية، العلاقات الاقتصادية، التجارة، الاستثمار، التبادل الثقافي وحتى السياحة([14]).
وضعت مجموعة الدراسات الاستراتيجية في معهد واشنطن للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تقريراً تحت عنوان "مواصلة البحث عن السلام" جاء فيه: "نهاية الحرب الباردة أوجدت فرصة واحدة للسير في اتجاه إقامة تسوية سلمية شاملة بين العرب و"إسرائيل" والمصالح الأمريكية لا تزال مرتبطة بشكل حيوي بتلك المنطقة المضطربة، والاتفاقات العربية ـ الإسرائيلية، يمكن أن تساعد على حماية تلك المصالح وتوسيعها، بجمع "إسرائيل" وجيرانها العرب والدول العربية في الخليج والمغرب لمناقشة المسائل الإقليمية، وتقدّم المفاوضات المتعدّدة الأطراف فرصة لتطوير الرؤية العامة للسلام وخلق ثقة ملموسة ببناء الإجراءات لتوفير الأمن.."([15]).
ويعتقد عدد من الخبراء الأمريكيين أن بعض البلدان العربية تحاول إقامة نوع من العلاقة بينها وبين "إسرائيل" حيث قال الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، روبرت ستفالو "إن بعض الدول العربية تريد في هذه المرحلة إدخال "إسرائيل" كلاعب رئيسي مباشر، وعلى المكشوف في لعبة توازن القوى والخلافات فيما بينها، وإن ما نراه ليس سوى مقدمة لموجة سيشهدها الشرق الأوسط الجديد تتمثل في قيام الدول العربية ببناء تحالفات بمستويات مختلفة بينها وبين "إسرائيل" تستخدمها هذه الدول لمساعدتها في صراعاتها وخلافاتها التقليدية والمعاصرة بين بعضها وبعضها الآخر([16]). ويرجع روبرت ستفالو هذه الظاهرة الجديدة إلى حقيقتين:
الأولى: أن "إسرائيل" هي القوة العسكرية المهينة في المنطقة والقادرة على ترجيح ميزان قوى بين دولة عربية ضد أخرى.
الثانية: أن الكثير من الدول العربية تدرك أن مفتاحها إلى واشنطن موجود في أحيان كثيرة في "إسرائيل"، وبالتالي على تلك الدول أن تحسن علاقاتها مع "إسرائيل" ما أمكن لتضمن علاقة سلسة مع واشنطن، القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم([17]).
ووضع البروفيسور الأمريكي برنارد لويس مخططاً للشرق الأوسط نشرته مجلة "فورين افيرز" الأمريكية في خريف 1992 تحت عنوان "إعادة النظر في الشرق الأوسط"، انطلق فيه من التخلي الرسمي عن حلم القومية العربية والمتعلّق بالوحدة وبدولة عربية موحدة أو حتى بكتلة سياسية متماسكة. ورسم شرق أوسط جديد تصل حدوده الجغرافية إلى الجمهوريات الإسلامية المستقلة حديثاً، ويقول باحتمال إلغاء دور العرب في التاريخ الجديد للمنطقة لمصلحة قوى إقليمية أخرى وفي طليعتها "إسرائيل" وتركيا.
إن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تتماشى جنباً إلى جنب مع الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث تعتبر الدولتان أن المنطقة مجال حيوي للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وتعملان معاً على تصفية قضية فلسطين على حساب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين فيها، وإخضاع الوطن العربي للهيمنتين الأمريكية والإسرائيلية.
وقاد اعتماد الاستراتيجيتين على القوة العسكرية إلى حروب "إسرائيل" العدوانية والتوسعية واستغلال نتائج الحروب العدوانية، وحرب الخليج الثانية للتحرّك نحو التسوية بالشروط الإسرائيلية والرعاية الأمريكية لإجبار العرب على القبول بالأساطير والخرافات والمزاعم والأكاذيب الصهيونية.
وتبنّت الولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي من النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية والبدء في التعاون الإقليمي قبل التوصّل إلى تسوية سياسية وحتى عدم ربط ذلك بالتقدّم في المفاوضات الثنائية، وصدر في حزيران 1993 تقرير مجموعة هارفارد الإسرائيلية ـ الفلسطينية ـ الأردنية تحت عنوان: "ضمان السلام في الشرق الأوسط، مشروع حول اقتصاد الفترة الانتقالية.
وينطلق التقرير من التركيز على العلاقات الاقتصادية بين سلطة الحكم الذاتي (المفترضة) وبين "إسرائيل" والأردن، وإقامة منطقة حرّة بين الأطراف، ومشروعات إقليمية لدمج الاقتصادات الثلاثة.
ويتضمن التقرير انضمام مصر وسورية ولبنان إلى منطقة التجارة الحرّة، وأجمع على نقطتين هما:
الأولى: حرية انتقال السلع والتبادل الحر.
والثانية: هيمنة اقتصاد السوق على اقتصادات الأطراف الثلاثة.
ويأخذ التقرير مصالح "إسرائيل" بعين الاعتبار، ويدعو إلى إنشاء بنك إقليمي باسم "بنك الشرق الأوسط للتعاون والتنمية".
وقد تبنّى الرئيس الأمريكي بوش الأب في خطبته الافتتاحية في مؤتمر مدريد المخطط "الإسرائيلي" للتسوية والمفهوم "الإسرائيلي" للسلام. وأجبرت الولايات المتحدة الدول العربية على الدخول، في المفاوضات المتعدّدة الأطراف وعقد القمم والمؤتمرات الاقتصادية وإلغاء المقاطعة العربية من الدرجتين الثانية والثالثة. فالولايات المتحدة واليهودية العالمية تعملان على دمج المنطقة العربية في الكيان الصهيوني، وليس دمج الكيان الصهيوني بالمنطقة العربية لتثبيته ككيان استيطاني كولونيالي، وعنصري على حساب الأرض والحقوق الوطنية، والقومية والدينية للعرب والمسلمين، وجعله المركز والقائد المهيمن على المنطقة، لنهب مواردها وثرواتها، والمحافظة على تجزئتها وتخلّفها واستمرار تبعيتها للإمبريالية والصهيونية، فالشرق أوسطية ليست مدخلاً للسلام والاستقرار والازدهار والبحبوحة الاقتصادية وإنما تكريس للاغتصاب والاستيطان، يفرضها القوي المنتصر على المهزوم بتسويق أمريكي، وتهديدات "إسرائيلية" بشن الحرب على سورية ولبنان واعتداءات مستمرة على الشعبين الفلسطيني واللبناني.
تبنّت الولايات المتحدة المخططات والمشاريع الإسرائيلية لمستقبل المنطقة العربية ودمجتها في استراتيجيتها الكونية، وعملت ولا تزال تعمل على خدمة مصالحها في المنطقة عن طريق "إسرائيل" كأداة عسكرية والمحافظة على تفوقها العسكري، وتأمين السيطرة على منابع النفط وممراته وأسعاره وأمواله، والعمل على التوصل إلى تسوية للصراع العربي ـ الصهيوني، وإقامة النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية.
ويمكن القول أنه لا يوجد سياسة أميركية تجاه البلدان العربية وإنما سياسة إسرائيلية تتبناها الولايات المتحدة الأميركية.
***





الفصل الخامس:

بيرس والنظام الإقليمي الشرق أوسطي




يقوم التصوّر الإسرائيلي للنظام الإقليمي الشرق أوسطي على القيام بدور مركزي قائد فيه وممارسة الدور المسيطر في الميادين الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والقضاء الكلي على المقاطعة العربية، وإنهاء عزلة الكيان الصهيوني في المنطقة الناتجة عن المقاطعة ومعارضة التطبيع.
ويخطط الكيان الصهيوني للتغلغل في نسيج جميع البلدان العربية والعبور منها إلى دول الجوار لحل جميع أزماته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والنفسية، لزيادة الهجرة والوصول إلى إقامة "إسرائيل" العظمى. وبالتالي يشكّل النظام الإقليمي للشرق الأوسط الجديد الإطار لفرض الهيمنة الأمريكية والصهيونية على الوطن العربي وإنهاء الصراع العربي ـ الصهيوني والقضاء على رواسبه النفسية والسياسية والاجتماعية. وهكذا تتخلّص "إسرائيل" من معظم أزماتها المزمنة وتحقق الاستقلال الاقتصادي والتحرّر من المساعدات الأمريكية والأوروبية، وتتحوّل من دور الوكيل الاستعماري إلى دور الشريك في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية في المنطقة.
وضع شمعون بيرس مخططات حزب العمل "الشرق أوسطية" في كتاب صدر في نهاية عام 1993 بالإنكليزية تحت عنوان "الشرق الأوسط الجديد" وطالب بنسيان الماضي، ووضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي، وبناء شرق أوسط جديد وسوق شرق أوسطية، وإنشاء كونفدرالية "إسرائيلية ـ أردنية ـ فلسطينية"([18]).
ويتكوّن الكتاب من أربعة عشر فصلاً بألفاظ وعبارات وكلمات مخادعة عن السلام والمصالح المشتركة لتسويق المطامع والمخططات الإسرائيلية في الوطن العربي وفرض هيمنة "إسرائيل" الاقتصادية عليه ويتألَّف المشروع من شقّين: الأول اقتصادي والثاني أمني.
ويهدف الاقتصادي إلى دعم العامل الأمني عبر تشابك المصالح، ويهدف الأمني إلى المحافظة على تفوّق "إسرائيل" العسكري.
يتحدّث بيريس في الفصل الأول عن فجر السلام الذي بزغ في أوسلو ويقول:
"فرحتي في أوسلو كانت مزدوجة، فقد تصادف تلك الليلة أيضاً عيد ميلادي السبعين، وقتها قال لي أبو علاء، وهو يبتسم بجدارة "الاتفاقية هي هديتنا لك في عيد ميلادك، قلت في نفسي يا لها من هدية، هدية متميزة وغير متوقّعة بل من المستحيل تقييمها"([19]).
ويؤكّد بيريس أن "إسرائيل" حصلت في اتفاق أوسلو على تنازلات أمنية، وأبقت قضية القدس والمستوطنات خارج بنود اتفاق الحكم الذاتي المحدود.
ويتحدّث الفصل الثاني من الكتاب عن ازدياد التهديد الأصولي خطورة في الفترة الأخيرة بامتلاك إيران القدرة النووية ويقول: "... وخطورة وجود سلاح نووي في أيدي متعصبين دينيين لا يشكل خطورة على جيرانهم فحسب بل إنها تمتد لتشمل العالم بأسره، أن الخلط القاتل بين الأصولية الدينية والصواريخ والأسلحة غير التقليدية إنما يهدد السلام العالمي([20]).
ومن المعروف أن "إسرائيل" لا تمتلك أسلحة الدمار الشامل النووية فحسب وإنما أيضاً الكيماوية والبيولوجية، وتمتلك أكثر من 200 رأس نووي، وترفض إخضاع منشآتها النووية لأي تفتيش أو رقابة دولية، وترفض وضعها تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما ترفض التوقيع على اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهي مدججة بالسلاح التقليدي وغير التقليدي، وتُشعل الحروب العدوانية وتحتل الأراضي العربية وتمارس الاحتلال والضم والتهويد، والاستيطان والعنصرية والإرهاب كسياسة رسمية. ويتناول بيريس في الفصل الرابع النظام الإقليمي ويريد من السلام بين "إسرائيل" والعرب أن يخلق البيئة الملائمة لإعادة تنظيم مؤسسات الشرق الأوسط بصورة أساسية ويقول: "هدفنا النهائي هو خلق أسرة إقليمية من الأمم، ذات سوق مشتركة، وهيئات مركزية مختارة، على غرار الجماعة الأوروبية، وأن الحاجة إلى هذا الإطار الإقليمي تقوم على أربعة عوامل جوهرية:
1 ـ الاستقرار السياسي: إن الأصولية تشقّ طريقها سريعاً وعميقاً في كل بلد عربي في الشرق الأوسط مهدّدة بذلك السلام الإقليمي، ناهيك عن استقرار حكومات بعينها...
2 ـ الاقتصاد: إن إنشاء منظمة تعاون إقليمية تتحرك على قاعدة فوق قومية هي الرد بل الرد الوحيد على الأصولية.
3 ـ الأمن القومي: إن السبيل الوحيد لضمان مستوى معقول من الأمن القومي في هذا العصر، عصر الصواريخ أرض ـ أرض والقدرات النووية، هو إقامة نظام إقليمي للرقابة والرصد؟
4 ـ إشاعة الديموقراطية: وليست الديموقراطية مجرّد عملية تضمن الحرية الشخصية والمدنية، بل هي أيضاً هيئة رقابية تحرص على السلام وتعمل على تبديد العوامل الكامنة وراء التحريض الأصولي([21]).
ويتناول بيريس في الفصل السابع موضوع مصادر الاستثمار والتمويل والحاجة إلى استثمارات دولية كبيرة لإقامة الشرق الأوسط الجديد، ويعترف أن السبب الرئيسي في توجّهه الجديد هو الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها الولايات المتحدة، ممّا يقلّل من إمكانياتها في تقديم المساعدات المالية "لإسرائيل" ويقول: "تواجه الولايات المتحدة الآن متاعب اقتصادية جمّة، الأمر الذي يجعل قابليتها لتقديم العون المالي المباشر تتناقص بصورة واضحة، وإنها لم تعد قادرة على الإسهام مالياً([22]).
ويؤكّد بيريس أن أمريكا لم تعد قادرة على الاستمرار في تقديم المساعدات المالية الضخمة "لإسرائيل" ويضرب على وتر المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة ويشجعهم على الاهتمام فيها لخدمة مصالحهم الاقتصادية والسياسية، ويقول أن للأمم المتقدمة في العالم مصالح سياسية واقتصادية كبيرة في الشرق الأوسط وإن للسوق أوروبية مصالح قديمة في المنطقة، ويتناول حديثه مع المستشار الألماني هيلموت كول حيث اقترح عليه تقليص البطالة الألمانية عن طريق إيجاد تنمية أسواق جديدة في الشرق الأوسط، وبالتالي تساهم ألمانيا مع أوروبا في حل مشكلاتها الخاصة وتساعد الشرق الأوسط الجديد.
وطالب بإقامة بنك في الشرق الأوسط يديره أشخاص من المنطقة، وتطرّق إلى رأس مال البنك وقال: "يمكن تقسيم رأس المال إلى ثلاث فئات: الأولى: أموال سيتم جمعها من المنطقة نفسها والفئة الثانية من رأس المال ستكون من مساهمة الشركات الدولية الكبيرة، والفئة الثالثة هي المعونة المباشرة التي يمكن أن تأخذ طريقها إلى السكان المعوزين، مثل أهالي قطاع غزة([23]).
ويقصد بذلك من أموال دول النفط وأموال من تخفيض نفقات التسلّح ومصادر خارجية.
ويتناول في الفصل الثامن تحت عنوان الحزام الأخضر المشروعات التي يجري تخطيطها في "إسرائيل" للزراعة الصحراوية وتطوير تكنولوجيا الزراعة وتحلية المياه ومقاومة التصحّر وتربية الحيوانات ويقول: "ألسنا بحاجة إلى الانتظار إلى أن يحل السلام رسمياً، من أجل الشروع في شراكتنا التكنولوجية. نحن نقوم فعلاً بإدارة مشاريع تعاونية مع الأقطار الصديقة التي لنا علاقات ديبلوماسية كاملة معها، مثل مصر". ويمضي ويقول: "إن العمل من أجل صبغ الشرق الأوسط باللون الأخضر، هو الوسيلة لضمان الغذاء الكافي، الهواء النقي، بيئة منصفة متحرّرة من الخوف والقمع".
ويحدّد في الفصل التاسع تحت عنوان المياه أربعة عوامل لافتقار المنطقة إلى المياه وهي "الظواهر الطبيعية والزيادة السريعة في عدد السكان، والاستغلال الخاطئ والسياسة التي تفتقر إلى الترشيد المطلوب، ويتحدّث عن كيف أن المياه كانت سبباً لنشوب العديد من الحروب".
والمياه في الشرق الأوسط هي مُلك للمنطقة، ولعلّ المياه أكثر من أي قضية أخرى تعتبر دليلاً على مدى الحاجة لإقامة نظام إقليمي. ويتطرّق إلى مشروع المياه التركي وتحليّة المياه.
ويتناول في الفصل العاشر "البنية التحتية للنقل والمواصلات" ويقول: إن بناء الطرق، وتمديد خطوط السكك الحديدية وتحديد المسارات الجوية وربط شبكات النقل وتحديد وسائل الاتصالات وتوفير النفط والماء في كل مكان وإنتاج البضائع والخدمات عن طريق الكمبيوتر، سوف يفتح حياة جديدة في الشرق الأوسط.
ويتطرّق إلى خط سكة حديد الحجاز وشحن البضائع من ميناء حيفا إلى الأردن وسوريا، وبناء ثلاث شبكات من الطرق السريعة، وإحداها تخترق الشرق الأوسط من شمال أفريقيا إلى أوروبا، وإقامة مناطق تجارية حرّة بمحاذاة موانئ البحر المتوسط والبحر الميت، وقناة البحرين من البحر الأحمر إلى البحر الميت.
ويتطرّق في الفصل الحادي عشر إلى تطوير السياحة، ويقول إن فتح الحدود وحده سيساعد في إحياء النشاط السياحي بين دول الشرق الأوسط، وقد يكون المكسب الرئيسي في تعاظم عدد السياح الأجانب.
ويركّز على الأموال الهائلة التي يمكن الحصول عليها من جرّاء تطوير السياحة الإقليمية.
ويتناول في الفصل الثاني عشر موضوع الكونفدرالية الفلسطينية ـ الأردنية، وترتيب إقامة اتحاد أردني ـ فلسطيني "إسرائيلي"، وإبقاء القدس تحت السيطرة الإسرائيلية.
ويتناول في الفصل الرابع عشر والأخير مشكلة اللاجئين ويرفض حقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين لأن العودة برأيه "ستمسح الوجه القومي لدولة "إسرائيل" محوّلة الأغلبية اليهودية إلى أقلية، وبالتالي فليست هناك أية فرصة لقبولها سواء الآن، أم في المستقبل.
وعند تحليل نتائج القمم الاقتصادية واتفاقات أوسلو. ووادي عربة يظهر بجلاء أن تحقيق الأهداف والمخططات التي وضعها بيريس في كتابه: "الشرق الأوسط الجديد" قد أخذت طريقها إلى التنفيذ في بعض البلدان العربية.
ويريد بيريس تحقيق "إسرائيل" العظمى الاقتصادية بدلاً من "إسرائيل" الكبرى الجغرافية فيقول: "إن "إسرائيل" تواجه خياراً حاداً بين أن تكون "إسرائيل" الكبرى اعتماداً على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم، أو أن تكون "إسرائيل" الكبرى اعتماداً على حجم السوق التي تحت تصرفها([24]).
ويمضي بيريس معلناً بصراحة وقحة قائلاً: "أنا أقول أنه لن يكون هناك أي حل دائم إذا لم يصبح هناك شرق أوسط جديد، لقد أدركنا أنه لا قيمة للاستقلال السياسي بدون أسس اقتصادية قوية([25]).
لقد قدّم بيريس في كتابه مشروعاً استعمارياً جديداً للمنطقة العربية ولكن بأسلوب جديد ولباس جديد مخادع يخفي خطورة الأفكار والمخططات والعبارات الواردة فيه.
إن التخطيط الذكي والعبارات المُغرية والخلابة لا يمكن لها أن تحجب حقيقة أن بيريس وحكام "إسرائيل" هم أعداء العروبة والإسلام، وهم الذين أفشلوا التقدم والازدهار في البلدان العربية وعرقلوا وحدتها وتطوّرها وتقدمها، ويعملون اليوم لإخضاع الاقتصادات العربية لهيمنة "إسرائيل".
يعتمد بيريس في كتابه على بعض عبارات وأساليب بارعة في التكتيك، لإبعاد أنظار العرب عن مخاطر النظام الجديد الذي يطرحه، وللتغرير ببعض الأوساط العربية وتضليلها، ويهدم بأساليب خبيثة فكرة العروبة والإسلام والوحدة العربية ويستعدي العالم على العرب، ويعمل للحط من التراث الفكري والثقافي للأمة العربية وتسخيف المبادئ والأهداف التي أجمعت عليها الأمة، وتشويه أمانيها وآمالها وأحلامها وعاداتها وتقاليدها، وتدمير كل صلة بين الماضي والحاضر، والهزء بالوطن والنضال والعدالة والحقوق والتاريخ والجغرافية والمقدّسات، وجعل اللاوطنية بضاعة سهلة التناول للأطفال والشباب والقضاء على نقاء الأمة وتراثها، ونشر التفسخ وكراهية العروبة والإسلام لأن حكام "إسرائيل" يعرفون أن الأمة العربية المتمسكة بتراثها ودينها بعقلانية وإيمان لا يمكن لها أن تستسلم وتسلّم القيادة في المنطقة للإسرائيليين الغرباء عن المنطقة، والدخلاء عليها والمغتصبين لفلسطين العربية والمقدّسات الإسلامية والمسيحية، ولذلك يشنّ بيريس حملته على الدين الإسلامي تحت شعار التطرّف والأصولية.
ويسوّق بيريس مشروعه للدول الغربية بالقول بأنه يهدف إلى تعزيز استقرار سوق النفط العالمية، أي العمل على ضمان هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النفط العربي.
ويقترح تطبيق نظام الشرق الأوسط الجديد على مرحلتين: الأولى تتضمن إقامة مشاريع مشتركة في مجال الطاقة والسياحة والمواصلات والمياه بين بعض بلدان المنطقة ومنها تركيا. ويُعتبر اتفاق الإذعان في أوسلو ووادي عربة بداية تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد وتتضمن المرحلة الثانية من مشروعه إقامة سوق مشتركة ومؤسسات مركزية على غرار السوق الأوربية المشتركة.
وأكد يوسي بيلين، أحد القادة البارزين في حزب العمل الإسرائيلي أمام مجموعة من المستثمرين البريطانيين في أيار عام 1994، العمل من أجل إقامة السوق الشرق أوسطية وقال: "قد نشهد خلال الأعوام الخمسة المقبلة تشييد بنية تحتية مشتركة في الشرق الأوسط تشمل إضافة إلى "إسرائيل" كلاً من: فلسطين، ومصر، والأردن، وسورية، ولبنان، وإذا تمّ ذلك، فإننا سندرس إمكان إقامة سوق مشتركة في الأعوام العشرة التالية"([26]).
إن الكيان الصهيوني يهدف من النظام الشرق أوسطي الجديد والسوق الشرق أوسطية تكريس الهيمنة الإسرائيلية على البلدان العربية، في ظل اختلال موازين القوى والدعم الأمريكي المطلق له، ولممارساته العدوانية والعنصرية والإرهابية والاستيطانية.

***





الفصل السادس:

مخاطر نظام الشرق الأوسط الكبير



عملت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني على تسخير مؤتمر مدريد الذي عُقد في 30 تشرين الأول 1991 لصياغة وبلورة النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، وحاولت إضعاف الموقف التفاوضي لسورية ولبنان بالبدء في المفاوضات المتعدّدة الأطراف التي عُقدت في موسكو في 28 كانون الثاني 1992 للتوصل إلى تطبيع العلاقات قبل التوصل إلى السلام الشامل على جميع المسارات.
واستجاب الطرف الفلسطيني وانفرد بتوقيع اتفاق أوسلو، اتفاق غزة ـ أريحا في 13 أيلول 1993، وانفرد الأردن أيضاً بتوقيع إعلان المبادئ في 25 تموز 1994 ومعاهدة وادي عربة في 26 تشرين أول 1994.
واتفق المغرب وتونس على إقامة علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني وفتح مكاتب الاتصال في شهري: أيلول وتشرين الأول 1994.
وألغى مجلس التعاون الخليجي في 30 أيلول 1994 المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة مع العدو الصهيوني، وساعدت هذه الخطوات التي اتخذتها الأطراف العربية على فتح الآفاق لإقامة النظام الإقليمي الجديد. وصاحب هذه الخطوات الرسمية بروز تيار سياسي يعمل على تسويق فكرة الشرق أوسطية، لإيجاد المناخ الملائم كي تتقبّله الأوساط الشعبية العربية ومن أبرز أقطابه المفكر اليساري لطفي الخولي.
وقامت مراكز البحث ودوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بوضع المخططات لإخراج النظام إقليمي الجديد إلى حيّز الواقع، انطلاقاً من أن تنامي المصالح الاقتصادية والعلاقات التجارية بين الأطراف المتنازعة يُبعد أسباب النزاع والحروب، ويقود إلى اللجوء إلى الوسائل السياسية لحل الخلافات.
وتهدف جميع المخططات إلى تأمين هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النفط العربي وفرص الهيمنة الصهيونية على البلدان العربية.
حدّد الرئيس الأمريكي جورج بوش في كلمته الافتتاحية في مؤتمر مدريد أن جوهر السياسة الأمريكية لا تقتصر على حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي بل تهيئة الأجواء أيضاً لإقامة النظام الإقليمي الشرق أوسطي.
وتتطابق التصوّرات والمواقف الأمريكية والأوروبية مع الإسرائيلية في استغلال الثروات العربية والهيمنة على الوطن العربي وتصفية قضية فلسطين ومحاربة العروبة والإسلام، وفي العمل المشترك لتفتيت الوطن العربي واحتلاله واستغلال ثرواته والقضاء على الحكومات والأحزاب القومية والمشروع القومي والنظام العربي واحتلال العراق وتدمير جيشه ومنجزاته ونهب نفطه وثرواته.
ويؤمن الكتّاب الإسرائيليون "أن ملاءمة الأيديولوجيات القومية سيتم بواسطة الاندماج في نظم فوق قومية، وإن النظم فوق القومية ستُلغي الوزن الخاص لعناصر تاريخية في النزاعات بين الشعوب، حتى النزاع العربي ـ الإسرائيلي سيجد حلّه في إطار مجموعة الشرق الأوسط".
وبالتالي التوصّل إلى حل لقضية فلسطين ينسجم مع المصالح والأهداف والمخططات الـ"إسرائيل"ية.
وتعتبر "إسرائيل" نفسها جسراً للحضارة الغربية والنفوذ الغربي في مواجهة "البربرية الآسيوية" التي تحدّث عنها تيودور هرتسل في كتابه "دولة اليهود" للتصادم مع العروبة والإسلام، مما يظهر أن الكيان الصهيوني لا يريد الاندماج في المنطقة بل يعمل على التوسّع والاستيطان والهيمنة.
وما التعاون الاقتصادي الإقليمي في الشرق الأوسط الكبير إلا واجهة لتحقيق هذه الهيمنة، والشرق أوسطية ليست تكتلاً اقتصادياً يقوم على المنافع المتبادلة لبلدان المنطقة، وإنّما هي نتائج اتفاقات الإذعان واستغلال الاحتلال غير الشرعي للأراضي العربية المحتلة واستبدال "إسرائيل" الكبرى والتوراتية "بإسرائيل" العظمى الاقتصادية، وكسر الإرادات العربية.
ويتطلّب تحقيق الشرق أوسط الكبير تخلّي الشعب العربي عن أرضه وثرواته وحقوقه ونسيان اغتصاب اليهود للأرض والثروات العربية ونسيان الحروب العدوانية والمجازر الجماعية وتدمير المنجزات الاقتصادية. ويخدم تغطية أهداف العدو الإسرائيلي الاستعمارية والاستيطانية بشعارات "السلام والتعاون"، التي تعرّيها وتفضحها الممارسات والوقائع اليومية للعدو الصهيوني.
ويرمي الصهاينة من جرّاء الشرق أوسطية الهيمنة على الاقتصادات العربية، وحل أزمات "إسرائيل" الاقتصادية وتهميش دور العرب ودور مصر في التاريخ المعاصر وتولّي قيادة المنطقة والمساومة عليها مع التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم. فالشرق الأوسط الكبير هي المشروع الصهيوني للهيمنة الإقليمية على الوطن العربي وهيمنة اليهودية العالمية على العالم، وجزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الكونية الشاملة للولايات المتحدة، وبالتالي يصعّد دور "إسرائيل" من القاعدة الإمبريالية والوكيل الإمبريالي إلى دور الشريك للمحافظة على المصالح الاقتصادية والأمنية للطرفين وتكليف "إسرائيل" بمهمّة عسكرية واقتصادية لاستغلال ثروات المنطقة والمحافظة على تبعية العرب لها وللولايات المتحدة الأمريكية.
إن نظام الشرق الأوسط الكبير تجسيد للمخططات الصهيونية لمستقبل المنطقة العربية في مرحلة السلم الإسرائيلي، وهي مشروع صهيوني ساهمت في التخطيط له وإرساء دعائمه جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، العمالية منها والليكودية، ويحوّل "إسرائيل" إلى دولة عظمى.
وترمي "إسرائيل" من خلاله إلى النجاح في تسويق النفط والغاز العربيين ونقل النفط من الخليج والعراق إلى أوروبا، فالشرق أوسطية تهدف إلى سلب الخيرات العربية، والتحكّم في تطوّر الأقطار العربية، والحيلولة دون إقامة صناعات وطنية متطورة.
إن "إسرائيل" هي التي عرقلت التطوّر والتقدم والازدهار في البلدان العربية منذ تأسيسها وحتى اليوم، والأحداث اليومية في الضفة والقطاع وفي لبنان أمثلة واضحة على ذلك.
وتسعى من خلال المفاوضات المتعدّدة الأطراف والقمم الاقتصادية إلى إقامة علاقات اقتصادية تساعدها في فرض مخططاتها في المرحلة النهائية من المفاوضات لزيادة الأوراق التي في يديها، بالإضافة إلى الأراضي المحتلة لممارسة المزيد من الابتزاز على الأطراف العربية لتحقيق المزيد من التنازلات العربية وتضخيم المكاسب الإسرائيلية.
وتقترح من خلال نظام الشرق الأوسط إقامة مشاريع إقليمية مشتركة تقوم الأطراف الأخرى بتمويلها على أن يكون المركز والإدارة والتقنية "إسرائيلية"، وبالتالي السيطرة على التعاون.
وتعود فكرة المفاوضات الثنائية المباشرة والمتعدّدة الأطراف إلى حكومات العمل والليكود، بينما تعود فكرة اللقاءات والتحالفات الثقافية كلقاء غرناطة وتحالف كوبنهاغن والقمم الاقتصادية والأمنية إلى حزب العمل، وتحديداً إلى بيريس ورابين، وسوّقتها الولايات المتحدة. وحملت العديد من الدول العربية والأوروبية على تبنّيها والاشتراك فيها.
ويتضمن المخطط الإسرائيلي لإقامة نظام الشرق الأوسط عقد القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية وتولّت الولايات المتحدة إخراجها إلى حيّز الوجود.
إن نظام الشرق الأوسط فكرة صهيونية المنشأ، "إسرائيلية" التخطيط والتنظيم، ولمصلحة "إسرائيل" ويهود العالم أولاً، والولايات المتحدة الأمريكية ثانياً، والدول الأوروبية ثالثاً، وعلى حساب الوطن والمواطن العربي، وقد تبنّتها الولايات المتحدة وسوّقتها للدول الأوروبية، وحملت الدول العربية على الموافقة عليها، والانخراط فيها.
وترمي "إسرائيل" من جرَّائها إلى إلغاء الهوية العربية والمشروع القومي، والتكامل الاقتصادي العربي وحل أزماتها الاقتصادية على حساب الثروات العربية. ويكمن الخطر الاقتصادي فيها بالتدمير السرطاني للنسيج الوطني والقومي للاقتصادات العربية كما يكمن خطرها السياسي بتدمير مؤسسات العمل العربي المشترك، وإقامة مؤسسات شرق أوسطية ذات أهداف وأولويات تخدم الهيمنة الـ"إسرائيل"ية.
وتهدف المشاريع الإقليمية إلى تجاوز "إسرائيل" لأزماتها الاقتصادية، المزمنة والتخلّص من العجز في الميزان التجاري، وجني الأرباح الهائلة.
وتنبع خطورة نظام الشرق أوسط الكبير من غياب المشروع العربي البديل والدعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود لإسرائيل وإقامة محور ثلاثي: "إسرائيلي ـ فلسطيني ـ أردني وتم إقامة آليات دائمة وهي:

1 ـ بنك التنمية الإقليمي، ومقره القاهرة.
2 ـ مجلس السياحة الإقليمي، ومقرّه تونس.
3 ـ المجلس الإقليمي لرجال الأعمال.
4 ـ السكرتارية التنفيذية ومقرّها عمّان.
5 ـ الأمانة العامة ومقرّها الرباط.

***






الفصل السابع:

دور القمم والمؤتمرات الاقتصادية

في تحقيق الشرق الأوسط الكبير:




نظّم مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في نيويورك، والمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في سويسرا عقد القمم المؤتمرات الاقتصادية.
وتقف المخابرات المركزية وراء مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي كما أنها هي التي أنشأت عام 1950 المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
اشتركت في الإعداد للقمم والمؤتمرات الاقتصادية مجموعة من المؤسسات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية، ومنها مؤسسة المبادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط ومقرّها في إيرلندا، ويُطلق عليها اسم جماعة الوشاح الأزرق، وأنشأتها المخابرات المركزية في أيار 1993، وساهم البنك الدولي، وغرفة التجارة العربية ـ الألمانية، وبنك ليومي الإسرائيلي في الإعداد لها، لإخراج الشرق الأوسط الجديد إلى حيّز الواقع.
مارست الولايات المتحدة ولا تزال تمارس حملات الإغراء والترهيب والضغط على الأطراف العربية لحملها على قبول المخططات والمشاريع الإسرائيلية دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح والحقوق والمواقف العربية.
عقدت الولايات المتحدة القمم والمؤتمرات الاقتصادية بعد أن أخذت "إسرائيل" كل ما أرادته منها ومن الأمم المتحدة (كإلغاء القرار 3379 الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية) وأوروبا وياسر عرفات وبعض الدول العربية وقبل أن تتعهد بالانسحاب الشامل من الأراضي العربية المحتلة.
ووضعت القمم والمؤتمرات الاقتصادية الأسس والآليات لإقامة سوق "إسرائيل العظمى" على أن تكون سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني والأردن و"إسرائيل" نواتها.
ذهب العرب إلى القمم الاقتصادية التي قاطعتها سورية ولبنان وهم في حالة كبيرة من التمزّق والضياع فاستغلت الولايات المتحدة هذه الأوضاع وحملتهم على الهرولة باتجاه العدو الإسرائيلي.
وكان الحضور الأمريكي والأوروبي الكبير في القمم الاقتصادية يهدف إلى إضفاء الشرعية على هيمنة "إسرائيل" على الاقتصادات العربية، وكانت القمم الاقتصادية خطوات عملية لإنشاء النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية له دلالتان:
الدلالة الأولى: أن الشرق الأوسط الجديد ما هو إلا ستار لدمج "إسرائيل" في المنطقة وتولّيها دور المركز والقائد.
الدلالة الثانية: إن المحرك الرئيس لنظام الشرق أوسط هو محرك أمريكي من خارج المنطقة، ولولا تبنّي الولايات المتحدة له وحماسها لتحقيقه لما خرج إلى حيّز الوجود.
قمة الدار البيضاء الاقتصادية

لقد كانت قمة الدار البيضاء الاقتصادية هي القمة الأولى من نوعها في تاريخ المنطقة والصراع العربي الصهيوني. وكان الهدف المُعلن من عقدها هو إيجاد آلية دائمة للتعاون الاقتصادي بين "إسرائيل" والدول العربية، وإلغاء المقاطعة العربية وتطبيع العلاقات.
أما الدور غير المُعلن فهو إعطاء "إسرائيل" دوراً متميزاً ومحورياً في علاقاتها مع البلدان العربية وتحويلها إلى المركز والقائد وبوابة الاستيراد والتصدير من وإلى البلدان العربية، وخزّان لتجميع النفط والغاز العربي، وأهم عقدة مواصلات، وجعل التعاون الإقليمي بديلاً عن التعاون العربي، والسوق الشرق أوسطية بديلاً عن السوق العربية المشتركة.
ووصلت الوقاحة بالجنرال رابين حداً طالب فيه الدول العربية أن تترك "إسرائيل" تقودها (50) عاماً بدلاً من مصر التي قادتها (50) عاماً إلى الخوف والتخلّف، وطالب دول النفط العربية بأن تدفع دولاراً عن كل برميل تبيعه إلى صالح صندوق التنمية في الشرق الأوسط.
وأكّد الجنرال رابين من على منصّة قمة الدار البيضاء، وأمام الملك الحسن، رئيس لجنة إنقاذ القدس "بأن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل".
وأسفرت قمة الدار البيضاء عن نتائج هامّة لإسرائيل: منها الاعتراف بدورها الإقليمي بالإضافة إلى إلغاء المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة والهرولة في تطبيع العلاقات.
قمة عمان الاقتصادية

وجاءت قمّة عمان الاقتصادية كامتداد لقمة الدار البيضاء، حيث أعلنت الأولى المبادئ العامة للتعاون الإقليمي، بينما اتّخذت الثانية الخطوات العملية لتنفيذها وإقامة الآليات اللازمة لتحقيقها، وبالرغم من أن قمّة عمّان كانت أكثر إمعاناً في إذلال وإهانة وابتزاز الدول العربية وانعقدت في جو سياسي متوتّر يتمثّل بموقف الكونغرس الأمريكي من مدينة القدس العربية، وموافقته على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وبناء مقر السفارة الجديد على أرض تعود ملكيتها للوقف الإسلامي، وتصريحات رابين وبيريس حول القدس واغتيال "إسرائيل" للدكتور فتحي الشقاقي ـ الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في مالطا.
وأدخلت قمّة عمّان الاقتصادية التعاون بين الدول العربية و"إسرائيل" في مرحلة نوعية جديدة، إذ أقيمت لأول مرّة مؤسسات إقليمية دائمة لتنفيذ وترسيخ مخططات النظام الشرق أوسطي وفسح المجال أمام الاقتصاد الإسرائيلي للدخول إلى الأردن، ومن خلالها إلى دول الخليج، وبالتالي حققت المساهمة العربية فيها تقوية "إسرائيل" المدججة بالسلاح التقليدي والنووي، والأيديولوجية الصهيونية العدوانية والتوسعية والاستيطانية والعنصرية، والهجرة اليهودية وترحيل العرب وتهويد الأرض العربية، والتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
تباينت المواقف العربية في قمّة عمّان فقد ركّز الأردن على أهمية التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط والمشاريع المشتركة مع "إسرائيل". وطالب المغرب من الدول العربية الإسراع في تطبيع العلاقات الاقتصادية معها.
ووصلت الهرولة غير المسؤولة حداً قال فيه وزير خارجية عُمان "إن ضغوط بعض الدول العربية لإبطاء عملية التطبيع مع "إسرائيل" مبالغ فيها ولا لزوم لها، وأضاف مؤكّداً على ضرورة التعاون مع "إسرائيل" لتشجيعها على المضي في المسيرة السلمية".
وأكّدت مصر أن السلام هو الأساس لتحقيق التنمية والتعاون، وطالبت بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.
إلا أن يوسف بطرس غالي ـ وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري قال: "إن قمة عمان تضع الحجر الأساس للكيان الاقتصادي المتكامل في المنطقة، وإن قمة الدار البيضاء وضعت الحجر الأول، وقمة عمان جاءت لتكملة مسيرة البناء".
سمع العرب في قمة عمان من الجنرال رابين وبيرس كلاماً أشد قسوة وفظاظة من الكلام الذي سمعوه في قمة الدار البيضاء عن القدس والتعاون الاقتصادي ولم تصدر عنهم (العرب) ردة فعل واحدة.
شهدت القمة خلافاً بين مصر والأردن حول كيفية التعامل مع "إسرائيل" والهرولة في تطبيع العلاقات معها. وقال رابين "وصلت إلى عمان قبل ساعات من القدس الموحدة، عاصمة "إسرائيل" الأبدية، وسأعود إلى داري بعد دقائق". وشن بيرس هجوماً عنيفاً على سورية وقال "أن القدس الموحدة ستظل عاصمة "إسرائيل" لمئات السنين ولن يتم تقسيمها أبداً".
إن الموقف الإسرائيلي الذي أعلنه بيرس ورابين في قمة عمان وأمام حضور معظمه من العرب يدل دلالة واضحة على عدوانية وغطرسة ووقاحة "إسرائيل" وتصميمها على الاستهتار بالعرب ومقدساتهم وحقوقهم، وشجعها على ذلك سكوت الأردن، والتي كانت القدس عاصمته الثانية قبل أن يحتلها الجنرال رابين في حرب حزيران العدوانية؛ بل وتأييدها لمخططات الشرق الأوسط الكبير.
كانت أهم المشاريع التي تم الاتفاق عليها هي مشاريع أردنية ـ "إسرائيلية، ومنها إقامة مصنع لإنتاج البرومين من البحر الميت، وآخر لإنتاج الأسمدة، ومشروع الربط الكهربائي، ومشروع ريفيرا الشرق الأوسط في العقبة وإيلات، وأنبوب الغاز القطري.
مؤتمر القاهرة الاقتصادي

وانعقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي الثالث في تشرين الثاني عام 1996، في ظل تراجع الحكومة الإسرائيلية عن اتفاق الإذعان في أوسلو، وتصعيد القمع والإرهاب والاستيطان والتهديد بشن الحرب على سورية، وتخليها عن مبدأ الأرض مقابل السلام.
وكان الرئيس مبارك قد أعلن أن المؤتمر لن ينعقد إذا لم تنفذ الحكومة الإسرائيلية التزاماتها تجاه عملية السلام وتنفذ الاتفاقات التي وقعتها.
وردت إدارة الرئيس كلنتون على الفور وأعلنت أن المؤتمر سوف ينعقد في موعده. واتصل الرئيس كلنتون وطلب عدم تأجيل عقد المؤتمر.
وانصاعت الحكومة المصرية للضغط الأمريكي دون أن تتعهد الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ التزاماتها التي ضمنتها الولايات المتحدة ووقعت عليها، وبالتالي انعقد مؤتمر القاهرة الاقتصادي بضغط أمريكي لتسويق الشرق أوسطية وتركيز مؤسساتها ودعائمها وتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي.
إن الاستمرار في عقد القمم الاقتصادية يصب في خدمة المصالح الإسرائيلية وفي إخراج نظام الشرق الأوسط إلى حيز الوجود، ويظهر بجلاء أن ممارسات الحكومة الإسرائيلية العدوانية والإرهابية والاستيطانية لم تؤد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف التطبيع، وإن بإمكان "إسرائيل" اتخاذ خطوات وممارسات أكثر تشدداً من السابق دون أن تخشى ردة فعل عربية موحدة وقوية. ففي الوقت الذي جمدت فيه "إسرائيل" المفاوضات على المسارين السوري واللبناني وتخلت عن تنفيذ الاتفاقات التي وقعتها مع القيادة الفلسطينية رحب رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو بعقد مؤتمر القاهرة وتابع في نفس الوقت مصادرة الأراضي العربية وإقامة المستعمرات اليهودية عليها.
أكدت الأحزاب المصرية المعارضة أن مشاركة "إسرائيل" في المؤتمر تعتبر مكافأة للمعتدي، حيث سيقضي انعقاده على السلاح الوحيد لدى العرب في مواجهة التوسع والاستيطان والغطرسة، وهو سلاح المقاطعة العربية. وطالبت بوجوب الوقف الفوري لكافة أشكال التطبيع والتصدي للمطبعين ومقاومة الاختراق التطبيعي، والعمل على إحياء المشروع القومي، ومساندة أبناء الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان، وتفعيل العمل العربي المشترك عبر المؤسسات الشعبية والرسمية.
وكشف كلاوس شفاب، المدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) عن الهدف من عقد المؤتمرات الاقتصادية فقال: "الهدف من المؤتمرات إيجاد فئات من المستفيدين من عملية التسوية دولاً وحكومات وأفراداً وشركات، وأكد أن السنوات الأولى للسلام كانت منعشة للاقتصاد الإسرائيلي بحيث بدأوا يتحدثون عن عدم حاجتهم للمساعدات الأمريكية".
ورحب البيان الختامي للمؤتمر بتأسيس اتحاد السفر والسياحة في الشرق الأوسط في تونس، وإنشاء بنك التعاون الإقليمي، ومقره القاهرة.
أقرت القمة العربية في القاهرة في حزيران 1996 وقف التطبيع، كما أكد مجلس الجامعة العربية في دورته الثانية بعد المائة في 30 آذار 1997 وعلى مستوى وزراء الخارجية استمرار الدول العربية في وقف كافة أشكال التطبيع مع "إسرائيل" وتشديد المقاطعة الاقتصادية وتعليق المشاركة في المفاوضات المتعددة الأطراف حتى تنصاع "إسرائيل" لأسس مدريد. فلماذا إذاً عقدت قطر المؤتمر الاقتصادي الرابع في موعده المحدد.؟
مؤتمر الدوحة الاقتصادي

قاد يهود الولايات المتحدة الأمريكية ومنهم أولبرايت ومارتن أنديك ودنيس روس العرب إلى مؤتمر الدوحة للالتقاء بالمسؤولين الإسرائيليين وأطلق اليهودي سيتورات إيزنشتات، مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الاقتصادية تهديداته للدول العربية التي ستقاطع المؤتمر الاقتصادي الرابع، وذلك لإجبار العرب على القبول بالمخططات الإسرائيلية لنظام الشرق الأوسط الكبير.



أرادت قطر من عقد المؤتمر إرضاء الولايات المتحدة ومكافأة "إسرائيل"، وبالتالي استجابت قطر للضغوط الأمريكية والرغبة الإسرائيلية، مضحية بالمصالح القومية والدينية للعرب في القدس والجولان وجنوب لبنان.
إن موقف قطر أنذر بإحداث المزيد من الانقسام بين الدول العربية بدلاً من تضامنها وتعاونها حول موقف عربي موحد ومثّل طعنة في صميم الإجماع العربي وتفريطاً بالحقوق العربية وهدية إلى نتنياهو على إرهابه واستيطانه وغطرسته.
وجاء التصميم القطري على عقد المؤتمر بعد أن أدت سياسة الحكومة الإسرائيلية وممارساتها إلى انهيار عملية السلام، وبعد أن اقتنع العرب بأن مسلسل القمم الاقتصادية يجب أن يتوقف، وأن البديل الوحيد للتعاون الاقتصادي الإقليمي هو التعاون الاقتصادي العربي والسوق العربية المشتركة.
إن المشاركة العربية في مؤتمر الدوحة أعطت العدو الإسرائيلي الضوء الأخضر لاتخاذ المزيد من إجراءات القهر والقمع والإرهاب وتصعيد الاستيطان وتهويد الأرض العربية، كما أعطت موقفه المعادي للسلام الشرعية، وتعني موافقة الدول العربية التي اشتركت في المؤتمر الانخراط في التعاون الاقتصادي مع "إسرائيل" دون إحلال السلام العادل والشامل مع الأطراف العربية كافة.
كانت "إسرائيل" الطرف الوحيد الذي حقق أهدافه ومخططاته من القمم والمؤتمرات الاقتصادية وامتدت نشاطاتها الاقتصادية والتجارية والأمنية إلى الأردن وقطر وعُمان والمغرب وتونس، لتصل إلى البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، وتحصل على الاستثمارات الأجنبية الهائلة. فلماذا إذاً تعطي قطر "إسرائيل" المجال لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب الأرض والثروات والاقتصادات العربية؟. لماذا أصرت قطر على عقده بعد أن وصلت التسوية السياسية إلى الطريق المسدود؟. لماذا تستفز قطر إيران التي تعارض عقد المؤتمر وتنظر بعين القلق إلى وصول النفوذ الإسرائيلي إلى حدودها؟.
في بادئ الأمر اشترطت قطر تخلي نتنياهو عن بناء المستعمرات واستئناف المفاوضات مع سورية من النقطة التي توقفت عندها لكي توافق على استضافة المؤتمر. ولكن الحكومة الإسرائيلية لم تحقق هذين المطلبين بل صعَّدت من سياسة الاستيطان والقمع والتجويع والإرهاب. وتذرعت قطر في المضي لقعد المؤتمر بحجة أن التعاون الاقتصادي بين العرب و"إسرائيل" يشجعها على استكمال مسيرة "السلام".
إن الأحداث والتطورات والمواقف والممارسات أثبتت بجلاء مدى خطورة مثل هذه المقولة لأنها تشجع "إسرائيل" على المضي في سياستها الاستيطانية والإرهابية والهيمنة في البلدان العربية.
والسؤال الكبير هنا هو: هل تستطيع إمارة قطر بعدد سكانها وحجمها ووزنها أن تحمل "إسرائيل" على المضي في العملية السلمية إذا عقدت مؤتمر الدوحة في موعده المحدد؟.


***





الفصل الثامن :

مخاطر التطبيع:



يعتبر أبا ايبان، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، وأحد قادة حزب العمل البارزين أول من أطلق كلمة "التطبيع"، وذلك بعد حرب حزيران العدوانية، التي أشعلها العدو الإسرائيلي عام 1967، ويعني التطبيع بحسب مفهوم أبا ايبان إقامة علاقات طبيعية بعيدة عن أجواء الحرب والقتال وفي جو من التعاون والسلام.
ويطالب العدو الإسرائيلي باستمرار في تطبيع العلاقات مع العرب دون أن يغيّر من إيديولوجيته الصهيونية وأهدافه في إقامة "إسرائيل العظمى" على حساب الأرض والحقوق والثروات العربية كما يتعامل مع عملية التسوية باستخفاف واستعلاء كبيرين، وممارسات إرهابية واستيطانية وعنصرية لا مثيل لها في العالم على الإطلاق.
وتسخّر "إسرائيل" التطبيع لإعادة تشكيل العقل العربي وحمله على:
أولاً: القبول بالوجود الإسرائيلي على حساب الوجود والحق العربي.
ثانياً: تبني الخرافات والأساطير والمزاعم والأكاذيب اليهودية.
ثالثاً: التخلي عن ثوابت النضال العربي والتشكيك بجدوى التمسك بالهوية القومية والوحدة العربية.
رابعاً: التخلي عن مقاومة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي ووصف المقاومة المشروعة بالإرهاب.
خامساً: القبول بالشروط والإملاءات الإسرائيلية لإقامة "إسرائيل" العظمى الاقتصادية من النيل إلى الفرات.
برز في الساحة العربية اتجاهان حول التطبيع:
الاتجاه الأول: يرفض التطبيع والنتائج التي تمخضت عنها المعاهدات والاتفاقيات والقمم الاقتصادية، وينقسم هذا الاتجاه بدوره إلى تيارين: التيار الأول يرفض رفضاً مطلقاً أي شكل من أشكال التطبيع، والتيار الثاني يربط التطبيع بالانسحاب الكامل والحل العادل.
الاتجاه الثاني: يوافق على التطبيع وينقسم بدوره إلى تيارين: الأول: يتحمس إلى التطبيع والنتائج التي تمخضت عنها القمم الاقتصادية، والثاني: يقابل عملية التطبيع ببرود ويطالب بإقامة السوق العربية المشتركة وتطوير التعاون الاقتصادي العربي.
إن التطبيع الذي يجري فرضه وتسويقه، ليس التطبيع بمعناه السلمي، فالصهاينة خططوا للتطبيع بمعناه الاستعماري لإنهاء قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني بالشروط والإملاءات الإسرائيلية وفرض الهيمنة الإسرائيلية على الاقتصادات العربية، وتعطيل عملية السلام إذا لم تضمن "لإسرائيل" التفوق والهيمنة.
وتقوم "إسرائيل" وبدعم كامل من الولايات المتحدة بإغراء بعض الأطراف العربية على القبول بالتطبيع الكامل لقاء إعطائها بعض الأدوار في المنطقة لتقزيم الصراع وإذكاء التنافس على الأدوار الإقليمية لتصب كلها في مصلحة "إسرائيل" وعلى حساب العروبة والإسلام.
وأخذت بعض الدول العربية ترى أن التطبيع مع العدو الإسرائيلي يشكل حماية لنظامها ويجلب لها رضى الولايات المتحدة الأمريكية واليهودية العالمية.
وقد استفادت "إسرائيل" من جراء تطبيع العلاقات مع العرب، فارتفع مستوى الدخل الفردي، كما ارتفع حجم التصدير والاستثمارات الأجنبية فيها.
ونجحت بمساعدة الولايات المتحدة في تطبيع العلاقات مع قطر وعمان والمغرب والأردن، وبالتالي اخترقت بلدان الخليج، ووصلت إلى منابع النفط وأسواقه التي تتنافس عليها أوروبا والولايات المتحدة.
ويعني النجاح الإسرائيلي في تطبيع العلاقات مع بعض دول النفط العربية أنها دخلت تسويق منتجاتها واستيراد وتسويق النفط والغاز العربي، وبالتالي الحصول على موقع استراتيجي إضافي في علاقاتها مع الولايات المتحدة، فالاختراق الإسرائيلي للخليج يصب في دائرة الولايات المتحدة الأمريكية ويحسم التنافس على الخليج مع أوروبا لصالحها.
إن أمام الحكومات العربية خيار وطني وقومي وديني واحد، وهو التوقف عن التطبيع مع العدو التاريخي للعروبة والإسلام، وبالتالي رفض نظام الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الولايات المتحدة وتعمل على تسويقه بكسر الإرادات العربية وحمل الحكوّمات الموافقة عليه.
إننا مطالبون حفاظاً على ثرواتنا ومعتقداتنا ألا نشتري أو نتاجر في أية بضائع من صنع "إسرائيل"، وذلك تعبيراً عن تصدينا ورفضنا للتطبيع، ولتحصين الوطن والدفاع عنه. لن يستطيع أحد أن يلزم أي تاجر عربي بالاستيراد من "إسرائيل". ولن يستطيع أحد أن يفرض على أي مواطن عربي شراء بضائع "إسرائيلية".
إن عقد قمة الدوحة يظهر عدم التزام قطر بقرار القمة العربية في القاهرة في حزيران 1996 وقرار مجلس الجامعة العربية بوقف التطبيع وتشديد المقاطعة العربية "لإسرائيل".
ويظهر أن قطر لا تدرك مسؤوليتها القومية تجاه أمتها العربية وأنها وضعت علاقاتها مع "إسرائيل" فوق المصالح العربية وفوق مصالح العروبة والإسلام.
إن المخططات والأفكار الاستراتيجية التي يروج لها اللوبي الصهيوني من خلال مراكز الدراسات والأبحاث تقود إلى الحروب والمواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان العربية الإسلامية وإلى توتر العلاقات الأمريكية ـ العربية وبشكل خاص مع الرأي العام العربي والإسلامي، لأنها تهدف إلى إشعال الحروب الاستباقية على العرب والمسلمين تحت شعار مكافحة الإرهاب لتدمير منجزاتهم واحتلال أوطانهم ونهب ثرواتهم وإسقاط الأنظمة والمنظمات والحركات والشخصيات التي تقف في وجه الاستعمار الاستيطاني اليهودي وإرهاب وعنصرية وهيمنة الكيان الصهيوني.
لذلك فإن استراتيجية اللوبي الصهيوني لا تخدم مصالح الشعب الأمريكي، بل تزيد من الحقد والكراهية والبغضاء لكل ما هو أمريكي ليس فقط في المنطقة وإنما في العالم أجمع، لأن إدارة الرئيس بوش تعتمد استراتيجية اللوبي الصهيوني والتي تبناها التيار المحافظ المتطرف عقائدياً. وقادت إلى الحروب العدوانية ضد العرب والمسلمين، ومنها الحرب على العراق وتدمير منجزاته وإبادة شعبه ونهب نفطه وثرواته، وتحقيق الحلم الصهيوني برسم خريطة جديدة للمنطقة أسوأ من خريطة سايكس ـ بيكو لجعل الكيان الصهيوني المركز والقائد للنظام الشرق أوسطي الجديد، الذي يشمل جميع البلدان العربية والإسلامية بما فيها تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان حتى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، وهو مشروع صهيوني ـ إمبريالي، يهدف إلى أمركة العروبة والإسلام ونهب الثروات وإعادة ترتيب الشؤون الثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية لتغيير العقول والإرادات وصهينة الإنسان وبالتالي يرمى نظام الشرق الأوسط الكبير إلى إعادة استعمار البلدان العربية والإسلامية وتحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي.
إن الكيان الصهيوني، الدخيل على المنطقة العربية، الغريب عنها، والمغتصب للأرض والحقوق والثروات، يريد من نظام الشرق الأوسط ومن التطبيع مصادرة التاريخ والجغرافيا والعقل والعاطفة والإرادة العربية، ويريد أن يفرض علينا أن نقبل باغتصابه وهيمنته على أرضنا وثرواتنا، لذلك فإن مقاومة التطبيع وتشديد المقاطعة هما السلاحان اللذان تبقيا لدى الأمة.
إن الحركة الشعبية الرافضة للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط الكبير وللسوق الشرق أوسطية وللتطبيع والمتصاعدة في جميع البلدان العربية، تطالب بإلغاء اتفاقات الإذعان ونتائج المؤتمرات والقمم الاقتصادية وتشديد المقاطعة ومقاطعة المنتجات الأمريكية وإعطاء الصراع مع العدو وجهه الوطني والقومي والديني والإنساني وترفض إقامة الشرق الأوسط الكبير الذي تسعى الولايات المتحدة الأميركية لتسويقه وحمل البلدان العربية على الموافقة عليه والانخراط فيه لتأمين المصالح الصهيونية والأميركية على حساب الوطن والمواطن العربي والمسلم وخلق الشرق الأوسط الكبير الذي تقوده إسرائيل للقضاء على الأمة العربية والهوية الإسلامية وتهميش دور العرب في القرن الحادي والعشرين.

***










الباب الثاني:

دور اليهود في الحرب العدوانية على العراق لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط.




الفصل الأول: ـ دور اليهود في إشعال الحرب.
الفصل الثاني : ـ احتلال العراق مصلحة أمريكية وإسرائيلية.
الفصل الثالث: ـ مراكز الدراسات اليهودية والتخطيط للحرب على العراق.
الفصل الرابع: ـ دور بعض الشخصيات اليهودية في الإدارة الأمريكية.
الفصل الخامس : ـ اليهود في الإدارة الأمريكية.






الفصل الأول:

دور اليهود في إشعال الحرب




يشكل اللوبي الصهيوني قوة أساسية في الولايات المتحدة ويقوم بصنع القرار الأمريكي المتعلق بقضايا الشرق الأوسط الكبير وبشكل خاص الصراع العربي ـ الصهيوني وقضية فلسطين.
ونجح بزرع أعضائه في أهم المراكز الرئيسية والحساسة في الإدارة الأمريكية إبان عهد الرئيس كلنتون.
فلأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يتولى اليهود أهم المناصب التي تتحكم في الاستراتيجية الأميركية العالمية الشاملة والسياسة الخارجية في وزارة الخارجية والدفاع ورئاسة مجلس الأمن القومي والمخابرات المركزية، واختار آل جور ولأول مرة أيضاً في تاريخ الولايات المتحدة اليهودي المتعصب والمؤيد لإسرائيل جوزيف ليبرمان نائباً له في انتخابات الرئاسة لعام 2000.
احتلت مادلين أولبرايت كأول امرأة أمريكية منصب وزيرة الخارجية، وتولى الجمهوري اليهودي وليم كوهن منصب وزير الدفاع إبان إدارة الرئيس الديمقراطي كلنتون. وشغل صموئيل بيرجر منصب مستشار الأمن القومي وجون دوتيش مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، بالإضافة إلى تغلغل اليهود في وزارتي المالية والدفاع، وتولى اليهودي جرينسبان منصب مدير البنك المركزي الأمريكي، وهو الذي يحدد أسعار الفائدة والعملة في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي أوضاع بورصة نيويورك، واحتل اليهود أهم المناصب في البيت الأبيض خلال إدارة الرئيس كلنتون الأولى والثانية.
وسيطروا سيطرة تامة على مراكز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية والإعلامية والصحفية، وبالتالي أحكموا سيطرتهم على صنع الاستراتيجية والسياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالمنطقة العربية والإسلامية.
وأصبح الرئيس كلنتون والرئيس بوش الابن بعده كدمى يحركها ويوجهها اللوبي اليهودي الأمريكي. تولى اليهود الأمريكيون وغالبيتهم من المنضمين والمؤيدين لليكود المفاوضات مع القيادة الفلسطينية لفرض الحل الصهيوني عليها وتصفية قضية فلسطين.
وعلى الرغم من ذلك لم يكتف بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء "إسرائيل" الأسبق بذلك، بل هدد بحرق البيت الأبيض عندما اختلف مع الرئيس كلنتون، وبالفعل فجّر له فضيحة مونيكا لوفينسكي، مما حوّل الرئيس كلنتون إلى أسير في أيدي اللوبي الصهيوني.
ونجحوا بابتزازه تماماً كما فعلوا مع الرئيس ليندون جونسون من خلال عشيقته الإسرائيلية، عميلة الموساد ماتيلدا كريم.
تعزز التحالف بين المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني والتحالف المسيحي الإنجيلي والرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير حربه رامسفيلد والليكود بزعامة مجرم الحرب شارون.
وتبنى الرئيس الأمريكي مخططات شارون بالكامل وأعطاه الضوء الأخضر للاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني وتدمير منجزاته ومصادر عيشه لكسر إرادته وفرض مشروعه للتسوية تحت ستار خريطة الطريق التي استوحاها بوش من مشروع شارون للتسوية.
وأدى هذا التغلغل الذي لا مثيل له على الإطلاق لا في تاريخ الولايات المتحدة أو حتى في أي دولة من دول العالم، إلى إدارة اليهود السياسة الأمريكية في البلدان العربية والإسلامية لصالح إسرائيل والصهيونية العالمية.
ويؤدي إيمان اليهودي بازدواجية الولاء وبأن "إسرائيل" هي دولة جميع اليهود في العالم وممثلهم الشرعي الوحيد إلى تقديم اليهود مصالح "إسرائيل" على "مصالح الولايات المتحدة".
وبالتالي يعمل يهود الولايات المتحدة لصالح وطنهم الأم "إسرائيل" أولاً وقبل كل شيء، وبالتالي يتحوّل يهود أمريكا إلى عملاء وجواسيس لإسرائيل مما يلحق أفدح الأضرار بالأمن الوطني والقومي للبلدان العربية والإسلامية، وتعتبر قضية الجاسوس جونثان بولارد دليلاً واضحاً على ذلك.
استطاعت الصهيونية العالمية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بتأسيس ما يسمى "مجموعات التفكير" وغرستها في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتمكّن هؤلاء من تعيين موظفين يهود في أماكن حساسة في الدولة الأمريكية، عبر الحزبين الأمريكيين، مهمتهم الأساسية توجيه القرارات والمواقف والممارسات الأميركية لصالح إسرائيل وضد قضية فلسطين والوحدة العربية والعروبة والإسلام.
ونجح اللوبي الصهيوني بتكليف اليهودي دنيس روس بإدارة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية.
ألا يُعتبر ذلك من قبيل الاستهتار بالحكومات العربية إرسال الولايات المتحدة اليهود لتحديد علاقاتها مع الدول العربية وإيجاد تسوية للصراع العربي ـ الصهيوني؟
بدأ اليهود بتسويق استخدام القوة العسكرية والحروب الاستباقية على البلدان العربية والإسلامية لفرض الهيمنة على الشرق الأوسط الكبير كمقدمة لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم، وذلك لتسويق مخططات الشرق الأوسط الجديد التي وضعتها "إسرائيل".
ويأتي بول ولفوويتز، نائب وزير الحرب الأمريكي في مقدمة الذي تبنوا ونادوا بالقضاء على النظام العراقي منذ عام 1979 وبالتحديد بعد انعقاد قمة بغداد العربية التي أوقفت تعميم كامب ديفيد.
وهو نفسه الذي قام بالتنظير لحروب مئة عام ضد الإسلام، وهو نفسه الذي نصح بوش بصرف أنظاره فترة طويلة عن حل قضية فلسطين وإطلاق العنان لمجرم الحرب شارون بالاستمرار في حرب الإبادة والتدمير للشعب الفلسطيني لكسر إرادته وإخضاعه.
جاءت الحرب العدوانية على العراق تجسيداً للمخططات التي وضعها بول ولفوويتز عام 1979 واللوبي الصهيوني والحكومات الإسرائيلية وذلك بعد محاصرة نظام السادات ونقل الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس وتقديم الدعم المالي للأردن وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية لتعزيز الجبهة الشرقية وتحرير الأراضي العربية المحتلة.
وقررت اليهودية العالمية وإسرائيل إعلان الحرب على الإسلام بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، لأنهم يخشون من تحوّل الصراع العربي الصهيوني من صراع قومي إلى صراع ديني ويخشون من الربط بين العروبة والإسلام.
وجاء اليهودي صموئيل هنتنجتون، الأستاذ في جامعة هارفارد ووضع نظرية "صدام الحضارات"، وتبنتها إدارة الرئيس بوش، كما تبنت المخطط الذي وضعه اليهودي برنارو لويس حول الشرق الأوسط الجديد.
تبنت الإدارة الأمريكية بعد استغلالها للإسلام وأموال دول الخليج العربية وهزيمة الجيش السوفيتي في أفغانستان وانهيار الشيوعية نظرية "المواجهة مع العالم الإسلامي" التي وضعها اليهود في الولايات المتحدة وعلى رأسهم دانيل يايبس وبرنارد لويس ومارتن كرامر.
وأخذت مراكز البحوث والدراسات اليهودية والمراكز الأمريكية الأخرى والتي يعمل فيها اليهود تروِّج إلى محاربة الإسلام والأحزاب والدول القومية العربية لتنفيذ المخطط الذي وضعته الصهيونية والكيان الصهيوني بإعلان الحرب العالمية على الإسلام.
زعم اليهود وزعمت "إسرائيل" كذباً وبهتاناً وكعادة اليهود في الكذب، وهم أساتذة كبار في فن الكذب، لا سيما وأن كتبة التوراة والتلمود رفعوا الكذب إلى مرتبة القداسة الدينية وزعموا أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويرتبط مع تنظيم القاعدة ويهدد الأمن في المنطقة والأمن القومي الأمريكي، واستغلوا إيمان معظم الشارع العربي بأن فلسطين عربية وبأن الصراع العربي الصهيوني صراع وجود ودعمه للمقاومة الفلسطينية ونجحوا في إقناع إدارة الرئيس بوش بوجود تغيير النظام العراقي عن طريق الحرب وأقنعوه بأن العالم العربي "هو عالم متخلفين لا يفهمون سوى لغة القوة، وأن تنظيم القاعدة نما وترعرع على كراهية الغرب بفعل النظم الاجتماعية والثقافية والتعليمية القائمة في هذه البلدان([27]). وأخذت "إسرائيل" تسعى سعياً حثيثاً للإسراع بإشعال الحرب العدوانية على العراق وعارضت فكرة قبول العراق لعودة المفتشين الدوليين، وطالبت مراراً وتكراراً بالإسراع في الحرب للقضاء على النظام العراقي وضمان نزع أسلحة الدمار الشامل الموجودة لديه، وأكد نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الأسبق "على أهمية استمرار الولايات المتحدة في خطتها الهادفة إلى ضرب العراق وتغيير النظام فيه، لأنه لا شيء آخر يضمن تدمير أسلحة العراق المحظورة"([28]).
فالاستراتيجية الصهيونية تقوم على تفتيت الدول العربية الكبيرة لضمان تهويد فلسطين وتحقيق المشروع الصهيوني وتولي قيادة النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد أو الكبير كمقدمة لفرض هيمنة الصهيونية على المنطقة وعلى العالم.
ورطّتْ الولايات المتحدة بمساعدة من بعض الحكام العرب النظام العراقي في حربه ضد إيران وطلبت من بعض دول الخليج العربية المساعدة في تمويل الحرب على إيران، ولكن الجيش العراقي خرج قوياً من الحرب مما قد يشكِّل تهديداً في المستقبل لإسرائيل.
لذلك نجح اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ونجحت إسرائيل في إقناع إدارة الرئيس بوش الأب والابن بوجوب تدمير الجيش العراقي للحفاظ على أمن إسرائيل والاستقرار في المنطقة.
عملت الولايات المتحدة مجدداً عن طريق نفوذها على بعض الشخصيات العربية الحاكمة على توريط النظام العراقي مجدداً في الحرب على الكويت، ولا يزال المرء يذكر الدور الذي قامت به السفيرة الأمريكية في بغداد في تشجيع النظام على احتلال الكويت ولا تزال مختفية عن الأنظار حتى اليوم.
أقام بوش الأب التحالف الدولي تحت ستار "تحرير الكويت" وأعلن الحرب على العراق في عام 1991 بعد أن سحب النظام العراقي قواته من الكويت وقام بتدميرها في طريق انسحابها من الكويت إلى البصرة خدمة لإسرائيل وللمصالح الأمريكية في الخليج والتوسع في إقامة القواعد العسكرية في البلدان العربية.

***





الفصل الثاني :

احتلال العراق مصلحة أمريكية وإسرائيلية




تعتبر منظمة أيباك، المنظمة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة في الولايات المتحدة من أقوى مجموعات الضغط تأثيراً على أعضاء الكونغرس وأقوى من مكانتها داخل الكنيست الإسرائيلي.
وتأتي منظمة "أبناء العهد" بنايَ بريث من أقوى المنظمات اليهودية تأثيراً بعد إيباك، حيث تقوم "رابطة مكافحة التشهير" التابعة لها بممارسة الضغط والابتزاز على كل من ينتقد ممارسات "إسرائيل" الاستعمارية والإرهابية والعنصرية.
وتدير إيباك وبناي بريث مراكز الدراسات الاستراتيجية اليهودية وترتبط بهما وبالموساد هذه المراكز والشخصيات العاملة فيها.
وتسخِّران التقارير والمعلومات للتأثير على مواقف الحزبين الرئيسيين وأعضاء الكونغرس والرئيس أي تقومان بالتأثير على صنّاع القرار الاستراتيجي والسياسي في الولايات المتحدة.
ومن أبرز هذه المراكز معهد واشنطون لدراسات الشرق الأدنى، وأسسه الصهيوني مارتن أنديك ويديره اليهودي دنيس روس الذي ترأس المفاوضات الأمريكية مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وقدم دراسة تمثل وجهة النظر الصهيونية عن الشرق الأوسط للرئيس بوش الابن تحت عنوان: "تقرير فريق الدراسة الرئاسي: الإبحار عبر الاضطراب، أمريكا والشرق الأوسط في قرن جديد".
وشارك فيها فريق عمل من أعضاء الحزبين الأمريكيين، وتضمنت التطورات الإسرائيلية لمستقبل المنطقة العربية ـ الإسلامية.
تحركت مراكز البحث اليهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل منذ عام 1979 لإقناع الرؤساء ووزارة الدفاع والمخابرات المركزية بوجوب إسقاط النظام في العراق عن طريق الحرب بسبب موقفه من قضية فلسطين.
فالولايات المتحدة وإسرائيل تعملان للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط والقضاء نهائياً على الوحدة العربية والنظام العربي، لذلك أصبحت قضية العراق وجيشها القوي ومخزون النفط الهائل فيه تمثل محور الهيمنة على المنطقة.
وبلور ديفيد ويرمسير من معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة "إن من يسيطر على العراق يتحكم استراتيجياً في الهلال الخصب وبالتالي الجزيرة العربية"([29]).
لذلك أصبح تغيير النظام العراقي مصلحة أمريكية ومصلحة إسرائيلية، وبعبارة أوضح أقنع يهود أمريكا وأقنعت إسرائيل إدارة الرئيس بوش الابن بوجوب القيام بالحرب على العراق.
وكشف ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي خلال زيارته لمنطقة الشرق الأوسط في آذار 2002عن مصلحة "إسرائيل" في تغيير النظام العراقي وقال: "إن الهجوم الأمريكي على العراق هو أولاً وأخيراً من أجل إسرائيل".
وللإسراع في الحرب الأمريكية على العراق تحدث الليكودي ريتشارد بيرل، رئيس مجلس سياسة الدفاع في وزارة الحرب الأمريكية في محاضرة له أمام معهد أبحاث السياسة الخارجية في فلادلفيا، في 14 تشرين الثاني 2001 قائلاً: "إن النظام العراقي حاول اغتيال الرئيس بوش الأب عام 1993 أثناء زيارته للكويت... وهناك تصور استراتيجي لإيجاد تحالف على شكل حلف الناتو يتألف من النظام العراقي الجديد وتركيا وإسرائيل وبعض الدول العربية التي تعتقد "إسرائيل" بأنها تسير في ركابها مستقبلاً".
ويُذكر أن الجنرال رابين قبل اغتياله قال عام 1994 للملك حسين: "سنعطيكم العراق وستقومون بنقوده بتمويل مشاريع نظام الشرق الأوسط الجديد، وسيقام اتحاد عراقي ـ أردني ـ إسرائيلي".
"ويذكر ديفيد ويرميسي أن شمعون بيرس عندما تولى رئاسة الوزارة الإسرائيلية بعد اغتيال رابين عام 1995، وفي اجتماع مع بعض المسؤولين الأمريكيين في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه قد اقترح على الأمريكيين تشكيل حلف ناتو شرق أوسطياً يضم إسرائيل وتركيا وبغداد بعد إسقاط نظام العراق، وبعض الدول العربية الصغيرة"([30]).
تبنى التيار المحافظ وإدارة الرئيس بوش التصور الاستراتيجي الصهيوني (الإسرائيلي) من الناحية الاستراتيجية لمستقبل المنطقة، لرسم خريطة جديدة لها لإعطاء إسرائيل الدور القائد والمهيمن والقضاء على النظام العربي وعلى دور العرب في العصر الحديث.
ويركز تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة" على عزل سورية ومحاصرتها بين إسرائيل من جهة وبين نظام عراقي عميل للولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.
وينادى التقرير بإحياء التكتلات والتحالفات القبلية والعشائرية لتستطيع "إسرائيل" الهيمنة على المنطقة.
وينطلق التقرير من الاستراتيجية الصهيونية ويؤكد أنه بعد إسقاط النظام سيجري حصار سورية وعزلها وحصار إيران من الشرق والغرب لإسقاط النظام الإسلامي في إيران.
ويؤكد اليهودي مارتن أنديك مؤسس معهد واشنطون لدراسات الشرق الأدنى في مقابلة مع مجلة "جيروزاليم ريبورت في آذار 2002" أن الولايات المتحدة ستشهد هجوماً عسكرياً على العراق وسوف تتخذ إجراءات أشد صرامة بحق إيران، وستواجه إيران أسوأ كابوس تحلم به، نظام ذو توجه عربي موال لأمريكا على حدودها الشرقية في أفغانستان ونظام موال لأمريكا مع قوات أمريكية على الحدود الغربية ببغداد، وسيفهم الإيرانيون هذا الأمر على أنه إسفين ضدهم كما يجعلنا نتحدث إليهم من خلاله بلطف، فيما نحمل عصا غليظة في يدنا، وفي الحقيقة عصاتين، إذا تلازم ذلك مع الضغط الدولي من أجل الإصلاح، فإنه يضعنا في موقع نستطيع من خلاله التأثير في سلوكهم بشكل إيجابي مع الزمن".
وتتطلب الاستراتيجية الصهيونية([31]) في المنطقة التي وضعتها مراكز الدراسات اليهودية توجيه الانتقاد واللوم الدائم لمصر والسعودية خدمة للتوازن الإقليمي بعد رسم الخريطة الجديدة للمنطقة وخاصة أن مصر لا تقبل بقيادة إسرائيل للنظام الإقليمي، وذلك لممارسة الضغط عليهما للحصول على المزيد من التنازلات في قضية فلسطين.
وتتضمن المصلحة المشتركة الأمريكية والصهيونية للحرب الأمريكية على العراق أبعاداً استراتيجية واقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية، ويأتي البعد الاقتصادي في مقدمتها.
فالحرب العدوانية أدت إلى الهيمنة الأمريكية على نفط العراق والتي بدورها ستؤدي إلى تحقيق الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، فالسيطرة الأمريكية على منابع النفط من كازاخستان وحتى السعودية والعراق لمحق الأضرار الفادحة في اقتصادات البلدان الأوروبية وبشكل خاص فرنسا وألمانيا، فالذي يسيطر على النفط وكمياته وأسعاره وممراته يسيطر على الاقتصاد العالمي.
وحققت إسرائيل هدفاً استراتيجياً بالقضاء على الجيش العراقي وعلى إقامة جبهة شرقية مستقبلاً، ما يزيد من الأطماع الصهيونية في الأرض والثروات والأموال العربية.
إن قادة إسرائيل هم الذين أشعلوا الحرب على الإسلام واختلقوا "الخطر الإسلامي" المزعوم على أمريكا وأوروبا لتخليد الاحتلال وإنجاح الاستعمار الاستيطاني اليهودي والهيمنة على المنطقة.
ويعتقد العديد من المحللين السياسيين بأن اليهود هم الذين كانوا وراء 11 ايلول، وهم وحدهم حققوا أرباحاً خيالية وإسرائيل كانت ولا تزال أكبر المستفيدين منها.
إن حروب إسرائيل ومخططاتها وممارساتها هي التي هددت وتهدد الاستقرار والتنمية والتقدم في المنطقة، وهي التي تهدد المصالح الغربية فيها.
نجح يهود الولايات المتحدة، بوضع المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي على قائمة الإرهاب.
وتتجاهل الإدارة الأمريكية بشكل همجي غير مسبوق إرهاب الدولة والإبادة الجماعية الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
وأقنعوا إدارة الرئيس بوش أن إسقاط النظام في العراق الذي يحتوي على أكبر احتياطي للنفط في العالم، أي أكبر من احتياط النفط السعودي وإيجاد نظام عراقي متحالف مع أمريكا وإسرائيل والتحكم بالنفط العراقي وبأسعاره وكمياته يحقق الهيمنة الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية للولايات المتحدة على الشرق الأوسط الكبير.
لذلك كانت الحكومات الإسرائيلية (بزعامة السفاح شارون) تدفع إدارة الرئيس بوش إلى الإسراع في شن الحرب العدوانية على العراق وإسقاط النظام العراقي وتغيير وجهه العربي.
وشن يهود الولايات المتحدة وريتشارد بيرل، رئيس مجلس الدفاع في البنتاغون حملة شعواء على السعودية، وكان بيرل وراء نشر تقرير مؤسسة راند في 10 تموز 2002 الذي يطالب باحتلال مناطق النفط في السعودية وتجميد أرصدتها في الولايات المتحدة لتشويه السعودية وتسخير التقرير لخدمة إسرائيل وممارسة أقصى أنواع الضغوط عليها، ويحدد التقرير أن الهدف الاستراتيجي هو مصر والسعودية وسورية التي تشكل محور النظام الإقليمي العربي".
إن الاستراتيجية الصهيونية لا تخدم مصالح الولايات المتحدة المستقبلية لا في المدى البعيد أو المتوسط، بل زادت من الكراهية والبغضاء لها، وانتشر العداء للسياسات الأمريكية بشكل منقطع النظير في المنطقة وبقية أنحاء العالم، وفقدت الولايات المتحدة صدقيتها ومصداقيتها بسبب تبنيها للأكاذيب اليهودية التي يروجها اللوبي الصهيوني وإسرائيل من خلال مراكز الدراسات والأبحاث والتي تقود إلى توتر العلاقات الأمريكية ـ العربية وإلى المواجهة مع البلدان العربية والإسلامية وبشكل خاص مع الرأي العام الشعبي والنخب في بلدان المنطقة.
وتقوم الاستراتيجية الصهيونية على إسقاط وإضعاف النظم العربية المعادية لها ومحاصرتها وتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية لإقامة إسرائيل الكبرى.
إن محاربة الولايات المتحدة الأمريكية للإسلام هو تجسيد لتبني الاستراتيجية الصهيونية وتحالف اللوبي الصهيوني مع المحافظين الجدد ومع التحالف المسيحي (الإنجيلي).
يعلق جراهام فوللر، نائب الرئيس السابق لمجلس المعلومات القومي التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية على هذا التحالف ويقول:
"إنه سوف يورط الولايات المتحدة في صراع مع العالم الإسلامي، فقد ظهر جدل حول الإسلام تسود فيه الأصوات اليهودية المؤيدة لإسرائيل والمسيحية على نحو ساحق، وفي أعقاب هذه الأحداث تتحالف الولايات المتحدة على نحو عميق مع الحكومة الإسرائيلية الأكثر تشدداً في التاريخ".
ودفع تبني إدارة بوش للاستراتيجية الصهيونية بالفكر الأمريكي جون اكنبري إلى القول:
"إن سياسة بوش لن تهدد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فقط؛ بل ستزيد من العداوة لها في العالم وتؤدي إلى عزلتها دولياً"([32]).
وأشار العديد من المفكرين الأمريكيين ومنهم بول كيندي أن سياسة شارون تهدد مستقبل إسرائيل ووجودها.
وأعاد المحلل البريطاني دران بشير تكرار قول الرئيس ريتشارد نيكسون إلى بات بوكنان عندما كان رئيساً "إن نهاية إسرائيل ستكون مثل الإمبراطورية الرومانية صعوداً ثم هبوطاً إلى الهاوية"([33]).
ويتوقع اليهودي رون ينز في مجلة كومنتري اليهودية "نهاية إسرائيل كما انتهت الممالك الصليبية في فلسطين وبقية بلاد الشام".
إن الاستراتيجية الصهيونية والتحالف المسيحي والمحافظين الجدد وإدارة الرئيس بوش تقود الولايات المتحدة إلى المواجهة مع البلدان العربية والإسلامية وشعوب العالم، لأن مشروع الشرق الأوسط الكبير نوع من الوصاية على المنطقة ويهدف إلى الهيمنة عليها واستغلال ثرواتها النفطية، ولا يهدف إلى الإصلاح على الإطلاق بل احتواء المنطقة عبر عملية الدمج بين التكنولوجيا الإسرائيلية والمال العربي واليد العاملة العربية الرخيصة لتصبح إسرائيل المركز والقائد للنظام الإقليمي الجديد ولإعادة صياغة عقل وروح وفكر الإنسان العربي والمسلم بالقضاء على الثقافة العربية الإسلامية وأمركة المنطقة وصهينتها.
***





الفصل الثالث:

مراكز الدراسات اليهودية

والتخطيط للحرب على العراق




أصدر معهد الدراسات السياسية الاستراتيجية المتقدمة والذي يلعب فيه الليكودي ريتشارد بيرل دوراً أساسياً عام 1996 دراسة "حول استراتيجية إسرائيل عام 2000". ترأس بيرل فريق العمل الذي أنجز الدراسة وهو يشرف أيضاً على التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي في الليكود. ويوجد للمعهد مركز في القدس المحتلة وآخر في واشنطون.
وهناك مركز فريمان للدراسات الاستراتيجية في تكساس، والمعهد اليهودي لدراسات الأمن القومي، ويديره ستيفن براين.
ويرأس ويدير هذه المراكز اليهودية مجموعة من الذين شغلوا مناصب هامة في الإدارات الأمريكية، ولا تزال لهم علاقات وصلات وارتباطات مع صنّاع القرار السياسي والاستراتيجي في الإدارة الأمريكية.
وينتشر آلاف اليهود في معاهد الاستشراق والجامعات ومراكز الأبحاث الاستراتيجية الأمريكية.
ويلعب هؤلاء مع بقية المراكز والمنظمات اليهودية دوراً أساسياً في بلورة وقيادة وتوجيه الفكر السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد في المنطقة العربية.
وتزداد قوة وتأثير مراكز البحث والدراسات اليهودية بمراكز الأبحاث التي يشرف عليها المحافظون اليمنييون وجماعة التحالف المسيحي، وتتعاون هذه المراكز مع بعضها البعض ويعمل بها العديد من اليهود كمستشارين وكباحثين وخبراء في الشؤون العربية والإسلامية وقضايا منطقة الشرق الأوسط ومنها معهد التراث والمعهد الأمريكي للسياسة العامة.
ونجح اليهود في التأثير حتى على معهد بروكنجز الذي وضع العديد من الدراسات والتصورات لحل الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين في السبعينات من القرن العشرين.
ويصدر معهد الدراسات السياسية الخارجية في فلادلفيا مجلة فصلية وبعض الدراسات حول قضايا منطقة الشرق الأوسط، وأداره الصهيوني دانيل بايبس فترة طويلة من الزمن.
قامت مراكز الدراسات والمعاهد الاستراتيجية اليهودية والمحافظة من خلال اليهود المتواجدين فيها بوضع تصورات ومخططات لمستقبل البلدان العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط الكبير، للقضاء على الوحدة العربية وعلى الأحزاب والدول القومية العربية والدعوة لإشعال الحرب العالمية للقضاء على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي وإشعال الحرب على أفغانستان والعراق وتفتيت وحدة أرضه وشعبه، وتقسيم المنطقة إلى دويلات سياسية قبلية ودينية وعرقية لإضعاف الأمن القومي العربي، وتهويد فلسطين وإنجاح المشروع الصهيوني وتخليد الوجود العسكري الأمريكي وتمكين إسرائيل من قيادة المنطقة العربية.
فالهدف الاستراتيجي للصهيونية العالمية والكيان الصهيوني إقامة نظام الشرق الأوسط الكبير على أنقاض النظام الإقليمي العربي وإقامة منظمات ومؤسسات إقليمية على أنقاض منظمات ومؤسسات العمل العربي المشترك وعلى أنقاض الجامعة العربية.
لقد نادى اللوبي الصهيوني بعد أحداث 11 أيلول الإسراع في إقامة التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط الكبير من أجل أن تهيمن "إسرائيل" على المنطقة العربية وتهميش دور مصر والسعودية، وتبنى معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية المتقدمة هذا التوجه بإغراء بعض القادة الأتراك بالتعاون الكامل مع إسرائيل لقيادة التحالف الجديد.
وتريد "إسرائيل" حصار سورية وإيران والتجسس عليهما من خلال هذا التحالف ومن خلال علاقاتها بالأكراد في شمال العراق والتغلغل في جمهوريات آسيا الوسطى.
وقاد اليهودي الليكودي ريتشارد بيرل مؤسس المركز هذا الاتجاه عندما كان يشغل منصب مساعد وزير الدفاع الأمريكي في إدارة الرئيس ريغان وذلك انطلاقاً من أهمية تركيا الاستراتيجية لإسرائيل.
ويسعى اللوبي الصهيوني بما له من نفوذ في الكونغرس والبيت الأبيض والمخابرات المركزية بالتركيز على أهمية التعاون الإسرائيلي ـ التركي ـ الهندي للهيمنة على الشرق الأوسط الكبير.
ومن هنا يجب أن تنظر الدول العربية والإسلامية بعين الخطورة للتعاون العسكري المتصاعد بين العدو الإسرائيلي والهند.
وبالفعل تبنت الإدارة الأمريكية منذ فترة الرئيس كلنتون ووزارة الدفاع الأمريكية هذا التوجه الصهيوني.
وركز اللوبي الصهيوني على محاربة الإسلام و"الإرهاب الإسلامي" واستغلال الولايات المتحدة لإقامة التحالف الإسرائيلي ـ الهندي.
استغلت إسرائيل أحداث 11 أيلول والحرب الصليبية العالمية التي نجحت بإقناع الرئيس بوش الابن بشنها على العرب والإسلام ومقولة محاربة الإرهاب الإسلامي ووجود حزب جاناتا الهندوسي المتطرف في الحكم لإقامة التحالف بين إسرائيل والهند ومن اجل جر الهند إلى حرب مع الباكستان.
ونشرت التقارير الصحفية أخباراً عن وجود تقرير سري لمركز المعلومات والوثائق الإسرائيلي يتضمن الاتصالات بين إسرائيل والهند، "حيث حاولت إسرائيل إقناع الهند بضرب باكستان وتدمير المنشآت النووية الباكستانية من أجل لفت أنظار العالم عن جرائمها في فلسطين"([34]).
ونجحت المساعي الإسرائيلية في ابتزاز الولايات المتحدة لباكستان وحملها على التعاون العسكري والاستخباراتي في الحرب الأمريكية ضد أفغانستان مما فوت الفرصة على إسرائيل لأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تتورط في الحرب الباكستانية ـ الهندية مما يعقد دور الولايات المتحدة في أفغانستان وقد ينهي دور حليفها برويز مشرف في باكستان"([35]).
ولا تزال الأوساط الصهيونية الأمريكية تركز على أهمية التحالف بين إسرائيل والهند في محاربة الإسلام والجهاد في الإسلام ولتطويق النظام العربي وإخضاعه للهيمنة الإسرائيلية.
جاءت الحرب الأمريكية على العراق تنفيذاً للمخطط الذي وضعه اليهود في الإدارة الأمريكية وخارجها. وكانت إسرائيل تضغط باستمرار للإسراع في تطبيقه باحتلال العراق وتدميره والإطاحة بالنظام فيه والقضاء على المؤسسات والمنجزات التي حققها الشعب العراقي. وكان نائب وزير الحرب الأمريكي بول ولفوويتز يلح باستمرار على إدارة بوش الابن صرف النظر عن قضية فلسطين والتركيز على الإطاحة بالنظام العراقي ورسم خريطة جديدة للمنطقة. وبالتالي منح إسرائيل الوقت الكافي لتهويد القدس والضفة الغربية وإبادة الشعب الفلسطيني. ويعتبر المحافظون ولفوويتز "الأشد خطراً في إدارة بوش لأنه طالب بتدخل عسكري أميركي في إيران وسورية بعد احتلال العراق.
ووصفته صحيفة الغادريان البريطانية بأنه يعتبر "أكثر الصقور إثارة للجدل بسبب تعطشه للحرب "طبعاً على البلدان العربية والإسلامية".
حدد السياسة الأميركية بعد أحداث 11 أيلول وقال "أن السياسة الأميركية تتركز على إنهاء الدّول التي ترعى الإرهاب"([36]).
وتحدثت صحيفة نيويورك تايمز في تشرين الأول 2002 عن الضغوط الهائلة التي يمارسها ولفوويتز وعصابته اليهودية من أجل إشعال الرئيس بوش الحرب الفورية على العراق. فالحرب الأمريكية على أفغانستان "الأرض القاحلة القصيرة, لا تكفي لإطلاق الحرب العالمية الصليبية على العروبة والإسلام, لأن الحرب على العراق تشكل المدخل لتحويل الحرب على الإرهاب إلى حروب صدام الحضارات, لأن الإسلام ـ برأي نائب وزير الدفاع الأميركي هو العدو ولو لفترة حروب تدوم مئة عام.
ويتبنى ولفووتيز وعصابته موقف الليكود من اعتبار كل دولة إسلامية تخشاها إسرائيل دولة عدوة. ونجح بتسويق مواقفه الصهيونية لإدارة الرئيس بوش.
ويقود الرئيس بوش الولايات المتحدة في حرب عالمية ورطة فيها ولفووتيز وعصابته ومنهم ريتشارد بيرل.
كشفت التايمز أن مجلس سياسة الدفاع في وزارة الأمريكية الذي يرأسه ريتشارد بيرل هو أحد أقسام هذه العصبة (العصابة). ويرتبط المجلس بعلاقات خاصة مع إسرائيل ويلعب دور حكومة (لصالح إسرائيل) داخل حكومة (الولايات المتحدة). يضم المجلس وزير الخارجية الأسبق اليهودي هنري كيسنجر, ومدير المخابرات المركزية الأسبق جيمس ولسلي. ووضع عام 1992 خطة للإدارة الأمريكية بعنوان "تأسيس وحماية نظام عالمي جديد تحت هيمنة أمريكية لا تضاهى". وذلك لردع منافسين محتملين لدور إقليمي أو عالمي. ودعت الخطة لاستخدام أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيماوية بشكل استباقي.
وشكّل ولفوويتز وعصبته فيما بعد مجموعة تدعى "مشروع القرن الأمريكي الجديد" وتضم نائب الأمريكي ديك تشيني وريتشارد بيرل.
وجاء في وثيقة وضعتها مجموعة مشروع القرن الأمريكي "أن ما تحتاج إليه الولايات المتحدة لتحقيق هيمنتها عالمياً هو حدث كارثي محفِّز كبير لبيرل هاربر جديد"([37]).
وتبنى الرئيس بوش في حزيران 2002 خطة ولفووتيز كسياسة رسمية لإدارته, وذلك في الخطاب الذي ألقاه في الأكاديمية العسكرية في وست بوينت.


***





الفصل الرابع :

دور بعض الشخصيات اليهودية في سياسة

الإدارة الأمريكية المعادية للعرب والمسلمين




انتشرت العديد من الأقاويل حول دور اليهود وجهات أمريكية يمينية عليا في أحداث 11 أيلول انطلاقاً من مخططاتهم ونظراً لقدرات الموساد والمخابرات المركزية في اختراق جهات إسلامية حاربت الاتحاد السوفييتي في أفغانستان بدعم أمريكي وتمويل من بعض دول النفط العربية. وظهر بجلاء فيما بعد أن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي استفادت من إعلان الرئيس الأمريكي الحرب الصليبية العالمية على العرب والمسلمين. وتأتي بعدها الولايات المتحدة التي قررت الهيمنة على العالم وأمركته ونهب النفط العراقي.
لعب ديك تشيني, نائب الرئيس, ورامسفيلد وزير الحرب ونائبه ولفوويتس, ومجلس سياسة الدفاع الذي شكله رامسفيلد في آب 2001 للقيام بالتخطيط الاستراتيجي الأمريكي العالمي دوراً أساسياً في الحرب على العراق. وعين رامسفيلد الإسرائيلي الأمريكي ريتشارد بيرل رئيساً له. ويهيمن على المجلس المحافظون من معهد هوفر ومؤسسة التراث. وكان جميع الأعضاء اليهود فيه يضغطون من أجل شن الحرب على العراق, مما دفع بالمفكر الإسرائيلي يوري أفنيري بوصف إدارة بوش واليهود فيها "بالشارونيين الصغار"([38])).
عيّن الرئيس بوش اليهودي المتطرف آليوت ابرامس, واحد المتورطين في فضائح الأسلحة "كونترا وايران جيت, مسؤولاً في مجلس الأمن القومي الأمريكي عن شؤون الشرق الأوسط كأخصائي في الأديان وحقوق الإنسان, وبالتالي أصبح يقرر الموقف الأمريكي من الإسلام ومن الحكومات في المنطقة للتدخل في شؤونها وممارسة الضغط والابتزاز عليها باسم حقوق الإنسان لصالح إسرائيل, أسوأ دولة إرهابية وعنصرية واستعمارية في التاريخ البشري.
ويرتبط ابرامس بعلاقات قوية مع شركات ومؤسسات صناعة السلاح الإسرائيلي ومن المؤيدين لرئيس الوزراء الإسرائيلي مجرم الحرب شارون. واعتبرت بعض الأوساط الأمريكية أن تعيين هذا الصهيوني المتطرف يعني نجاح اللوبي الصهيوني بتحديد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ويرفض ابرامس معادلة "الأرض مقابل السلام" وتوجيه الانتقادات لممارسة إسرائيل الهولوكوست على الشعب الفلسطيني.
ويرفض أيضاً توجيه الانتقادات لتهويد "إسرائيل" لمدينة القدس العربية والأماكن العربية المقدسة فيها ومحاصرة المسجد الأقصى ومنع المصلين المسلمين من الصلاة فيه, بوصفها انتهاكاً فظاً ووقحاً للحرية الدينية.
ووصل تطرف ابرامس حداً انتقد فيه بعض الأصوات اليهودية لدعوتها إلى استئناف المحادثات مع السلطة الفلسطينية ووقف العنف بعد اندلاع انتفاضة الأقصى.
وأعلن تأييده للاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على تسخير القوة العسكرية وفرض الأمر الواقع الناتج عنها وتستند إلى طغيان القوى العسكرية للولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة, كما يحدث في فلسطين والعراق وابتزاز بقية الحكومات العربية. وطالب بدعم التحالف العسكري بين إسرائيل وتركيا ضد الدول العربية خصوصاً سورية ضمن محيط استراتيجي واسع يضمن بأن تكون دولة فلسطينية مستقبلية صديقة للولايات المتحدة ومصالح "إسرائيل" وألّف كتاباً يظهر فيه عنصريته وحذر فيه من أن اليهود في الولايات المتحدة يواجهون خطر الانقراض عبر الزواج المختلط مع الأديان الأخرى تماماً كموقف النازية في ألمانيا برفضها للزواج المختلط حفاظاً على نقاء العرق الآري. وبالتالي يريد هذا الصهيوني المتطرف المحافظة على ما يسمى "بنقاء الدم اليهودي".
ويعتبره المراقبون السياسيون في "واشنطون" أنه أقذر سياسي عرفته واشنطون منذ عقود" وأن أكثر ما يتفوق به هو نفي المجازر الجماعية وبث الأكاذيب لتغطية سفاحي الكونترا في نيكاراغوا وجرائم الإبادة وانتهاكه حقوق الإنسان التي قامت بها الحكومات الصديقة للولايات المتحدة في السلفادور وغواتيمالا, وما قامت وتقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى المحتلة. واتهمته "منظمة العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" بتغطية الجرائم المروعة التي ارتكبتها الحكومات المدعومة من الولايات المتحدة في السلفادور وغواتيمالا, والقوات المتمردة كمقاتلي الكونترا وجماعة اونيتا في انغولا"([39]).
وأكدت صحيفة واشنطون بوست الدور الذي يلعبه ابرامس في وضع الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط انطلاقاً من الموقف الإسرائيلي.
ويقيم علاقات وثيقة بين اليهود الأمريكيين وبين المسيحيين الإنجيليين الذين يؤمنون بتدمير المسجد الأقصى وإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه وتهويد القدس وفلسطين وهيمنة إسرائيل على المنطقة، ودعم الحروب القذرة التي شنها الرئيس ريغان على دول أمريكا الوسطى وأدانه الكونغرس لشهادته الكاذبة في فضيحة الكونترا ولكن الرئيس بوش الأب عفا عنه.
ويدعم الإبادة والتدمير التي يقوم بها السفاح شارون, رئيس الوزراء الإسرائيلي ويؤكد المقربون منه تطابق مواقفه مع مواقف شارون.
وكان من أكثر المتحمسين من مساعدي بوش بشن الحرب العدوانية على العراق للإطاحة بالنظام وفتح العراق على مصراعيها لإسرائيل ولتغلغل الموساد والشركات الإسرائيلية.
ولعب دوراً من وراء الستار في إعادة صياغة خريطة الطريق طبقاً للمذكرة التي أعدتها إيباك أي اللوبي الصهيوني. ونصح كونداليسارايس بتقليل المشاركة الدولية في جهود السلام.
وترأس في عام 2001 وفداً أمريكياً زار بعض بلدان المنطقة. ووضع تقريراً للرئيس بوش حول الحريات الدينية وهاجم فيه مصر والسعودية ولم يتطرق بكلمة واحدة لتهويد إسرائيل للأماكن الإسلامية في القدس والخليل وانتهاكاتها الدائمة لأبسط الحريات الدينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان دائماً يلجأ للكذب وتكرار الكذب لتبرير السياسات والممارسات الأمريكية والإسرائيلية.
ويركز على التحالف بين اليهود والمسيحيين المحافظين (الإنجيليين), حيث "أصبح المسيحيون الإنجيليون أكبر قوة سياسية مؤيدة لإسرائيل, وفي بعض الأحيان يساندون فكرة "إسرائيل الكبرى" أكثر من اليهود باعتبار ذلك مطلباً دينياً ([40]).
وقام دوغلاس فايت, مساعد وزير الحرب الأمريكي والذي يعتبر سيد الحفلات والمحافل الصهيونية بتصنيف طبيعة الصراع في المنطقة واضعاً العرب في خانة "قوى الشر المطلق" بمواجهة إسرائيل "قوى الخير المطلق" والذي يعتبر "أن خيارها الوحيد هو قتال أعدائها العرب حتّى تتم هزيمتهم لا الدخول في مفاوضات سلام معهم". ووضع فايت خطة أمريكية لغزو أميركي للبنان لإخراج القوات السورية المتواجدة فيه بموجب اتفاقية الطائف وبطلب من الحكومة اللبنانية وتلبية لرغبة الشعب اللبناني. "وهو على علاقة وطيدة بالمجموعة المتطرفة المسماة "المنظمة الصهيونية لأمريكا" التي تهاجم حتّى اليهود الذين لا يتفقون معها في الرأي"([41]).
وحث دائماً الحكومة الأمريكية على اتباع سياسة معادية للعرب. ولهذا الصهيوني مكتب محاماة "مكتب فايت وتسل" له فرع خارجي واحد في إسرائيل ويقوم مكتبه بتمثيل معظم المصالح الإسرائيلية. وكان يطالب الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بأحدث أنواع التكنولوجيات العسكرية وتعميق التعاون العسكري معها, "مشيراً إلى أنها تملك عدداً من التكنولوجيات العسكرية الفريدة ينبغي للقوات الأمريكية أن تحصل عليها, كالطائرات من دون طيار وصواريخ جو ـ أرض".
ويعمل فايت على بيع الأسلحة الإسرائيلية للقوات الأمريكية ويقول أنه "يمثّل الصناعة الحربية الإسرائيلية". ويقوم مكتبه بتمثيل شركات تصنيع السلاح الإسرائيلية في الولايات المتحدة, وحذر رئيس المعهد العربي الأمريكي "د.جيمس زغبي" من خطورة وجود اليهودي دوغلاس فايت في هذا المنصب الحساس (مساعد وزير الدفاع) كواضع للسياسة الدفاعية الأمريكية ومشرف على خطط وسياسات البنتاغون, رغم انحيازه الواضح لإسرائيل ضد العرب, وصلاته بحزب الليكود والحركة الصهيونية في أمريكا, واختصاص شركته القانونية في تسويق صناعات السلاح الإسرائيلية"([42]).
وأغرق فايت الصحافة الأمريكية بمقالاته المعادية للعرب والإسلام والمنتقدة بشدة كل من يسعى للمساومة على حساب قوة إسرائيل وتفوقها المعنوي على العرب ويؤكد باستمرار أن إسرائيل تجسِّد القيم الأمريكية, لذلك من الضروري أن تتحد الولايات المتحدة مع إسرائيل في محاربتها لقوى الظلام, العرب. ولذلك طالب بمنح إسرائيل القوة العسكرية الطاغية والدعم السياسي المطلق, كما أنه ينبغي على أمريكا برأيه ألا تضغط على حليفتها لتسليم اراض تحتلها أو المساومة على موقعها المهيمن في المنطقة.
وطالب إدارة الرئيس كارتر بعدم تسليم الضفة الغربية للعرب لأن ذلك يضعف إسرائيل وبالسيادة الإسرائيلية الكاملة على كل فلسطين.
وعلل فايت موقفه هذا للاعتبارات التالية:
* أن ليس للعرب حقوق شرعية في فلسطين.
* الفلسطينيون ليسوا مجموعة قومية وبالتالي لا حقوق لهم في الضفة الغربية.
* الأردن هي دولة الفلسطينيين.
* عدم ممارسة الضغط على إسرائيل لوقف بناء المستعمرات اليهودية.
* انتقد إدارة كارتر لمعارضتها سياسية الاستيطان الإسرائيلية.
ويعتقد مساعد وزير الدفاع الأمريكي "أن الرفض العربي للصهيونية هو جوهر الصراع, وأن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة لن يحل النزاع, بل خضوع العرب وقبولهم لإسرائيل"([43]).
وقدم فايت توصياته لإدارة الرئيس كارتر في مقال نشره عام 1979 جاء فيه:
* التخلي عن اعتبار يهودا والسامرة صلب الصراع العربي الإسرائيلي.
* الإقرار بأن رفض العرب تقبل دولة يهودية في فلسطين هو صلب المشكلة.
* التبرؤ من الجدل القائم حول حقوق إسرائيل في الضفة الغربية لأنه يعزز التصلب العربي ويدمر الروابط الأمريكية ـ الإسرائيلية.
* تجديد دور الإدارة الأمريكية كوسيط في الصراع, لا كطرف مشارك.
* إبلاغ دمشق وعمان والرياض والفلسطينيين بأنهم إذا رغبوا في تغيير سياسة إسرائيل ينبغي عليهم البدء بمفاوضات معها, كما فعل السادات.
واقترح على إدارة بوش الأب عام 1991 سحب شعار "الأرض مقابل السلام" الذي يهدف برأيه تفكيك إسرائيل على مراحل.
وعارض مساعد وزير الدفاع الأمريكي حتّى اتفاقات الإذعان في أوسلو والخليل ووادي بلانتيش. واعتبر اتفاق أوسلو تنازلاً إسرائيلياً من جانب واحد, وتضخمياً لآمال الفلسطينيين, ومكافأة أمريكية لتعنتهم.
ووجه رسالة مشتركة مع الصهيوني ريتشارد بيرل عام 1996 إلى نتن ياهو, رئيس الوزراء الإسرائيلي الإصرار على حق إسرائيل في الأراضي المحتلة يرفض مقولة الأرض مقابل السلام والسعي لتعزيز طاقات إسرائيل العسكرية في مواجهة سورية والعراق.

***





الفصل الخامس:

اليهود في الإدارة الأمريكية




اليهودي ديفيد فروم مبتكر عبارة "دول محور الشر"

أطلق الرئيس الأمريكي بوش العبارة قبل حربه العدوانية على العراق كي يحمل الشعب الأمريكي الموافقة على احتلال العراق ونهب ثرواته النفطية ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط الكبير. وجاءت عبارة "دول محور الشر في خطاب بوش حول"حال الاتحاد" وظهر فيما بعد أن الذي صاغ العبارة كاتب خطاباته في الشؤون الاقتصادية اليهودي ديفيد فروم. ويعود فضح أصل هذه العبارة اللعينة لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة وتاريخ العلاقات الدولية إلى زوجته التي بادرت إلى التباهي بتبني بوش لعبارة زوجها وذلك في رسائل إلكترونية إلى الأصدقاء"([44]).
وألف كتاباً بعنوان: "الرجل المناسب" حول سيرة الرئيس بوش وامتدحه كثيراً "لنزاهته وصدّقه" لكنه يأخذ عليه "اعتداله تجاه الإسلام", معتبراً أن على الولايات المتحدة فرض هيبتها على العالم الإسلامي. ويرمي من جراء الكتاب الدفاع على نهج بوش واندفاعه للحرب على العراق.
ويبرر الحرب العدوانية على العراق ويقول: "أن المبرر المنطقي لحرب بوش على العراق هو السعي لتحقيق استقرار جديد من شأنه أن يضع أمريكا في موقع سيطرة تامة في الشرق الأوسط أكثر من أي قوة مضت منذ العثمانيين وحتى الرومان"([45]).
ويعتبر فروم أن بوش "أحد أشد أصدقاء لإسرائيل إخلاصاً بين الذين شغلوا المكتب البيضاوي".
حاخام يهودي يعينه بوش مساعد وزير الدفاع

تخرج الحاخام دوف زاكهايم من كلية يهودية في لندن, ونصِّب كحاخام في العام 1973. وانتقد ما جاء في اتفاقية وادي بلانتيشن عام 1998 بإرسال عناصر من وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي. ايه) إلى المناطق الفلسطينية المحتلة. وانضم الحاخام الجمهوري إلى وزارة الدفاع الأميركية عام 1981 في عهد ريغان. وأقسم زاكهايم اليمين كمساعد لوزير الدفاع (مراقب نفقات) في 4 آيار 2001 لخبرته في مسألة نشر الصواريخ البالستية والسياسة الداخلية في إسرائيل.

***
* ادوارد لتوك: عضو في مجموعة البحث الأمنية في وزارة الدفاع الأمريكية. ويحمل لتوك الجنسية الإسرائيلية. وكان يعمل معلماً في إسرائيل. ويكتب في الصحف الإسرائيلية والأمريكية المؤيدة لإسرائيل. وركزت كتاباته على ضرورة قيام الولايات المتحدة بغزو العراق.
* لويس ليبي: مدير مكتب نائب الرئيس الأمريكي يعمل ليل نهار للإسراع في شن الحرب على العراق. وتولّى الدفاع عن الجاسوس الأمريكي لإسرائيل اليهودي مارك رتش الذي عفا عنه الرئيس كلنتون استجابة لإلحاح إسرائيل في أواخر عهد الرئاسي لكسب أصوات اليهود في نيويورك لدعم زوجته هيلاري في انتخابات مجلس الشيوخ.
* هنري كيسنجر السيئ الصيت ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق, وهو الآن واحد من مستشاري وزارة الحرب الأمريكية وعضو في مجلس سياسة الدفاع الذي يترأسه الصهيوني ريتشارد بيرل. وكان كيسنجر وراء اغتيال المغفور له جلالة الملك فيصل واغتيال اليندي, الرئيس المنتخب في تشيلي وتنصيب الدكتاتور بينوشيه. ولعب دوراً في المجازر الجماعية في فيتنام وكمبوديا ولاوس. وكان من أشد الداعين لغزو العراق.
* روبرت ساتلف: يعمل مستشاراً لمجلس الأمن القومي, وكان المدير التنفيذي لمجموعة التفكير في معهد واشنطون لسياسة الشرق الأدنى, الذي يسيطر عليه ويديره اللوبي الصهيوني.
* كنث ادلمن: أحد المستشارين في وزارة الحرب الأمريكية وعضو في مجلس سياسة الدفاع برئاسة بيرل, وهو من غلاة اليهود الذين طالبوا وألحوا بشن الحرب العدوانية على العراق, ومن أكثر اليهود حقداً على العرب والمسلمين. وينعت العرب بالمعادين للاسامية.
* آري فلايشر: ناطق رسمي باسم البيت الأبيض.
* جون بولتين: نائب رئيس الموظفين في البيت الأبيض.
* كيمن ميلمان: مدير السياسة في البيت الأبيض.
* جاي ليفكوويتز: نائب مساعد للرئيس.
* براد بلايكمان: مدير الترتيبات في البيت الأبيض.
* آدم غولدمان: مسؤول التواصل مع الجالية اليهودية لدى البيت الأبيض.
* كريس غيرستين: نائب مساعد وزير للشؤون الأسرية.
* مارك وينبيرغ: مساعد وزير الإسكان للشؤون العامة.
* مايكل تشيرتف: رئيس القسم الجنائي في وزارة العدل.
* دانيال كيرتزر: سفير واشنطون لدى إسرائيل.
* جون كورنبلوم: سفير واشنطون لدى ألمانيا.
* ستيوارت بيرنشتاين: سفير واشنطون لدى هولندا.
* نانسي برينكير: سفيرة واشنطون لدى هنغاريا.
* فرانك لافين: سفير واشنطون لدى سنغافورة.
* رون وايزر: سفير واشنطون لدى سلوفاكيا.

* ميل سامبلير: سفير واشنطون لدى إيطاليا.
* مارتن سيلفرشتاين: سفير واشنطون لدى الأورغواي.
* آلان بلينكين: سفير واشنطون لدى بلجيكا.
* السفير ميلين لفتسكي: سفير واشنطون لدى البرازيل.
بلغت السيطرة اليهودية مداها في البيت الأبيض ووزارة الحرب والخارجية ومجلس الأمن القومي وفي وزارتي المالية والعدل.
ويعمل اليهود لصالح إسرائيل بالدرجة الأولى ويستغلون إمكانيات الولايات المتحدة العسكرية, والمالية والسياسية لخدمة إسرائيل ومحاربة العرب والإسلام. ويعملون على استنزاف الطاقات الأمريكية وتدميرها بكل الوسائل وتقوية إسرائيل من خلال التكنولوجيا المتقدمة والصواريخ والأسلحة النووية بغية السيطرة على الوطن العربي وبقية البلدان الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط الكبير لتحقيق الحلم الصهيوني القديم المتمثل في نشر الحروب والإبادة والخراب والدمار بين الشعوب والأمم غير اليهودية للسيطرة على العالم.


***









الباب الثالث:

استراتيجية الحرب الاستباقية على العراق
والشرق الأوسط الكبير




الفصل الأول: استراتيجية الحرب الاستباقية.
الفصل الثاني: محاولة تسخير مجلس الأمن للموافقة على الحرب الاستباقية.
الفصل الثالث: إقامة الشرق الأوسط الكبير والحرب الاستباقية على العراق.
الفصل الرابع: الحرب الاستباقية ومقاومة الاحتلال.






مقدمة:


تُعدّ الحروب الاستباقية, أي الحروب العدوانية في القانون الدولي المعاصر, وفي ميثاق الأمم المتحدة من أفظع وأشبع الجرائم ضد السلام والازدهار وضد الإنسانية, وخطأ جسيماً ضد استقلال وسيادة أراضي الدولة المعتدى عليها وضد السلم والأمن الدوليين.
يقضي القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعديد من العهود المواثيق الدولية بوجوب الوقف الفوري للحروب العدوانية (الاستباقية) وانسحاب القوات المعتدية ومعاقبة الدولة أو الدول المعتدية وإجبارها على دفع التعويضات عن الخسائر البشرية المادية والنفسية التي سببتها الحرب الاستباقية.
يحرّم ميثاق الأمم المتحدة التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية ولا يعترف بشرعية الآثار التي تترتب عليها.
تؤكد المادة الأولى من الميثاق أن مقاصد الأمم المتحدة هي حفظ السلم والأمن الدوليين وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية. وتمنع المادة الثانية منه الدول الأعضاء التهديد بالقوة أداء استخدامها.
رفض مجلس الأمن الدولي تفويض الولايات المتحدة القيام بحربها الاستباقية على العراق, لذلك فإن الحرب الأمريكية الاستباقية على العراق انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي ومسؤولية الولايات المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن عن الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
أن الولايات المتحدة لم تكن في حالة الدفاع عن النفس, إزاء الخطر المزعوم والكاذب الذي أعلنه الرئيس بوش, ولا يجوز لها إطلاقاً التذرع بالحرب الاستباقية على الشعب العراقي لتبرير عدوانها الوحشي والبشع على الشعب العراقي المحاصر, ولكنها لجأت إلى ذرائع كاذبة ومضللة وغير قانونية وغير أخلاقية لتضليل الشعب الأمريكي عن الاستخدام غير الشرعي للقوة العسكرية لفرض هيمنتها على نفط العراق وتدمير جيشه وتنصيب حكومة ومجلس حكم ووزير خارجية جاؤوا على ظهر الدبابات والبوارج الأمريكية من سراديب واقبية المخابرات المركزية. جاؤوا مع قوات الاحتلال الأمريكي لخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية ومصالحهم الخاصة على حساب الشعب والأمة والعقيدة, ولمتابعة واشنطن للحروب الاستباقية على العربُ المسلمين وربما على روسيا وأوروبا والصين في المستقبل.


***





الفصل الأول:

استراتيجية الحرب الاستباقية




أعدّ اليهودي بول فولفوفيتس, نائب وزير الحرب الأمريكي عام 1991 "دليل الأمن القومي" الأمريكي أكد فيه على فكرتين: الأولى أن حلفاء الولايات المتحدة هم منافسون محتملون لا بد من منعهم من الطموح إلى دور إقليمي أو عالمي أكبر مما ينبغي, والثانية: تقرّ بأن التدخل العسكري الأمريكي سمة ملازمة للشؤون الدولية. ورافق ذلك زيادة الإنفاق العسكري لتصعيد القدرة التكنولوجية الهائلة للعسكرية الأمريكية على الرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة واستفراد الولايات المتحدة بالعالم.
وصدرت عن البنتاغون عام 1997 وثيقة تحت عنوان "المراجعة رأساً على عقب" ووثيقة أخرى عام 1999 بعنوان "الثورة في الشؤون العسكرية" وأقرتا بوجوب إعداد الجيش الأمريكي ليكون قادراً على خوض حربين على غرار حرب الخليج الثانية في مكانين متباعدين من العالم في الوقت نفسه, والانتصار فيهما من دون خسائر بشرية تذكر في الأرواح باستخدام الأسلحة الذكية. وحدد رامسفيلد وزير الحرب الأمريكي المخاطر المستقبلية على الولايات المتحدة من أسلحة الدمار الشامل, لتبرير الحرب الاستباقية وإحكام السيطرة العسكرية المطلقة على العالم ونهب ثرواته وتحويل دول عظمى مثل روسيا والصين وحتى أوروبا إلى دول وقوى عادية, ليس بمقدورها أن تواجه الغول الأمريكي المتوحش.
وظهر مفهوم الدول المارقة وهي القادرة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل, ودول محور الشر, وهي الدول التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي والأميركي, والتي تؤيد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
تبلورت استراتيجية الأمن القومي الجديدة القائمة على الحروب الاستباقية قبل هجمات 11 أيلول وظهرت إلى العلن بعدها. وأعفت نظرية الحروب الاستباقية الولايات المتحدة من تقديم المبررات في الحروب التي تشنها بحجة الدفاع عن النفس أو ضد أخطار محتملة. وبالتالي أعطت الولايات المتحدة لنفسها الحق في العمل إزاء أخطار مختلقة لتبرير حروبها الاستباقية ضد بعض الدول التي تأوي أو تساعد المقاومين لخدمة مصالحها الاقتصادية ومحاربة العرب والمسلمين. خلاصة القول أن الرئيس الأميركي قد خطط للحرب الاستباقية قبل 11 أيلول وأعلن عنها بعد وقوع هذه الأحداث. وخلط بين الحرب ضد الإرهاب وبالمواقف من الدول المارقة ودول محور الشر, وامتد تعريف الإرهاب ليشمل الدول المارقة, وهي الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية والمدافعة عن مصالحها الوطنية والقومية والإسلامية.
وبلور اليهودي ريتشارد هاس, مدير مكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية في نيسان 2002 الموقف الاستراتيجي للسياسة الأمريكية قائلاً أن حقبة ما بعد الحرب الباردة شكلت تحديات جديدة فوق قومية, ولم تعد الاستراتيجيات القديمة التقليدية استراتيجيات الدفاع والاحتواء والردع كافية بعد الآن, وأن الولايات المتحدة تستطيع السير بل ستسير منفردة حينما يكون ذلك ضرورياً. وأعطى الولايات المتحدة حق التدخل في شؤون الدول الأخرى والانتقاص من سيادتها والقيام بما يسمى بحق الدفاع الذاتي الوقائي أو الاستباقي.
وانطلاقاً من استراتيجية الحرب الوقائية التي وضعها اليهود في إدارة الرئيس بوش صدر في أيار 2002 تقرير وزارة الخارجية الأمريكية ووضع أربع دول عربية في قائمة الدول الراعية للإرهاب وهي العراق وسورية وليبيا والسودان, متهماً إياها بامتلاك أسلحة كيماوية وبيولوجية والمحاولة للحصول على السلاح النووي, بينما سكت التقرير على امتلاك إسرائيل لجميع أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية بما فيها الغواصات الألمانية النووية.
وبلور رامسفيلد خلال جولته في بعض دول الخليج العربية في حزيران 2002 الحرب الاستباقية القادمة على العراق وقال: "إن الولايات المتحدة تعتزم وضع قواعد عقيدة عسكرية جديدة تنص على الحق في توجيه الضربة الأولى إلى الدول التي تملك أسلحة دمار شامل".
وتكلَّلَ التمهيد للحروب الاستباقية التي نَظَّر لها يهود الإدارة الأمريكية ومنهم أيضاً بالإضافة إلى الأسماء المذكورة ريتشارد بيرل في التقرير الذي قدمه الرئيس بوش في (20) أيلول 2002 حول استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة وجاء فيه أن الرئيس بوش يرى أن إعادة هيكلة العالم ليصبح مكاناً آمناً لايركا تقتضي فرض الهيمنة الأمريكية على العالم, ورفض معظم العهود والمواثيق الدولية والانفراد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالنزاعات الدولية, ومعاقبة الدول التي ترفض الانصياع لأوامر الإدارة الأمريكية.
تتضمن خطة الأمن القومي الجديدة تبني الولايات المتحدة للحروب الاستباقية بمعنى مهاجمة الأعداء المحتملين من دون استفزاز أو مبرر. ويقول الرئيس الأمريكي فيها حرفياً:
إن المنطق والدفاع عن النفس يستدعي قيام أمريكا بالتحرك ضد الأخطار المحتملة قبل أن تصبح أخطاراً حقيقية، وقرر فيها الرئيس بوش أن أمريكا ستعيد بناء النظام الدولي على أساس ينسجم مع تفوقها العسكري الكاسح, والحيلولة دون امتلاك أي دولة ما يكفي من القوة العسكرية والتكنولوجيا لتحقيق التوازن العسكري مع أمريكا, الأمر الذي يعني وضع حتّى الدول الكبرى تحت الهيمنة الأمريكية وتهميشها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
خلاصة القول تضمنت الوثيقة إعلان الحرب الاستباقية بأسماء وتبريرات كاذبة ومضللّة لمحاربة العرب والمسلمين ونهب ثرواتهم وفي طليعتها البترول والهيمنة على العالم.
وتتجلى خطورة الاستراتيجية الأمنية الجديدة ليس فقط القيام بالحروب الاستباقية وإنما أيضاً في إمكانية استخدام السلاح النووي أو ذخائر وقنابل نووية تكتيكية ضد بعض الدول التي ترى الولايات المتحدة أنها تهدد مصالحها. وسبق لها أن استخدمت القنابل النووية في اليابان والذخائر والقنابل التكتيكية باليورانيوم المخصب في حربها على العراق.
وتقود الاستراتيجية الأمريكية الجديدة إلى نهاية حدة والعهود والمواثيق والقوانين والأعراف الدولية التي رسختها البشرية بعد الحروب والمصائب والويلات التي حلت بها من جراء الحربين العالميتين, وودة إلى مرحلة رعاة البقر في تكساس وثقافتهم التي تعتمد على العنف والبندقية للتعامل مع الأمريكيين أنفسهم.
***



الفصل الثاني:

محاولة تسخير مجلس الأمن

للموافقة على الحرب الاستباقية




أبلغ الرئيس بوش انطلاقاً من الاستراتيجية الجديدة "الأمم المتحدة" أنها لا يمكن أن تكون فعّالة إلاّ إذا وافقت على المخططات الأمريكية, وإلاّ عليها التسليم بأنها ليست إلاّ مكاناً للمناقشات. وأبلغ الجنرال كولن باول المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس "أن للولايات المتحدة الحق المطلق في القيام بعمل عسكري, فكلما اقتنعنا بأمر ما سنرسم بنفسنا الطريق".
وكشف بوش وبلير في قمة جزر الآزور عن ازدرائهما لمؤسسات الأمم المتحدة ووجها إنذاراً للأمم المتحدة بما معناه إما أن تستسلم للمخطط الأمريكي وإلاّ فإنهما سيخوضان الحرب الاستباقية دون الاهتمام بعدم موافقتها, وسواء غادر الرئيس صدام العراق وعائلته بلادهم أم لا.
وكرر الرئيس بوش بأن للولايات المتحدة السلطة المطلقة في استخدام القوة لحماية أمنها القومي, وكأن العراق المحاصر والذي دمره الرئيس بوش الأب يستطيع تهديد الأمن القومي الأمريكي.
وأظهرت الحرب العدوانية على العراق تشريع الحرب الاستباقية على خطر وهمي مختلق, ولذلك تصبح هذه الحرب أسوأ وأخطر حتّى من الحرب التي أشعلها هتلر, وتظهر أن بوش أسوأ من هتلر ويجب محاكمته بموجب قوانين محكمة نورمبيرغ التي حاكمت مجرمي الحرب النازيين.
وأدت الحرب والنتائج المدمرة التي خلفتها وتخلفها يومياً على الشعب العراقي إلى انحسار موجة التعاطف العالمي التي حصلت عليها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول وولّدت موجة عالمية من الكراهية والبغضاء إزاء الولايات المتحدة وغطرستها السياسية وعربدتها الحربية.
وتحوّلت إدارة بوش إلى عصابة مافيا حيث كرر دونالد رامسفيلد, وزير الحرب الأمريكي كلام زعيم المافيا آل كابوني وقال: "الكلمة اللطيفة والبندقية يوفران من المكاسب أكثر مما توفره الكلمة اللطيفة دون أي شيء آخر".
وتؤكد الاستراتيجية الأمريكية الجديدة أن من يملك التفوق العسكري المطلق على الأعداء أو حتّى على الأعداء المحتملين يستطيع أن يفرض مصالحه وأهدافه ويحدد المبادئ ويغيّر (يعدِّل) القانون الدولي كما يحلو له تماماً كما يفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرم الحرب شارون في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالذين يدافعون عن سيادتهم وثروتهم ومعتقداتهم وأهدافهم ويقاومون الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي يساهمون بحسب منطق الرئيس بوش في صنع الشر ويجب معاقبتهم.
دعمت الإدارة الأمريكية وبالتحديد رامسفيلد تسليح بعض البلدان العربية, وسكتوا عن الفظائع التي ارتكبها بعضهم, وذلك خدمة للمصالح الأمريكية, ولكن عندما قررت اليهودية العالمية تدمير الجيش العراقي تبنت إدارة الرئيس بوش تدميره. وكان الإعلام الصهيوني قد أمطر المواطن الأمريكي بمعلومات مرعبة عن الخطر المزعوم الذي يمثله صدام على الولايات المتحدة بأسلحة الدمار الشامل التي يملكها وعلاقته القوية بتنظيم القاعدة وخاصة بعد المساعدات التي قدمها لشهداء الانتفاضة، وركز الإعلام الصهيوني على تورّط النظام العراقي في أحداث 11 أيلول 2001. واقنع الإعلام الأمريكي الموجه من قبل الإدارة الأمريكية الشعب الأمريكي بأن صدام يمثِّل الخطر الداهم والشر المطلق لأمريكا على الرغم من استجابة العراق الكاملة لشروط وأوامر المفتشين الدوليين حتّى قبل ساعات قليلة من بدء الحرب العدوانية.


***





الفصل الثالث:

إقامة الشرق الأوسط الكبير

والحرب الاستباقية على العراق




زعم الرئيس الأمريكي بوش أن هدف الحرب الاستباقية على العراق هو تدمير أسلحة الدمار الشامل والقضاء على الإرهابيين من تنظيم القاعدة وتغيير النظام وتحرير الشعب العراقي.
ونجحت أكاذيب الإدارة الأمريكية وبالتحديد الرئيس بوش وقادة إدارته اليهود في تضليل الشعب الأمريكي وخداعه بأكاذيب لا أساس لها من الصحة على الإطلاق, وثبت بالدليل القاطع كذبها وعدم صحتها ومنها امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعلاقته مع تنظيم القاعدة.
وظهر بجلاء أن الهدف الأساسي من الحرب الاستيلاء على النفط العراقي والقضاء على الدولة القومية والحزب القومي, ومسح الهوية القومية للعراق ورسم خريطة جديدة له وللمنطقة العربية أسوأ بكثير من خريطة سايكس ـ بيكو, وتصفية قضية فلسطين, وإنجاح المشروع الصهيوني في الوطن العربي, وتوطين الفلسطينيين في جنوب العراق تحت ستار خلق التوازن بين الطائفتين الكبيرتين, وتحقيق النظام الشرق أوسطي الجديد, وإقامة اتحاد عراقي ـ أردني ـ إسرائيلي ـ فلسطيني, وسوق شرق أوسطية بقيادة "إسرائيل", وتمويل مشاريع الشرق أوسطية من الأموال المتبقية من نفط العراق.
طبقت الإدارة الأمريكية الحرب الاستباقية على العراق لتدميره وتدمير جيشه ومنجزاته وتراثه الحضاري ونهب ثرواته النفطية وإبادة شعبه وزرع الفتن الطائفية والقومية فيه.
دمرت إدارة بوش العراق بحجة أنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويهدد الأمن الأمريكي, وثبت للملأ كذب الرئيس بوش بينما تسكت الإدارة الأمريكية عن امتلاك "إسرائيل" لأسلحة الدمار الشامل والتفوق العسكري المتنامي على جميع الدول العربية وعن حرب الإبادة التي يشنها السفاح ومجرم الحرب شارون على الشعب الفلسطيني.
وكان من الغريب بل من المستغرب أن ينظِّم يهود الولايات المتحدة المظاهرات المؤيدة للحرب الاستباقية على العراق ويرفعوا فيها الشعارات التالية "الحرب تنقذ اليهود", "أنتم أعداء السامية", الرافضون للحرب اذهبوا إلى بيوتكم"، مما أظهر بجلاء تقديس اليهود للحرب ضد العرب والمسلمين.
وقف العالم بأسره ضد الحرب العدوانية, وقال لا للحرب, لا للحرب النفطية على الشعب العراقي, بينما أيدت اليهودية العالمية ودعمت "إسرائيل" الحرب بالإمكانيات كافة.
وتجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ونداءات البابا والكنائس في أوروبا, ورجال الدين الإسلامي والمسيحي وجميع شعوب العالم, مما وضع ويضع القاعدة الأساسية للحوار والتعاون والتنسيق بين الديانتين المسيحية والإسلام فقط.
وفي الأول من أيار عام 2003 أعلن الرئيس بوش من على منصة حاملة الطائرات "ابراهام لنكولن" أنه حقق نصراً في الحرب على الإرهاب بعد أن أزال أحد حلفاء تنظيم القاعدة, على الرغم من وقوع الولايات المتحدة في مستنقعات دجلة والفرات وثبوت عدم وجود علاقة مع تنظيم القاعدة.
وزادت الحرب الاستباقية من التدمير والدمار والقتل الذي يعم جميع أنحاء العراق. وتصاعدت مقاومة الاحتلال الذي تنعته أمريكا بالإرهاب في جميع قرى ومدن العراق باستثناء الشمال العراقي.


***





الفصل الرابع:

الحرب الاستباقية ومقاومة الاحتلال




تؤكد الولايات المتحدة في استراتيجية الحرب الاستباقية متابعة ما أسماه الرئيس بوش بالحرب المستمرة على الإرهاب تجاه بعض الدول التي تدعم وتأوي رجال المقاومة, مما يعرّض باستمرار الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم أجمع إلى أفدح الأخطار.
وأكد بول فولفوفيتس, مساعد وزير الحرب الأمريكي أن عراق صدام كان إرهابياً وأن الحرب الجارية هناك يجب أن ينظر إليها باعتبارها جزءاً من الحرب ضد الإرهاب.
لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي والمقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي, والمقاومة الأفغانية فشل الحروب الاستباقية ضد الدول التي تؤوي الإرهابيين, لأنها قامت وتقوم على مزاعم وأكاذيب وتبريرات عنصرية واستعمارية ودينية معادية للعرب والمسلمين، فالمقاومة التي تسميها أميركا بالإرهاب تزداد في البلدان المحتلة ضد قوات الاحتلال, لأن الاحتلال أسوأ أنواع الإرهاب. فالمقاومون يملكون العقيدة "الإيمان للدفاع عن أوطانهم وثرواتهم. أن الإرهابيين هم بوش وشارون, أعداء الشعوب والسلام والعالم المتحضّر والإنسانية جمعاء, وهما أعداء العرب والمسلمين والشعب الفلسطيني والعراقي وجميع شعوب العالم.
أن بوش وشارون يحاولان إخضاع العرب والمسلمين من خلال الصدمة والترويع لكسر إرادات الحكومات, ولكن الحرب الاستباقية لن تحقق الأمن والسلام أو تقضي على مقاومة الشعوب للاحتلال.
أن الأكاذيب التي أطلقتها الإدارة الأمريكية لتبرير الحرب الاستباقية على العراق والخسائر المادية والبشرية والأخلاقية والقانونية والحضارية والنفسية التي ألحقتها الحرب بالعراق وبالولايات المتحدة تدفع إلى الاعتقاد بصعوبة ارتكاب حرب استباقية جديدة خلال فترة قصيرة من الزمن، لذلك يجب دعم الشعب العراقي الشقيق لكنس الاحتلال من وطنه, لأن الاحتلال الأمريكي يتصرف في العراق بوحشية أكثر من المفاهيم والأساليب الاستعمارية والعنصرية التي سادت في القرن التاسع عشر.
إن الحرب الاستباقية على العراق يجب أن تكون آخر الحروب الاستباقية وآخر محاولة لتغيير نظام سياسي بالقوة العسكرية وإقامة نظام سياسي جديد لخدمة مصالحها الاقتصادية والعسكرية وتغيير الهوية القومية للعراق ونهب نفطه.
أن صورة الحضارة والديمقراطية الأمريكية غاصت في أعماق المستنقع العراقي, لأن الإدارة الأمريكية أشعلت الحرب الاستباقية لإغراءات وضغوط يهودية واقتصادية, وغاصت في الوحل أمام شعوب العالم التي أخذت تؤمن أن أمريكا وإسرائيل تشكلان أكبر تهديد للسلام والاستقرار في العالم. وانهارت صورة الجيش الأمريكي المنقذ في أجساد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين فقدوا أرواحهم بذخائر اليورانيوم المخصب, والجنود والضباط الذين صهروا أجسادهم الطاهرة بالأسلحة السرية الحديثة ومنها سلاح الميكروويف. وفقدت الولايات المتحدة مصداقيتها أمام جميع الشعوب وظهر بجلاء أن طغيان الخطاب الديني الأمريكي على الحروب الاستباقية في أفغانستان والعراق يؤكد أن المتطرفين الدينيين يتواجدون في الإدارة الأمريكية وليس في السعودية أو مصر أو العراق.
ودفعت وحشية الجيش الأمريكي بأحد المواطنين الأمريكيين إلى الكتابة في واشنطون بوست يقول: لقد قرأت أن جيشنا المحتل يستخدم أساليب الجيش الإسرائيلي, إحراق البيوت وتطويق القرى بأكملها بالأسلاك الشائكة, واحتجاز أُسر المتمردين, وأنا أشعر بالعار لأنني أبقى هادئاً, قال أحد ضباطنا.. بجرعة قوية من الخوف والعنف, والكثير من المال للمشاريع اعتقد أننا نستطيع إقناع هؤلاء الناس أننا هنا لمساعدتهم. أنه الأميركي القبيح وهكذا شحن، إن جيشنا يختار نموذجاً من الواضح أنه أخفق في "إسرائيل".
أن استئصال الروح الوطنية والقومية والإسلامية في العراق شرط لفرض الهيمنة الأمريكية عليه, كما أن تدمير الجيش العراقي وإتلاف جميع معداته يمثل هدفاً استراتيجياً لـ"إسرائيل" لا تستطيع أن تقوم هي بتحقيقه, ولكن حققته الولايات المتحدة خدمة لها, وهو ما يعزز ويدعم مكانة بوش لدى اللوبي اليهودي الأمريكي لإعادة انتخابه وهذا ما حدث...
إن الملامح الرئيسية والأهداف الأساسية للحرب الاستباقية في العراق ترمي إلى فرض الهيمنة على العالم من خلال استخدام القوة العسكرية, والتحكم في النفط والمستقبل العراقي, لإفساح المجال للتحكم في الاقتصاد العالمي من خلال كميات النفط المستخرجة والأسعار ووضع اليد على أموال النفط لتحقيق الازدهار الاقتصادي. ولذلك أعلن الرئيس بوش في إحدى خطبة أن ازدهار العراق سيقود إلى ازدهار أميركا.
أن الحرب الاستباقية على العراق جزء من الحرب الشاملة التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على العرب والمسلمين باسم مكافحة الإرهاب, ولإكمال المهمة التي بدأها بوش الأب تحت ستار تحرير الكويت, ولتغيير النظام العراقي واستبداله بنظام عميل لأميركا وصديق لـ"إسرائيل" ولردع باقي النظم العربية والإسلامية.
وترمي من جراء الحرب العدوانية بسط الهيمنة الأمريكية على القارة الأوروبية بعد النجاح في تحقيق أهدافها في العراق, مما دفع بكيسنجر أن ينصح الأوروبيين بأن يمارسوا مسؤولياتهم الإقليمية في إطار شامل من النظام العالمي الذي تحدده الولايات المتحدة, وبالتالي يحظر كيسنجر ويهود أمريكا على أوروبا أن تسير في طريق مستقل وفي طريق وحدتها إلاّ من خلال الإطار الشامل الذي تحدده الولايات المتحدة. وبالتالي فإن يهود أمريكا و"إسرائيل" هم السرطان الخبيث الذي يفتك في أجساد شعوب الشرق الأوسط وأوروبا.
إن النفط ليس السبب الرئيسي للحرب الاستباقية على العراق, إذ جَرَتْ طرح العروض لمنحها النفط أسعار مغرية مقابل عدم القيام بالحرب, ولكن واشنطون تريد بالإضافة إلى النفط تغيير النظام ومسح هوية العراق القومية والإسلامية, وتدمير قوته العسكرية التقليدية والصاروخية وجعله النموذج للتعامل مع بقية الدول المارقّة لحملها على السير في ركاب السياسة الأمريكية والصهيونية.
يمكن القول أن الحرب على العراق بداية لفرض استراتيجية الأمن القومي الجديدة, أي فرض مفهوم استخدام القوة العسكرية على النظام العالمي الجديد لخدمة القوى الحاكمة في الإدارة الأمريكية: الرئيس بوش, نائب الرئيس ديك تشيني, وزير الحرب رامسفيلد, نائب وزير الحرب فولفوفيتس, وريتشارد بيرل.
ويعبّر هؤلاء عن مصالح شركات النفط والسلاح وعن رؤى دينية مسيحية ويهودية متطرفة تؤمن بأن هيمنة الولايات المتحدة على العالم هي نهاية التاريخ. لذلك تشن الولايات المتحدة الحرب على الإسلام بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, لأنها صنّفت الإسلام بالعدو رقم واحد للولايات المتحدة الأمريكية.
وتهدف إدارة بوش من الحرب الاستباقية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير بما فيها إيران وأفغانستان وباكستان وبعض الجمهوريات الإسلامية في أسيا الوسطى وبلاد الخليج لتحقيق المصالح والمخططات الأمريكية والصهيونية, وتغير مناهج التعليم في المراحل الابتدائية والثانوية وحتى تغيير كتب الدين الإسلامي والتربية القومية والسياسات الإعلامية والفكرية والاجتماعية, واعتماد الضربات الوقائية أو الحروب الاستباقية أو التهديد بها لكسر إرادات الحكومات المعنية.
مصير الحرب الاستباقية

إن الولايات المتحدة ليست في حالة الدفاع المشروع عن النفس, فالعراق المحاصر والمدمر في حرب الخليج الثانية والخالي من أسلحة الدمار الشامل, والذي لا تربطه روابط مع تنظيم القاعدة لم يهدد الأمن القومي الأمريكي في يوم من الأيام, بل كانت تربطه علاقات وثيقة مع رامسفيلد وغيره خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية, لذلك تسقط جميع المبررات التي ساقتها إدارة بوش لتبرير حربها العدوانية على الشعب العراقي.
أن مفهوم الحرب الاستباقية يتعارض مع قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي وعودة في العلاقات الدولية والتعامل الدولي مئة سنة إلى الوراء.
ويعبّر هذا المفهوم الجديد لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي عن الأسلوب الجديد للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية للسيطرة على العالم وأمركته.
ويجسّد أخطر المفاهيم التي ظهرت حديثاً في العلاقات الدولية, وينهي دور مجلس الأمن والأمم المتحدة. وتعتبر الحرب الاستباقية على العراق عدواناً مسلحاً وحشياً وهمجياً, واحتلالاً أجنبياً للعراق يعطي الشعب العراقي الحق الشرعي والقانوني للدفاع عن نفسه بموجب المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة, ويعطيه الشرعية في مقاومة الاحتلال الأمريكي.
كان مصير الإمبراطوريات القديمة إلى الزوال, حيث أنها تشِّب وتشيخ ثمّ تنهار, فانهارت الإمبراطورية الرومانية والفارسية والإغريقية وألمانيا النازية وجميع النظم العنصرية والاستعمارية, ما عدا الإمبريالية الأمريكية والنظام العنصري والاستعماري الصهيوني في فلسطين العربية. سيكون مصيرهما إلى الانهيار كما انهارت جميع النظم الاستعمارية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وسينهار الكيان العنصري الإسرائيلي كما انهارت النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والعنصرية في روديسيا والبرتغال, ونظام الايارتايد في جنوب أفريقيا, وسيزول الاحتلال الأمريكي للعراق وتنهار الإمبراطورية الأمريكية في خارج الولايات المتحدة.


***







الباب الرابع:

مبادرة الرئيس بوش لمشروع الشرق الأوسط الكبير.



الفصل الأول : قراءة في مشروع الشرق الأوسط الكبير.
الفصل الثاني: الموقف العربي الرسمي من مشروع الشرق الأوسط الكبير.
الفصل الثالث: الموقف الأوروبي من مشروع الشرق الأوسط الكبير.
الفصل الرابع: التعديل الأمريكي على مشروع الشرق الأوسط الكبير.
الفصل الخامس: منتدى دافوس في البحر الميت ومشروع الشرق الأوسط الكبير.
الفصل السادس: قمة الدول الصناعية الثماني ومشروع الشرق الأوسط الكبير.






الفصل الأول:

قراءة في مشروع الشرق الأوسط الكبير




أثار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الولايات المتحدة ردود فعل مختلفة في الأوساط العربية الرسمية فيها والشعبية، حيث يعتقد العديد من المحلليين السياسيين أنه أدى إلى تأجيل القمة العربية في تونس.
جاء المشروع الأمريكي قبل أقل من شهر من انعقاد القمة العربية في تونس للتأثير في قراراتها والأخذ به وبلورته بدون استشارة أو إعلام أو أخذ رأي حتّى النظم العربية التي تسير في الفلك الأمريكي.
وتعتقد الولايات المتحدة أن هناك فرصة تاريخية بعد تغيير النظامين في أفغانستان والعراق بالحروب العدوانية لإعادة رسم خريطة جديدة في المنطقة أسوأ من خارطة سايكس -بيكو وتحقيق السلام الإسرائيلي -الأمريكي فيها وتقود إلى أمركتها والقضاء على ثقافتها العربية –الإسلامية. ينطلق المشروع الأمريكي من ركيزتين: الأولى: إن التدهور الكبير في الأوضاع العربية في المجالات السياسية والاقتصادية يتطلب البدء في الإصلاح.
والثانية: إن هذه الأوضاع تشكل الأرضية الخصبة لبروز التطرف والإرهاب الدولي.
وتنادي المبادرة بضرورة البدء بالتغيير والإصلاح وضرورة مساعدة الجهود الدولية لتحقيقه، لأن الولايات المتحدة ترفض هذه الأوضاع وتصرّ على ضرورة تغييرها للقضاء على الإرهاب والكراهية والتحريض الموجه ضد المصالح /الأمريكية "وضد إسرائيل".
وحددت المبادرة الإصلاح بثلاثة أهداف رئيسية: الديمقراطية والمعرفة وحرية المرأة. وتضمنت الوسائل لتحقيق هذه الأهداف.
رفضت معظم الدول العربية باستثناء دول الخليج الصغيرة التي تتواجد فيها القواعد العسكرية الأمريكية المشروع الأمريكي، إذ من المستحيل أنْ يصدِّق المواطن العربي أن الولايات المتحدة حريصة على الديمقراطية والتنمية في البلدان العربية والإسلامية لأن النخب السياسية والأوساط الشعبية في جميع البلدان العربية تؤمن أن المشروع أمريكي -صهيوني لشرعنة الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي للعراق وفلسطين وأفغانستان وفرض الهيمنة على المنطقة ويعزز هذا الاعتقاد عدم صدقية الإدارات الأمريكية في التعامل مع قضية فلسطين والكذب والانحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل والتطابق التام بين إدارة بوش وشارون ومعاداة الإدارة الأمريكية للعروبة والإسلام وإيمانها بالخرافات والأكاذيب والأطماع التوراتية.
وانطلاقاً من الأهمية القصوى للنفط العربي للاقتصاد الأمريكي واستغلال الرئيس بوش لأحداث "أيلول وتبنيه للموقف الصهيوني من قضية فلسطين والإسلام قررت إدارة بوش أنه لا بد من تغيير الثقافة العربية -الإسلامية الرافضة للاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي وللأمركة والصهينة، لذلك رأت الإمبريالية الأمريكية أنه لا بد من تغيير جوهر فكر وثقافة ومواقف ومناهج شعوب المنطقة لتأمين المصالح الأمريكية والصهيونية كي تظل واشنطون آمنة مطمئنة على نهب ثرواتها. وترفع إدارة بوش المتصهينة "الإصلاح" كسوط في وجه حكومات المنطقة كي توافق على المخططات الإسرائيلية والأمريكية بذريعة نبذ الحقد والكراهية والتحريض ونسيان الماضي.
ففي الوقت الذي تنادي فيه واشنطون بالديمقراطية تقمع أبسط المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان المرتبطة بالاتجاهات والاحزاب والدول العربية والإسلامية وفي أي بقعة من بقاع العالم لكسر الإرادات العربية بحجة القضاء على الإرهاب والتطرف.
أعلنت الصهيونية العالمية و"إسرائيل" الحرب على العروبة والإسلام وطرحت الصراع في المنطقة على أنه صراع بين الغرب والإسلام، وبين الديمقراطية والإسلام وأن الانتصار فيه يقود إلى انتصار الغرب والديمقراطية. وتبنى الرئيس الأمريكي بوش بشكل أهوج المنطق الصهيوني والمخططات الإسرائيلية انطلاقاً من إيمانه التوراتي ومصالحها الاقتصادية.
إذن يتبلور جوهر المعضلة باستخدام القوة العسكرية وتكريس الأمر الواقع الناتج عن استخدامها باتفاقات إذعان وتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير لإخراج العرب من التاريخ وتهميش دورهم في القرن الحادي والعشرين لمصلحة الإمبريالية والصهيونية العالمية.
خرج المشروع إلى حيز الوجود من دراسة وضعها المستشاران اليهوديان في إدارة الرئيس بوش وهما ريتشارد بيرل ودوغلاس فايت تحت عنوان:
"استراتيجية جديدة تضمن أمن إسرائيل".
تدعو الدراسة إلى التخلي عن اتفاق أوسلو بسبب عجز السلطة الفلسطينية عن تنفيذ تعهداتها، وتطالب باحترام حقوق اليهود في دولة "إسرائيل" الكبرى اليهودية واعتبار هذا الشرط ملزماً في أي اتفاق. وتشير الدراسة إلى أهمية ربط المصالح الأمريكية والإسرائيلية للمنطقة بالاستراتيجية الأمريكية الشاملة.
استغلت إسرائيل فكرة المصالح المترابطة بينها وبين الولايات المتحدة وأكد شارون للرئيس بوش أن الإرهاب الذي ضرب الولايات المتحدة هو نفسه الذي يضرب إسرائيل منذ عدة عقود، مما ولّد انسجاماً وتوافقاً وتبنياً أمريكياً لمخططات وممارسات ومواقف حكومة إسرائيل الليكودية.
وزعم يهود الولايات المتحدة أن كراهية العرب لإسرائيل نابعة من أحقاد دينية (إسلامية) وتاريخية متوارثة وأن الثقافة العربية -الإسلامية والمناهج الدراسية هي المسؤولة عن الكراهية ودعوات التحريض على قتل اليهود والأمريكيين.
إن المشروع هو في الأساس تخطيط صهيوني طرحه شمعون بيرس بعد توقيع اتفاق أوسلو في كتابه:
"نظام الشرق الأوسط الجديد"، لإقامة "إسرائيل العظمى" الاقتصادية وفرضها بإرهابها وعنصريتها واستعمارها وأطماعها وأكاذيبها.
إن المرء يستغرب حديث الولايات المتحدة في المشروع عن الحرية والديمقراطية، وهي التي عملت وتعمل على وأد حرية الشعوب في كل مكان، وهي أكثر دولة في تاريخ البشرية مارست الحروب والإبادة الجماعية واستخدام القنابل الذرية والذخائر المحشوة باليورانيوم المستنفذ. ويتعارض المشروع مع التاريخ والجغرافيا ومبادئ القانون الدولي ويخالف طبيعة المنطقة وهويتها.

يقوم المشروع على أنه رؤية لمستقبل المنطقة وبرنامج عمل تسعى الإدارة الأمريكية لتطبيقه بمساعدة الدول الصناعية الثماني وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
وبالتالي جاء المشروع بتخطيط وضغوط خارجية، وبعبارات مضللة تكيل الوعود الكاذبة للمنطقة بالحرية والديمقراطية والمعرفة والتنمية. وبنفس الوقت يقفز المشرع الأمريكي عن جذور الحرب والمشاكل والمجازر والتخلف والاحتلال الذي سببته إسرائيل والدعم الأمريكي لها.
فالحروب الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة هي من الأسباب الرئيسية للتخلف وعرقلة التنمية والتطور.
ويقفز المشروع عن الصراع العربي -الصهيوني والمصائب والكوارث والويلات والتخلف الذي سببته إسرائيل ويلغي الأبعاد التاريخية وخصوصية تجارب كل بلد والمستوى الثقافي والاجتماعي، الذي وصل إليه ويعمل على تحطيم منظومة القيم والأخلاق والمفاهيم التي تكرست خلال آلاف السنين.
وينطلق من محاولة تغيير العقل والإرادة والروح والقيم والأخلاق من الخارج، مما يظهر بجلاء وقاحة ووحشية الإمبريالية الأمريكية المعروفة بأكاذيبها وبعدم صدقيتها وعدم توفر النوايا الحسنة لديها تجاه العرب والمسلمين.
تحدد المبادرة بأن النواقص الثلاث: الحرية والمعرفة وتمكين المرأة، ساهمت في خلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لمجموعة الدول الصناعية الثماني. وبالتالي، فإن هذا التحديد الوارد في المشروع يخدم مصالح أمريكا وبقية الدول الصناعية.
إن شعوب المنطقة يعتبرون أن جذور المشاكل فيها تعود إلى أطماع وممارسات ومواقف الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية وفي الحروب العدوانية والاحتلال والقواعد العسكرية الأجنبية.
وتؤثر هذه المشاكل بشكل مباشر على التنمية والمعرفة والتطور والاستقرار.
ورد في المشروع الأميركي "إن الإحصائيات التي تصف الوضع الحالي في الشرق الأوسط الكبير مروعة".
نعم إنها أكثر من مروعة. فالولايات المتحدة "وإسرائيل" تعملان على عرقلة أي تقدم حقيقي وديمقراطي وسلمي في المنطقة. فعندما فاز الإسلاميون في الجزائر بالانتخابات حركت واشنطون عملائها من كبار الضباط وألغوا نتائج الانتخابات مما أوقع الجزائر في حمام دائم من الدم.
وعندما اختار الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع عرفات رئيساً للسلطة بالانتخابات الديمقراطية رفضت الولايات المتحدة التعامل معه لأن "إسرائيل" قررت ذلك.
لقد أوضح الرئيس بوش الهدف من مشروعه في خطاب ألقاه في 9 أيار 2003 قائلاً: "إننا نؤيد تقدم الحرية في الشرق الأوسط لأنها مبدأ مؤسس، ولأنها تخدم مصلحتنا القومية، فأيديولوجية الإرهاب المبنية على الكراهية تغذيها وتحميها نظماً طغيانية، وزعم في خطابه أن الحرية آخذة في الترسيخ في أفغانستان والعراق.
ووصلت وقاحته وتدخله الفظ في الشؤون الداخلية والتعليمية للدول الأخرى حداً قال فيه:
سنوفِّر الموارد اللازمة من أجل ترجمة كتب القراءة للمراحل التعليمية المبكرة إلى اللغة العربية ثمّ التبرع بهذه الكتب إلى المدارس الابتدائية في المنطقة. فهل يعقل أن توافق الحكومات على ذلك؟
وطالب في خطابه المذكور من الدول العربية محاربة الإرهاب بكل أشكاله وتعترف وتقر كلياً ونهائياً بالواقع وهو "أن لإسرائيل حق البقاء والعيش كدولة يهودية في سلام مع جيرانها.
ركز المشروع على تحقيق إصلاحات في البلدان العربية انطلاقاً من السلبيات الواردة في تقرير الأمم المتحدة للتنمية وبشكل انتقائي، وأسقط بنفس الوقت أهم ما ورد في التقرير حول التحديات والمخاطر التي واجهت وتواجه الإصلاح بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
إن المشروع خطة أمريكية لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية وعلى حساب الشعوب والبلدان العربية.
ويتلخص جوهره في أن الولايات المتحدة بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي وقوة "إسرائيل" العسكرية ستعلم الشعوب والبلدان في المنطقة كيف يصبحون مجتمعات ديمقراطية وعصرية بتركهم هويتهم القومية وعقيدتهم الإسلامية ونبذ كراهيتهم لإسرائيل الإرهابية والاستعمارية والعنصرية والقبول باغتصابها للأرض والحقوق والثروات وبهيمنتها على كامل المنطقة.
إن استقواء الرئيس بوش بالدول الصناعية الثماني وكأن العرب ليس لهم شأن في تقرير أوضاعهم الداخلية وإصلاحاتهم السياسية والثقافية يدل على أن الولايات المتحدة وضعت المشروع لمصلحتها ومصلحة "إسرائيل" الحليف الاستراتيجي لها، ولرشوة الدول الصناعية، ولإعطاء التواجد العسكري في العراق لباساً دولياً للاستمرار في نهب ثرواته وتدمير منجزاته وذبح شعبه إلى أن ينفذ النفط العراقي.
ينص المشروع على "أن أولويات الإصلاح هذه السبيل إلى تنمية المنطقة".
إن تنمية المنطقة تبدأ أولاً وقبل كل شيء بالانسحاب الإسرائيلي والأمريكي منها وإنهاء الاحتلال لفلسطين والعراق وأفغانستان. ويمضي المشروع ويقول: "إن الديمقراطية والحرية ضروريتان".
نعم بل وأكثر من ذلك، ولكن بدون احتلال إسرائيلي وأمريكي، أي بدون صهيونية وإمبريالية أمريكية، حيث أن فقدان الحرية والديمقراطية والتنمية تعود إلى الحروب والمصائب والويلات التي سببتها أمريكا وإسرائيل لشعوب المنطقة، وبسبب أطماعهما في ثرواتها ومعاداتهما للعروبة والإسلام.
ويتناول المشروع الصحف وبرامج التلفزيون العربية ويقول: "إن الصحف العربية التي يتم تداولها تميل إلى أن تكون ذات نوعية رديئة، ومعظم برامج التلفزيون في المنطقة تعود ملكيتها إلى الدولة أو يخضع لسيادتها" "فما هو مفهوم الرئيس بوش عن الصحافة الراقية؟ هل تعميم أكاذيبه ونشر أخبار الجرائم والمخدرات والتعري المنتشرة في المجتمع الأمريكي صحافة راقية يُحتذى بها في العالم؟
هل هيمنة اللوبي اليهودي على أجهزة الإعلام الأمريكية تخدم مصالح الشعب الأمريكي وشعوب المنطقة؟
إن المشروع يريد من الصحافة والتلفزة العربية أن تسير على هدى الصحافة الأمريكية وتخضع للوبي اليهودي والنفوذ الإسرائيلي، وهذا ما لا نقبل به أبداً.
لقد نجح بوش في تسويق أكاذيبه حول الخطر العراقي المزعوم على الولايات المتحدة وامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وعلاقاته مع تنظيم القاعدة عن طريق هيمنة الإدارة الأمريكية على صناعة الرأي العام في الولايات المتحدة وخارجها. فهل يريد المشروع الأمريكي من أجهزة الإعلام العربية أن نعمم الأكاذيب لتضليل شعوب المنطقة وشعوب العالم كما تفعل الولايات المتحدة؟
إن الرئيس بوش يحاول من خلال ما يسميه بالإصلاح الديمقراطي والاقتصادي في المشروع تصفية قضية فلسطين لصالح إسرائيل وإنجاح المشروع الصهيوني في المنطقة، وأمركة وصهينة البلدان العربية والإسلامية وسلب ثرواتها وتغيير هويتها والقضاء على النظام العربي، ولكنه سيمنى بالفشل تماماً كما فشلت جميع المشاريع الإمبريالية والعنصرية والإرهابية في جميع بقاع العالم، لأنه يتعارض مع التاريخ والجغرافية ويخالف طبيعة المنطقة وهويتها.

***





الفصل الثاني:

الموقف العربي الرسمي

من مشروع الشرق الأوسط الكبير




يجسِّد ظهور مشروع الشرق الأوسط الكبير تبنياً أمريكياً للمخططات الصهيونية لمستقبل منطقة انطلاقاً من اقتناع الولايات المتحدة بأن تغيير المنطقة أصبح أمراً ضرورياً للحفاظ على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية للإمبريالية الأمريكية والصهيونية والكيان الصهيوني.
جاء المشروع لتطبيق وتكريس وترسيخ الخارطة الجديدة التي رسمتها الولايات المتحدة والصهيونية واستغلال تداعيات الحرب العدوانية على العراق والهولوكوست الإسرائيلي على الشعب العربي الفلسطيني.
وترمي المبادرة إلى خلق طابور خامس من بعض رجال الأعمال والتجار والمثقفين وبعض أعضاء لجان المجتمع المدني داخل المجتمعات العربية.
قبل كل شيء يجب التأكيد على أن الوضع المضطرب في بعض البلدان العربية والإسلامية وتأخر التنمية والتطوير والتحديث نتج عن حروب ومجازر الولايات المتحدة وإسرائيل وعن الخراب والدمار والقتل وسياسة الأرض المحروقة وانتهاك أبسط حقوق الإنسان العربي التي تطبقها الدولتان في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان.
ونتج التخلف وعرقلة التنمية وإهدار حياة وحقوق وكرامة الإنسان في المنطقة عن حروب واعتداءات الولايات المتحدة على العديد من بلدان المنطقة وتأييدها الهمجي لممارسة "إسرائيل" للإرهاب والإبادة والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية.
لذلك أحدث المشروع الأمريكي ردود فعل متباينة تعكس في الوقت نفسه التخبط والارتباك والاستفراد العربي في مواجهته، على الرغم من أن الولايات المتحدة طرحت قبله عدة مخططات لمصلحة إسرائيل "مضللة ومخادعة، وتوحي بأنها تعمل على التطوير وتشجيع الديمقراطية وتوسيع الفرص الاقتصادية، وتغيير مناهج التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية وتوزيع كتب التعليم مجاناً في بعض البلدان العربية.
واجه النظام المصري المشروع بلغة ترضي الولايات المتحدة وبعض الجهات الداخلية وأكد أنه يقبل بالإصلاح من الخارج بشروط منها: -
-أن يأخذ بالاعتبار خصوصيات كل بلد على حدة، حيث تخشى القاهرة وبعض العواصم العربية الأخرى أن تتدخل الولايات المتحدة بالشؤون الداخلية، وتعمل على تشجيع الحركات الانفصالية والمنشقين وإشاعة أجواء عدم الاستقرار على غرار ما أحدثته معاهدة هلسنكي داخل الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية.
ورحب الرئيس مبارك بأي مجهودات لتعزيز قدرة دول المنطقة على إجراء الإصلاح وفقاً لخططها الذاتية المبنية على ظروفها وإمكاناتها وقدرة مجتمعها على استيعابها.
أعلنت السعودية رفضها للمشروع ورفض أي محاولة لفرض الإصلاح من الخارج، وحذر وزير الخارجية سعود الفيصل من ممارسة الضغوط لتسريع الإصلاح، مؤكداً على أن الإصلاح يجب أن ينبع من الداخل لضمان رفاهية المواطنين والاستجابة لتطلعاتهم.
وأكدت السعودية أن المشروع لا يختلف عن صيغة هلسنكي التي سخرها الغرب للضغط من أجل المزيد من الحريات وحقوق الإنسان في الدول الاشتراكية، وتطالب السعودية من الولايات المتحدة معالجة الصراع العربي -الصهيوني وقضية فلسطين قبل طرح المبادرة.
وطالب رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الأحمد الجابر بضرورة تفهم المطالب الداعية للإصلاح قائلاً: "علينا أن نكون حذرين من عملية رفض الأشياء والتمسك بالقديم لمجرد أن طرفاً ما ذكر أنه يريد تغييره".
وأكد وزير الخارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم "ضرورة أن تقوم الدول العربية بدراسة المبادرة الأمريكية قبل إعلان رفضها لتلك المبادرة".
ودعا رئيس الوزراء البحراني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة إلى ضرورة التفاعل بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الدول العربية بخصوص مبادرة الإصلاح وقال: "أن أي مبادرة للإصلاح السياسي في المنطقة يجب أن تتم بالتنسيق والتعاون مع دول المنطقة حتّى يكتب لها النجاح."
واتخذت السعودية موقفاً مغايراً لمواقف دول الخليج العربية فرفضت المشروع باعتباره مشروعاً سيفرض من الخارج على الدول العربية ولا يراعي خصوصيات هذه الدول وقيمها وثقافاتها وأوضاعها الاجتماعية، فضلاً عن تجاهل حل قضية فلسطين.
وتشدد السعودية على أن لا يكون للإصلاح بُعداً خارجياً وإنما عليه أن ينبع من البيئة السعودية.
يمكن القول أن مواقف دول الخليج باستثناء السعودية اتسمت بالموافقة على المشروع الأمريكي لتسهيل مهمة إدارة الرئيس بوش في أخذ موافقة الدول الصناعية عليه، وأكدت على ضرورة عدم رفض المشروع لمجرد أن الولايات المتحدة هي التي طرحته، لأن الدول العربية بحاجة إلى إصلاح حقيقي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي برأي هذه الدول الخليجية أن تبدأ الدول العربية بالإصلاح ولا تلتفت إلى وجهات النظر التي تقول أنه عبارة عن مشروع مفروض من الخارج.
واعتبر لبنان أن المشروع يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على المنطقة وقد يؤثر بشكل خطير على أوضاع جميع البلدان العربية، وأخطر ما فيه تجاهله للعرب. وأعلن لبنان رفضه للمشروع.
وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد بلور الموقف من طبيعة نظام الشرق الأوسط بقوله:
"موضوع الشرق أوسطية، ليس موضوعاً اقتصادياً، بل إنه موضوع اقتصادي وسياسي وهدفه الأساسي هو شطب شيء اسمه العرب، شطب شيء اسمه العروبة، شطب المشاعر العربية، شطب الهوية القومية".
وأعلنت الجامعة العربية رفضها للمشروع، حيث أعلن الأمين العام للجامعة أن المشروع ناقص وغير متوازن ويمثل خطراً على المنطقة وعلى استقرارها. فالمشروع برأيه يتجاهل قضايا العرب الإسلامية الرئيسية، وفي مقدمتها الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين والترسانة النووية الإسرائيلية، كما يتجاهل الوجود العسكري في المنطقة وينتقص من دور الأمم المتحدة.
أدى طرح المشروع إلى انقسام الدول العربية حول الموقف منه وظهرت أربعة مواقف:
المجموعة الأولى: رفضت المشروع وعلل بعضها سبب الرفض لأنها لم تشترك في صياغته وجاء من الخارج.
المجموعة الثانية: أيدت المشروع وطالبت بفتح حوار بناء مع الولايات المتحدة.
المجموعة الثالثة: نادت بالتريث والانتظار وإجراء الاتصالات مع الولايات المتحدة.
المجموعة الرابعة: تحفظت على المشروع وطالبت بإيضاحات وتفسيرات من الولايات المتحدة.
وتعتقد بعض الجهات الرسمية أن المشروع يستهدف بعض الأنظمة في المنطقة لتنصيب كرازايات ومجالس حكم ووزارات على شاكلة ما تمّ في أفغانستان والعراق.
باختصار تريد الولايات المتحدة حمل دول المنطقة على تبني مفهومها للإصلاح الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي. وتبدأ بالخصخصة واقتصاد السوق والدخول بشراكة مع معظم دول المنطقة وبمناطق التجارة الحرة وفتح الحدود على مصراعيها أمام "إسرائيل" والهرولة في تطبيع العلاقات معها وإنهاء المقاطعة العربية ونسيان الماضي ووقف التحريض على الصهيونية والكيان الصهيوني.
وضعت الولايات المتحدة المشروع دون مراعاة لمواقف ومصالح وثقافة شعوب المنطقة، وتوجهها إلى شعوب وحكومات المنطقة لنيل رضاها لضمان استمرار وجود قواعدها العسكرية وابتزاز بعض القادة العرب لخدمة المخططات الأمريكية والإسرائيلية وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني. ركز المشروع الأمريكي على تحقيق الإصلاحات انطلاقاً من النواقص والسلبيات التي تعاني منها بلدان المنطقة والواردة في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في البلدان العربية وبشكل انتقائي.
وبنفس الوقت أسقطت الولايات المتحدة أهم ما ورد في التقرير حول التحديات والمخاطر التي واجهت وتواجه الإصلاح بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
إن ما جرى ويجري في فلسطين والعراق وتبني إدارة الرئيس بوش بالكامل للمواقف الإسرائيلية يظهر بجلاء الإصلاح السياسي والديمقراطي على الطريقة الأمريكية.
يستغل المشروع الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان ومزارع شبعا والآليتين العسكريتين الأمريكية والإسرائيلية والتهديد باستخدام القوة ومحاسبة سورية، كي تعلم إدارة بوش شعوب وحكومات المنطقة كيف يصبحون مجتمعات ديمقراطية وعصرية بتركهم هويتهم القومية وعقيدتهم الدينية والتخلي عن كراهية "إسرائيل" والصهيونية والقبول باغتصابها للأرض والحقوق والثروات وبهيمنتها على كامل المنطقة.
فهل من المعقول أن الرئيس بوش الذي أشعل حرباً عالمية على العروبة والإسلام ودمر العراق وأفغانستان ويدعم تدمير شارون لغزة ورفح وخان يونس وجنين ونابلس، أن يعمل على نشر الديمقراطية في بلدان المنطقة؟
إن الخطأ الذي ارتكبته بعض النظم العربية بإصرارها على استمرار الأوضاع الداخلية دون القيام بإصلاحات ديمقراطية أدى إلى نجاح الصهيونية بربط الأوضاع الداخلية في البلدان العربية بأمن الولايات المتحدة كي تقضي على الهوية والثقافة العربية –الإسلامية. فالمشروع يستهدف العالم العربي والإسلامي وأمركته وصهينة وتغيير هويته وسلب ثرواته، ويمس بجوهر قضية فلسطين ويهدف إلى تغيير حقائق التاريخ والجغرافية ومسح الهوية الحضارية العربية -الإسلامية الضارية الجذور في أعماق التاريخ والإنسان في المنطقة.


***





الفصل الثالث:

الموقف الأوروبي

من مشروع الشرق الأوسط الكبير




يتحرك الاتحاد الأوروبي لخدمة مصالح الغرب وقيمه بشكل عام ومصالحة بشكل خاص، لذلك من السذاجة الاعتقاد بأن موقف الاتحاد الأوروبي يختلف جوهرياً عن الموقف الأمريكي.
بالتأكيد أوروبا المتحضرة ذات القيم الحضارية العريقة ليست كالولايات المتحدة حديثة التكوين والتي قامت على إبادة السكان الأصليين. فالأوروبي ينطلق من مصالحه وثقافته ويتمتع بحس وبذوق حضاري وإنساني يتجاوز الشارعين الأمريكي والإسرائيلي. وبنفس الوقت لا تزال رواسب الحروب الصليبية وفترة الاستعمار الأوروبي وتعاطفه مع "إسرائيل" والصهيونية تطبع موقفه من العروبة والإسلام بطابعها الخاص.
لعب الاتحاد الأوروبي ولا يزال يلعب دوراً مكملاً للمخططات والمشاريع الأمريكية والإسرائيلية حول قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني والشرق أوسطية والمتوسطية ومشروع الشرق الأوسط الكبير، والتطبيع بين العرب وإسرائيل وتغيير المناهج الدراسية لدى السلطة الفلسطينية وبعض البلدان العربية.
وطالب إعلان برشلونة عام 1995 حول الشراكة الأورو متوسطية إقامة سوق مشتركة أوربية -متوسطية تضم إسرائيل أيضاً، وموّل الاتحاد الأوروبي عقد لقاء غرناطة وإقامة تحالف كوبنهاجن وجمعيات السلام المصرية -الإسرائيلية وبعض مؤسسات المجتمع المدني لترسيخ التطبيع والتعاون الإقليمي.
فالاتحاد الأوروبي يلعب دوراً متمماً ومكملاً للدور الأمريكي على صعيد التمويل والتطبيع وتسويق المشاريع الأمريكية. ويرمي من جراء ذلك خدمة مصالحة ومصالح الغرب الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية في المنطقة.
تبنى الاتحاد الأوروبي خطة عمل في حزيران 2003 تعترف بشرعية الهواجس الأمريكية الأساسية حول التهديدات الناتجة من الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والحاجة إلى استخدام القوة كخيار أخير.
ووضع خطة عمل لتنفيذها، وركزت الخطة على أهمية العلاقة التكاملية بين الدبلوماسية واستخدام القوة، أي الاستفادة من استخدام القوة في العلاقات الدولية.
وحدد المفوض الأوروبي للعلاقات الخارجية كريس باتن الهدف من الشراكة المتوسطية بقوله:
"هو التوصل إلى سياسة توفر لجيراننا التقدم تجاه الحريات الأربع الأساسية للاتحاد الأوروبي وهي:
حرية انتقال البضائع والخدمات والأموال والأفراد، وذلك مقابل إصلاحات سياسية واقتصادية ملموسة".
مبادرة فيشر

تمخضت زيارة المستشار الألماني جيرهارد شريدر ومباحثاته مع الرئيس بوش خلال زيارته لواشنطون في شباط الماضي من مبادرة فيشر وزير الخارجية التي أعلنها إبان انعقاد مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ في نهاية شباط 2004.
وتقوم مبادرة فيشر على تحقيق الإصلاح في الشرق الأوسط وبلورة مبادرة أوروبية -أمريكية مشتركة لتشجيع الإصلاح الديمقراطي في المنطقة والتنسيق بين برامج الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي في حوض البحر المتوسط، والتوسع جنوباً والتعاون مع دوله في مجالات الأمن والتنمية الاقتصادية والتبادل الثقافي وإقامة منطقة تجارة حرة حتّى عام 2020.
وتوحي مبادرة فيشر أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيتفقان على تنسيق المواقف والمخططات في منطقة الشرق الأوسط الكبير.
كانت الولايات المتحدة قد أدخلت تعديلات استراتيجية على مشروع الشرق الأوسط الكبير كي تسهِّل عملية الموافقة الأوروبية عليه وتتضمن التراجع عن فكرة فرض الإصلاحات بالإكراه، والاعتراف بوجود فوارق كبيرة بين دول المنطقة، والموافقة على منح كل دولة فرصة وضع جدول زمني خاص بها لتطبيق الإصلاحات.
المبادرة الألمانية -الفرنسية

وأطلقت ألمانيا وفرنسا مبادرة مشتركة للإصلاح في الشرق الأوسط تجسِّد رؤية الاتحاد الأوروبي للأوضاع في المنطقة وكيفية تغييرها وإصلاحها.
وتقوم على محورين:
المحور الأول: السعي إلى خلق عملية شراكة بين الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي من جهة وبين دول حوض البحر الأبيض المتوسط من جهة أخرى (بما فيها إسرائيل). وتقوم على أربعة مراحل: تعاون سياسي وثيق، مشاركة أمنية واقتصادية جديدة، إقامة منطقة تجارة حرة عام 2010، وتعاون في مجالات القانون والثقافة والتعليم والتدريب والديمقراطية وبناء وتقوية المجتمع المدني.
المحور الثاني: يركِّز على موضوعات متعلقة بالسلام والأمن وعدم استخدام القوة والرقابة على الأسلحة ونزع أسلحة الدمار الشامل، وقيام تعاون أمني ومحاربة الإرهاب والنظم الشمولية وتحقيق الديمقراطية والتعاون الاقتصادي وحقوق الإنسان وضمان الحقوق المتساوية للمرأة ومشاركة المواطنين في صنع القرار والحصول على العلم والمعرفة.
ترى المبادرة الألمانية الفرنسية ضرورة أن يتم تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة العربية وتركز على ضرورة الشراكة لإصلاح الأوضاع المتردية في المنطقة وتأكيد أهمية دور الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المالية في تفعيل الإصلاح والتغيير.
الهدف من المبادرتين

إن الهدف المركزي للمبادرتين الأمريكية والأوروبية ينطلق من رغبتهما في تغيير الهوية الفكرية والثقافية السياسية لشعوب المنطقة ونهب ثرواتها ومسح الهوية العربية والنظام العربي وتعزيز الهيمنتين الأمريكية والصهيونية عليها ولا تهدفان إلى المساهمة الفعلية والحقيقية الصادقة في تحسين أوضاع المواطن وأحواله وإنما خدمة مصالحهما المشتركة على حسابه.
يرمي الرئيس الأمريكي من طرحه المبادرة على قمة الدول الصناعية والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي الاستقواء بهم على الشعوب والدول العربية ورشوة أوروبا بإعطائها جزءاً من كعكة العراق والتي بسببها حالت دون تبني مجلس الأمن الدولي للحرب عبر بوابة الشرق الأوسط الكبير. وبالتالي الاستقواء بأوروبا واستدراجها في إنجاح المبادرة لفرض الهيمنتين الأمريكية والصهيونية على المنطقة ونهب ثرواتها وتغيير ثقافتها. إن استقواء الرئيس بوش بالدول الصناعية وكأن العرب ليس لهم شأن في تقرير أوضاعهم وإصلاحاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، يدل دلالة واضحة على أن الولايات المتحدة وضعت المشروع لمصلحتها ومصلحة حليفها الاستراتيجي وبقية الدول الغربية.
ويهدف الرئيس الأمريكي من جراء ذلك إعطاء الاتحاد الأوروبي دوراً في التكامل مع المشروع الأمريكي لإعطاء التواجد الأمريكي العسكري الدائم في العراق لباساً دولياً.
استفادت المبادرة الألمانية -الفرنسية من الانتقادات والملاحظات والمقترحات التي قدمتها بعض الأطراف العربية للمبادرة الأميركية وتضمنت بنوداً وعبارات تظهر الرغبة في إصلاح الأوضاع العربية.
احتوت على عبارات أكثر اتزاناً وجاذبية وتضليلاً وخداعاً من المبادرة الأمريكية وتبلورت بالأساس لإنجاح المبادرة الأمريكية. وتتضمن مراعاة البعد الداخلي في الإصلاح والتغيير وضرورة تجنب فرض أي نموذج إصلاح خارجي، ووجوب التحرك عبر الحوار والتحفيز مع الحكومات ومع المجتمعات المدنية.
وتؤكد على حق كل بلد في الحفاظ على هويته الذاتية حتّى يتوافق التغيير مع قيم وعادات وثقافات شعوب المنطقة.
وتؤكد المبادرة الأوروبية على ضرورة حل الصراع العربي -الإسرائيلي باعتباره لب المشاكل في الشرق الأوسط.
وتعتبر أن تسويته تشكل أولوية استراتيجية لأوروبا، لأنه في غياب الحل لن تكون هناك فرصة لتسوية المشاكل الأخرى في المنطقة. وتطالب تكثيف الحوار السياسي بين دول الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة للاتفاق على شكل الإصلاح.
جاءت المبادرة الأوروبية مباشرة بعد المبادرة الأمريكية كي تشارك أوروبا "الولايات المتحدة" في النفط والأموال وإعادة إعمار العراق وأفغانستان وفلسطين، وحتى لا تفقد أوروبا مصالحها في المنطقة، ولخدمة مصالح "إسرائيل" في التخلص من تقديم الأموال الهائلة لها عن طريق إدخالها في نسيج المنطقة. وترمي إلى حل المشاكل التي تتولد عن طريق الهجرة غير الشرعية من شمال أفريقيا ومن الإرهاب.
وتستفيد الولايات المتحدة من قوة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية في تقديم الأموال والمساعدات لتحفيز الإصلاح والتدخل في مؤسسات المجتمع المدني.
وتستفيد أوروبا من المبادرة للحيلولة دون تفرد الولايات المتحدة بنفط المنطقة وأموالها وأسواقها. وبالتالي قرر الأوروبيون سلوك طريق اقتسام المغانم والتعاون بدلاً من الاختلاف والمواجهة مع الولايات المتحدة.
إن ما يهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "مصالح الغرب" ومصالحهما والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة على حساب حقوق وسيادة واستقلال البلدان العربية والإسلامية.
فالشرق الأوسط الكبير يمس بشكل مباشر وخطير الوضع الجغرافي والسياسي والثقافي في المنطقة، ويسقط النظام العربي والوحدة العربية والسوق العربية المشتركة ويعيد صياغة الثقافة العربية -الإسلامية.
إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تفعل خيراً في تاريخها القديم أو الحديث للبلدان العربية والإسلامية، بل ألحقت بهم أفدح الأخطار والخسائر والويلات والمصائب والتخلف والتجزئة ونهب ثرواتهم وتدمير منجزاتهم ودعم اغتصاب الصهيونية لفلسطين العربية.
لذلك من المستحيل الاعتقاد أو حتّى التخيل بأن المبادرتين للإصلاح في المنطقة تنطلقان من مصلحة شعوب الشعوب والبلدان العربية والإسلامية، وإنما انطلقتا من خدمة مصالح واضعيها ومروجيها والمدافعين عنها.
التعديل الأمريكي على مشروع الشرق الأوسط الكبير

تعتقد الإدارة الأمريكية أن الحرب على العراق وأفغانستان، وانصياع ليبيا والسودان للضغوط وما يجري في بعض الدول يعزز من فرص إنجاح المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
يساعد التشرذم وغياب البديل العريي وانصياع العديد من دول الخليج والمغرب للسياسات الأمريكية على هذا الاعتقاد وعلى تنفيذ المشاريع التي خططت لها واشنطون.
ويقلب مشروع الشرق الأوسط الكبير الموقف الأمريكي رأساً على عقب، حيث قام الموقف السابق على أن تسوية الصراع ضرورية لتوفير الهدوء والاستقرار، مما سيقود إلى تحقيق بعض الإصلاحات السياسية.
فجاءت رؤية الرئيس بوش في المشروع مغايرة للرؤية الأمريكية السابقة، إذ تبنى تماماً الموقف الإسرائيلي وبالتحديد موقف مجرم الحرب شارون الذي ينطلق من أن القضاء على المقاومة ووقف التحريض، وتغيير المناهج الدراسية، وإعادة صياغة الثقافة العربية -الإسلامية، وخلق لوبيات أمريكية ومتصهينة داخل البلدان العربية والهرولة في التطبيع يقود إلى إنجاز التسوية السياسية. ولكن على أثر بعض الانتقادات العربية الرسمية أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها لا تفكر في فرض شيء من خارج المنطقة وهي تدرك بأن دول المنطقة وشعوبها دول مستقلة لها مصالحها التي تريد حمايتها والمحافظة عليها، وذلك في محاولة لاستيعاب الانتقادات العربية وتسويق المشروع وإنجاحه.
دفعت الشكوك والاعتراضات العربية إلى إجراء تعديلات على المشروع لأنه لا يشير إلى الصراع في المنطقة.
وأعلن الجنرال كولن باول بأنه يتفق مع وجهة نظر القاهرة والرياض من حيث أن الإصلاحات المنشودة لا يمكن أن تفرض من الخارج، وأنها لا بد أن تكون مقبولة من الداخل. ووافق على ضرورة أن يأتي الإصلاح السياسي والديمقراطي بمبادرات محلية وطبّقاً للأولويات في كل دولة.
وأخذت الاقتراحات الأمريكية على المشروع الأمريكي تتوالى فاقترح بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأسبق ثلاثة شروط لإنجاح المشروع الأمريكي وهي:
أولاً: أن يتم تطويره مع الدول العربية، لا أن تقدم لهم كصيغة أمريكية.
ثانياً: الاعتراف بأنه بدون توفر الكرامة السياسية النابعة من حق تقرير المصير فلا يمكن إقامة الديمقراطية.
ثالثاً: أن تضع الولايات المتحدة أسس مضمون تسوية سلمية (عادلة) في الشرق الأوسط وتشرع في تنفيذها.
وطالب جوزيف سيسكو، الوكيل الأسبق لوزارة الخارجية الأمريكية ضرورة التشاور مع الدول العربية حول برامج الإصلاح، بدلاً من تسليمها تصوراً أمريكياً تدعمه الدول الصناعية والاتحاد الأوروبي.
و ظهر جلياً أن الإدارة الأمريكية على استعداد للمناورة وإظهار بعض المرونة لإنجاح المشروع وذلك:-
أولاً: للتخفيف من إحراج النظم العربية أمام شعوبها، بقبول المشروع الأمريكي للإصلاح من الخارج.
ثانياً:أخذ بعض التحفظات الأوروبية بعين الاعتبار بخصوص طبيعة الأوضاع في بلدان المنطقة.
ثالثاً: الحيلولة دون إفشال المشروع خلال الحملة الانتخابية للرئيس بوش.
وطرح مارك غروسمان، معاون وزير الخارجية الأمريكي في آذار 2004 خلال جولته في بعض بلدان المنطقة الأفكار التالية:
* أمريكا لن تفرض الإصلاح من الخارج، لأن المنطقة تغلي أصلاً بمطالب الإصلاح.
* أمريكا تعترف بخصوصية كل بلد.
* أمريكا تريد أن تدعم جهود الإصلاح الحكومية والشعبية النابعة من المنطقة.
* أمريكا لا تريد الإصلاح بديلاً عن التسوية، ولكنها تعتبر أنه لا يتوجب انتظار إتمام التسوية.
* أمريكا ترى أن الإصلاح سيستغرق وقتاً طويلاً.
* أمريكا ترى أن الإصلاح كفيل بمكافحة الإرهاب والتطرف.
* سيكونه لحلف شمال الأطلسي دور (لا إصلاح بدون أمن)، ولشركاء الولايات المتحدة دور.
وأعرب غروسمان عن قناعته أن القمة العربية في تونس ستصدر بياناً تقول فيه إنها تؤيد الإصلاح في الشرق الأوسط.
وبالفعل أكدت المبادرة التونسية للقمة والتي يُعتقد بأنها كانت وراء تأجيل عقدها "الالتزام بمواصلة الإصلاح الشامل في جميع البلدان العربية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، وخصوصاً تعزيز الديمقراطية إلى جانب حرية التعبير ودعم المجتمع المدني ورعاية حقوق الإنسان، وتعزيز دور المرأة في بناء المجتمع بما يتفق مع العقيدة والقيم الحضارية.
وانعقد في عشية التحضير لقمة تونس من 12 ـ 14 آذار 2004 اجتماع في مكتبة الاسكندرية افتتحه الرئيس حسني مبارك، وبحث قضايا الإصلاح العربي، وتوصل المجتمعون إلى بيان ختامي طالبوا فيه بإصلاحات اقتصادية تقوم على قصر دور الدولة على تحفيز النشاط وتوفير بيئة ملائمة للقطاع الخاص، وتحديد دور القطاع العام، وإزالة المعوقات أمام الاستثمار الأجنبي والعربي، وتشجيع برامج الخصخصة، وتقليص دور الاستثمارات الحكومية وتطوير البنى الأساسية لتكنولوجيا المعلومات.
وطالب بيان الاسكندرية بإصلاحات اجتماعية وتعليمية وبالقضاء على منابع التطرف الديني، وتجديد الخطاب الإسلامي، ورفض الوصاية باسم الدين، ومساواة المرأة بالرجل، وبالتالي رسم المثقفون الذين اشتركوا في اجتماع الاسكندرية دعامتين للإصلاح: الديمقراطية السياسية والليبرالية الاقتصادية واعترض على البيان العديد من المثقفين المشاركين في الاجتماع بسبب السياسات الأمريكية ومسؤوليتها التاريخية عن الحروب في المنطقة ودعمها للاحتلال الإسرائيلي والديكتاتوريات وافتقاد الدعوات الأمريكية للصدقية، وغُيِّب المثقفون الإسلاميون عن اجتماع الاسكندرية.
لقد ورد في دراسة نشرها مركز الدراسات الأمنية والدولية الأمريكي أن الظروف التي سمحت لأسامة بن لادن بتجنيد مهاجمين والتي زرعت بذور الكراهية لأمريكا في قلب العالم الإسلامي هو فشل العديد من الدول المعتدلة في تشكيل حكومات عصرية تستجيب لاحتياجات شعوبها". وضرب التقرير مثالاً على ذلك مصر والسعودية، وطالب أمريكا بأن تستعد لإمكانية سقوط هذه الأنظمة مالم تتبن سياسات لا تهادن الإرهاب على الإطلاق وتوفّر المزيد من الفرص الاقتصادية والمشاركة السياسية.
وأكد التقرير على أنه حتى تنتصر أمريكا في الحرب ضد الإرهاب عليها أن تبدأ حملة لتغيير القلوب والعقول في العالم الإسلامي، فالإصلاحات السياسية التي تطالب أمريكا بفرضها على المنطقة تهدف إلى معالجة ما يسمى بالإرهاب من جذوره ونسيان الماضي وممارسة إسرائيل للإرهاب والإبادة العنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية لأكثر من نصف قرن.
إن الحروب العدوانية الأمريكية والإسرائيلية هي من الأسباب الرئيسية للتخلف وعرقلة التنمية، وتصاعد الكراهية والعنف، فالتنمية والاستقرار والتطوير والتحديث لا يمكن أن يتحقق الاجتثاث بؤر الحروب والإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني.
إن الولايات المتحدة تتجاهل منطق الحق والعدالة والقانون الدولي وتستند إلى منطق القوة وشريعة الغاب في تعاملها مع قضايا العرب والمسلمين وبشكل خاص في تعاملها مع قضية فلسطين وترمي الإدارة الأمريكية من تعديل المشروع إدخال تغييرات جذرية على طبيعة النظم العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتغيير القيم والعقائد والثقافات لنهب الثروات وتخليد الهيمنة، وتهدف من جراء تعديل المشروع تضليل قوى اجتماعية جديدة والسيطرة عليها فكرياً وسياسياً ودعمها مادياً لتتصدر العمل الاجتماعي كما فعلت مع ليش فاليسا في بولندا حيث أوصلته من عامل عاطل عن العمل إلى رئاسة الجمهورية. وتعترف المصادر الأمريكية أن المشروع مستوحى من معاهدة هلسنكي عام 1975 التي ساهمت بتمزيق الاتحاد السوفييتي وانهيار المعسكر الاشتراكي.
وكانت معزوفة حقوق الإنسان والديمقراطية جوهر معاهدة هلسنكي، حيث جرى استغلالها للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الاشتراكية وحماية المنشقين.
إن المحافظين الجدد والتحالف المسيحي وإدارة الرئيس بوش يتحالفون مع الحركة الصهيونية و"إسرائيل"، وهو تحالف لا يكترث بمبادئ الحق والعدالة وإنما فقط بمصالحة وتأجيج الحرب العالمية المعادية للعرب والإسلام.
وجاء المشروع الأمريكي وتعديلاته كنتيجة للحرب الأمريكية على العراق، واحتلاله وتغيير نظامه واعتقال قادته وتعميم الهزيمة على جميع الدول العربية لابتزاز المواقف من الدول التي تعارض المشاريع والمخططات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، للقضاء على النظام الإقليمي العربي والجامعة العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك وإقامة مؤسسات بديلة تتلاءم مع المعطيات الإقليمية الجديدة.
إن الدعوة للإصلاح والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان الواردة في المشروع الأمريكي وتعديلاته حق يراد به باطل فهل من مصلحة الولايات المتحدة أن تكون الأنظمة العربية ديمقراطية؟..
وهل صحيح أن الولايات المتحدة تريد أن تمتلك شعوب المنطقة العلم والتكنولوجيا؟..
إن المشروع الأمريكي يهدف إلى تمزيق العرب والمسلمين وفرض الهيمنتين الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة، فالأمة العربية تتعرض لحرب عالمية صليبية تحت ستار مكافحة الإرهاب لتغيير حقائق التاريخ والجغرافيا ولمسح الهوية العربية الإسلامية الضاربة الجذور في أعماق التاريخ والجغرافية والإنسان في المنطقة.
إن الرئيس بوش يربط بين حربه العالمية على الإرهاب والوضع في المنطقة، لذلك أدخل تعديلاً على الصيغة الأصلية للمبادرة وأضاف إليها "وجوب بذل الجهود لحل نزاع الشرق الأوسط"، لأن غياب هذه الصيغة أثار احتجاجات رسمية وغير رسمية في البلدان العربية والإسلامية وبعض البلدان الأوروبية، لذا جرى التعديل لكسب الجانب العربي لإنجاح المبادرة. ولكن الجانب العربي يعتقد أن هذه الصيغة وضعت لتهدئة الخواطر العربية وأنها لا تستأهل الأخذ بها بسبب انحياز الرئيس بوش الأعمى لإسرائيل وتبنيه جميع مخططات شارون وحمل بعض الزعماء العرب على الموافقة عليها.

***




الفصل الخامس:

منتدى دافوس في البحر الميت

ومشروع الشرق الأوسط الكبير




بتاريخ 15 أيار 2004 وعلى مدار ثلاثة أيام وللمرة الثانية خلال أقل من عام انعقد منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في البحر الميت بالأردن، وشارك فيه حوالي 1200 شخصية من 51 دولة، بينهم ستة رؤساء دول و40 وزيراً وحوالي 500 من رجال الأعمال.
انعقد المنتدى تحت عنوان "شراكة من أجل التغيير والسلام والتنمية"، وركز على الإصلاح في البلدان العربية والصراع العربي ـ الصهيوني والوضع في العراق.
ويعتبر منتدى دافوس أحد الأدوات الأساسية للامبريالية الأمريكية وأحد أذرع المخابرات المركزية لتعميم العولمة وتعزيز الهيمنة الأمريكية وفرض التطبيع بين العرب وإسرائيل.
انعقد مؤتمر دافوس الأول في البحر الميت مباشرة بعد احتلال العراق لترسيخ الاحتلال وتخليد الوجود العسكري الأمريكي فيه لسلب ثرواته وتغيير هويته العربية ـ الإسلامية، وتصفية أفضل المشاريع الاقتصادية في بعض البلدان العربية لصالح الشركات المتعددة الجنسيات، وتصفية الاقتصاد الوطني وربطه بالتبعية للاقتصاد الأمريكي. ويخدم عقده في البحر الميت، وفي ظل تصعيد العدو الإسرائيلي للاجتياحات والإبادة والاغتيالات والتدمير في قطاع غزة والضفة الغربية تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني، وخطوة عملية لتنفيذ أهم الأفكار الواردة في مشروع الشرق الأوسط الكبير. فأدرجت قضايا سياسية هامة على جدول الأعمال في المؤتمر ومنها فلسطين والعراق والإصلاح لذر الرماد في العيون وتمرير مشروع الشرق الأوسط الكبير بالاستقواء ببعض الأطراف العربية والاتحاد الأوروبي.
إن الأهداف الحقيقية للمنتدى هي أهداف سياسية واقتصادية أمريكية وتهدف واشنطون من جرائها دمج "إسرائيل" في المنطقة سياسياً واقتصادياً قبل حل قضية فلسطين واستغلال النتائج لتصفيتها وإنجاح المشروع الصهيوني في المنطقة.
فإسرائيل تعتقد أن التطبيع والعلاقات التجارية والثقافية وتغيير الثقافة العربية الإسلامية والمناهج الدراسية يساعد على تقبُّل وهضم العرب لاغتصاب فلسطين وتهويدها.
لذلك رفضت الأحزاب الوطنية المعارضة في الأردن انعقاد منتدى دافوس في البحر الميت واعتبرته محاولة جديدة لفرض التطبيع مع إسرائيل على الدول العربية، ودعماً للاحتلال الأمريكي للعراق. وانتقدت مشاركة الجنرال كولن باول في المنتدى معتبرة أن مكانه في محكمة جرائم الحرب وليس في منتديات عالمية.
افتتح الملك عبد الله الثاني المنتدى وقال: "إن معظم العرب يتفقون على الحاجة للإصلاح، كما يتفقون على أنه من أجل النجاح فلابد أن ينبثق الإصلاح من داخل مجتمعاتنا العربية وليس بفعل تأثير خارجي"([46]).وأكد الملك الأردني أهمية دعم المجتمع الدولي النشط من أجل تحقيق العدالة والسلام الإقليميين. وقال إن الأردن يعمل دون كلل من أجل الإصلاح والتنمية والسلام.
وألقى كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي كلمة أكد فيها التزام الولايات المتحدة رؤية دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب بسلام. وشدد على أن واشنطون ترى: "إن الحل يجب أن يقوم وفقاً لخريطة الطريق وعلى أسس القرارات الدولية ذات الصلة وخصوصاً 242 و338، وأن القوات الأمريكية ستبقى في العراق بطلب من الحكومة العراقية الانتقالية".([47]).
وقال رئيس ومؤسس المنتدى كلاوس شغاب في "الافتتاح": "إن الاجتماع في منطقة البحر الميت هو من أجل التغيير والسلام والتنمية، وأن الحاجة ماسة إلى توطيد عملية السلام العادل والدائم في المنطقة، والالتزام بما يتم الاتفاق عليه، والانتقال إلى وضع العملية الاقتصادية والتنمية البشرية"([48]).
وتحدث في الجلسة الافتتاحية رئيس البنك الدولي، جيمس ولفنسون وطرح ثلاث توصيات يمكن في حال تنفيذها أن تساهم في إحداث تحول كبير وهي:
1) ـ تحول المنطقة من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
2) ـ تقليل الاعتماد على النفط والاتجاه نحو تنويع القاعدة الاقتصادية.
3) ـ خلق المزيد من فرص العمل لتقليص البطالة.
ودعا إلى بناء ثقافة تعاون بعيداً عن التعصب الديني والتركيز على القيم الإنسانية والعدالة.
جلسة عربية ـ أمريكية

ترأس الملك عبد الله الثاني في اليوم الثاني لفعاليات المنتدى الجلسة التي جمعت وزراء الخارجية العرب ورؤساء الوفود العربية المشاركين في أعمال المنتدى بوزير الخارجية الأمريكي كولن باول، شدد الوزير الأمريكي على أن الولايات المتحدة مصممة على موقفها حيال قضايا الحل النهائي للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، معرباً عن اعتقاده أن هناك فرصة لتحقيق تقدم في عملية السلام يجب عدم تفويتها، مشيراً إلى خطة شارون للانسحاب من غزة، وقال باول: "إن الإصلاح في الشرق الأوسط يجب أن يأتي من الداخل وأن يشمل تعزيز الديمقراطية والانفتاح والتعددية.
مشيراً إلى خصوصية كل دولة من دول المنطقة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وبيّن أن الصعوبات والنزاعات في المنطقة يجب أن لا تقف حائلاً دون تنفيذ عمليات لإصلاح التي من شأنها تحقيق التنمية في المنطقة.
أكد الوزراء العرب أهمية الإسراع في نقل السيادة إلى العراقيين وتقرير العراقيين لمستقبلهم،. وأعربوا عن ارتياحهم لتمسك الولايات المتحدة بموقفها حيال قضية فلسطين وعدم التدخل في قضايا الوضع النهائي وإيمانها بحل الدولتين([49])
وأوضح الوزراء العرب أن عملية الإصلاح قد بدأت فعلا ً في بعض الدول العربية، معبِّرين عن تأييدهم لما ورد في كلمة الملك عبد الله الثاني في افتتاح أعمال المنتدى التي أكد فيها أن المنطقة لا تثق بخطة إصلاح لا تعالج هموم الناس كما يرونها ولا تتضمن حلاً للصراع العربي الإسرائيلي.
وأكدوا أن إيجاد حل عادل وشامل لقضية فلسطين والإسراع في نقل السلطة للعراقيين سيساعد في المضي نحو تحقيق الإصلاحات الشاملة التي ستنعكس نتائجها الإيجابية على شعوب المنطقة.
جلسة حوارية عربية ـ إسرائيلية على هامش المنتدى

انعقد منتدى دافوس العالمي في البحر الميت لدفع مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى الأمام، حيث سبق انعقاده قرع طبول الإصلاح الأمريكي في المنطقة. وأغفل السياسيون ورجال الأعمال إدانة المجازر الجماعية والاغتيالات والاجتياحات وتدمير المنازل والمؤسسات في رفح وخان يونس وغزة ونابلس وجنين وفي الفلوجة والنجف، وأغفلوا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والأمريكي للعراق، وجرى تناولهما كونهما مصدراً لمناخ غير ملائم وغير صالح للاستثمار.
وعبرت معظم الأطراف العربية المشاركة في المؤتمر عن تجاوبها مع الإصلاح الأمريكي وتبنيها للانخراط في المشروع الأمريكي للمنطقة.
تحدث وزير الخارجية الأردني مروان المعشر في الجلسة الحوارية حول واقع العلاقات العربية ـ الإسرائيلية مؤكّداً على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في ترتيب أوضاع المنطقة من خلال الضغط على جميع الأطراف للالتزام بالقرارات والاتفاقات الدولية.
وقال وزير الاقتصاد الفلسطيني ماهر المصري: "إن تبادل الاتهامات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لن يعيد الأمور إلى نصابها بل سيزيد من حالة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة."([50]).
وأشار الوزير الفلسطيني إلى خطورة الجدار الفاصل ودوره في تعقيد الأمور، مؤكداً أن هذا الجدار العنصري، سيؤدي إلى هجرة تدريجية للفلسطينيين من أراضيهم.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم: "إن إسرائيل تبحث عن شريك جديد في الجانب الفلسطيني تكون لديه القدرة على التعامل مع المعطيات الجديدة وعمليات القتل والتدمير التي تهدد أمن إسرائيل([51]).
وقال الوزير الإسرائيلي أولمرت في الجلسة الحوارية بوقاحة منقطعة النظير:"إن المشكلة الرئيسية في النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني هي انعدام المسؤولية لدى القيادة الفلسطينية.".
واستقبل الملك عبد الله الثاني وزير الخارجية الإسرائيلي، وأكد خلال اللقاء: "أهمية أن تكون خطة إسرائيل الرامية إلى الانسحاب من غزة جزءاً من خطة خريطة الطريق ومقدمة لانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي الفلسطينية وأشار الملك الأردني خلال اللقاء الذي حضره رئيس الوزراء، ووزير البلاط الملكي الهاشمي ووزير الخارجية إلى "أن الطريق للاستقرار والأمن والخلاص من العنف في المنطقة هي التوصل إلى سلام شامل وعادل وقيام دولة فلسطينية مستقلة وفقاً لما ورد في خطة خريطة الطريق".
اختتام أعمال المنتدى

جاء في كلمة الملك الأردني في الجلسة الختامية: "إن التحدي الحقيقي الذي أعددنا أنفسنا لمواجهته في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي هو حشد التصميم والإرادة لحل النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين والإيمان بقدرتنا على حل هذه المشكلة. علينا تحقيق العدالة للفلسطينيين ومنح الأمن للإسرائيليين وعلينا العمل من أجل التغيير"([52]).
وأكد الملك أن السلام والاستقرار والازدهار يجب أن يوجه جميع جهودنا في الإصلاح والتغيير الإيجابي.
لقد ناقش المشاركون في المؤتمر في 65 جلسة عمل طوال ثلاثة أيام الصراعات الإقليمية في المنطقة وقضايا الشباب والإصلاح السياسي والاقتصادي. وحصل الأردن على منحة من الاتحاد الأوروبي قيمتها مئة مليون يورو.
توقيع اتفاق أردني ـ إسرائيلي على هامش المنتدى

وقع الأردن مع "إسرائيل" اتفاقاً تجارياً على هامش المنتدى، يلغي الرسوم الجمركية على آلاف البضائع التي تعبر الحدود بين البلدين.
وقال وزير الصناعة والتجارة الأردني محمد الحلايقة في مؤتمر صحفي أن البلدين وقعا الاتفاق لتحديد قواعد المنشأ في عمليات التبادل التجاري بما يتيح لهما تعزيز التصدير إلى الاتحاد الأوروبي وتابع قائلاً: إن التوقيع منفصل عن الموقف السياسي، مشيراً إلى أن الأردن أبدى استعداده لتوقيع الاتفاق لأنه في مصلحة الأردن.
وقال نائب رئيس وزراء العدو الإسرائيلي ايهود أولمرت عن الاتفاق الجديد: "هذا مهم جداً بالنسبة لإسرائيل والأردن، إنها خطوة للأمام في نمو وتوسيع العلاقة في مجال التجارة والأعمال".
وقال أولمرت: "إن هذه الاتفاقية ستعزز العلاقات التجارية مع الأردن وستوسع المبادلات التجارية بين البلدين وتتيح للصادرات الإسرائيلية الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي"([53]).
وكانت القمة العربية في القاهرة عام 2000 قد ربطت العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول العربية و"إسرائيل" بممارسات قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ودشنت الحكومتان الأردنية والإسرائيلية في وادي عربة في آذار 2004، المركز الأكاديمي المشترك الذي أقيم على أرض عربية مساحتها 600 دونم، نصفها اقتطع من الأراضي الأردنية والنصف الآخر قدمته "إسرائيل" من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويجري حالياً إنشاء معهدين في المركز الأول للأبحاث التكنولوجية والثاني للأبحاث البيولوجية.
انعقد في العام 2003 المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت وحضره عن العراق بول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق. ولعب بريمر في المنتدى دور المؤدب لبعض الحكام العرب، بينما لعبت إسرائيل في أعمال منتدى دافوس للعام 2004 دور المؤدب للعرب من خلال "تأديب" الفلسطينيين، مستغلة نتائج العدوان الأمريكي المدمر على العراق.
وقال هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي الذي عينه الحاكم الأمريكي بريمر خلال مؤتمر صحفي مبرراً استمرار الاحتلال الأمريكي الدائم للعراق: "سنضطر إلى قبول وجود القوات الأمريكية في العراق إلى أن يتمكن العراقيون من بناء مؤسساتهم الأمنية والعسكرية"([54]).
لقد شكل انعقاد منتدى دافوس في البحر الميت محاولة لتطوير التعاون الإقليمي والإسهام في عملية التسوية الأميركية والسعي لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، ويرمي عقده باستمرار إلى تعزيز الشراكة الإسرائيلية مع بعض النظم العربية، وقيام الولايات المتحدة وإسرائيل برسم ووضع إطار التطور لمستقبل المنطقة وحتى مستقبل كل بلد عربي للمحافظة على نهب الثروات العربية وتخليد الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي للعراق وفلسطين.
إن تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير يخدم تغوُّل الولايات المتحدة في نهب النفط العربي والتحكم بكمياته وأسعاره وأسواقه، واستخدام القوة العسكرية لتغيير القيادات والنظم العربية، والتوسع في إقامة القواعد العسكرية وتقويض الاقتصادات الوطنية، وتحويل الشعوب إلى عمالة رخيصة للشركات المتعددة الجنسيات، ومسح ثقافات الشعوب والأمم ويخدم أمركة المنطقة وصهينتها على حساب هويتها العربية ـ الإسلامية.
***





الفصل السادس :

قمة الدول الصناعية الثماني

ومشروع الشرق الأوسط الكبير




لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى قمة الدول الصناعية الثماني في سي ايلاند بولاية جورجيا الأمريكية، وعرضت على القمة مشروع الشرق الأوسط الكبير كي تستغل قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية لوضع المشروع موضع التنفيذ وإجبار الحكومات العربية والإسلامية على القبول بالإملاءات والشروط الأمريكية حول الإصلاح، وبالتالي محاولة الحصول على الغطاء الدولي لوضع المشروع قيد التنفيذ والنجاح لما لهذه الدول من سيطرة ونفوذ في العالم.
إن المطلوب من هذه الدول وغيرها إن تنظر إلى قضايا الشعوب والأمم نظرة عادلة في إطار مبادئ الحق والإنصاف والشرعية الدولية والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وبقية العهود والمواثيق الدولية بعيداً عن استخدام القوة والاحتلال والاستعمار الاستيطاني والحروب الاستباقية وغطرسة القوة وتخليد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق والإسرائيلي لفلسطين والجولان ومزارع شبعا في جنوب لبنان.
استجابت الدول الصناعية الثماني الكبرى في العالم للرئيس بوش وأطلقت في ختام اجتماعاتها مبادرة تستهدف تسريع الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأكدت فيها على أن التغيير لا يجب ولا يمكن أن يفرض من الخارج، وعلى أن الدعم والإصلاح في المنطقة سيمضي خطوة خطوة مع التأييد لتسوية عادلة وشاملة ودائمة للصراع العربي الإسرائيلي تقوم على قرارات الأمم المتحدة.
ودعت القمة إلى إنشاء منتدى من أجل السلام يجمع الدول الثماني ودول المنطقة في لقاءات وزارية تخصص لبحث الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وجاء في نص البيان وهو بعنوان "شراكة من أجل التقدم ومستقبل مشترك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" ما يلي: "نحن قادة مجموعة الثماني ندرك أن السلام والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والرخاء والاستقرار في دول الشرق الأوسط الكبير تشكل تحدياً لنا، وللمجتمع الدولي كله. ومن ثم نعلن دعمنا لإصلاحات ديمقراطية واجتماعية واقتصادية نابعة من هذه المنطقة. إن هذه الشراكة ستقوم على تعاون حقيقي مع حكومات المنطقة ومع ممثلي القطاع الاقتصادي والمجتمع الأهلي لترسيخ الحرية والديمقراطية والازدهار للجميع. إن الإصلاح الناجح يتوقف على بلدان المنطقة وإن التغيير لا يجب ولا يمكن أن يفرض من الخارج([55]).
وتبنت الدول الثماني الموقف الإسرائيلي من الصراع، فأشار البيان إلى أن "النزاعات الإقليمية" يجب ألا تشكل عقبة في وجه الإصلاحات. وعلى العكس فالإصلاحات تستطيع أن تقدم مساهمة كبيرة لحلها سيمضي دعمنا للإصلاح في المنطقة خطوة خطوة."([56]).
وورد في بيان القمة الختامي: "إن مجموعة الثماني تعتبر خريطة الطريق الأداة التي ستقود إلى حل الأزمة وتأمل بأن يتيح القرار الإسرائيلي بمغادرة غزة، التقدم باتجاه السلام في المنطقة والاستجابة للتطلعات الوطنية الفلسطينية والتوصل إلى تحقيق هدفنا المشترك في إقامة دولتين إسرائيل ودولة فلسطينية قابل للحياة وديمقراطية وسيدة، تعيشان بسلام وأمن جنّباً إلى جنب"([57]). واتفقت الدول الثماني على مايلي:
* إقامة منتدى من أجل المستقبل سيجمع معاً في منتدى واحد وزراء الخارجية والاقتصاد ووزراء آخرين من مجموعة الثماني لمناقشة دورية للإصلاح مع مشاركة رجال الأعمال والمجتمع المدني في حوارات متوازية. وسيعقد الاجتماع الأول لهذا المنتدى في خريف 2004.
* تبني خطة للدعم وتقديم المساعدات من خلال مبادرات جديدة.
* حوار مساعدة الديمقراطية الذي سيجمع معاً مؤسسات ديمقراطية وجماعات المجتمع المدني وحكومات من مجموعة الثماني والمنطقة ودول أخرى لتشجيع المؤسسات الديمقراطية.
* مبادرة التمويل الصغير لمساعدة مليونين من أصحاب المشاريع الاقتصادية عن طريق قروض تمويل صغيرة مدى السنوات الخمس المقبلة.
* مبادرة محو الأمية لمساعدة جهود المنطقة على خفض نسبة الأمية إلى النصف مدى العقد المقبل، وتدريب مئة ألف مدرس حتى سنة 2009.
* مبادرة لتدريب رجال الأعمال بهدف مساعدة نحو (250) ألف مستثمر شاب وخصوصاً النساء على تعزيز فرصهن في التوظيف.
* مشروع الاستثمار الخاص بمؤسسة التمويل الدولية من أجل استثمار مئة مليون دولار. حذر الرئيس الفرنسي من فرض إصلاحات من الخارج على دول المنطقة، مؤكداً أن هذه الدول ليست بحاجة إلى مبشرين بالديمقراطية. واعتبر أن مبادرة الرئيس بوش "يمكن أن تساهم بطريقة قوية ومفيدة في تقدم الإصلاحات التي بدأتها دول المنطقة. وأكد أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وقضية العراق يشكلان العقبتين الأوليين أمام نجاح الإصلاحات في هذه الدول"([58]).
ودعا الرئيس الأمريكي بوش ورئيس الوزراء البريطاني بلير في مؤتمر صحفي على هامش القمة إلى إعطاء حلف شمال الأطلسي دوراً واسعاً في العراق.
وتعقيباً على هذه الدعوة أكد الرئيس الفرنسي شيراك "إن كل تدخل لحلف الأطلسي في هذه المنطقة يبدو بالنسبة لنا إنه يحمل مخاطر كبرى، بينها نوع من خطر حصول اصطدام بين الغرب المسيحي ضد الشرق المسلم"([59]).
وأضاف في مؤتمر صحفي: "لا أعتقد أنه من عمل الحلف التدخل في العراق". وبالتالي أبدى الرئيس الفرنسي تحفظات جدية على قيام الحلف بدور في العراق.
وعلق الرئيس الروسي بوتين على المبادرة الأمريكية قائلاً:
"إن على المبادرة ألاَّ تقود إلى التدخل الداخلي في شؤون تلك الدول، وأضاف أن روسيا لن تسهم في التبرع للصندوق (لتمويل المبادرة) إلى أن نعلم كيف سيتم إنفاق الأموال".
وظهر بجلاء في القمة أن الرئيس الأمريكي حاول الاستقواء بقوة الدول الصناعية و طاقاتها ونفوذها لفرض مشروعه على بلدان المنقطة كغطاء عسكري دولي لأمريكا لضمان السيطرة على منابع النفط وممراته وكمياته وأمواله.
وجهت القمة الدعوة إلى مصر والسعودية والمغرب وتونس، ولكن هذه الدول غابت عنها وحضرها كرازاي من أفغانستان والياور من العراق والملك عبد الله الثاني من الأردن وملك البحرين والرئيس اليمني. فما هو الهدف من توجيه الدعوة لبعض الأطراف العربية؟...
هل تريد الولايات المتحدة أن تستقوي ببعض الدول العربية على الدول العربية الأخرى؟...
هل تريد الولايات المتحدة أن تستغل الدول العربية المشاركة لعقد صفقات ثنائية مشبوهة معهم؟...
ترمي الولايات المتحدة إلزام الدول العربية المشاركة بمخططات وإملاءات أمريكية جديدة مغايرة تماماً حتى إلى ما جاء في وثيقة الإصلاح التي وافقت عليها قمة تونس. وبالتالي نسف التضامن والتعاون والتنسيق والالتزام العربي بمقررات مؤتمرات القمة العربية.
وهنا يتساءل الإنسان في كل مكان في العالم.
لماذا تدعم الولايات المتحدة الإرهاب والإبادة والعنصرية في الممارسات والقوانين الإسرائيلية؟...
لماذا تبارك إدارة الرئيس بوش إبادة "إسرائيل" للشعب الفلسطيني وتهويد وطنه؟...
هل ترغب الولايات المتحدة حقاً في تحقيق الديمقراطية والتنمية في البلدان العربية؟...
أنا لا أعتقد بذلك على الإطلاق، بل أعتقد بأنها وضعت المشروع لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة.
إن أولوية الأولويات في المنطقة تقتضي وقف الإبادة والتدمير والقتل والاغتيالات وسياسة الأرض المحروقة والتعذيب التي تمارسها أمريكا وإسرائيل في فلسطين والعراق وأفغانستان.
إن أولوية الأولويات تقتضي تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة المستمرة منذ عام 1948 وحتى اليوم وتعارض الولايات المتحدة ذلك.
إن أولوية الإصلاح والتنمية والتطور تتطلب الإنهاء الفوري للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان ومزارع شبعا وليس تقديم الدعم لإسرائيل لاستمرارها في الاحتلال وبناء المستعمرات اليهودية.
إن أولوية الأولويات للإصلاح تقتضي تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة وفق مبادئ وأهداف وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية.
إن الهدف الأساسي من قمة الدول الثماني في سي إيلاند هو تسخير طاقات وإمكانات هذه الدول لمساعدة الولايات المتحدة في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير القائم على محاربة العروبة والإسلام وتحقيق المشروع الصهيوني وأمركة المنطقة وصهينتها.
إن النتائج التي خرجت بها القمة حيال الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين لم تتعد الإشارة إلى عملية السلام كتعبير لفظي لا يرتبط بأي آلية قانونية للتنفيذ باستثناء دعوة الرباعية إلى الانعقاد في إطار خارطة الطريق المكبلة بشروط شارون وتعهدات بوش.

