منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   جديد الكتب والدراسات (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=121)
-   -   أصول الحرب النفسية العقائدية الحقيقية على العالم العربي و الإسلامي تابع الفصل 1 (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=60831)

شافيز 18-01-2009 07:30 PM

الفصل الأول


الاستعمار التقليدي


ليس ثمة تعريف من التعريفات التي قد نصوغها لهذا الشكل من استغلال البشر يبدو لنا ملائما مثل التعريف الذي وضعه وزير الدفاع الفرنسي في البلاغ الرسمي الصادر سنة 1852 و الذي جاء فيه أن : «المقصود عامة بالاستعمار هو توطين أُسَرٍ قادمة من بلد إلى بلد آخر لكي تحصل فيها على ثروات يصعب أو يستحيل أن تحصل عليها في بلادها الأصلية»([1]).
-كان على التعريف السابق إذا أراد تحري الموضوعية حقا أن يضيف بأن الأفواج الأولى من المستوطنين الأوروبيين الذين يمثلون مع ما يسمى (جيش إفريقيا الكبير Le Grande Armée d’Afrique) الوجه التقليدي للاستعمار الغربي، جاءوا كنظرائهم الإنجلوسكسون من بين الطبقات الدنيا الحقيرة في مجتمعاتهم. فقد قام شارل العاشر بإفراغ معظم سجون فرنسا لكي يرسلهم إلى الجزائر كمستوطنين.
-إن الاستعمار الصريح ينتعش على الموارد المادية لدى شعوب العالم الثالث المستبعدة و هو يعتنق المبدأ الذي يقرر أنه في مقدور المستوطنين الأوروبيين أن يحققوا أغراضهم على أحسن الوجوه من خلال تلك النظرية الممقوتة الشهيرة التي صاغها المستعمرون الأنجلوسكسون "Anglo-Saxons"في أمريكا الشمالية التي تقول: «إن الهندي الطيب الوحيد هو الهندي الميت» "The only good Indian is a dead Indian". و ثمة حقيقة يؤيدها الكثير من المؤلفين الفرنسيين تقرر أن الموجات الأولى من المستعمرين الفرنسيين الذين وصلوا إلى الجزائر كان في عزمهم أن يختبروا تلك النظرية – رغم أن العالم قد نما فيه آنذاك شعور حاد ضد المذابح الجماعية التي ترتكب ضد البشر. كتب "ل.هان" و هو أحد المدافعين عن المستوطنين: «و لما لم يكن في النية تمدينهم، فإنه يتعين طردهم بعيدا ويجب عليهم أن ينسحبوا إلى الصحراء أمام المسيرة التقدمية التي تحرزها نظمنا، مثلهم في ذلك مثل الحيوانات المتوحشة التي تبتعد عن الأماكن الآهلة بالسكان، و يجب إلقاؤهم – إلى الأبد – في رمال الصحاري»[2].

و يعتقد "بوديشون" من ناحية أخرى أن أسهل طريقة لإبادة الشعب الجزائري همي تجويع أفراده حتى يهلكوا. هذا المؤلف الذي ذكر "شارل تاليار" أنه قال : "ينبغي بوسيلة ما محو الجنس العربي" كتب يقول على سبيل المثال :«نستطيع دون إراقة الدماء استئصالهم كل عام بالاعتداء على وسائل تغذيتهم، والحيلولة بينهم وبين طرق تموينهم بقطع أشجار التين والصبار في كل أنحاء الجزائر"[3] ويؤكد " شارل تاليار" أن مثل هذه الفظائع قد اقترحت في بعض الكتب، وهي الشواهد التي ظهرت في بعض الدوائر، ولكن هذه ا الكتب لا تمثل بالتأكيد رأياً منعزلاً[4].
-يجب القول هنا إنه لا هذا الوصف للمعاملة الوحشية التي واجه بها المستوطنون الشعب الجزائري الأعزل و لا تلك الكتب يمكنها إعطاءنا صورة دقيقة عن العذاب الأليم الذي تحملّه الشعب الجزائري خلال 132 سنة من الاحتلال الفرنسي، و لكي نعيد تركيب الصورة في ذهن القارئ عن تلك المجازر وحملات الإبادة الجماعية التي نظمها الجيش الفرنسي أثناء تلك المرحلة المؤلمة، يجب أ لا نكتفي فقط بما كتبه بعض المؤرخين الموضوعيين على ندرتهم، و لكن يجب أن نحلل أيضا المذكرات التي كتبها مرتكبو تلك الجرائم التي تدعي فرنسا بل و العالم الغربي أن لا علم لهم بها و أن لا حاجة بهم إذن للاعتذار عنها للشعب الجزائري، مثل ما اعتذر و يعتذر العالم الغربي كل عام و خاصة فرنسا لإسرائيل عماّ فعله هتلر في اليهود خوفاً من مطالبة الشعب الجزائري بالتعويضات عن كل ما فعلته خلال 132 سنة من الاحتلال.
أن على فرنسا أن تعلم أنها ليست من الثراء والعظمة بحيث تستطيع – أرادت ذلك أم أبته- أن تعوض ولو جزءًا يسيرًا من جرائهما التي لن يمحوها الزمن من سجل التاريخ ولا من ذاكرة الشعب الجزائري. أن المطلوب منها فقط أن تترك هذا الشعب وشأنه بأن توقف دعمها المادي والمعنوي للطبقة المتغربة التي صنعتها وظلت تتحكم في مصيره، وأن تكف في الوقت نفسه عن سياسة النفاق التي توحي من خلالها بأنها الصديق المخلص للعرب والمسلمين.
ولكي نشهد العالم على جرائم فرنسا نكتفي بالاستشهاد بما كتبه صناع تلك الجرائم أنفسهم.


-إن الحيز في هذا المقام لا يتسع لتحليل المئات من المذكرات التي كتبها الضباط الفرنسيون بهدف تخليد "مآثرهم" و أعمالهم الإجرامية التي ارتكبوها في حق الشعب الجزائري، غير أن ذكر أسماء بعضهم يكفي لإعطاء صورة واضحة عن ذلك.


-Duc de Rovigo

- St. Arnaud.
- Jean Jacques Pélissier
- Cavaignac
- Bugeaud.
- Boyer.
- Bousquet.
- Herbilon
- Camou.
- Youcef.
- Montagnac
ولنبدأ أولاً بالدوق "دو رفيقو" "Duc De Rovigo" الذي يصنف من طرف المؤرخين الفرنسيين بأنه أسوأ سفاح فرنسي وضع قدمه على أرض الجزائر. والذي أشتهر في بداية الأمر بإبادة قبيلة عوفيا.فقد جرت مذبحة قبيلة عوفيا بعد اكتشاف الدوق دو روفيغوDuc De Rovigo أن مبعوثي عميله المشهور "فرحات بن سعيد" اللذان حملهما أنواع مختلفة من الهدايا لهذا الأخير قد اعترضتهما جماعة من الجزائريين المجهولين الهوية بعد مغادرتهما مدينة الجزائر في طريقهما إلى قسنطينة، ويبدو أن هذا الحادث، قد حفز أفكار الدوق دو روفيغو Duc De Rovigo الإجرامية حتى أنه لم يهتم بإجراء تحقيق لمعرفة حقيقة الرجال الذين سرقوا مبعوثي تابعه، وشاء القدر أن تكون قبيلة "عوفيا" التي كانت حينئذ معسكرة على بعد بضعة أميال خارج مدينة الجزائر بالقرب من الحراش هي الهدف الذي اختاره الدوق في محاولته لتهدئة عواطفه الثائرة·· وفي غضون ليل 06 أفريل 1832" أطلق الدوق سرية انقضت عند مطلع الفجر على القبيلة وذبحوا أفرادها دون أن يحاول التعساء الدفاع عن أنفسهم·
6"P. Christian هو إسم الشهرة و إسمه الحقيقي هو" de Pitois "

"كان الموت مصير كل حي، ووقع في الأسر كل من أمكن أسره، ولم يكن ثمة أي تمييز بين الناس من حيث السن أو الجنس"[5]· ويبدو أن المؤلف بيلسييه دو رينوPellissier De Reynaudالذي استشهدنا بأقواله كان مترددا بين ولعه بالموضوعية التاريخية وبين رغبته في تحاشي تسجيل الوقائع التي تصم فرنسا والحضارة الغربية بالإجرام، فلم يصف بالتفصيل الكامل الجريمة البشعة التي ارتكبها الدوق دو روفيغوDuc De Rovigo ضد قبيلة عوفيا ولذلك فإننا نتحول إلى ب· كريستيان6P.Christian الذي كانت له الشجاعة الكافية في أن يروي لشعبه وللعالم ما حدث للجثث المشوهة والأملاك الخاصة بأفراد القبيلة: "عند عودة الحملة المخزية كان فرساننا يحملون الرؤوس على أسنة الرماح، وقد بيعت كل المواشي التي أخذت من ميدان الخراب والدمار إلى قنصل الدانمارك، أما باقي الغنائم وهي مخلفات دامية من مذبحة بشعة، فإنها عرضت في سوق "باب عزون" وشوهد من بينها أساور لنساء لم تزل ملتصقة بمعاصمهن المقطوعة، وأقراط معلقة بقطع من اللحم، ووزعت حصيلة البيع على السفاحين، وثمة قائمة بالأعمال صادرة في 08 أفريل 1832 سجلت هذا العمل الشائن، وأعلنت رضاء الجنرال السامي عن الحمية والذكاء اللذين أبدتهما الفرق، وفي المساء صدر أمر الشرطة إلى السكان بتزيين حوانيتهم بالأنوار" [6]
وأن كان لي أن أؤكد الأمر فأنا أؤكد أن الدوق " دو ريفيغو" كان مهووساً بإراقة دماء الجزائريين، لدرجة أنه لم يتردد في اعتقال ومحاكمة وإعدام رئيس القبيلة البائسة، رغم إن السلطات الفرنسية اكتشفت بعد المجزرة التي اقترفتها أن تلك القبيلة كانت بريئة مما نسب إليها.
ان المؤرخ " بيلسيه دي رينو" وهو أحد المؤرخين الفرنسيين القلائل الذين أزعجتهم التصرفات القاسية والحمقاء التي ارتكبها دوق " دو ريفيغو" ضد الشعب الجزائري كتب يقول "...لقد تمت إحالته (رئيس القبيلة) على مجلس عسكري حيث تمت محاكمته وإدانته وإعدامه. وفي أثناء ذلك تأكدت لدينا قناعة ببراءة قبيلة عوفيا من تهمة السطو على مبعوثي فرحات، ولكن إعلان براءة رئيسها كان تبرئة لها ويمثل في الوقت نفسه إدانة ضمنية للذي أعطى الأوامر بارتكاب المجزرة. ومن اجل تجنب هذه النتيجة المنطقية تمت إدانة رئيس القبيلة الذي اهدي رأسه بعد ذلك للدوق " دو ريفيغو"[7].
أما الجنرال بيجو فلا يقل شهرة عن الدوق دو رفيغو بل يكاد يكون أكثر شهرة منه.فيبدو أنه سمع أو قرأ عن المئات من المسلمين الذين ماتوا اختناقا واحتراقا في إحدى المغارات بسوريا على يد (Lord Bulding) أثناء الحرب الصليبية الأولى –كما ذكرنا- و تكرارا لهذه الجريمة، أرسل الجنرال "بيجو" البرقية المستعجلة الآتية إلى العقيد (Jean Jacques Pelissier) بتاريخ 11 جوان 1845 و التي جاء فيها :
«..إذا انسحب هؤلاء الأوغاد داخل كهوفهم فافعل ما فعله "كافينياك" (Cavaignac) مع أهالي سبها. أغلق المغارة بالتبن ثم أشعل النار فيه ليموتوا مختنقين كالثعالب». و هكذا حملت هذه البرقية المكونة من 19 كلمة أمراً بإبادة عشرات العائلات بشيوخها و نساءها و أطفالها في أولاد رياح كما فعل (Cavaignac) و (St Arnaud) في نفس المنطقة (منطقة الشلف).
وهنا يجب القول أنه بالرغم من أن عدداً من المؤرخين والكتاب الفرنسيين أمثال (AndréPrenant)و (Charles André Julien) قد بذلوا وسعهم في إعطاء صورة واضحة و موضوعية عن الجرائم التي ارتكبها العقيد (J.J. Pélissier) و الذي رُقيَ بعد ذلك إلى رتبة (Maréchal de France) فإننا نعتقد بأنه يكون من الأفضل أن نترك وصف تلك الجريمة النكراء للكاتب الإنجليزي (Major G.B.Laurie) ما حدث في ذلك اليوم المشئوم 18جوان 1845: «إن قضية المغارات» تلك لها علاقة بكهوف "نكمارية" (Caves of Nakmaria)، ففي 18جوان 1845 وجد ألفٌ من عرب أولاد رياح أنفسهم مضطرين إلى الانسحاب و الفرار أمام الجيش الفرنسي، وحينما شعروا أنهم كانوا على وشك أن يحاصروا، تصرفوا غريزيا بأن اندفعوا داخل المغارة التي كانت أمامهم عندها أمر العقيد (J.J. Pélissier) ضباطه وجنوده بقطع كل الأشجار التي يجدونها حولهم، ثم أمرهم بوضعها على باب المغارة و إشعال النار فيها، و حتى تتكون لدينا صورة دقيقة لما حدث فعلاً، فإننا ننقل ما قاله أحد الشهود و هو ضابط إسباني : "يوم 18 جوان قامت سرية العقيد (Pélissier) في الصباح الباكر بمحاصرة المغارة المشهورة التي كنا قد لاحظناها قبل ذلك بيوم واحد، و الموجودة على ضفاف وادي فريحة، بعد أن أرسل مجموعة من القناصة قبالة منافذها. ثم راح الجنود يقطعون الأشجار و يجمعون القش، لكي يوقدوا النار في الجانب الغربي مجبرين بذلك العرب على الاستسلام، لأن أي وسيلة أخرى للهجوم عليهم ستكون أكثر دموية و دون فائدة، و في حدود الساعة العاشرة صباحا بدأوا يرمون حزم الخشب، غير أن النار لم يشتد اضطرامها إلاّ بعد الزوال، و عند المساء تقدم جنودنا و أغلقوا فتحتي المغارة، و مع هذا تمكن أحد العرب من الهرب من الجانب الشرقي ثم لحق به سبعة آخرون إلى ضفة الوادي حيث ملأوا قرابهم بالماء... على الساعة الواحدة زوالاً إذن بدأ الجنود يرمون حزم الخشب والقش على المنفذ الشرقي. و قد اشتدت النار هذه المرة على الجانبيين، و لأسباب غامضة ساعدت الرياح في إدخال اللهب و الدخان إلى المغارة في اتجاه واحد، مما مكنّ الجنود من إضافة المزيد من الحزم في المغارة التي غدت كأنها فرن، و هنا يستحيل وصف شدة تلك النار المستعرة، فقد ارتفعت ألسنة اللهب فوق القنطرة ما يزيد عن مائة و ثمانين قدما، و انتشر الدخان الكثيف كالزوبعة على مدخل المغارة، و قد استمر الجنود يغذون النار طيلة الليل و لم يتوقفوا إلا عند انبلاج الفجر، حيث بدا أن المهمة قد انتهت ... أطبق على المكان سكون عميق، و في حدود الرابعة و النصف اتجهت إلى المغارة رفقة ضابطين من سلاح الهندسة و ضباط آخرين من سلاح المدفعية مع حوالي خمسين إلى ستين جنديا وجدنا على مدخلها حيوانات ميتة... واصلنا المشي إلى المدخل عبر طبقة كثيفة من الرماد و الغبار، ثم ولجْناَ تجويفاً بطول نحو ثلاثين خطوة، و هناك رأينا منظراً رهيبا يندّ عن أي وصف أو تصوير، كانت كل الجثث عارية من اللباس في مظهر يدل على حالة الرعب التي عانوا منها قبل موتهم، وكان منظر الأطفال المتشبثين بصدور أمهاتهم وسط أكياس الحبوب الجافة منظرًا في غاية الرهبة و البشاعة.. كان عدد الجثث يتراوح بين الثمانمائة (800) والألف (1000). ولكننا عندما أخبرنا العقيد بذلك شكك في قولنا وأرسل جنوداً آخرين لعدّ الأموات، حيث أخرجوا ستمائة (600) جثة من المغارة، دون حساب الجثث المكومة فوق بعضها كأنها عجينة بشرية"[8].
-إن ما يستعصي على الفهم و التفسير هو أن يحاول (G.B.Laurie) إظهار عمق تأثره بالمجزرة التي ارتكبها (Pélissier)، ثم يصل إلى نفس النتيجة و القناعة التي ظل الاستعمار يرددها، ذلك أنه انتهى إلى القول :«كان المنظر في الحقيقة بشعا، و لكنه كان ضروريا حتى يكون في ذلك عبرة للقبائل المجاورة و يقودها إلى التعقل، لأن لين المعاملة سوف يعتبرونه ضعفا، و هو ما يؤدي إلى المزيد من سفك الدماء»[9].
غني عن القول هنا أن (G.B.Laurie) قد لوى عنق الحقيقة إلى الوجهة التي يريد، لأنه تناسى أنه لم يبق أثر لأي جزائري في تلك المنطقة حتى يعتبر لما حدث!! غير أن في ذلك لا يعدو كونه مردداً لفلسفة (Kipling)(*) المدافع المعروف عن الفكر الاستعماري و الذي اشتهر بتمجيده للاستعمار البريطاني خاصة.
