رد: التذكرة بأسباب حسن الخاتمة
14-06-2017, 01:04 PM
السببالعاشر: الصدق مع الله:
عن شدَّاد بن الهاد رضي الله عنه:أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمَنَ به واتَّبعه، ثم قال: أُهاجِرُ معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعضَ أصحابه، فلما كانت غزوةٌ، غَنِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سبيًا، فقَسَمَ وقَسَمَ له، فأعطى أصحابه ما قَسَمَ له، وكان يرعى ظهرَهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟، قالوا: قسمٌ قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: ((قسمتُه لك))، قال: ما على هذا اتَّبعتُك، ولكني اتَّبعتُك على أن أُرمَى إلى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهمٍ فأموت فأدخل الجنة، فقال: ((إن تصدُقِ اللهَ يصدُقْك))، فلبِثوا قليلًا، ثم نهضوا في قتالِ العدو، فأُتِي به النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُحمَل قد أصابه سهمٌ حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أهو هو؟))، قالوا: نعم، قال: ((صدق اللهَ فصدَقَه))، ثم كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدَّمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: ((اللهم هذا عبدُك، خرج مهاجرًا في سبيلك، فقُتِل شهيدًا، أنا شهيدٌ على ذلك))[18].
السببالحادي عشر: أن يرجوَ اللهَ عند الموت وأن يخافَ ذنوبه:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخَل على شابٍّ وهو في الموت، فقال: ((كيف تَجِدُك؟))، قال: والله يا رسول الله، إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجتمعانِ في قلب عبدٍ في مِثلِ هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف))[19].
السببالثاني عشر: حسن الظن بالله:
عن جابرٍ رضي الله عنه قال:سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ موتِه بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسِنُ الظنَّ بالله))[20].
وفي ثقاتابن حبانأن بعضَ السلف سُئِل عن معناه، فقال: معناه أنه لا يجمعه والفجَّار في دار واحدة.
وقالالخطابيُّ: معناه: أحسِنوا أعمالكم حتى يحسُنَ ظنُّكم بربكم؛ فمَن أحسن عمله حسُنَ ظنُّه بربه، ومَن ساء عمله ساء ظنه.
وفي الصحيحين عنأبي هريرةرضي الله عنه مرفوعًا: ((قال الله: أنا عند ظنِّ عبدي بي)).
وروىابن أبي الدنيافي كتاب المحتضَرين عنإبراهيمقال: كانوا يستحبُّون أن يُلقِّنوا العبد محاسن عمله عند موته؛ لكي يحسن ظنه بربه.
وعن سوار بن معتمر قال: قال لي أبي: حدِّثني بالرُّخَص؛ لعلي ألقى الله وأنا حسنُ الظن به.
قال الإمام النووي في "شرح مسلم":
قال العلماء: هذا تحذيرٌ من القنوط، وحثٌّ على الرجاء عند الخاتمة، وفي الحديث القدسي: ((أنا عند حُسن ظن عبدي بي))، ومعنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظن أنه يرحَمُه ويعفو عنه، وفي حالة الصحة يكون خائفًا راجيًا، ويكونان سواءً، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دَنَت أَماراتُ الموت غلب الرجاء أو محضه؛ لأن مقصود الخوف: الانكفافُ عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذَّر ذلك أو معظمه في هذه الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمِّن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له.
وقال في "شرح المهذب" 5/ 108:
ومعنى يُحسِنُ الظنَّ بالله تعالى: أن يظن أن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك، ويتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته، وما وعد به أهلَ التوحيد، وما ينشره من الرحمة لهم يوم القيامة؛ كما قال سبحانه وتعالى في الحديث الصحيح: ((أنا عند ظن عبدي بي))، هذا هو الصواب في معنى الحديث، وهو الذي قاله جمهور العلماء، وشذَّ الخطابي فذكر معه تأويلًا آخر، أن معناه: أحسِنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم؛ فمَن حسن عمله حسن ظنه، ومن ساء عمله ساء ظنه، وهذا تأويل باطل نبَّهتُ عليه؛ لئلَّا يُغتَرَّ به.