رد: هام جدا: التنوير العربي: آفات ومعضلات
21-12-2016, 03:09 PM
رابعا: آفة الإسقاط المصطلحي:
معلوم أن المصطلحات في حقل المعرفة الإنسانية -وبحسب ما تؤكده الدراسات الغربية نفسها- مصطلحات نسبية وتاريخية، ومشروطة بظروفها الموضوعية والتاريخية التي أنتجتها، ولا يجوز بحال إسقاطها على واقع آخر، غير أن المفكر التنويري العربي ينسى هذه القاعدة النظرية، فيُقِيمُ تحليله للدين الإسلامي وللفكر والحضارة الإسلامية على الإسقاط المصطلحي!!؟.
وهكذا يصبح مثلا عند التنويري الماركسي: التاريخ الإسلامي صراعا طبقيا بين البروليتاريا والبورجوازية، وصراعا بين اليمين واليسار، وأن الصحابة رضي الله عنهم كان فيهم يمين ويسار، وبروليتاريا (فقراء) وبورجوازية (أغنياء)، وأن الخلافات بينهم يجب إخضاعها لقوانين المادية الجدلية والمادية التاريخية!!؟.
وعند التنويري العقلاني يصير المعتزلة عقلانيين!!؟، في مقابل غيرهم من المتكلمين والفقهاء: نصيين وغير عقلانيين!!؟، ويصير ابن رشد عقلانيا في مقابل لا عقلانية الغزالي وابن تيمية...
وعند التنويري الوجودي يغدو التاريخ الفكري الإسلامي زاخرا بالمفكرين الوجوديين؛ فالصحابي سلمان الفارسي والشاعر المعري وابن عربي المتصوف والحلاج والسهروردي والطوسي وإخوان الصفا هم: شخصيات (قلقة) وفلاسفة (وجوديون)!!؟"[15]
وعند أصحاب النزعة النفسية يُدخل الفكر الإسلامي كله لمصحة التحليل النفسي، ويصير كل الإبداع الإسلامي تحكمه العقد والأمراض النفسية، والصراع بين الهو والأنا الأعلى!!؟، كما تجد التاريخ الإسلامي هو: مجرد تاريخ الصراع الجنسي ولو مع كبار الأئمة والأعلام، بل إن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تسلم من إسقاطات التحليل النفسي!!؟.
وعند:" دعاة التنوير العربي على النهج البنيوي": تجد العلماء المسلمين كانوا بنيويين على غرار بنيويي الفكر الأوربي المعاصر!!؟، ويتم تحليل النصوص الإسلامية وقراءة التاريخ الإسلامي قراءة بنيوية لا يخفى فيها وجه التَّكلُّف في الإسقاط والتَّمحُّل في لَيِّ أعناق التراث الإسلامي وإبداعاته وحركته للمعايير البنيوية.
وعند دعاة الهيرمنوتيقا والتأويلية تنتفي القيمة العلمية لما أسسه العلماء من علوم ومعارف شرعية ضابطة للنظر والتأويل؛ بل يصبح ذلك كله نسبيا وخاضعا لأفق القارئ والمؤول!!؟، لأن النص -دينيا كان أم بشريا- خال من الدلالة والمعنى، ولا يضفي عليه الدلالة إلا قارئه، وبالتالي فلكل قارئ تأويله!!؟.