رد: القانون الجنائي للأعمال
05-12-2011, 09:39 PM
المبحث الثانى:الاستعمال المضاد لمصلحة الشركة L’insatisfaction de l’intérêt social

لا تكتمل أركان جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات إلا إذا ثبت أن الفعل الذى قام به المدير يمثل عملا مضادا لمصلحة الشركة. غير أن تعقيد حياة الأعمال التجارية لا يسمح فى كثير من الأحوال بتحديد هذه الفكرة التى تعد فى حقيقة الأمر أحد المفاهيم الأساسية فى قانون الأعمال وتمثل ركيزة من ركائز القانون التجارى بفروعه المختلفة. ويتجه العديد من فقهاء القانون التجارى إلى القول بأن فكرة مصلحة الشركة فكرة غير واقعية وليس لها أى معنى حقيقى، مؤكدين على أنها ذات مفهوم غير قابل للتعريف Indéfinissable وغامض Ambiguë ومتعدد الأشكال Polyforme مما يوقع القضاة فى حيرة حال البحث عن الحلول للمشكلات المتصلة بهذه الفكرة ومنها تحديد مضمونها من قبل القاضى الجنائى فى إطار جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات .

ومن هنا يتعين أن نبين فى نقطتين مضمون فكرة مصلحة الشركة (فرع أول) ثم بيان كيفية تقدير السلوك المضاد لمصلحة الشركة (فرع ثان).

الفرع الأول
مضمون مصلحة الشركة فى جرائم الشركات

مصلحة الشركة أحد الأفكار الرئيسية التى يقوم عليها تنظيم إدارة المشروع التجارى فهى المرشد والبوصلة La boussole التى توجه المدير نحو السلوك الواجب اتخاذه لسلامة الشركة ولضمان الأداء الرقابى على عمل الإدارة . وبتبنى مثل هذه الفكرة فإن المشرع يقدم المفتاح الذى بمقتضاه يمكن تجنب أو عقاب الانحرافات المحتملة الضارة بمصالح بقية القائمين على الإدارة ومن ورائهم المساهمين. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة تبدو كأحد الأفكار الأساسية فى قانون الشركات إلا أن الفقه لم يوليها الكثير من عنايته وقد يكون ذلك راجعا إلى ظهورها حديثا وإغفال المشرع لتحديد مضمون هذه الفكرة. فلقد اكتفى المشرع مثلا فى القانون المدنى فى المادة 1848 بالقول بأنه "يمكن للمدير أن يقوم بكل أعمال الإدارة متى كانت فى مصلحة الشركة" وعلى هذا جرى أيضا نص المادة 13 من قانون الشركات الفرنسى حينما قالت ’’فى العلاقات بين الشركاء وفى حالة عدم الاتفاق على تحديد السلطات داخل النظام الأساسى للشركة فإن المدير يمكنه القيام بكافة أعمال الإدارة متى كانت فى مصلحة الشركة’’. واستخدمت المواد 425/4 و 437/3 من قانون الشركات ذات المصطلح فيما يخص جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات دون أن تضع تحديدا له.

ويتوزع الفقه فى تحديد مفهوم "مصلحة الشركة" على جانبين: الأول ينظر لها على أنها المصلحة المشتركة للمساهمين والثانى ينظر لها على أنها مصلحة الشركة ذاتها كشخص معنوى مستقل.

أولا: مصلحة الشركة كتعبير عن المصلحة المشتركة للمساهمين

حمل البروفسير ٍSchmidt لواء الدفاع عن هذا الاتجاه قائلا بأن مصلحة الشركة مقصود بها المصلحة المشتركة لمجموع المساهمينL’intérêt commun des actionnaires ومستندا فى ذلك إلى تبنيه للمفهوم العقدى للشركة واعتمادا على أن القانون الاقتصادى الفعال فى النظام الرأسمالى الذى يجب أن يسود هو الربح Profit. فيقول هذا الفقيه بأن هذه الفكرة ليست إلا مجموع المصالح الفردية أو الطائفية Intérêts individuels ou catégoriels للمساهمين أو الشركاء ولا تنفصل عن ذلك . فالشركاء والمساهمين لهم ذات الرغبات والطموحات داخل الشركة ولا يجدون مصلحة هذه الأخيرة إلا بالتمثيل الإجمالى لهذه الكتلة من الرغبات. ويقع تحديد المصلحة المشتركة للمساهمين والشركاء على عاتق الطائفة التى تحوز الأغلبية من بينهم وذلك نظرا لما لهم من تأثير داخل الشركة حتى ليبدو أن تحقيق مصالحهم الشخصية هو تعبير عن تحقيق مصلحة الشركة ككل.

