رد: ابن تيمية وجهوده في كشف حقيقة التتر
08-07-2017, 10:54 AM
ابن تيمية وجهوده في كشف حقيقة التتر
(2- 2)

خَرَجَ التَّتر مِن عُزلَتهم كمجتمَعٍ بَدَويٍّ ليكونوا حُكَّامًا جُددا للعالم!!؟، وفي إطار تحولهم مِن فِئةٍ هامِشيةٍ محصُورةٍ في بُقعَةٍ مِن الأرض إلى شَعبٍ حَاكِمٍ: شَهِدَ التَّترُ تحولا في المعتقدات والشرائع ونمط العيش والإدارة، وإن ظَلَّت الصفة البربرية المتوحشة هي: السائدة على الشخصية والطبيعة التترية، وفي حين أنهم كانوا مُشركين وثنيين قُبيلَ تحركهم باتجاه الشَّرق، يَعبُدون الظَّواهِرَ الطَّبيعيةِ وبَعضَ الحيوانات، تحولوا مع دخولهم الصِّين للديانة البوذية، ثمَّ مع احتكاكهم بمجتمعات الشَّرق واختلاطهم بها سعى "جنكيز خان" لصياغة ديانة جديدة تجمع بين دين التتر القديم إضافة إلى بعض شرائع من الإسلام والنصرانية واليهودية، مازجا بينها وبين ما يراه في قالب جديد للدولة الوليدة والأمة المتشكلة حديثا.
وضع "جنكيز خان" الديانة الجديدة في دُستُورٍ عَامٍ أطلِقَ عليه اسم: "الياسق"[1]، وحَمَلَ قَومَه للإيمان بها وتحكيمها في دولتهم،.وقد كان غرض "جنكيز خان" بذلك: إدخال أكبر قدر من الناس في الولاء للدولة الإمبراطورية الناشئة، فيكف رأى ابن تيمية حقيقة هذا التحول التتري!!؟.
بداية: ينبغي أن نؤكد أن ابن تيمية –رحمه الله- ميَّز بين مفهومين للتتر: مفهومهم كقُوةٍ سياسِيةٍ حَاكِمةٍ، ومفهومهم كأفراد، وهذا ما جعل أقواله –في نظر البعض- غير واضحة وجلية في شَأنِ التتر، كما أنَّه -رحمه الله- ميَّز بين فترات تحولاتهم مُنذُ قُدومِهم للشَّرقِ الإسلامي.

لعبة السياسة القذرة:
لقد كان ابن تيمية يُجلِّي حَقِيقَةَ دَعوَى التتر في دُخُولهم للإسلام، في فترةِ ادَّعائهم ذلك بُعَيدَ دُخُولهم للمشرقِ غَازِين مُحتَلين، فإنهم في بِدايةَ قِتالهم للمسلمين كانوا مُشركِين لا يُشكُّ بكُفرِهم، لكنهم مع دُخُولِ بلادِ المسلمين ومُكثِهم فيها أظهروا شيئا مِن الإسلام، وقَرَّبوا مَن وافَقَهم مِن طَوائِفِ الزَّنادِقةِ الإسماعيلية و مِن فِرقِ القرامطة وملاحدة الصوفية ، واستعملوهم في سياسةِ الناس؛ غير أنَّه لم يتغير كثيرٌ مِن واقعهم.
يقول ابن تيمية عنهم: "وهم يقاتلون على ملك "جنكيز خان"، فمَن دَخَلَ في طَاعَتِهم: جَعَلوه وليًّا لهم، وإن كان كَافِرًا، ومَن خَرَجَ عن ذلك: جَعَلوه عدوًّا لهم، وإن كان مِن خِيارِ المسلمين، ولا يُقاتِلون على الإسلام".
ويرى أنَّ:" غَايةُ كَثيرٍ مِن المسلمين مِنهم، مِن أكَابِرِ أُمرائهم ووُزرائهم: أن يَكونَ المسلِمَ عندهم كمَن يُعظِّمُونه مِن المشركين مِن اليهود والنصارى؛ كما قال أَكبَرُ مُقدِّميهم الذين قَدِمُوا إلى الشام، وهو يُخَاطِبُ رُسُلَ المسلمين ويَتَقرَّبَ إليهم: بأنَّا مُسلِمون!، فقال: هذان آيتان عظيمتان جاءَا مِن عند الله: محمد وجنكيز خان!!؟".
وهذا غَايةُ ما يَتقرَّبُ به أَكبَرُ مُقدَّمِيهم إلى المسلمين: أن يُسويَّ بين رَسولِ اللهِ -أَكرَمِ الخَلقِ عليه وسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ وخَاتَمِ المرسَلين- وبين مَلِكٍ كَافِرٍ مُشرِكٍ -مِن أَعظَمِ المشركين كُفرًا وفَسادًا وعُدوانًا مِن جِنسِ "بُختَ نَصَّر" وأمثاله، -كما يقول ابن تيمية رحمه الله.
وقد كان اعتقادُ التَّتر في "جنكيز خان" عظيما، فقد كانوا يرون أنَّه:" ابن الله!!؟، ويقولون: إنَّ الشَّمسَ حَبَّلَت أُمَّه![2] "، وهم مع هذا يجعَلُونه أَعظَمَ رَسُولٍ عِندَ اللهِ في تعظِيمِ ما سَنَّه لهم، وشَرَعَه بظَنِّه،.. حتى يقولوا لما عندهم مِن المال:" هذا رزق جنكيز خان!"، ويشكُرُونَه على أَكلِهم وشُربِهم!!؟، وهم يَستَحِلُّون قَتلَ مَن عَادَى ما سَنَّه لهم هذا الكَافِرُ الملعُونُ المعَادي لله ولأَنبيائِه ورَسُوله وعِبادِه المؤمنين".
لذا جعل ابن تيمية قِتالَ التَّتر -الذين يجعلون رَسولَ اللهِ كجنكيز خان- أولى مِن قِتالِ أتبَاعِ مُسيلِمَة الكذَّاب الذي ادعى أنه شريك محمد في الرسالة. ويقول: " وإلا، فَهُم مع إظهَارِهم للإسلامِ يُعظِّمُون أَمرَ جنكيز خان على المسلمين المتَّبِعِين لشَريعَةِ القُرآنِ، ولا يُقَاتِلُون أَولئكَ المتَّبِعِين لما سَنَّه جنكيز خان كما يُقَاتِلون المسلمين"، ثمَّ يقول: " وهم يحارِبون المسلمين ويُعادُونهم أعظَمَ مُعَادَاةٍ، ويَطلُبون مِن المسلمين الطَّاعةَ لهم، وبَذلَ الأَموالِ، والدُّخُولَ فيما وَضَعَه لهم ذلك الملك الكَافِرُ المشرِكُ المشَابِه لفرعَونَ أو النُّمرودُ ونحوهما، بل هو: أَعظَمُ فسَادًا في الأرض مِنهما".
ويصور جرائم جنكيز خان بقوله: " وهذا الكَافِرُ عَلا في الأَرضِ، يَستَضعِفُ أَهلَ الملَلِ كُلِّهم، مِن المسلمين واليَهودِ والنَّصارى، ومَن خَالَفَه مِن المشركين، بقَتلِ الرِّجال وسَبيِّ الحَريمِ، ويأَخُذَ الأَموالَ ويُهلِكَ الحرثَ والنَّسلَ، والله لا يُحبُّ الفَسَاد، ويَردُّ النَّاسَ عمَّا كانوا عليه مِن سِلكِ الأَنبيَاءِ والمرسلين إلى أَن يَدخُلُوا فيما ابتدعه مِن سُنَّتهِ الجَاهِليةِ وشَريعَتِهِ الكُفريَّةِ".
إن حقيقتهم أنَّهم:" يَدَّعُون دِين الإسلامِ، ويُعظِّمون دِينَ أولئك الكُفارِ على دينِ المسلمين، ويُطيعُونهم ويُوالُونهم أَعظَم بكثيرٍ مِن طَاعةِ اللهِ ورَسوله وموالاةِ المؤمنين، والحُكمُ فيما شَجَرَ بين أَكَابِرهم بحُكمِ الجاهلية، لا بحُكمِ اللهِ ورَسولِه".
وتتساوى الأَديَانُ في نَظرِ رِجالِ دَولَةِ التتر: "وكذلك الأكَابِرُ مِن وزَرائِهم -وغَيرِهم- يجعَلُون دِينَ الإسلامِ كدِينِ اليهودِ والنَّصارى، وأنَّ هذه كُلُّها طُرقٌ إلى الله، بمنَزلَةِ المذاهِبِ الأَربعَةِ عندَ المسلمين، ثمَّ مِنهم مَن يُرجِّحُ دِينَ اليَهودِ أو دِينَ النَّصارى، ومِنهم مَن يُرجِّحُ دِينَ المسلمين"[3].
إنَّ هذا الخلط المتعمد بين المعتقدات والأديان هو: لحَقِيقَةٍ سيَاسِيَّةٍ واحِدةٍ، قِيامُ الدَّولة التترية الكبرى، لذلك تَعتَمِدُ سياستهم على تقسيم الناس إلى "صَدِيقِهم وعَدُّوهم، والعَالِم والعَامي"، فـ"مَن دَخَلَ في طَاعَتهم الجاهليةِ وسُنَّتِهم الكُفريَّةِ: كان صَديقَهم، ومَن خَالَفهم كان عَدوَّهم، ولو كان مِن أَنبيَاءِ الله ورُسُله وأَوليَائِه، وكُلُّ مَن انتَسَب إلى عِلمٍ أو دِينٍ سموه (داشمند)، كالفقيه والزاهد والقسيس والراهب ودنَّان اليهود والمنَجِّم والسَّاحِر والطَبيبِ والكَاتِبِ والحَاسِبِ"، ويُدرِجُون في هذا مِن المشركِين وأَهلِ الكِتابِ وأَهلِ البِدعِ: ما لا يعلَمُه إلا الله، و"يجعلون أهل العلم والإيمان نَوعًا واحِدًا!!؟"[4].
لذلك، فإنَّ التتر استعانوا بالقرامِطةِ الملاحدةِ البَاطنيةِ الزَّنادِقةِ المنافقين، وبالرافضة، وجعلوهم ولاة لهم على جَميعِ مَن انتسَبَ إلى عِلمٍ أو دَينٍ، مِن المسلمين واليهود والنصارى، "حتى تولى قَضاءَ القُضاةِ مَن كان أَقرَبَ إلى الزَّندقَةِ والإلحادِ والكُفرِ بالله ورَسولِه، بحيث تكون مُوافَقَتُه للكُفَّارِ والمنافقين مِن اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يُريدُونَه: أَعظمُ مِن غَيرِه؛ ويَتظَاهَرُ مِن شَريعةِ الإسلامِ بما لابُدَّ له مِنه، لأَجلِ مَن هناك مِن المسلمين، حتى إنَّ وزِيرَهم هذا الخبيث الملحِدِ المنَافِقِ صنَّفَ مُصنَّفًا مَضمُونَه أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي بدِينِ اليَهودِ والنصارى، وأنَّه لا يُنكَرُ عليهم، ولا يُذَمُّون ولا يُنهَون عن دِينِهم، ولا يُؤمَرُون بالانتقال إلى الإسلام!!؟"[5].