رد: بر الوالدين
07-02-2018, 04:35 PM
السؤال :

أنا شاب ، متدين ، ومحافظ على ديني وصلاتي ، ولا أزكي نفسي على الله ، وبار بوالدتي

وأحب لها الخير ، وأدعو لها ، وأتصدق عنها ، وأزورها يوميا ، وأعيِّد عليها قبل ابنيها ، وأعطيها من راتبي كل شهر ، لكن المشكلة :

أنها تنسى هذا كله ، وكأنني لم أفعل شيئاً ، وسبب هذا :

أنها تطيع ابنها الأكبر ، وتسمع كلامه ولو كان كذباً أو خطأً ، وهي تعرف أنه كذاب لكن لا تستطيع أن تقول له أنت مخطئ ، وعمره 55 سنة ، ولا يصلي !

وبيته أمام المسجد ، ورجل فاسد ، لكن أمي تحبه حبّاً جنونيّاً لدرجة أنها تعادي من يعاديه ، وتحب من يحبه ، وبعد أن نصحتها أن هذا تفريق بين أولادك لا يجوز ولا بد أن تعدلي بينهم

وأن فعلها سوف يبني الحقد والبغض بينهم :

لا تلتفت لهذا الكلام ، وكان ابنها الأكبر قد أكل ورث إخوته وحقوقهم النقدية ، وكان يضغط عليهم - بمساعدة أمي -

أن يتنازلوا له عن الأراضي ، وحين رفضتُ أنا غضبت أمي عليَّ وعادتني ، وكانت تقول :

هذا الورث من حقه ، وأنتم ليس لكم شيء !

ونصحتها أن عملها هذا حرام ، فغضبت مني ، وصبرتُ عليها ، وتحملتُ ، وقلت :

حقي من ورث والدي لن أتنازل عنه ، فأصبحت تعاديني ، وتقف مع ابنها الأكبر ، وتحقيري أمام الناس ، وإحراجي في المناسبات

ورفضهم أن أُحضرها ، مما جعلني في همٍّ وغمٍّ من تحقيرهم لي أمام الناس ، وبعد أن عرفتُ أن والدتي لن يتغير طبعها معي وترك ظلمي وأنها مصرة على الوقوف مع ابنها الأكبر

وخوفاً على ديني ، وأن تفلت أعصابي ، أو يوسوس لي الشيطان وأخطئ في حق والدتي :

تركتها ، وتركت زيارتها ، وسافرت لمنطقة بعيدة ؛ كي أنساهم ، لكن - والله العظيم - يا شيخ - إني أتصدق عنها

وأدعو لها في كل صلاتي أن الله يهديها وتترك الظلم وترجع لي الحق وتترك ابنها الذي يوسوس لها مثل الشيطان .

يا شيخ : هل فعلي هذا عقوق ؟ .

( ياشيخ كثير من الشباب عقوا والديهم بسبب التفريق بينهم ) .

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

ما تفعله من بر والدتك ، والإحسان إليها : هو من الأعمال الجليلة ، والواجب فعلها من كل ولد تجاه أبويه ، وخاصة والدته .

ثانياً:

وما تقوله من أن التفريق في معاملة الوالدين تجاه أولادهم يؤدي إلى الفرقة ، والتباغض ، والتحاسد :

صحيح ، ولذلك منعت الشريعة المطهرة الآباء والأمهات أن يهبوا لأحد أولادهم ما لا يفعلونه مع باقيهم ، ومن شأن من خالف هذا أن يسبب بغضاً وتنافراً في الأسرة الواحدة ، سواء تجاه من أعطى منهما ، أو من أخذ من إخوانه ، وقد يكون البغض لكليهما .

ثالثاً:

ما يطلبه شقيقك وأمك منك أن تتنازل عن نصيبك في ميراث والدك :

ليس من العدل في شيء ، بل هو من الظلم ، ومن أكل الأموال بغير حق ، ولا يلزمك طاعة أمك فيه ، بل عليهما أن يتقيا الله في طلبهما ذلك منك ؛ فإنه لا يحل لهم ، وعلى أخيك أن يتقي الله تعالى فيعطي كل ذي حق – من إخوته – حقَّه ، وما أخذه من نصيبهم من الميراث فهو سحت يأكله

ومالٌ حرام يطعمه ، ونأسف أن نقول إن والدتك شريكة في هذا الإثم ؛ حيث أعانته على ذلك ، بل وتطلب منك بقوة أن تتنازل عن حصتك من أجله .

رابعاً:

ما فعلتْه أمك معك من الإساءة والتحقير ، وما تطلبه منك من إعطاء حصتك في الميراث لأخيك :

لا يبيح لك - بحال - أن تعاديها ، ولا أن تعقها ، ولا أن تترك برَّها والإحسان إليها ، نعم ، لا يلزمك طاعتها فيما تطلبه منك من التنازل عن حصتك في الميراث ، لكن الله تعالى قد أمرك بالإحسان إليها وبِرِّها حتى لو كانت تجاهدك لتكفر بالله تعالى !

فكيف وهي تجاهدك للتنازل عن شيء من لعاع الدنيا ؟!

وابتعادك عن البيت قد تكون معذوراً فيه ، لا سيما إن كانت في معيشتك معهم ضرر عليه ، أو أذى يلحق بك ، وشق عليك أن تصبر على أذاهم ، لكن هذا لا يعفيك من استمرار الاتصال بأمك والسؤال عنها ، والإحسان إليها قدر طاقتك

ولعل من الخير أن تخبر والدتك بسبب ابتعادك عنهم ، وأنك مع ذلك تدعو لها في صلاتك ، وأنك تتصدق عنها ، فلعلَّ ذلك الإخبار أن يكون سبباً في تغيير موقفها تجاهك .

خامساً:

من الضروري نصح أخيك بالصلاة ، وبيان خطر تركها عليه ، وكذا تنصح أمك بأن تنقذ ولدها من النار بدلاً من الحرص على دنياه وتجميع المال بين يديه ! وقد ثبت كفر تارك الصلاة في القرآن والسنَّة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فليس الأمر بالهين ، ولا باليسير ، وماذا ينفعه أن يعيش في الكفر والظلم ؟ وما هي السعادة التي ينعم بها ؟ إن الحياة أقصر من أن يأمل البقاء فيها ، وإن الدنيا أحقر من أن يعيش من أجلها ، فليسارع إلى طاعة ربه بإقامة الصلاة .

أن تارك الصلاة لا يقبل منه عمل ، لا زكاة ، ولا صيام ، ولا حج ولا شيء .

والله أعلم