رسالة في ليلة التنفيذ للشاعر المصري هاشم الرفاعي(1935-1959)
رسالة في ليلة التنفيذ أبتاه ماذا قد يخط بناني *** والحبلُ والجلاَّدُ ينتظران هذا الكتاب إليك من زنزانةٍ *** مقرورة صخريةِ الجدران لم تبقَ إلا ليلة أحيا بها *** وأحسُّ أنَّ ظلامها أكفاني ستمرُّ يا أبتاه لست أشك في*** هذا وتحملُ بعدها جثماني * * * الليل من حولي هدوءٌ قاتلٌ***و الذكريات تَمُور في وجداني و يَهُدُّني ألمي فأنشد راحتي***في بضع آيات من القرآن والنفسُ بين جوانحي شفافةٌ *** دبَّ الخشوع بها فهزَّ كياني قد عشت أُومِنُ بالإله ولم أذقْ ***إلا أخيرا لــــــذةَ الإيمان * * * والصمت يقطعه رنينُ سلاسلٍ *** عبثتْ بِهنَّ أصابع السّجّان مابين آونة تمر وأختها *** يرنو إلي بمقلتيْ شيطان من كوةٍ بالباب يرقُب صيده*** و يعود في أمن الى الدَّورَان أنا لا أحس بأي حقدٍ نحوه*** ماذا جنى فتمسُّه أضْغاني هو طيِّبُ الأخلاق مثلك يا أبي*** لم يبد في ظمأ إلى العدوان لكنَّه إن نام عني لحظةً ***ذاق العيالُ مرارة الحرمان فلربما ــ وهو المروع سحنة ***لو كان مثلي شاعرا لرثاني أو عادـــ من يدري ـــ إلى أولاده***يومًا، تذكر صورتي فبكاني وعلى الجدار الصلب نافذة بها *** معنى الحياة غليظة القضبان قد طالما شارفْتُها متأملاً ***في السائرين على الأسى اليقضان فأرى وجومًا كالضباب مصوّرًا***ما في قلوب الناس من غليان نفس الشعور لدى الجميع وإن همُ ***كتموا.. وكان الموت في إعلاني ويدور همسٌ في الجوانح:ما الذي ***بالثورة الحمقاء قد أغراني؟ أو لم يكن خيرًا لنفسي أن أُرى...***مثل الجموع أسير في إذعان؟ ما ضرني لو قد سكتُّ وكلما***غلب الأسى بالغتُ في الكتمان؟ هذا دمي سيسيل يجري مُطفئا***ما ثار في جنبيَ من نيران وفؤادي الموّار في نبضاته *** سيكف من غده عن الخفقان والظلم باق.. لن يحطِّم قيدَه *** موتي ولن يودي به قرْباني ويسير ركب البغي ليس يَضيره *** شاةٌ إذا اجتثت من القطعان؟ * * * هذا حديث النفس حين تشِفُّ عن *** بشريتي وتمور بعد ثوان وتقول لي :إن الحياة لغاية***أسمى من التصفيق للطغيان أنفاسُك الحرَّى وإن هي أُخمدت *** ستظل تغمر أفْقَهم بدخان وقُروح جسمك وهو تحت سياطهم ***قسمات صبحٍ يَتَّقيه الجاني دمعُ السجين هناك في أغلاله ***ودمُ الشهيد هنا سيلتقيان حتى إذا ما أُفعمت بهما الرُّبا***لم يبق غير تمردِ الفيضان ومن العواصف ما يكون هُبوبها***بعد الهدوء و راحة الربان إن احتدام النار في جوف الثرى***أمرٌ يُثيرُ حفيظةَ البُركان وتتابعُ القطرات ينزل بعده***سيلٌ يليه تدفق الطوفان فيموجُ يقتلع الطغاةَ مزمجرًا***أقوى من الجبروت والسلطان * * * أنا لست أدري هل ستُذكَر قصتي***أم سوف يعدوها رحى النسيان؟ أوأنني سأكون في تاريخنا***متآمرا أم هادمَ الأوثان كل الذي أدريه أنَّ تجرُّعي***كأس المذلة ليس في إمكاني لو لم اكن في ثورتي متطلبا***غير الضياء لأمتي لكفاني أهوى الحياة كريمةً لا قيدَ لا ***إرهاب ،لا استخفاف بالإنسان فإذا سقطْتُ سقطت أحمل عزتي***يغلي دمُ الأَحرار في شرياني * * * أبتاه إنْ طلع الصباح على الدُّنا*** وأضاء نورُ الشمس كل مكان واستقبل العصفور بين غصونه***يومًا جديدًا مشرقَ الألوان وسمعتَ أنغام التفاؤل ثرَّةً *** تجري على فم بائع الألبان وأتى يَدقُّ كما تعوَّد بابَنا *** سيدقُّ باب السجن جلادان وأكون بعد هُنَيَّة متأرجحا *** في الحبل مشدودًا إلى العيدان ليكن عزاءك أن هذا الحبل ما *** صنعته في هذي الربوع يَدان نسجوه في بلد يشع حضارةً *** وتضاء منه مشاعلُ العرفان أو هكذا زعموا...وجيء به إلى *** بلدي الجريح على يدِ الأعوان أنا لا أريدك أن تعيشَ محطَّما *** في زحمة الآلام والأشجان إن ابنك المصفود في أغلاله *** قد سِيقَ نحو الموت غير مدان فاذكر حكاياتٍ بأيام الصِّبا ***قد قلتَها لي عن هوى الأوطان واذا سمعتَ نشيج أمي في الدُّجى ***تبكي شبابًا ضاع في الرّيْعان وتكتِّم الحسرات في أعماقها ***ألمًا تُواريه عن الجيران فاطلبْ إليها الصفح عني، إنني*** لا أبتغي منها سوى الغفران مازال في سمعي رنينُ حديثها *** ومقالها في رحمةٍ وحنان أبُنَيَّ، إني قد غدوت عليلةً *** لم يبق لي جلدٌ على الأحزان فأذقْ فؤاديَ فرحةً بالبحث عن***بنتِ الحلال ودعك من عصياني كانت لها أمنية ريانة*** يا حسن آمال لها وأماني! و الآن لا أدري بأي جوانحٍ *** ستَبيتُ بعدي أم بأي جنان؟! * * * هذا الذي سطّرْتُه لك يا أبي ***بعض الذي يجري بفكر عان لكنْ إذا انتصَر الضياء ومُزِّقَت***بيد الجموع شريعةُ القرصان فلسوف يذكرني ويكبر همتي ***من كان في بلدي حليفَ هوان وإلى لقاءٍ تحت ظل عدالةٍ****قدسيةِ الأحكامِ والميزان |
الساعة الآن 08:23 PM. |
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى