تابع /لا دعوة إلى الله إلا بالحكمـــة
23-07-2017, 02:34 PM
الحلقة الثانية : لا دعوة إلى الله إلا بالحكمــــة..

5 - هل نستطيع معرفة المسلم على الحقيقة‏؟‏
اعلم أخي أن حكم الله وشهادته تختلف عن حكمنا وشهادتنا وذلك أن الله إذا حكم فإنما بعلمه الذي لا يخطئ ولا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه، وأما أحكامنا فهي قاصرة وظاهرية فقد نشهد ظاهرا لرجل بالإسلام ولا يكون مسلما بل منافقا يظهر لنا غير ما يبطن، وقد نشهد على رجل بالكفر والردة ولا يكون كذلك عند الله سبحانه وتعالى‏.‏‏.‏ كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما‏]‏، في رواية‏:‏ ‏[‏إن كان كما قال وإلا رجعت عليه‏]‏ فعلم بذلك أن المسلم قد يشهد عليه أخوه بالكفر وليس هو كذلك‏.‏
ثانيا‏:‏ الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة‏:‏
لأن نخطئ في العفو خير من أن نخطئ في العقوبة أعني إذا أخطأنا وحكمنا عل رجل بالإسلام بما ظهر لنا من إظهاره لبعض شعائر هذا الدين، ولم يكن الرجل كذلك عند الله سبحانه وتعالى فلا يضيرنا ذلك ولسنا بهذا ملومين عند الله، ولكن إن حكمنا على أحد من المسلمين بالكفر وهو ليس كذلك عند الله سبحانه وتعالى فقد تورطنا وتعرضنا لسخط الله وغضبه بل قد نخرج بهذا من الإسلام الذي أردنا إخراج غيرنا منه‏.‏
هذا ولم يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نشق قلوب الناس وأن نعرف حقيقة معتقدهم، وإنما أمرنا أن نحكم بما ظهر لنا من أحوالهم كما قال صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد‏:‏ ‏[‏لم أؤمر أن أشق عن قلوب الناس‏]‏ كذلك عندما ذكر عنه أن فلانا يقول بلسانه ما ليس في قلبه - ‏(‏رواه مسلم‏)‏ وكما قال أيضا صلى الله عليه وسلم لأسامة عندما قتل رجلا في الحرب شهد أن لا إله إلا الله عندما رفع السيف عليه قال النبي لأسامة‏:‏ ‏[‏أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، وما تفعل بلا إله إلا الله‏]‏ فقال‏:‏ يا رسول الله إنما قالها متعوذاً، فقال له صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏هلا شققت عن قلبه‏؟‏‏!‏‏]‏ وهذا استفهام استنكاري لأنه لو شق قلبه لم يعرف أمسلم هو أم كافر، وهل قال ما قال مؤمنا أم متعوذا خائفا من السيف فقط‏.‏
والمهم في هذا الصدد أن حكمنا بالإسلام لا يدخل أحدا الجنة، وحكمنا على رجل بالكفر والردة لا يدخله النار بالضرورة، فقد نخطئ في هذا وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو مه أهل الجنة‏]‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏‏.‏
والخطأ في الحكم على الناس لا يسلم منه أحد لأن الإيمان حقيقة قلبية لا يطَّلع عليها إلا علاَّم الغيوب سبحانه وتعالى، كما قال لنبيه‏:‏ ‏{‏ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم‏}‏‏.‏
وخلاصة هذه الفقرة أننا إذا أخطأنا وحكمنا لرجل بالإسلام -لما ظهر لنا من أمره- وليس كذلك، فلا يضيرنا هذا عند الله، وليس هذا بمدخله الجنة -إن لم يكن كذلك في الحقيقة والواقع- ولكننا -ولاشك- ملومين عند الله إن أخرجنا رجلا من الإسلام -وهو لم يفعل أو لم يقل ما يكون به كافرا- لتحذير الرسول السابق‏:‏ ‏[‏من قال لأخيه يا كافر وليس كما قال إلا حار عليه‏]‏ أي رجع عليه الوصف‏.‏‏.‏ لذلك كان الخطأ في العفو خيرا من الخطأ في العقوبة كما أسلفنا‏.‏
هذا ويترتب على إخراج رجل من الإسلام أضرار ومفاسد عظيمة إذا لم يكن كافراً فعلا، فبالحكم على رجل بالكفر يستباح دمه وعرضه وماله، ويجب على المسلمين قتاله وقتله إن تمكنوا من ذلك، ولا يرث أهله تركته، ولا يدفن في مقابر المسلمين إن مات على ما حكمنا عليه به من الكفر والردة، ويجب تطليق امرأته إن كانت تحته مسلمة وهدم نكاحه، وإبطال شهادته مطلقا، ولا شك أن هذه أمور في غاية الخطورة إذا لم تكن في نصابها الصحيح، وذلك أن المؤمن محبوب عند الله سبحانه وتعالى، متوعد من يعتدي على شيء من حرماته بغضب الله وسخطه، بل إن المعتدي على دم المسلم مخلد في النار كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له جهنم وساءت مصيراً‏}‏ ولذلك غضب الله على الخوارج وأمر رسول الله بقتلهم وقتالهم مع كثرة صلاتهم وصيامهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم‏:‏ ‏[‏يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية‏]‏ ومروقهم من الدين إنما هو لاستحلالهم قتل المسلمين الذين استحلوا قتلهم بمعاصيهم وحكموا عليهم بالكفر وهم -أعني المحكوم عليهم- لم يكونوا كفارا في ميزان الله سبحانه وتعالى، ولذلك لم ينفع الخوارج اجتهادهم في العبادة مع قتلهم للمسلمين، ولهذا قلنا إن المفاسد العظيمة التي تتأتى من الجهل والخطأ بإخراج مسلم من الإسلام لا يعدلها شيء، لأنها في الحقيقة تعادل المروق من الدين والخلود في النار‏.‏
وأما الحكم على مسلم بأنه مسلم -وليس كذلك- فإن مفاسده قليلة جدا، بل تكاد تنعدم إذا عرفنا حقيقة الفرق بين الكفر والإيمان، ولم نقر مسلما على أن يعمل باطلا أو يقول باطلا، فإذا أنكرنا على المسلم فعله الباطل، سواء كان شركا أو كفرا أو معصية، فإننا براء عند الله، ثم اتبعنا مع كل مسلم القواعد الشرعية في المعاملات، فلم نزوجه إلا إذا عرفنا صدقه وأمانته، ولم نشتر منه أو نتبايع معه إلا كذلك أيضا، فلا شك أننا نكون في أمان وعافية‏.‏
والمهم في هذا الصدد أن الخطأ في الحكم بالإسلام للمسلم الذي يُظهر شيئا من الإسلام خير من الخطأ في الحكم بالكفر على مسلم نخرجه من الدين وهو لا يستحق هذا الإخراج‏.‏
6 - من البدع قول من يقول‏:‏‏(‏ لا نشهد لأحد بالإسلام إلا من عرفنا عقيدته‏)‏
قدمنا فساد الطرائق المحدثة التي أحدثها أهل الابتداع والغلو ممن يتوقفون في الحكم بالإسلام لأحد من أهل القبلة حتى يعلموا رضي الله عن حقيقة معتقده في زعمهم، وهؤلاء يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا ولقد ناقشت كثيرين منهم فوجدت منهم دعاة إلى هذه الزندقة التي هم عليها طيلة ثلاث سنوات ومع ذلك لا يعلم في الأرض مسلما غير نفسه وهو مع ذلك يستحل دماء كل المسلمين المصلين وأموالهم وأعراضهم، ويقول لا يمنعني من السيطرة عليها وحيازتها إلا أنني غير متمكن فقط، ولكن إذا كنت متمكناً ورفض هؤلاء دعوتي استبحت دماءهم وأعراضهم ولم أعترف بصلاتهم ولا بصيامهم، وهذا ما قاله لي غير واحد منهم، ولاشك أن هؤلاء -كما قلت لبعضهم- قد أتوا بكفر ٍومروقٍ من الدين لم تأت من الناشئة الأولى من الخوارج، لأن هؤلاء لا يحاربون إلا أهل الصلاة والصلاح من المسلمين ولا يوجهون سهامهم إلا إلى أهل الدعوة والخير ولا يبدأون حربهم إلا في المساجد التي يستضعفون أهلها ولا ينفرون من شيء في الدنيا تنفيرهم من الصلاة في المساجد الموجودة حاليا بحجة أنها في ظل سلاطين كفرة، وبهذا يبدؤون حربهم لأهل الصلاة وأهل الصلاح‏.‏
