منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   منتدى الاقلام المتميزة (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=111)
-   -   آيا صوفيا... القرار وازدواجية اللغة ... بقـــــــــــــلم الأســـــــــتاذ اليزيد عياش ... (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=389477)

اليزيد عياش 17-07-2020 06:35 PM

آيا صوفيا... القرار وازدواجية اللغة ... بقـــــــــــــلم الأســـــــــتاذ اليزيد عياش ...
 
آيا صوفيا... القرار وازدواجية اللغة ... بقـــــــــــــلم الأســـــــــتاذ اليزيد عياش ... تربية بدنية
التاريخ الاسلامي مليء بالكثير من الأحداث التاريخية عبر مر الأزمان التي مر بها ، ففيه من الأحداث ما يصور الحقبة الناصعة والمشرقة من تاريخ هاته الامة وفيه ما يدلل على تقهقر الأمة وانتكاسها ، ومن جملة هاته الاحداث السوداوية في تاريخنا نجد على سبيل المثال لا للحصر تعرض الأمة للحملات الصليبية تحت قيادة ودعوة الباباوية الكاثوليكية بداية من أواخر القرن الحادي عشر الميلادي وبالتحديد من سنة 1096م ، والتي أودت في الاخير الى سقوط الكثير من المدن والأراضي في يد هؤلاء الإفرنج الغاصبين ، وتأتي على رأس هاته المدن مدينة بيت المقدس المباركة التي كانت من بين الدوافع الرئيسية لهاته الحملات الصليبية على العالم الاسلامي ، بحيث كان سقوطها ابان الحملة الصليبية الأولى سنة 1099م ، اضافة الى هذا نجد ايضا الغزو الهمجي التتري الكاسح على الأمة بداية من سنة 1219م ، والذي أودى الى حد اسقاط الخلافة العباسية في بغداد على يد القائد المغولي هولاكو سنة 1258م وانتقالها للقاهرة تحت قيادة المماليك ، مع ارتكابهم لأبشع المجازر في حق المسلمين وسقوط الكثير من الأمصار الاسلامية في أيديهم ، كما أن حدث سقوط الاندلس ونهاية التواجد الاسلامي في شبه الجزيرة الآيبيرية ( البرتغال واسبانيا ) سنة 1492م لا يقل سوداوية وتراجيديا عما سبقه من الأحداث السابقة التي ذكرناها ، لكن يوجد الى جانب كل هاته الأحداث السوداوية التي مرت بها الأمة أحداثا أخرى تحمل في طياتها الكثير من صور العز والمجد المشرق التي صنعها أسلافنا العظماء ، والتي ما كانت لتكون لهم لولا عظمة الرسالة التي كانوا يحملونها ويودون نشرها للعالم أجمع ، هاته الأخيرة استطاعوا بفضلها ان يملكوا قلوب الناس قبل عقولهم ، ومن هاته الأحداث المجيدة في تاريخ هاته الأمة نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر: فتح بلاد فارس أو اسقاط الامبراطورية الساسانية سنة 651 م ، واسترداد المسجد الاقصى من يد الامبراطورية الرومانية البيزنطية سنة 637 م في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فتح الأندلس على يد القائد المسلم طارق بن زياد رحمه الله سنة 711م ، فتح القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد خان الثاني بن مراد الثاني الملقب بالسلطان الفاتح في 19 مايو 1453 م ، هذا الاخير سيكون موضوع مقالنا الذي سنتطرق فيه للحديث عن الخلفية التاريخية لحقيقة هذا الفتح العظيم وعن التداعيات السياسية والدينية والحضارية للقرار الاخير الذي اتخذه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخصوص اعادة الصرح المسمى بآيا صوفيا الى حظيرة المعالم الإسلامية ككونه وقف للمسلمين ( مسجد ) بقرار من طرف فاتح هاته الاراضي السلطان العثماني السابع محمد الفاتح رحمه الله ، الى جانب ذلك سنتطرق ايضا في مقالنا الى الهجمة الشرسة من طرف الغرب بمختلف مكوناته المذهبية ( الكاثوليك والارثوذكس والبروتستانت ) على هكذا قرار ، خاصة ازدواجية اللغة التي يتبعها هؤلاء ضد غيرهم من الأجناس الاخرى في تحليل الامور وقراءة الأحداث المختلفة التي تحدث هنا وهناك في مختلف بقاع وأمصار العالم بعيدا عن كل موضوعية وعقلانية تتفق عليها كل الأجناس في مواثيقها وعهودها المبرمة أو أعرافها المتعارف عليها فيما بينها ، مما اضطرنا الى كتابة هذا المقال لعلنا نساهم بشكل بسيط في اظهار الحقيقة وكشف اللبس الدائر والمثار حول هذا القرار الذي اتخذه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعيدا عن كل شعبوية أو بروباغندا تخدم طرفا على حساب طرف آخر .
كل مطلع على التاريخ الاسلامي يعلم أن الصراع بين الاسلام والصليبية العالمية لم يكن وليد أمس ، بل يمتد الى بدايات عهد دولة الاسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال الغزوات التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه ضد الروم البيزنطيين كغزوة تبوك (8 ه – 629م ) ، ثم غزوة مؤتة (9 ه – 630 م) التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حاضرا فيها ، واستمر ذلك في عهد الخلافة الراشدة خاصة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موقعة اليرموك مثلا سنة 633 م ، وعثمان بن عفان رضي الله عنه في موقعة ذات الصواري مثلا سنة 31هجرية ، الا ان هذا لم يتوقف بعد نهاية عصر الخلافة الراشدة ونظام الشورى وبداية عصر الخلافة العاضودية مع الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية وصولا الى الخلافة العثمانية ، هذه الاخيرة تأسست من طرف عثمان بن أرطغرل بداية من سنة 1299 م ، والتي استمر حكمها لأزيد من 600 سنة تخللها الكثير من الأحداث الكبيرة من بينها تحقق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية في زمانها ، حين قال عليه الصلاة والسلام :" لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الملك ملكها، ولنعم الجيش ذلك الجيش " رواه أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك ، هذا الفتح الذي تحقق كما ذكرنا آنفا على يد السلطان السابع محمد خان الثاني بن مراد الثاني الملقب بالسلطان الفاتح بعد حصار للمدينة دام 54 يوما استطاع بعدها السلطان فتحها بتاريخ 29 مايو 1453 م ، وبذلك نال هو وجيشه شرف بشرى ونبوءة سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه ، علما أن مدينة القسطنطينية هي بمثابة عاصمة الإمبراطورية البيزنطية التي اشتقت اسمها من مؤسسها الامبراطور قسطنطين الأول ، هذا الاخير قام بنقل العاصمة عام 324 م من نيقوميديا الواقعة في الأناضول الى بيزنطة على ضفاف البوسفور وتحولت الى اسم القسطنطينية التي كانت تحوي على معالم كثيرة منها الكاتدرائية الارثوذكسية آيا صوفيا التي قام بتشييدها كل من المهندسين ايزيدوره وانتميوس في الفترة ما بين (532 م – 537 م ) بأمر الامبراطور جستنيان الأول ، والتي صارت بعدها رمزا دينيا لأتباع المذهب الارثوذكسي اينما وجدوا الى غاية الحملة الصليبية الرابعة سنة 1204 م أين تعرضت القسطنطينية للغزو من طرف قادة الحملة وجيوشهم والاستقرار بها ، وخلال هاته الفترة قام الصليبيون الكاثوليك بتحويل كاتدرائية آيا صوفيا الارثوذكسية الى كاتدرائية كاثوليكية واستمر بها الحال كذلك الى غاية 1261 م لتعود بعد ذلك الى سابق عهدها ككاتدرائية ارثوذكسية بعد ذهاب سيطرة الكاثوليك وعودة الارثوذكس للحكم مرة أخرى ، وبقيت كذلك حتى وقع الفتح الاسلامي اثناء الخلافة العثمانية للقسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح سنة 1453 م بعد حصار وقتال شديدين ، أين قام هذا الأخير بعد تحقيقه للنصر بتأميم هاته الكاتدرائية الارثوذكسية آيا صوفيا وجعلها وقفا للمسلمين ، بحيث حولها الى مسجد له خمس قباب كبيرة رئيسية، ست مآذن، وثمان قباب صغيرة. وبقيت كذلك الى أن سقطت الخلافة العثمانية في 23 أكتوبر 1923 م أين صعد بعدها تيار علماني بقيادة كمال أتاتورك ، هذا الأخير كان أداة طيعة في يد القوى الإمبريالية أنداك وعلى رأسهم الامبراطورية البريطانية العظمى والصهيونية العالمية ، بحيث عمل كل ما بوسعه من أجل تغيير هوية تركيا الاسلامية الى هوية غربية ، من خلال مجموعة من ممارسات