رد: فُصُولٌ مِن جُهُودِ الإبراهيمي في إصلاحِ شبَابِ الأُمَّةِ
15-05-2017, 04:30 PM
الـشبابُ والدِّين:
إنَّ أَعظَمَ وأَصلحَ ما يُزرعُ في الـشَّبابِ: حُبُّه لـدِينِه وتفَانِيه في خِدمَتِه؛ فهو الـغَرسُ الذي ينمُـو، والـحصنُ الذي يُتَّقَى به، والـحَائِطُ الـذي لا يتَصدَّعُ: "فإِذا نشَأ الشَّبابُ على التَّديُّنِ أحبَّ الدِّين، وإذا أحبَّ ما فيه أحبَّ ما يستَتبِعَه مِن فضَائلَ وأخلاقٍ حمِيدةٍ، وعَمِلَ على غَرسِها في نُفُوسِ غَيرِه مِن الأجيال اللاحقة"[23].
وهذا لا يعني انفصالهم عن الحياة وأسبابها، يقول:
الشَّبابُ المحمَّدي أحقُّ شبَابِ الأُممِ بالسَّبقِ إلى الحياةِ، والأَخذِ بأسبَابِ القُوةِ، لأنَّ لهم مِن دِينِهم حَافِزًا إلى ذلك، ولهم في دِينِهم على كُلِّ مكرُمةٍ دليلٌ، ولهم في تارِيخِهم على كُلِّ دعوى في الفخَارِ شَاهِدٌ...
يا شبَابَ الإسلامِ.. وَصِيَّتي إليكم أن تتَصِلوا باللهِ تَديُّنًا، وبنَبيِّكم اتِّباعًا، وبالإسلامِ عَملًا، وبتاريخِ أجدَادِكم اطِّلاعًا، وبآدَابِ دِينِكم تخلُّقًا، وبآدَابِ لُغَتكم استعمَالًا، وبإخوَانِكم في الإسلامِ ولِداتكم في الشبيبة اعتناءً واهتمَامًا، فإن فعلتم حزتم مِن الحياةِ الحظَّ الجَليلَ، ومِن ثَوابِ اللهِ الأَجرَ الجزِيلَ، وفاءَت عليكم الدُّنيا بظِلِّها الظليل"[24].
والمخَاطِرُ الـكَثيرةُ تُحدِقُ بالشَّباب في طريقِ حيَاتِهم، لا سِيَّمَا مِن جِهَةِ دِينِهم وهَوِيَّتِهم، فـتُحيطُ بهم الـعقبَاتُ والـمُعوِّقَاتُ، وتَدفعُ بهم إِلى الانحرافَاتِ والـضَّلالاتِ، وما أصَابَ الـشَّبابَ ما أصَابَهم إِلَّا حين غَابَ عنهم فَهمُهم لـدِينِهم ، والـمَعرفَةُ للـوَاجبِ الذي عليهم، والإِدرَاكِ والإِحَاطَةِ لـمحَاسِنِ شَريعَتِهم، فـ:"لو أنَّ الإسلامَ فُهِمَ على حقِيقَته، وطُبِّقَ على وجهِهِ الذي جاءَ به مِن عند الله محمَّد بن عبدالله، لكان هو الدواءُ النَّافِعُ الذي يحل العُقَدَ ويَرفَعُ الإشكال، ولكان هو الحكم في مُعتَركِ الخِلافِ، والجَالبُ بقوانينه وأخلاقه لسعَادَةِ العَالم"[25].
كان الإبراهيمي يُحذِّر الشَّبابَ ممَّا أُلصِقَ بدِينِهم مِن الأباطيلِ والأضالِيل، ويُذكِّرُهم بسيرةٍ نبِينا مُحمَّدٍ –صلى الله عليه وسلم- فـيقول:
"إنَّ دِينَكم شوّهته الأضَاليلُ، وإنَّ سِيرةَ نبيِّكم غَمَرتها الأباطِيلُ، وإن كتَابَكم ضيَّعته التَّآويل، فهل لكم يا شبَابَ الإسلامِ أن تمحُوا بأَيدِيكم الطَّاهِرةُ الزَّيفَ والزَّيغَ عنها، وتكتُبوه في نُفُوسِ النَّاس جَدِيدًا كما نَزَلَ، وكما فَهِمَه أصحَابُ رَسولِ الله عَن رَسولِ الله.
إنَّكم قد اهتديتم إلى سواء الصِّراطِ، فاهدوا إلى سواءِ الصِّراط"[26].
وكاَنَ يرى أنَّ هناك عوامِلُ وأسبَابٌ ساهَمَت في هذه الـجَفوةِ بين الـشَّبابِ ودِينِه وهَوِّيتِه وأُمَّتِه، يـتَعلَّقُ بـعضُها بالـجَوانِبِ الـعَقديّةِ والـفِكريَّةِ، وبالأُمُورِ السُّلوكيّةِ والأَخلاقيَّةِ، ومِن عَادِته أَنَّه يذكُرُ الأسبَابَ والـمظَاهِرَ، ثمَّ يتبِعُها بذكِرِ الـحُلُولِ والـعِلاجِ، فهو يَرى أَنَّ إِصلاحَ النَّشءِ مِن الـشَّبابِ والـمجتمعات مرتكزُ على أُمورٍ أَربعة: (الـبيتُ) و(الـمَسجِدُ) و(الـمَدرَسةُ) و(الـمُجتَمعُ)، فـكيفَ إِذا ما تَـمَّ تَعطِيلُها، أو إفسادُها وتـَخرِيبُها!!؟.
يقول الإِبراهيمي: "إذا كان الشَّبابُ لا يَفهمُ الدَّينَ مِن البيتِ، ولا مِن المسجِدِ، ولا مِن المدرَسةِ، ولا مِن المجتمعات، فإن فَهِمَ شيئًا مِنه في شَيءٍ مِنها: فَهمَه خِلافًا وشَعوَذةً وتَخرِيفًا، ففي أيِّ مَوضِعٍ يَفهمُ الإسلامَ على حَقِيقتِه طهَارَةً وسُموًا واتِّحادًا وقُوةً وعِزَّةً وسيَادَةً؟!"[27].
ويضيف: "إنَّ شبَابَنا اليوم يتَخبَّطُ في ظُلمَاتٍ مِن الأفكَارِ المتضَارِبَةٍ، والسُّبلِ المضِلَّةِ، تتَنَازَعه الدِّعايَاتُ المختَلِفةُ التي يقرَأَها في الجرِيدَةِ والكِتابِ، ويسمَعُها في الشَّارعِ وفي المدرَسةِ، ويَرى مظَاهِرَها في البيتِ وفي المسجدِ، وكُلُّ داعٍ إلى ضَلالَةٍ فِكريَّةٍ أو إلى نحلَةٍ دِينيَّةٍ مفرِّقَةٍ يَرفعُ صَوتَه ويجهرُ ويُزيُّنُ ويُغري ويَعِدُ ويُمنِّي، ونحن ساكِتُون، كأنَّ أَمرَ هؤُلاءِ الشُّبَّانِ لا يعنِينا!!؟، وكأنَّهم ليسُوا مِنَّا ولسنَا مِنهم، ولا عَاصِمَ مِن تَربيةٍ صَالحةٍ مُوحَّدةٍ تعصِمُهم مِن التَّأثُّرِ بهذه الدِّعايَاتِ، ولا حَامٍ مِن مُذكِّرٍ أو مُعلِّمٍ أو مَدرَسةٍ أو قَانونٍ يحميهم مِن الوقُوعِ في هذه الأشراك!!؟"[28].