رد: ماهو النقد الادبي
08-02-2009, 08:40 PM
وظيفة النقد الأدبي:

إذا كانت هنالك صفة مشتركة بين سائر الأبحاث النقدية، فإنها تتجلى في وقوفها على منهج معين. ومن ثم، فإن محاولة وضع المناهج هو الشئ الذي يجعلنا نفرق - مثلا - بين ناقد وآخر. ذلك أن المنهج هو، أولا وقبل كل شئ، الحيز الرئيسي الذي ينطلق منه كل تأمل حول قيمة المعرفة. وهذا ما يجعل الاتجاه الحالي للنقد ينطوي على مؤشرات ومقولات فكرية دامغة تكشف عن ابتكارات ومكتشفات علمية تحدد الظروف الملائمة للمنطق والإبداع، وتنير السبيل أمام نقاد الماضي أنفسهم عن طريق التأكيد على أن ما تبقى من أعمالهم لا يتجاوز بعض المقترحات والتصورات التي حاولت أن تطرح نفسها كمنهج.

وهكذا، ففي إطار البحث عن منهج وبلورة أدواته يصبح النقد مجالا للخلق، كما يحدد انتماءه إلى الأجناس الأدبية التي يعالجها على اعتبار أن الإبداع - سواء على مستوى الرواية أو المسرح - هو ذلك التساؤل الأبدي حول الوسائل والغايات، والذي يشع عبر تشكيل وإعداد المناهج الحديثة. لذلك، نجد كل روائي يطرح نفسه على هذه الصورة أو تلك من خلال تصور أولي يتبناه حول مفهوم الإبداع الروائي عموما، ثم يسعى فيما بعد إلى اعتبار ما يلزم أن تخضع له الرواية من مناهج أسلوبية وتركيبة لكي تؤدي وظيفتها على أحسن وجه. فبلزاك - مثلا - كان يؤمن بمبدإ «رواية الإرادة الإنسانية» التي تضعنا أمام جوهر الحقيقة الاجتماعية. وقد وظف لذلك المناهج الضرورية شأنه شأن بروست وغيره من الروائيين العالميين الكبار.

وواضح أن تصور الأدب هو الذي دفع النقد إلى رصد هذا التطور، وذلك بالبحث عن مناهج جديدة، وتحديد نفسه بدون انقطاع، وصياغة مادته على غرار الرواية أو التراجيديا. لكن لماذا أصبح النقد (كما أصبح الأدب عموما) مختبرا للتجريب، واكتشافات جديدة بعد أن كان فيما قبل يخضع لأحكام ذوقية وقواعد فرعية؟ الجواب هو أنه قد أدرك إلى أي حد يبدو كل نتاج معارضة وصرخة احتجاج ضد العالم، وذلك بمقدار ما يبدو نفسه عالما يناقض معتقداتنا ومداركنا العلمية. ثم إن الفن حينما لا يقوم باسترجاع «اليومي»، وإنما ينهمك في الكشف عن حقيقة غامضة لا يمكن إدراكها إلا بواسطة تلك الوسائل الحديثة كما هو الأمر في ميدان العلوم، حينذاك فإن النقد لا يمكن أن يكون له تأثير على الفن انطلاقا من تلك «الحقيقة» المعروفة التي ينحصر دور الفن في فضح بديهيتها. وإلا، فإن كل نقد سيغدو مصادرة على المطلوب، وسلطة شئ لم يتم بعد اتخاذ حكم في شأنه، وهذا يعني أنه لا يعدو أن يكون مجرد حكم مسبق.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا نبادر إلى طرح السؤال التالي: ما هو الشئ الذي كان يعترض عليه الفن لكي يحمل الناقد بدوره الاعتراض على نفسه؟ لا شئ على الإطلاق سوى تلك العلاقة القائمة بين الإنسان والعالم التي تناولتها المذاهب الفلسفية في باب نظريات المعرفة. وبما أن الفن كان يقترح بدون انقطاع - وعن طريق أدوات مستحدثة - معرفة جديدة لهذه العلاقة، فقد كان يبدو هو أيضا في بادئ الأمر وسيلة للمعرفة وتعبيرا عن علاقة بعينها تربط الإنسان بالعالم. فما هي هذه العلاقة إذن؟

من الأكيد أن عمل الروائي أو المسرحي لم يكن يرمي إلى توضيحها لأن موضوعها لم يكن ينحصر في الإشارة إلى جوهر الفن بقدر ما كان يسعى إلى الكشف عن ماهية الكون. وعلى العكس من ذلك، فوظيفة النقد كانت تتجلى في إعداد المناهج والطرق لمعرفة الفن ذاته في علاقته مع العالم. وهذا ما حدى بالنقد الحديث إلى إيجاد أدواته ومواضيعه، كما أصبح يتميز عن النقد القديم عن طريق موقف متميز لا يمكن أن نتجاهله، لأن هذا الموقف كثيرا ما كان يجعله يلجأ إلى الفيلسوف والشاعر. وبما أن النقد كان يرجع إلى القصيدة كل فن للكتابة، وكل فلسفة إلى تأمل حول مفهوم الشعر، فقد كان يتوجه فورا إلى مشكلة تلك العلاقة القائمة بين الإنسان والعالم التي تشع عبر معطيات الفن. ومن ثم، أفلا تكون الفلسفة - انطلاقا من نيتشه وصولا إلى هيدجر - مجرد تأمل حول شعرية الإنسان، وبالتالي مساءلة للنتاجات الأدبية؟ إذ بقدر ما يغدو النقد مسائلا للفن - كما يفعل الفنان تجاه العالم - بقدر ما يعلن بوضوح عن ولادة «جنـس» أدبي لا يزال مجهولا إلى حد الآن: الشئ الذي يجعله - مثل كل إبداع فني - قائما على مخاطر جمالية كأن يلجا الناقد إلى التسطيع، والمهاترة، والأحكام المجانية، والمقولات العسفية.

لذلك، فإننا نعلم بأن المناهج الجديدة التي سيطرحها النقد ابتداء من مطلع هذا القرن ليست في الواقع إلا تجسيدا لتطور العلوم الإنسانيـة.



( .. يتبع .. )
[SIGPIC]https://scontent-mxp1-1.xx.fbcdn.net/v/t1.0-9/21032558_1535798633150991_3828048114234565275_n.jp g?_nc_cat=0&oh=fc672f4f4a3d4f1a3b6c16149c40ddf6&oe =5BA881B9?type=sigpic&userid=1506&dateline=1414496 936[/SIGPIC]


و الشعر ماذا سايبقى من أصالته
إذا تولاه نصاب و مداح
الثورة وقودها الفقراء يقودها الأغنياء و العلماء و يجني ثمارها الجبناء و العملاء
أنا " محمد مخفي "