رد: ألبرت اينشتين حياته وأعماله
09-12-2008, 09:46 PM
الفصـــــل الأول: ألبـــرت اينشتاين (Albert Einstein)

تمهيد: -1-I

ضم تاريخ العلم بين طيات صفحاته عددا كبيرا من العلماء، برز من بينهم علماء قلائل، كانوا علامات مميزة للإنسانية، نحو الاهتداء بالفكر العلمي والأبحاث والدراسات المنهجية لتحقيق رقي الإنسان وبلوغ أعلى مدارج الحضارة. ومن بين هذه النخبة الممتازة من العلماء المتفردين بإنجازاتهم الشامخة في تاريخ العلم، يقف "ألبرت اينشتاين"Albert ) (Einstein عالم الفيزياء النظرية، و وراءه سجل مشرف يضم من بين ما حوى نظريته الشهيرة عن النسبية. [16]

-2-Iبداية حيــــاته: ولدألبرت اينشتاين في 14 مارس عام 1879م في "أولم" (ULM) بألمانيا. وبعد عام انتقلت أسرته إلى ميونخ، لقد كان والد اينشتاين "هرمان" صاحب مصنع كهروكيميائي مصنع صغير يشرف عليه هو وأخوه، و أما والدته " بولين كوخ" فقد كانت من عشاق الموسيقى ومن صاحبات النكت، و هما صفتان بارزتان ستورثها إلى ولديها. [5]

لقد كان عم اينشتاين أكثر اهتماما من والده بدقائق الأمور العقلية، فهو مهندس محنك، و إليه ينزع اينشتاين الصغير في اهتمامه بالرياضيات.
لم يكن اينشتاين الصغير طفلا عاديا، لقد تأخر عن النطق وقتا طويلا، وكان يحب الصمت والتفكير والتأمل، ولم يهو اللعب كأقرانه. ولعل ذلك يعود لضعف بنيته الجسدية. حبب إليه الخلوة منذ نعومة أظفاره، فكان ينعزل عن أقرانه ويستغرق في التأمل الطويل، وكان أبغض الأشياء إليه أن يشارك الأطفال في ألعابهم العسكرية وأن يشاهد استعراضات التي يقوم بها الجنود الحقيقيين. وكان يقول لأبويه:أرجو ألا أكون أحد هؤلاء البؤساء عندما أصبح كبيرا.
كان اينشتاين التلميذ اليهودي الوحيد بين التلاميذ الكاثوليك في المدرسة، لقد كانت نظرته إلى المدرسة الألمانية في ذلك العهد لا تختلف عن نظرته إلى الثكنات العسكرية فالتلاميذ يخضعون فيها لسلطة مؤسسة آلية، تعصر الفرد ولا تدع له مجالا لإظهار إمكانياته.
أهدى له والده بوصلة صغيرة في عيد ميلاده العاشر، و كان لها الأثر البالغ في نفسه و بإبرتها المغناطيسية التي تشير دائما إلى الشمال والجنوب، استخلص اينشتاين الطفل بعد تأمل عميق أن الفضاء ليس خاليا، لابد أن يوجد فيه ما يحرك الأجسام ويجعلها تدور في نسق معين. [19]
ولما بلغ أشده، ازداد تعلقه بالعلوم الطبيعية، فكان يقبل على الكتب العلمية وأهمها كتب " هرون برنشتين":( في الحيوان، النبات، النجوم، البراكين، الشهب، الزلازل، المناخ...الخ). وكذالك كتب "برخنر" الذي جمع معارف عصره و نظمها في قالب تصور فلسفي للوجود. لقد ظهر تعلق اينشتاين بالرياضيات في البيت لا في المدرسة، فعمه (وليس أستاذه) هو الذي أوقفه لأول مرة على حقيقة علم الجبر قائلا له: أنه علم فيه سلوى.فعندما لا يقع الحيوان الذي نطارده في قبضتنا فإننا نسميه (x)مؤقتا، ونظل نطارده حتى نقبضه. فبهذا الضرب من التعلم وجد اينشتاين المتعة في حل المسائل البسيطة. [5]
وقع في يده لأول مرة موجزا في علم الهندسة، وهو الكتاب المقرر من الفصل المدرسي الذي جاء للالتحاق به. فأنكب على دراسته بنفسه ولم يدعه إلا بعد أن فرغ من قراءته. فأعجب أشد العجب بطريقة العرض التي تتبع في هذا العلم.
ولما بلغ اينشتاين الخامسة عشر من عمره، واجهت والده صعوبات مالية جعلته يجزم أمره لمغادرة ميونخ، والهجرة إلى ميلانو بإيطاليا للعمل فيها. لكن اينشتاين لم يكن قد أتم دراسته الثانوية بعد، فلقد كان من المسلم به في ذلك الوقت أن شهادة التعليم الثانوي لابد منها لدخول الجامعة، لذلك كان لزاما عليه أن يظل وحده في ميونخ.
كان ألبرت متفوقا على جميع أقرانه في الرياضيات، ولكنه لم يكن كذلك في اللغات فكان يتألم أشد الألم لاضطراره إلى تعلم مواد لا يرغب فيها، لكنها ضرورية للنجاح في الإمتحان. و كان يضيق ذرعا برفاقه الذين كانوا يلحون عليه بضرورة مشاركتهم في الألعاب الرياضية. وكان يكره النظام المدرسي والروح المدرسية حتى ضاق به الطلاب والأساتذة على السواء.
أشد الأشياء على نفسه أن يسرد أشياء لا يفهمها، وان يحفظ قواعد لا يؤمن بها، و لم يلبث أن ترك المدرسة غير آسف عليها بعد أن حصل من أستاذه على شهادة يقر له فيها بتفوقه في الرياضيات، فعساها تخوله الالتحاق بأحد معاهد التخصص العليا في الخارج. وفي هذه الأثناء استدعاه أحد أساتذته وطلب إليه مغادرة المدرسة قائلا: إن وجودك في المدرسة يهدم إحترام التلاميذ لأساتذتهم. فقبل اينشتاين نصيحته بكل سرور ورحل إلى ميلانو للانضمام إلى أسرته. [5]
إن اهتمام اينشتاين بالفيزياء والرياضيات وحاجته إلى مهنة عملية، جعلته يفكر جديا بسبب الوضع المالي لأسرته عن نوع المهنة التي عليه أن يمارسها لاسيما أن افتقاره للشهادة حرمته من الانتساب إلى أي جامعة في إيطاليا. لكن سرعان ما علم أن المعهد المتعدد التقنيات في زيوريخ بسويسرا لا يتطلب شهادة ثانوية للانتساب إليه، و أن ما على الطالب المترشح إلا أن يجتاز فحص القبول. وهكذا سافر اينشتاين إلى سويسرا وتقدم للامتحان، ولكنه لم ينجح، وكان إخفاقه ناجما عن عدم تحضيره المناسب أكثر مما كان ناجما عن إفتقاره للمعرفة في علوم الرياضيات الأساسية. إلا أن مدير المدرسة، وقد بهرته بداهة اينشتاين في هذه المادة(الرياضيات أشار عليه بالالتحاق بمدرسة "آرو"(Oro) إحدى مدن سويسرا، ليتحصل على دبلومها الذي يخوله حق الدخول في معهد المتعدد التقنيات. فالتحق بها على مضض، فأجهد نفسه بدراسة الموضوعات الضعيفة لديه مثل علم الأحياء واللغات، وقد وجد اينشتاين أن سنته في"آرو" كانت سارة بخلاف سنواته في ثانوية "لويتبولد" بألمانيا فمعظم المعلمين كانوا يظهرون اهتماما أكبر في تعليم الطلاب بأن يفكروا وحدهم بدلا من أن يرهبونهم.
تقدم اينشتاين لامتحان القبول في عام 1896م، ونجح فيه نجاحا حسنا، وأتى قبوله في معهد المتعدد التقنيات السويسري في أواسط نفس العام. وكان له حافزا إلى مطالعة كتب كبار العلماء الضالعين في مادة الفيزياء، من أمثال "هلمهولتز" "كير تشوف" و "بولتزمان"، و "ماكسويل"، و"هرتز". [18]
في سنة 1901م، بلغ اينشتاين الواحدة والعشرين من عمره، وفيها اكتسب الجنسية السويسرية. قرأ في إحدى الصحف أن مدرسا في مدينة "شافهوس" يبحث عن مربي لتلميذين في مدرسة صغيرة يديرها، فتقدم اينشتاين وأجيب طلبه. فأقبل على عمله بهمة وإخلاص. لكنه لم يستمر فيه. [5]
ولا يزال اينشتاين يعاني عسرا، فقد ذهبت جهوده بحثا عن عمل هباءا، رغم أنه يحمل شهادة معهد المتعدد التقنيات، و أنه أصبح مواطنا سويسريا، وفي هذه الأثناء لاح له بصيص من النور، فقد قدمه صديق في الدراسة إلى مدير مكتب تسجيل براءات الاختراع في "برن" وهو رجل ذكي، مستقل، حر التفكير، فراق له اينشتاين، وجد له عملا في مكتبه.[5]
I -3- منتصف حياته:
يعد عام 1905 م عاما ثوريا في تاريخ العالم، ففي هذه السنة الحاسمة كان اينشتاين قليلا ما يفكر في شؤون المستقبل، وفيها أيضا قام بخطوات من شأنها أن تقلب وجهة نظرنا الكونية رأس على عقب. ففيها وضع نظريته النسبية الخاصة، و ساهم في نظرية الكم، ونظرية الحركة البراونية، وسنأتي عليها جميعا. واسترعت نتائج نظرياته اهتمام علماء الفيزياء في كافة جامعات سويسرا مما طالبوا بتغير وظيفته من كاتب إلى أستاذ في الجامعة.
في عام1909م، عيّن رئيسا في جامعة زيوريخ، ثم انتقل إلى براغ الألمانية عام1910م ليشغل نفس المنصب، لكنه اضطر مغادرتها عام 1912م بسبب رفض زوجته مغادرة زيوريخ. وحتى ذلك الحين بقي اينشتاين يحل مشاكله بأبسط الطرق الرياضية، وكان لا يثق باصطناع التعقيد و التوسع في استخدام الرياضيات العليا، أحس عندما كان في براغ أن تعميم نظريته، يتطلب منه اصطناع مناهج جديدة أكثر تعقيدا من تلك التي يمارسها فناقش في ذلك زميلا له في جامعة براغ اسمه" بيك" لفت انتباهه إلى النظريات الرياضية الجديدة التي وضعها الرياضيان الإيطاليان "ريشي و ليفي شفيتا". وعندما قدم اينشتاين إلى زيوريخ أنكب وزميله" مارسيل عر وسمن" على دراسة هذه المناهج الجديدة. و بفضل هذا التعاضد نجح اينشتاين في وضع لوحة مبدئية لتصميم نظريته، فكان عمله هذا الذي أعلنه في 1913م، لا يخلو من العيوب والنقائص التي لم تفارقه حتى بعد إعلان نظريته في صورته الكاملة إبان الحرب العالمية.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، ظل اينشتاين يتابع أعماله العلمية، في برلين وركز نشاطه على التوسع في نظرية الجاذبية. و في عام 1917م نجح في وضع نظرية جديدة في الجاذبية مستقلة، قائمة بذاتها و منسجمة منطقيا. إن هذه النظرية الجديدة تختلف إختلافا تاما عن نظرية نيوتن، و تفسر حقائق أكثر شمولا وأوسع نطاقا.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ظل اينشتاين يتابع أعماله العلمية في برلين وركز نشاطه على التوسع في نظريته التي نشرها في عام1917 وهو في الثامنة والثلاثين من عمره، حيث قال عنه زميله في برلين العالم الفيزيائي" لند تبر رغ": كان يوجد في برلين نوعان من الفيزيائيين النوع الأول اينشتاين والنوع الأخر سائر الفيزيائيين.
حاول الكثير من الأحزاب السياسية زجه في نشاطاتهم، ولكنه كان دائما يقول: إنني لم اخلق لسياسة، وفضل الانعزال والوحدة. أحيكت له المؤامرات والدسائس، مما زاغ صيتهفي أنحاء العالم.
-4-I السنوات الأخيرة:
كثرت الدعوات التي تلقاها اينشتاين بسبب شهرة نظريةنظرية النسبية وكان يقابل كل مرة يلقى فيها محاضرة باحتفالكبير، يحضره عامة الناس ليتعرفوا على هذا الرجل، بالرغم من عدم اهتمامهم بالنظرية النسبية.
من أهم دواعي شهرته العالمية التقرير الصادر عن البعثة الفلكية الإنجليزية عام 1919 الذي تؤيد فيه صحة نبوءة اينشتاين عن انحراف الضوء عند مروره بالجو الجاذبي.
وفي عام 1921 حصل اينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء، لتفسيره ظاهرة الكهروضوئية التي حيرت علماء عصره.
إستقر اينشتاين في برلين، و كان الزوار من مختلف أنحاء العالم يأتون له ويستمعون بحديثه و لقائه حتى عام 1929.
كانت تشغل اينشتاين آنذاك ثلاثة أمور: الأولى تحسين نظريتي النسبية الخاصة و العامة وصياغتهما في بناء منطقي محكم، والثانية نقد نظرية الكم كما صورتها مدرسة كوبنهاغن على يد "بور". والثالثة إيجاد المجال الموحد، حيث قضى اينشتاين معظم حياته جاهدا في سبيل نظرية نهائية للكون توحد القوى الكهرومغناطيسية و الثـقالة، فقد عمل على هذا الموضع بلا كلل ولا ملل من عشرينيات القرن العشرين، لكن جهوده باءت بالفشل لأنه كان يجهل القوى النووية.
و في عام1939، حينما أصبح معلوما على وجه التحقيق أن العلماء الألمان يبذلون جهودهم للتوصل إلى تحقيق عمليات الانشطار الذرى، التي يمكن أن تؤدى إلى صنع القنبلة الذرية، قام اينشتاين بإرسال رسالته الشهيرة إلى الرئيس الأمريكي "روزفلت"، و نتيجة لهذا الرسالة أنشئ (مشروع منها تن)، الذي أسفر عن تمكن الأمريكيين من إحرازقصب السبق في مجال صناعة القنبلة الذرية، قبل أن يتمكن العلماء الألمان من ذلك.
ساهم اينشتاين إسهاما عميقا وفعالا، خلال الحرب العالمية الثانية في أنشطة مختلفة المنظمات المعنية بمساعدة اللاجئين الذين فروا من القارة الأوربية، بعدما مزقت شملها هذه الحرب.
في 18 أفر يل 1955، في مدينة" برنستون" الأمريكية توفي ذلك العبقري، وأخذ الناس يتحدثون عنه من جديد، وتنافست الجامعات للاستئصال دماغ ذلك الرجل عساها تقف من فحصه على أسرار عبقريته.
كان اينشتاين يعيش بخياله سابحا في عالم آخر وكانت الموسيقي سبيله الوحيد للتنفيس عن ثورته العارمة و كان الكون بالنسبة له مسرحا ينتزع منه الحكمة، فغاص في أبعاده السحيقة. -5-I اينشتاين و الفلسفة:
إحتلت نظرية النسبية موقعا بارزا بين الإنجازات القائمة للفكر العلمي الحديث، إذ مكنت العلماء من تنقيح وجهات النظر التقليدية و التصورات حول بنية العلم المادي مبرزة الروابط العميقة والوثيقة بين الفلسفة و علم الطبيعة. ولهذا السبب لا يختلف الفيزيائيون والفلاسفة حول أعمال اينشتاين.
لقد رأى علماء الطبيعة في نظرية النسبية الحل للتناقضات الداخلية بين الميكانيك الكلاسيكي والكهروديناميكي، في وقت اعتبرها الماديون "الديالكتيكيون "برهانا علميا طبيعيا على صحة الأفكار حول المادة و خصائصها التي صيغت في مبادئ مؤسسي الماركسية.
لقد نوقشت نظرة اينشتاين إلى العالم، وظهرت حولها العديد من الآراء المتناقضة في الأدب الفلسفي. حيث تم اعتبار اينشتاين (بريكليا، مآخيا، كانطيا، وضعيا، تجريبيا، عقلانيا..... الخ).
لقد شدد اينشتاين في العديد من المناسبات على أن الفيزياء الحديثة لا يمكنها السيطرة على مسائلها الحالية دون معرفة الفلسفة: ( إن الصعوبات الحالية للعلم تجبر الفيزيائي على الالتصاق بالفلسفة بدرجة اكبر من الجيل السابق ).
فقد قرأ اينشتاين أعمال كل من "أرسطو"، "أفلاطون"، " ديمقريطس"، "لاميتري"، "سبينوزا" "بركلي"، "هيوم"، "ماخ"، " كانط"، "روسل".....الخ.
كانت لاينشتاين معرفة واسعة وعميقة بعلم الطبيعة، و من خلال هذا يتأكد لنا شئ واحد، وهو الارتباط الوثيق لاينشتاين بالفلسفة. [10]
مؤلفــاته:
1. معنى النسبية
2. العالم كما أراه
3. منهج الفيزياء النظرية
4. تطور الفيزياء
5. بناة الكون