-في نفس السياق، و قبل أن نعرض إلى وصف المتعة السادية التي استولت على كيان صياد الرؤوس العقيد (Montagnac) و هو يرقُب -مستمتعا- ضحاياه و هم يتعذبون و يلفظون أنفاسهم يجب أن نقول بضع كلمات بخصوص الفلاحين الجزائريين الأربعة الذين أسرهم المدعو (يوسف) (**) لأنه لا الزمن و لا التغير المتسارع بإمكانهما أن يمحوا من الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري العذاب الرهيب الذي تعرض له هؤلاء، فقد كتب (Comte D’Herrison ) في كتابه المثير (La Chasse À L’Homme) يقول : "وقع أربعة من العرب في الأسر في الليلة الماضية (8افريل1846) وقد اتهم واحد منهم بمحاولة الهرب، فحاكمه الجنرال يوسف وقضى عليه بالإعدام· وفي حوالي الساعة الرابعة، قامت فرقة مكونة من فرسان جزائريين(سبايهية) وعريف وطني يؤدي مهمة الجلاد، فاقتيد إلى ساحة الإعدام على بعد عشرين خطوة من مركز الحراس، وكانت يداه موثقتين خلف ظهره، وجعلوه يجلس أو يقعد على ركبتيه، ورقبته مدلاة· وضربه العريف، فغار السيف بعمق بوصة ونصف، وسقط العربي ورقبته مشقوقة، وانبلج الدم بغزارة، واستمر الرجل يغني أنشودته، أنشودة الموت، ويردد:الله لا إله إلا الله، محمد رسول الله·· وضربة ثانية، ثم ثالثة فلم يفلح في فصل الرأس من الجذع، عندئذ امسك السبايهي بلحية ذلك الرأس المقطوع نصفها، وجز بسيفه ما تبقى من الرقبة، ومع ذلك لم يقطع السيف الرقبة، فصاح بالعربية سبايهي وطني آخر، خذ موس، فرفع العريف رأسه وطلب من مساعديه بالفرنسية سكينا، وقطع الجلد بالسكين، وسقط الجسم، وبقى الرأس في يد الجلاد· وهكذا نفذ حكم الإعدام، وأضاف يوسف لنفسه مأثرة جديدة· وقد تدحرج الرأس الذي ألقى على الأرض بالقرب من الجثة، فجاء جندي من الكتيبة، وهو كورسيكي، فقطع الأذنين لكي ينال بهما الجائزة، ذلك لأن قائدنا المسلم سابقا الجنرال يوسف، يدفع ثمن آذان المسلمين التي تقدم إليه·
أما الأسرى الثلاثة الآخرون، فإنهم شاهدوا هذه المجزرة· وليس ثمة شيء يضاهي رباطة جأشهم اللهم إلا وحشية الجلاد، وذهول الحاضرين، وعدت من المشهد وأنا محموم.»[10].
-من بين المؤرخين الفرنسيين الذين بدت عليهم الحيرة في أمر هؤلاء الضباط الذين لم يكتفوا بإعلام الرأي العام الفرنسي بجرائمهم، بل و نشروها على مرأى الرأي العام الدولي بأسره، يمكن أن نذكر (Charles André Julien)الذي كتب يقول أنهم : «لم يحرقوا البلاد خفية، و لم يقضوا على الأعداء باستعمال مبررات إنسانية، فقد كان الجميع يعتبرون ذلك مجداً، سواء أكانوا ملكيين أم جمهوريين أم بونابارتيين»([11]).
إن الكلمات الآتية المنشورة في صحيفة (Le Moniteur Algérien) بتاريخ 14 أكتوبر1836 كفيلة بإعطاء فكرة عن المحاولات الحثيثة التي قام بها الجنرالات الفرنسيون حتى يعرّفوا العالم بجرائمهم، حيث جاء فيها: «أُرسل إلينا عشرون رأساً، و أُحصي ثمانية و ستون على أسنة الحراب عند العودة إلى المعسكر (في عنابة) إنها عملية بديعة للغاية و بداية انفتاح الطريق»([12]).
و قد علق (C.Tailliart) على الصحف الفرنسية في الجزائر قائلاً "الصحافة أصبحت مولعة بالتفاصيل المستمرة في وصف الرؤوس المقطوعة التي يُدفع ثمنها كما يُدفع في فرنسا ثمن رؤوس الذئاب"
و الواقع أن هواية قطع الرؤوس ثم تحنيطها و تمليحها من أجل إرسالها إلى فرنسا كتذكار من القارة السوداء أصبحت هواية مغرية و مريحة، فقد كتب (C.d’herrision) يقول :«بقيت قيمة الآذان المقطوعة من الأهالي و لمدة طويلة تساوي عشر فرنكات. كما بقيت نساؤهم طرائد مثلهم»([13]) ثم يضيف :«سمعتُ ضابطاً من ألمع ضباط جيش إفريقيا يحكي أنه كثيرا ما كان يتناول الطعام مع قائده دون أن يشغل باله بالكثير من الأكياس المملوءة بالرؤوس المقطوعة الملقاة في ركن من الخيمة، و أردف قائلا "لقد اعتدنا كل هذا و لم نعد نفكر فيه"»([14]).
كما كتب (Bavoux variste) يقول: «هل نسينا صفي الرؤوس التي كانت منصوبة أمام مدخل خيمة يوسف. هذه الرؤوس التي كان فرساننا يعلقونها على سروجهم بواسطة حبل يمررونه داخل الجمجمة عبر فتحات الأنف»([15]).
أما عن الآذان التي تقطع و تملح ثم ترسل إلى فرنسا فيقول (d’herrison) :«الحقيقة أننا عدنا ومعنا براميل مملوءة بالآذان التي انتزعناها مثنى مثنى من الأسرى.. و قد جمعنا من أعظم غارة قمنا بها ضد قبيلة أولاد نايل 25 ألف خروف، و 600 جمل محملة بالغنائم و على أهبة الرحيل»([16]).
-أما الآن، و إذا رجعنا بالحديث إلى ذكر العقيد: (Montagnac) فيمكننا تشبيهه بالمدمن على المخدرات الذي لا يستطيع التخلص من اضطرابه و آلامه و إلاّ بالمزيد من الجرعات، و هو تشبيه على وجه الحقيقة لا على وجه المجاز، لأنه هو نفسه كتب في مذكراته يقول: «تداهمني أفكار سوداء في بعض الأحيان، و لكي أطردها أقوم بقطع الرؤوس» ([17]).
و قد كان (Montagnac) حريصا كل الحرص على وصف عذاب ضحاياه حتى يضفي مزيداً من المتعة التي يحصل عليها بهذه الصورة: «حوصر النساء و الأطفال في الأدغال الكثيفة التي اضطروا إلى
اجتيازها، فاستسلموا لنا، و أعملنا فيهم الذبح و التقتيل، و اختلطت صرخات المذعورين بصخب البهائم»([18]).
و استمر يروي في مذكراته قائلا: «لقد تمركزنا في وسط البلاد، ورحنا نحرق و نقتل و ندمر كل شيء، بقيت بعض القبائل تقاوم، و لكننا تعقبناهم من كل الجهات من أجل أخذ نساءهم و أطفالهم و بهائهم.(1842).
" قطعتُ رأسه و يده اليسرى، ثم جئتُ إلى المعسكر برأسه على رأس الحربة، و يده معلقة على كعب البندقية،و قد أرسلناها إلى الجنرال (Baraguay d’hilliers) حيث يعسكر قريبا منا فسُرَّ لذلك كثيراً.
لم نكن ندرك الأثر الذي يتركه قطع يد عربي من طرف مسيحي على العرب، و لكنني لم ألبث أن فهمته الآن .. إنني أستطيع أن أؤكد أن الأمر ليس بتلك السهولة.. إن من أراد النتائج فعليه أن يقبل بالوسائل مهما قال الخيّرون ودعاة الإنسانية في ذلك... لقد حذرتُ كل العسكريين الذين كان لي شرف قيادتهم من أن يأتوني بأي عربي على قيد الحياة، و إلاّ كان جزاؤهم الضرب و العقاب عدة ضربات بسطح السيف على مؤخرتهم. هكذا يا صديقي الباسل نعلن الحرب على كل العرب.لابد من قتل كل الذكور من سن الخامسة عشر أما الأطفال والنساء فيشحنوا على متن سفن إلى جزر الماركيز أو في أي منفى آخر وباختصار يجب إبادة كل ما لا ينبطح تحت اقدامنا كالكلاب (1843)»([19]).
إن الجرائم البشعة التي ارتكبها الجيش الفرنسي ضد الشعب الجزائري، و التي حاولت تلخيصها في الصفحات السابقة، قد حدثت أثناء ما عرف بمرحلة الكفاح المسلح المنظم يقيادة الأمير عبد القادر والتي دامت من 1832 إلى 1847. والأهم من هذا أن الفرنسيين أصبحوا- لأسباب لا تستعصي على الفهم- أكثر تصميماً على إبادة الشعب الجزائري أثناء مرحلة الكفاح المسلح غير المنظم التي بدأت من 1849 إلى غاية 1901. حيث كانت البداية في بلاد القبائل (المرحلة الأولى منها في 1849) تلتها ثورة الزعاطشة في نفس السنة، ثم أعقبتها المرحلة الثانية في بلاد القبائل، و بعدها المقاومة في الأغواط. أما المرحلة الثالثة في بلاد القبائل فقد دامت من سنة 1852 إلى 1857، تلتها مقاومة أولاد سيدي الشيخ في 1864 ثم مقاومة 1871 بقيادة الشيخ الحداد من الزاوية الرحمانية، ثم مقاومة الشيخ بوعمامة، و أخيرا مقاومة الشيخ يعقوب بنواحي مليانة و التي أخمدت بسهولة.
-الواقع أن تعاقب السنين لم يزد فرنسا إلاّ عنفاً و دمويةً في حملات يمكن إدراجها ضمن خانة جرائم إبادة الجنس البشري، رغم أن العالم آنذاك قد تطور لديه شعور مناهض لمثل تلك الجرائم، و هو ما لم تلقِ له فرنسا بالاً و لم تعره أي اهتمام.
-إن الهجوم على الزعاطشة الذي أدى إلى تدميرها كليا، و إلى استشهاد جميع سكانها، رجالاً ونساءً و أطفالاً، بمن فيهم شيخها عبد الرحمن بوزيان، يكفي لإعطاء القارئ فكرة عن إرادة فرنسا وتصميمها على إفناء الشعب الجزائري.



ثورة الزعاطشة


-بدأت سنة 1849 بالنسبة لسكان قرية الزعاطشة -التي تقع بضع كيلومترات جنوب بسكرة- بداية مفعمة بروح الأمل في الخلاص، ذلك أن شيوخها كنظرائهم من شيوخ الصحراء الكبرى التي لم تكن تحت السيطرة الفرنسية الكلية، راحوا يدعون الشعب إلى المقاومة و الجهاد مؤكدين له أن الساعة المنتظرة للتخلص من الكفار قد أَزِفَتْ. و هنا يجب القول – على أي حال- أن الغضب الشديد الذي اكتسح منطقة الصحراء في تلك السنة تحديداً، لم يكن سببه فقط خوف سكانها على الإسلام من التدنيس، بل يرجع كذلك في أحد أهم أوجهه إلى الضغط الاقتصادي الذي مارسته فرنسا عن طريق عملائها الممثلين في :"شيخ العرب" و "الآغا" و "الباشاغا" و "القايد".... و الذين لم يكونوا يتقاضون من أسيادهم الفرنسيين رواتب محددة، قد اكتسبوا –رغم ذلك- ثروات هائلة، كان مصدرها تلك النسب التي تقتطع لهم من أموال الضرائب التي يأخذونها من الشعب قسْراً، و هكذا كانت نسبهم في ارتفاع كلما زادت الضرائب و أثقلت كاهل السكان، و هو ما يعتمد بدوره على مدى عنفهم وقسوتهم في تحصيلها، ثم ازدادت ظروفهم الاقتصادية قسوة عندما فُرضت ضريبة عينية على كل نخلة بقطع النظر عن كونها مثمرة أو غير مثمرة، في الوقت الذي لم يكونوا يعتمدون في معيشتهم إلاّ على ما يجنونه من محاصيل التمور.
-كان هذا الظلم الاقتصادي إذن، مسبوقا بخوف السكان على دينهم من التدنيس، هما السببان الرئيسيان اللذان دفعا سكان الزعاطشة إلى الالتفاف حول شيخهم الجليل عبد الرحمن بوزيان، و الذي رغم كونه بطل ما عُرف بعد ذلك بثورة الزعاطشة-كما لاحظ (C.A.Julien)، إلاّ أن الشخص الذي أشعل فتيلها هو ذلك الشخص المسمى "سروكة" (seroka) نائب قائد "المكتب العربي" (Le Bureau Arabe) في بسكرة ؛ حيث بدأت تستفزه و تثير غضبه دعوات الشيخ بوزيان إلى الجهاد وتنديده بالفرنسيين و عملاءهم، ففكّر في اعتقاله لوضع حد لأفكاره الثورية، ثم العمل على استدراجه بعد ذلك شيئا فشيئا، حتى يصبح بدوره عميلاً لفرنسا. غير أن الأمر لم يكن بتلك السهولة التي تصورها هذا المدعو "سروكة"، لأنه لم يكد يضع فكرته موضع التنفيذ و يبادر إلى اعتقال الشيخ بوزيان حتى هبّ السكان هبّة رجل واحد و خلّصوا شيخهم من أيدي ثمانية من الجنود الأوروبيين و عدد من المرتزقة الجزائريين، حيث لم يتمكنوا من الصمود في وجوههم.
و لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، لأنه ما إن تم فك أسر الشيخ، حتى قام هذا المدعو "سروكة" بكتابة تقرير مفصل بما حدث إلى العقيد (CARBUCCIA) قائد منطقة باتنة، الذي فوجئ لسلوك أهل الزعاطشة و رأى فيه تحديا سافراً لسلطة فرنسا، فقضى بوضع حد لهذه الجرأة و تأديب أصحابها ولهذا جهزّ ما اعتقد أنها قوة كافية، و زحف بها نحو الزعاطشة يوم 17 جويلية 1849 و لكن سكان الزعاطشة-كما بيّنت الأحداث بعد ذلك – هم الذين لقنوا درساً قاسيا للعقيد الفرنسي و قواته وكبّدوه خسائر كبيرة، أجبرته – نفسيا و عسكرياً – على التقهقر و الانسحاب.
و كان أول ما فعله الجنرال (Herbillon) حينما سمع بنبأ تلك الهزيمة، أن زحف نحو المنطقة بأكبر قوة عسكرية تحت قيادته شخصيا، غير أنه تريث و عَدَلَ عن الهجوم عليها، حتى تمر أشهر الصيف الحارة. و الواقع أن تأجيل الهجوم كان سبباً أتاح الفرصة الكافية لشيوخ القبائل الأخرى لكي يتجهوا نحو الزعاطشة مؤازرين للشيخ بوزيان، و قد كان من بينهم الشيخ سيدي عبد الحفيظ، و الشيخ الحاج موسى(*) من الزاوية الدرقاوية.
-وصل الجنرال (Herbillon) إلى مشارف القرية يوم 07 أكتوبر 1849، و قرر بدل مهاجمتها أن يحاصرها حتى يهلك أهلها جوعا أو يخرجوا فيبيدهم الواحد تلو الآخر. لكنه قرر يوم 20 أكتوبر أن يهاجم القرية من جهتين مختلفتين، غير أن الفرنسيين – وللمرة الثانية – لم يفلحوا في إرغام سكانها على الاستسلام، فكانت خسائرهم أكبر من تلك التي تكبدوها يوم 17 جويلية. ولقد اعترف المؤرخ الفرنسي (Pellissier De Reynaud) بذلك عندما كتب يقول : «تم دَحْرُ الهجومين رغم قوتهما، وقد كلّفنا ذلك الكثير من الضحايا»([20]). و لكنه رغم الغيظ الذي تملكه فإنه لم يكن بوسع الجنرال (Herbillon) إلاّ أن يلعق جراحه، ويطلب في الوقت نفسه من الحاكم العام في الجزائر إمداده بقوات إضافية لتدعم قواته. وبينما كان ينتظر المدد سطعت في ذهنه فكرة خبيثة، فأعطى الأمر لجنوده بقطع النخيل مورد الرزق الوحيد لسكان الزعاطشة، ولم يكن سوى شخص كهذا كان بإمكانه أن يفكر وينفذ تلك الفكرة الشيطانية، لأن كان على يقين وهو يصدر ذلك الأمر أن السكان سيخرجون- لا محالة- للدفاع عن مورد رزقهم فيكونون بذلك في مرمى مدافعه. وقد خرج أولئك البؤساء فعلاً محاولين منع قطع نخيلهم.
و لاحظ المؤرخ الفرنسي (Paul Gaffarel) قائلا أن: «صوت سقوط تلك الأشجار الرائعة كان يثير في قلوب سُكان الزعاطشة من الغيظ و الغضب أكثر مما كان يثيره صوت قنابل مدفعيتنا المتهاطلة»([21]) فراحوا يقاومون بأيد فارغة، و كان هجوم الفرنسيين في المقابل من الوحشية بحيث لم ينجُ منه أحد. و في ذلك كتب (C.A.Julien) «خلال عدة ساعات كان يجب اقتلاع بيت بعد بيت ونخلة بعد نخلة، حتى تم القضاء على كل سكان الزعاطشة»([22]).
و قد حاول المؤرخ (P.Gaffarel) من جهته إعطاء صورة دقيقة عن ذلك الهجوم الذي بدأ في 24 نوفمبر 1849، فكتب يقول أن العقيد (Conrobert) و بعد أن دّمر الزعاطشة بأكملها على رؤوس أهلها، علّق رأس الشيخ بوزيان في الساحة العامة، كما فعل من قبل برأس سي محمد بن عبد الله بوسيف بسوق "عَمّال"، غير أن سكان الزعاطشة لم يروا هذا المنظر الرهيب طبعاً، لأنهم استشهدوا جميعا و لم يبق منهم أحد، و إذا لم نكن مخطئين فإن رأس الشهيد الشيخ عبد الرحمان بوزيان لم يكن الرأس الوحيد الذي قطعه الفرنسيون ثم حنطوه و أرسلوه إلى متاحفهم في باريس، لأننا نعتقد أنهم قطعوا أيضا رأس الشهيد الحاج موسى بن علي بن الحسين.
و قد أثار أحد الصحفيين الجزائريين مشكورا قضية وجود رأسيْ(*) الشيخ بوزيان و ابنه في أحد المتاحف الفرنسية لعرضها أمام السياح كأنما يعرضون شيئا آخر غير رأس إنسان!!، مطالبا –في نفس الوقت- السلطات الجزائرية بالعمل على استرجاعها.
-و يبقى أدق وصف لثورة الزعاطشة ما جاء على لسان كل من (Paul Gaffarel) و(C.A.Julien)، و خاصة (Pellissier De Reynaud) الذي ذرف دموع الحزن على الفرنسيين و المقدر عددهم بنحو 1500 بين قتيل و جريح ناهيك عمّن هلكوا بسبب مرض الكوليرا، لكنه ختم كلامه قائلا:«ظهرت النساء أكثر شراسة من الرجال في هذا المشهد الرهيب.. إنني لا أخشى القول إن مجد المنهزمين قد غطي مجد المنتصرين»([23]).
-لم يكن مصير قرية "نارة" يقل مأساوية عن مصير الزعاطشة، لأنه لم يكد ينقضي شهر على المجزرة التي شهدتها هذه الأخيرة، حتى انتقل العقيد (Conrobert) إلى "نارة" التي قال عنها (Pellissier.De Reynaud) أن قد تم «اجتثاثها بقوة يوم 05 جانفي 1850 و تعرضت لكل آثار الإبادة العسكرية»([24]) ولم تمر بعد ذلك فترة أطول حتى تمت ترقية العقيدين (Conrobert) و (Burral) إلى رتبة جنرال.
-يجب أن نذكر هنا-وبإلحاح- أن المؤرخين الفرنسيين بمن فيهم أولئك الذين استنكروا ما يمكن وصفه بـ (الأسلوب العلمي لإبادة الجنس البشري)، قد رفضوا رفضاً قاطعاَ أن يحمّلوا فرنسا أو الحضارة الغريبة مسؤولية تلك الجرائم البشعة التي ارتكبتها في الجزائر على وجه الخصوص. فإذا أخذنا على سبيل المثال –الكاتب الفرنسي (Achille Fillias) الذي كتب تحت عنوان (l’Insurrection de Ouled Sidi Cheick)، فإننا نجده حينما بدأ الجنرالات الفرنسيون في تطبيق ما أطلقنا عليه (الأسلوب العلمي لإبادة الجنس البشري)، يرفض إطلاع القارئ على تلك الأعمال والأساليب، واكتفى بقوله :«هنا تبدأ الحملة الثانية حيث لا نتبع جنرالاتنا في عملياتهم التي تقضي بملاحقة المعارضين بلا هوادة، و إفراغ مخازن الحبوب، و إنهاك البلاد، يجب علينا أن لا نروي أية تفاصيل عسكرية يمكن أن تترك أثراً في التاريخ، يكفينا فقط أن نشير إلى النتائج»[25].
أما إذا انتقلنا إلى المؤرخ (Pelissier.de Reynaud) نجده أيضا يرفض أن ينسب تلك الجرائم إلى فرنسا و الحضارة الغربية، و يتهرب دوماً باستعمال جملته اللازمة الشهيرة، و خاصة في محاولته تبرير جرائم العقيد (PelissierJean Jacques) ضد أولاد رياح في 18 جوان 1845 كما ذكرنا (حادثة المغارة)، حيث يقول: «كان لهذا الحادث المأساوي وقعُ أليم في فرنسا كلها، بل و في أوروبا بأسرها، و لكنه رغم ذلك يبقى عملاً حربياً، إن الحرب كارثة عانت منها الإنسانية دائما... إننا نكرر بأن الحرب كارثة يخوضها كلٌّ بعواطفه و أفكاره. إن أخلاق الشعوب المتمدنة تفرض حقا بعض الضوابط التي نسميها قوانين الحرب غير أن هذه القوانين لم يتم خرقها تماماً من طرف العقيد (Cavaignac) في صبياح (Sabiah)، و لا منذ ذلك الحين من طرف العقيد (Jean Jacques.Pelissier) في أولاد رياح»[26].
-إن ما يزعمه (Peliessier.de Reynaud) يدعونا إلى أن نطرح عليه السؤال الآتي : إذا لم يكن الضباط المذكورين مسؤولين عن إزهاق أرواح الآلاف من الأبرياء، فمن هو المسؤول إذن؟ لقد كان على (Peliessier.de Reynaud) أن لا يجانب الموضوعية، و يفقد بالتالي احترام قراءه عندما راح يُقحم الإنسانية في تلك الجرائم و هي منها براء، بدل أن ينسبها إلى مرتكبيها الفعلين ؛ أي فرنسا و العالم الغربي.
-إن الخطأ الذي وقع فيه (Peliessier de Reynaud) قد وقع فيه أيضا (P.Gaffarel)، فهو من ناحية يعتقد أن المؤرخ يجب أن يكون موضوعيا قدر المستطاع، و من ناحية أخرى يشعر أن المؤرخ يجب عليه –تحت بعض الظروف- أن يبتكر التبريرات التاريخية لكي يحوّل الجرائم إلى مناقب و فضائل تاريخية.. فهو يقول على سبيل المثال : «ما هي النتائج التي ترتبت على هذا الانتصار و هذا القمع القاسي؟، لقد استسلم سكان الواحات المجاورة بدون شروط... لقد كان الدرس قاسياً و لكنه كان مفيداً»[27].
-إن ما لم يذكره أولئك المؤرخون الفرنسيون ومن جاء بعدهم، هو أن فرنسا كانت –في حدود علمنا- أول دولة استعمارية أوروبية تطبع كتيباً وتوزعه على قادتها الميدانيين توضح لهم فيه الأساليب العلمية للإبادة إذا قدّروا بأن ثمة خطرًا يهدد جنودهم، فهناك –مثلا- الكتاب الذي ألّفه العقيد (R.J.Frisch) و نُشر عام 1912 تحت عنوان (La Guerre d’Afrique) يصف فيه العرب بالمكر و الخداع، في إيحاء إلى الجندي الفرنسي بأن قتل العربي يجب أن لا يكون مدْعاةً للتأسف أو الندم ؛ فإذا أخذنا –على سبيل المثال- الفقرات 2-3-4 من المادة44 من الفصل المعنون (Répression) (القمع) نجد : «...يجب التذكر دائما أن الأهالي يعتبرون الرحمة خجلا أو ضعفا. / -يجب أن يبقى هؤلاء المتعصبون أذلاء مقهورين، و إلاّ فإنهم سيعاودون النهوض مع أول فرصة سانحة./ - ليست هناك حلول وسط مع الأهالي خاصة في بداية التمرد أو الحملة، يجب معاملتهم دائماً بحزم و قوة، ليتأكدوا بأن المذنبين لن يفلتوا من العقاب أبداً. / -إن الأهالي لا يحترمون و لا يطيعون إلاّ القوة"[28].
إننا نعتقد و نحن نختم هذا الجزء من البحث عن الاستعمار التقليدي كما مارسته فرنسا في الجزائر من 1830 إلى غاية 1962، أنه من المناسب أن نضع أمام القارئ الرسالة المثيرة الآتية التي بعث بها الدكتور (Seguad) إلى جريدة (Semaphore de Marseille) في مارس 1833 و التي يظهر لنا من خلالها أن الفرنسيين لم يتورعوا حتى عن نبش قبور الأموات لجمع عظامهم و بيعها إلى أحد مصانع تكرير السكر في مرسيليا.
أما نص الرسالة فقد جاء كمايلي :
«لقد علمتُ عن طريق وسيلة عمومية أنه من بين العظام التي تستخدم في صناعة الفحم الحيواني توجد عظام بشرية، فأردت بدافع إنساني أن أرى إلى أي مدى يمكن أن تصدق مثل هذه الإشاعة من أجل ذلك صعدتُ على ظهر السفينة (La Bonne Joséphine) التي كانت تحت قيادة النقيب الفرنسي (Perisola)» القادمة من الجزائر و المحملة بالعظام، لقد تعرفتُ على العديد منها و تأكدت من أنها فعلاً لهياكل بشرية. لقد رأيت جماجم و أذرعاً و عظام فخذ لأشخاص بالغين، تم إخراجها من القبور مؤخرًا، حتى أن اللحم لم يتآكل منها تماماً.
إن أمراً كهذا لا يمكن التسامح معه، و على السلطات المعنية أن تمنع الاستمرار في المتاجرة ببقايا البشر التي قد يوجد من بينها أبطال فرنسيون و أفارقة، لأن هذا الخطر ستكون له فوائد جمة على الصناعة و على السياسة أيضا.
إن فرض احترام الموتى على الناس، سيجعل احتقارهم للأحياء أقل، إن وجود مصانع تكرير السكر لن يكون مهددًا بالعزوف عن منتوجاته في مدينتنا فقط، و لكنه مرتبط أيضا بامتداد هذا النفور إلى كل المدن الأخرى التي تتزود من بضائعنا.
ختاما، فإن سياستنا في مستعمرتنا بالجزائر ستكون أكثر فعالية إذا عملنا على جعل أعدائنا العرب و البدو أقل عدائية. حيث أن علمهم بنبش قبور آبائهم و انتزاع عظامهم منها قد جعلهم أكثر نزوعا إلى التطرف الديني لدرجة لا يتورعون معها أحيانا عن التهام سجناءهم الفرنسيين.
أرجو من سيادتكم التفضل بنشر رسالتي هذه في صحيفتكم»[29].
أن ما يمكن استخلاصه من نص هذه الرسالة أن مائة واثنين وثلاثين عاماً من الاحتلال تمثل في الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري كابوساً فظيعاً ومؤلماً، بل أنها كانت كأنها جهنم فوق الأرض دفع خلالها هذا الشعب مئات الألوف من الشهداء في سبيل الحيلولة دون مسخ قيمه المعنوية والثقافية والروحية سواء من جانب الاستعمار التقليدي أو من طرف دعاة رسالة التمدين. ومع هذا يجب القول أنه عند تحليلنا لتاريخ الشعب الجزائري من 1830 إلى يومنا هذا فإننا لا محالة سنستخلص أنه رغم القمع الدموي الذي مارسته الشرطة والجيش الفرنسيين والذي وصل أحياناً مستوى جرائم إبادة الجنس البشري ، فإن فرنسا لم تتمكن من تشويه المجتمع الجزائري –سياسياً ومعنوياً وثقافياً وروحياً كما فعلته من خلال دعاة رسالة التمدين التي سنعرض لها في ما يأتي من هذا البحث .

([1]): بلاغ وزير الدفاع. المجلة الشرقية و الجزائرية مجموعة الوثائق. العدد الثاني. رقم 3. جويلية 1852. ص 282
Tome deuxieme. Revue Orientale Algérienne Recueille de document

[2] Han.A هان .أ "الأمة في الجزائر" "La nation sur Alger" 1832 أوردها "شارل تاليار" المرجع السابق ص:127.

[3]Dr. Bodichon " الجزائر وأفريقيا" "L’Algerie et l’Afrique" 1847 أوردها "شارل تاليار" "L’Algérie dans la littérature Française" الجزء الأول ص:135

[4] "شارل تاليار" المرجع السابق..

[5] " بيليسيه دي رينو" المرجع السابق الجزء الأول ص:246-247

[6] حقائق جزائرية REALITES ALGERIENNES، صفحة 26)·وثيقة أصدرها حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية "MTLD" جانفي 1953.

[7] بيليسيه دي رينو المرجع السابق الجزء الأول ص:247.

[8] Major.G.B.Laurie. “The French Conquest of Algeria. ص:182-184

[9]المرجع السابق ص: 202.

(*):Rudyard Kipling (1865-1936).

(**): ليس هناك أية معلومات عن هذا الرجل المتوحش المسمى بالجنرال يوسف، بل إنه هو نفسه يجهل تاريخ ومكان مولده، يقول البعض إنه ولد عام 1810 في جزيرة البا الإيطالية، بينما يؤكد البعض الآخر أنه ولد في جنوب فرنسا، والثابت أنه خطف وهو في سن مبكرة خطفه بعض القراصنة وباعوه كمملوك لباي تونس، وبقي يوسف مع العاهل التونسي إلى أن تورط في مشكلة خطيرة تتعلق بمغامرة غرامية، وفي محاولته الفرار من هذا الوضع الذي قد يكون فيه هلاكه، لجأ إلي القنصل العام لفرنسا، السيد ليبس Lesseps الذي يبدو أنه توسم فيه أن يكون سفاحا للشعب الجزائري، ومن ثم وضعه في مركب فرنسي حملته إلى الجزائر في أواخر عام 1830
وفي الجزائر اشتغل الفتى يوسف أولا مترجما في الجيش الفرنسي، وفي هذه المرحلة من حياته المليئة بالمغامرات الدموية، اتصل بالرائد عبد الله عسبون والعقيد حبالي، وكانا مثل معظم المترجمين في الجيش الفرنسي من العرب المسيحيين من مصر ولبنان، وانضم يوسف بعد ذلك إلي الجيش الفرنسي ليساعد سادته الفرنسيين في تنظيم فرقة الجنود المرتزقة المتعطشين إلى الدماء والمعروفين باسم "الزواف" Zuaves، وفي فترة تزيد على عقد من الزمن بقليل استطاع يوسف أن يترقى من جندي بسيط إلى رتبة الماجور جنرال (لواء) وقد اعتنق المسيحية ليتزوج (في يناير 1845) ابنة أخ (أو أخت) الجنرال جيمينا Guilleminat ولكنه لا يدين بشهرته وارتقائه السريع في رتب الجيش الفرنسي إلا إلى الجرائم البشعة التي ارتكبها ضد الشعب الجزائري، كتب كونت ديريزون Comte D'herrison (المرجع السابق، صفحة 11) يقول : "ليس ثمة شيء يمكن أن يخفف من جرائم يوسف"·


[10] " الكونت دوريزن : "صيد الإنسان"" LA CHASSE A L'HOMME" صفحتا 128 ـ 129

([11]):Ferhat Abbas. La nuit Coloniale..P :64

([12]):Charles Tailliart. المرجع السابق:P :53.

([13])أوردها André Prenant.. عن الكونت هاريزون P : 305

([14]): اComte d’Herrison المرجع السابق، ص:11.

([15]):.Bavoux Variste « Voyage Politique Et Descriptif Dans Le Nord D’afrique. Paris. Brock Haus. 1841. أوردها Charles Tailliartالمرجع السابق ص:130-131

([16]):Comte d’Herrison.. المرجع السابق P:134

([17]):André Prenant.. المرجع السابق P :306

([18]):المرجعالسابق.ص:307

([19]):Ferhat Abbas..المرجع السابق ص:66

(*): الحاج موسى بن علي بن الحسين من الزاوية الدرقاوية، مصري الأصل معروف باسم بو حمارة ، قدم إلى الجزائر و استقر في الأغواط ثم استشهد في الزعاطشة.

([20]):Pélissier De Reynaud. «Annales Algérien» tome 3. p :317.

([21]):Algérie Histoire Conquet et Colonisation P :349Paul Gaffarel..

([22]):Charles André Julian..المرجع السابق ص:610.

(*): فوزي مصمودي. "أما آن لنا أن نسترجع رؤوس زعماء ثورة الزعاطشة من متحف باريس". الشروق اليومي. عدد 330. الاثنين 03/12/2001. ص:04.

([23]):Pellissier De Reynaud. Tome : 3. p : 318.

([24]):المرجع السابق ص:..

[25] Achille Fillias l’insurrection des Ouled Sidi Cheikh (1864) Récits Millitaire.P:49-50

[26].Pellissier de Reynaud المرجع السابق ص:168-169. الجزء الثالث.

[27]Paul Gaffarel..المرجع السابق p : 353

[28] Frisch, R.J. (Colonel) Guerre d’Afrique : Guide Annexe des Règlements sur le survice en Campagne et de Manœuvre P51.

[29] Marcel Emerit « l’explotation des Os des Musulmans pour le Raffinage du sucre” Revue d’histoire Maghrebine N° 1( Janvier 1974) PP.11-13


الفصل الثاني


الاستعمار الجديد

المبحث الأول:

رسالة التمدين


إنه من نافلة القول أن نؤكد أن خطر رسالة التمدين يزيد بكثير عن خطر الاستعمار القديم لأنها تتغذى على القيم المعنوية والثقافية والروحية للشعوب المحتلة، كما بين ذلك الأب لندلمان LABBE LANDMANNالذي قال:"ليس ثمة مثال في تاريخ العالم لشعب اندمج في شعب آخر، أي أصبح متجانسا معه دون أن يكون قد تم التغلب عليه أولا في عقائده الدينية وحضارته"[1]·
إن المعنى الذي يمكن استخلاصه من الآراء السابق ذكرها أن جذور رسالة التمدين لا ترجع كما سبق أن ذكرنا إلى الماضي البعيد -إلى الحروب الصليبية -فحسب بل أنها ترجع إلى أبعد من ذلك.. إلى معركة بواتييه سنة 732م.
ويرجع الفضل إلى تحويل النظرية المذكورة إلى سلاح تاريخي واجتماعي فتاك في أيدي العالم الغربي إلى بعض الأوروبيين ذوي البصيرة النافذة، مثل القس العلماني الدومينيكي”بارتولومي دى لاس كازاس Bartolome De Las Casas «(1566 - 1474) هؤلاء الاروبيون ذوو الفكر الثاقب الذين ظهروا في القرنين الخامس عشر و السادس عشر اللذين يمثلان في رأي الكثير من المؤرخين مرحلة حاسمة في تاريخ الحضارة الغربية· قد وهبوا مَلَكَةً عقلية طبيعية تتيح لهم الرؤية البعيدة في المستقبل· هؤلاء الأوروبيون ذوو الرؤية المترامية قد ظلموا أنفسهم لأنهم ارتفعوا فوق مستوى عقول مواطنيهم العاديين الذين لم يفهموهم من ثمة، فأضاعوا بذلك ما يستحقونه من تقدير تاريخي· كان إذن على الأجيال التالية أن تمنح رجالا مثل "لاس كازاس" LAS CASAS صفة أبطال المدنية الغربية الحقيقيين اللامعين، لكي تخصص لهم صفحة في تاريخ العالم الغربي أكثر تألقا من الصفحة التي ملأها المغامرون في البحار والمستكشفون الاروبيون العظام مثل هنري الملاح( Prince Henry The Navigator(1460-1394)، دياز بارثلميو (؟1450-DIAZ BARTHELOMEU(1500، فرانسيسكو بيزارو " (Francisco Bizzaro(1541-1470، فاسكودي غاما(Vasco De Gama(1469-1524، فرناند ماجلان(Ferdenand Magellan(1521-1480)، ارناندو كورتيز Hernando Cortez (1485-1547(ارناندو دوسوت(Hernando De Sotto(1442-1500) وحتى كريستوف كولومبوس Christopher Columbus (1506-1451)
وإذا كان هؤلاء ـ على سبيل المثال ـ قد اكتشفوا العالم الثالث، واستولوا على موارده المادية، الشيء الذي كان له الأثر الأكبر في المزايا التكنولوجية والرخاء الاقتصادي الذي يتمتع بها اليوم أولئك الذين أطلق عليهم اسم "الرجال البيض"، والتي يمتازون بها على شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، هذا الفضل يرجع إلى لا س كازاس Las Casas وغيره من المبشرين الأوروبيين الذين ينتمون إلى طوائف الدومينيكان والفرنسيسكان واليسوعيين[2]· وكان لاس كازاس Las Casas هو الذي تصدى لمحاولات مواطنيه إبادة الجنس الهندي في أمريكا الجنوبية· لقد دافع عن قضية الهنود، لا لأنه رجل محب للبشر، رقيق القلب، كما وصفه بعض المؤرخين،[3] ولكن لأنه يعتقد اعتقادا قويا بأن أوروبا بأوضاعها السيئة، جغرافيا وسكانيا، مقارنة مع آسيا وإفريقيا، تستطيع أن تكفل سلامة حدودها الخارجية وتحافظ في الوقت نفسه على مصالحها المادية التي اكتسبتها في القارتين المذكورتين، وذلك فقط بإنشاء ورعاية طبقة اجتماعية، فريدة من نوعها، مشبعة بالقيم الأدبية والثقافية والروحية الغربية· من ثم ظهر"المستيزوس" Mistizoes الذين يرعون بحرص ويقظة مصالح العالم الغربي وحدوده الخارجية داخل أمريكا اللاتينية وبعض بقاع آسيا مثل جزر الفليبين· ومن ثم ظهر في الوجود أولئك الآسيويون والأفارقة ذوو الطابع الغربي، الذين يخفون وراء بشرتهم السوداء أو السمراء عقلية غربية مخالفة ومناقضة تماما للقيم الأدبية والثقافية والروحية الشائعة في أوساطهم الاجتماعية·
هذا هو باختصار أصل"رسالة التمدين"ونتائجها التاريخية والاجتماعية·لكن الفرنسيين وهم بطبيعتهم"مخلوقات" ذات أحاسيس وعواطف وطنية مفرطة، قد تناولوا ـ على ما يبدوـ هذه النظرية المحددة المعالم وحقنوها بالمزاج الفرنسي النمطي·
ومن بين الفرنسيين الطموحين الذين حاولوا تزييف التاريخ وزعموا إنهم قد ابتكروا نظرية “رسالة التمدين " ؛ نابليون بونابرت Napoleon Bonaparte ·لنستمع على سبيل المثال إلى المذهب المدهش الذي عرضه عام 1804على وزرائه في وقت طبع في ذهنه صورة الجزائر على أنها مستعمرة فرنسية، وذلك قبل أن تغزوها فرنسا بالفعل بثلاثين سنة،[4] "رغبتي هي أن أعيد نشاط نظام الإرسالية الأجنبية، ذلك لأن الارساليات الدينية قد تكون مفيدة لي للغاية في آسيا وإفريقيا وأمريكا، فلسوف أكلفها باستكشاف كل الأراضي التي ستزورها·إن قداسة زيهم لن تحميهم فقط ، وانما تفيد في إخفاء تحرياتهم السياسية والتجارية، ولا يكون مقر رئيس البعثة التبشيرية في روما وإنما في باريس" [5]·
وفضلاعن ذلك مضى الدكتاتورالكورسيكي يشرح لوزرائه “أن المبشرين: لا يكلفون الدولة نفقات كثيرة، ويحظون باحترام البربر، ولما لم تكن لهم صفة رسمية، فإنهم لا يورطون أبدا مركز الحكومة أو يسببون لها أية إهانة، ومن شأن الحماسة الدينية التي تلهم نفوس القساوسة أن تيسر لهم القيام بأعمال ومجابهة أخطار قد تكون فوق طاقة أي مندوب مدني"[6]
غير أنه كانت هناك خطورة واحدة لم يتأت لعملاء نابليون الإمبرياليين المتنكرين أن يتغلبوا عليها، تلك هي معارضة الليبراليين لأنشطتهم التي تنشد الإرشاد والهداية· ويمكن من الناحية النظرية تتبع جذور النزاع الحاد الذي قسم أولئك الذين يعملون على تمدين شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى فريقين متميزين: نعرف الآن أنهما الكاثوليك والليبراليون وذلك بالرجوع إلى القول المأثور عن المسيح عليه السلام "اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله" ولقد تطورت هذه المشكلة اللاهوتية العسيرة التي أضفت على نظرية”رسالة التمدين" وجهتين مختلفتين خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، فأصبحت مسألة ميتافيزيقية تتعلق فيما يخص بتقدم العالم الغربي بانقسام العالم إلى قسمين متساويين، بين الكنيسة والدولة، ويبدو أن حركة الإصلاح الديني قد حلت هذه المشكلة لصالح ملوك أوروبا وأمرائها·
ومع ذلك ، فإن ما أحرزه هؤلاء الحكام الذين أعلنوا حقهم الإلهي في الحكم، إنما هو نصر ظاهري، ذلك لأننا نراهم في القرن السادس عشر يتنازعون مرة أخرى مع الكنيسة حول كيفية توزيع الولاء والموارد المادية للشعوب المقهورة يى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بينهم وبين البابا· واستمر هذا النزاع بين هذين النظامين حتى القرن الثامن عشر، ولم تحل المشكلة أبدا من الناحية النظرية، فنحن نجد ـ علي سبيل المثال ـ بعض الأصوات التي تنادي من داخل الثورة الفرنسية بأنه يجب إلغاء ذكر الله وسائر النظم، واستبدالها جميعا "بعبادة العقل[7]·
وعلى ذلك عملت المسألة الخاصة بـ"كيفية تمدين" بعض قطاعات الشعوب المقهورة في آسيا، وإفريقيا على تقوية النزاع القائم أصلا بين الكنيسة والسلطات الدنيوية· أما الكاثوليك المتحمسون الذين يعتبرون أنفسهم بحق روادا في مضمار "تمدين الغير "فقد وقفوا بعزم وثبات ضد اشتراك السلطات الدنيوية، وبمعنى أدق ضد اشتراك الليبراليين، في "رسالة التمدين"، ليس فقط لأنهم كانوا يفزعون من ازدياد عدد الملحدين في الحضارة الغربية، ولكن لأنهم فوق كل شيء كانوا يعتقدون اعتقادا تاما بأنه ليس ثمة أحد ـ خلاف المبشرين المتحمسين المنكرين لذواتهم ـ يستطيع النجاح عن طريق الكتاب المقدس في تنشئة ورعاية طبقة اجتماعية فريدة ذات طابع غربي في آسيا وإفريقيا· وقد أوضح رأي الكاثوليك في هذا الشأن بإيجاز "لوي فييو LOUIS VEUILLOT "الذي حذر مواطنيه من أنه “طالما لم يكن العرب مسيحيين، فإنهم لن يكونوا فرنسيين، وطالما لم يكن العرب فرنسيين، فإنه لا يوجد حاكم أو جيش يستطيع ضمان استمرار السلام شهرا واحدا"[8] ·
ورد الليبراليون على هذا الرأي بحجة أنه إذا كانالمبشرون قد نجحوا في مهمتهم في أمريكا اللاتينية، وفي بعض المناطق في إفريقيا، وبعض جزر المحيط الهادي، فإنما ذلك لأنهم وجدوا أنماطا فجة من الحضارات، ومن ثم فيجب عليهم أن يحصروا نشاطهم في مثل هذه المناطق من العالم، ويتركوا لليبراليين المناطق المستعبدة في إفريقيا وآسيا، لأنهم وحدهم القادرون، بفضل السلاح الفعال الذي يملكونه على التغلب على المقاومة العنيدة التي تشنها الديانات الإسلامية والبوذية والهندوكية والشنتو ضد امتداد النفوذ الغربي إلى داخل قارتي آسيا وإفريقيا·وهذا السلاح الفعال الذي يأمل الليبراليون في أن يكونأكثر توفيقا من الكتب المقدسة، يتمثل من وجهة نظر اجتماعية، في إنشاء طبقة اجتماعية متغربة في آسيا وإفريقيا، هذا السلاح اسمه "المذهب المادي" فلننظر الآن كيف يعمل هذا السلاح، نظريا وعمليا·
إن أول وأقوى خطوة يتخذها الليبراليون هي تهدئة المجتمعات التقليدية في آسيا وإفريقيا، التي أثارها المبشرون بقوة بكتابهم المقدس وعظاتهم المدوية في أيام الآحاد· هذه الخطوة الأولى، من الناحية الاجتماعية والنفسية، هي حركة ضرورية لا مناص منها· فالمعروف لدى كل إنسان أن التصرف العادي لأي مجتمع يواجه تهديدات أجنبية خطيرة أن يتراجع وينطوي في داخله دفاعا عن نفسه· المجتمع، بعبارة أخرى، لا يتبنى أو حتى يدرس أي شكل من المؤثرات الأجنبية، سواء كان في الإمكان أن تتوافق هذه المؤثرات بسهولة مع ظروفه الخاصة أو لم تكن كذلك طالما كان هناك خطر خارجي واقعي أو وهمي يهدد قيمه الأدبية والثقافية والروحية·
والشيء الذي كان على الليبراليين أن يفعلوه من الوجهة النفسية والاجتماعية لإشاعة الرضا في المجتمعات التقليدية الآسيوية والإفريقية، هو أن يجعلوا السادة الإقطاعيين، والزعماء الدينيين، ورؤساء الطوائف في هذه المجتمعات شركاءهم الصغار في استغلال الشعوب·
لدينا إذن طبقة جديدة من الدمى يقبضون في راحة يدهم اليسرى نقودا فضية وذهبية، وسوطا بيدهم اليمنى· والمقصود بالنقود الفضية والذهبية هو بالطبع جعل السادة الإقطاعيين الجشعين بالفعل، والزعماء الدينيين، والقادة الكبار الفاسدين أكثر جشعا وفسادا· ذلك لأن أحسن طريقة لتشجيع هؤلاء على تحدي ما لابد أن يتعرضوا له من قبل مجتمعاتهم من ازدراء وإعراض هو أن يكتموا صوت ضمائرهم الفاسدة بالفعل بإغرائهم بالذهب والفضة·
أما السوط، فإن الغرض منه، تشجيع هؤلاء الأتباع "الدمى" على أن ينتزعوا ـ غصبا ـ من الجماهير المقهورة أكبر قدر من الموارد المالية التي يحتاج إليها سادتهم الأوروبيون· ويبدو أن"الدمي" القساة يؤدون مهمتهم تلقائيا، لا عن طريق أوامر مباشرة تصدر إليهم من سادتهم الأوروبيين، لأنهم كلما ازدادوا قسوة في إذلال الجماهير المقهورة، ازداد نصيبهم من الربح·
أما الجماهير المقهورة، وهي ليست جاهلة كما يتصورها البعض،فإنها ترد بسخط ونقمة على طبقة "الدمى" التي تكونت· وكانت الجماهيرـ فيما مضى ـ تعتبرها بمثابة قادتها العظام؛ ولكن هؤلاء القادة باعوا أنفسهم ـ أخيرا ـ لليبراليين بثمن بخس أقل من الثمن الذي باع به يهوذا روحه في الليلة التي خان فيها المسيح، كما تحكي أساطير الكنيسة· ومع ذلك، فرغم أن عامة الشعب يرون بأعينهم أن زعماءهم السابقين يسرقونهم فإنهم يظلون ـ كما قد يبدو غريبا على الإفهام ـ مقتنعين بأنهم السادة الحقيقيون في أرضهم ·هذا الوضع الهادئ المترفع، يجد تفسيرا له في المثل القديم الذي يقول: " لا يعيش الإنسان بالخبز وحده" ،معنى هذا بلغة الرجل العادي أن الجماهير المستغلة في آسيا وإفريقيا لا تقاوم بكل طاقاتها المستغلين الأوروبيين وأتباعهم الوطنيين، لأنه من العسير عليهم أن يلحظوا في هذه المرحلة من خضوعهم أية دلالة لخطر يحيق بقيمهم الأدبية والثقافية والروحية التي يعتبرونها أكثر أهمية بالنسبة إلى وجودهم كبشر من مواردهم المالية· ويزداد هذا الشعور الخادع بالأمن خداعا بواسطة بعض الأنشطة الاجتماعية التي يؤديها السادة الإقطاعيون والزعماء الدينيون والطائفيون الفاسدون، ذلك لأن أحسن أسلوب منطقي يستطيع به هؤلاء أن يحافظوا على وصفهم الاجتماعي ويعززوه في نطاق مجتمعاتهم التقليدية التي يظلون مرتبطين بها رغم علاقتهم الخائنة بالمستغلين الأوروبيين، هو أن يقيموا هنا وهناك عددا من المعابد والمساجد، وأن يلقوا من حين إلي حين القليل من فتات الخبز الجاف إلى الفقراء الجائعين الذين يتسكعون حول مزارات هذه الأماكن المقدسة·
وإذ تعتقد الشعوب المقهورة في آسيا وإفريقيا أن ما سلب منها إنما هو مواردها المادية فحسب، فإنها تواصل حياتها بأسلوبها البليد المتراخي، وهي تظن أن السلاسل التي تطوق أعناقها إنما هي ظاهرة مؤقتة، وعندما تستيقظ أخيرا على حقيقة أن قيمها الأدبية والثقافية والروحية لم تكن في أمان كما كانت تعتقد، يكون الأوان قد فات لكي يعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء، ذلك لأن العملية الاجتماعية المحتومة تكون عندئذ قد أنتجت ثمارها: "أصبح شباب المدن غربيين في سماتهم بصورة ينزعج لها كبارهم"[9]
وهكذا كان الليبراليون قادرين في نهاية المطاف على أن يحققوا بسلاحهم الهائل الذي عرفنا بأنه المذهب المادي ـ الهدف المحدد الذي كرسوا أنفسهم لبلوغه، ذلك لأن من أثر الثروات الضخمة التي جمعها السادة الإقطاعيون والزعماء الدينيون ورؤساء الطوائف أن تيسر لهم منح أبنائهم الذكور تعليما غربيا بأمل أن يتمتعوا بحياة أهنأ وأكثر رغدا من الحياة التي عاشوها هم في الزمان الماضي، غير أن الغاية المباشرة التي يستهدفها الشباب الآسيوي والإفريقي المتغرب ليست اقتصادية بطبيعتها، ولكنها بالأحري ضروب من المساواة الاجتماعية والسياسية مع المستوطنين الأوروبيين، إنهم يريدون مثل هذه المساواة لا لأنفسهم فقط وإنما أيضا لشعوبهم، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة في ظنهم التي يستطيعون بها أن يدخلوا المجتمعات الغربية للمساومة معها وهم في وضع قوي·
معنى هذا في الواقع أن الشبان الآسيويين والأفارقة المتغربين لا مناص لهم من أن يصبحوا أعداء ألداء لقيم شعوبهم الأدبية والثقافية والروحية، ذلك لأنهم لا يستطيعون أن يغربوا شعوبهم ويدفعوها معهم إلى المجتمعات الغربية إلا إذا دمروا هذه القيم·
هذا هو الجانب النظري من السلاح المادي الذي قدر الليبراليون بحق أنه سوف ينجح فيما فشل فيه الكتاب المقدس، وسوف نرى في هذا البحث كيف تعمل هذه النظرية التي يمكننا أن نسميها الوجه العصري لنظرية "رسالة التمدين" التقليدية في الواقع العملي في الجزائر·


[1]الأب لندمان L'abbe Landmann "مزارع الأطلس الصغير" Les Fermes Du Petit Atlas 1841،أوردها شارل تايار Charles Tailliart،المرجع السابق، صفحة 135·

[2]رهبنة الفرنسيسكان، تأسست في عام 1209 بفضل القديس فرنسيس الاسيزى1226- St Francis Of Assis(1182)، ويرتدي رهبان هذه الطائفة ثوبا أسود، في حين أسس طائفة الدومنيكان في عام 1206 القديس دومينيك St Dominic 1221-1170)) ويرتدي رهبانها الزي الرمادي أما طائفة الجنزويت (اليسوعيين) فقد أسسها في عام 1534، أو في عام 1539 كما يقول البعض اجناسيوس لوايولا Loyala Ignace 1556-1491) كتب هـ· ج· ويلز H. G wells (the Out Line Of History P .682 ، صفحة 687) "أن القديس فرنسيس قام بالوعظ في مصر وفلسطين دون أن يضايقه المسلمون رغم أن الحملة الصليبية كانت آنذاك جارية.·

[3]لاس كازاس LAS CASAS الذي وصفه ه· ج ويلزH.G Well (المرجع السابق، صفحة 881) بأنه رجل طيب ورحيم للغاية·· "هو نفس الرجل الذي طرأت له الفكرة البارعة، فكرة خطف آلاف الزنوج من إفريقيا بقصد استخدامهم كعبيد بدلا من الهنود الذين لجأوا إلى الهلاك الجماعي في محاولتهم الهروب من الحياة القاسية التي فرضها عليهم الأوروبيين في أمريكا الجنوبية وأدت محاولات لاس كازاس Las Casas لإنقاذ الهنود المعذبين من الإبادة العامة، كما توقع دون شك إلى عملية حيوية واجتماعية معقدة تتضمن زيجات مختلطة بين الهنديات والزنجيات والأوروبيين، مثل هذه الزيجات زودت أمريكا الجنوبية في النهاية بعنصر مهجن، يعرف في الوقت الحاضر باسم "المستيزوس" Mistizoes ·

[4]وفي عام 1808 أرسل نابليونNapoleonالمهندس العسكري الفرنسي >الرائد بوتانBautin" إلى الجزائر في مهمة سرية بقصد رسم خريطة لسيدي فرج لتعيين موقع مناسب لنزول القوات الفرنسية الغازية التي كان نابليونNapoleonيعد العدة لإرسالها إلى الجزائر ، وبقي الرائد بوتانBautinفي الجزائر من 24 ماي إلى 17 جويلية 1808 ثم عاد إلى فرنسا ومعه وثيقة شديدة الأهمية بعنوان"تقرير لمشروع النزول في هذا البلد والاستقرار به نهائيا" ولم تتح لنابليون الفرصة لاستعمال هذه الوثيقة، ولكن قوات الملك شارل العاشر هي التي استعملتها، فقد نزلت بالفعل في سيدي فرج في 14 جوان 1830

[5]هـ· ج· ويلزH.G WELLS،المرجع السابق، صفحة 927

[6]روبير باراRobert Barrat "الكنيسة ضد الاستعمار L'eglise Contre Le Colonialisme"،الاكسبريسL'expressفي 5 من فيفري 1955·

[7]هـ · ج· ويلز H.G WELLS،المرجع السابق، صفحة 907

[8]لوي فييو LOUIS VEUILLOT: "الفرنسيون في الجزائر LES FRANCAIS EN ALGERIE" صفحة 374

[9]هـ ·ج· ويلز H.G WELLS،المرجع السابق، صفحة 1007

المبحث الثاني:

الجذور التاريخية والاجتماعية للجزائريين المتغربين


كتب بيليسييه دورينوPellissier De Reynaud يقول:
"إن المصالح المعنوية المسيحية، ومصالح العالم المتقدم،
هي التي تمثل في الجزائر روح المشروع، أما المزايا المادية
التي يمكن الحصول عليها فإنها تأتي بعد ذلك" [1]

في الإمكان تتبع الجذور التاريخية والاجتماعية للجزائريين المتغربين حاليا، في مسار التاريخ منذ 18جوان 1830 لأنه في هذا اليوم بالذات باع "أحمد بن شنعان"من قبيلة بني جديد نفسه وبلده للغزاة الفرنسيين الذين نزلوا برا عند سيدي فرج في 14 جوان 1830·
وباقتراف هذا العمل الغادر ضد الشعب، العمل الذي سجل بداية عملية تاريخية واجتماعية خطيرة عانى بسببها المجتمع الجزائري عدة أجيال لاحقة، أصبح "أحمد بن شنعان" في الواقع جد الجزائريين المتغربين حاليا[2]·
وكان عدم وفاء أحمد بن شنعان بوعده بالحضور إلى لقاء الجنرال "برتيزين BERTHEZENEكما ذكر "بيليسييه دي رينو Pellissier De Reynaudراجعا في رأينا إلى رد الفعل الشديد الذي أبدته قبيلته، وقد طردته القبيلة، عندما علمت باتصاله بالأعداء، ولعلها كانت تعدمه في الحال لو أنها علمت التفاصيل الكاملة لعمله الغادر الذي ساعدالفرنسيين على تجنب هزيمة عسكرية فادحة، وعلى أن ينزلوا في الوقت نفسه ضربة ساحقة بالقوات الجزائرية والتركية المدافعة[3]
ومع ذلك فشل الفرنسيون ـ الأمر الذي قد يدعو إلى السخرية ـ في إدراك أهمية رجل مثل أحمد بن شنعان، والخدمات العظيمة التي كان في وسعه أن يؤديها إلى قوات الغزو، ولما كان الفرنسيون على جهل تام بالبنيان الاجتماعي للمجتمع الجزائري، ويعتقدون من ثمة أن هذا المجتمع يسيطر عليه تجار مدن أثرياء ينتمون إلى طبقة برجوازية مترفة شبيهة بالكثير من المجتمعات الأوروبية في ذلك الأوان، فإنهم "أي الفرنسيين"نبذوا أحمد بن شنعان وأضرابه باعتبارهم سادة جزائريين إقطاعيين، لا جدوى فيهم، واتجهوا بدلا منهم إلى بعض الشخصيات ذوي النفوذ من سكان المدن مثل "أحمد بوضربة"و"حمدان بن أمين السكة"ولم يدركوا إلا أخيرا بعد أن عانوا الأمرين من النكسات والخسائر العسكرية والسياسية أنهم قد اقترفوا غلطة كبيرة حين اعتقدوا أنهم يستطيعون حكم الجزائر بواسطة طبقة من الدمىيختارونهم من المجتمع الحضري الجزائري· ومن أوائل الذين أدركوا هذا الخطأ الكبير ونسبوه في الوقت نفسه إلى مارشال بيرمون Marechal Bourmont، المؤرخ الفرنسي بيليسييه دورينو[4]
وما فعله الفرنسيون حين اكتشفوا أن أتباعهم من الدمىالبرجوازية لا يستطيعون حتما أن يثبتوا على ظهور جيادهم، ناهيك على السيطرة على قوم أباة عصاة مثل فلاحي الجزائر، هو أنهم حولوا وجوههم صوب الأسر الإقطاعية التقليدية الجزائرية الذين ساعدوا الأتراك في حكم الجزائر بيد حديدية أكثر من ثلاثة قرون، ووجد الفرنسيون أيضا فائدة عملية في أن يكافئوا أتباعهم هؤلاء ويصنفوهم تبعا للرتب الإقطاعية نفسها التي استخدمتها الإدارة الإقطاعية التركية السابقة: خليفة[5]، شيخ العرب، وباش آغا، وآغا وقائد القواد، وقائد·
وكانت الطريقة العادية لأي تابع لهم حتى يفوز بإحدى الرتب الإقطاعية المذكورة التي تكسبه تلقائيا وسام جوقة الشرف، وثروة ضخمة هي استغلال عرق الفلاحين الجزائريين المقهورين ودمائهم، بمعنى أنه يتعين على الدميةالعادية أن يثبت أنه قادر على إبقاء الفلاحين الجزائريين الذين يقيمون في نطاق مقاطعته تحت سيطرة قوية، وينتزع منهم وبوسائل وحشية لا يمكن تصورها كل الموارد المادية التي يحتاجها سادته الفرنسيون، ويجب أن يبقى في حالة تأهب دائم ليخرج مع رجالهفي حملات تأديب وتهدئةضد أي من القبائل الجزائرية القريبة، في حالة ما إذا اعتزمت هذه القبائل اختبار سلطة الدمى المعينين في مناطقهم·· ولا حاجة بنا إلى القول بأن هذه الحملات تزود الخائن الدميةبفرصة فذة يعبر فيها عن امتنانه الكبير لسادته، ذلك لأن مهمته في هذه الحملات لا تقتصر على ذبح المتمردين عمدا وغدرا، وإنما تشمل أيضا قطع آذانهم، وأحيانا رؤوسهم، والعودة بها وهي تقطر دما إلى القواد الفرنسيين وكان هؤلاء على استعداد تام لدفع ثمن كبير نظير آذان الفلاحين الجزائريين المقطوعة الدامية، التي يحفظونها في الملح ثم يرسلونها إلى بيوتهم في فرنسا باعتبارها تذكارا رائعا من قارة إفريقيا العظيمة!!
وليس هناك من الخونة الجزائريين المعروفين برع في قطع آذان مواطنيه الجزائريين مثلما برع بوزيد بن قانة، وأحمد بن محمد المقراني وبوضياف[6]
والمكافأة الأخيرة التي يتلقاها الخائن الجزائري العادي من سادته الفرنسيينحين يكون قد لطخ يده بدماء مواطنيه ونال من ثمة وسام جوقة الشرف وثروة شخصية عظيمةهي اللقب الرمزي "أرقى العائلات Les meilleures familles· "ونذكر من بين السادة الإقطاعيين الجزائريين الذين نالوا هذا اللقب بفضل الخدمات الهامة التي قدموها لسادتهم الفرنسيين: بوزيد بن فانة، وابن أخيه فرحات بن سعيد، ومصطفى بن اسماعيل،وابن أخيه المزرى، وسيدي العربي، وبن حبيلس وأورباح، وتيجاني وحمود ولد سيدي الشيخ، والحملاوي، وعلي بن بواحمد، وجلول فرحات، وبن عيسى، وأحمد بن محمد المقراني، وابنه الثري بدرجة أسطورية الحاج محمد بن أحمد المقراني، ولا ننسى أن نذكر أحمد بن شنعان الذي يستحق أن يسمى عميد الخونة الجزائريين، وقد وسمته قبيلته بالخزي والعار وطردته في أعقاب فعلته الغادرة في 18 جوان 1830، وعثر عليه بعد سنتين دوق دورفيغو Duc De Rovigo هائما على وجهه في منطقة البليدة خوفا على حياته، وكان دوق دو رفيغو Duc De Rovigo الذي يعتبر بشهادة مواطنيه أقسى جنرال فرنسي وطئت أقدامه أرض الجزائر[7]، يعتقد مثل الكثير من ضباطه أن السياسة المنطقية الوحيدة التي ينبغي للجيش الفرنسي انتهاجها كما ذكرنا في الجزائر لحماية المصالح الفرنسية وتعزيزها هي منح مكافآت سخية لكل جزائري يخون شعبه وبلده وحمايته، ومن أجل هذا منح أحمد بن شنعانلقب آغا بعد أن علم باتصاله بالجنرال بيرتيزين Berthezene ، ذلك الاتصال الذي جرى كما ذكرنا في شهر جوان 1830·
ومع ذلك فإنه كان من الأسهل على الدوق دو رفيغو أن يمنح الخائن المذكور لقب آغا من أن يفرضه مع لقبه على سكان البليدةالمتمردين، فالواقع أن هؤلاء السكان قر عزمهم رغم المحنة التي كانوا فيها على مغادرة ديارهم وترك كل شيء خلفهم بدلا من أن يجدوا أنفسهم تحت حكم الفرنسيين من خلال واحد من الدمىالمعروفين مثل أحمد بن شنعان، وكان رد فعل دو ريفيغو على هذا القرار الذي اعتبره تحديا مباشرا لسلطته الشخصية وإهانة لتابعه، أن أمر فورا بالزحف على "البليدة"وتدميرها[8]
ومع ذلك، وعلى الرغم من الحماية البارعة التي حاول الفرنسيون أن يزودوا بها أتباعهم "الدمى" فإنها أخفقت في إنقاذ هؤلاء من سيوف قبائلهم الحادة، هؤلاء الطغاة البغاة الذين كانوا يشكلون كما قلنا العمود الفقري للإدارة التركية الإقطاعية السابقة قضى عليهم الأمير عبد القادر الجزائري في أثناء المقاومة المسلحة المنظمة التي شنها الشعب الجزائري، والتي استمرت من 1832 ـ 1847·
ولكي يعزز الفرنسيون صفوف أتباعهم المتهاوية، كان عليهم أن يتجهوا إلى المرتزقة المتوحشين من منطقة "زواوة"الذين تتوفر فيهم الصفات الطبيعية لنشأة المرتزق، لذلك يجدر بنا أن نحلل بإيجاز المهمة التي كان عليهم أداؤها لأسيادهم الفرنسيين لكي يحصلوا على المال والرتبة الإقطاعية ووسام جوقة الشرف ، والتي يتمتع بها أفراد يعرفون باسم "أرقى الأسر "مثل بن قانا ، ومقراني ، وإضرابهما ·
إن الجنود المرتزقة الجزائريين الذين أصبحوا بمرور الوقت قوة هامة مساعدة للجيش الفرنسي في الجزائر، قد أتوا من بعض العناصر المنحطة في المجتمع الجزائري أو من منطقة زواوة[9] والشيء الذي أثار دهشة الفرنسيين وسرورهم على حد سواء، هو أن هذه المنطقة كانت تتمتع بتقليد ثابت قديم يتمثل في تكوين جنود مرتزقة بارعين وقساة وتأجيرهم بأثمان مرتفعة، مثلما كونت سويسرا في فترة من تاريخها "الحرس السويسري"المشهور، وأجرت أفراده لمختلف ملوك أوروبا وأمرائها، والفاتيكان، وحتى لبعض الأسر القوية في شمال إيطاليا.·
إن الفكرة الوحيدة التي يبدو أنها تسيطر على عقول هؤلاء الجنود، هي أن يصلوا إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يتمتع به الخونة الجزائريون البارزون· والوقت الذي يمضيه الجندي المرتزق حتى يكتسب هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي يتوقف بصفة عامة على قدرته الصمود عند رؤية الدم البشري الذي يتعين عليه أن يريقه بنفسه، والابتسامة تعلو شفتيه كما لو كان طفلا يؤدي عملا لا ضرر منه،وبفضل.هذا الوضع استطاعوا جمع ثروات كبيرة ملطخة بدماء الشعب الجزائري لكي يستطيعوا أن يوفروا لأبنائهم الذكور ثقافة فرنسية وأن يضعوا نتيجة لذلك الأساس لتلك العملية الاجتماعية المحتومة التي انتهت إلى تكوين طبقة جزائرية فريدة من نوعها غربية في سماتها على أنه ينبغي لنا إذا أردنا أن نتجنب الإفراط في التبسيط أن نحلل بالتفصيل الظروف التاريخية والاجتماعية التي تكونت من خلالها هذه الطبقة الاجتماعية.


[1]بيليسييه دو رينو PELLISSIER DE REYNAUD،المرجع السابق، الجزء الثالث، صفحة 31

[2]بيليسييه دو رينو PELLISSIER DE REYNAUD المرجع السابق، الجزء الأول، صفحة 42، 43) من أوائل المؤرخين الفرنسيين الذين ألقوا الأضواء على العمل الغادر الذي اقترفه أحمد بن شنعان،كتب يقول: " في مساء يوم 18 يونيه 1830، توجه بعض العرب سرا لمقابلة الجنرال برتيزين BERTHEZENE،وحذروه من هجوم يقع عليه في اليوم التالي، وكان أحد هؤلاء العرب أحمد بن شنعان من قبيلة بني جديد قال أحمد بن شنعان إن هذه القبيلة تميل كل الميل إلى الفرنسيين، وأضاف أنه سوف يخطر بالأمر نساءه وأطفاله ويهيأ لهم وسائل الأمن وسننتقل بهم إلى صفوفنا، ولم ينفذ ما وعد به، ولكن التحذير بالهجوم كان صادقا، وقد أيدته الأحداث"

[3]فحسب ما يذكر المؤرخ الفرنسي "كانت نتائج معركة سطاوالي (19 جوان 1830) ثلاثة إلى أربعة آلاف إفريقي بين قتيل وجريح، والاستيلاء على خمسة مدافع وأربعة مدافع هاون، والكثير من الماشية، وسبعين أو ثمانين جملا وزعت على الفرق لتحمل الأمتعة، ولم يؤسر إلا عدد قليل من الجند معظمهم مجروحين ومن الجانب الفرنسي لم يصب سوى ستمائة جندي بين قتيل وجريح··" ( المرجع السابق، الجزء الأول صفحة 46)·

[4]قال بيليسييه دو رينو PELLISSIER DE REYNAUD "انطلاقا من المبدأ الذي لا مراء فيه، وهو أنه يتعين استخدام الوطنيين ليمكن بوساطتهم السيطرة على الوطنيين، فقد اعتقد المارشال برمونBURMONT أنه أدى عملا عظيما باختياره عربيا حضريا وتعيينه "أغا" على العرب ولم يفكر في أن هؤلاء العرب يحتقرون أشد احتقار سكان المدن، ثم أضاف إلى هذه الغلطة الأولى غلطة ثانية حين أخذ هذا الأغا من طبقة التجار التي يحتقرها العرب أشد احتقار فليس هناك شعب تتجلى فيه ألوان النفوذ الأرستقراطي مثلما تتجلى في العرب، وقد اتبع القائد لعام في هذا الظروف نصائح أحمد أبو ضربة، ومن أخطائنا التي دامت زمنا طويلا اعتقادنا أننا نستطيع استغلال عرب الحضر، لنمد بهم نفوذنا في بلد ليس لهؤلاء فيه أي نفوذ أو اعتبار، قد يخضع العربي لفرنسي لأنه يسلم له على الأقل بحق الأقوى، ولكن محاولة جعله يخضع لأحد سكان المدن أو التاجر إنما تعني إذلاله بصورة تجعله يعمل بكل قواه على دفع هذه المحاولة (المرجع السابق الجزء الأول، صفحة 99)·

[5]اختار الأمير عبد القادر لقب خليفة، باعتبار هذا اللقب رتبة دينية وعسكرية، ومنحه لكبار ضباطه ذلك لأنه كان ضد فكرة استعمال الرتب الإقطاعية التي كانت تستعملها الإدارة التركية ويقول بيليسييه دو رينو PELLISSIER DE REYNAUD (المرجع السابق، الجزء الثالث، صفحة 396) إنه كان في الجزائر عام 1854 ثلاثة خلفاء، وخمسة باش أغوات وأغا واحد وثلاثة "أعيان" لمقاطعة قسنطينة أما مقاطعة وهران فكان بها ثلاثة خلفاء، و22 أغا وكان القواد على ما يبدو كثيرين، فلم يجد بيليسييه PELLISSIER لزوما لإثبات عددهم.

[6]"في شهر أبريل 1840 اعتزم بن قانا، بعد أن ظل زمنا طويلا في قسنطينة لا يعمل شيئا أن يقترب من الصحراء التي كان حاكما اسميا عليها ومن ثم أرسل إلى الجنرال "جالبي GENENRAL GALBOIS" خمسمائة زوج من الآذان البشرية، وأعلاما وسيفه الذي ثلم كله من كثرة الضربات القوية التي أنزلها بأعدائه على حد قوله، وأعلن بن فانا في رسائله أن هذه الغنيمة الوحشية آتية من نصر أحرزه في "الزاب" على بن عزوز، خليفة عبد القادر وكان لهذا الحديث دوي هائل في إفريقيا، وحتى في فرنسا أحرز به بن فانا وسام جوقة الشرف ومكافأة مالية قدرها 50,000 فرنك " (حوالي 22 مليون فرنك سعر الصرف عام 1955) (بيليسييه دو رينو PELLISSIER DE REYNAUD، المرجع السابق، الجزء الثاني، صفحة 413)، أما بوضياف ومقراني اللذان كانا مثل بن فانا مصممين على الحصول على الثروة ووسام جوقة الشرف، فإنهما كررا في السنة التالية نفس الجريمة الشنعاء، وأرسلا إلى الجنرال جوسفيل General Geusville الذي كان وقتئذ في سطيف "بضعة أزواج من الآذان، مثلما فعل بن قانا في العام الماضي" (المرجع نفسه، الجزء الثاني، صفحة 492)·

[7]انظر شارل اندريه جوليان Charles Andre Julien: "تاريخ شمال إفريقيا Histoire De L'afrique Du Nord"،صفحة 625·

[8]"نهبت الفرق العسكرية المدينة وأنزلت بها خسائر فادحة، وفي اليوم التالي 21 نوفمبر 1832 توجهت كتيبة من الحملة على رأسها الجنرال تريزيل GENERAL TREZIL إلى سيدي الكبير، وهي قرية جميلة تقع في إحدى مضايق جبال الأطلس على بعد نصف فرسخ من البليدة، ونهبت هي الأخرى، ونظرا لأن سكان البليدة لم يستطيعوا حمل الأشياء الشخصية الثمينة فإن الغنائم التي استولى عليها الغزاةكانت كبيرة الأمر الذي صاحب بالضرورة مثل هذا النوع من الحملات" (بيليسييه دو رينو PELLISSIER DE REYNAUD المرجع السابق الجزء الأول ص 256.

[9]إن فرقة زوافZouavesالمشهورة التي أنشأها الجنرال كلوزلGeneral Clauzelفي أول أكتوبر 1830 وعهد بقيادتها إلي كابتن موميهMaumet،سميت كذلك لأن أفرادها قد جندوا أصلا من منطقة زوايا بالقرب من قسنطينة

Abdelbasset Kab 22-01-2009 07:19 PM

رد: أصول الحرب النفسية العقائدية الحقيقية على العالم العربي و الإسلامي تابع ف 2
 
شكرا أخي الفاضل جاري قراءة الكتاب

شافيز 23-01-2009 08:09 AM

رد: أصول الحرب النفسية العقائدية الحقيقية على العالم العربي و الإسلامي تابع ف 2
 
شكرا أخي ...تحياتي .clapclapclap

أرسطو طاليس 25-01-2009 11:57 PM

رد: أصول الحرب النفسية العقائدية الحقيقية على العالم العربي و الإسلامي تابع الفص
 
السلام عليكم
أعتذر لك على دمج الموضوعين والمشاركات، وهو ما يتطلبه التنظيم العام للمنتدى.
وأشكرك على مشاركاتك المتميزى، نحن في انتظار البقية.
تحياتي

شافيز 26-01-2009 08:07 AM

رد: أصول الحرب النفسية العقائدية الحقيقية على العالم العربي و الإسلامي تابع الفص
 
شكرا أخي ،
لقد جزأت الكتاب كما ورد لصاحبه و هذا بهدف جعل القراء يطلعون عليه تدريجيا ... مشكور ثانية .bye1clapicon30


الساعة الآن 07:42 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى