حقيقة التصوف بقلم الإمام: عبد العالي بوعكاز
06-04-2013, 07:30 PM
حقيقة التصوف
بقلم الإمام: عبد العالي بوعكاز


لصالح مَن يشن المتمسلفة منذ سنوات هذه الحملة الشرسة على التصوف وأئمته، لا همَّ لهم ولا هدف سوى تشويه صورة التصوف في نظر الناس وبخاصة العوام منهم وتحذيرهم منه، حتى وصل الأمر ببعض الناس أنك إذا ذكرت عندهم التصوف أو المتصوفة استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وانزعج وانتفض وكأنك ذكرت أمامه ألدّ أعداء الله وأخبث الخلق!!وهذا كله بسبب التعرف على التصوف من خلال كتابات أعدائه وشانئيه، وكان الأولى أن نتعرف على التصوف من خلال مصادره ومن عند أئمته ورجالاته.فتعالوا بنا في هذه العجالة نتعرف على حقيقة التصوف والصوفية.
فالتصوف علم من علوم الشريعة، وهو علم التربية والتزكية والسلوك، فالذي يشتغل من العلماء بالحديث يسمى محدِّثا، والذي يشتغل بالفقه يسمى فقيها، والذي يهتم بالتفسير يسمى مفسِّرا، والذي يهتم بالنحو يسمى نحويا...، وكذلك الذي يهتم بعلم التربية والتزكية والسلوك يسمى صوفياً.
فالتصوف مشتق من الصفاء والنقاء والتصفية والتزكية والتربية، ويهتم بإصلاح القلوب ومداواة أمراضها، ونهي النفس عن الهوى، ومعرفة الله معرفة حقيقية يقينية، ودوام ذكره ومراقبته وعبادته وحبه، والانصياع لأوامره والانتهاء عن زواجره، وتذوِّق لمعاني الصفاء والنقاء القلبي والسمو الخلقي...
قال الشيخ أبو الفتح البستي رحمه الله:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا *** وظنه البعض مشتقاً من الصوفِ
ولستُ أمنح هذا الاسم غير فتى *** صفا فصوفي حتى سُمي الصوفي
قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله: (التصوف هو تجريد القلب لله تعالى واحتقار ما سواه، أي تخليص القلب لله تعالى، واعتقاد ما سواه اعتقادا أنه لا يضرُّ ولا ينفع، فلا يعول إلا على الله، فالمراد باحتقار ما سواه اعتقاد أنه لا يضر ولا ينفع، وليس المراد الازدراء والتنقيص) أنظر "حكايا الصوفية" ص 25- 26.
وقال كذلك بعد أن اختبر طريق التصوف ولمس نتائجه وذاق ثمراته: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا يخلو أحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) أنظر "النصرة النبوية على هامش شرح الرائية" للفاسي ص 26.
وقال الإمام العارف ابن عطاء الله السكندري: (التصوف هو الاسترسال مع الحق) انظر الموسوعة اليوسفية 01/28.
وقال الإمام ابن عجيبة: (التصوف لب الإسلام)، وقال: (التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك وتصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة) أنظر "معراج التشوّف إلى حقائق التصوف" ص 04.
وقال الإمام معروف الكرخي:(التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق)"تاريخ التصوف الإسلامي" ص 17
وقال الإمام أبو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى: (التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية) "نور التحقيق" ص 93.
وقال الإمام محي الدين بن عربي رحمة الله عليه: (التصوف هو الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا وباطنا) وقال: (التصوف خُلُق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف) أنظر: "شرح كلمات الصوفية" ص 326-327.
وقال الإمام الجنيد البغدادي: (من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر – أي التصوف-، لأن علمنا هذا مقيَّد بالكتاب والسنة. وقال: والطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام. وقال: مذهبنا هذا مقيَّد بأصول الكتاب والسنة. وقال: علمنا هذا مشيّد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم).انظر "الرسالة القشيرية"ص72. وقال أيضا: (التصوف أن يختصك الله بالصفاء فمن صفا من كل ما سوى الله فهو الصوفي). أنظر مقدمة الشيخ عبد الحليم محمود على كتاب "غيث المواهب العليّة في شرح الحكم العطائية" 01/26.
وسئل أبو محمد الجريري رحمه الله عن التصوّف فقال: (الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني).انظر "اللمع" ص45.
وقال الشيخ أحمد زروق رحمه الله: ( التصوف علم قصد به صلاح القلوب وإفرادها لله تعالى عما سواه والفقه لإصلاح العمل، وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام، والأصول (علم التوحيد) لتحقيق المقدِّمات بالبراهين، وتحلية الإيمان بالإيقان، والطب لحفظ الأبدان، والنحو لإصلاح اللسان إلى غير ذلك) أنظر "قواعد التصوف" قاعدة 13 ص 06.
وقال الامام سهل بن عبد الله التستري: ( أصول مذهبنا – أي التصوف – ثلاثة : الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال).انظر "في التصوف الاسلامي" ص13
وقال الإمام أبو بكر الشبلي: ( الصوفي من صفا قلبه فصفى، وسلك طريق المصطفى، ورما الدنيا خلف القفا، وأذاق الهوى طعم الجفا). انظر "روضة المتقين" 01/186.
وقال الشيخ أبو القاسم ابراهيم النصر آبادي رحمه الله: (أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع،وتعظيم حرمات المشايخ، ورؤية أعذار الخلق والمداومة على الأوراد وترك ارتكاب الرخص والتأويلات). انظر "الرسالة القشيرية" ص 125 .
وقال الشيخ محمد بن أحمد المقرئ رحمه الله: (التصوف هو استقامة الأحوال مع الحق) انظر"طبقات الصوفية" 378.
وقال الشيخ أبو الحسين النوري رحمه الله : ( التصوف ترك كل حظ للنفس) انظر "طبقات الأولياء" ص 73.
وقال العلامة الشريف الجرجاني: ( التصوف كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل، وهو تصفية القلب عن مواقف البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد صفات البشرية، ومجانبة الدعاوى النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ماهو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة والوفاء لله تعالى على الحقيقة، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشريعة).انظر "التعريفات" ص 52.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله: (التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية) انظر "الرسالة القشيرية" ص 07.
وقال الشيخ بشر بن الحارث الحافي: (الصوفي من صفا قلبه لله). انظر "الموسوعة اليوسفية" 01/36.
وقال الإمام الرفاعي: (الصوفي لا يسلك غير طريق الرسول المكرم صلى الله عليه وسلم فلا يجعل حركاته وسكناته إلا مبنية عليه) "حكم السيد أحمد الرفاعي" ص 49-50.
وقال الإمام تاج الدين السبكي في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم" ص 119: (ثم عنوان الصوفية حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم، وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبا ناشئا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها إلى أن قال وإنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة...ثم تحدث عن تعاريف التصوف إلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم ويستنزل الغيث بدعائهم فرضي الله عنهم وعنا بهم)
وقال الإمام النووي في رسالته "المقاصد" ص 20: (إن أصول طريق التصوف خمسة: 1- تقوى الله تعالى في السر والعلانية. 2- إتباع السنة في الأقوال والأفعال. 3 الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار. 4- الرضا عن الله في القليل والكثير. 5- الرجوع إلى الله في السراء والضراء).
وقال الإمام السيوطي في "تأييد الحقيقة العلية" ص 57: (إن التصوف في نفسه علم شريف، وإن مداره على اتباع السنة وترك البدع، والتبري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها والتسليم لله والرضا به وبقضائه، وطلب محبته واحتقار ما سواه..وعلمت أيضا أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله ليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع، فوجّه أهل العلم للتمييز بين الصنفين ليُعلم أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملت الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أر صوفيا محققا يقول بشيء منها، وإنما يقول بها أهل البدع والغلاة الذين ادّعوا أنهم صوفية وليسوا منهم).
وقال الإمام مالك: ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسّق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقّق). "حاشية العدوي على شرح الزرقاني" 03/95.
وقال الإمام الشافعي: (صحبت الصوفية فاستفدت منهم ثلاث كلمات: قولهم: الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك، وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وقولهم العدم عصمة). أنظر "تأييد الحقيقة العلية" للإمام السيوطي ص 15.
وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله: (يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه). فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي وعرف أحوال القوم أصبح يقول لولده: (يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة). أنظر "تنوير القلوب" ص 405 للعلامة الشيخ أمين الكردي.
وقال الإمام العلامة حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق: (التصوف الإسلامي هو تربية علمية وعملية للنفوس وعلاج لأمراض القلوب وغرس الفضائل واقتلاع الرذائل وقمع الشهوات وتدريب على الصبر والرضا والطاعات...) أنظر "السالكون إلى الله" ص 15.
ويقول الإمام العلامة عبد الحليم محمود شيخ الأزهر سابقا في كتابه "قضية التصوف" ص 259: (التصوف لا يعدوا أن يكون جهاداً عنيفا ضد الرغبات ليصل الإنسان إلى السمو أو إلى الكمال الروحي، ليكون عارفا بالله).
وقال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه "السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب اسلامي" ص 189: (التصوف اسم حادث لمسمى قديم، إذ إن مسماه لا يعدو كونه سعيا إلى تزكية النفس من الأوضار العالقة بها عادة، كالحسد والتكبر وحب الدنيا وحب الجاه، وذلك ابتغاء توجيهها إلى حب الله عز وجل والرضا عنه والتوكل عليه والإخلاص له...)
وقال الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله: (الصوفي هو الذي يتقرب إلى الله بفروض الله، ثم يزيدها سنة الرسول عليه الصلاة والسلام من جنس ما فرض الله وأن يكون عنده صفاء في استقبال أقضية العبادة فيكون صافيا لله، والصفا هو كونك تصافي الله) انظر "أصول الوصول" ص 337.
وقال الشيخ محمد بدر الدين الحامد رحمه الله: (اعلم أن التصوف هو تنقية الظاهر والباطن من المخالفات الشرعية، وتعمير القلب بذكر الله تعالى وخشيته ورجائه والسير في العبادات والأعمال على النهج الشرعي طبق السنة الشريفة وخلافا للبدعة السيئة التي يحظر الإسلام التلبس بها). انظر "المحامد من حياة الشيخ محمد الحامد"
وأقوال العلماء في تعريف التصوف ومدح التصوف والصوفية لا تعد ولا تحصى ويكفينا أن نقول إن جمهور علماء اهل السنة سلفاً وخلفاً كلهم متصوفة وكلهم يمدحون التصوف ويعلِّمونه الناس، ولا يضر التصوف أن شانه بعض المتمسلفة.
فهل في ما ذكرنا من تعريفات الأئمة للتصوف ومدحهم له وعدِّ مزاياه شيئا يعاب ؟ هل إذا قلنا إنه لابد للمسلم أن يخلص عمله لله، ويعمل بما يوافق كتاب الله وسنة رسوله ويكثر من ذكر الله ويحب الله ورسوله ويؤدي العبادة على أكمل وجه ويتزين بالأخلاق الحميدة، ويتخلى عن الأخلاق الذميمة وأن يكون تقيا ورعا زاهدا يخاف الله ويخشاه ويراقبه ويحاسب نفسه ويحب الخير لكل الناس...هل في هذا شيء يعاب ؟!. أم أن هذا هو جوهر ولبّ ما يدعو إليه الإسلام؟
فمن أراد أن يتعرف على حقيقة التصوف فليتعرف على ذلك من أئمته ورواده وليس من أعدائه وشانئيه من المتمسلفة وأعداء السلوك والتزكية والأخلاق الحميدة.
وسأذكر لكم شهادة الإمام ابن باديس وموقفه من التصوف والصوفية حتى لا يتفلسف علينا متمسلف ويقول بأن الشيخ ابن باديس كان يعادي الصوفية والتصوف.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: ( ومن أكثر الناس محافظة على الأدب وتحريضا عليه ووصاية به شيوخ الزهد والعلم من أئمة التصوف العارفين كرجال الرسالة القشيرية الذين أبقى الله بعظيم فضله على الاسلام وجميل صنعه لنصرة الدين كلامهم حجة على كل من ينتسب الى طريقتهم في مثل هاته الأزمان...). انظر" آثار ابن باديس " لعمار طالبي 03/156.
فهل عرفتم الآن لماذا يكرهون التصوف ويحاربونه؟ لأنهم يكرهون الأخلاق الفاضلة والسلوكيات القويمة والحياة مع الله، ولا شك أننا جميعا متفقون أن القوم مفلسون أخلاقيا وسلوكيا كما هو مشاهد في كل زمان ومكان. ولاشك أن حملتهم على التصوف وأئمته ورواده لا تكون إلا خدمة يقدمونها لأعداء الإسلام بثمن أو بغير ثمن.
وللحق كرات وكرات...