عدائية تجاه كل ما هو اسلامي ، ومن هاته الممارسات نجد قيامه بتغيير مسجد آيا صوفيا الى متحف للإنسانية سنة 1935 م استرضاء لسادته الغرب واستمر الحال كذلك الى ان ظهر تيار اسلامي الى الواجهة التركية واستطاع بعد نضال سياسي كبير من الوصول الى سدة الحكم بزعامة حزب الحرية والعدالة ، هذا الحزب الذي استطاع في ظرف وجيز من تغيير وجه تركيا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني مما مكنه من كسب تأييد عارضة شعبية كبيرة مما أعطاه أكثر قوة وجرأة في اتخاذ القرارات وآخرها قرار اعادة متحف آيا صوفيا الى ما كان عليه سابقا كمسجد وقف لكل المسلمين ، وكرمز يتحدث عن حقبة تاريخية مميزة من تاريخ الاسلام المجيد ، هذا القرار الذي خلق من وراءه تداعيات سياسية من خلال الحملة الشرسة من طرف القوى السياسية الصليبية الحاقدة على الاسلام ومن والاهم من بني جلدتنا الذين لهم خصومات سياسية واقتصادية وعسكرية وقومية ومذهبية مع القادة السياسيين الاتراك ، لذا ان سلمنا بالدوافع الدفينة التي حركت الصليبية والصهيونية الحاقدتين على الاسلام ، فالمؤسف هو ما نلحظه من ردود أفعال من هم محسوبون انهم من بني جلدتنا على هكذا قرار كان من المفروض أن يسعد المسلمين كافة من الخليج الى المحيط لما له من رمزية دينية وحضارية وصفعة قوية لأعداء هاته الأمة من الصليبية والصهيونية العالمية ومعتنقي العلمانية والديانة الانسانية من بني جلدتنا من الخونة والمرتزقة لديهم ، ولهؤلاء المسبحين باسم الغرب الصليبي نقول لهم انظروا الى ازدواجية اللغة التي يمارسها الغرب الصليبي الحاقد على الاسلام ومن والاهم منا تجاه مختلف القضايا المشتركة بيننا ، أي تعامله بازدواجية في قضايا متشابهة تجمعنا ، فمثلا هذا الغرب الذي يرى في هذا القرار انه قرار فيه تجن على ارث من مواريث الانسانية المشترك ، وانه ايضا تعد على الديانات واحياء لصراع الاديان والحضارات ، نقول له بالفم المليان ماذا عن الارث الذي تركه المسلمون عندكم ؟ ، ماذا عن ارث الاندلس مثلا عندكم ؟ ما الذي فعلتم به ؟ هل تركتموه كما كان احتراما لمشاعر المسلمين ومقدساتهم كما تدعون اليوم ؟ ماذا عن مسجد قصر الحمراء بالأندلس الذي شيده الملك أبوعبد الله محمد الأول بن الأحمر في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي الذي حولتموه بعد طردكم للمسلمين منها الى كنيسة " سانت ماريا " ؟ ، وماذا عن مسجد قرطبة الكبير الذي شيده الملك ابو عبد الله محمد الأول سنة 754 م الذي حولتموه الى كاتدرائية
" مريم العذراء " ؟ ، وغيرها كثير لا يكفي المقال لعدها كلها ، الى هؤلاء نقول أن ما قرره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قرار عودة متحف آيا صوفيا الى سابق عهده كمسجد يرفع فيه الآذان بتاريخ : 10يوليو 2020م له من الرمزية ما له لكل مسلم غيور على دينه ومقدساته وتاريخه بغض النظر عن خلافاتنا مع الرجل ، كما أنه زاد من فضاحة هذا الغرب وازدواجية معاييره في التعامل مع القضايا الانسانية المشتركة وفضح كل من يدافع عن انسانيته وديمقراطيته ومعاييره المزيفة ، كما أؤكد لكم أن هذا القرار سيظل غصة في حلق كل حاقد عن الاسلام وأهله من أعداء هاته الأمة واعوانها من الخونة والشواذ فكريا وعقائديا من بني جلدتنا، بالمقابل هو نصر للإسلام والمسلمين وللأمة جمعاء مستئنسين في الختام بقول الله تعالى في محكم تنزيله : " يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " سورة التوبة – الآية 32 .


الساعة الآن 02:59 PM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى