التذكرة بأسباب حسن الخاتمة
22-05-2017, 11:26 AM
التذكرة بأسباب حسن الخاتمة

صلاح عامر قمصان
الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، مَن يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أولًا:((وإنما الأعمال بالخواتيم)).
عنعبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدَكم لَيَعمَلُ بعملِ أهل الجنَّة حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبِقُ عليه الكتابُ، فيعمَلُ بعمل أهل النار فيدخُلها، وإن أحدكم ليعملُ بعمل أهلالنار، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها))[1].
فالخاتمة المقصودة: أن يُختم للعبد بما يُحب اللهُ عز وجل ويرضاه.
فعن عبدالله، قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادقُ المَصْدُوق - قال: ((إن أحدَكم يُجمَع في بطن أمِّه أربعين يومًا، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثم يبعَثُ الله مَلَكًا فيُؤمَر بأربعٍ: برِزقه وأجَلِه، وشقي أو سعيد، فواللهِ إن أحدكم - أو الرجل - يعمَلُ بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باعٍ أو ذراع، فيسبِقُ عليه الكتاب فيعمَل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعملُ بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراعٍ أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها))، قال آدم: ((إلا ذراع))[2].
وعن سهلِ بن سعدٍ:أن رجلًا من أعظم المسلمين غَناءً عن المسلمين، في غزوةٍ غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((مَنأحَبَّ أن ينظر إلى الرجل من أهل النار، فلينظرإلى هذا))، فاتَّبعه رجلٌ من القوم، وهو على تلك الحال من أشدِّ الناس على المشركين، حتى جُرِح، فاستعجَل الموتَ، فجعل ذُبابةَ سيفِه بين ثديَيْه حتى خرج مِن بين كتفَيْه، فأقبَلَ الرجلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعًا، فقال: أشهدُ أنك رسول الله! فقال: ((وما ذاك؟!))، قال: قلتَ لفلان: ((مَن أحب أن ينظر إلىرجل من أهل النار، فلينظر إليه))، وكان من أعظمنا غَناءً عن المسلمين، فعرَفْتُ أنه لا يموت على ذلك، فلما جُرح استعجل الموت فقَتَل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((إن العبدَ ليعمَلُ عملَ أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عملَ أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمالبالخواتيم))؛ رواه البخاريُّ:(6607).
إن حسن الخاتمة هو:أن يُوفَّق العبدُ قبل موتِه للابتعاد عما يُغضِب الربَّ سبحانه، والتوبةِ مِن الذنوب والمعاصي، والإقبالِ على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موتُه بعد ذلك على هذه الحالِ الحسنة، ومما يدل على هذا المعنى ما صحَّعن أنس قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا، استعمله))، قالوا: وكيف يستعمله؟، قال: ((يُوفِّقه لعملٍصالح قبل موته))[3].
وعن عمرو بن الحَمِق الخُزاعي، قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا، عَسَلَه قبل موته))، قيل: وما عَسَلَه؟، قال: ((يفتح له عملًا صالحًا بين يدي موته حتى يرضَى عنه))[4].
ثانيًا:من أسباب حسن الخاتمة.
السبب الأول: تحقيق الإيمان:
لقوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾.
عن البراء بن عازبرضي الله عنهأن رسولالله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم إذا سئل في القبر، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ))[5].
وعن قتادةَ رضي الله عنه عن أنسِ بن مالك رضي الله عنه أنه حدَّثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا وُضِع في قبره، وتولَّى عنه أصحابه، إنه لَيسمَعُ قرعَ نعالِهم، أتاه ملَكانِ فيُقعِدانه، فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجل، لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبدُ الله ورسولُه، فيقال له: انظر إلى مقعدِك من النار، قد أبدَلَك الله به مقعدًا من الجنة، فيراهما جميعًا)).
قال قتادة: وذكر لنا أنه يُفسَح له في قبره - قال: ((وأما المنافق والكافر، فيُقال له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجل؟، فيقول: لا أدري، كنتُ أقول ما يقولُ الناسُ، فيقال له: لا دريتَ ولا تليتَ، ويُضرَبُ بمطارقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيح صيحةً يسمعها من يليه غيرَ الثقلين))[6].
وعنأبي هريرةَرضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا قبر الميتُ أتاه مَلَكانِ أسْودانِ أزرقانِ، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النَّكير، فيقولان: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله، فيقولان له: قد كنا نعلَمُ أنك تقول هذا، ثم يُفسَح له في قبره سبعون ذراعًا في سبعين، ثم ينوَّر له فيه، ثم يقال: نَمْ كنومةِ العروس الذي لا يُوقِظه إلا أحَبُّ أهله إليه، حتى يبعثَه الله تعالى، وإن كان منافقًا أو كافرًا، قال: سمعتُ الناس يقولون قولًا، فقلتُ مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلَمُ أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التَئِمِي عليه، فتلتَئِمُ عليه، فتختلف أضلاعُه، فلا يزال فيها معذَّبًا حتى يبعَثَه الله من مضجعه ذلك))[7].
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: خرَجْنا مع رسولالله صلى الله عليه وسلم في جنازةِ رجلٍ من الأنصار، فانتهَيْنا إلى القبر ولمَّا يُلحَد، فجلس رسولالله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسِنا الطير، وفي يده عودٌ ينكُتُ به في الأرض، فرفع رأسه، فقال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر)) مرتين أو ثلاثًا.
زاد في حديث جريرٍ:((هاهنا)).
وقال: ((وإنه ليسمَعُ خفقَ نعالِهم إذا ولَّوا مُدبِرينَ، حين يقال له: يا هذا، مَن ربُّك؟ وما دينك؟ ومَن نبيُّك؟)).
قال هنَّاد: قال: ((ويأتيه ملكانِ فيُجلِسانه، فيقولان له: مَن ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولانِ له: ما دينك؟، فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعِث فيكم؟))، قال: ((فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان: وما يُدرِيك؟، فيقول: قرأتُ كتاب الله، فآمنتُ به وصدَّقت)).
زاد في حديث جرير:((فذلك قول الله عز وجل: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾)).
ثم اتفقا، قال: ((فيُنادِي منادٍ من السماء: أَنْ قد صدق عبدي، فأفرِشوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، وألبِسوه من الجنة))، قال: ((فيأتيه مِن رُوحها وطِيبها))، قال: ((ويفتح له فيها مدَّ بصرِه))، قال: ((وإن الكافر)) - فذكر موته قال -: ((وتُعاد رُوحه في جسده، ويأتيه ملَكان فيُجلسانه فيقولان: له من ربك؟ فيقول: هاه هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟، فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟، فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أن كذَب، فأفرِشوه من النار، وألبِسوه من النار، وافتَحُوا له بابًا إلى النار))، قال: ((فيأتيه مِن حرِّها وسَمُومها))، قال: ((ويضيق عليه قبره حتى تختلفَ فيه أضلاعه)).
زاد في حديث جرير قال: ((ثم يُقيَّض له أعمى أبكمُ، معه مرزبَّةٌ من حديد، لو ضُرب بها جبل لصار ترابًا))، قال: ((فيضرِبُه بها ضربةً يسمَعُها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير ترابًا))، قال: ((ثم تعاد فيهالروح))[8].
يتبع إن شاء الله.