رحل ... ومع ذلك ما زال ماثلاً للعيان
05-02-2018, 04:43 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أول ما قام به الاستعمار بعد إبادة وتقتيل العباد، والإفساد في البلاد محاربته لِلُغة أهل البلد، و كذلك الدين الإسلامي، وللمرء أن يقول إحداث ما يُعبر عنه بـ " تجفيف المنابع الثقافية".
ومن نافلة القول في مصطلحات التنظير الفكري، إن الاستعمار هو من بدأ بمحاصرة المجتمع المستعمَر ودفعه إلى طريق الانحدار الحضاري، و ذلك بتجهيله و" تفريغه" من محتواه الثقافي. ثم عمل على حشو عقول فئة وعيّنة معيّنة من الأفراد العربية الإسلامية ببعض مبادئ ثقافة المستعمِر، وذلك لكسب ود ورضا تلك الفئة لتتقبل لكل ما يأتي من المستعمِر، بل لتكون الأداة الطيّعة والمدافعة عن جهل لمصالح وقشور ثقافة المستعمِر، أو ما يُعبر عنه بـ " القابلية للاستعمار" كما أشار إليه المفكر الاسلامي نابغة القرن/ مالك بن نبي.
كما يشرح ذلك ابن نبي ... أنّ عامل "القابلية للاستعمار" هو العامل الداخلي المستجيب للعامل الخارجي، إنه رضوخ داخلي عميق لعامل الاستعمار، يرسخ الاستعمار ويجعل التخلص منه مستحيلاً.
ثم يشرح ابن نبي الأمور بملاحظات وجيهة، يريدُ بها وكأنه يخبرنا أن تلك الفئة التي رضيت " باستحمارها" للمستعمِر ، حتى وإن رحل، فتراها تستبطن مفاهيم المستعمِر ، كما أنها تقبل حتى بالحدود التي رسمها ذلك المستعمِر لشخصيتها وكينونتها، لدرجة أنها تصبح تدافع عن تلك المفاهيم و"تكافح " ضد من يريد إزالة تلك المفاهيم الثقافية حتى ضد أبناء جلدتها.
وهذا ما يُعرف بالاستلاب الثقافي.
فالمرء الذي منحه الله بداهة ليحسّ ويشعر أن تلك الفئة رضيت؛ بل " تتباهى" بقبولها أنها أصبحت "ضحية" المستعمِر؛ إذ ترى حتى أحط الألقاب والأسماء التي وُصّفت بها لا غضاضة فيها في نظرها
وما أصدقه وهو يقول ساخرًا:
" إذا لم نكن شاهدنا خصياناً يلقبون أنفسهم بالخصي، فقد رأينا مراراً مثقفين جزائريين يلقبون أنفسهم بالأهالي"
ترى هل ما زال هناك من يماري في ذلك؟
ورغم أن المستعمِر قد رحل، وكأنه ما زال ماثلاً للعيان

التعديل الأخير تم بواسطة علي قسورة الإبراهيمي ; 05-02-2018 الساعة 05:36 PM