هام جدا: التنوير العربي: آفات ومعضلات
06-12-2016, 03:08 PM
هام جدا: التنوير العربي: آفات ومعضلات



الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



هذه مقالة ماتعة رائعة ذات أهمية كبيرة، ننشرها بإذن الله تعالى على حلقات، وفيها يستعرض الدكتور:"الطيب بن المختار الوزاني": آفات ومعضلات الفكر التنويري العربي المستنسخ عن نظيره الغربي، والذي عمل جاهدا ولا يزال على سلخ الأمة من مقومات هويتها، وجعلها نسخة مشوهة عن نظيرتها الغربية بزعم إدراك الطفرة الحضارية الغربية!!؟.
والناظر لنتيجة عبث هؤلاء المستلبين فكريا وعقديا ووجدانيا عن أمتهم، سيجدها مناقضة تماما: لما بشروا به عند بداية نشاطهم، فكانت:" دعوتهم نعيب غراب": لم تزد الأمة إلا ذلا وهوانا وتقهقرا، والواقع خير شاهد!!؟، ففكرهم هو: الذي حكم ولا يزال الدول العربية الخارجة من ربق الاستدمار الغربي.
وإلى الحلقة الأولى من المقالة:

استعمل مصطلح:"التنوير" في الفكر العربي الحديث والمعاصر: للدلالة على النهضة على غرار التنوير في أوروبا، وقد حمل هذا المفهوم منذ البداية أبعادا إيديولوجية غربية، إذ أنَّ من رفع لواءه من المفكرين العرب: كانوا منبهرين بالنموذج الغربي في التقدم والتحضر، وفي الموقف من الدين، ومن الآخر المتخلف، وفي رؤية الوجود والإنسان والحياة والمصير. ونتيجة لذلك: لم يكن التنوير العربي إلا خادما للمشروع الاستعماري والمركزية الغربية.
في هذا السياق يمكن التساؤل:
هل التنوير بهذه الصفات قادر على تحقيق هوية الأمة!!؟.
أليس الأخذ بنموذج التنوير الغربي إنما هو: تغريب للأمة عن ذاتها وهويتها وتذويب لها في الآخر!!؟.
ألا تتوفر الأمة على مرجعية صالحة للانطلاق منها!!؟.
وانطلاقا من هذه التساؤلات: يمكن رصد بعض المعضلات التي حايثت مشروع "التنوير العربي"، ووسمته بطابع الأزمة.
ومن ذلك ما يلي:

أولا: آفة فوضى المرجعيات:

يلاحظ أن "التنوير العربي": لم يستقل بإبداع تنويره الخاص به!!؟، بل أخذ مرجعياته الفكرية والمنهجية من الفكر الغربي، حتى أصبح:" التنوير العربي: مجرد رجع الصدى لكل ما وُلِدَ في الغرب من تيارات، ومرآة ناقلة لنفس المعارك في الغرب!!؟"، وقد أورد الدكتور:" جميل صليبا": اتجاهات الفكر العربي في مائة عام، وذكر عددا منها:( كالاتجاه المادي، والاتجاه العقلي، والاتجاه الروحي، والاتجاه التكاملي، واتجاه الشخصانية، والوجودية، والاتجاه العلمي)، وهي كما يبدو من أسمائها: ليست إلا اتجاهات فلسفية غربية، ليس بينها وبين الفكر العربي نسب طبيعي!!؟.
ورغم أهمية هذا التصنيف وإبانته الصريحة عن عمق التغريب في الفكر العربي، إلا أنه غير حاصر؛ ف:" الفكر التنويري العربي": شهد حضور اتجاهات فلسفية ومنهجية عديدة:( كالماركسية والوضعية والداروينية والبنيوية والتفكيكية وتيارات التحليل اللساني المعاصر -سيميائية وتداولية، وتيار التأويلية، ونزعات تاريخية واجتماعية ونفسية بألوان متعددة): كما هو واقع حالها في العلوم الإنسانية الغربية، فضلا عن التيارات السياسية والحزبية لبرالية ويسارية وقومية.
هذا التعدد في:" نماذج التنوير العربي الذي استنجد بنماذج التنوير الغربي":يقودنا إلى التساؤل:
هل هذا التعدد والاختلاف: دال على التنوع والخصوبة المعرفية والإجرائية المنهجية، وعلى وعي العربي بواقعه وإبداعه ما يناسبه من حلول، أم هو دال على الفوضى المعرفية والحيرة الإيديولوجية، والصراع الإيديولوجي الذي عرفه المشهد التاريخي الغربي من صراع النماذج فكرا واجتماعا وسياسة!!؟.
في الواقع يحتمل الأمر البعدين معا، رغم ما يظهر من تناقضهما:

ففي الملمح الأول: يظهر أن "التنوير العربي": غني بطروحاته الفلسفية ومرجعياته الفكرية، وهي: مرجعيات، وإن اختلفت لافتاتها ومنطلقاتها ومسمياتها إلا أنها تلتقي على أرضية واحدة، ومنطلق واحد هو:( المنطلق المادي والعلماني والإلحادي: الكلي أو الجزئي)؛ كما تتوحد في هدف واحد هو: خدمة المشروع التغريبي في الأمة، وتنوب عن الغرب في معركة الغزو الفكري، واستنبات ما عجز الغرب عن زرعه واستنباته بالدبابات والعسكر؛ وتوحدت كلمتها وغاياتها القريبة والبعيدة على مخاصمة الدين الإسلامي، وتحالفت من أجل نزع القداسة عن الوحي والشريعة، وتفكيك المؤسسة الدينية على غرار التجربة الغربية في تفكيك المقدس المسيحي وتجاوزه!!؟.

وفي الملمح الثاني: يلاحظ أن التعدد المرجعي والفلسفي للتنوير العربي: يعكس فوضى فكرية، واضطرابا منهجيا وحيرة لدى التنويري العربي، تجلى ذلك في تعدد المعارك الفكرية بين أصحاب هذه التيارات، ما جعل الأمة تعيش حالة من الفوضى المعرفية، والتشظي الإيديولوجي، والحيرة والاضطراب أمام الشبهات المثارة ضد مقومات الأمة وخصوصياتها الحضارية والدينية.
ويعكس حالة الفوضى المقصودة التي ولدت لدى المثقف العربي:" حالة الضياع أو الفراغ الإيديولوجي الذي لا يعبر إلا عن الاستلاب الثقافي العام الذي تكون نتيجته: تجذيرا فعليا للتخلف، وتوطيدا للتقدم أو التطور السطحي المرتبط بجميع مستوياته العليا والدنيا الفوقية والتحتية بالغرب"[1].

يتبع إن شاء الله.