أهجى بيت قالته العرب 2
قال ابن عبد ربه الأندلسي ـ [ المتوفى سنة 328هـ = 940م ] , في كتابه " العقد الفريد " ـ :
" وقالوا: أهجى بيت قالته العرب قول جرير: والتَّغْلبيّ إذا تَنَحْنح للقِرَى *** حكَّ آسْتَه وتمثَّلَ الأمْثَالاَ ولما قال جرير هذا البيت قال: والله لقد هجوتُ بني تَغلب ببيت لو طُعنوا في أستاههم بالرِّماحِ ما حكّوها ". أهـ وذكر في موضع ثاني من الكتاب : " وقالوا: أَهجى بيت قالْته العرب قولُ الطرمّاح بن حَكيم : تميم بطُرْق اللؤمٍ أهدَى من القَطَا *** ولو سَلكتْ سُبْلَ المَكارم ضَلَّت ولو أنّ بُرْغوثا على ظهر قَملة *** رأتْه تميمٌ يوم زحْفٍ لولّت ولو أن عُصفوراً يمُد جناحَه *** لقامت تميمٌ تحتَه واستظلّتِ وقال بعضُهم: قولُ جرير في بني تَغلب: والتّغلبيّ إذا تَنحنح للقِرَى *** حكّ آستَه وتمثّل الأمثالاَ ويقال: قولُه: قومٌ إذا اْستَنْبح الأضيافُ كلبَهُم *** قالوا لأمهم بُولِي على النّار ".أهـ وقال ابن حبان البستي ـ [ المتوفى سنة 354هـ = 965م ] , في كتابه " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ": " سمعت محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول: سمعت محمد بن صالح الوركاني يقول : قيل للنضر بن شُميل : أي بيت قالته العرب أسخى؟ . قال: الذي يقول: فلو لم تكن في كفِّه غيرُ روحه *** لجادَ بها فليتق الله سائلُه قال: وأي بيت قالته العرب أبخل؟ . فقال: لو جُعِلَ الخردلُ في كفِّه *** ما سَقَطَتْ من كفِّه خردَلَة قال: وأي بيت قالته العرب أهجى؟ . فقال: العَجْرَفيُّون لا يوفون ما وعدوا ***والعجرفيَّات ينجزن المواعيدا ". أهـ البيت الأول منسوب لغير واحد من الشعراء , فقد نسب لابن الزبير الأسدي وأبي بكر الشلبي وبكر بن النطاح ودعبل الخزاعي . ولكن الذي يروي عنه النضر بن شميل فهو ابن الزبير الأسدي , وذلك لأن وفاة الأسدي كانت سنة 75 هجرية , أما النضر بن شميل فكانت سنة 203 هجرية , وباقي الشعراء المذكورين تأخرت وفاتهم عن وفاة الراوي , والله أعلم . أما البيت الثاني والثالث فلم أجد لهما نسب لقائلهما , في المصادر التي بين يدي . وعن أبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري ـ [ المتوفى سنة 382هـ = 993م ] ـ , و كما ذكره في كتابه " المصون في الأدب " أنه : " قال عبد الملك بن مروان: أهجى بيت: فإن تصبك من الأيام جائحةٌ *** لم أبكِ منك على دنيا ولا دين وأهجى بيت في الإسلام: قبحتْ مناظرُه فحينَ خبرتُه *** قبحتْ مناظره لقُبح المخْبَر ". أهـ والبيت الأول لأبي وجزة السعدي , أما الثاني فهو لصريع الغواني مسلم بن الوليد , غير أن الكثير ممن رووا هذا البيت , رووه : قَبُحَت مَناظِرُه فَحينَ خَبُرتُه *** حَسُنَت مَناظِرُه لِقُبحِ المَخبَر ِ وانظر لذلك كتاب الأغاني للأصفهاني و المحاسن والمساوئ لابراهيم البيهقي والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص للعباسي . وذكر صاحب الأغاني ـ [ المتوفى سنة 384هـ = 994م ] في كتابه , أن عبد الملك بن مروان سأل أعرابيا , فقال له: " فأي بيتٍ أهجى؟ . قال: قول جري: فغض الطرف إنك من نميرٍ *** فلا كعباً بلغت ولا كلابا ". أهـ وقال أبو هلال العسكري ـ [ المتوفى سنة 395هـ = 1005م ] في كتابه " ديوان المعاني " ـ : " وقالوا: قال عبد الملك بن مروان للفرزدق وجرير والأخطل : من أتاني منكم بصدر هذا البيت : " والعود أحمد " ، فله عشرة آلاف درهم . فما كان فيهم مجيب ، فأدخل أعرابي من عذرة إليه ، فأنشده: فإن كان مني ما كرهتَ فإنني *** أعودُ لما تهواهُ والعودُ أحمدُ قال : لم تصب ما أردت . فأنشد: وأحسن عمرو في الذي كان بيننا *** فإن عاد بالإحسان فالعودُ أحمدُ فقال عبد الملك: أحسنت، ولكن لم تصب ما أردت . فأنشد: جزينا بني شيبانَ قِدماً بفعلهم *** وعُدنا بمثل البدءِ والعودُ أحمدُ فقال: هذا طلبت. ثم قال: أخبرني عن أهجى بيت قالته العرب. قال: قول جرير: فغضَّ الطرفَ إنك من نميرٍ *** فلا كعباً بلغتَ ولا كِلابا