فهل ثمة في الأرض كفر ومروق من الدين أعظم من هذا، ومع ذلك يظن هؤلاء المارقون أنهم أكمل المؤمنين إيمانا، وأعظمهم درجة عند الله، ويعتقدون في أنفسهم أن لا فضل للصحابة عليهم في علم ولا عمل وأنهم قد يبلغون منزلة في الإيمان أبلغ من منزلة الرسول نفسه ولقد ناقشت بعضهم في هذا فجعل نفسه في منزلة الصحابة في فهمه للدين، وإذا ذكرته بالسلف والأئمة قال لك نحن رجال وهم رجال مع العلم أنني ناقشت بعضهم ماذا تحفظ من القرآن فلم سجد عنده إلا جزأين فقط، ولم يقرأ من القرآن إلا القليل فضلا عن حفظه وفهمه، وعامتهم لا يحسن من العربية شيئا، وليس عنده من الأحاديث إلا بضع أحاديث لا يعلم من فقهها وفهمها شيئا يذكر، ويستحلون لأنفسهم الكذب على المسلمين، وإظهار غير معتقدهم بحجة أنهم ضعفاء غير متمكنين، ويكفرون غيرهم بتأويل سائغ ولا يكفرون أنفسهم بالتحريف الكامل للدين والعقيدة، ويفسقون غيرهم بالمعصية اليسيرة ويرتكبون هم العظائم ويعتقدون أنهم ضعفاء مضطرون، ولا يرجعون في فقه القرآن والسنة إلى سلف صالح لهم أو عالم يعتد بعلمه، أو فقيه أو مجتهد بل كل منهم يعتقد في نفسه الاجتهاد وفهم الدين وأخذ الأحكام هكذا رأسا من الكتاب والسنة، ويحملون الآيات والأحاديث على معان بعيدة كل البعد عما وضعت له وسيقت من أجله فالله المستعان على هذه النائبة الجديدة في النفاق والكفر والمروق التي شتت شمل المسلمين ومزقت جماعتهم‏.‏‏.‏ واعتقد كل جاهل منهم أنه جماعة المسلمين وأن كل من عداه من عموم المسلمين إما كفار يُستحل دماؤهم وأعراضهم، وإما جاهليون لا يحكم لأحد منهم بإسلامه حتى يدخل فيما دخل هو فيه من الكفر والزندقة والمروق من الدين وسب المسلمين وتكفيرهم، ولقد أضعت من أوقاتي أوقاتا طويلة في مناقشتهم ونصحهم فمنهم من هدى الله ورجع عن غيه وضلالته ومنهم من لم يزده نصحي إلا غواية ‏{‏ومن يرد الله فتنته فلن تملك من الله شيئا‏}‏‏.‏
والخلاصة أننا نحكم بالإسلام لكل من أظهر لنا شيئا من الدين دون التفتيش عن حقيقة معتقده وهل فهم إلا الله أم لم يفهم معناها، ونعامل المسلمين بما ظهر لنا من أحوالهم ونكل سرائرهم إلى عالم السرائر سبحانه وتعالى‏.‏
7 - متى يجوز استحلال دم المسلم
من المعلوم في الإسلام ضرورة أن ذم المسلم حرام على المسلمين، وقد علمنا أن المسلم هو من شهد الشهادتين أو أظهر شعيرة من شعائر الإسلام كالصلاة أو الإحرام ونحو ذلك، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا‏]‏ وكان اليوم يوم عرفة، وهو يوم من شهر ذي الحجة المحرم وأعظم يوم في العام كله حرمة في الإسلام، والبلد الذي قال فيه الرسول هذا الحديث هو مكة وهي بلد حرام إلى يوم القيامة‏.‏
متى يجوز قتل المسلم‏؟‏
وقد جاءت نصوص تبين الوقت والحال الذي يستحل فيه دم المسلم وأن ذلك محصور في ثلاث حالات فقط وهي الزنا مع الإحصان والنفس بالنفس، والردة، وذلك لحديث ابن مسعود في الصحيحين قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث‏:‏ النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق في الدين التارك الجماعة‏]‏‏.‏
فالقصاص معلوم وهو قتل القاتل المتعمد، وأما الثيب الزاني فهو الرجل والمرأة إذا سبق لهما زواج ووقع منهما الزنا الذي يثبت باعتراف أو شهادة أربعة، وأما المارق في الدين فهو المرتد‏.‏
وقد شرحنا الأحوال التي يحكم فيها على المسلم بالردة وأنها إعلانه للكفر أو إقامته لشعائره ولحوقه بالكفار، أو الخروج عن جماعة المسلمين بمعتقد يكفر صاحبه قد أقيمت عليه الحجة فيه، ولا مساغ للتأويل فيما ذهب إليه، أو من عمل عملا حكم الله على فاعله بالكفر يعمل ذلك متعمدا عالما بما يعمل قد أقيمت عليه الحجة وله مندوحة ألا يفعله -أعني أن لا يكون قد فعله مضطرا راهبا، أو راغبا- وكل ذلك أيضا مرهون باستتابته وهذه هي الحالات الثلاث التي يجوز فيها قتل المسلم وإهدار دمه‏.‏

(يتبــــــــــــــع)
بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