إله آينشتاين
قد يكون (آينشتاين) غنيا عن التعريف للكثيرين، فهو من أبرز علماء الطبيعة في القرن العشرين، و هو صاحب النظرية النسبية بشقيها الخاص و العام التي حار العلماء في فهمها أكثر من ثلاثة عقود و التي تنبأت بأن سرعة الضوء (التي تبلغ حوالي 300 ألف كيلو مترا في الثانية الواحدة) هي أقصى سرعة يمكن أن يبلغها أي جسم مادي في الكون، و أنه لو افترضنا أن جسما قد بلغ هذه السرعة حقا، لتوقف الزمن كليا بالنسبة له، بمعنى أن يكون بإمكانه رؤية الماضي و الحاضر و المستقبل في آن واحد، و أن المادة ما هي إلا شكل مركز من أشكال الطاقة، و بالتالي يمكننا تحويل المادة إلى طاقة و العكس بالعكس وفق معادلته الشهيرة التي تقول؛ أن الطاقة المخزونة في كتلة مادية معينة، تساوي حاصل ضرب الكتلة المادية المعتبرة بمربع سرعة الضوء. و هذا ما يحدث فعلا في المفاعلات النووية و من خلال انفجار القنابل الذرية و النووية، و هي الطريقة التي تنتج بها الشمس الطاقة التي تبثها باستمرار.
ليس هذا فحسب بل لقد ضرب آينشتاين بنظريات نيوتن المتعلقة بالجاذبية عُرض الحائط، و بين أن ما نسميه بالفضاء الكوني ما هو إلا نسيج مرن من نوع ما يمكن تشبيهه ب (الترامبولين)، هذا النسيج يتعرض للانحناء بتأثير الكتل المادية الكبرى كالشمس و النجوم و الكواكب فيؤدي ذلك إلى تشكل ممرات و دهاليز حول هذه الكتل تدور فيها توابعها من كواكب أو أقمار ذات كتلة أصغر من الجرم الأم. ما زالت نتائج نسبية آينشتاين تثبت صحتها يوما بعد يوم حتى يومنا هذا، فقد أدى اكتشاف أمواج الجاذبية الكونية مؤخرا إلى إثبات حقيقة ما تخيله آينشتاين حول طبيعة الفضاء الكوني المرن. هكذا نجدنا أمام فكر موسوعي متكامل، لكنه، و للأسف يأخذ بالعرج عندما يتطرق إلى الحديث عن الأديان، و لا ضير في ذلك إذا أخذنا بالاعتبار أن الأديان التي يتحدث عنها قد بنيت على أفكار مشوهة تتنافى و العقل بشخصنتها لله و علاقته بالطبيعة و الإنسان، و التي وضعته في الفخ الذي سقط فيه الفيلسوف الشهير اسبينوزا من قبله. هذا الفيلسوف الذي يقول آينشتاين عنه: أنا أومن بإله اسبينوزا* يقول آينشتاين: "أثناء قراءتي لكتاب “كانت”، بدأ شكي في كل ما تعلمته. لم أعد مؤمناً بإله الإنجيل، وإنما بالإله الغامض الذي تعبّر عنه الطبيعة". فإله الإنجيل الذي يشير إليه ليس سوى حاكم على صورة إنسان مذكر يجلس على عرش وراء النجوم و يدير شؤون العالم بمزاجية كما يعتقد الكثيرون، أضف إلى ذلك عقائد التثليث و الفداء و الصلب التي أضيفت إلى المسيحية السمحاء على يد (بولس الرسول) بعكس الرؤية القرآنية التي تقول أن الله "ليس كمثله شيء"، و أن من صفاته تعالى الوحدانية و العدل و الرحمة ... . و يقول: "العلم لا ينتهي أبداً لأن العقل البشري يستخدم جزءا صغيرا من سعته، كما أن استكشاف الإنسان لعالمه محدود أيضاً". انظر قوله تعالى: " وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا "- الإسراء (85) " عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "- العلق (5) و يقول: "وليس هناك فوضى في الخلق. لو لم يكن لدي إيمان كامل في تجانس الخلق، لما حاولت لمدة ثلاثين عاماً أن أعبّر عنه في صيغة رياضية". انظر قوله تعالى: " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ "- القمر (49) و يقول: "إن وعي الإنسان بما يفعله بعقله هو فقط ما يرفعه عن الحيوانات، ويمكنه من الوعي بنفسه وبعلاقته مع الكون". انظر قوله تعالى: " أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا" - الفرقان (44) و يقول: "أعتقد أن لدي شعور ديني كوني. لم أفهم قط كيف يمكن للمرء أن يشبع ذلك الشعور عن طريق الصلاة لأشياء محدودة. إن الشجرة التي بالخارج هي الحياة، والتمثال ميت. إن الطبيعة كلها حياةـ والحياةـ كما أراها ترفض فكرة أن الإله يشبه الإنسان". انظر قوله تعالى: " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ"- الرحمن يقول آينشتاين: "يحتاج العالم إلى دوافع أخلاقية جديدة، والتي أخشى أنّ الكنائس لن تعطينا إياها، ولن توصلنا إلى تسوية كما لم تستطع على مدى قرون. ربما يجب أن تأتي هذه الدوافع من علماء يسيرون بنهج غاليليو، وكيبلر و نيوتن. الدين والعلم يتماشيان معا كما قلت سابقا، العلم بدون الدين كسيح والدين بدون العلم أعمى هما يعتمدان على بعضهما ولديهما هدف مشترك – البحث عن الحقيقة. لهذا السّبب من السّخف أن يجرّم جاليليو أو دارون أو علماء آخرون. وبالتساوي إنّه من السخف أن يقول العلماء أنّه لا يوجد إله. فالعالم الحقيقي لديه إيمان، هذا لا يعني أنه يجب أن يتبع عقيدة. من دون الدين لا يوجد إحسان. فالروح التي أعطيت لكل واحد منا تتحرك بنفس الروح الحية التي تحرك الكون". لم يقف أينشتاين؛ و من ذكرهم من علماء أفذاذ و غيرهم كثيرون؛ عند قضايا المسيحية المبهمة حينا و المتناقضة مع العلم حينا آخر و قال: علينا التوفيق بين النص و العقل، فذهب يلوى النصوص لتتفق مع العقول، أو ادعى بأن العقل هو القاصر عن فهم النص فأخذ النص و ترك العقل، بل طرح النص جانبا عند إدراك أول تصادم له مع العقل، و منذ أن تنكرت الكنيسة للعلم و العلماء في القرون الوسطى و نكلت بهم و أحرقتهم أحياء، صار العلم هو دين الغرب فتمسكوا بهذا الدين و فلحوا و أقاموا حضارة بلغت شأوا بعيدا في التقدم و الازدهار المادي، لكنها أهملت النواحي الروحية فأصيبت بالعرج، بعكس الحضارة الإسلامية التي أينعت ثمارها في العصور الوسطى و أنتجت علماء مرموقين من أمثال الرازي و ابن سينا و ابن رشد و ابن النفيس و ابن حيان و الكندي و الفارابي و ابن الهيثم ... حضارة توازن بين التقدم العلمي و الرقي الإنساني و الروحي و توظف العلم في خدمة الإنسان و رفاهيته. " ... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ "- فاطر (28) روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ضمن حديث طويل: " إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم ". لنستمع إذا بتأنٍ إلى ما يقوله آينشتاين بعد هذه المقدمة الوجيزة: اقتباس:
رابط الوثائقي (بالانجليزية) تحت عنوان How Einstein Saw the World *. إله اسبينوزا: نجد في فلسفة (اسبينوزا) ثلاث كلمات محورية و هي: جوهر و يعني بها حقيقة العالم الأساسية الثابتة، و قوانين العالم. و صفة و هي مظهر من مظاهر الجوهر، كالفكر و الاتساع. و عَرَض، و هو شيء معين أو حادث أو فكرة، ففي الكون قوة خالقة يسميها اسبينوزا الجوهر "الله" و فيه أشياء مخلوقة و هي الأعراض أو العالم تربط بينهما الصفة التي هي القوانين التي تنظم العالم، و هذا الكون المتماسك من الأعراض المتغيرة من الله بمثابة الجسر: تصميمه هو كلمة الله أو جوهر العالم، و تماسكه و دوامه يقوم على القوانين الرياضية و الميكانيكية التي بني على أساسها بأمر الله، فقوانين الطبيعة الخالدة و إرادة الله اسمان لحقيقة واحدة و بالتالي فإن جميع الأحداث التي تقع في العالم ما هي إلا نتيجة مباشرة لإرادة الله المتمثلة في هذه القوانين، و الله ليس حاكما على صورة إنسان مذكر يجلس على عرش وراء النجوم كما يعتقد الكثيرون، إنه ليس كمثله شيء نعرفه، و لكي نكون مؤهلين لمثل هذه المعرفة يجب أن نكون آلهة نحن أنفسنا، إنه الوعي و الإدراك المنتشر في أرجاء الزمان و المكان و يعطي الوجود معناه الأبدي. |
رد: إله آينشتاين
السلام عليكم .
سأل انشتاين في الكثير من المرات ان كان متدينا حتى انه مل من هذا السؤال المكرر .فقد اجاب مرة فقال ""نعم يمكنك ان تقول هذا ،حاول ان تخترق اسرار الطبيعة بوسائلنا المحدودة فسوف تجد انه يوجد فوق كل نطاق كل القوانين والعلاقات التي ندركها شيئ غامض و يدرك ولا يمكن تفسيره وان ديانتي هي تعظيم هذه القوة الموجودة فوق نطاق اي شيئ يمكننا فهمه،وبهذا اكون متدينا بالفعل."" وقد لخص مفهوم الايمان انه ذلك الشعور بانه يوجد وراء اي شيئ يمكن الشعور به ولا تستطيع عقولنا ادراكه ولا يصلنا جمال وسنائه "". لا تنسى انه يهودي الاصل،وقد مر بمرحلة دينية سعيدة في صغره كما وصفها قبل ان يتمرد عليها ، |
رد: إله آينشتاين
اقتباس:
فعلا هذا هو المحور الذي تدور حوله أفكار آينشتاين الدينية و الإلهية، و هو يختلف نهائيا عن المفاهيم الأصولية في الديانة اليهودية التي تشخصن الله. شكرا على مرورك الذي أغنى الموضوع مع عاطر التحية. |
الساعة الآن 03:23 PM. |
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى