رد: فُصُولٌ مِن جُهُودِ الإبراهيمي في إصلاحِ شبَابِ الأُمَّةِ
11-05-2017, 10:50 AM
عناية الإِبراهِيمي بالشباب:
جعلَ الإِبراهِيمي شرِيـحة الـشباب أَكبَرَ هَمَّه وأَساسَ عَـملِه؛ وبنى عليهم دعوَته، فأَلـقى عليهم الـخُطبَ لـيوجـههم، وكتب لـهم الـمقَالات لـيُرشِدهم، فكانَ أَن ألقى ونـشر:(إِلى الـشَّبابِ) و(الشَّبابُ الـمُحمَّدي) و(الـشُّبانُ والزَّواج) وغيرها الـكثير من المقالات[8]، خاطبَهم فيها بأَلطَفِ عِبارَةٍ، وأَوضَحِ إِشَارَةٍ، يُشعِـرهم مِن خِلالِ كَلامِه بالأُبُوَّةِ مِن جِهةِ، وبالنصحِ والـصِّدقِ مِن جِهةِ أُخرى، فكان يرى أنَّهم: هُـمُ الذين عليهم الـمٌعوّل!، ولـهم وعليهم البِناءُ في الآخِرِ والأَوَّل، فـوَصفَهم بأَوصَافٍ رَائِعةٍ، وألـقَابٍ رائِقَةٍ، فكان منها قوله:
" شَبابُ الأُمَّةِ هـم عمَادُها، وهُـم مادَةُ حياتِها، وهُم سِرُّ بريقِها"[9]، "هم السَّاقُ الـجَدِيدُ في بنَاءِ الأُمَّةِ، والدَّمِ الـحَدِيدُ لحياتِها، والامتدادُ الـطَّبيعيُّ لتاريخِها"[10]، و"الشَّبابُ أمَّةٌ مُستَقِلَّةٌ"[11]، هم "أَمَلُنا ووَرَثةُ خصَائِصِنا"[12].
كانت كلمَاتُه تَفيضُ حُبًّا وحَنانًا ورِعايَةً واهتمَامًا، فكان يقول لهم:
" أي أبنائي!، إنَّ هذا القَلبَ الذي أَحمِله يحمِلُ مِن الشَّفقَةِ عليكم، والرَّحمَةِ بكم، والاهتمَامِ بشُؤونِكم، ما تَنبَتُّ مِنه الحبَالُ، وتَنُوءُ بحِملِه الجِبالُ"[13]. كلُّ ذلك لأنَّ "الأُمَّةَ الرَّشيدَةَ" في نظره: "هي التي تـحرُسُ شبَّانها في طَورِ الشَّبابِ مِن الآفَاتِ التي تصَاحِبُ هذا الطَّورِ، فتحَافِظُ على أَفكَارِهم أن تَزِيغَ، لأَنَّ هذا الطَّورَ طَورٌ له ما بعده مِن زَيغٍ أو استقَامَةٍ!، وتحافظُ على أهوائهم أن تتجه اتجاهًا غَيرَ محمُودٍ، وتحافظُ على عقُولِهم أن تعلَقُ بها الخيالات، فتنشأُ عليها، ويعسر أو يتعذَّر رجوعُهم عنها، وتحافظ على ميولهم وعواطفهم أن تطغى عليها الغرائزُ الحيوانيةُ، لأنَّ هذا الطور هو: طورُ تنبُّهها ويَقظَتها!"[14].
ويقول مُخاطِبًا ومُذَكِرًا الـمُعلِمِين والـمُنَشِئِين:
" إنَّكم جُنودُ الإصلاحِ، فأصلحُوا نُفوسَكم ودَاوُوها،... إن أشرَفَ خِدمَةٍ يُقدِّمُها العاملون المخلصون لأمَّتِهم ولوَطنِهم هي: التعليم والتربية الصالحة، فهما: سلَّمُ الحياةِ وإكسيرُ السَّعادةِ،...
أنتم معَاقِدُ الأملِ في إصلاحِ هذه الأُمَّةِ، وإن الوَطنَ لا يعلِّقُ رجاءَه على الأُميِّين الذين يُريدُون أن يصلِحُوا فيُفسدُون، ولا على هذا الغثَاءِ مِن الشَّبابِ الجاهِلِ المتسكِّعِ الذي يعيشُ بلا عِلمٍ ولا عَقلٍ ولا تَفكيرٍ، والذي يغطُّ في النَّومِ ما يغطُّ، فإذا أفَاقَ على صيحَةٍ تمسَّكَ بصدَاها وكرَّرها كما تكرِّر الببغاءُ!"[15].
لقد كان الإبراهيمي يُشعِرُ فِئةَ الشَّبابِ بعَظيمِ اهتمَامِه، وكبيرِ تفكِيرِه، وأنَّهم هم: نَواةُ المجتمعِ وأسَاسُه، فيقول:
" أيُّها الأبناءُ الأعزَّة.. لستم منَّا بموضعِ الهوانِ حتى ننسَاكم، وليس شأنكم عندنا بالهيِّن حتى لا نفكِّرَ فيه، وليس مُستَقبَلكم في نَظَرِنا بالرَّخيصِ حتى لا نُغالي فيه، إنَّما أنتم عندنا أحجَارُ بناءِ المستَقبَلِ المجيد، فحقٌّ علينا أن نتخيَّرَ وأن نستَجيد، وإنَّما أنتم ذخائر الغد!"[16].
وكانَ يتابعُ أَخبارَهم في الدَّاخلِ والـخَارجِ باهتمامٍ وكَبيرِ شَغفٍ، مُراقِبًا ومُحذِّرًا مِن أَيادِي السُّوءِ أَن تُؤذِيهم، وشياطِين الإِنس أَن تُفسدَهم وتُغوِيهم: "ما زِلنا نتتبَّعُ أخباركم باهتمام، ونعوّذكم بالله وبالمعوّذات مِن كلامه أن تكون مِن ورائكم يدٌ تحرِّكَكم للمساعي الضائعة، أو تكيدَ لكم مِن حيث لا تشعرون، فقد عوَّدنا هذا الزَّمانُ الفَاسِدُ عادات مَرذُولةٍ في استغلال الشَّبابِ وتصريفِهم في غير الطُّرقِ التي خلِقُوا لها!"[17].
وكان يتمنَّى ما تمنَاهُ أَمِيرِ الـشُعراءِ أَحمد شوقِي حين قال:
هل يمدُّ اللهُ لي العيشَ عَسَى÷ أَن أرَاكم في الفريقِ السُّعداءِ
فـيٌعَلِقُ الإِبراهيمي على هذه الأبيات قائلا:
" لا أخَالِفُ شوقي إلَّا في التَّخصيصِ، فقد خَاطبَ بهذا شبابَ النِّيل، وأنا أهتفُ بشبابِ العَربِ وبشبابِ الإسلام، أهتِفُ بشبابِ العَربِ أن يرعَوا حقَّ العُروبَةِ، وأن يكونوا أوفياءَ لها، وأن يعلموا أنَّها ليست جنسيةَ تَميُّزٍ، ولا نِسبَةَ تَعرُّفٍ...، وإنَّما هي بناءُ مآثرٍ، وتَشييدُ أمجادٍ ومحَامِدٍ، وإنَّما هي مساعٍ مِن الكِرامِ إلى المكارم، ودواعٍ مِن العُظمَاءِ إلى العظائم...
ثم أهتف بشباب الإسلام ليعلموا أنَّ الإسلام ليس لفظًا تلوكه الألسنةُ المنفَصِلةُ عن القلوب، وتتنَاولُه قوانين التَّعريفِ بموازِينها الحرفِيَّةِ، وتقلُّبه اشتقاقات اللغة على معانيها"[18].
لقد عقد الإِبراهِيمي الأَماني على هؤُلاءِ الـشباب، أَنَّـهم هم الباقون مِن بعده، الـمُصلِحون مِن ورَائِه، الـمُكمِّلون لما بدأَهُ مِن إِصلاحٍ ودَعوةٍ وجِهادٍ، ويـقُول:
" لا نملِكُ بعد الاعتماد على الله إلَّا ثِقتَنا بأنفِسِنا وأبناءٍ بَرَرةٍ مِن شبَابنا الصَّالحِ المرجو للصَّالحات، المدَّخرِ لحمَل رَايةِ الإصلاحِ بعدنا، المرشَّحِ لاقتحَامِ ميَادِينه"[19].
وكان يُشِيدُ بمَن علَّمَهم ودرَّسَهم، وأَعدَّهم وهذَّبَهم وصـقَلَهم، فيقول:
" ومِن شبَّان ربينَاهم للجزائرِ أشبَالًا، ووتّرناهم لعدوِّها قسيًّا ونِبَالًا، وصوَّرنا مِنهم نماذِجَ للجيلِ الزَّاحِفِ بالمصَاحِفِ، وعلَّمناهم كيف يُحيون الجزائر، وكيف يَحيَون فيها"[20].
وعند حديثهِ عن ما أثمرته الـحركةُ الإِصلاحيَّةُ في الـشَّبابِ، يقول:
"فأصبَحَ بها القُرآنُ قريبًا إلى الأفهَامِ، مُؤثِّرًا في العُقُولِ، وأصبحنا نَسمَعُ مِن تلامِذَتِنا الذين ربيناهم على القُرآنِ حِفظًا وفِهمًا وعَملًا، ورَوَّضنَاهم على الغَوصِ ورَاءَ معانيه، آرَاءَ في الاجتماعِ الإنساني سَندُها القُرآنُ، ما كانت تَزيغُها أفكارُ الشُّيوخِ، وآرَاءَ في الدُّستورِ القُرآني وتَطبيقِه على زمَانِنا ومكانِنا ومصَالحِنا، ما كانت تسيغُها عُقُولُ الأجيال الماضية، وهؤلاء التَّلامِذةِ لم يزالوا بعد في المراحل العِلميَّةِ المتوسِّطةِ، فكيف بهم إذا أمدَّتهم الحياةُ بتجاربها، وأَمدَّهم العِلمُ باختباراته؟ لعمر أبيك إنَّه القرآن حين تتَجلَّى عجائبه على الفطر السليمة، والعقول الصافية"[21].
رأى الإبراهيمي أَنَّ هؤُلاء الـشَّباب لوطنهم وأُمَّتهم كالرُّوحِ للـجسدِ، والـتَّمامِ للـبُنيانِ، لا غِنى لأحدِهما عن الآخر: فـ"لا يحسنُ الشَّبابُ إلى أمَّتِهِ كُلِّها إِلَّا إِذا تبنَّتُه كُلَّه، حتى لا يقول كبير: حسبي ولدي!، ولا يقول صغير: حسبي والِدِي"[22].