منتديات الشروق أونلاين - الجزائريون كلهم علماء!!!

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)

- نقاش حر (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=20)

- - الجزائريون كلهم علماء!!! (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=155184)

الجزائريون كلهم علماء!!!

بسم الله الرحمن الرحيم

أدعوكم لقراءة مقال للكاتب الجزائري السعيد بوطاجين, وبعد ذلك اعطوا لي أرائكم حول عقلية الجزائريين التي يصعب فهمها وتفسيرها, الجزائري الذي مهما كانت درجته التعلمية فتجده خبير بكل شيء, ليس خبيرا بل يحاول التظاهر بأنه يفهم كل شيء ولا يوجد من يلقنه درسا مثلا في الثقافة العامة.فهو وإن كان جاهلا قد يتناقش مع المهندس المعماري إذا لزم عليه الأمر ولا يقبل أن يكوم جاره أكثر إدراكا وفهما منه.

الناس عندنا مثقفون جدا وعلماء، إلى درجة يتعذر عليك إيجاد مواطن يستمع أكثر ممّا يتكلم، مع أنّ السماع فن يؤهلك إلى تلقي المعلومات وغربلتها ومقارنتها وتخزينها لاستعمالها عند الضرورة، أي في المقام المخصص لها. سأشرح: كلمات العزاء لا تقال في الأعراس، ودروس الكيمياء المتقدمة وعلم الفلك والإجرام لا تتناغم مع سياقات مخصوصة تستدعي خطابات عينيّة لها ما يسوّغها وظيفيا. أمّا ناسنا، فقد اختلط عليهم الحابل بالنابل، ونبغوا في تخصصات مختلفة. لقد أصبحوا كلّهم من الرّاسخين في العلم. وأيّ علم؟ علم الجيولوجيا، وعلم البحار، وعلم الفضاء، وعلم كرة القدم، وعلم السيارات، وعلم النوافذ، وعلم العلم، والعلوم القادمة التي سنحتكرها بطريقتنا المدهشة.

يتجلى هذا النبوغ في المكاتب وفي الشوارع والأسواق والمؤسسات الميّتة، والجامعات الأكثر موتا. لقد أصبحنا ملمّين بالماضي والحاضر والمستقبل والقيامة، حل الإمام محل المدرّب، وحلّ المدرّب محل الفقيه، وقام هذا الأخير بدور الفيزيائي، ولعب الوزير دور هذا وذاك، وأفحم الحاجب الطبيب والأستاذ والنحات والفنان. يحدث هذا حتى في أكبر الجهات التي تدّعي المعرفة والأكاديمية والاحترافية والأدب. الإسكافي ينتقد المهندس، والمهندس ينتقد الحكيم، والحكيم ينتقد رجل الدين، ورجل الدين يلعن عالم الفلك، ويعرف ما لا يعرفه الأخصائيون. السياسيون الفاسدون يحلّون محل العلماء، والعلماء يحلّون محل السياسيين الفاشلين، والذين لا يقرأون كتابا واحدا في السنة، يتفلسفون كثيرا في قضايا لا يعرفونها إلاّ من خلال حلقات المقاهي والحانات والملتقيات والمؤتمرات الصاخبة. المواطنون كلّهم مدرّبون وأئمة وبناءون وصحفيون ورؤساء جمهوريات ومعلّمون ومخترعون ومستكشفون وفلاّحون ووزراء وبحّارون ونجّارون وحفّارو قبور وبستانيون. لا أحد منّا تخفاه خافية. الجامعيون يتحدّثون في كلّ المسائل دفعة واحدة، يعرفون مقاس حذاء سقراط وأسباب عوج الفاصلة، يعرفون الجاذبية ووزن الشيطان وقميص جحا ولون الرّوح، وما يقوله الماء للماء، وأحاديث الرّمل في صحراء الرّب.

من لا يعرف المدرسة، يعرف كلّ شيء عن التاريخ وجغرافية الرّيح وقوس قزح. الساسة الذين ضاعوا في جيوبهم وفي مشاريع المكر والإسمنت والتفكير العميق في العملة الصعبة وأسماء البنوك والتصفيق المخجل، لا يتركون لك ثانية واحدة لتقول كلمة أو عبارة نحيلة جدا. هؤلاء أيضا يعلمون ما في الأرحام من كثرة النبوغ في فهم آليات الرّيع.

الإسكافيون يفسّرون القرآن كلمة كلمة، يعرفون أسباب النزول والقراءات السبع، وظاهر الآية وباطنها، والدلالات السياقية والتحولات والإعجاز والقصود والمتون، وأخطاء الفيلسوف وحماقات علم النفس وحدود الرياضيات وعبث الفيزياء. الأطباء يكفرّون رجال الدين ورجال الدين والأدب يعرفون الطبّ جيّدا، كما يعرفون علم الأجنة وعلم الحيوان وما تيسر وما لم يتيّسر من العلوم الدقيقة التي أصبحت سوقية وفضفاضة.

من كتب نصف سطر مليء بالأخطاء يلغي المفكر المكّرس عالميا. من يكتب جملة غير مفيدة يلغي الفقيه والباحث وعالم الآثار. المهم: لقد وصلنا إلى مرحلة مرعبة من الاعتداء على صلاحيات الآخرين. لذلك، نتكلم في كل شيء وفي اللاشيء. وعلينا، إن أردنا التأكد من ذواتنا، تحليل بضع دقائق من نقاشاتنا على شريط مسموع أو مصور. سنكتشف، دونما عناء، أننا نتطرق إلى عشرات الموضوعات باستخفاف شديد وفي وقت قياسي. وسنكتشف أيضا أن الجميع يتحدث والجيران يستمعون.

لا أحد منا يحترم الآخر، لا أحد يأخذ في الحسبان تخصصات الآخرين، كيفما كانت نوعيتها، الزراعة أو الدين أو السياسة أو الهندسة أو الكيمياء أو البيولوجيا. للبحار خبرته ولغته المهنية، وللإمام تجربته، وللفلاح معرفته، ولا يمكن، من الناحية الأخلاقية، السطو على حدود الآخرين. هناك مشكلة حياء، وهناك لغط عظيم.

من المؤسف أن يغدو واقعنا خلط ملط، عجينة غريبة من العباقرة في كل الميادين. نتكلم كثيرا جدا، ولا أحد يولي أهمية للآخر. وهذا الآخر لا يعنيه الآخر لأنه يملك المعرفة الكلية والحضور الكلي، مثل الآلهة، من الرئيس إلى المرؤوس. والخلاصة: رحم الله العالم الجليل الزمخشري، كان يفسّر بخوف وانمحاء. لقد وقع في حيص بيص أمام البسملة، أمام الحروف والسور والآيات، وكلّما جاء بتفسير لكلمة واحدة، أسس على مرجعيات وعلماء خاتما مقاربته بالله أعلم. هل تعلمون، مثلا لماذا، قال الله سبحانه الرحمن الرحيم ولم يقل الرحيم الرحمن؟ ما معنى باسم وما معنى الله؟ كيف نشأت الكلمة ولماذا؟

إلهي! أغفر لنا ذنوب علمنا ولا تؤاخذنا إن أخطأنا كثيرا وأصبنا صفرا. لقد ولدنا علماء أجلاء. الله غالب. ؟

السعيد بوطاجين.