قصة : من وحي الثورة
28-10-2013, 11:17 PM
قصة : من وحي الثورة

في قريتي شاب مراهق بملامح رجولية طافحة ، حفظ القرأن العظيم في مسقط رأسه كأترابه في غياب أبيه المغترب بفرنسا ، فطنته الزائدة دفعته للإلتحاق بالمعهد الباديسي بقسنطينة في السنوات الأولى لاندلاع ثورتنا التحريرية الكبرى 54م62.حيث تشبع الشاب ( محمد) بالقيم الدينية والثورية .

°°°عند اشتداد ساعد الثورة حيث كانت الحاجة للرجال والمال والسلاح ، عاد الشاب إلى قريته الصغيرة ، وفي عقله تمرد وثورة ...، عايش زخم الكفاح عن قرب وشاهد الحيف والإضطهاد والتقتيل ،... شاهد الأمهات يساهمن بمجهودهن في طهي الكسكسي بتوابعه للمجاهدين ... ، عاين ضربات المدفعية المصوبة تجاه قريته التي أزهقت الأرواح ... ويتمت الأطفال .. وأعاقت حتى الحيوان ، سمعت أذناه أزيز الطائرة الصفراء ، وأسراب أخرى للمقنبلات التي لا تبق ولا تذر... والتي تجبر الناس على الجري نحو الخنادق القريبة التي حفروها سابقا لإحتماء داخلها ، فتلك الطائرات بقنابلها تحول الكثير من الديار إلى مقابر جماعية لأفراد الأسرة الواحدة ...

°°°في هذه الأجواء المرعبة عاش شابنا المراهق [محمد] الذي اغتنم فرصة مرور جيش التحرير على قريته ، فتقرب من العقيد [عميروش ] طالبا منه السماح له الإلتحاق بصفوف جيش التحرير ، فنظر عميروش إليه باستخفاف قائلا له : إنك صغير يا بني لم تبلغ سن الرشد بعد ، فأنت بحاجة إلى كفالة .
°°°عاد الشاب إلى بيته مكسور الجناح من هول ما سمع ، فخطر له حل هو الإستعانة بعمه( رابح) ليتوسط له لدى القائد عميروش ، فعمه معروف بنضاله السياسي وأسبقية ابنه ( ادريس ) في الإنخراط في الثورة في بداية اندلاعها ، استجاب العم لطلب ابن أخيه ، فطرح القضية على القائد مبينا خصال ابن أخيه ليُقبل كمجاهد في سبيل الله والوطن ، فقبل عميروش الطلب بشرط ضمانات وكفالة من عمه [ رابح ].
°°°فرح الشاب ( محمد) بهذا الحدث العظيم فرحا يوازي أفراح الأعياد ، فقد أحس بنشوة الإنتصار ، وأنه عضو كامل الأهلية للمساهمة في الجهاد مع إخوانه في المنطقة ، فبعد أيام من انخراطه الرسمي في الجبهة أُسنتدت له مهام تليق بعلمه وثقافته ، فكان كاتبا ، ثم ترقى حتى أصبح محافظا سياسيا .

°°° بعد أشهر عاد عميروش للقرية في مهمة ، فأرسل يطلب عم الشاب (محمد) على جناح السرعة ، فوصل الرسول إلى باب الشيخ ( رابح ) الذي توسط لابن أخيه سابقا عند عميروش ، ...ففتح الباب مذعورا للخبر الذي سيسمعه …. فقال له الرسول : إن عميروش يطلبك على جناح السرعة ... فلا تتأخر ... فبدأت أليات التأويل عند الشيخ [ رابح ] مخاطبا نفسه ، ماذا حدث ؟ لما يستدعيني أنا وليس غيري ؟ هل وقع مكروه لابني المجاهد يدريس؟ ، هل شكُّوا في إخلاصي للثورة ؟ .... استفهامات عديدة رافقت الشيخ في رواحه لمقابلة عميروش ، وفجأة تذكر قضية ابن أخيه ( الشاب محمد) فقال في قرار نفسه لعل [محمد ] ارتكب خطأ جسيما في حق الثورة ، وسأدفع ثمنه من دمي ذبحا لأنني وكيله ؟ ... فتقدم بخطى وئيدة متثاقلة .. لمقابلة من استدعاه ، فما أن أدلج الباب حتى هب عميروش واقفا .. لاستقبال الشيخ أمام دهشة الحضور !! ، فخف روع الشيخ ، وتناقص ضغط دمه، وهدأ روعه ، وانفتحت أسارير وجهه الوقور، خاصة بعد تبادل الطرفين الحوار ، وسأل عميروش شيخنا : هل لديكم المزيد من الشباب من أمثال ابن أخيكم محمد لضمه إلى صفوف الجبهة ؟ .....فضحك من حضر جميعهم ، وفهم الشيخ [ رابح ] أخيرا المغزى من استدعاء عميروش له .

°°°ناضل ذلك الشاب طيلة الثورة ، وقد عرف في أوساط المجاهدين باسم ( الشيخ أمجطوح ) أي ( الإمام الصغير ) لما يحمله من تقوى ، ومثالية ،واستقامة ، وقدوة ، في تعامله مع محيطه من الجيش والمواطنين ، فهو دائم الحركة والتنفل لا يملك من السلاح سوى بندفية من بقايا الحرب الكونية الثانية .
°°° راقب العدو حركاته وسكانته بالتعاون مع المخبرين ، وأثناء اتجاهه إلى مقصده ، شاهده أحد الخونة .... فقال لمن معه .. إنه طفل صغير سأقبص عليه باليد ... فتقدم لينفذ ما أراد فصرعه [ محمد] بطلقة ناريه أردته صريعا ، وأمام هول الواقعة ، تم استدعاء فرقة عسكرية مزودة بأحدث الأسلحة ، وكلب ألماني مدرب ، فحاصروا المكان ، فتقدموا شيئا فشيئا ، بالحيطة والحذر ،... فالقمهم [محمد ] رصاصا ... فقضى على الكلب الألماني ، وجرح أثنين من عساكر الفرنسيين ،.. وبعد انكشاف مكان تواجده ، كثفوا من إطلاق النار عليه بالجملة ، فأصابوه بعشرات الطلقات .... رحمه الله ، نقلوا جثته إلى وسط القرية فعرضوها على الناس لترعيبهم ، وتبيان مصير من يخرج عن إرادة حكم فرنسا .
رحم الله الشهداء وأسكنهم فسيح جناته .
------------------------------------------------------------
ملاحظة : قصة واقعية ، وقعت في مكان ما، من أرض وطننا العزيز، إبان الثورة ، تعمدت إهمال المكان والأسماء ، لأنني أعلم أن الكثير من التضحيات وقعت مثيلة لهذه أو أكثرها عبر ربوع وطننا العزيز .
التعديل الأخير تم بواسطة الأمازيغي52 ; 28-10-2013 الساعة 11:41 PM