***














الملاحـــق:







الملحق الأول:

نص مشروع "الشرق الأوسط الكبير"

المقدم من واشنطن في قمة الدول الثماني




طرحت الولايات المتحدة على مجموعة الدول الصناعية الثماني مشروع "الشرق الأوسط الكبير" وباشرت نقاشاً مع هذه الدول لضمها إلى "الشراكة" ويفترض أن تبلور دول المجموعة موقفاً موحداً من هذا المشروع خلال قمة الثماني في الولايات المتحدة في حزيران (يونيو) المقبل، وهذا نص المشروع.
يمثل "الشرق الأوسط الكبير" (1) تحدياً وفرصة فريدة للمجتمع الدولي، وساهمت "النواقص الثلاثة" التي حددها الكتاب العرب لتقريري الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002 و2003 ـ الحرية، المعرفة، وتمكين النساء ـ في خلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثماني، وطالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة، سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة. إن الإحصائيات التي تصف الوضع الحالي في "الشرق الأوسط الكبير" مروعة:
ـ مجموع إجمالي الدخل المحلي لبلدان الجامعة العربية الـ22 هو أقل من نظيره في إسبانيا.
ـ حوالي 40 في المائة من العرب البالغين ـ 65 مليون شخص ـ أميون وتشكل النساء ثلثي هذا العدد.
ـ سيدخل أكثر من 50 مليوناً من الشباب سوق العمل بحلول 2010 وسيدخلها 100 مليون بحلول 2020، وهناك حاجة لخلق ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة جديدة لامتصاص هؤلاء الوافدين الجدد إلى سوق العمل.
ـ إذا استمرت المعدلات الحالية للبطالة، سيبلغ معدل البطالة في المنطقة 25 مليوناً بحلول 2010.
ـ يعيش ثلث المنطقة على أقل من دولارين في اليوم. ولتحسين مستويات المعيشة يجب أن يزداد النمو الاقتصادي في المنطقة أكثر من الضعف من مستواه الحالي الذي هو دون 3 في المائة إلى 6 في المائة على الأقل.
في إمكان 1.6 في المائة فقط من السكان استخدام الإنترنت، وهو رقم أقل مما هو عليه في أي منطقة أخرى في العالم، بما في ذلك بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ـ لا تشغل النساء سوى 3.5 في المائة فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية، بالمقارنة على سبيل المثال، مع 8.4 في المائة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ـ عبر 51 في المائة من الشبان العرب الأكبر سناً عن رغبتهم في الهجرة إلى بلدان أخرى، وفقاً لتقرير التنمية البشرية العربية للعام 2002، والهدف المفضل لديهم هو البلدان الأوروبية.
وتعكس هذه الإحصائيات أن المنطقة تقف عند مفترق طرق، ويمكن للشرق الأوسط الكبير أن يستمر على المسار ذاته، ليضيف كل عام المزيد من الشباب المفتقرين على مستويات لائقة من العمل والتعليم والمحرومين من حقوقهم السياسية، وسيمثل ذلك تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، وللمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثماني.
البديل هو الطريق إلى الإصلاح، ويمثل تقرير التنمية البشرية العربية نداءات مقنعة وملحة للتحرك في "الشرق الأوسط الكبير"، وهي نداءات يرددها نشطاء وأكاديميون والقطاع الخاص في أرجاء المنطقة، وقد استجاب بعض الزعماء في الشرق الأوسط الكبير بالفعل لهذه النداءات واتخذوا خطوات في اتجاه الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأيدت بلدان مجموعة الثماني، بدورها، هذه الجهود بمبادراتها الخاصة للإصلاح في منطقة الشرق الأوسط وتبين "الشراكة الأوروبية المتوسطية"، و"مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط" وجهود إعادة الإعمار المتعددة الأطراف في أفغانستان والعراق التزام مجموعة الثماني بالإصلاح في المنطقة.
إن التغيرات الديموغرافية المشار إليها أعلاه، وتصوير أفغانستان والعراق من نظامين قمعيين، ونشوء نبضات ديمقراطية في أرجاء المنطقة، بمجموعها تتيح لمجموعة الثماني فرصة تاريخية وينبغي للمجموعة، في قمتها في "سي أيلاند" أن تصوغ شراكة بعيدة المدى مع قادة الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير، وتطلق رداً منسقاً لتشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، ويمكن لمجموعة الثماني أن تتفق على أولويات مشتركة للإصلاح تعالج النواقص التي حددها تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية عبر:
1 ـ تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.
2 ـ بناء مجتمع عرقي.
3 ـ توسيع الفرص الاقتصادية.
وتمثل أولويات الإصلاح هذه السبيل إلى تنمية المنطقة، فالديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق داخله التنمية، والأفراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم أدوات التنمية، والمبادرة في مجال الأعمال هي ماكينة التنمية.
أولاً ـ تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح:

توجد فجوة كبيرة بين البلدان العربية والمناطق الأخرى على صعيد الحكم القائم على المشاركة... ويضعف هذا النقص في الحرية التنمية البشرية، وهو أحد التجليات الأكثر إيلاماً للتخلف في التنمية السياسية (تقرير التنمية البشرية 2000).
إن الديمقراطية والحرية ضروريتان لازدهار المبادرة الفردية، لكنهما مفقودتان إلى حد بعيد في أرجاء الشرق الأوسط الكبير، وفي تقرير "فريدوم هاوس" للعام 2003، كانت إسرائيل البلد الوحيد في الشرق الأوسط الكبير الذي صنف بأنه "حر" ووصفت أربعة بلدان أخرى فقط بأنها "حرة جزئياً"، ولفت تقرير التنمية البشرية العربية إلى أنه من بين سبع مناطق في العالم، حصلت البلدان العربية على أدنى درجة في الحرية في أواخر التسعينات. وأدرجت قواعد البيانات التي تقيس "التعبير عن الرأي والمساءلة" المنطقة العربية في المرتبة الأدنى في العالم، بالإضافة إلى ذلك، لا يتقدم العالم العربي إلا على إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على صعيد تمكين النساء ولا تنسجم هذه المؤشرات المحيطة إطلاقاً مع الرغبات التي يعبر عنها سكان المنطقة، في تقرير التنمية البشرية للعام 2003، على سبيل المثال، تصدر العرب لائحة من يؤيد، في أرجاء العالم، الرأي القائل بأن "الديمقراطية أفضل من أي شكل آخر للحكم "وعبروا عن أعلى مستوى لرفض الحكم الاستبدادي.
ويمكن لمجموعة الثماني أن تظهر تأييدها للإصلاح الديمقراطي في المنطقة عبر التزام مايلي:
مبادرة الانتخابات الحرة:

في الفترة بين 2004 و2006، أعلنت بلدان عدة في الشرق الأوسط الكبير(2)، نيتها إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية أو بلدية.
وبالتعاون مع تلك البلدان التي تظهر استعداداً جدياً لإجراء انتخابات حرة ومنصفة، يمكن لمجموعة الثماني أن تقدم بفاعلية مساعدات لمرحلة ما قبل الانتخابات مثل:
ـ تقديم مساعدات تقنية، عبر تبادل الزيارات أو الندوات لإنشاء أو تعزيز لجان انتخابية مستقلة لمراقبة الانتخابات والاستجابة للشكاوي وتسليم التقارير.
ـ تقديم مساعدات تقنية لتسجيل الناخبين والتربية المدنية إلى الحكومات التي تطلب ذلك، مع تركيز خاص على الناخبات.
الزيارات المتبادلة والتدريب على الصعيد البرلماني:

من أجل تعزيز دور البرلمانات في دمقرطة البلدان، يمكن لمجموعة الثماني أن ترعى تبادل زيارات لأعضاء البرلمانات، مع تركيز الاهتمام على صوغ التشريعات وتطبيق الإصلاح التشريعي والقانوني وتمثيل الناخبين.
معاهد للتدريب على القيادة خاصة بالنساء:

تشغل النساء 3.5 في المائة فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية ومن أجل زيادة مشاركة النساء في الحياة السياسية والمدنية، يمكن لمجموعة الثماني أن ترعى معاهد تدريب خاصة بالنساء تقدم تدريباً على القيادة للنساء المهتمات بالمشاركة في التنافس الانتخابي على مواقع في الحكم أو إنشاء تشغيل منظمة غير حكومية، ويمكن لهذه المعاهد أن تجمع بين قياديات من بلدان مجموعة الثماني والمنطقة.
المساعدة القانونية للناس العاديين:

في الوقت الذي نفذت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي بالفعل مبادرات كثيرة لتشجيع الإصلاح القانوني والقضائي، فإن معظمها يجري على المستوى الوطني في مجالات مثل التدريب القضائي والإدارة القضائية وإصلاح النظام القانوني، ويمكن لمبادرة من مجموعة الثماني أن تكمل هذه الجهود بتركيز الانتباه على مستوى الناس العاديين في المجتمع، حيث يبدأ التحسس الحقيقي للعدالة، ويمكن لمجموعة الثماني أن تنشئ وتمول مراكز يمكن للأفراد أن يحصلوا فيها على مشورة قانونية بشأن القانون المدني أو الجنائي أو الشريعة، ويتصلوا بمحامي الدفاع (وهي غير مألوفة إلى حد كبير في المنطقة)، كما يمكن لهذه المراكز أن ترتبط بكليات الحقوق في المنطقة.
مبادرة وسائل الإعلام المستقلة:

يلفت تقرير التنمية البشرية الغربية الانتباه إلى أن هناك أقل من 53 صحيفة لكل 1000 مواطن عربي، بالمقارنة مع 285 صحيفة لكل ألف شخص في البلدان المتطورة، وأن الصحف العربية التي يتم تداولها تميل إلى أن تكون ذات نوعية رديئة، ومعظم برامج التلفزيون في المنطقة تعود ملكيته إلى الدولة، أو يخضع لسيطرتها، وغالباً ما تكون النوعية رديئة، إذ تفتقر البرامج إلى التقارير ذات الطابع التحليلي والتحقيقي، ويقود هذا النقص إلى غياب اهتمام الجمهور وتفاعله مع وسائل الإعلام المطبوعة، ويحد من المعلومات المتوافرة للجمهور، ولمعالجة ذلك، يمكن لمجموعة الثماني أن:
ـ ترعى زيارات متبادلة للصحافيين في وسائل الإعلام المطبوعة والإذاعية.
ـ ترعى برامج تدريب لصحافيين مستقلين.
ـ تقدم زمالات دراسية لطلاب كي يداوموا في مدارس للصحافة في المنطقة أو خارج البلاد، وتمول برامج لإيفاد صحافيين أو أساتذة صحافة لتنظيم ندوات تدريب بشأن قضايا مثل تغطية الانتخابات أو قضاء فصل دراسي في التدريس في مدارس المنطقة.
الجهود المتعلقة بالشفافية/ مكافحة الفساد:

حدد البنك الدولي الفساد باعتباره العقبة المنفردة الأكبر في وجه التنمية، وقد أصبح متأصلاً في الكثير من بلدان الشرق الأوسط الكبير، ويمكن لمجموعة الثماني:
ـ أن تشجع على تبني "مبادئ الشفافية ومكافحة الفساد، الخاصة بمجموعة الثماني.
ـ أن تدعم علناً مبادرة منطقة التعاون والتنمية الاقتصادية/ برنامج الأمم المتحدة للتنمية في الشرق الأوسط ـ شمال إفريقيا، التي يناقش من خلالها رؤساء حكومات ومانحون وIFLSومنظمات غير حكومية استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد وتعزيز خضوع الحكومة للمساءلة.
ـ إطلاق واحد أو أكثر من البرامج التجريبية لمجموعة الثماني حول الشفافية في المنطقة".
المجتمع المدني:

آخذاً في الاعتبار أن القوة الدافعة للإصلاح الحقيقي في الشرق الأوسط الكبير يجب أن تأتي من الداخل، وبما أن أفضل الوسائل لتشجيع الإصلاح هي عبر منظمات تمثيلية، ينبغي لمجموعة الثماني أن تشجع على تطوير منظمات فاعلة للمجتمع المدني في المنطقة ويمكن لمجموعة الثماني أن:
ـ تشجع حكومات المنطقة على السماح لمنظمات المجتمع المدني، ومن ضمنها المنظمات غير الحكومية الخاصة بحقوق الإنسان ووسائل الإعلام، على أن تعمل بحرية من دون مضايقة أو تقييدات.
ـ تزيد التمويل المباشر للمنظمات المهتمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ووسائل الإعلام والنساء وغيرها من المنظمات غير من المنظمات غير الحكومية في المنطقة.
ـ تزيد القدرة التقنية لمنظمات غير الحكومية في المنطقة بزيادة التمويل للمنظمات المحلية (مثل: مؤسسة وستمنستر" في المملكة المتحدة، أو "مؤسسة الدعم الوطني للديمقراطية الأمريكية) لتقديم التدريب للمنظمات غير الحكومية في شأن كيفية وضع برنامج والتأثير على الحكومة وتطوير استراتيجيات خاصة بوسائل الإعلام والناس العاديين لكسب التأييد، كما يمكن لهذه البرامج أن تتضمن تبادل الزيارات وإنشاء شبكات إقليمية.
ـ تمول منظمة غير حكومية يمكن أن تجمع بين خبراء قانونيين أو خبراء إعلاميين من المنطقة لصوغ تقويمات سنوية للجهود المبذولة من أجل الإصلاح القضائي أو حرية وسائل الإعلام في المنطقة.(يمكن بهذا الشأن الاقتداء بنموذج "تقرير التنمية البشرية العربية").
ثانياً : بناء مجتمع معرفي:

"تمثل المعرفة الطريق إلى التنمية والانعتاق، خصوصاً في عالم يتسم بعولمة مكثفة"، ("تقرير التنمية البشرية العربية، 2000").
لقد أخفقت منطقة الشرق الأوسط الكبير، التي كانت في وقت مضى مهد الاكتشاف العلمي والمعرفة، إلى حد بعيد، في مواكبة العالم الحالي ذي التوجه المعرفي وتشكيل الفجوة المعرفية التي تعانيها المنطقة ونزف الأدمغة المتواصل تحدياً لآفاق التنمية فيها، ولا يمثل ما تنتجه البلدان العربية من الكتب سوى 1.1 في المائة من الإجمالي العالمي (حيث تشكل الكتب الدينية أكثر من 15 في المائة منها)، ويهاجر حوالي ربع كل خريجي الجامعات، وتستورد التكنولوجيا إلى حد كبير، ويبلغ عدد الكتب المترجمة إلى اللغة اليونانية (التي لا ينطق بها سوى 11 مليون شخص)، خمسة أضعاف ما يترجم إلى اللغة العربية.
وبالاستناد إلى الجهود التي تبذل بالفعل في المنطقة، يمكن لمجموعة الثماني أن تقدم مساعدات لمعالجة تحديات التعليم في المنطقة ومساعدة الطلاب على اكتساب المهارات الضرورية للنجاح في السوق المعولمة لعصرنا الحاضر.
مبادرة التعليم الأساسي:

يعاني التعليم الأساسي في المنطقة من نقص (وتراجع) في التمويل الحكومي، بسبب تزايد الإقبال على التعليم متماشياً مع الضغوط السكانية، كما يعاني من اعتبارات ثقافية تقيد تعليم البنات، وفي مقدور مجموعة الثماني السعي إلى مبادرة للتعليم الأولى في الشرق الأوسط الكبرى تشمل هذه العناصر:
ـ محو الأمية: أطلقت الأمم المتحدة في 2003 "برنامج عقد مكافحة الأمية"، تحت شعار " محو الأمية كحرية". ولمبادرة مجموعة الثماني لمكافحة الأمية أن تتكامل مع برنامج الأمم المتحدة، في خلال التركيز على إنتاج جيل متحرر من الأمية في الشرق الأوسط خلال العقد المقبل، مع السعي إلى خفض نسبة الأمية في المنطقة إلى النصف بحلول 2010، وستركز مبادرة مجموعة الثماني، مثل برنامج الأمم المتحدة، على النساء والبنات، وإذا أخذنا في الاعتبار معاناة 65 مليوناً من الراشدين وتدريبهم من خلال برامج متنوعة، من مناهج تدريس على إنترنت إلى تدريب المعلمين.
ـ فرق محو الأمية، يمكن لمجموعة الثماني، سعياً إلى تحسين مستوى القراءة والكتابة لدى الفتيات، إنشاء أو توسيع معاهد تدريب المعلمين مع التركيز على النساء، ولمعلمات المدارس والمختصات بالتعليم القيام في هذه المعاهد بتدريب النساء على مهنة التعليم (هناك دول تحرم تعليم الذكور للإناث)، لكي يركزون بدورهن على تعليم البنات القراءة وتوفير التعليم الأولي لهن، للبرنامج أيضاً استخدام الإرشادات المتضمنة في برنامج "التعليم للجميع، التابع لـ"يونيسكو" بهدف إعداد فرق محو الأمية" التي يبلغ تعدادها بحلول 2008 مائة ألف معلمة.
ـ الكتب التعليمية: يلاحظ تقرير التنمية البشرية العربية نقصاً مهماً في ترجمة الكتب الأساسية في الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع وعلوم الطبيعة، كما تلاحظ "الحالة المؤسفة للمكتبات" في الجامعات، ويمكن لكل من دول مجموعة الثماني تمويل برنامج لترجمة مؤلفاتها الكلاسيكية" في هذه الحقول، وأيضاً، وحيث يكون ذلك مناسباً، تستطيع الدول أو دور النشر (في شراكة بين القطاعين العام والخاص)، إعادة نشر الكتب الكلاسيكية العربية الخارجية عن التداول حالياً والتبرع بها إلى المدارس والجامعات والمكتبات العامة المحلية.
ـ مبادرة مدارس الاكتشاف بدأ الأردن بتنفيذ مبادرته لإنشاء "مدارس الاكتشاف" حيث يتم استعمال التكنولوجيا المتقدمة ومناهج التعليم الحديثة، ولمجموعة الثماني السعي إلى توسيع هذه الفكرة ونقلها إلى دول أخرى في المنطقة من طريق التمويل، من ضمنه من القطاع الخاص.
ـ إصلاح التعليم: ستقوم "المبادرة الأمريكية للشراكة في الشرق الأوسط، قبل قمة مجموعة الثماني المقبلة (في آذار/ مارس أو نيسان/ أبريل) برعاية "قمة الشرق الأوسط لإصلاح التعليم". التي ستكون ملتقى لتيارات الرأي العام المتطلعة إلى الإصلاح والقطاع الخاص وقادة الهيئات المدنية والاجتماعية في المنطقة ونظرائهم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك لتحديد المواقع والمواضيع التي تتطلب المعالجة، والتباحث في سبل التغلب على النواقص في حفل التعليم ويمكن عقد القمة في ضيافة مجموعة الثماني توخياً لتوسيع الدعم لمبادرة منطقة الشرق الأوسط الكبرى عشية عقد القمة.
مبادرة التعليم في إنترنت:

تحتل المنطقة المستوى الأدنى من حيث التواصل مع إنترنت، ومن الضروري تماماً تجسير "الهوة الكومبيوترية" هذه بين المنطقة وبقية العالم نظراً إلى تزايد المعلومات المودعة على إنترنت وأهمية إنترنت بالنسبة للتعليم والمتاجرة، ولدى مجموعة الثماني القدرة على إطلاق شراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير الاتصال الكومبيوتري أو توسيعه في أنحاء المنطقة، وأيضاً بين المدن والريف داخل البلد الواحد، وقد يكون من المناسب أكثر لبعض المناطق توفير الكومبيوترات في مكاتب البريد، مثلما يحصل في بلدان وقرى روسيا، وقد يركز المشروع أولاً على بلدان الشرق الأوسط الكبير الأقل استخداماً للكومبيوتر (العراق، أفغانستان، باكستان، اليمن، سوريا، ليبيا، الجزائر، مصر، المغرب)، والسعي ضمن الإمكانات المالية، إلى توفير الاتصال بالكمبيوتر إلى أكثر ما يمكن من المدارس ومكاتب البريد.
ومن الممكن أيضاً ربط مبادرة تجهيز المدارس بالكمبيوتر بـ"مبادرة فرق محو الأمية"، المذكورة أعلاه، أي قيام مدرسي المعاهد بتدريب المعلمين المحليين على تطوير مناهج دراسية ووضعها على إنترنت، في مشروع يتولى القطاع الخاص، توفير معداته ويكون متاحاً للمعلمين والطلبة.
مبادرة تدريس إدارة الأعمال:

لمجموعة الثماني في سباق السعي إلى تحسين مستوى إدارة الأعمال في عموم المنطقة إقامة الشراكات بين مدارس الأعمال في دول مجموعة الثماني والمعاهد التعليمية (الجامعات، والمعاهد المتخصصة) في المنطقة، وبمقدور مجموعة الثماني تمويل هيئة التعليم والمواد التعليمية في هذه المعاهد المشتركة، التي تمتد برامجها من دورة تدريبية لمدة سنة للخريجين إلى دورات قصيرة تدورعلى مواضيع محددة، مثل إعداد خطط العمل للشركات أو استراتيجيات التسويق.
النموذج لهذا النوع من المعاهد قد يكون معهد البحرين للمصارف والمال، وهو مؤسسة لها مدير أمريكي، ولها علاقة شراكة مع عدد من الجامعات الأمريكية.
توسيع الفرص الاقتصادية:

تجسير الهوة الاقتصادية للشرق الأوسط الكبير يتطلب تحولاً اقتصادياً يشابه في مداه ذلك الذي عملت به الدول الشيوعية سابقاً في أوروبا الشرقية، وسيكون مفتاح التحول إطلاق قدرات القطاع الخاص في المنطقة، خصوصاً مشاريع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، وسيكون نمو طبقة متمرسة في مجال الأعمال عنصراً مهماً لنمو الديمقراطية والحرية، ويمكن لمجموعة الثماني في هذا السباق اتخاذ الخطوات التالية:
مبادرة تمويل النمو:

تقوية فاعلية القطاع المالي عنصر ضروري للتوصل إلى نسب أعلى للنمو وخلق فرص العمل، ولمجموعة الثماني أن تسعى إلى إطلاق مبادرة مالية متكاملة تتضمن العناصر التالية:
* إقراض المشاريع الصغيرة: هناك بعض المؤسسات المختصة بتمويل المشاريع الصغيرة في المنطقة لكن العاملين في هذا المجال، لا يزالون يواجهون ثغرات مالية كبيرة إذ لا يحصل على التمويل، سوى خمسة في المائة من الساعين إليه، ولا يتم عموماً تقديم أ كثر من 0.7 في المائة من مجموع المال المطلوب في هذا القطاع، وبإمكان مجموعة الثماني المساعدة على تلافي هذا النقص من خلال تمويل المشاريع الصغيرة، مع التركيز على التمويل بهدف الربح، خصوصاً للمشاريع التي تقوم بها النساء ومؤسسات الإقراض الصغير المربح قادرة على إدامة نفسها ولا تحتاج إلى تمويل إضافي للاستمرار والنمو، ونقدر أن في إمكان قرض من 400 مليون دولار إلى 500 مليون دولار يدفع على خمس سنوات مساعدة 1.2 مليون ناشط اقتصادي على التخلص من الفقر، 750 ألفاً منهم من النساء.
* مؤسسة المال للشرق الأوسط الكبير: باستطاعة مجموعة الثماني المشاركة في تمويل مؤسسة على طراز "مؤسسة المال الدولية، للمساعدة على تنمية مشاريع الأعمال على المستويين المتوسط والكبير، بهدف التوصل إلى تكامل اقتصادي لمجال الأعمال في المنطقة. وربما الأفضل إدارة هذه المؤسسة من قبل مجموعة من قادة القطاع الخاص في مجموعة الثماني يقدمون خبراتهم لمنطقة الشرق الأوسط الكبير.
* وبنك تنمية الشرق الأوسط الكبير: في إمكان مجموعة الثماني ومشاركة مقرضين من منطقة الشرق الأوسط الكبير نفسها، إنشاء مؤسسة إقليمية للتنمية على غرار "البنك الأوروبي للإعمار والتنمية" لمساعدة الدول الساعية إلى الإصلاح على توفير الاحتياجات الأولية للتنمية، كما تستطيع المؤسسة الجديدة توحيد القدرات المالية لدول المنطقة الأغنى وتركيزها على مشاريع لتوسيع انتشار التعليم والعناية الصحية والبنى التحتية الرئيسية، وعلى بنك تنمية الشرق الأوسط الكبير الكبير هذا أن يكون مذخراً لمساعدة التكنولوجية واستراتيجيات التنمية لبلدان المنطقة، واتخاذ قرارات الإقراض أو (المنح) يجب أن تتحدد بحسب قدرة البلد المقترض على القيام بإصلاحات ملموسة.
* الشراكة من أجل نظام مالي أفضل: بمقدور مجموعة الثماني، توخياً لإصلاح الخدمات المالية في المنطقة وتحسين اندماج بلدانها في النظام المالي العالمي، أن تعرض مشاركتها في عمليات إصلاح النظم المالية في البلدان المتقدمة في المنطقة، وسيكون هدف المشاركة إطلاق حرية الخدمات المالية وتوسيعها في عموم المنطقة، من خلال تقديم تشكيلة من المساعدات التقنية والخبرات في مجال الأنظمة المالية مع التركيز على تنفيذ خطط الإصلاح التي تخفض سيطرة الدولة على الخدمات المالية، ورفع الحواجز على التعاملات المالية بين الدول، وتحديث الخدمات المصرفية وتقديم وتحسين وتوسيع الوسائل المالية الداعمة لاقتصاد السوق، وإنشاء الهياكل التنظيمية الداعمة لإطلاق حرية الخدمات المالية.
مبادرة التجارة:

إن حجم التبادل التجاري في الشرق الأوسط متدن جداً، إذ لا يشكل سوى ستة في المائة من كل التجارة العربية، ومعظم بلدان الشرق الأوسط الكبير، تتعامل تجارياً مع بلدان خارج المنطقة، وتوصلت إلى اتفاقات تجارية تفضيلية مع أطراف بعيدة جداً بدلاً من جيرانها، ونتيجة لذلك، أصبحت الحواجز الجمركية وغير الجمركية هي الشيء المعتاد، فيما لا تزال التجارة عبر الحدود شيئاً نادراً، ويمكن لمجموعة الثماني أن تنشئ مبادرة جديدة مصممة لتشجيع التجارة في الشرق الأوسط الكبير تتألف من العناصر التالية:
الانضمام/التنفيذ على صعيد منظمة التجارة الدولية وتسهيل التجارة:
يمكن لمجموعة الثماني أن تزيد تركيزها على انضمام البلدان في المنطقة إلى منظمة التجارة الدولية.(3) وستتضمن برامج محددة للمساعدة التقنية توفير مستشارين ويعملون في البلد ذاته في شأن الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية وتحفيز التزام واسع من مجموعة الثماني لتشجيع عملية الانضمام بما في ذلك تركيز الاهتمام على تحديد وإزالة الحواجز غير الجمركية، وحالما ينجز الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية، سيتحول مركز الاهتمام إلى توقيع التزامات إضافية لمنظمة التجارة الدولية، مثل "الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية، و"اتفاق مشتريات الحكومة" وربط استمرار المساعدة التقنية بتنفيذ هذه الالتزامات الخاصة بمنظمة التجارة الدولية، ويمكن لهذه المساعدات التقنية أن تربط أيضاً ببرنامج على صعيد المنطقة برعاية مجموعة الثماني بشأن التسهيلات والجوانب اللوجستية المتعلقة بالرسوم الجمركية للحد من الحواجز الإدارية والمادية بوجه التبادل التجاري بين بلدان المنطقة.
المناطق التجارية:

ستنشئ مجموعة الثماني مناطق في الشرق الأوسط الكبير للتركيز على تحسين التبادل التجاري في المنطقة والممارسات المتعلقة بالرسوم الجمركية، وستتيح هذه المناطق مجموعة متنوعة من الخدمات لدعم النشاط التجاري للقطاع الخاص والصلات بين المشاريع الخاصة، بما في ذلك "التسوق من منفذ واحد، للمستثمرين الأجانب، وصلات مع مكاتب الجمارك لتقليل الوقت الذي يستغرقه إنجاز معاملات النقل، وضوابط موحدة لتسهيل دخول وخروج السلع والخدمات من المنطقة.
مناطق رعاية الأعمال:

بالاستناد على النجاح الذي حققته مناطق التصدير ومناطق التجارة الخاصة في مناطق أخرى، يمكن لمجموعة الثماني أن تساعد على إقامة مناطق محددة خصيصاً في الشرق الأوسط الكبير تتولى تشجيع التعاون الإقليمي في تصميم وتصنيع وتسويق المنتجات، ويمكن لمجموعة الثماني أن تعرض منافذ محسنة إلى أسواقها لهذه المنتجات، وتقدم خبراتها في إنشاء هذه المناطق.
منبر الفرص الاقتصادية للشرق الأوسط الكبير:

لتشجيع التعاون الإقليمي المحسن، يمكن لمجموعة الثماني أن تنشئ منبر الفرص الاقتصادية للشرق الأوسط، الذي سيجمع مسؤولين كباراً من مجموعة الثماني والشرق الأوسط الكبير (مع إمكان عقد اجتماعات جانبية لمسؤولين وأفراد غير حكوميين من وسط رجال الأعمال) لمناقشة القضايا المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي.
ويمكن للمنبر أن يستند في شكل مرن على نموذج رابطة آسيا ـ المحيط الهادئ للتعاون الاقتصادي (أبك) وسيغطى قضايا اقتصادية إقليمية، من ضمنها القضايا المالية والتجارية وما يتعلق بالضوابط.
1 ـ يشير "الشرق الأوسط الكبير" إلى بلدان العالم العربين إضافة إلى باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا وإسرائيل.
2 ـ تخطط أفغانستان والجزائر والبحرين وإيران ولبنان والمغرب وقطر والسعودية وتونس وتركيا واليمن لإجراء انتخابات.
3 ـ البلدان التي قدمت طلباً للانضمام إلى منظمة التجارة الدولية (شكلت لجنة عمل تابعة للمنظمة) الجزائر ولبنان والسعودية واليمن، بلدان قدمت طلباً للانضمام (لم ينظر بعد في الطلب): أفغانستان وإيران وليبيا وسوريا، بلدان طلبت منحها صفة مراقب.

***






الملحق الثاني:

قضايا الإصلاح في الوطن العربي

[الاسكندرية 12 ـ 14 مارس 2004].




أصدر مؤتمر "قضايا الإصلاح العربي.. الرؤية والتنفيذ" في ختام أعماله بمكتبة بالاسكندرية أمس وثيقة أكد فيها أن الإصلاح يجب أن ينبع من داخل المجتمعات العربية ويأخذ في الاعتبار أحوال كل قطر عربي على حدة دون إغفال القواسم المشتركة بين الدول العربية، وقيما يلي نص الوثيقة:
اجتمع المشاركون في مؤتمر "قضايا الإصلاح العربي: الرؤية والتنفيذ"، المنعقد في مكتبة الاسكندرية في الفترة 12 ـ 14 مارس2004، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والعمل الأهلي في الوطن العربي، وتدارسوا إمكانات الإصلاح اللازمة لتطوير مجتمعاتنا العربية وقد انتهت مناقشاتهم إلى ضرورة الإعلان عن اقتناعهم الكامل بأن الإصلاح أمر ضروري وعاجل، ينبع من داخل مجتمعاتنا ذاتها، ويستجيب إلىتطلعات أبنائها في بلورة مشروع شامل للإصلاح، يضم الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشروع يسمح بالتعامل مع أوضاع كل قطر على حدة، وينتظم في نسق عام يحدد القواسم العربية المشتركة، بما يتيح الفرصة لكل مجتمع عربي كي يدفع خطوات الإصلاح الخاصة به إلى الأمام، ويزيد من الوجود العربي على الساحة الدولية ويبعده عن التقوقع والتمحور على الذات.
وفي الوقت نفسه، يرسخ لإطار تعاون إقليمي يجعل من الوطن العربي كياناً أكثر إيجابية وفاعلية وتأثيراً على الصعيد الدولي... وينبغي ألا يحجب الإصلاح الداخلي عن منظورنا أهمية معالجة القضايا الإقليمية التي تفرض نفسها على جدول أعمالنا، وفي مقدمتها الحل العادل للقضية الفلسطينية طبقاً للمواثيق الدولية التي تقضي بإقامة دولتين مستقلتين، لكل منهما سيادة حقيقية كاملة، وتحرير الأراضي العربية المحتلة، وتأكيد استقلال العراق، والحفاظ على وحدة أراضيه، يضاف إلى ذلك جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وحل المشكلات الحدودية بين الأطراف المتنازعة بالطرق السلمية، دون أن تكون هذه المشكلات ذريعة للتدخل الأجنبي في شؤون المنطقة العربية، أو وضعها تحت الوصاية من جديد.
إن التاريخ الحضاري العريق لشعوب هذه المنطقة، ورؤيتها لمستقبلها الواعد، يؤكد أن إدانة الإرهاب بكل أشكاله، ومواجهة النواتج الخطيرة لأنواع التعصب الديني، وتجسيد قيم التسامح والتفاعل الخلاق بين الثقافات والحضارات، إن المجتمعات العربية تملك من النضج والخبرة التاريخية ما يجعلها قادرة على الإسهام في تشكيل الحضارة الإنسانية، وتنظيم أمورها وإصلاح أوضاعها الداخلية، مع ضرورة الانفتاح على العالم وتجاربه الإصلاحية والتفاعل معها طبقاً لقائمة أولويات محددة، تمضي على النسق التالي:
أولاً: الإصلاح السياسي:

ونقصد به جميع الخطوات المباشرة، وغير المباشرة التي يقع عبء القيام بها على عاتق كل من الحكومات والمجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص وذلك للسير بالمجتمعات والدول العربية قدماً، وفي غير إبطاء أو تردد، وبشكل ملموس، في طريق بناء نظم ديمقراطية وعندما نتحدث عن نظم ديمقراطية ـ بوصفنا ممثلي المجتمع المدني العربي ـ فإننا نقصد بها ـ دون أدنى لبس ـ الديمقراطية الحقيقية التي قد تختلف في أشكالها ومظاهرها، وفقاً للتغيرات الثقافية والحضارية من بلد آخر، ولكن جوهرها يظل واحداً، فهي تعني ذلك النظام الذي تكون الحرية فيه هي القيمة العظمى والأساسية بما يحقق السيادة الفعلية للشعب الذي يحكم نفسه بنفسه، من خلال التعددية السياسية التي تؤدي إلى تداول السلطات، وتقوم على احترام جميع الحقوق في الفكر والتنظيم والتعبير عن الرأي للجميع، مع وجود مؤسسات سياسية فعالة، على رأسها المؤسسات التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل، والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية، والأحزاب السياسية بمختلف تنوعاتها الفكرية والإيديولوجية، كما تقتضي هذه الديمقراطية الحقيقية كفالة حريات التعبير بجميع صورها وأشكالها، وفي مقدمتها حرية الصحافة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والإلكترونية والاعتماد على الانتخابات الحرة، مركزياً ولا مركزياً، وبشكل دوري لضمان تداول السلطة وحكم الشعب، وتحقيق أقصى قدر ممكن من اللا مركزية التي تتيح للمجتمعات المحلية التعبير عن نفسها وإطلاق طاقاتها الإبداعية في إطار خصوصياتها الثقافية التي تسهم عن طريقها في تحقيق التقدم الإنساني في جميع مجالاته، ويقترن ذلك بتحقيق أقصى قدر من الشفافية في الحياة العامة، بما يعني القضاء على الفساد، في إطار يؤكد الحكم الرشيد ودعم حقوق الإنسان وفق المواثيق الدولية، وفي مقدمتها حقوق المرأة والطفل والأقليات، وحقوق الضمانات الأساسية للمهتمين في المحاكمات الجنائية، وضمان المعاملة الإنسانية في تعامل سلطات الدولة مع مواطنيها ويرتبط ذلك بكل ما تعارفت عليه المجتمعات التي سبقتنا على طريق التطور الديمقراطي وفي هذا الصدد، فإننا نتقدم بمجموعة من الرؤى المحددة لإصلاح المجال السياسي، نرى أهمية ترجمتها إلى خطوات ملموسة، في إطار من الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني وتتمثل هذه الرؤى فيما يلي:
1 ـ الإصلاح الدستوري والتشريعي: بما أن الدستور هو أساس قوانين الدولة، فلا يجوز أن تتناقض مواده مع نموذج النظام السياسي الذي ينشده المجتمع، وأن تتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ويعني ذلك أن تعكس نصوص الدستور المتغيرات والتطورات التي وقعت بالفعل، الأمر الذي يفرض ضرورة تصحيح الأوضاع الدستورية في البلاد العربية بتعديل المواد التي تتعارض مع المتطلبات الديمقراطية الحقيقية، أو وضع دساتير عصرية لتلك الدول التي لم تشهد هذه المرحلة بعد، مع إزالة الفجوة بين نصوص الدساتير وأهداف المجتمع في التطور الديمقراطي وذلك بما يضمن:
* الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية فصلاً واضحاً صريحاً.
* تجديد أشكال الحكم بما يضمن تداول السلطة بالطرق السلمية دورياً، طبقاً لظروف كل بلد، فالدولة الحديثة دولة مؤسسات ونصوص وليست نيات حسنة.
* إقامة انتخابات دورية حرة تصون الممارسة الديمقراطية، وتضمن عدم احتكار السلطة، وتضع سقفاً زمنياً لتولي الحكم.
*إلغاء مبدأ الحبس أو الاعتقال بسبب الرأي في كل الأقطار العربية، وإطلاق سراح سجناء الرأي الذين لم يقدموا إلى المحاكمة أو تصدر ضدهم أحكام قضائية.
2 ـ إصلاح المؤسسات والهياكل السياسية: ولما كان النظام الديمقراطي يرتبط بوجود مؤسسات قوية، تتمثل في الفروع الثلاثة المعروفة من تنفيذية وتشريعية وقضائية، فضلاً عن الصحافة والإعلام ثم مؤسسات المجتمع المدني، فلا بد من مراجعة هذه المؤسسات لضمان أدائها الديمقراطي السليم، الأمر الذي يفرض الشفافية التامة واختيار القيادات الفاعلة، والتحديد الزمني لفترة قيامها بمسؤوليتها، والتطبيق الفعلي لمبدأ سيادة القانون بما لا يعرف الاستثناء مهما تكن مبررات هذا الاستثناء ودواعيه.
3 ـ ومن هنا، فإن ممثلي المجتمع المدني والعمل الأهلي ـ في هذا المؤتمر ـ يؤكدون ضرورة إلغاء القوانين الاستثنائية وقوانين الطوارئ المعمول بها في بعض البلدان العربية، وإلغاء المحاكم الاستثنائية أياً كانت أشكالها، ومسمياتها، لأنها تنتقص من ديمقراطية النظام السياسي، وتكفي القوانين العادية لمواجهة كل الجرائم دون حاجة إلى قوانين استثنائية، فذلك مطلب أساسي للإصلاح التشريعي الديمقراطي ولا ينفصل مع ذلك مراعاة الخروج بإطار تشريعي فعال لضمان التعامل مع الإرهاب وبلورة ضمانات تكفل عدم الاعتداء على الحريات العامة والحقوق السياسية.
4 ـ إطلاق حريات تشكيل الأحزاب السياسية في إطار الدستور والقانون، بما يضمن لجميع التيارات الفكرية والقوى السياسية المدنية أن تعرض برنامجها وتدخل تنافساً حراً شريفاً على الحكم بشكل متكافئ، تحت مظلة الحريات المنصوص عليها في المواثيق الدولية.
5 ـ تصديق جميع الدول التي لم تصدق من قبل على منظومة المواثيق الدولية والعربية التالية:
*الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
*العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
*العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
*مشروع تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان كما وضعه فريق الخبراء العرب(ديسمبر 2003).
*المواثيق الدولية لحقوق المرأة بما يؤسس لإلغاء جميع أشكال التمييز ضدها.
*الميثاق الدولي للطفل بما يضمن حياة أفضل للطفل العربي..
6 ـ تحرير الصحافة ووسائل الإعلام من التأثيرات والهيمنة الحكومية، ذلك لأن هذا التحرير دعامة قوية من دعائم النظام الديمقراطي، والتجسيد الواضح لحرية التعبير، والدعامة القوية للشفافية. ويكون ذلك بتطوير أساليب الإعلام والتحرير في القوانين المنظمة لإصدار الصحف وإنشاء الإذاعات والقنوات التليفزيونية، كي تعتمد على الاستقلال في الملكية والإدارة، والشفافية في التمويل، وتحقق قدرة الإعلاميين على تنظيم مهنتهم وممارستها دون تدخل السلطة.
7 ـ إطلاق حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وذلك بتعديل القوانين المقيدة لحرية تكوين المجتمعات والنقابات والاتحادات التطوعية، مهما كان طابعها السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، لضمان حريتها في التمويل والحركة ويصحب ذلك ضبط مشكلات التمويل الأجنبي بالوسائل المتبعة في المجتمعات المتطورة، ولاشك أن تعديل الأطر القانونية المنظمة للمجتمع المدني في مقدمة القضايا المرتبطة بالتطور الديمقراطي للمجتمع وتفعيل سبل المشاركة في مظاهر الحياة السياسية، والتخلص من الإحساس بالاغتراب والتهميش الذي وصل إليه المواطن العربي لافتقاده فرص المشاركة الفعالة المؤثرة على حياته ومستقبله، وأخيراَ ضمان الإسهام الفعال للمجتمع المدني في مواجهة المشكلات التي تتطلب روح العمل الجماعي وأشكال الجهد التطوعي.
8 ـ تشجيع قياسات الرأي العام وتحريرها من العوائق بوصفها إحدى وسائل الديمقراطية الأساسية، والعمل على تأسيس الهيئات والمراكز البحثية لاستطلاع الرأي العام العربي بصورة دورية في جميع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وذلك لتوفير معلومات دقيقة يستفيد منها صانعو القرار والمخططون الاجتماعيون، ويعرفون منها خريطة واضحة صادقة لاتجاهات الرأي العام ومتغيراتها التي لابد من وضعها في الحسبان عند صنع أي قرار.
*ثانياً: الإصلاح الاقتصادي:

