الرقابة على دستورية القوانين
11-02-2008, 02:46 PM
الرقابة على دستورية القوانين


تعتبر الرقابة على دستورية القوانين إحدى نتائج مبدأ تدرج التشريع، الذي يقضي بتقيّد التشريع الأدنى بالتشريع الأعلى، فإذا صدر أي تشريع و كان مخالفا لتشريع أعلى منه فإنه يكون غير شرعي.
و من ثمة كانت الحاجة إلى إيجاد تنظيم يكفل رقابة مشروعية القوانين و يقرر الجزاء المناسب للقانون المخالف للشرعية.
يمكن تصنيف الرقابة الدستورية تبعا للهيئة التي تباشرها إلى نوعين : رقابة قضائية و رقابة سياسية.


الرقابة السياسية


ترمز إلى صفة الهيئة التي تباشرها أي أنها تمارس من قبل هيئة ذات صفة سياسية، و يختلف تشكيل هذه الهيئة تبعا للهيئة التي ينظم بها الدستور الرقابة السياسية، و يمكن تصنيف هذه الأخيرة إلى نوعين :


1- الرقابة على دستورية القوانين بواسطة مجلس دستوري


لقد ظهرت أوّل محاولة للرقابة السياسية على دستورية القوانين في فرنسا، عند وضع أوّل دستور فرنسي عام 1791، غير أن هذه المحاولة لقيت معارضة، لكنها وجدت سبيلها إلى التطبيق بعد ذلك، حيث أنشأت هيئة تسمى مجلس الشيوخ ، و مهمته تتلخص في رقابة دستورية القوانين التي تتعارض مع أحكام الدستور قبل إصدارها بحيث يملك حق إلغاء القوانين المعارضة لأحكام الدستور.
و يقوم بهذه المهمة في ظل الدستور الفرنسي لعام 1958 هيئة تسمى المجلس الدستوري المتكوّن من رؤساء الجمهورية السابقة أعضاء مدى الحياة، و من 9 أعضاء يقوم بتعيين 3 منهم رئيس الدولة، و 3 يعيّنهم رئيس الجمعية و 3 يعيّنهم رئيس مجلس الشيوخ.
و يختص المجلس الدستوري في التحقق من عدم مخالفة القوانين التي يقرّرها البرلمان للدستور، و لا يختص برقابة القوانين التي يقررها الشعب عن طريق الإستفتاء.


2- الرقابة السياسية بواسطة هيئة تنفيذية


لقد أخذت بهذه الطريقة دول عديدة لاسيما الدول الإشتراكية سابقا، فبعض الدساتير تنص بأن تشكل الهيئة التشريعية لجنة لهذا الغرض (دستور ألمانيا الشرقية سابقا) و بعضها جعل إختصاص الرقابة الدستورية للهيئة التشريعية ذاتها (دستور الإتحاد السوفياتي سابقا).
و من الدول من جعلت رقابة الدستورية من إختصاص المكتب الإداري للهيئة التشريعية تحت إشراف هذه الأخيرة (دستور يوغوسلافيا سابقا، تشيكوسلوفاكيا سابقا).


الرقابة القضائية


تسمى بهذه التسيمة لأنها تباشر من طرف هيئة قضائية، و تقسم إلى نوعين :


1- رقابة إمتناع


و مقتضاها أن القاضي يهمل حكم القانون غير الدستوري عن تطبيقه في القضية المعروضة عليه و ليس من شأن هذا القضاء أن يحول دون إستمرار هذا القانون أو نفاذ حكمه في الأحوال الأخرى التي يتسنى فيها ذلك و أحسن مثال يبيّن رقابة الإمتناع هو تطبيقها في الولايات المتحدة الأمريكية، و لهذا نتطرّق لرقابة الإمتناع في الولايات المتحدة الأمريكية ثم في باقي الدول.

1.1. رقابة الإمتناع في الولايات المتحدة الأمريكية :

تباشر الولايات المتحدة الأمريكية رقابتها على دستورية القوانين بأساليب ثلاثة هي :
- الدفع بعدم الدستورية
- الأمر القضائي
- الحكم التقريري

* الدفع بعدم الدستورية :
يفترض هذا الأسلوب وجود دعوى منظورة أمام القضاء، فيدفع المدعى عليه أو المتهم أو المدعي بأن الطلبات تستند إلى قانون غير دستوري، و يكون إختصاص المحكمة بفحص دستورية هذا القانون حينئذ متفرعا عن الدعوى المرفوعة أمامها، فإن إنتهت المحكمة من فحصها للقانون من أنه متعارض مع الدستور أهملت حكمه، و إمتنعت عن تطبيقه، و فصلت في الدعوى تبعا لذلك بما فيه صالح المتهم أو المدعى عليه.
* الأمر القضائي : مقتضى أسلوب الأمر القضائي أنه يجوز لأي فرد أو مواطن اللجوء إلى المحكمة المختصة ليطلب وقف تنفيذ أي قانون على أساس أنه غير دستوري، و أن تنفيذ هذا القانون من شأنه أن يلحق به ضررا، فإذا ثبت للمحكمة أن القانون غير دستوري تصدر أمرا قضائيا إلى الموظف المختص بعدم تنفيذ هذا القانون. و يكون الموظف ملزما بالأمر الصادر إليه، و بعد إتساع إستعمال هذه الطريقة ممّا عطّل تطبيق القوانين لجأ الكونجرس الأمريكي عام 1910 إلى جعل هذا الإختصاص لمحكمة إتحادية خاصة تتشكل من 3 قضاة و يجوز الطعن في الأحكام الصادرة عنها أمام المحكمة الإتحادية العليا مباشرة.
* الحكم التقريري : مقتضى هذه الطريقة أن للفرد أو للمواطن أن يلتجأ إلى المحكمة طالبا منها إصدار حكم يقرّر ما إذا كان قانون يراد تطبيقه عليه دستوريا أو غير دستوري، و في هذه الحالة ينتظر الموظف المختص صدور حكم من المحكمة إما بدستورية هذا القانون فيمتنع عن تطبيقه.
في عام 1934 سنّ الكونجرس الأمريكي قانون خوّل بمقتضاه المحاكم الإتحادية سلطة إصدار أحكام تقريرية في شأن دستورية القوانين.

2.1. رقابة الإمتناع في الدول الأخرى :

يمكن تصنيف الدول التي تأثرت بهذا الأسلوب إلى مجموعتين :
المجموعة الأولى : نصت دساتيرها صراحة على حق المحاكم في رقابة دستورية القوانين "دستور ألمانيا 1949، دستور رومانيا 1923، البرتغال 1933".
المجموعة الثانية : لم تنص دساتيرها صراحة على الرقابة الدستورية للقوانين، لكن المحاكم أعطت نفسها صلاحية الرقابة من هذه الدول كندا، أستراليا، النرويج ...


2- رقابة الإلغاء : الدعوى الأصلية


مضمون رقابة الإلغاء أنها تجيز للقضاء إبطال القانون غير الدستوري في مواجهة الكافة أي إعتبار القانون كأن لم يكن، و رقابة الإلغاء قد تكون سابقة و قد تكون لاحقة.

1.2. الرقابة السابقة :

تتم رقابة الإلغاء السابقة خلال تقديم القوانين التي تقرّها الهيئة التشريعية لرئيس الدولة لتوقيعها و إصدارها و عند ذلك يجوز لرئيس الدولة خلال مدة محددة إحالة أي قانون إلى الجهة القضائية المختصة للنظر في دستوريته، و يتوقف مصير القانون على الحكم الصادر من المحكمة فإذا قضت بعدم دستوريته، إمتنع رئيس الدولة عن توقيعه و إصداره من الدول التي أخذت بهذه الطريقة ايرلندا 1937.

2.2. الرقابة اللاحقة :

تفترض هذه الطريقة من الرقابة أن قانونا ما قد صدر و أن الدستور ينص صراحة على إسناد مهمة الرقابة إلى جهة قضائية محددة تنظر في صحة القوانين إذا ما طعن أحد الأفراد في قانون معيّن عن طريق دعوى أصلية بعدم الدستورية فتصدر بعد دراستها للقانون حكما يثبت القانون إن كان لا يتعارض مع الدستور أو يلغيه إذا كان مخالفا للدستور، و بطبيعة الحال يشترط في رفع الدعوى الأصلية توافر المصلحة و باقي شروط رفع الدعوى.
إذ الدول التي أخذت بهذه الطريقة لم تجعلها من إختصاص كل المحاكم على إختلاف درجاتها بل قصرتها على محكمة ذات إختصاص عال، إما أن تكون محكمة عليا أو محكمة ذات تشكيل خاص.
( الرجال أربعة رجل يدري ويدري انه يدري فسلوه ورجل يدري ولا يدر انه يدري فذاك ناس فذكروه ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك يسترشد فعلموه ورجل لا يدري ولا يدري انه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه ) .



سقوط الإنسان ليس فشلاً، ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط.:p :)

V I V E L' A L G E R I E