ويرتكز الفقه المؤيد لهذا الاتجاه على أن المشرع فى المادة 1832 من القانون المدنى قد عبر عن أن هدف الشركة ما هو إلا اقتسام الأرباح التى تنشأ عن التجميع المشترك لأموال الشركاء. وذات المعنى تردده المادة 1833 حينما أكدت على أن كل شركة يجب أن يكون لها محل مشروع Objet licite وأن يستهدف تحقيق المصلحة المشتركة للشركاء. هذه النصوص تؤكد على مجموع المصالح التى تربط الشركاء والتركيز على أن الشركة إنما تكونت بهدف إشباع مصالح الشركاء والمساهمين والتى تتركز على اقتسام الأرباح الناشئة . وقد أخذ بذلك القضاء فى حكم Fruehauf والذى قالت فيه محكمة استئناف باريس على أن قاضى الأمور المستعجلة Juge des référés كان يجب أن يستوحى مصلحة الشركة من خلال المصالح الشخصية لبعض الشركاء والذين يكونون الأغلبية .

غير أننا لا ننحاز إلى هذا الاتجاه إذا أنه يتجاهل بتعريفه لمصلحة الشركة على أنها مجموع المصالح المشتركة للشركاء أو المساهمين حقيقة تتميز بها شركات الأموال - خاصة شركة المساهمة - عما عداها من الشركات وهى أن شركات الأموال يغيب فيها المفهوم التعاقدى وبالتالى فإن المصالح التى تمثلها الشركة تنفصل عن جملة الأفراد الذين يكونوها. بمعنى أخر فإن شركة المساهمة - التى قدمها الفقه على أنها تصوير للديموقراطية فى أبسط معانيها - لم تعد تشكل مجموعة من الأموال المتجانسة ذات الطبيعة الواحدة مقدمة من عدد من المساهمين لهم ذات الحقوق وذات المصالح داخل الشركة.

فداخل شركة المساهمة تتنوع المصالح فهناك المساهم الصغير الذى يأمل فى أن تحقق الشركة تقدما بحيث تحقق أرباحا ومن ثم يثرى ويحقق مكاسب مالية وهناك المساهم الذى يرغب فى أن تحقق الشركة إخفاقا فى مجال معين إذا ما كان يحوز فى شركة أخرى منافسة بنسبة أكثر من الأسهم. وداخل شركة المساهمة يتنوع أيضا المساهمين، فهناك المساهم المدخر Actionnaire épargnant الذى يهدف إلى الحصول على ربح مستمر ومستقر وهناك المساهم المضارب Actionnaire spéculateur ou boursicoteur والذى يجد مكسبه فى شراء وإعادة بيع الأسهم عند ارتفاع السعر فى بورصة الأوراق المالية. فالمساهم الكبير والذى يهتم بفرض سيطرته على الشركة يجد فى مواجهته المساهم الصغير والمساهم الذى يمثل الأغلبية يتصارع مع المساهم الذى ينتمى للأقلية. فالمساهم المميز الذى يمثل الأغلبية يتصارع مع المساهم العادى .

فليس هناك إذا ما يمنع من أن يستهدف المساهم تحقيق مصالح خاصة ولا تتشابه مطلقا مع مصالح بقية المساهمين بل وقد تتعارض مما يدعونا أن نضع هذه الفكرة فى مكانها الصحيح بحيث لا تعبر عن مجموع المصالح الفردية للمساهمين أو الشركاء بل تعبر عن مصلحة الشركة ككل باعتبارها شخصا معنويا وكيانا قانونيا مستقلا Entité juridique distincte.


ثانيا: مصلحة الشركة كتعبير عن مصلحة الشخص المعنوى

مصطلح مصلحة الشركة ذاته يؤدى بنا إلى إضفاء دلالتها على مصلحة الشركة بحسبانها شخصا معنويا مستقلا من بقية الشركاء أو المساهمين فيها وعن مصالحهم الفردية مجتمعة. فلكل من المصلحتين نطاقها وإطارها الخاص فمصلحة الشركة تشير إلى ما هو فى صالح الشخص المعنوى بينما المصلحة المشتركة للمساهمين تشير إلى أن كل مساهم يشارك فى إثراء الشركة Enrichissement social بحسب نسبة حقوقه الفردية. عندئذ تختلف مصلحة الشركة عن كل المصالح التى توجد داخل أو حول الشركة، وهى بهذا البعد تأخذ معنا قانونيا إذا أن فهم هذا المصطلح على هذا الوجه يتضمن حماية الشخص المعنوى ذاته بحيث أنه عند الإضرار بمصلحة الشركة فإن الشخصية القانونية للشركة تتعرض لذات الضرر مما مؤداه أن حماية مصلحة الشخص المعنوى تمر عبر حماية مصلحة الشركة ذاتها .

وهذا التفسير يتفق مع اتجاه الفقهاء إلى اعتبار المجنى عليه الأول فى جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات هى الشركة كشخص معنوى فتقول محكمة النقض فى حكم لها "لم يكن النص على هذه الجريمة يستهدف حماية مصلحة الشركاء ولكن حماية الذمة المالية للشركة ذاتها وحماية الغير"
Ce délit a été prévu non dans l’intérêt des associés mais pour protéger le patrimoine social dans l’intérêt de la société elle-même et des tiers.

غير أنه إذا كانت مصلحة الشركة لا يجب أن تختلط بالمصلحة المشتركة للمساهمين والشركاء فإن الإضرار بمصلحة الشركة يجب ألا تختلط أيضا بفكرة "عدم التوافق مع محل الشركة" La non-conformité à l’objet social الذى يعرف بأنه وصف للنشاط الصناعى والتجارى الذى تمارسه الشركة. فالخروج على التعداد المنصوص عليه فى النظام الأساسى للشركة للأنشطة التى يمكن أن تمارسها وإن أضر أو عرض للخطر مصلحة الشخص المعنوى ذاته فإنه لا يمثل بالضرورة تعارضا مع مصلحة الشركة La contrariété de l’objet social ne constitue pas forcement la contrariété de l’intérêt social.

وعلى ذلك قضى ببراءة مدير شركة كان قد أصدر شيكات مسحوبة على خزانة الشركة للوفاء بغرامة قضى بها على عامل سابق فى الشركة كان قد أدين عن سرقة حيث قالت المحكمة "إذا كان الثابت أن استعمال أموال الشركة كان مخالفا للغرض الذى من أجلة أنشئت الشركة إلا أنه من الصعب القول - حال اتخاذ القرار بذلك - أنه كان مخالف لمصلحة الشركة إذا من الثابت أن لو لم يفعل المدير ذلك لكانت الشركة مهددة بإضراب من عمالها يهدد نشاطها" .

ويتعين القول بان التفرقة بين مصلحة الشركة كتعبير عن مصلحة الشخص المعنوى ذاته وبين كونها تعبير عن المصالح الفردية المشتركة للمساهمين والشركاء أدى بالقضاء إلى إتباع حلول معينة منها:

- لا يكون إساءة أموال الشركات الإجراء الذى تتخذه إدارة الشركة ويؤدى إلى ضعف قيمة الأسهم - مما يضر بالمساهمين - متى كان ذلك لا يمس الذمة المالية للشركة. على العكس فإن إخراج مال من خزانة الشركة لدعم الحملة الانتخابية لعضو نقابى أو شخص ذو نفوذ يكون إساءة لأموال الشركة إذا أن ذلك يعرضها للاحتمالات الخسارة دون عوض حقيقى حتى لو كانت هذه العملية أدت عندما سلطت عليها الأضواء إلى زيادة أسعار الأسهم مما يحقق مصلحة المساهمين .

- موافقة الشركاء أو الجمعية العمومية لا يرفع الصفة الإجرامية عن إجراء سحب من خزانة الشركة فيما يضر بالذمة المالية للشركة ذلك أن المشرع يحمى هذه الأخيرة ويحمى الغير بذات القدر الذى يحمى به الشركاء . فكما أكد القضاء أن القرار الجماعى الصادر عن الشركاء لا ينفى أن الضمان المقدم من الشركة ذات المسئولية المحدودة لضمان دين شخصى لمديرها يمثل إساءة لأموال الشركة ذاتها .

- لا يجوز للمدير أن يدفع جرمه بإثبات أنه كان المسيطر والمهيمن على الشركة بملكيته للأكثر من 99% من الأسهم وأن الشركة تندمج فى شخصه. وعلى ذلك فقد حكم القضاء بتطبيق جريمة إساءة أموال الشركاء على الشريك الوحيد فى المشروع الفردى ذو المسئولية المحدودة EURL والذى يقوم على استقطاع فرد جزأ من أمواله لتكون الذمة المالية للمشرع ويكون هو المساهم الوحيد فيها . كما قضى علاوة على ذلك بأن المدير لا يمكن أن يدفع الجريمة عنه بادعاء أن الشركة مملوكة للأفراد عائلة .
هذه التطبيقات تدفعنا إلى الانتقال للنقطة التالية للبحث عن المعيار وكيفية تحديد العمل المضاد لمصلحة الشركة.

الفرع الثانى
تقدير العمل المضاد لمصلحة الشركة

منذ إدخال التجريم الخاص بإساءة أموال أو ائتمان الشركات فإن تقدير العمل المضاد لمصلحة الشركة قد واجهته ثلاث صعوبات أولها تحديد المعيار الذى على أساسه يتم تحديد الأفعال المناهضة أو الضارة بمصلحة الشركة، ولقد ذهب الفقه وبعض أحكام القضاء إلى تبنى معيار "خطر الخسارة" Risque de perte بحيث يكون عملا مضادا لمصلحة الشركة العمل الذى يعرض ذمة الشركة إلى خطر لم يكن ليجب أن تتعرض إليه Risque auquel il ne devrait pas être exposé. غير أن هذا المعيار له الكثير من المثالب التى توجب علينا بيانها.

وثالث المشكلات كانت تحديد السلطة المختصة بتقدير العمل المضاد لمصلحة الشركة. هل هو القاضى باعتباره المدافع عن النظام الاجتماعى وممثل السلطة العامة ؟ أم هى الجمعية العمومية للمساهمين باعتبارها الجهاز الرئيسى والأعلى داخل الشركة ؟ ،والتى وإن كانت لا تمثل السلطة العامة إلا أنها تتلقى بموجب القانون اختصاصا سياديا علي مقدرات الشركة وشئونها. ولكن قبل الإجابة على هذا التساؤل يتعين علينا أن نشير إلى المشكلة الثانية وهى ابراز الجدل الذي يثور حاليا بين الفقه وبين درجات المحاكم المختلفة حول مدى اعتبار العمل غير المشروع الصادر عن المدير - كجريمة الرشوة مثلا - عملا مضادا لمصلحة الشركة.

أولا: معيار العمل المضاد لمصلحة الشركة

إذا كانت فكرة مصلحة الشركة تمثل إطار العمل والسلوك الذى يجب على القائمين على الإدارة احترامه التزاما بمصلحة عليا تعلو على مصلحتهم الشخصية ورغبة فى ضمان حسن سير وأداء الشركة تحقيقا ولاستمرارية رخائها - كل ذلك فى إطار النظام الأساسى لها - إلا أننا رغم ذلك لا نجد فى كثير من الأحيان وسيلة أو ضابط يمكننا من تحديد ما إذا كان العمل الصادر يمثل تعارض مع هذه المصلحة العليا أم لا. غير أن تفحص أحكام القضاء تكشف عن أن هذا الأخير قد اتبع أحد معيارين لبيان تعارض استعمال أموال وائتمان الشركة فى بعض الحالات مع مصلحة هذه الأخيرة : إما غياب المقابل أو العوض Absence de contrepartie وإما الخطر الذى تواجه أو تتحمله الشركة Risque social على أثر العمل الصادر من القائم على الإدارة. وأيا ما كان قبولنا أو رفضنا لأحد هذين المعيارين أو لكلتهما فإن بعض الحدود يتعين الإشارة إليها عند تحليل أو تقدير العمل المضاد المرتكب من قبل القائم على الإدارة.

1- معيار غياب العوض أو المقابل

يتجه بعض الفقه إلى اعتبار العمل مضاداً لمصلحة الشركة Acte antisocial متى كان لا يقابله عوضا حقيقيا للشركة بل يمثل إهدارا للذمة المالية لها دون مقابل. بمعنى أخر يجب اعتباره استعمالا تعسفيا لأموال أو ائتمان الشركة كل تعاقد أو اتفاق يجرى بإسم الشركة وفى مقابلة لم تحصل الشركة على أى ميزة حاله وجادة. ويمثل لذلك بالسلف الممنوحة فى صفقة تجارية لم تساهم فيها الشركة أو بالضمان الممنوح دون عمولة. مثل هذه الأفعال تمثل فى نظر القانون الجنائى أفعالا مريبة يتعين وضعها تحت طائلة العقاب إذ لا تعرف حياة الأعمال المجانية فى العمل والتى لا يتأتى من ورآها عائد ما. مثل تلك الأعمال تمثل خروجا على هدف عقد الشركة ذاته والذى هو الحصول على الربح وتحقيقه مما يوقعها تحت وصف إساءة أموال وائتمان الشركات بموجب المواد 425/4 و 437/3 من قانون الشركات. لذا فقد قضى برفض الطعن المقدم ضد حكم البراءة متى تبين للمحكمة أن الصفقة كان يوجد فيها مقابلا اقتصاديا وتجاريا . ويبين من ذلك بمفهوم المخالفة أن حكم البراءة كان سينقض إذا ما ثبت غياب هذا المقابل.

ويرتفع وجه التعارض والريبة - فى رأى البعض - إذا ما ثبت أن للشركة مصلحة فى هذا العمل حتى لو كانت مصلحة احتمالية Aléatoire.

غير أن هذا الوجهة من النظر يتعين رفضها إذ أن واقع الحياة التجارية يشير أحيانا إلى أن عملا ما لا يمثل أى ميزة للشركة ولكنة ضرورى دون أن يضر بمصلحة الشركة ذاتها. فأحيانا تلجأ سلطة الإدارة إلى القيام بعمل كسلفه أو قرض أو ضمان صفقة معينة دون أى مقابل إذ يعلم المدير أنه فى المستقبل سوف يحصل على تسهيلات ومزايا من الشركة الموجه لصالحها العمل، وهذا يحدث غالبا بين الشركات التى تربطها سياسة تجارية واقتصادية واحدة فى إطار ما يسمى بمجموعات الشركات. فوجود هذه الوحدة توجب عملا إعطاء تسهيلات مالية متبادلة وحتى لو لم توجد مصلحة حالة أو محتملة إذ هذه الرابطة العضوية ووحدة المصير المشترك بين الشركتين توجب العون والمساعدة حتى دون مقابل واضح . وهذا ما حدا البعض إلى القول بأنه لا يتعين اعتبار عملا مضادا لمصلحة الشركة كل عمل أبيض Acte blancولكن فقط العمل الذى يعرض مصلحة الشركة لخطر الخسارة.
2- معيار خطر الخسارة

وفقا لهذا المعيار فإنه يعتبر عملا مضادا لمصلحة الشركة العمل الذى تنشأ عنه سارة للشركة أو تخش معه تحقيق هذه الخسارة دون وجود أى فرصة للمكسب. وأبسط الأمثلة على ذلك عمل المدير الذى يصدر شيكات مسحوبة على خزانة الشركة وفاء لديونه الشخصية. وعلى هذا يجمع الفقه على أنه يكفى لاعتبار العمل مضادا لمصلحة الشركة "أن يتضمن هذا العمل إما مخاطر الخسارة - أيا ما كان حجم هذه المخاطر طالما أنها مخاطر ما كان ليجب أن تتعرض لها الشركة - وإما ضياع فرصة الربح على الشركة" . وجملة القول هو العمل الذى يتأكد إضراره بالشركة أو على الأقل يسجل خطرا لا يؤمل أن يتأتى من وراءه أى فرصة للربح.
Un acte à coup sûr préjudiciable aux intérêts sociaux ou qui fait courir à la société un risque non susceptible d’être compensé par une chance de gain

وبالطبع ليس المقصود هنا هو الخطر المستحدث Risque crée الذى يفهمه البعض فى مجال المسئولية المدنية الذى يتأسس عليه تعويض الضرر فى مجال النشطة الخطرة. وليس المقصود هنا أيضا الوصول إلى إدانة شخص بشكل مسبق على أساس احتمالية حدوث ضرر أو نشوء ضرر احتمالى. ففى الواقع إن الخطر فى مجال إساءة أموال وائتمان الشركات يتعين تقديره بعيدا عن كل ضرر متحقق. فالصفقة أو العملية حتى وإن ثبت أنها تمت دون أدنى ضرر بالشركة فإن الجريمة يمكن أن تكتمل أركانها دون ضرورة انتظار نتيجة الصفقة التى تم عقدها المدير متى تبين أن هذا الأخير قد عرض الشركة دون سبب إلى خطر ما كان يجب أن تتعرض له .

ولا يهم ما إذا كان هذا الخطر - الذى هو خطر الخسارة دائما - بسيطا أو ضئيلا، إذ أن هذا الخطر وحده كفيل - كما يقول البعض - بإحداث اضطراب فى مسار الشركة وحركتها التجارية مما يعرض الشركة إلى نقص أرباحها ويؤثر على حصيلة خزانتها المالية بشكل أو بأخر .

غير انه لما كان خطر الخسارة أمر ملاصق بشكل شبة يومى لحياة الشركة وأن كل قرار تتخذه الإدارة يحمل فى طياته خطر الخسارة فإن هذا المعيار يمثل فكرة واسعة وغير منضبطة وقد يمثل أداة للضغط والابتزاز على القائمين على الإدارة بمنعهم من التصرف، مما حدا بالبعض إلى القول بأنه يجب تبنى تعريف ضيق لفكرة الخطر بموجبه يكون العمل المضاد ولمصلحة الشركة هو العمل الذى يعرض الشركة, دون ضرورة ملجئه, إلى مخاطر شاذة واستثنائية L’acte qui expose la société, sans nécessité pour elle, à des risques anormaux et exceptionnels. فتضاد العمل مع مصلحة الشركة لا يبنى على مجرد وجود الخطر ولكن على عدم تناسب هذا الخطر وعدم فائدته مع المزايا التى يرجى تحقيقها. فحياة الإدارة فى مجال التجارة لم تكن يوما ما دون خطر نظرا لروح المغامرة التى تسودها.

وتكشف أحكام القضاء عن تبنى معيار الخطر مما حدا بالبعض إلى القول بأن القضاء قد جعل من هذه الجريمة جريمة خطر Délit de risque. وان القضاء بلجوئه لهذه الفكرة يكون قد خلق نوعا من تشديد العقاب إذا ما قورنت إساءة الأموال بجريمة خيانة الأمانة التى تستوجب لقيامها إثبات الضرر . ولقد تبنى القضاء صيغة متشددة بقوله ‘‘الخطر الذى ما كان ليجب أن تتعرض له الشركة‘‘. ففى دعوى ثبت فيها أن المدير قد أصدر لصالح دائنيه كمبيالتين بمبلغ يقل عن رصيده بحسابه الجارى فى الشركة أكدت المحكمة أن الجريمة لا تتطلب حدوث ضرر فعلى للشركة بل إن الجريمة توجد مكتملة الأركان إذا ما ثبت أن الشركة تعرضت لخطر ما كان يجب أن تتعرض له . ولقد ردت محكمة النقض ذات الصيغة فى حكم أخر حينما قالت "يرتكب جريمة إساءة أموال الشركات مدير شركة المساهمة والذى هو أيضا مديرا لشركة ذات مسئولية محدودة الذى مزج بين ذمتهما المالية مستخدما حسب الضرورات أموال كل منهم لمصلحة الأخرى مما عرض ذمتهما المالية, بإرادته الآثمة, لخطر ما كان ليجب أن تتعرضا إليه" .

وفى حكم صادر فى 16 يناير 1989 أخذت محكمة النقض بفكرة الخطر الشاذ Risque anormal ناقضا حكم محكمة الاستئناف الذى اكتفى بالقول بأن عمل أعضاء حكومة المديرين فى شركة المساهمة التى تخضع لهذا النظام الذى يتمثل فى قبول القيام ببعض أعمال المقاولة من الباطن يعرض هذه الشركة للخطر وأن هذا الخطر لصيق بهذه الصفقة. فلقد قالت محكمة النقض بأنه كان يتعين على محكمة الاستئناف أن تبحث ما إذا كان هذا العمل وقت إبرام العقد يمثل للشركة خطرا شاذا أم لا .

وفى حكم Carignon الشهير فى 27 أكتوبر 1997 - والذى سنعرض له فيما بعد -أشارت محكمة النقض إلى أن تعريض الشركة لخطر الجزاء الجنائى أو الضريبى يمثل خطراً شاذاً ويمثل بالتالى عملاً مضاداً لمصلحة الشركة .

غير أن هذا المعيار يظهر أمران: الأول أنه لا يترك للقائمين على عمل الإدارة الحرية ولا ينمى روح المغامرة لديهم. فمن المنطقى أن كل عمل يستهدف الربح وإن اتخذ بكل قصد شريف يحمل فى طياته وفى حد ذاته خطرا. هذا عالما بالمستقبليات فطنا إبعاد خطر الخسارة عن أعمالة فى إدارة الشركة . فالمدير العادى - اللهم إلا إذا كان عالما بالمستقبليات Futurologue – لا يمكن أن يتأكد يقينا من صحة ونتائج أفعالة وقراراته، فقد تأتى الحوادث مخيبة لكل توقعاته وآماله. والقائمين على الإدارة وضعوا فى هذا المكان كى يتصرفوا لا أن يحجموا عن العمل خشية الخسارة وخشية الجزاء الجنائى فيما بعد ولا يمكن أن يكون هدف المشرع هو ذلك .
وينتقد هذا المعيار أيضا على أساس أنه يؤدى إلى عقاب المدير "سيئ الحظ" Malchanceuxوالذى لم ينجح فى صفقة ما. مما يجعل هذه الجريمة تمثل عقابا على "الغلط فى الإدارة" Erreur de gestion الأمر الذى لا يجرمه المشرع. فكما يقول الأستاذ Pinoteau "إن هذا المعيار يقدر العمل المضاد ليس وفقا لأثاره المتوقعة وقت اتخاذ العمل إنما بناء على أثاره التى تخلفت عنة" Juger d’un acte non pas par la manière dont ses effets pouvaient être envisagés, au moment où il fût accompli, mais par les résultats qui en ont découlé. فالصفقة التجارية لا يجب أن توصف بأنها عمل مضاد أو استعمال تعسفى لأموال الشركة بناء على مجرد عدم نجاحها أو أن التوقعات المرسومة قد كذبتها النتائج النهائية . هذه الطريقة فى تقدير العمل المضاد لمصلحة الشركة يجرنا إلى اعتبار "النجاح هو معيار مشروعية العمل"La réussite est le critère de la légitimité de l’action. هذا المعيار أو المفهوم الذى قال به لنيين فى مجال السياسة لا يمكن قبوله فى مجال الأعمال وحياة التجارة . فعقاب الخطر يبدو عاملا من عوامل عدم الاستقرار لمتخذى القرار داخل الشخص المعنوى مما قد يؤدى إلى النيل من حركة النمو والتطور التى تسود حياة الشركات.

3- حدود تقدير العمل المضاد لمصلحة الشركة

أيا ما كان المعيار الذى تبناه الفقه والقضاء لتقدير العمل المضاد لمصلحة الشركة, فإن على القضاء أن يأخذ ببعض الاحتياطات لضمان سلامة التحليل المنصب على العمل الصادر من القائم على الإدارة.

فمن ناحية، يتعين فحص العمل الصادر من المدير - من حيث تعارضه أو عدم تعارضه مع مصلحة الشركة - وذلك فى خلال الفترة الزمنية التى صدر فيها العمل أو إبرام الصفقة المطعون عليها C’est au jour de l’opération incriminée qu’il convient de se placer pour apprécier la situation لرؤية ما إذا كان يخشى أن ينتج عن هذا العمل نتائج ضاره بالشركة. وهذا الاتجاه يتفق مع تحليل البعض الذى يرى أن المشرع فى النصوص الخاصة بإساءة أموال وائتمان الشركات قد تطلب العلم من قبل المدير بتعارض العمل مع مصلحة الشركة. وعندئذ فإن الجريمة يجب لتحققها أن يكون القائم على الإدارة على دراية وعلم تام بأنه يتصرف بشكل يتعارض مع مصالح الشركة وهذا يجب تحليله وتقديره موضوعيا حال اتخاذ التصرف.

وعلى هذا فإن لتقدير العمل فإنه يجب التعرف على الهدف والغاية التى ابتغاها المدير أهى مصلحته الشخصية أم مصلحة الشركة ذاتها مع مراعاة الظروف المحيطة باتخاذ هذا العمل حال صدوره، فكما يقولون يجب أن نراعى اللحظة التى أتخذ فيها التصرف لا اللحظة التى أنتج فيها إثارة Il faut se placer au moment où l’acte a été accompli et non à celui où il a produit ses effets، الأمر الذى يتوافق مع مبادئ القانون الجنائى التى توجب فحص المسئولية الجنائية حال ارتكاب الفعل لتقرير العقاب من عدمه. وعلى هذا تواترت أحكام محكمة النقض الفرنسية قائلة ‘‘إنها لحظة ارتكاب الفعل محل النقد تلك وليس بعد ذلك التى يتعين أخذها فى الاعتبار لتحديد توافق الفعل من عدمه مع مصلحة الشركة، فلا يجب مراعاة الظروف التى طرأت وخيبت أمال المدير وتوقعاته ‘‘.

ففى حكم صادر فى 15 أكتوبر 1990 قضت محكمة النقض بنقض حكم محكمة الاستئناف ‘‘حيث أنه يظهر من الحكم محل الطعن أن المدعوين المتهمين عن إساءة أموال الشركة بوصفهم مديرين لشركة ذات مسئولية محدودة تسمى Schroeder والتى تمتلك عددا من المحلات الكبرى لبيع السلع والمنتجات المختلفة, وأن هذه الشركة قد استثمرت أسهم إحدى الشركات المساهمة تدعى Schmitt بمبلغ 1.198.313 فرنك وأنها منحت ذات الشركة مبلغا على سبيل القرض هو 1.166.440 فرنك مما أدى إلى افتقار خزانتها وذمتها المالية وأن الشركة لجأت إلى هذا الأمر لعدم قدرتها على الاستثمار الشخصى كل ذلك وفق قول محكمة الاستئناف يؤكد أركان جريمة إساءة أموال وائتمان الشكات. غير أن محكمة الاستئناف قد قصرت فى فحص ما إذا كان فى وقت ارتكاب هذه الأفعال للمتهمين مصالح شخصية مباشرة أو غير مباشرة فى الشركة الأخرى التى حصلت على القرض مما يتعين نقض الحكم‘‘ .

وفى دعوى أخرى وجه إلى مديرى الشركة أنهم قد اشتروا باسم الشركة أسهم شركة أخرى ولكن بمبلغ مغالى فيه وأنهم أبرموا عقود إيجار وبيع محل تجارى بشروط مجحفة Désavantageuses. ولكن محكمة النقض رفضت الطعن المقدم على حكم البراءة الصادر من محكمة الاستئناف حيث قالت "أنه لما كانت محكمة الاستئناف - لتقرير براءة المتهمون - قررت أن هؤلاء قد توجهوا إلى أحد بيوت الخبرة لتقدير قيمة أسهم الشركة محل الشراء المسماة SFMO ولتحديد المبلغ المقابل للإيجار وأنه يوجد المقابل الاقتصادى والتجارى وأنه لم يثبت أن فى ‘‘وقت إجراء الاتفاقات‘‘ حول الصفقة كان يوجد ما يثير الشك حول وجود غش أو أن المتهمون قد تصرفوا بسوء نية Au jour de l’opération, rien ne permettait de penser à une fraude.
فإن الصفقة فى مجملها لا تتعارض مع مصلحة الشركة التى يديرونها رغم أنه ثبت أن تلك الصفقة أدت بالشركة إلى صعوبات مالية وخسائر فى حركتها التجارية .

من ناحية أخرى، فإنه يجب مراعاة السياق الاقتصادى والتجارى للصفقة Le contexte économique et commercial de l’opération، بمعنى أن نوازن بين المخاطر التى يمكن أن تجرها الصفقة على الشركة وبين المزايا المحتملة .

بالطبع إن اتجاه القضاء فى تقدير العمل المضاد لمصلحة الشركة على أساس معيار الخطر "الخطر الذى ما كان للشركة أن تتحمله مقدرا فى لحظة اتخاذ القرار بالصفقة وإبرامها لا لحظة إنتاجها لأثارها" قد يتناسب مع القواعد العامة للقانون الجنائى، ولكن يظل السؤال مطروحا أليس من المناسب - كما يقول البعض - من وجهة نظر القانون الجنائى لأعمال تقدير العمل والصفقة وفق سياقها التى سارت عليه وبالحال الذى انتهت إليه. أليس فى ذلك قدر من العدالة أيضا .

فى الواقع إن هذا الاضطراب لا يثير دهشتنا باعتبار أن فكرة العمل المضاد لمصلحة الشركة فكرة نسبية مما يتعذر معه تحليل هذا العمل بشكل منضبط وحاسم. فالعمل المضاد لمصلحة شركة قد يكون متوافقا مع مصلحة شركة أخرى ترتبط مع هذه الشركة فى إطار مجموعة شركات تربطها مصالح تجارية واقتصادية عليا فيما يعرف بإسم مصلحة المجموعة L’intérêt du groupe. وأن صفقة ما قد يبدو أنها مكونة لإساءة الأموال بينما يمكن أن يوجد مقابل خفى وغير مرئى Contrepartie invisible ولكنه حقيقى Réelle وبالتالى تصبح الصفقة مفيدة للشركة. ويبدو ذلك واضحا فى مجال الائتمان حيث تظهر أثار التضحية المالية الممنوحة من شركة إلى شركة أخرى أثارها بعد ذلك حينما تقع الشركة المانحة فى ذات المأزق المالى.

هذه النسبية دفعت أحد القضاة إلى القول بأن الفائدة القانونية الوحيدة لفكرة مصلحة الشركة هى أنها تمكن من استبعاد "الأفعال العمدية الضارة بالشركة" Les actes délibérément nocifs à la société ولكنها لا تسمح بتقدير أثر هذه الأفعال وقيمتها بالنسبة للشركة . بمعنى أخر فإن فكرة مصلحة الشركة تسمح فقط بتقدير سلامة العمل Validité ولكنها لا تسمح بتقدير فاعليته Efficacité، حيث يتوقف ذلك على عدد من الظروف السياسية والاقتصادية والتى قد يكون بعضها وطنى وبعضها قد يكون دولى حسب حجم نشاط الشركة.