رد: المقاصد عند شيخ الإسلام ابن تيمية
18-06-2017, 04:57 PM
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

لعلم الجميع:

إن الشبهات التي ينثرها بعضهم ليستبالأمر المستغرب عندنا، فإن هؤلاءلم ولا ولن يأتوا أبدا وبتاتا بطعن جديد!!؟، بل هو:" مجرد تكرار واجترار لطعون المستشرقين، و: عند جهينة الخبر اليقين!!؟".
ولأجل ذلك:


نلتمس من الجميع من الآن فصاعدا: أن لا يعتبروا ردودنا جوابا على هؤلاء، بل القصد: دحض شبهات المستشرقين أصالة، ومن نقلها عنهم تبعا فقط!!؟.


{ إننا نتفهم تماما حرص هؤلاء على مهاجمة ما يسميه :" طوف وأمثاله" بالوهابية، وكذا تهجمه على شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله، ومحاولات طعنه في صحيحي البخاري ومسلم، ودفاعه عن الصوفية القبورية والروافض الشيعة مع تلميع صورة المستشرقين الناشرين لضلال هؤلاء وأولئك!!؟.
والأدهى والأمر:
تصحيحه لدين اليهود والنصارى المحرفين!!؟، بينما نحن المسلمون نعتقد كفرهم دون أدنى ريب أو شك!!؟ ، وهذا الأمر يكفي للإعراض عنه}.
إن ما يعجبني فيمن يحاورني وهو يخالفني: أن يكون صريحا في إبداء عقيدته الحقيقية، أما أن يتظاهر بالإسلام، لينشر شبهاته حوله، وهو يخفي عقيدته الحقيقية التي فضحها:" تصحيحه لدين اليهود والنصارى المحرفين!!؟، فهذا ما أمقته، ويسقط فاعله من عيني، ويدعوني للإعراض عنه إلا فيما حالات نادرة نرى فيها حسن الرد عليه.

وبما أن وجهه الحقيقي قد ظهر بعد أن أرخينا له عنان النقاش، فليعلم وليعلم كل القراء بأننا سنعرض عنه بعد انكشاف حقيقته إلا إذا رأينا فائدة في التعقيب عليه مما لا بدا منه، فغرضه من ردوده قد انكشف، ولن نشتغل به إلا بمقدار اضطرار المشرف على الهلاك للميتة، فهو وأمثاله يأخذون من وقتنا النفيس: ما نحن في أمس الحاجة إليه لإفادة القراء الأفاضل، فلا يتوهمن هو أو غيره: إذا رأى منا إعراضا عنه بأن سبب ذلك هو:" عجز أو تهرب!!؟"، لأن ما يجب أن يعلمه هو وأمثاله بأنهم يكررون ويجترون نفس الشبهات التي بثها أسلافهم: إمعانا في محاربة دعوة التوحيد والسنة:[ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون].
فليعتقد هؤلاء ما شاؤوا، وليكتبوا ما يحلو لهم، وعند الله تلتقي الخصوم.
[ وإن غدا لناظره قريب!!؟].

ونعود للتعليق على مشاركته رقم:(8)، فنقول بتوفيق الله:

لقد ظن هذا المتذاكي بأنه قد ظفر بنقل يعجزنا به!!؟، ولكن:" على نفسها جنت براقش!!؟"، فقد فضح نفسه بتعمده التلبيس والتدليس: إمعانا في التضليل، حيث أنها أخذ من المصدر الذي اعتمد عليه ما يوافق هواه، وأخفى الحق عن القراء، وتلك صفة ممقوتة ذميمة، وسيأتي البرهان على تدليسه وتلبيسه!!؟.
وظن هذا المتذاكي بأن كثرة التلوين والأسهم، ستكون حيلة ناجعة لتمرير ما يهواه ويشتهيه بتوجيه القارئ إلى ما يريد تمريره بهواه، ولكن:" حبل الكذب قصير!!؟".
وإلى بيان تلبيس وتدليس الكولاج!!؟.
الكذب والاختلاق على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة رجوعه عن عقيدته!!؟.


كيف يكون شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله أشعريا، وقد رد على عقائد الأشاعرة في مسائل عديدة كما سيأتي بيانه!!؟.
يقول المؤرخ المشهور:المقريزي في:(الخطط :2/358-359)- بعد عرضه لنشأة المذهب الأشعري وانتشاره على يد بعض العلماء والسلاطين ما يأتي:

" فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعري وانتشاره في أمصار الإسلام، بحيث نسي غيره من المذاهب وجهل، حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه إلا أن يكون مذهب الحنابلة- أتباع الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل- رضي الله عنه-، فإنهم كانوا على ما كان عليه السلف: لا يرون تأويل ما ورد من الصفات- إلى أن كان بعد السبعمائة من سني الهجرة: اشتهر بدمشق وأعمالها: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، فتصدى للانتصار لمذهب السلف، وبالغ في الرد على مذهب الأشاعرة، وصدع بالنكير عليهم وعلى الرافضة وعلى الصوفية".

فليتأمل كل عاقل منصف تصريحالمؤرخ المشهور: المقريزي بأن شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله قد:" بالغ في الرد على مذهب الأشاعرة "، ليتبين له بأن متذاكي آخر زمن، لم يكن إلا مدلسا ملبسا !!؟.
ومن أراد التفصيل في ردود شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله على الأشاعرة، فليرجع إلى مباحث كتاب:(موقف ابن تيمية من الأشاعرة) للشيخ: عبد الرحمن بن صالح المحمود، ومما ورد فيه كعناوين لتلك المباحث ما يأتي:

الفصل الثاني: في منهج ابن تيمية العام في الرد على الأشاعرة، وهذا الفصل مـن أهم فصول الرسالة، وفيه عرض للقضايا العامـة التي ناقش فيها شيخ الإسلام الأشاعرة، والتي لا تختص بباب معين من أبواب العقيدة، مثل:( مسألة أن الكتاب والسنة فيهما ما يغني عما ابتدعه هؤلاء، وحجية خبر الآحاد في العقيدة، وعلم الكلام المذموم، وكون مذهب السلف أعلم وأحكم وأسلم، وجهل الأشاعرة بمذهب السلف، وإرجاع أقوالهم إلى أصولها الاعتزالية والكلامية، وأنه لا تعارض بين العقل والنقل، والرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم، وتناقض الأشاعرة وما وقع فيه أعلامهم من الحيرة والشك، ثم رجوع بعضهم إلى الحق، ثم بيان تسلط الملاحدة من الفلاسفة والقرامطة عليهم لضعف ردودهم عليهم، وأخذهم بأصول أهل الكلام الباطل)، وكل مسألة من هذه المسائل يذكر لها شيخ الإسلام أمثلة متعددة.
الفصل الثالث: وموضوعه: ردود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عليهم تفصيلا، ويشمل عدة مباحث:
المبحث الأول: ردوده عليهم في مسألة توحيد الألوهية والربوبية، ويدخل في هذا المبحث بعض المسائل مثل:( مسألة أول واجب على المكلف، ومفهوم التوحيد عند الأشاعرة، وبيان خطئهم وتقصيرهم في مسألة توحيد الربوبية، وإغفالهم لتوحيد الألوهية).
المبحث الثاني: في الأسماء والصفات، وقد احتوى هذا المبحث على مسائل كثيرة جدا تتعلق بأسماء الله، والصفات التي أثبتها الأشاعرة، والصفات التي نفوها، وكيف رد عليهم شيخ الإسلام طويلا، وخاصة في المسائل الكبرى:( كمسألة العلو والاستواء، والصفات الفعلية، كالنزول والمجيء والغضب والرضا، والصفات الخبرية وغيرها).
المبحث الثالث: في القضاء والقدر، وبعض المسائل المتعلقة به، وردوده عليهم في ذلك.
المبحث الرابع: في الإيمان، وميلهم إلى الإرجاء وردوده على أقوالهم.

وقد أسند المؤلف ردود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على الأشاعرة إلى مؤلفاته بالمجلد والصفحة لمن أراد التحقق.

وأما بخصوص الرد على شبهة تراجعه عن عقيدته رحمه الله إلى مذهب الأشاعرة، فإليكم بيانا كافيا شافيا وافيا يبطل تلك الكذبة المختلقة!!؟، ننثره بين يدي طالب الحق طبعا: الذي يكفيه دليل، وأما صاحب الهوى، فلن يقنعه ألف دليل!!؟، ومما أصله أهل الحق أن:" الجاهل يعلم، وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل"،[ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم].
فإلى البيان الكافي الشافي الوافي بتوفيق الله:

جاء في كتاب:(الجامع لسيرة شيخ الإسلامابن تيمية خلال سبعةقرون:1/39-47)، لمؤلفيه:"محمد عزيز بن شمس وعلي بن محمد العمران"،(الناشر: دار عالم الفوائد – مكة/ الطبعة: الثانية، شوال 1422 هـ/عدد الأجزاء: 1).
وهو الكتاب نفسه الذي نقل منه الكولاج ما يهواه ويشتهيه، وحذف ما يكشف كذبه وتلبيسه وتدليسه!!؟، فقد نقل منه بداية المبحث، وترك آخره وفيه الخلاصة التي تكشف كذبه!!؟.

{* وههنا موضع ينبغي تحريرُه، وهو:
ما استشكلَه كثيرون؛ إذ ورد في بعض المصادر أن الشيخ -رحمه الله- قد كتب كتابًا فيه عقيدةٌ تُخالِفُ ما دعا إليه وأفتى به طول حياته؛ بل وسُجِن من أجله، فنقول -تحريرًا لهذا الموضع، ودحضًا لمن تتنازعه الأهواء والشُّبَه-:
هذا الرجوع قد جاء عند كلٍّ من:
1 - تلميذه ابن عبد الهادي (744) كما في:(العقود الدرية: 197) نقلًا عن الذهبي.
2 - الذهبي (748) -تلميذه -كما نقله عنه ابن عبد الهادي (السابق) ونصُّه:
" ... وجرَت أمور طويلة، وكُتِبَ إلى الشام كتاب سلطاني بالحطِّ عليه، فقُريء بالجامع وتألم الناسُ له، ثم بقي سنةً ونصفًا (أي: سنة 707) وأُخرج، وكتب لهم ألفاظًا اقترحوها عليه، وهُدِّد وتُوعِّد بالقتل إن لم يكتبها. وأقام بمصر يُقرىء العلم ويجتمع عنده الخَلْقَ. . ." اهـ.
3 - ابن المعلم (725) في:"نجم المهتدي ورجم المعتدي" (نسخة باريس رقم 638)، والنويري (733) في:"نهاية الأرب -كما في الجامع 181 - 182 "، وفيه أن هذا المجلس كان بعد حضور الأمير حسام الدين مهنّا (ربيع الآخر / 707) وأخرج الشيخ (يوم الجمعة 23 / ربيع الأول / 707).
ثم نقل النويري مضمون ما في الكتاب الذي يحكي ما في المجلس، وأنه (أي: الشيخ) ذَكَر أنه أشعري، وأنه وضع كتابَ الأشعري على رأسه، وأنه رجع في مسألة (العرش والقرآن والنزول والاستواء) عن مذهبه -مذهب أهل السنة- وكان الكتاب تاريخ (25 / ربيع الأول / 707).
ثم عُقِد مجلسٌ آخر، وكتب فيه نحو ما تقدم في (16 / ربيع الآخر / 707) وأُشْهِد عليه.
4 - أما البرزالي (739) -رفيقه- فلم يذكر في حوادث هذه السنين شيئًا (الجامع: 213 - 215).
5 - ذكر الدواداري (بعد 736) في:"كنز الدرر- الجامع: 239): أنهم عقدوا له مجلسًا آخر في (12 / ربيع الآخر / 707) بعد ذهاب الأمير حسام الدين، ووقع الاتفاق على تغيير الألفاظ في العقيدة وانفصل المجلس على خير.
6 - لم يذكر ابن كثير (774) -تلميذه- في "البداية والنهاية" شيئًا من أمر رجوعه ذلك.
7 - ذكر ابن رجب (795) في: "الذيل- الجامع: 476 - 477 " نحو ما ذكره ابن عبد الهادي في "العقود" فقال: "وذكر الذهبي والبرزالي وغيرهما أن الشيخ كتب لهم بخطه مُجملًا من القول وألفاظًا فيها بعضُ ما فيها؛ لمَّا خاف وهُدِّد بالقتل".
ولم يذكر نص الكلام، ولا الكتاب.
8 - لم يذكر المقريزي (845) في "المقفَّى الكبير- الجامع: 507 " شيئًا من خبر الرجوع ولا الكتاب.
9 - ذكر الحافظ ابن حجر (852) في "الدرر الكامنة- الجامع: 536 - 537 " نحو ما ذكره النويري في:"نهاية الأرب"، ثم عزا ابن حجر ما نقلَه إلى "تاريخ البرزالي"!.
10 - ذكر ابن تَغْري بَرْدي (874) في "المنهل الصافي- الجامع:
576 " نحو ما ذكره الحافظ ابن حجر، وسياق نَقْلِه يدل أنه ينقل من كتاب لكمال الدين ابن الزملكاني -وعداؤه للشيخ معروف- فيه ترجمةٌ للشيخ، وقد نقل منها -أيضًا- في:"النجوم الزاهرة- الجامع: 580 ".

فتبيَّن من هذا العَرْض أن:
1 - من المؤرخين: من لم يذكر القِصَّة ولا المكتوب أصلًا!!؟.
2 – ومنهم: من أشار إليها إشارة فقط دون تفصيلٍ للكتاب الذي كتبه، مع ذِكرهم ما صاحبَ كتابته تلك من التخويف والتهديد بالقتل.
3 – ومنهم: من فصَّلها وذَكَر نصَّ المكتوب، لكن دون ذكرهم لما صاحَبَ ذلك من تهديد وتخويف بالقتل!!؟.

وعلى هذا؛ يمكننا القول:
إن ابن المعلم والنويري قد انفردا من بين مُعاصِري الشيخ بقضية رجوعه، وسياق ما كتبه، وتابعهما على ذلك بعض المتأخرين، وعليه فيمكن تجاه هذه القضية: أن تُتخذ أحد المواقف التالية:

1 - أن نكذِّب كلَّ ما ذكره المؤرِّخون جملة وتفصيلًا، ونقول: إن شيئًا من ذلك لم يكن.
2 - أن نُثْبِت أصلَ القِصَّة، دون إثبات أيّ رجوعٍ عن العقيدة، ولا المكتوب الذي فيه المخالفة الصريحة لما دعا إليه الشيخ قبل هذا التاريخ وبعده.
3 - أن نُثْبِت جميعَ ما انفردَ به ابنُ المعلم والنُّويريُّ من الرجوع والكتابة.

فالأول: دَفعٌ بالصدر، والثالث: إثبات للمنفردات والشواذ وتقديمها على الأشهر والأكثر.
والذي يثبت عند النقد ويترجَّح هو: الموقف الثاني: أن الشيخ كتب لهم عبارات مُجْمَلة -بعد التهديد والتخويف- لكن ليس فيها رجوع عن عقيدته، ولا انتحال لعقيدةٍ باطلة، ولا كتاب بذلك كلِّه، وذلك لأسبابٍ عديدة هي:
1 - أن هذا الكتاب مخالف لعقيدة الشيخ، التي كان يدعو إليها ويُناضل عنها طوال حياته، قبل هذه الحادثة وبعدها.
2 - أنه لا يوجد في كتاباته ومؤلفاته أيُّ أثرٍ لهذا الرجوع، أو إشارة إلى هذا الكتاب أو إلى ما تضمنه، ولو كان قد حصل منه شيء من الكتابة لهم بذلك، لكان حقيقًا بعد ظهوره على أعدائه -على الأقل- وتمكنه منهم بعد انكسار الجاشنكير ورجوع الناصر أن يطلب هذا الكتاب، أو ينفيه عن نفسه.
3 - أن الشيخ -رحمه الله- قد حصلت له مضايقات كثيرة في مسائل عديدة قبل هذا التاريخ وبعده، سُجن من أجلها وعوتب، فلم يُعرف عنه أنه رجع عن شيء منها، بل غاية أمره: أن يسكت عن الإفتاء بها مُدة، ثم يعود إلى ذلك ويقول:" لا يسعني كتمان العلم": كما في مسألة الطلاق (العقود: 325)، فكيف يكتب لهم هذه المرَّة ما يناقض عقيدة أهل السنة، ويقرر مذهب أهل البدع!!؟.
وما شأن الخصوم عند الشيخ -رحمه الله- إلَّا كما وصفهم هو بنفسه لما قيل له:" يا سيدي قد أكثر الناسُ عليك!".
فقال:" إنْ هم إلا كالذباب، ورَفَع كَفَّه إلى فيه، ونفخ فيه". (العقود: 268).
ووَصَف الذهبي ثباتَ الشيخ أمام خصومه، فقال:"... حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قيامًا لا مزيد عليه ... وهو ثابت لا يُداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المرَّ الذي أداه إليه اجتهادُه وحِدَّةُ ذهنه وسَعَةُ دائرته في السنن والأقوال".
وهذا كلُّه ينبِيك عن مدى صدق ذاك التراجع وذاك المكتوب!!؟.
4 - ومما يفتّ في عضد هذه الأكذوبة: أن جماعةٌ طلبوا من الشيخ أن يقول: إن هذا الاعتقاد الذي كتبه وناظر من أجله الخصومَ هو: اعتقاد أحمد بن حنبل -يعني: وهو مذهب متبوع، فلا يُعترض عليه-.
فلا يرض الشيخ بهذا؛ بل يصدع بأن هذا هو معتقد سلف الأمة جميعهم، وليس لأحمدَ اختصاصٌ بذلك. (العقود: 218 - 219، 242).
5 - إن أقصى ما يمكن قوله في كتابة الشيخ لهم: إنها كتابة إجمالية في مسائل العقيدة بما لا يُنافي الحق والصواب، وانظر نماذج لبعض ما كان يستعمله الشيخ مع خصومه، ليدحرهم ويَكْبِتهم وفي أنفسهم ما فيها، في (العقود: 212، 215، 240 - 241).
ولم يستطع الأعداء أن يجبروه على كتابة أكثر من ذلك الإجمال، ثم وجدوا أنه لا فائدة في إشاعة ذلك المكتوب عنه بالوجه الذي كتبه، فزوَّروا عليه كلامًا، ثم زوَّروا عليه توقيعه، وأشهدوا عليه جماعة، لِيَتمَّ لهم ما أرادوا.
وقضية الكذب والتقوَّل والتزوير على الشيخ: باتت من أشهر خصال
أعدائه، انظر ذلك في مواضع كثيرة في (العقود: 200، 204، 207، 209، 328).
قال البرزالي في الموضع الأول عن خصومه: "وحرفوا الكلام، وكذبوا الكذب الفاحش".
وقال في الموضع الثاني: "واختلفت نقول المخالفين للمجلس، وحرَّفوه، ووضعوا مقالة الشيخ على غير موضعها، وشنّع (1) ابنُ الوكيل وأصحابُه بأن الشيخ قد رجع عن عقيدته، فالله المستعان".
وقال الشيخ -نفسه- في الموضع الثالث: " وكان قد بلغني أنه زُوِّر عليَّ كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير، يتضمن ذكر عقيدةٍ محرَّفة، ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أن هذا مكذوب".
وقال الشيخ في الموضع الرابع: "أنا أعلم أن أقوامًا يكذبون عليّ، كما قد كذبوا عليّ غير مرة. . .".
وقال ابن عبد الهادي في الموضع الأخير: "وعَظُم التشنيع على الشيخ -يعني في مسألة شد الرحل- وحُرِّف عليه، ونُقل عنه ما لم يقله".
كما ضُبِط عليهم الكذب والتزوير وتحريف الكلام في مواضع أخرى كثيرة (2)، فليس غريبًا: أن يزوِّروا عليه هذه المرة ما زوَّروا، ويُشهدوا عليه شهادة الزور.
6 - ومما يؤيد كَذِب هذه الأخْلُوقة: أن هذا الكتاب الذي زعموا كُتِب سنة (707)، فكيف يصح هذا، وهم يطالبونه في سنة (708) بكتابة شيءٍ بخطه في المسألة نفسها!!؟.
فإنه لما جاءه المشايخ التدامرة نحو سنة (708) وقالوا: "يا سيدي قد حمَّلونا كلامًا نقوله لك، وحلَّفونا أنه ما يطَّلِع عليه غيرنا: أن تنزِلَ لهم عن مسألة العرش ومسألة القرآن، ونأخذ خطك بذلك، نوقف عليه السلطان ونقول له: هذا الذي حَبَسْنا ابن تيمية عليه، قد رجع عنه، ونَقْطع نحن الورقة (3).
فقال لهم الشيخ:" تدعونني أن أكتب بخطي أنه ليس فوق العرش إله يُعبد، ولا في المصاحف قرآن، ولا لله في الأرض كلام!!؟"، ودقَّ بعمامته الأرضَ، وقام واقفًا ورفع برأسه إلى السماء، وقال:" اللهم إني أشهدك على أنهم يدعونني أن أكفر بك وبكتبك ورسلك، وأن هذا شيءٌ ما أعمله ... "، ثم دعا عليهم.
ولما قالوا له:" كل هذا يعملونه حتى توافقهم، وهم عاملون على قتلك أو نفيك أو حبسك"، فقال لهم: " أنا إن قُتِلت كانت لي شهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة ... ". فيئسوا منه وانصرفوا (4).
فلو كان لهم كتاب بخطه في تلك المسائل -كما زعموا- لم يطلبوا منه أن يكتب لهم بخطه كتابًا آخر، فخلصنا أنه لم يكن معهم في المرة الأولى إلا الكذب والتزوير والتحريف.
__________
(1) كذا بالمطبوع.
(2) انظر "التسعينية": (1/ 111)، و "الإخنائية": (ص / 104 - 105)، وانظر "موقف ابن تيمية من الأشاعرة": (1/ 179 - 180 الحاشية) للشيخ عبد الرحمن المحمود.
(3) فهذا يدل أنهم قد يئسوا من رجوعه عن عقيدته، فغاية ما أرادوه أَخذ شيءٍ: بخطه يعذرهم عند السلطان في حَبْسه، لكن حتى هذا لم يظفروا به من الشيخ -رحمه الله-.
(4) ذكره إبراهيم بن أحمد الغياني خادم شيخ الإسلام. انظر: "الجامع": (ص / 147 - 148).