يشمل الإصلاح الاقتصادي جميع التشريعات والسياسات والإجراءات التي تسهم في تحرير الاقتصاد الوطني، والتسيير الكفء له وفقاً لآليات السوق، بما يمكنه من الانتعاش والازدهار، وبما يسهل تكامله مع الاقتصاديات الإقليمية، واندماجه في الاقتصاد العالمي، وغني عن البيان، فإن هذا المفهوم للإصلاح الاقتصادي ينطوي على حسم لكثير من الجدال والمناقشات حول هوية النظام الاقتصادي، وحول كثير من التفاصيل مثل دور الدولة، والعلاقة بينه وبين دور السوق، والبعد الاجتماعي للتنمية.. الخ، وقد اتفقت آراء المجتمعين على أن الأداء الحالي للاقتصاديات العربية لا يتواكب مع التحديات الواجب التصدي لها، ولا يرقى إلى الإمكانات المادية والبشرية وطاقاتها الكامنة، ويفرض قصور أداء الاقتصاديات العربية في المرحلة الراهنة، وما تستوجبه متطلعات المستقبل من إجراء إصلاح اقتصادي جذري يغير من الأوضاع القائمة، إن الإبطاء في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي له تكلفة باهظة وأعباء هائلة، ولن يزيدها مرور الوقت إلا سوءاً، ويمكننا رصد ما يلي من مؤشرات عن الواقع الاقتصادي العربي:
*انخفاض معدل النمو في الدخل القومي وتدهور نصيب الفرد مقارناً بالمؤشرات الدولية.
*تراجع نصيب الدول العربية في التجارة الدولية، وتركز الصادرات في منتجات أولية مع هامشية نصيب المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الصادرات العربية.
*تراجع نصيب المنطقة من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، بما في ذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.
*الإخفاق في توليد فرص عمل كافية للداخلين الجدد في سوق العمل وارتفاع حدة البطالة بمعدلات أعلى من متوسطات الدول النامية، مع تركز البطالة بين فئات الشباب والإناث.
*تزايد حدة الفقر في عدد من الدول العربية، حيث يمس الفقر المتعطلين عن العمل ونسبة ملموسة من العاملين أيضاً.
إن مجموعة السياسات المقترحة التي يتم اتباعها في المنطقة ركزت بالأساس على تحقيق الاستقرار الكلي، وخفض معدلات التضخم من خلال ثالوث برامج التثبيت والخصخصة والتحرير الاقتصادي، لكن هذا المنهج لم يهتم اهتماماً كافياً بموضوعات لا تقل أهمية كالبطالة وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، وفي عالم عربي شاب وناهض لابد أن تكون عمالة الشباب وجودة التعليم والخدمات الاجتماعية والبرامج المساندة للمشروعات الصغيرة من العناصر الأساسية في مفهوم الإصلاح وبرامجه مع تحديد واضح للأولويات، وتأكيد أهمية الإطار المؤسسي اللازم لتحقيق الإصلاح الشامل بجانبيه الاقتصادي والاجتماعي، وبناء على ما سبق فإننا نتقدم بالمقترحات الآتية:
* إعلان الدول العربية عن خطط واضحة وبرامج زمنية محددة للإصلاح المؤسسي والهيكلي، مع تحديد دقيق لدور الدولة يجعلها محفزة للنشاط الاقتصادي، وموفرة للبيئة الملائمة للقطاع الخاص والقطاع العام في المجالات التي يتمتعان بمزايا ومؤهلات للعمل فيها، مع الالتزام بخطط واضحة لإحداث تغيير جذري في الجهاز الإداري الحكومي وتقليص البيروقراطية، ورفع كفاءة العمل في الجهات الحكومية التي تتعامل مع المستثمرين والمستوردين والمصدرين مثل: الضرائب والجمارك وجهات إصدار التراخيص.
* التصدي الحاسم للمشكلات المعوقة للاستثمار وإزالتها أمام الاستثمار العربي والأجنبي.
* تشجيع برامج الخصخصة بما في ذلك القطاع المصرفي، وفقاً للضوابط القانونية التي تحقق المصلحة العامة، وتقليص الاستثمارات الحكومية، ماعدا المجالات الاستراتيجية والسلع ذات النفع العام، وإلغاء الحقوق الاحتكارية الحكومية غير المبررة اقتصادياً لتشجيع القطاع الخاص وجذب المزيد من الاستثمارات، وذلك لتعظيم إسهام القطاع الخاص في إيجاد فرص للتشغيل.
* تطوير برامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر بما يسهم في علاج مشكلة البطالة مع إعطاء الفرصة كاملة للإناث في الحصول على التمويل.
* وضع معايير وقواعد للارتقاء بنوعية المنتجات الوطنية وتأسيس مجالس قومية لدعم القدرة التنافسية مع القيام بإجراء تقويم مستمر يتم نشره.
*إرساء قواعد الحكم الجيد للنشاط الاقتصادي مع تأكيد الشفافية والمحاسبة وتنفيذ أحكام القضاء.
*تمكين المرأة من الإسهام الكامل في قوة العمل الوطنية، وذلك بالاعتماد على ما لديها من خبرات ومؤهلات.
*مراجعة السياسات الاقتصادية المتبعة من منظور تحقيق التشغيل الكامل لما يقدر بنحو 5 ملايين من الداخلين الجدد لأسواق العمل العربية سنوياً، مع التركيز على سبل علاج لبطالة الشباب، ولن يتحقق ذلك إلا بسياسات تستهدف رفع معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي بما لا يقل عن 6% إلى 7% سنوياً في المتوسط في السنوات العشر المقبلة، ويستلزم ذلك سياسات متكاملة لزيادة الاستثمارات ورفع كفاءات وتعبئة المدخرات المحلية والأجنبية وحسن توجيهها.
*معالجة الفقر بأبعاده المتعددة من التهميش الاجتماعي والسياسي وضعف المشاركة وقلة فرص الارتقاء الأمر الذي يحول دون الاعتماد على النمو الاقتصادي وحده لحل مشكلة الفقر، والإعلان رسمياً عن برنامج زمني تنفيذي لمكافحة الفقر بما يتواءم مع الغايات التي حددتها الأمم المتحدة للألفية الثالثة.
*وإيماناً بأهمية المعلومات والبيانات في هذا العصر، وضروراتها لاتخاذ قرارات مبنية على تحليل سليم ودقيق للواقع، فإن هناك ضرورة لإصدار تشريعات تلزم الجهات المصدرة للبيانات والمعلومات الاقتصادية بما يتيحها لمن يطلبها، وييسر الحصول عليها، وذلك وفقاً لقواعد واضحة للإفصاح، مع إعداد قواعد بيانات متكاملة للاقتصاديات العربية.
*تطوير القطاعات المالية العربية بشكل عام، وأجهزتها المصرفية بشكل خاص، وتشجيع إقامة كيانات مصرفية كبيرة، وتحديث أسواق المال العربية والعمل على ربطها معاً.
*تطوير الأبنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والربط بينها في العالم العربي.
*تفعيل الاتفاقات العربية بوضع أهداف قابلة للتحقيق مع تحديد بعض القطاعات ذات الأولوية بوصفها صاحبة الفرصة الكبيرة في نجاح التعاون الاقتصادي مثل: النقل والمواصلات والكهرباء والطاقة وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات، مع إيجاد جهاز للمتابعة في مجلس الوحدة الاقتصادية العربية لرفع النتائج المحققة إلى القمة العربية دورياً، مع إعلان ما يصدر من نتائج وتقارير.
*الاتفاق على إطار ملزم لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية.
*تنظيم سوق العمل العربية عن طريق صياغة واعتماد اتفاقية متعددة الأطراف لتنظيم انتقال العمالة العربية بهدف تنظيم الانتقال لمدد زمنية محددة، وتوصيف ظروف العمل في أثناء الإقامة في دول الاستقبال، وتحديد مسؤولية الدول المرسلة في التحقق من مهارات وقدرات قوة العمل التي ترسلها، مع إعداد برامج لتأهيل العمالة العربية للانخراط في الأسواق الأجنبية، وفقاً لبروتوكولات ومعايير تقويم يتم الاتفاق عليها مع الدول الأجنبية.
*تأسيس آلية فاعلة لتسوية المنازعات الاقتصادية بين المستثمرين.
*معاملة الاستثمار العربي بما يعامل به الاستثمار الوطني في كل البلدان العربية.
*مطالبة الدول المتقدمة بفتح أسواقها للصادرات العربية، وتحديداً الصادرات من السلع الزراعية.
*سعياً إلى الاندماج إيجابياً في الاقتصاد العالمي عن طريق زيادة الصادرات من السلع والخدمات، وزيادة النصيب النسبي من الاستثمارات الأجنبية في الدول العربية، والاستفادة من فرص التعليم والتدريب والعمل في الأسواق المختلفة، فإننا نقترح تأسيس إدارة متخصصة على درجة عالية من الكفاءة في إطار الجامعة العربية لمتابعة قضايا التجارة الدولية، وتمكين الدول العربية من الانخراط الفعال في منظمة التجارة العالمية، وتنسيق المواقف العربية، والدفاع عن مصالحها، وتدريب الكوادر العربية وتأهيلها للتفاوض في قضايا تحرير التجارة والزراعة ونفاذ المنتجات الصناعية إلى الأسواق والتعامل.
*إنشاء مؤسسة يمولها ويديرها القطاع الخاص في العالم العربي لتدريب القيادات العليا في الإدارة لإعداد أجيال جديدة قادرة على تنفيذ برامج الإصلاح وتطويرها.
*تشجيع الابتكار والعمل على جذب الاستثمارات اللازمة للبحث والتطوير وإقامة المشروعات في القطاعات الخدمية والإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية، وتوفير الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية.
*مراعاة الحفاظ على البيئة في جميع الأنشطة الاقتصادية:
وأكد المجتمعون أن مؤسسات المجتمع المدني العربي، ومؤسسات القطاع الخاص إذا مكنت من أداء دورها برفع القيود عنها، قادرة على الإسهام في الإصلاح الاقتصادي، ويتحقق هذا الإسهام من خلال المشاركة في تحديد أولويات الإصلاح، والقيام بتحمل مسؤوليتها في التنفيذ جنباً إلى جنب مع الحكومات، ويقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني دور مهم في متابعة تنفيذ الحكومات ما تعد به من إجراءات وحلول في سبل الإصلاح ويطلب المجتمعون في مكتبة الإسكندرية، سعياً إلى تنفيذ هذه المقترحات، الاتفاق مع جامعة الدول العربية بتبني سلسلة من المؤتمرات العامة والندوات التخصصية، لمناقشة هذه الموضوعات بالعمق الذي يتناسب وأهميتها ودقتها، وضرورة وضعها في إطار عملي يستجيب إلى تحديات الاقتصاديات العربية على المستويين القطري والإقليمي، وبغرض الخروج باقتراحات محددة يمكن طرحها على الحكومات العربية، ومن أهم هذه الموضوعات مايلي:
1 ـ القطاعات المالية العربية والقيود على الاستثمار.
2 ـ النظام الجمركي الموحد والتجارة البيئية.
3 ـ القدرة التنافسية العربية والمعايير القياسية، وإنشاء مجالس قومية للقدرة التنافسية العربية وتوحيد المعايير القياسية.
4 ـ الحضانات التكنولوجية.
5 ـ إدارة الموارد العربية في الوطن العربي.
6 ـ الحكم الجيد للنشاط الاقتصادي.
7 ـ الإعلام الاقتصادي والارتقاء به.
كما نطالب بإيجاد آليات مناسبة لتدريب العاملين في الجهات المختلفة التي تباشر النشاط الاقتصادي، أو تدخل في مساره بشكل مباشر أو غير مباشر كجمعيات رجال الأعمال، واتحادات المصارف ورجال النيابة والقضاء من خلال معاهد تدريب القضاة الذين تطرح أمامهم قضايا وإشكالات الأدوات والمعاملات المالية والاقتصادية الجديدة.
* ثالثاً: الإصلاح الاجتماعي:

انطلاقاً من أن المجتمع العربي في جملته يمتلك موارد اجتماعية وثقافية هائلة، فقد آن الأوان للاستفادة من إمكاناته بكفاءة لتأسيس مجتمع عربي قوي ومتماسك، قادر على حل مشكلاته، ومن ثم الانطلاق بقوة وفاعلية لتحقيق التقدم والمشاركة في صنع مستقبله ومستقبل العالم كله، ويقتضي ذلك العمل على تحقيق الأهداف التالية:
1 ـ تطوير نمط العلاقات الأسرية بما يخدم بناء الفرد المتميز المستقل القادر على ممارسة حرياته وخياراته بمسؤولية، ويتطلب ذلك إعادة النظر في بعض القيم التي لا تزال تؤثر بالسلب في الحياة العربية كقيم الخضوع والطاعة على سبيل المثل، وإحلال قيم الاستقلالية والحوار والتفاعل الإيجابي محلها.
2 ـ يقوم الإعلام بدور أساسي في بناء الثقافة العامة للمواطن، الأمر الذي يستلزم تأكيد دوره في إعادة بناء القيم المساندة للتطوير والتحديث، كقيم المساواة والتسامح والقبول بالآخر وحتى الاختلاف، جنباً إلى جنب مع قيم الدقة والإتقان والالتزام وغيرها من القيم الإيجابية التي تساعد المجتمع العربي في التحول إلى مجتمع جديد فعال.
3 ـ توجيه المجتمعات العربية نحو اكتساب ونشر وإنتاج المعرفة، وفي هذا الإطار فلابد من التركيز على خمسة توجهات، تتكامل وتترابط فيما بينها لتحقيق مجتمع المعرفة وهي:
* تأكيد التنمية الإنسانية وأولوية تطوير التعليم.
* تحقيق التطوير التكنولوجي وتوفير بنيته الأساسية.
* تطوير استراتيجيات البحث العلمي.
* دعم العمل الحر، والمبادرة الخلاقة في مجالات الابتكار والإبداع. توفير المناخ المساند لمجتمع المعرفة، سياسياً وثقافياً واقتصادياً.
وضماناً لتحقيق ذلك، يوصي المشاركون بالتالي:
* وضع معايير عربية لمخرجات التعليم في جميع مراحله بما يتوافق والمعايير العالمية التي يمكن على أساسها القياس والتقويم، على أن يكون تبني هذه المعايير البداية التي تستطيع كل دولة أن تضيف إليها.
* إنشاء هيئات للجودة والاعتماد والرقابة على التعليم في كل دولة عربية، مستقلة عن الوزارات المعنية، على أن تتصل ببعضها في إطار إقليمي، يسمح بالاعتماد المتبادل للخريجين، ويتيح حرية حركة المواطنين بين أسواق العمل.
* استمرار تحمل الدولة مسؤوليتها في تمويل ودعم مؤسسات التعليم مع ضمان الاستقلال الأكاديمي لها، سواء كانت مؤسسات حكومية أو خاصة، مع فتح الأبواب لمشاركة المجتمع في تمويل التعليم الجامعي في إطار لا يهدف للربح.
* دعم البحث العلمي وزيادة موارده المالية والبشرية، وربطه بمؤسسات الإنتاج والتطوير، وإزالة جميع المعوقات البيروقراطية التي تعرقل حرية البحث وإنتاج المعرفة.
* التوجه نحو اللا مركزية في إدارة المؤسسات التعليمية، مع المرونة اللازمة لتنوع برامجها.
* المواءمة بين مخرجات نظم التعليم واحتياجات سوق العمل المتغيرة والنمو الاقتصادي وبناء القدرة التنافسية.
* دعوة المجتمع المدني للمشاركة في تمويل التعليم، والإسهام في إدارته ورقابته في المجتمعات العربية.
* كفالة حق ممارسة الطلاب لحقوقهم السياسية، بما في ذلك المظاهرات السلمية المنظمة، وحرية التعبير عن الرأي بجميع أشكاله، والأخذ بنظام الانتخاب الديمقراطي في الاتحادات الطلابية، والمشاركة في إدارة شؤونهم التعليمية، مع الحفاظ على حق الاختلاف في الرأي لجميع الفئات الطلابية.
* القضاء على الأمية في فترة زمنية لا تزيد على عشر سنوات، خصوصاً بين الإناث.
* الاهتمام باللغة العربية وتطوير مناهجها، والاتفاق على أسس التقويم المقارن بين الدول العربية في السنوات الدراسية الأولى.
2 ـ العمل على تحقيق الاستقرار الاجتماعي في المجتمعات العربية، الأمر الذي يتطلب صياغة سياسات فعالة، تضمن عدالة توزيع الثروة وعوائد الإنتاج في مجالاته المختلفة، وفي هذا المجال لابد من القضاء على ظاهرة التهميش الاجتماعي لفئات عديدة، وذلك بوضع سياسات منظمة، تقوم على احترام المواثيق العالمية الخاصة بحقوق الإنسان ووضعها موضع التنفيذ، كما ينبغي تركيز الاهتمام على قضية تمكين المرأة ودعم مشاركتها في تنمية المجتمع، والعمل على إزالة كل أشكال التمييز ضدها، تأكيداً لفاعلية مشاركتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا تنفصل عن ذلك قضية إدماج الشباب وتعميق انتمائهم للمجتمع، وتقديم الحلول العاجلة لمشكلات عمالة الشباب، وتطوير الرؤى التنموية المتصلة بهم، وأخيراً وليس آخراً ضرورة تطوير أوضاع الطفولة العربية وصياغة السياسات الاجتماعية الفعالة للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين في المجتمع العربي، وتحتاج مشكلة تزايد معدلات الفقر إلى صياغة استراتيجية فعالة لمواجهتها في ضوء الحلول التي اقترحتها الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية.
3 ـ ومن منطلق المواجهة الفعالة لسلبيات الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة للدول العربية، يرى المجتمعون ضرورة صياغة عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن في المجتمع العربي، هذا العقد من شأنه أن يحدد على وجه قاطع حقوق الدولة والتزاماتها إزاء المواطن، كما يحدد بشكل حاسم حقوق المواطن العربي وكيفية الحفاظ عليها.
*رابعاً: الإصلاح الثقافي:

يضع المشاركون في المؤتمر المشكلات والتحديات الثقافية القومية والقطرية في اعتبارهم، وذلك من منظور يؤكد مجموعة من الأولويات الثقافية التي لا يمكن إغفالها، وفي مقدمتها:
1 ـ العمل على ترسيخ أسس التفكير العقلاني والعلمي بتشجيع مؤسسات البحث العلمي وتوفير التمويل اللازم لها، وإطلاق حريات المجتمع المدني في تنميتها، وفي الوقت نفسه، القضاء على منابع التطرف الديني التي لا تزال رواسبها موجودة في المناهج الدراسية وخطب المساجد ووسائل الإعلام الرسمي وغير الرسمي.
2 ـ تشجيع الاستمرار في تجديد الخطاب الديني سعياً إلى تجسيد الطابع الحضاري التنويري للدين بما يقتضيه ذلك من إطلاق الحريات الفكرية، وفتح أبواب الاجتهاد على مصراعيها في قضايا المجتمع للعلماء والباحثين، تحقيقاً لخير الفرد والمجتمع، ومواجهة لكل صور التشدد والحرفية الجامدة في فهم النصوص الدينية والابتعاد بها عن مقاصدها ومبادئها الكلية، ويستلزم ذلك أن يمضي إصلاح الخطاب الديني في اتجاه يتسق وروح العلم وحكم العقل والمتطلبات العصرية، وهو الاتجاه الذي يزيل التناقض الضار بين حرية الفكر والإبداع والوصاية التي يفرضها البعض باسم الدين الذي يدعو إلى المجادلة بالتي هي أحسن ولا يفرض إرهاباً فكرياً على المختلفين.
3 ـ المضي قدماً في تحرير ثقافة المرأة وتطويرها بما يحقق مساواتها العادلة بالرجل في العلم والعمل، تأكيداً لفاعلية المشاركة الاجتماعية بمعانيها الكاملة.
4 ـ تهيئة المناخ الثقافي لتحقيق التطوير الديمقراطي وتداول السلطة سلمياً، وذلك بالعمل على مواجهة الرواسب والعادات الجامدة والآثار المتراكمة لأوضاع وأساليب سياسية فاسدة من شأنها أن تحول دون فاعلية المشاركة السياسية، وشأن هذه المواجهة تغيير النظرة السياسية والاجتماعية إلى المرأة، وتأكيد إسهامها الثقافي وإنجازها العلمي، ودورها اللازم في عملية التنمية، انطلاقاً من أن التنمية الثقافية هي أساس أي تنمية، والخطوة الأولى لأي إصلاح جذري لا يمكن نجاحها إلا بإشاعة ثقافة الديمقراطية في مناهج التعليم والإعلام.
5 ـ تجديد الخطاب الثقافي وتخليصه من الرواسب المعوقة لتقبل الاختلاف والحوار مع المغايرين، وذلك جنباً إلى جنب مع تجديد ما يتصل بهذا الخطاب من أنواع خطابات الإعلام والسياسة والطوائف الاجتماعية.
6 ـ إصلاح المؤسسات الثقافية العربية وتفعيلها عن طريق دعمها مادياً ومعنوياً بما يعينها على التفكير المستقل، وتوسيع دوائر خططها، والتنسيق بين هذه المؤسسات وغيرها من المؤسسات والهيئات الأخرى المؤثرة في العمل الثقافي.
7 ـ العمل على إلغاء أشكال الرقابة على النشاط الفكري والثقافي بما يدعم حرية الفكر، ويحرك عملية الإبداع، بعيداً عن وصاية أي جهة أو فئة باسم الدين أو التقاليد أو الخصوصية أو السياسية، أو ما يطلق عليه تجاوزاً اسم المصلحة العامة، فتقدم الأمم مرهون بكفالة الحرية الكاملة لمبدعيها ومفكريها في مجالات أنشطتهم المختلفة.
8 ـ دعم العمل الثقافي على المستوى القومي، وتجسيد مبدأ الاعتماد المتبادل في اقتصاديات الثقافة.
9 ـ الحفاظ على اللغة العربية وتحديث آليات تكيفها مع التقنيات الرقمية الجديدة في عصر المعلومات.
10 ـ تشجيع التفاعل الثقافي مع العالم كله بما يؤكد ثقافة التنوع البشري الخلاق، والإسهام الفاعل في المنظمات العالمية بما لا يتناقض وخصوصيتنا الحضارية التي تؤكدها الأبعاد الإنسانية لميراثنا الثقافي الأصيل.
11 ـ تأكيد العلم بوصفه مكوناً أساسياً من مكونات الثقافة، وبوصفه مساراً راسخاً للنظرة المستقبلية التي تؤسس في الوعي الثقافي العام ضرورة مجتمع المعرفة الذي هو السبيل الأمثل للتقدم في كل مجال.
12 ـ توثيق الواقع الثقافي العربي في بيانات وإحصاءات سنوية، ترصد آليات الإنتاج وأشكال المتابعة، وكذلك تنسيق الجهود في تنظيم أنشطة النقابات العربية والمهنية العاملة في ميادين الثقافة، ونشر نتائجها.
13 ـ تنشيط التبادل الثقافي القومي عن طريق الإجراءات التالية:
*إعفاء الإنتاج الثقافي العربي من القيود الرقابية والعوائق الجمركية، على امتداد الأقطار العربية، ورفع مستوى البرامج التنافسية مع البرامج الممثلة للثقافات الأجنبية.
*تنمية مشروعات النشر الإلكتروني المتبادل للصحف والمجلات والكتب للتغلب على مشكلات التوزيع وعرقلة تدفق المطبوعات العربية.
*تشجيع الإبداع والإنجازات الفكرية الخلاقة على المستويين القطري والقومي بما يكون حافزاً للمزيد من الإنجاز في كل مجالات العمل الثقافي، ويكون ذلك بالجوائز القيمة وأشكال التكريم المؤثرة قطرياً وقومياً.
*خامساً: آليات المتابعة مع المجتمع المدني:

إن إبراز المؤتمر لجوانب الإصلاح العربي المطلوبة يقتضي بالضرورة وضع مجموعة مترابطة من آليات التنفيذ، تتيح متابعة ما تم التوصل إليه من مقترحات وتوصيات.
وفي هذا الصدد، لابد من التركيز على دور المجتمع المدني العربي في الإصلاح، خصوصاً في جميع مجالات التنمية المستدامة، بما يتطلب اتخاذ الإجراءات التالية:
1 ـ تأسيس منتدى الإصلاح العربي في مكتبة الاسكندرية، ليكون فضاء مفتوحاً للمبادرات والحوارات الفكرية والمشاريع العربية، سواء فيما يتعلق بالإصلاح العربي، أو إقامة جسر لكل أشكال الحوار والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني العالمي، ويتم ذلك من خلال عقد ندوات وحوارات مشتركة، عربية وعالمية، حول موضوعات التنمية بشكل عام، وإبراز دور الشباب والمرأة في التنمية بوجه خاص، يضاف إلى ذلك تنفيذ مشروعات التعاون في مجالات التنمية المختلفة، ويتصل بعمل هذا المنتدى تأسيس مرصد اجتماعي عربي، لمتابعة نشاط المجتمع المدني العربي، ورصد وتقييم مشاريع الإصلاح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك بالاعتماد على مجموعة متكاملة من المؤشرات الكمية والكيفية.
2 ـ تختار مؤسسات المجتمع المدني في كل قطر عربي عدداً من نماذج الجمعيات غير الحكومية الناجحة في مجال التنمية وحقوق الإنسان، وذلك لعرض نشاطاتها وبيان مردودها الاجتماعي في مؤتمر عربي عام، يعقد سنوياً، في أحد الأقطار العربية لإبراز دور المجتمع المدني في التنمية.
3 ـ عقد مؤتمرات عربية وطنية داخل كل بلد لمناقشة الفكر الإصلاحي وعرض التجارب الناجحة في هذا المجال على المستويين: العربي والعالمي، وتبدأ مكتبة الاسكندرية بالإعلان عن استضافتها للمؤتمر القادم عن "الإصلاح في مصر".
4 ـ عقد ندوات عربية إقليمية تناقش موضوعات محددة في مجالات الإصلاح المختلفة.
5 ـ تشكيل لجنة متابعة تجتمع كل ستة أشهر على الأقل لمراجعة ما تم تنفيذه، وذلك لدعم منتدى الحوار بعد تأسيسه.
ويؤكد المجتمعون، في النهاية، أن رؤى الإصلاح التي قاموا بصياغتها لا تقع مسؤولية تنفيذها على الحكومات وحدها، وإنما على المجتمع المدني والحكومات معاً، فالمستقبل الواعد لأمتنا العربية لن يتحقق إلا باستثمار كل الطاقات الخلاقة والاجتهادات الأصلية والعمل الدؤوب الذي يجمع بين الرؤية والتنفيذ.

****



المحتوى



الباب الأول: الشرق الأوسط الكبير فكرة صهيونية تبنّتها الولايات المتحدة الأمريكية.5
مقدمة:7
الفصل الأول: بروز مصطلح الشرق الأوسط:10
الفصل الثاني: التخطيط "الإسرائيلي" للشرق الأوسط. 14
الفصل الثالث: التعاون الإقليمي في مجالي المياه والسياحة19
الفصل الرابع: المساعي الأمريكية لإقامة النظام الشرق أوسطي24
الفصل الخامس: بيرس والنظام الإقليمي الشرق أوسطي. 31
الفصل السادس: مخاطر نظام الشرق الأوسط الكبير. 38
الفصل السابع: دور القمم والمؤتمرات الاقتصادية في تحقيق الشرق الأوسط الكبير:43
الفصل الثامن : مخاطر التطبيع51
الباب الثاني: دور اليهود في الحرب العدوانية على العراق لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط.55
الفصل الأول: دور اليهود في إشعال الحرب. 57
الفصل الثاني : احتلال العراق مصلحة أمريكية وإسرائيلية62
الفصل الثالث: مراكز الدراسات اليهودية والتخطيط للحرب على العراق68
الفصل الرابع : دور بعض الشخصيات اليهودية في سياسة الإدارة الأمريكية المعادية للعرب والمسلمين73
الفصل الخامس: اليهود في الإدارة الأمريكية79
الباب الثالث: استراتيجية الحرب الاستباقية على العراق والشرق الأوسط الكبير83
مقدمة:85
الفصل الأول: استراتيجية الحرب الاستباقية87
الفصل الثاني: محاولة تسخير مجلس الأمن للموافقة على الحرب الاستباقية90
الفصل الثالث: إقامة الشرق الأوسط الكبير والحرب الاستباقية على العراق. 92
الفصل الرابع: الحرب الاستباقية ومقاومة الاحتلال. 94
الباب الرابع: مبادرة الرئيس بوش لمشروع الشرق الأوسط الكبير.99
الفصل الأول: قراءة في مشروع الشرق الأوسط الكبير. 101
الفصل الثاني: الموقف العربي الرسمي من مشروع الشرق الأوسط الكبير. 108
الفصل الثالث: الموقف الأوروبي من مشروع الشرق الأوسط الكبير. 113
الفصل الخامس: منتدى دافوس في البحر الميت ومشروع الشرق الأوسط الكبير. 123
الفصل السادس : قمة الدول الصناعية الثماني ومشروع الشرق الأوسط الكبير. 130
الملاحق:135
الملحق الأول: نص مشروع "الشرق الأوسط الكبير" المقدم من واشنطن في قمة الدول الثماني137
الملحق الثاني: قضايا الإصلاح في الوطن العربي [الاسكندرية 12 ـ 14 مارس 2004].151
المحتوى. . 168



***

([1]) إنعام رعد، الصهيونية الشرق أوسطية والخطة المعاكسة، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 1997، ص62، نقلاً عن مذكرات هرتسل، ص456.

([2]) د. ماجد شدود، النظام الإقليمي الشرق أوسطي، مطبعة اليازجي، دمشق 1996، ص14.

([3]) جريدة الأهالي الأردنية في 6/4/1995.

([4]) محمد حسنين هيكل، الانفجار، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1990، الملاحق: نص رسالة بن غوريون إلى الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور في 24/7/1958.

([5]) مشروع جاد يعقوبي للتعاون الإقليمي في يديعوت أحرونوت بتاريخ 22/12/1977.

([6]) جريدة الثورة الدمشقية، العدد/ 7066/ ف 27/4/1986.

([7]) السفير في 9/12/1992، نقلاً عن دافار في 20/11/1992. من الكلمة التي ألقاها بيرس أمام المعهد القومي لدراسات الشرق الأوسط في القاهرة.

([8]) عوديت بنون، خطة "إسرائيل" في الثمانينات، نقلاً عن مجلة الثقافة العالمية، العدد 7 تشرين الثاني 1992، ص12.

([9]) موشي مندلباوم في هاكسوفيه بتاريخ 22/6/1986.

([10]) "إسرائيل" عام 2000، تصورات "إسرائيل"ية، دار الجليل، عمان 1986، ص97.

([11]) د. غازي حسين، النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية، دمشق 1994، ص36 ـ 38.

([12]) المصدر السابق ص390 ـ 40، نقلاً عن جريدة الراية القطرية في 28/1/1991.

([13]) القبس الكويتية في 23/1/1985.

([14]) كلمة الرئيس بوش في افتتاح مؤتمر مدريد، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 8/1991 ص186.

([15]) مجلة الحرية، العدد 482 في 20/12/1992، ص 8 ـ 11.

([16]) مجلة الوطن العربي، العدد 872 في 19/11/1993، ص29.

([17]) مجلة الشراع اللبنانية، العدد 575 في 2/5/1993، ص40.

([18]) جريدة الشرق الأوسط في 21/12/1993.

([19]) شمعون بيريس، الشرق الأوسط الجديد، الأهلية للنشر والتوزيع، عمّان 1994، ص7 ـ 8.

([20]) المصدر السابق، ص37.

([21]) المصدر السابق، ص61 ـ 65.

([22]) جريدة الشرق الأوسط في 26/12/1993.

([23]) شمعون بيريس، في الشرق الأوسط الجديد، مصدر سابق، ص129 ـ 130.

([24]) السفير في 22/10/1993.

([25]) مقابلة بيريس في دافار، نقلاً عن الرأي الأردنية 14/10/1994.

([26]) فايننشال تايمز في 14/5/1994.

([27]) مجلة السياسة الدولية، العدد 150، تشرين الأول 2002، ص 112.

([28]) المصدر السابق نفسه.

([29]) مجلة السياسة الدولية، العدد 150، تشرين الأول 2002، ص112.

([30]) المصدر السابق نسه.

([31]) جيروز اليم ريبورت آذار 2002.

([32]) مجلة السياسة الدولي، العدد 150، 2002، ص 67.

([33]) ناشيونال ريفيو في 31/1/2002.

([34]) مجلة السياسة الدولية، العدد 150، ص 63.

([35]) المصدر السابق نفسه.

([36]) جريدة الكفاح العربي في 4/6/2003.

([37]) المصدر السابق نفسه.

([38]) مجلة السياسة الدولية، العدد 150، ص 67.

([39]) جريدة الكفاح العربي في 4/6/2003.

([40]) جريدة الكفاح العربي، في 4/6/2003.

([41]) جريدة المجد الأردنية في 15/9/2003.

([42]) جريدة الكفاح العربي في 4/6/2003.

([43]) المصدر السابق نفسه.

([44]) جريدة الكفاح العربي في 4/9/2003.

([45]) المصدر السابق نفسه.

([46]) جريدة الدستور الأردنية في 16/5/2004.

([47]) جريدة النهار في 16/5/2004.

([48]) الدستور في 16/ 5/2004.

([49]) المصدر السابق نفسه.

([50]) جريدة الدستور في 18/5/2004.

([51]) المصدر السابق نفسه.

([52]) المصدر السابق نفسه.

([53]) مجلة فلسطين المسلمة، العدد 6، حزيران 2004، ص 44.

([54]) النهار في 18/5/2004.

([55]) جريدة السفير في 10/6/2004.

([56]) جريدة النهار في 10/6/2004.

([57]) النهار في 11/6/2004.

([58]) الدستور في 10/6/2004.

([59]) السفير في 11/6/2004.

Ferzan ozpetek 09-02-2009 06:03 PM

رد: الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية
 
http://www.7ammil.com/data/visitors/...mmil_202_t.gif

02imene 09-02-2009 09:36 PM

رد: الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية
 
baraka lahou fik


الساعة الآن 03:17 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى