رد: القانون الجنائي للأعمال
05-12-2011, 09:38 PM
الفرع الثانى:مفهوم و محل الاستعمال التعسفى للذمة المالية للشركة

كما سبق القول فإن تبنى لفظ الاستعمال من قبل المشرع الفرنسى كجوهر للسلوك الذى تتم به جريمة إساءة أموال أو ائتمان الشركات إنما أريد به تغطية أكبر عدد ممكن من الانحرافات المالية التى لا تسمح بها جريمة خيانة الأمانة حتى فى صياغتها الجديدة. هذا الأمر يدعونا إلى البدء فى تحديد مفهوم هذا الشكل من أشكال السلوك ثم تحديد المحل الذى يرد عليه.

أولا: مفهوم الاستعمال التعسفى للذمة المالية للشركة

أراد المشرع بتبنى لفظ الاستعمال تجريم أكبر قدر من الأفعال الممكن أن تمس بالذمة المالية للشركة Patrimoine social. مما يعنى أن المشرع تبنى مفهوما موسعا يتعدى به مفهومى الاختلاس والتبديد الوارد فى تجريم خيانة الأمانة. وإذا كان هذا الأمر من الوضوح إلا أن هناك تشككاً فيما إذا كان هذا السلوك أريد به أيضا أن يتخطى حالات الامتناع.

1- التجاوز الواضح لأفعال الاختلاس أو التبديد

تكشف المشروعات التمهيدية التى قدمت فى عام 1935 لإدخال تجريم خاص بأموال وائتمان الشركات عن أن المشرع عمد إلى تبنى لفظ مرن. فلقد رفض البرلمان الاقتراح الذى قدم فى يونيو عام 1934 والذى كان قد وافق عليه مجلس الشيوخ والذى يجرم أفعال "السحب" Prélèvements التى يجريها مدير الشركة، ومن هنا جاء استخدام لفظ "الاستعمال". وإذا كان هذا اللفظ يغطى الركن المادى فى جريمة خيانة الأمانة وهى التبديد والاختلاس إلا أنه يتعداها أيضا، لذا فقد قضى بأنه يعد استعمالا مجرما فى معنى جريمة إساءة أموال الشركات منح مكافآت مغالى فيها Rémunérations abusives أو مزايا عينية Avantages en nature وكذلك اعتبرت الغرفة الجنائية لمحكمة النقض مرتكبا جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات المدير الذى يقيد كمديونية على الشركة قيمة بضائع لم تسلم بعد والذى ثبت استفادته من مكافآت متجاوزة الحد ومزايا عينية" .

ومما لاشك فيه أن الشكل الأكثر خطورة للاستعمال التعسفى لأموال وائتمان الشركة هو الذى يتم عن طريق تغير طبيعة الحيازة من حيازة ناقصة إلى الادعاء بملكية المال. ويتم هذا التغير بصورتين إحداها مباشرة والأخرى غير مباشرة.

أما عن التغيير المباشر فمن قبيل ذلك قيام رئيس مجلس الإدارة Président-directeur général (PDG) بمنح نفسه مكافأة غير مبرر محسوبة على أموال الشركة رغم علمه بأن الشركة منذ سنوات فى حالة فعليه للتوقف عن الدفع Cessation de paiements . ومن قبيل ذلك أيضا قيام رئيس مجلس الإدارة بإنشاء شركة خاصة به لإنتاج منتج أكثر حداثة مع وضعة تحت تصرف هذه الشركة المواد الأولية وعمال وائتمان الشركة التى يريدها مع عرضة لهذا المنتج فى السوق منافسا به منتج الشركة التى يديرها . ومن قبيل ذلك أيضا قيام مدير الشركة باستقطاع مبالغ مالية من ثمن بيع قطعة أرض مملوكة للشركة وتحويلها مرة أخرى للمشترى وليبدو الأمر وأنه تخفيض غير معلن لثمن الأرض ثم استعمال هذا المبلغ فى أغراض شخصية . أما التغير غير المباشر للحيازة فيم ذلك عادة عن طريق الحيل والألاعيب المحاسبية Artifices de comptabilités ومن ذلك الامتناع عن تسجيل إحدى العمليات فى دفاتر الشركة أو استعمال حسابات صورية Comptes simulés أو إجراء تحويل Virement من حساب إلى حساب أخر يبدو به هذا الأخير فى وضع المديونية.

ولقد خلق اشتمال لفظ الاستعمال لأفعال التبديد والاختلاس شكلا من أشكال التنازع فى شكل التعدد الصورى بين جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات وبين جريمة الإفلاس إذا ما ارتكبت هذه الأخيرة عن طريق اختلاس أو تبديد أحد عناصر الذمة المالية (المادة 197/2 من قانون 85-98 الصادر فى 25 يناير 1985)، بمعنى أخر فإن الركن المادى لكلا الجريمتين يمكن أن يتحقق نتيجة أفعال متشابهة تؤدى إما إلى إفقار الذمة المالية ناشئة عن إنقاص فى أصول الشركة Diminution d’actif أو زيادة فى خصومها Aggravation du passif. وعلى ذلك فإن البدء فى إجراءات التسوية أو فى إجراءات التصفية القضائية والتى أصبحت شرطا مفترضا منذ صدور قانون 25 يناير 1985 يتعين التثبت منة قبل الإدانة بجريمة الإفلاس يمكن أن يقود القاضي إلي تقرير إدانة أخرى عن إساءة أموال الشركات .

هنا يثور التساؤل حول كيفية حل هذا التنازع في التكييف في حالة التعدد الصوري. في رأى البعض فإنه من الأفضل لدى القاضى أن يستبقى تكييف جريمة الإفلاس سواء أكانت أفعال التبديد أو الاختلاس سابقة أو لاحقة علي التوقف عن الدفع متي كانت الأفعال المرتكبة تهدف إلي تجنب أو تأخير تقدير هذه الحالة أو كانت تمس بالرصيد القائم بما يؤدي إلي عجز المدين عن الوفاء بديونه المستحقة . وفى رأى البعض الأخر أن التعدد بين الجريمتين يجب أن يعالج في إطار قواعد التعدد الحقيقي بين الجرائم Concours réel d’infractions والتي تتعلق بأفعال متميزة وتختلف عن بعضها البعض مرتكبة من قبل ذات الشخص دون أن يحاكم عن احد الأفعال قبل ارتكابه لفعل أخر، مما مؤداه وجوب الإدانة عن كلا الجريمتين حيث تتعدد المصالح المحمية وحيث أن الجاني بفعل الاختلاس أو التبديد قد أوقع اعتداءا علي مصلحة الشركة ذاتها وعلي الضمان العام للدائنين. ولقد تبني القضاء هذا الحل من قبل عندما وجد تعددا حقيقيا بين خيانة الأمانة وإساءة أموال الشركة وبين هذه الأخيرة والرشوة . ويستند هذا الرأى إلى موقف محكمة النقض الذي يجري علي اعتبار التعدد بين الجرائم تعددا حقيقيا حينما يثبت أن الفعل الذي أتاه الجاني يتميز باركان معنوية مختلفة ومتمايزة Eléments moraux distinctement incriminés أو تمثل انتهاكاً لمصالح جماعية أو فردية متمايزة . ومع ثبوت حالة التعدد الحقيقى هذه فإن الحل يتأتى من خلال تطبيق العقوبة الأشد مع الإشارة في حكم الإدانة للجريمة الأقل خطورة (م 132-3 فقرة 2 عقوبات فرنسي).

ولقد ذهبت بعض أحكام القضاء قبل صدور القانون 25 يناير 1985 إلى الحكم بان كلا التجريمين يمكن الأخذ بهما سواء أكانت الأفعال المجرمة قد وقعت قبل التوقف عن الدفع أو بعدة . غير أن محكمة النقض قد عدلت عن قضائها بحكم صادر في 10 فبراير 1986 أكدت فيه أن تاريخ التوقف عن الدفع هو الذي يفرق بين جريمة الإفلاس وبين إساءة أموال الشركات. فحينما ترتكب أفعال التبديد أو الاختلاس من قبل أحد مديرى شركات الأموال في وقت تستطيع فيه الشركة الوفاء بديونها فإنه يتعين تكييف هذه الأفعال على أنها إساءة أموال الشركات فى حين إذا ما ارتكبت تلك الأفعال فى أعقاب صدور حكم بإعلان حالة التوقف عن الدفع فإنه يتعين تكييف فعل الاختلاس على أنه احد عناصر جريمة الإفلاس . وقد أكدت محكمة النقض هذا القضاء في حكم أخر لها صادر في 23 يوليه 1996 عندما أكدت خطا محكمة الاستئناف حينما أدانت مدير الشركة عن إساءة أموال الشركات رغم أن الأفعال التي أقيمت عنها الدعوى قد وقعت لاحقة للتوقف عن الدفع. ولقد جري قضاء محكمة النقض على هذا فى أحكام أخرى .
ورغم أن هذا القضاء يبدو منطقيا فإننا رغم ذلك نرى فيه مساسا بمبدأ الشرعية الجنائية حيث تتوحد الأفعال الصادرة من الجانى - سواء قبل التوقف عن الدفع أو بعدة - ورغم ذلك فإنه يتعين إعطاء هذه الأفعال اسما وتكيفا مختلفا فى كل مرة .
وإذا كان تغيير الحيازة بأفعال التبديد أو الاختلاس هو أحد الأشكال الواضحة التى يتضمنها وتدخل تحت لواء لفظ الاستعمال الوارد فى تجريم إساءة الأموال والائتمان، إلا أن هذا الاستعمال يمكن أن يتحقق بشكل مستقل دون أى رابطة بالتبديد أو الاختلاس كأحد أركان خيانة الأمانة الواردة بالمادة 314/1 عقوبات فرنسى. فهنا يبرز تجاوز هاتين الفكرتين ويبرز تمايز التجريم الخاص فى مجال الشركات ودورة فى الردع . فليس من الضرورى إثبات أن الجانى قد أجرى تغييرا فى طبيعة الحيازة أو أنه تعمد الأضرار بالذمة المالية للشركة. وهنا يظهر أن الطبيعة الحقيقية لجريمة إساءة أموال وائتمان الشركات أنها تعاقب على عمل من أعمال الإدارة المخالف لمصلحة الشركة وليس على عمل يضر ضررا ماديا بالشركة.

وعلى هذا فيجب فهم هذا اللفظ بمعنى واسع وشامل وعلى أنه كل عمل من أعمال الإدارة (كالاستفادة من بعض المزايا, قروض، سلف, إيجارات الخ ...) وبمعنى أخر فإن هذا اللفظ يبعد كلياً عن أعمال التصرف ليتعلق فقط بمجرد أعمال الإدارة Simples actes d’administration. وعلى هذا فقد حكم بارتكاب أحد مديرى الشركات لجريمة إساءة الأموال بسحبة هامش الربح الإجمالى Marge brute فى حين أنه لا يحق له أن يسحب إلا هامش الربح الصافى Marge nette وهو ما لم يتحقق فى هذه الدعوى. وعلى أثر ذلك فقد أكدت المحكمة أن المشرع لا يجرم فقط أفعال الاختلاس أو الاستيلاء على أموال الشركة من قبل القائمين على الإدارة ولكن أيضا مجرد الاستعمال السيئ أو التعسفى .

وقد حكم أيضا بأنه يعد استعمالا تعسفيا لأموال الشركة وجود شكل من أشكال عدم التميز بين الذمم المالية, أى بين الذمة المالية المستقلة للشركة والذمة المالية الخاصة للقائمين على إدارتها Confusion entre le patrimoine de la société et le patrimoine propre de ses dirigeants. ومن هذا القبيل, منح المدير لنفسه رهنا على عقارات الشركة ضمانا لديونه تجاه الشركة التى يديرها ، وفى دعوى أخرى رفضت محكمة النقض دفع أحد المديرين الذى يدير شركة مساهمة تعمل فى مجال التشييد المؤسس على أنه مجرد مدين للشركة مما لا تتوافر معه شروط الاستعمال السيئ والمخالف لمصلحة الشركة. فلقد أثبتت المحكمة بحقه أنه قام بأفعال تنم عن انه قد خلط بين ذمته المالية وذمة الشركة المستقلة وأنه لإخفاء معالم انحرافاته قد أمسك حسابات مضللة وغامضة يملؤها التناقص والفجوات . وحكم أيضا بوجود الاستعمال السيئ فى حالة قيام الشركة بشراء أرض بسعر المتر عشرة فرنكات رغم أن الشركة البائعة قد أعلنت رغبتها من قبل عن بيع المتر بعشرين سنتيما فقط .
2- التجاوز غير المؤكد لأفعال الارتكاب

السؤال الذى يطرح نفسه هو مدى إمكانية ارتكاب جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات بأفعال الامتناع Abstention ، وبمعنى أخر هل يتماثل الامتناع مع الاستعمال التعسفى ؟ من الضرورى التأكيد على أن جريمة إساءة أموال الشركات تتم بأفعال إيجابية من قبل مرتكب السلوك الإجرامى مما مؤداه أن الإهمال أو الإخلال بالالتزام العام بالحرص والحيطة لا يشكل استعمالا تعسفيا فى معنى المواد 425/4 و 437/3 والتى لا تسمح صياغتها إلا بعقاب الأفعال الايجابية .

ويتعين التأكيد على حقيقة مؤداها أن جرائم الامتناع, التى تمثل فى القانون العام استثناء على الأصل, إنما تمثل فى مجال الشركات الكثرة الغالبة من الجرائم ويبرر ذلك – كما يقول العميد Vitu - الحاجة إلى دفع الأفراد إلى التصرف حيث يفهم الامتناع حاليا وفى فروض كثيرة على أنه خروج على مقتضيات الواجب لم تعد تتقبله التشريعات Indiscipline inadmissible.

ويمتد تجريم الامتناع طوال حياة الشركة، فحال تأسيس الشركة يجرم المشرع الفرنسى مثلا الامتناع عن عمل إعلان التوافق Déclaration de conformité (مادة 480 من قانون الشركات الملغاة بالقانون 1994) والذى كان يجب أن يصدر عن المؤسسين بحيث يقرون فيه القيام بكافة إجراءات التأسيس وتوافقها مع نصوص القانون. كما يجرم أيضا إغفال الإعلان المتعلق بتوزيع الحصص بين المساهمين (مادة 423 من قانون 1966). وحال إدارة الشركة يجرم المشرع الامتناع عن الإمساك ببعض الدفاتر المحاسبية (مادة 426 و مادة 439) والامتناع عن تعيين مراتب حسابات (مادة 430 و 455) وامتناع مراقب الحسابات عن إبلاغ النيابة العامة بالوقائع الجنائية التى تصل إلى عملة (مادة 457). وحال تصفية الشركة واتخاذ إجراءات التسوية القضائية فالمشرع يجرم مثلا عدم الإمساك ببعض الدفاتر محاسبية (مادة 197).

فيما يتعلق بإساءة أموال أو ائتمان الشركات يبدو أن القضاء لم يتردد فى مرحلة أولى بعقاب أفعال الامتناع دون أن يقرر تعارض هذه الحالة السلبية مع فكرة الاستعمال التعسفى. ففى حكم لمحكمة النقض صادر فى 15 مارس 1972 أكدت المحكمة أن فكرة الاستعمال التعسفى يمكن أن تنشأ عن الامتناع عن التصرف. ويتعلق الأمر فى هذه الدعوى بامتناع المدير عن المطالبة بثمن البضائع لدى شركة كان توجد له فيها مصلحة . وهذا الموقف يختلف عما تبنته محكمة النقض فى مجال الجرائم الملحقة بالإفلاس حيث قضت بأن امتناع المدير عن المطالبة بالسمسرة التى تستحقها شركته لدى شركة أخرى لا يتمثل فى إفلاسا بالتدليس ففعل الاختلاس لأموال الشركة يستوجب عملا إيجابيا ، الأمر الذى اعتبره البعض تعارضا فى موقف القضاء بين الجريمتين رغم أنه يوجد فى كثير من الحالات تعدد نموذجى بينهما .

ويبدو أن قضاة الموضوع يتوجهون ذات الاتجاه الرامى إلى اعتبار بعض أفعال الامتناع استعمالا متعسفا لأموال الشركة. فمحكمة استئناف Angers قضت فى حكم لها بأنه"يرتكب إساءة أموال الشركات مدير شركة المسئولية المحدودة الذى لا يحد بطريقة تلقائية من مكافأته إذا ما ظهر أن الشركة تحقق خسائر" .

غير أن تحليل بعض الأحكام الحديثة يكشف عن أن محكمة النقض الفرنسية التزمت التقيد بالقواعد العامة التى توجب عدم تجريم الامتناع إلا بنص صريح مما مؤداه تطلب عمل ايجابى لتحقق السلوك الإجرامى لإساءة أموال وائتمان الشركات. ففى إحدى الدعاوى اتهم كل من رئيس مجلس إدارة إحدى شركات الاقتصاد المختلط Société d’économie mixte (التى تجمع فى رأس مالها بين مساهمة القطاع الخاص والدولة) وكذلك نائبة بحجة أنهما قد قاما بدفع فواتير ومنح أموال لصالح شركة أخرى يقوم النائب على إدارتها. بيد أن محكمة النقض قضت ببراءة رئيس مجلس إدارة الشركة بحجة أنه وإن كان يعلم ويتستر على تصرفات نائبه فإن ذلك لا يكون مساهمة شخصية منه ولا يكون استعمالا تعسفيا فى معنى جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات .

ونحن نتفق مع ما ذهب إليه هذا القضاء من عدم المساواة بين الاستعمال وبين الامتناع كما لا نوافق على ما قال به البعض من أن العقاب على الامتناع فى جريمة إساءة أموال الشركات هو شكل من أشكال الجرائم الايجابية بطريق الامتناع حيث أن هذا الشكل من أشكال الجرائم غالبا ما يرفضه القضاء لما فيه من شبه التجريم بطريق القياس غير المقبول فيما يتعلق بالقوانين الأسوأ للمتهم. وهذا ما يدعونا حرصا على الشرعية الجنائية والتزاما بها إلى مطالبة المشرع بالتدخل لتجريم الامتناع واعتباره من قبيل الاستعمال الضار بمصلحة الشركة فى معنى جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات.






ثانيا: محل الاستعمال التعسفى للذمة المالية للشركة

الذمة المالية محل الحماية فى مجال إساءة أموال وائتمان الشركات تتكون من طائفتين من القيم المالية، الأولى هى أموال الشركة والثانية هى ائتمان الشركة، وفى تفسير هذين المصطلحين توجد بعض الصعوبات.

1- الاستعمال التعسفى للأموال L’usage abusif des biens

ما المقصود بالأموال التى تتشكل منها الذمة المالية للشركة ؟ توجد فى الواقع بعض الحالات العامة التى لا تشكل صعوبة أمام القضاء, غير أنه توجد بعض الصعوبات فيما يتعلق بالمكافآت المتجاوزة أو المبالغ فيها، فقد وضع القضاء حدودا للاعتبار مثل هذه المكافآت شكلا من أشكال إساءة أموال الشركات.

أ- الحالات العامة لإساءة الأموال

تفهم أموال الشركة على أنها القيم Valeurs أيا كانت طبيعتها التى تتشكل منها أصول ورصيد الشركةActifs de la société. ومثال ذلك المصانع والورش والعقارات وبراءات الاختراع وعناصر المحل التجارى والآلات والمواد الأولية الخ التى تدخل فى ذمة الشركة وتملكها أو لها عليها سلطات الحائز. ولا يوجد فارق فى تجريم إساءة الأموال بين الأموال المنقولة والأموال العقارية، مادية أو غير مادية وبين أموال قابلة للاستهلاك Fongible أو غير قابلة للاستهلاك Non fongible أو أن يكون الاستعمال تم بشكل عادى وبسيط أو بطريقة احتيالية وخفية .

ويعرف البعض أموال الشركة المقصودة بالحماية واستعمالها التعسفى فى معنى القانون بأنها "مجموع الذمة المالية المنقولة والعقارية للشركة والتى تهدف إلى تحقيق مصلحة الشركة. واستعمالها هو القيام, ليس فقط بأعمال التصرف كالبيع والرهن والحوالة لمصلحة الغير، ولكن أيضا القيام بأعمال الإدارة كالقرض وتقديم السلف والإيجار وشراء الأسهم فى البورصة الخ .

ويبين من هنا الفارق الهام بين جريمة إساءة الأموال وبين جريمة خيانة الأمانة حيث لا تتعلق الأخيرة إلا بالأموال المنقولة فقط. وعلى ذلك فيمكن إدانة القائم على إدارة عقار مملوك للشركة بحسبانه مستأجر لهذا العقار عندما يجرى على الأموال المؤجرة دون تصريح أو إذن بعض التعديلات التى تنقص من قيمته التجارية مما يلحق الضرر بالشركة المالكة. ومن قبيل ذلك أيضا المدير الذى يؤجر أحد عقارات الشركة بسعر بخس Loyer dérisoire لمصلحة شركة أخرى له فيها مصلحة ما.

ويحاول البعض التفرقة بين رأس المال Capital وما بين الاحتياطى Réserve حيث تمثل هذه الأخيرة طائفة من أموال الشركة ولكننا لا ندخل فى عناصر الذمة المالية التى يجرى استعمالها لتحقيق غرض الشركة مما مؤداه عدم وقوع مديرى الشركة تحت طائلة العقاب حال استعمالهم هذه الاحتياطيات على خلاف العناصر التى تدخل فى تكوين رأس مال الشركة . غير أننا نرى أن هذه التفرقة لا محل لها حيث أن مفاهيم رأس المال والاحتياطيات هى مفاهيم مجردة Abstraite ومحاسبية فى المقام الأول بحيث يصعب عندما يوجد استعمال تعسفى للأموال التفرقة بين ما قد وقع على الاحتياطيات و ما وقع على رأس المال.

وقبل كل شيئ فإن المال يجب أن يكون فى حوزة الشركة. بحيث يجب أن يتأكد القاضى أن المال هو جزء من الذمة المالية للشركة ذاتها كشخص معنوى وليس جزءا من أموال الغير أو مجموعة من المساهمين. ولا يهم ما إذا كان هذا المال فى حيازة الشركة بصفتها مالكة أو مجرد مستأجرة أو مودع لديها. وعلى هذا فقد حكم بأنه لا يعد مرتكبا لجريمة إساءة أموال الشركات مدير الشركة الذى يحتفظ لعدة شهور بسيارة مؤجرة بواسطة الشركة وفقا لنظام التأجير التمويلى Crédit-bail والتى لم يدفع عنها بعد أى إيجار حيث أن السيارة لم تصبح بعد جزءا من رصيد الشركة وأموالها وأن الشركة لم تخرج من خزانتها أى مال على سبيل الوفاء بأقساط الإيجار . كذلك قضى بأنه لا يرتكب جريمة إساءة الأموال العاطل الذى يتحصل على إعانة من الدولة من أجل إنشاء مشروع ولكنة ينفق الإعانة على أهواءه الشخصية بدلا من إنفاقها فى الغرض الذى صرفت من أجلة على أساس أن الإعانة قد دخلت الذمة المالية للشخص ذاته ولم تكتسب الشركة الشخصية المعنوية بعد .

ومن بين الحالات الشائعة فى العمل لقيام إساءة أموال الشركات هو ترك المدير الحساب الجارى المفتوح بينه وبين الشركة مدينا أو مكشوفا. فالمشرع الفرنسى لا يحظر قيام هذا النوع من الحساب الجارى بين الشركة ومديرها أو مساهميها Compte courant d’associé ولكن يحظر السلف أو القروض التى تمنحها الشركة لمساهميها أو مديرها وكذلك يحظر ترك الحساب الجارى المفتوح مدينا أو مكشوفا Découvert (المادة 106/1 والمادة 148/1). فترك الحساب مديناً أو دون غطاء يفهم منه على أنه نوع من القرض ممنوح من قبل الشركة لصالح أحد مديرها أو أحد المساهمين فيها. ورغم أن المستفيد من الحساب لا يقصد الاستيلاء على الأموال إلا أن وجود التزام قانونى بالرد المرتبط بعقد القرض يكشف عن الاستعمال المتعسف الذى تقوم به الجريمة .

وعلى هذا أدانت الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية مدير شركة المسئولية المحددة الذى احتفظ بحساب جارى مدين ويسحب منة على المكشوف. ولم تقبل المحكمة دفع المدير المبنى على أنه كان دائنا للشركة بمصاريف ومكافآت أخرى إذ أن المشرع يحظر مطلق هذا الشكل من أشكال الحسابات . فهذا الحل يمثل اعتداء على الذمة المالية للشركة ويعرض خزانتها للخطر خاصة وأن المدير قد أجرى السحب على المكشوف كنوع من القرض بفوائد ذات قيمة أقل من تلك التى تمنحها المؤسسات البنكية. ويكشف هذا الحكم عن أمر أخر وهو أنه لا يمكن للمدير أن يجرى بنفسه المقاصة بين حق دائنيته لدى الشركة ومبلغ أخر مساوى يسحبه على المكشوف من الحساب الجارى القائم بينة وبين الشركة. وعلى هذا أدانت محكمة النقض فى حكم سابق لها فعل المدير الذى أصدر كمبيالات لدائنين مسحوبة على حسابه الجارى بينه وبين الشركة حتى ولو كان هذا الحساب دائنا .

ب - الحالات الخاصة بالمكافآت المغالى فيها Rémunérations excessives

يكشف العمل عن أن من بين الحالات التى تطرح على القضاء بصفة مستمرة وتتواتر بشأنها الأحكام حالات المرتبات والمكافآت المتجاوزة وذات القيمة العالية التى تمنح لمديرى الشركات. وسوف نكتفى هنا لأغراض الدراسة بتحديد أمرين، الأول هو الحد الذى عنده يبدأ اعتبار المكافأة أو المنحة متجاوزة أو مغال فيها وثانيا ما إذا كانت المزايا التى تمنح على أساس نسبة من رقم الأعمال Rémunération au chiffre d’affaires تعد بصفة مطلقة أو فى حد ذاتها مكافأة مغالى فيها.

- الحد الذى تبدأ عنده المغالاة

رقابة المكافآت التى تمنح لمديرى الشركات هو مظهر وتعبير عن الرغبة فى تنقية حياة الأعمال حيث يكشف القضاء الجنائى هنا عن بعض التشدد. والسؤال الذى يثور هو مدى إمكانية وضع حدا للمغالاة بحيث يمكن - عند تجاوزه - تطبيق الأحكام الخاصة بإساءة أموال الشركات. فى الواقع فإنه لا يوجد معيار موضوعى للتقدير أو للتقييم فى هذا الشأن، لذا فللقضاء الحرية الكاملة فى تحديد الحد الذى عنده تبدأ المغالاة فى قيمة المكافأة أو المنحة. فتكشف الأحكام عن نسبية هذه الفكرة La relativité de la notion de rémunérations excessive.
فقد تنشأ المغالاة - كما أشارت بعض الأحكام - عن عدم وجود ترخيص أو إذن سابق من الجهة صاحبة الولاية والاختصاص بتحديد مكافآت ومزايا القائمين عن الإدارة. فيما يتعلق بالشركات ذات المسئولية المحدودة SARL فإن قانون الشركات الفرنسى صامت عن هذه النقطة تمسكا بمبدأ عدم التدخل فى شئون إدارة الشركات La non immixtion dans la gestion des sociétés، وعادة ما يترك تحديد هذا الأمر للنظام القانونى للشركة أو للجمعية العمومية. أما فيما يتعلق بشركات المساهمة فإن هذه المكافآت تتحدد بمبلغ إجمالى يتحدد كل سنة من قبل الجمعية العمومية ثم يقوم مجلس الإدارة بتوزيعها على أعضاءه وفقا لما يراه الأعضاء (مادة 108). ويجرى التوزيع عادة على أساس حضور الجلسات ويمكن أن يتحدد زيادة فى المكافآت على أساس استرداد نفقات الانتقال أو عند قيام أحد الأعضاء بمهمات خاصة للشركة أو ما إذا كان يجمع العضو بين عضوية مجلس الإدارة وبين كونه عاملا فى الشركة بموجب عقد عمل. وفى العادة فإن مكافآت رئيس مجلس الإدارة PDG يتحدد على أساس التقدم الذى تحزه الشركة (غالبا نسبة من الأرباح) ويجرى تحديد هذه النسبة من قبل مجلس الإدارة ذاته (مادة 110 من قانون 1966).

ويجرى القضاء على اعتبار أن من قبيل إساءة أموال شركات منح المكافآت دون إذن من الجهة المختصة بذلك. فقد قضت محكمة النقض فى حكم لها فى 26 يونيه 1978 بإدانة رئيس مجلس إدارة شركة مساهمة لقيامه بسحب أموال من خزانة الشركة فى شكل مكافآت ومزايا للأعضاء مجلس الإدارة بزعم وجود اتفاق وتشاور بهذا الشأن أجراه المجلس الذى لم يكن مشكلا فى هذا الوقت. فلقد أكدت المحكمة أن عمل المدير هذا وقيامه من تلقاء نفسه بالحصول على مزايا شخصية إنما هو عمل ضد مصلحة الشركة ويعرضها إلى مخاطر مالية. ولا يهم إذا ثبت أن هذا المجلس فى وقت سابق قد وافق على مزايا أزيد مما قام المدير هذه المرة بمنحة لنفسه .

نفس الاتجاه أكدته محكمة النقض فى حكم لها بخصوص شركة ذات مسئولية محدودة إذ أكدت أنه يعد إساءة أموال شركات قيام المدير باسترداد نفقات الانتقال دون إذن مسبق من الجمعية العمومية للشركاء . ويقدم لنا الحكم الصادر فى 6 أكتوبر 1980 من الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسى عناصر أخرى للتقدير. يتعلق الأمر بمدير شركة المساهمة الذى وزع مكافآت مغالى فيها بناء على ترخيص أو إذن جزئى من قبل المجلس رغم أنه ثبت أن الشركة فى هذه الفترة قد خفضت من حجم نشاطها التجارى وأنه لتمام توزيع هذه المبالغ قد أجرى قرضا بإسم الشركة بفوائد عالية وأن توزيع هذه المكافآت قد جرى دون مراعاة لقيمة العمل الحقيقى الذى يقوم به رئيس مجلس الإدارة . كما يؤكد القضاء فى دعوى أخرى أن التصديق اللاحق من قبل الجمعية العامة أو مجلس الإدارة لا ينفى قيام الجريمة. وعلى هذا فقد قضت محكمة النقض بقيام إساءة أموال الشركة فى حق مديرى شركة المسئولية المحدودة الذى ثبت تغيبه طوال الوقت عن الشركة وأنه لم يباشر عملا جديا فى الشركة. وفى هذه الدعوى - رغم الملاحظات التى أبداها مراقب الحسابات - فإن الجمعية العمومية قد صدقت على موازنة الشركة وعلى ما وزع من مكافآت على القائمين على الإدارة غير أن هذا التدخل اللاحق لا ينفى عن الفعل صفته الإجرامية، لأنه فى مجال جرائم الأموال فإن رضا المجنى عليه لا يكون ذو أثر إلا إذا كان سابقا على الجريمة وألا أعتبر عفوا لا ينفى الجريمة إذا صدر بعد وقوع الفعل .

وتكشف بعض أحكام القضاء الفرنسى على أن تقدير المغالاة فى مجال المزايا والمكافآت الممنوحة للقائمين على الإدارة إنما يتوقف على الحالة المالية للشركة. لذا قد أدين مدير أحد شركات المساهمة الذى ثبت عنه أنه قام بتوزيع أجور وحوافز لا تتوافق مع حالة الشركة التى ثبت أنها مدينة ولا تدفع ديونها المستحقة للعديد من الموردين . وتؤكد محكمة جنح باريس فى حكم حديث لها - صادر فى 28 يناير 2000 - هذا الموقف بالنظر إلى أن الحالة المالية للشركة ثبت ضعفها وعجزها عن سداد الكثير من ديونها المستحقة للغير رغم أنه ثبت من واقع تقرير الخبير أن مدير الشركة قد قام فى أعوام 1991 و 1992 و 1994 بمنح حوافز ومكافآت بناء على إذن سابق من مجلس الإدارة وأنه ثبت أن المدير يقوم بأعمال وجهود كبيرة فى إدارة الشركة ساعدت فى حصول أحد الشركات التى يديرها على جائزة .

- الحوافز والمكافآت على شكل نسبة من رقم الأعمال

الحوافز والمكافآت التى تأخذ شكل نسبة من رقم الأعمال ليست من ضمن الطرق الحسابية المنصوص عليها فى قانون 24 يوليه 1966 بخصوص مكافآت مديرى شركات المساهمة والشركات ذات المسئولية المحدودة بيد أنه يجب القول أن هذا القانون لم يحظرها صراحة أيضا. ويتعين بداءة القول بأن هذا الشكل من أشكال الحوافز قد يكون خطرا على الشركة خاصة إذا ما كان توزيعها يجعل من الربحية التى حققتها الشركة فى فترة ما غير ذات قيمة أو تضعفها أو يجعل الحساب الختامى للشركة عن تلك الفترة يثبت مديونيتها.

غير أن هذا الشكل من الحوافز قد يكون مفيدا لنمو الشركة إذا وزع بشكل يؤدى إلى السماح لها بتحقيق أرباح فى فترات أخرى كما لو كان المستفيد من الحافز عاملا فى الشركة أو ممثلى العمال فى مجلس الإدارة Membre du personnel على عكس لو كان المستفيد مديرا للشركة أو عضوا فى مجلس إدارتها إذ قد يخلق ذلك تعارضا بين مصلحة هذا المستفيد وبين المصلحة العامة لبقية المساهمين ومصلحة الشركة عاما مما يشجع على الانحراف المالى تفضيلا لمصلحة هذا المستفيد. وهذا ما جعل محكمة استئناف باريس فى قضية Bon Marché تتجه إلى اعتبار مكافأة تعسفية المكافأة التى توزع تبعا لنسبة من رقم الأعمال دون النظر إلى ما أثبتته حسابات استغلال المنشأة من خسائر . وفى حكم أخر أكدت محكمة جنح السين أنه وإن كان المبدأ أن المكافآت التى تمثل نسبة من رقم الأعمال لا يكون فى ذاته إساءة للأموال الشركات إلا أنه يجب اعتباره كذلك إذا ما ثبت أن هذا التوزيع لم تراعى فيه تحقيق التوازن بين النصيب المستقطع للشركاء بحصة أكثر من 90% وبين شركاء الأقلية الأمر الذى أدى - كما أثبتت المحكمة - إلى فقد كل قيمة مالية للحصص المملوكة للشركاء المديرين وإلى أن يفقد حملة السندات من شركاء الأقلية كل قيمة فعلية لها Stériliser pratiquement la valeur de celles attribuées aux porteurs de parts minoritaires.

ويمكننا الإشارة أيضا إلى حكم الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية فى 14 فبراير 1974 والتى فيها منحت شركة Area إلى شركة Forment عمولة بنسبة 10% على سعر البيع لمنتج معين من هذه الشركة الأخيرة إلى الشركة الأولى. ورغم أن مجلس إدارة شركة Area قد وافق على منح هذه العمولة وقد صدقت عليها الجمعية العمومية إلا أن المحكمة ارتأت فى ذلك إساءة لأموال الشركة على اعتبار أن هذه النسبة قد احتسبت من رقم أعمال الشركة وليس من أرباحها الصافية . ومن هنا فقد استنتج بعض الفقهاء إلى أنه يمثل عملا مضادا لمصلحة الشركة وبالتالى إساءة لأموال الشركات كل حوافز أو مكافأة أو عمولة ليست محسوبة على أساس صافى الأرباح ولكن كنسبة من رقم الأعمال .

وعلى عكس هذا الاتجاه فإن البعض يرى أن تقديم المنح أو الحوافز على أساس نسبة من رقم الأعمال لا يمثل فى جميع الأحوال إساءة لأموال الشركات. فيتعين لتحديد الإساءة أو التعسف أن نتبين ما إذا كانت النسبة تتوافق أو تتناسب مع الخدمات المقدمة من قبل الشخص المستفيد أم لا، فلا توجد إساءة أو تعسف إذا ما ثبت أن هذا الأخير تتوافر فيه الكفاءة والتكوين العملى وأن أى مشروع أخر كان سيمنحه ذات المزايا . ويؤكد هذا الفقه على أن القضاء لم يقطع باعتبار هذا النوع من الحوافز أو المكافآت إساءة لأموال الشركات، فبنص الحكم سالف الذكر لمحكمة باريس يتبين أن المحكمة اعتبرته تعسفا متى ثبت من الحسابات الختامية لاستغلال المنشأة أن الشركة تحقق خسائر، مما مؤداه أنه إذا كشفت نتائج الشركة عن صلابة مركزها المالى فإن هذا النوع من المكافآت أو الأجور لا يكون محظورا.

ويمكننا أن نؤكد رجاحة هذا الرأى الثانى حيث تكشف بعض الأحكام عن اعتماد القضاة على معايير معينة يتعين استجلائها قبل الإقرار بوجود التعسف من عدمه. ومن ذلك حكم محكمة استئناف جرنوبل Grenoble والتى أكدت فيه أنه حال وجود نوع من الحوافز والمكافآت محددة بنسبة من رقم الأعمال فإن القاضى بناء على تقرير الخبير المحاسبى يتعين لتقرير وجود إساءة أموال الشركات أن يتبين الأتى :
- ما جرى عليه العمل فى هذا الشأن فى المنطقة التى يقع بها المشروع من قبل المشروعات المشابهة ؛
- قيمة المبلغ الممنوح وما إذا كان مغالى فيه بالنظر إلى كفاءة المستفيد ( مؤهلاته وقدراته وخدماته داخل الشركة ؛
- الحسابات الختامية وواقع الحالة المالية للشركة من حيث الأرباح أو الخسائر وتأثير هذا الشكل من التوزيع على المركز المالى لها.

وفى ضوء ذلك فقد جاء حكم لمحكمة استئناف باريس مؤكدا معايير محكمة جرنوبل عندما أكدت أن مديرى الشركة ذات المسئولية المحدودة عندما منحوا أنفسهم من واقع سلطتهم داخل الشركة مكافآت وحوافز على أساس نسبة من رقم الأعمال فإنهم قد أثقلوا كاهل الشركة بمصاريف عامة مما هز من مركزها المالى حيث كشفت الحسابات الختامية للشركة عن أن الأرباح المحققة هى أرباح تصل إلى حد الوهمية وأن الشركة عانت فى أعوام سابقة من أزمات مالية وتجارية . وهذا ما قضت به محكمة النقض فى حكمها فى 19 أكتوبر 1971 عندما أكدت أن هذا النوع من الحوافز أو الأجور ما منح وما فرض إلا نظرا للمركز المؤثر لمدير الشركة على بقية أعضاء الإدارة وللحصول منهم على موافقات للدخول فى صفقات ومغامرات تجارية أدت إلى حدوث هزة فى المركز المالى للشركة .وأنه ثبت من واقع هذا الحكم أن القائمين على إدارة الشركة ذات المسئولية المحدودة الذين يملكون أكثر من 80% من حصص الشركة قد أثروا على الجمعية العمومية للحصول على القرارات التى تروق لهم وأنهم قد أجروا تعديلات فى النظام الأساسى للشركة يسمح لهم بتوزيع حوافز ومكافآت متمثلة فى نسبة من رقم الأعمال والذى حسب أولا على أنه 0.40% وعدل بعد ذلك ليتجاوز 0.80%، كما أن القائمين على الإدارة لم يحددا وعاء رقم الأعمال التى تحسب النسبة على أساسه فقد اعتبروا أن هذا الوعاء يشمل الضرائب المستحقة على الشركة بينما قبل تعديل النظام الأساسى للشركة لم يكن لهؤلاء إلا نسبة محسوبة على أساس الأرباح قبل توزيعها الأمر الذى كان يمثل سياسة مالية وتجارية فعالة وتحمى المصلحة العامة للشركة.

وجملة القول أن هذا الشكل من الأجور والحوافز يعد أمرا مشبوها إذ قد يخلق تعارضا بين مصالح الشركة ومصلحة المديرين المستفيدين مما يدفع هؤلاء بالتضحية بالمصلحة العليا للشركة حفاظا على مصالحهم المالية. فهو على الأقل سلوكا خطرا مما يتعين تجنبه بقدر الإمكان.

2- الاستعمال التعسفى للائتمان L’usage abusif du crédit

لا ينصب الحظر فقط على الاستعمال التعسفى للأموال وإنما يمتد أيضا إلى حظر الاستعمال التعسفى للائتمان. هذا اللفظ شديد الغموض الذى ينظر إليه على أنه إحدى ابتكارات المرسوم بقانون 8 أغسطس 1935 المنشئ لجريمة إساءة أموال وائتمان الشركات بهدف حماية ليس فقط العناصر المادية أو القانونية للشركة ولكن أيضا بهدف حماية العناصر المعنوية التى تشكل مركزها التجارى فى السوق وربما بهدف تجريم أحد أشكال الشروع فى إساءة الأموال .

من هنا يظهر أنه بتجريم إساءة الائتمان فإن المشرع أراد تتبع الانحرافات التى يمكن أن تسبب ضررا معنويا واحتماليا للشركة قد يمس فيما بعد بحالتها المالية لما قد تحققه من خسائر مما يشكل فى النهاية إساءة أموال. وفى ضوء ذلك فقد عرف البعض الائتمان بأنه "السمعة التجارية للشركة التى تنشأ عن سلامة أداء المشروع وقوة رأس مالها وطبيعة أعمالها"
‘‘La renommée commerciale de la société, née de la bonne marche de l’entreprise et de la nature de ses affaires‘‘.

ومن بين الحالات الشهيرة والذائعة لإساءة الائتمان هو تعريض الشخص المعنوى - عن طريق التوقيع باسمه Signature sociale - لخطر وجود مدفوعات مالية بصفته مدينا أو إسقاط حق دائنية مستحق له بما يمثل خطرا ما كان يجب فى العادة أن يتعرض له .

ويتعين فهم هذا المصطلح أيضا بحيث يشمل إساءة القدرة المالية Capacité financière التى يظهرها المشروع للغير . ومن ذلك ضمان الشركة للديون الشخصية للمدير أو لديون عشيقته أو قبول الشركة لكمبيالات مجاملة دون مقابل . كما يمكن اعتبار إساءة ائتمان وجود حساب جارى مدين بين الشركة وأحد مديرها والذى يعد فى هذه الحالة قرضا بقيمة المبلغ المدين به هذا المدير . ومن ذلك أيضا إجراء القروض والسلف والضمانات للشركاء فى غير الحالات التى يقرها قانون الشركات والذى يقصر هذا الأمر على حالة ما إذا كان الشريك نفسه شخصا معنويا (المادة 51 و 106 من قانون 1966).

ويمكننا أن نفهم من ذلك أن الائتمان يعد قد أسيئ استعماله إذا ما تعرض المشروع للخطر عملا فكرة تعريض الشيئ للخطر Mise de la chose en péril. فكما يقول أحد الفقهاء "إن هذه الأفعال التى تمس بالائتمان لا تضر مباشرة بحركة الأموال داخل الشركة ولكن هناك احتمال للخطر بأن تؤدى حال استحقاق أحد حقوق الشركة إلى ضياعه مما قد يكون هداما للشركة كاملا" .

غير أنه لا يجب أن نصل إلى حد اعتبار كل تعريض للخطر نوعا من إساءة الائتمان، ومن ذلك الأساليب التى لاتصل بالمشروع إلى حد الخسارة أو خطر الخسارة حتى ولو كانت تهز قليلا من صورة المشروع وثقة الجمهور فيه متى كان ذلك لا يصل أيضا إلى أن تفقد المؤسسات المالية ثقتها فى هذا المشروع .

وجماع القول بعد هذا العرض لمحل الاستعمال التعسفى للأموال وللائتمان أنه لا محل لوجود الإساءة إذا لم ينصب ذلك على أحد عناصر الذمة المالية للشركة كما لا محل للتجريم إذا ثبت عدم وجود أى شكل من أشكال الاستعمال. ومن ذلك مثلا تعين شخص غير كفئ فى الشركة ومن قبيل ذلك أيضا المدير الذى يتنازل فى مزاد كى يترك الصفقة لصالح شركة أخرى منافسة مقابل بعض المزايا.

غير أنه لا يجب الظن بأن هذه الأفعال لا تقع تحت طائلة العقاب، ذلك أن المشرع الفرنسى - فى ذات قانون الشركات - قد جرم بالمواد 425/5 و 437/4 عمل القائمين على الإدارة الذين قاموا باستعمال سلطات الإدارة الممنوحة لهم للقيام بأعمال يعلمون أنها مضادة لمصلحة الشركة وكان ذلك لتحقيق مصلحة شخصية أو بهدف تفضيل شركة أو مشروع أخر لهم فيها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة. هذين النصين - الذين تتوحد صياغاتهما - يسمحان للقاضى بتتبع الأفعال والانحرافات التى تضر بإدارة الشركة ولكنها لا تنصب على ذمتها المالية. هذا التحليل ينشأ عن الإجماع الفقهى بإعطاء لفظ "سلطات" Pouvoirs الوارد بالنصين معنى مرنا يشمل ليس فقط حق الشخص فى التصرف بإسم شخص أخر بموجب وكالة أعطيت إياه - وهى الوكالة على بياض Mandat en blanc المعطاة للمديرين ولكن يشمل أيضا مجموع الحقوق المتعلقة بالإدارة التى يحوزها المدير بموجب القانون أو النظام الأساسى للشركة
L’ensemble des droits relatifs à l’administration de la société, détenus par les gérants ou administrateurs en vertu de la loi ou des statuts .