رد: موقف الإمام الإبراهيمي من الاستشراق
21-06-2017, 02:06 PM
موقف الإمام الإبراهيمي من الاستشراق
(2/2)

قال الشيخ العلامة المصلح:" محمد البشير الإبراهيمي" رحمه الله
مبينا حقيقة دور المستشرقين الخبيث:

" نحن نعد هذه اللجنة:( لجنة فرانس - إسلام ):تدجيلة جديدة في السياسة الفرنسية الاستعمارية تفتّق عنها ذهن مستشرق "حكومي":( المستشرق المقصود هو: لويس ماسينيون) من الذين يجعلون الاستشراق ذريعة لاستهواء الشرقيين المفتونين بالغرب، الخاضعة عقولهم وأفكارهم لعقوله وأفكاره، وأنا أسمي ثلة من هؤلاء المستشرقين "حكوميين" تسمية صادقة أصدر فيها عن روية وتثبّت، فما هم: إلا أذناب لحكوماتهم، وما هم إلا موظفون أو مستشارون حكوميون، وما هم إلا "تراجمة" للحكومات الاستعمارية وأدلاء، يترجمون لها معاني الشرق، ويدلّونها على المداخل إلى نفوس أبنائه وإلى استغلال أوطانه، وما هم إلا آلات في أيدي وزارات الخارجية، تستعملها لإبطال حق الشرق، وإحقاق باطله، ولبقاء الأمم الضعيفة في الاستعباد، أو إرجاعها إلى الاستعباد.
فالاستشراق في هؤلاء عند الحكومات الاستعمارية معناه: معرفة مداخل أوطان الشرق، ودخائل أبناء الشرق، وابتكار الوسائل لاستعمار العقول أولًا والأوطان ثانيًا، فهم روّاد عقليون قبل القوّاد العسكريين: ولذلك نرى هؤلاء المستشرقين الحكوميين يبنون أمرهم في الشهرة بين الشرقيين على الأبحاث العلمية الخالصة، ويغطون ضراوة الحجاج بطراوة "الحلاج"؛ فإذا طارت الشهرة في الآفاق، ووقع على الثقة بهم الإصفاق، أصبحوا سهامًا
نافذة لدولهم في جنب الشرق، وأدلاء بارعين على عورات الشرق، ومن هذه الطائفة صاحب فكرة "فرانس- إسلام".
من الطبيعي أن تكون أذهان هؤلاء المستشرقين المأجورين منصرفة إلى الاختراع كأذهان الكيماويين والميكانيكيين، وأن تكون هممهم متوجّهة إلى الاكتشاف كهمم الروّاد والفلكيين، ولكن هل يُكتب الخلودُ ورفع الذكر لمن اكتشف "وقف أبي مدين" في القدس كما كتبا لمن اكتشف أميركا ورأس الرجاء الصالح في الأرض، أو لمن اكتشف كواكب المجرّة في السماء!!؟.
إن هذا الصنف من المستشرقين هم: الذين سخروا العلم للسياسة، وهم الذين رضوا للعلم بالامتهان، وهم الذين لم يعتصموا بالاستقلال العلمي، فعصفت بهم الأهواء، فأصبحوا مبشّرين بالاستعمار، داعين إلى ضلاله، فهم غير أهل لاحترام العالم العلمي وإجلاله، وهم- من منازل الاعتبار- في المنزلة الدنيا بين ذوي الوظائف السياسية الرسمية، ولست أدري لماذا فوّتوا على أنفسهم أبّهة الوظيفة ومظاهرها!!؟.
كوّن هذا المستشرق لجنته في فرنسا التي هي أحد طرفي الاسم، وأوحى إلى المغرورين به في شمال أفريقيا ما أوحى، فإذا الدعاية قائمة، وإذا الاسم دائر على الألسنة، ولكن الأغراض غير محددة ولا مفهومة، وانتظر الناس الأعمال التي تفسّر المقاصد، والمقدّمات التي تشعر بالنتائج، فكانت المقدمات أحاديث ومناشير وبرقيات عن فلسطين، وعن قضية المشرّدين، وعن وقف أبي مدين (الجزائري)، ثم انتقلت إلى "تدويل القدس"، وهنا فهم مَن لم يكن يفهم، وضاع الفهم ممن كان فاهمًا، أهذه "شكشوشة" أديان؟، فلماذا- إذن- ذكرت فرنسا في الاسم، ولم تذكر المسيحية!!؟".

وقال رحمه الله:

" وأما هيأة (فرنسا- الإسلام-) التي ذكرت "الزهرة" أن العقبي مبعوث من طرفها فإننا لا نعرفها، ولا نؤمن بها، فإن كانت موجودة، فهي لِشَرّالإسلام لا لخيره، وللإضرار به لا لنفعه، وإننا نعتقد أن فرنسا أكبر عدوّ للإسلام، وهل يأتي من العدوّخير!!؟.
إن هذه الهيأة- التي لم نتبيّن إلى الآن حقيقتها- "تدجيلة" جديدة لم يَخْلُ زَمنٌ من أشباهها، ابتكرها بعض المستشرقين الذين يجعلون الاستشراقذريعة لاستِهْوَاء المفتونين من الشرقيين، ويُغَطّون لهم به ضراوة الحَجّاج، بطراوة "الحَلّاج"، ويبكون لهم على لَيْلَاهم، وهم الذين قتلوها.
أين كان هذا المستشرق يوم شاركت دولته في جريمةفلسطين، وإخراج الإسلام منها، بموافقتها على التقسيم، وبمساعداتها المفضوحة لليهود من يوم وُلدت القضية إلى الآن!!؟، إنه كان ساكتًا سكوت المغتبط بتلك الأدوارالأثيمة، لأن الإحساس المتنبّه فيه إذ ذاك هو: إحساسه الفرنسي، فلما تمّت الأدوار، وبلغت نهايتها، وعلم أن اليهود سَيأخذون المسالك على دينه ودولته معًا- تَنَبَّه إحساسه المسيحي الحانق على اليهود، وجاء يُعَزِّي المسلمين البسطاء تعزية الشامت!!؟، ويُنَبِّه دولته إلى أن هناك منفذًا تدخل منه أصبعها في فلسطين، وهو: وَقْفُ أي مدين "الجزائري"، وأن هناك ميدانًا تسترجع فيه عطف المسلمين الأغرار، وهو: قضية المشرّدين، وأن ذلك لا يتمّ إلّا بتدوبل القدس، فكأن هذا المستشرق: لم يَكْفِهِ استغلال دولته للأحياء منّا، فابْتَكَرَ لها طريقةً لاستغلال الأموات، وإنَّ هذه لَإحْدى فوائد الاستشراق لهم ... ولنا!!؟، وعلى كل حال، فهو قَدْ رَمَى الشبكة، وأصاب ما قُدِرَ له من الرزق ومن ضلّ، فإنما يضل على نفسه".(الآثار:2/340).


وقال رحمه الله:

" ولم نجد في التاريخ قديمه وحديثه عالمًا غير مسلم حذق العربية فهمًا، وأتقنها حفظًا، وغاص على أسرارها، ولابست روحه روحها، ثم لم تهده إلى حقائق الإسلام، ولم تقف به على بابه، وأقلّ المراتب التي يضعه علمه الكامل بالعربية فيها أن يكون فيه صغو إلى الإسلام، وسير في اتجاهه، وتفتّح ذهن إلى فهمه، وبشاشة نفس مع أبنائه، كأنه يحسّ أنهبمقربة منهم، وأن بينهم وبينه رحمًا واصلة، ونسبًا جامعًا، وقد امتحنا هذا الأصل فيمن عرفناه- بخبره أو أثره- من المستشرقين الفرنسيين الذين يأتوننا موظفين، أو تجّار "استشراق"، فوجدناهم شذوذًا في القاعدة، فعلمنا أن ضعف تلك العاطفة فيهم آتٍ من ضعف نصيبهم من العربية، والحقيقة هي تلك ...
وما كنا نظنّ أن مستشرقًا ما من هؤلاء: يستخفّنا برقاه، أو يسترهبنا بسحره، لأننا عرفناهم بسيماهم، وعرفناهم في لحن القول، فساء ظننا بهم تبعًا لسوء ظننا بالاستعمار الذي جعلهم جوارح لصيده، ووسائل لكيده؛ ما كنا نتوهّم ذلك حتى جاء المستشرق صاحب فكرة "فرانس- إسلام"، وقعقع الشنّ، فخيّب الظن".( الآثار: 3/351-353).


وقال رحمه الله:

" تعددت جرائم الاستعمار في هذه العصور الأخيرة، واشتدّ تكالبه على الأمم الضعيفة، فما سمعنا صيحة استنكار من هؤلاء المستشرقين على دولهم، أو على أممهم، وإن لهم عند دولهم، وبين أممهم المنزلة الرفيعة، والكلمة المسموعة، فعلمنا أن بعض أسباب ما ينعمون به من منزلة وسمعة هو: سكوتهم عن تلك الجرائم، بل تزيينها، بل الإعانة عليها، وعلمنا أن الاستشراق أصبح (صنعة) لا علمًا، وأن الاستعمار ينشطها لمآرب له فيها؛ وعلمنا أنه- لأمر ما- كان ازدهار الاستشراق مقارنًا لازدهار الاستعمار.
ونحن نعلم- مع هذا- أنالمستشرقينأصناف؛ فمنهم: من يطلب العلم رغبة في العلم، وشوقًا إلى المعرفة، وآية هذا الصنف أن يُترجم عن لغات الشرقخير ما فيها، لينقل إلى أمّته غذاءً نافعًا، ويضيف إلى معارفها بابًا من المعرفة جديدًا، وهذا الصنف هو: موضعُ إجلالنا واحترامنا، ومنهم: من يحيي أثرًا من آثار الشرقيين بنصّه ولغته، وهذا الصنف لم ينفع أمّته بعلمه، وإنما نفع نفسه عندنا بما نسبغه عليه من نعوت الإعجاب والتقدير بمبالغتنا الشرقية التي زادها الاستعمار الفرنسي في عقولنا تمكّنًا ورسوخًا؛ ولو أوتينا ما أوتي هذا الصنف من تيسّر الأسباب: لفعلنا ما لم يفعلوا؛ ومنهم: من يعمد إلى عوراتالشرقيين فيفضحها لقومه، وإلى مواقع الضعف فيهم، فيدل قومه عليها، و:(هذا الصنف هو: الكثرة الكاثرة!!!!!!؟؟؟؟؟ وهو: هدف انتقادنا، ومبعث سوء اعتقادنا.
لا نلوم من يخدم وطنه، وينفع أمّته، ولكننا نلوم من يستهزئ بنا فيغشّنا، ومن يتظاهر بنفعنا، وهو يعمل لضرّنا!!؟، ومن يعلن في معاملتنا خلاف ما يبطن، فبعض الإنصاف- أيها القوم- ولا تلوموا من ضاق ذرعه بالاستعمار فغلب صبره، فباح بشكواه، فاعترضته أعمالكم، فلمسكم لمسة، مهما تكن غير خفيفة، فلا تقولوا إنها غير عفيفة؛ وقليل لمن مسستموه بنصب وعذاب، أن يمسّكم بنقد وعتاب، ولئن كتبنا عليكم الكلمات، فلطالما كتبتم عنّا الأسفار". ( الآثار: 3/355).


وقال في( الآثار: 1/413):

" افتراء مستشرق*
وهل أتاك نبأ المغرور ÷ وما أتى من كذب وزور
معلولة الآراء والأنظار ÷ عارية السوءات للنظّار
لقيطة لقيها كفاحي ÷ مريبة كالنسل من سِفاحِ
جانبت الحقائق الملموسَهْ ÷ وجافت الوقائع المحسوسَهْ
ضمّنها أحكامه على الأمم ÷ تبًّا له من حاكم وما حكم
مقدمات بعدها نتائج ÷ لكنها محلولة الوشائج
عدا على التاريخ وهو أبلج ÷ لكن بيان المفترين يحلَج
وأنكر الخصائص المسلمة ÷ لمن غدوا نور العصور المظلمة
وخص بالذم وبالتنقيص ÷ سامًا وابْنيه على التخصيص
ومن يكن ذا نسب لصيق ÷ أزرى بكل نسب عريق
يا غر مهما زدت في التسامي ÷ لن تدرك الأصل المنيف السامي
وهل لجنسكُم من النّبوَّة ÷ ومن زكاء النبت والبنوَّة
ومن سمو الريح والضمير ÷ ومن رقي الفكر والتفكير
بعض الذي أورثنا الخليل ÷ ونسله المبارك الجليل
وهل لكم ما شاد إسرائيل ÷ وما بنى للحقّ إسماعيل
يا غر أو يا هر إن الهِرَّا ÷ ليس يخيف الليث أن أهرا
يا غر إنّ المجد لا يجتلبْ ÷ بذمّكَ الغير ولا يُسْتَلَبْ
يا غر لو مَجَّدْتَ قومك بما ÷ فيهم ولم تزد لكان أسْلَما
__________
يُرَجّح أن يكون هذا المستشرق هو: ألْفِرْد بِلْ ( alfred bel)، ولعله هو.