ولو وضعت فِقاحُ بني نميرٍ *** على خَبثِ الحديدِ إذاً لذابا ". أهـ وفي موضع ثاني من الكتاب : " ولو قيل: إن أهجى بيت قالته العرب قول الفرزدق لم يبعد وهو: ولو تُرمى بلؤم بني كليبٍ *** تجومُ الليلِ ما وضحتْ لساري ولو يُرمى بلؤمهم نهارٌ *** لدنَّسَ لؤمهُم وضحَ النهارِ وهذا مثل قول الآخر: ولو أنَّ عبدَ القيس ترمي بلؤمها *** على الليل لم تبدُ النجومُ لمن يرى وقالوا : أهجى بيت قالته العرب قول الأعشى: تبيتونَ في المشتى ملاءً بطونكم *** وجاراتكم غرثَى يبتنَ خمائصا ". أهـ وذكر في موضع ثالث من الكتاب أنه : " وقالوا: أهجى بيت قالته العرب قول الحطيئة في الزبرقان بن بدر: دَعِ المكارِمَ لا تَرْحلْ لبغيتها *** وأقعد فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسي وأخبرني أبو أحمد، سمعت بعض الشيوخ يقول: اجتمع مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحماد عجرد وجعفر بن أبي وزة ، في مسجد الكوفة ، فامتروا في أهجى بيت قالته العرب , ثم اتفقوا على قول الفرزدق في جرير: أنتم قرارةُ كل ّ معدنِ سَوءةٍ *** ولكلِّ سائلةٍ تسيلُ قرارُ وقال أيضا : "وقالوا: أهجى بيت قالته العرب قول الأخطل لجرير: ما زال فينا رباطُ الخيلِ معلمة *** وفي كليبٍ رباطُ اللؤمِ والعارِ قومٌ إذا استنبحَ الأضيافَ كلبهم *** قالوا لأمهم: بولي على النار ِ ". أهـ وقال أيضا : " وقالوا بل أهجى بيت قالته العرب قول الطرماح : تميمٌ بطرقِ اللؤمِ أهدى من القطا *** ولو سلكت سُبلَ المكارمِ ضلْتِ وقال بعض الشيوخ : لو أن هذا البيت لجرير أو لمن في طبقته ، لحكم على جميع ما في معناه وبعده , وهو أبلغ ما قيل في الاحتقار والتقليل والجبن : ولو أن حرقوصاً على ظهرِ نملةٍ *** تشدُّ على صفي تميمٍ لَوَّلتِ ولو جمعت يوماً تميمٌ جُموعَها *** على ذرةٍ معقولةٍ لاستقلتِ ولو أنَّ أمَّ العنكبوتِ بنتْ لها *** مظلتها يومَ الندى لاستظلتِ ولو أنَّ برغوثاً يزقق مسكه *** إذا نهلت منه تميم وعلتِ ". أهـ وقال أبو المعالي محمد ابن حمدون ـ [ المتوفى سنة 562هـ = 1167م ] , في كتابه " التذكرة الحمدونية " : " وقال الأخطل : واسمه غياث بن غوث من بني تغلب : ما زال فينا رباط الخيل معلمةً *** وفي كليب رباط الذل والعار النازلين بدار الذل إن نزلوا *** وتستبيح كليب حرمة الجار قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم *** قالوا لأمهم بولي على النار وهذا أهجى بيت قالته العرب ، فإنه مع ما وصفهم به من اللؤم والدناءة وابتذال الأم , جعل نارهم ضئيلة حقيرة تطفئها البولة ". أهـ وقال شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري ـ [ المتوفى سنة 733هـ = 1333م ] ـ , في كتابه " نهاية الأرَب " : " وقالوا أهجى بيت قالته العرب قول الطرماح: تميمٌ بطرق اللؤم أهدى من القطا ***ولو سلكت طرق المكارم ضلت وقيل أهجى بيت قالته العرب قول الأعرابي : اللؤم أكرم من وبرٍ ووالده *** واللؤم أكرم من وبر وما ولدا قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا*** من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا ". أهـ وقال بهاء الدين العاملي ـ [ المتوفى سنة 1031هـ = 1632م ] , في كشكوله ـ : " يقال : أهجى بيت قالته العرب قول الأخطل : قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم *** قالوا لأمهم بولي على النار ضيقت فرجها بخلاً ببولتها *** ولم تبل لهم إلا بمقدار قال الصفدي: اشتمل قوله : قوم إلى آخره ...على معايب : ـ أولها : أنهم لا يعطون للضيف شيئاً حتى يرضى بنباح كلابهم فيستنج منها . ـ وثانيها : إن لهم نار قليلة لفقرهم تطفى ببول امرأة . ـ وثالثها : أن أمهم تخدمهم فليس لهم خدم غيرها . ـ ورابعها : أنهم كسالى عن مباشرة أمورهم حتى تقوم بها أمهم . ـ وخامسها : أنهم عاقون لوالدتهم بحيث أنهم يمتهنونها في الخدمة . ـ وسادسها : عدم أدبهم لأنهم يخاطبون أمهم هذه المخاطبة التي تستحي الكرام الإلتفات بها . ـ وثامنها : أنهم جبناء لا يرقدون لأنهم مستيقظون يسمعون الحس الخفي من البعد . ـ وتاسعها : قذارتهم لأنهم لا يتألمون بما يصعد من رائحة البول إذا وقع في النار . ـ وعاشرها : إلزام والدتهمبأن لا تبول لهم إلا بمقدار وتدخر ذلك لوقت الحاجة إليه , وإلا فما كل وقت يطلب الإنسان الإراقة يجدها فتجد لذلك ألماً ومشقة من احتباس البول . ـ حادي عشرها : إفراطهم في البخل إلى غاية يشفقون معها على الماء أن تطفي به النار ". أهـ بتصرف و ذكر أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي ـ [ المتوفى سنة 1103هـ = 1691م ] ـ في كتابه " المحاضرات في الأدب واللغة " , وتحت عنوان "أهجى بيت قالته العرب " ـ , حيث قال : " أهجى بيت قالته العرب قول الأعشى: تبيتون في المشتى مِلاءٍ بطونكم *** وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا وقيل: قول الأخطل: قوم إذا نبح الأضياف كلبهم *** قالوا لأمهم: بولي على النار فتمسك البول بخلاً أن تجود به *** فما تبول لهم إلاّ بمقدار وقيل: قول حسان رضي الله عنه: لا بأس بالقوم من طول ومن قصر *** جسم البغال وأحلام العصافير وقيل: قول زياد الأعجم: قالوا الأشاقر تهجوني فقلت لهم *** ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا وقيل: قول أوس: لعمرك ما تبلى سرابيل عامر *** من اللؤم ما دامت عليها جلودها وقيل: قول الطرماح: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا *** ولو سلكت سبل المكارم ضلت وقيل: قول الفرزدق: أنتم قرارة كل معدن سوأة *** ولكل سائلة تسيل قرارُ ". أهـ ومما يلحق بهذا ما ذكره أبو هلال العسكري في كتابه " ديوان المعاني ": " عن يونس ، قال : قال عبد الملك بن مروان يوماً وعنده جلساؤه : هل تعلمون أهل بيت قيل فيهم شعر , ودوا أنهم افتدوا منه بأموالهم ، وشعر لم يسرهم به حمر النعم؟ فقال أسماء بن خارجة : نحن يا أمير المؤمنين . قال : وما قيل فيكم ؟ . قال قول الحارث بن ظالم : وما قومي بثعلبة بن سعدٍ *** ولا بفزارة الشعر الرِّقابا فوالله يا أمير المؤمنين، إني لألبس العمامة الصفيقة، فيخيل لي أن شعر قفاي قد بدا منها. وقول قيس بن الخطيم : هممنا بالإقامةِ ثم سرنا *** مسيرَ حُذيفة الخيرِ بن بدرِ فما يسرنا أن لنا بها أو به سود النعم. فقال هانىء بن قبيصة : أولئك نحن يا أمير المؤمنين . قال ما قيل فيكم؟ . قال قول جرير: فغضَّ الطرفَ إنك من نميرٍ *** فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا والله لوددنا أننا افتديناه بأملاكنا . وقول زياد الأعجم : لعمرك ما رماحُ بني نميرٍ *** بطائشة الصدور ولا قصار فوالله ما يسرنا به حمر النعم. قال أبو بكر وذكر أن جريراً لما قال : والتغلبيُّ إذا تنحنحَ للقرى *** حكَّ استهُ وتمثَّلَ الأمثالا قال: قد قلت بيتاً فيهم لو طعن أحد في استه لم يحكها. وأخبرنا أبو القاسم، عن العقدي، عن أبي جعفر، عن المدائني، قال: مرت امرأة ببني نمير فتغامزوا إليها . فقالت: يا بني نمير لم تعملوا بقول الله تعالى ولا بقول الشاعر . يقول الله تعالى: <قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم >. ويقول الشاعر: فغض الطرف إنك من نمير ... ( البيت ) فخجلوا وكان النميري إذا قيل له ممن أنت؟ قال : من نمير . فصار يقول : من بني عامر بن صعصعة ".أهـ ـ المراجع : ـ الأغاني : الأصفهاني . ـ التذكرة الحمدونية : ابن حمدون . ـ العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي . ـ الكشكول : بهاء الدين العاملي . ـ المحاضرات في الأدب واللغة : اليوسي . ـ المصون في الأدب : أبو أحمد العسكري . ـ ديوان المعاني : أبو هلال العسكري . ـ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء : ابن حبان البستي . ـ موسوعة الشعر العربي : المجمع الثقافي 2003 . ـ نهاية الأرب : شهاب الدين النويري . |
رد: أهجى بيت قالته العرب 2
أحسنت الإختيار
دمت بودّ |
الساعة الآن 12:06 PM. |
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى