بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذرر ذهبية من سورة المائدة /الوفاء بالعهود وخمسة عشر نداء من الله
أخواتي الفضليات إخوتي الأفاضل بعدم رأينا تبليغ سورة البقرة للإنسان مسؤوليته في الأرض لا حظنا كيف جاءت سورة آل عمران لتحثه على الثبات ثم سورة النساء لتبلغنا أنه حتى نثبت لا بد من أن نحقق العدل والرحمة مع الضعفاء خاصة مع النساء(وسأفرد لها موضوعا بإذن الله) عند توقفي مطولا في سورة المائدة لاحظت أنها جاءت لتأمرنا بالإيفاء بالعهود و كأنها تأمرنا بإيفاء تلك العهود المدكورة في السور السابقة .....سورة الوفاء بالعهود ومعها خمسة عشر نداء من الله عز وجل
وبعد ذلك تذكر لنا السورة في ربع كامل نماذج من فئات لم تفِ بعهد الله تعالى وميثاقه، ولم تنفذ (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)كما أمرها الله تعالى وهم بنو إسرائيل (وَلَقَدْ أَخَذَ ٱلله مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱلله إِنّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ وَءاتَيْتُمْ ٱلزَّكَوٰةَ وَءامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱلله قَرْضاً حَسَناً لاكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَلاَدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاْنْهَـٰرُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ)
فماذا كانت النتيجة؟ (فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) إنها آية شديدة في التحذير من أن نكون مثلهم فيحل علينا غضب الله ولعنته.
- قصة موسى عليه السلام مع قومه
وتنتقل بنا الآيات إلى قصة سيدنا موسى عليه السلام مع بني إسرائيل حين طلب منهم أن يدخلوا الأرض المقدسة (أرض فلسطين) التي كتبها الله تعالى لهم ووعدهم فيها (يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الاْرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ الله لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَـٰسِرِينَ & قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا..)
رفضوا ونقضوا عهد الله تعالى، فكان العقاب الرباني (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى ٱلاْرْضِ)حرّم الله عليهم دخول الأرض المقدسة أربعين سنة.
وقد أشرنا أن السورة بدأت بقوله تعالى بـ (َيـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاْنْعَامِ...)
للحثّ على إيفاء العقود حتى لا يضيّق الله دائرة الحلال على الأمة وهنا في القصة نرى أن الله تعالى ضيّق على بني إسرائيل لنقضهم عهودهم.
فالقاعدة العامة في السورة "إذا أوفى المرء بالعهود فإن الله تعالى يوسّع عليه وإن نقضها فإنه تعالى يضيق عليه".
(وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلاْخَرِ...)
فابن آدم قتل أخاه متهورا بسبب الغضب والحسد والغل، وأما علاقة قصة ابني آدم عليه السلام بقصة بني إسرائيل ودخولهم الأرض المقدسة هو أنهما نموذجان لنقض العهود: بنو إسرائيل نقضوا عهد الله تعالى لجبنهم، وأما ابن آدم فلقد نقض العهد لتهوره، فهما نموذجان معاكسان لبعضهما، وكلاهما يؤدي لنقض العهد مع الله تعالى. والإسلام يأمرنا دائما بالوسطية في كل شؤون الحياة.
ثم تأتي الآية (32) بعد القصة مباشرة للتعقيب عليها (مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلاْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) لما صوّر لنا القرءان الكريم بشاعة جريمة القتل في قصة آدم عليه السلام، أتت الآيات التي بعدها بأحكام شديدة للقضاء على الفساد، فبيّنت حدود الحرية والسرقة والإفساد في الأرض.
والجدير بالذكر أن العالم لم يعرف إلا في عصرنا هذا موضوع الحق العام في الفقه القانوني، بينما نجد القرءان قد سبق هذه القوانين بـ 1400 عام، فالله تعالى يبيّن بشكل واضح (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلاْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً) فالجريمة ليست اعتداء على فرد، وإنما هي خطر على المجتمع، وهناك حق عام لا بد أن يؤخذ.
يتبع بإذن الله...................
التعديل الأخير تم بواسطة مُسلِمة ; 29-01-2013 الساعة 05:58 PM