رد: التذكرة بأسباب حسن الخاتمة
02-07-2017, 04:54 PM
السبب السادس عشر: معرفة العبد لربه عز وجل في حال الرخاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سرَّه أن يستجيب اللهُ له عند الشدائد والكربِ، فليُكثِر الدعاء في الرخاء))[24].
وعن حنش الصنعاني، عن ابن عباس أنه قال: كنتُ رديفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا غلامُ - أو يا غُلَيم - أَلَا أُعلِّمك كلمات ينفعك الله بهن؟))، فقلت: بلى، فقال: ((احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ الله تجِدْه أمامَك، تعرَّف إليه في الرخاء، يعرِفْك في الشدة...)) الحديث[25].
قوله: ((تعرَّف إليه))، قال السندي: هو بتشديد الراء؛ أي: تحبَّب إليه بلزوم طاعته واجتناب معصيته؛ لأن المعرفة سبب المحبة، والرخاء مقابل الشدة، ويعرِفْك (بالجزم) على أنه جواب الأمر؛ أي: يُعِنْك في الشدة.
وعن عمران بن حصين صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثٌ يُدرِكُ بهن العبدُ رغائبَ الدنيا والآخرة: الصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء، والدعاء في الرخاء"[26].
وعن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال:
" يا أهل حمص، ما لي أرى علماءَكم يذهبون، وأرى جهَّالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبَلْتُم على ما تكفَّل لكم به، وضيَّعتم ما وُكِّلتم به؟!.
اعلَموا قبل أن يُرفع العلم، فإن رفعَ العلمِ ذَهاب العلماء، لولا ثلاث صلح الناس: شحٌّ مطاع، وهوًى متَّبع، وإعجاب المرء بنفسه، مَن يُكثِر قرع الباب يُفتَحْ له، ومَن يُكثِر الدعاء في الرخاء يستجاب له عند الكرب، ومَن رُزِق قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة مؤمنةً، فنِعْمَ الخيراتُ له، لم يترك من الخيرات شيئًا"[27].
فمَن ذكر الله في حال صحته ورخائه، واستعدَّ حينئذٍ للقاء الله بالموت وما بعده، ذكَرَه الله عند هذه الشدائد، فكان معه فيها، ولطف به وأعانه، وتولَّاه وثبَّته على التوحيد، فلقِيه وهو عنه راضٍ.
ومَن نسِي اللهَ في حال صحته ورخائه، ولم يستعدَّ حينئذٍ للقائه، نسِيَه الله في هذه الشدائد، بمعنى: أنه أعرض عنه وأهمله.

السبب السابع عشر: الزهد في الدنيا:
عن ابن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ذئبانِ جائعانِ أُرسِلَا في غنمٍ بأفسدَ لها مِن حرص المرء على المال، والشرف - لدِينِه))[28].
وعن محمود بن لَبيد، عن قتادة بن النعمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أحبَّ الله عبدًا، حماه الدنيا، كما يظَلُّ أحدُكم يحمي سقيمَه الماءَ))[29].
وعن فَضالة بن عُبَيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((اللهم مَن آمَنَ بك، وشهِد أني رسولُك، فحبِّب إليه لقاءك، وسهِّل عليه قضاءك، وأقلِلْ له من الدنيا، ومَن لم يؤمن بك ولم يشهد أني رسولُك، فلا تُحبِّب إليه لقاءك، ولا تُسهِّل عليه قضاءك، وأكثِرْ له من الدنيا))[30].

السبب الثامن عشر: كثرة ذكر الموت وزيارة القبور والعدة لذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثِرُوا ذكرَ هاذمِ اللذَّات))؛ يعني الموت[31].
وعن مجاهد، عن ابن عمر قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرةٍ، قال: فجاء رجلٌ من الأنصار، فقال: يا نبي الله، مَن أكيسُ وأحزم الناس؟ قال: ((أكثرُهم ذكرًا للموت، وأشدُّهم استعدادًا قبل نزول الموت، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرفِ الدنيا وكرامة الآخرة))[32].
وعن عبدالله بن أبي بكر، قال: سمعتُ أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتبعُ الميتَ ثلاثةٌ، فيرجعُ اثنانِ ويبقى واحدٌ؛ يتبعه أهلُه ومالُه وعملُه، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله))[33].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زُورُواالقبور؛ فإنهاتُذكِّرُكمالآخرة))[34].
وقال السدي في قوله تعالى: ﴿ الَّذِيخَلَقَالْمَوْتَوَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُعَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُالْغَفُورُ ﴾؛ أي: أكثرُكم للموت ذكرًا، وله أحسن استعدادًا، ومنه أشد خوفًا وحذرًا.
قال الإمام القرطبي في التذكرة: "قال الدقاق: مَن أكثَرَ من ذكرِ الموت، أُكرِم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومَن نسي الموت، عُوقِب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة".
وعن البراء رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلَس على شفير القبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: ((يا إخواني، لمِثْلِ هذا فأَعِدُّوا))[35].

هوامش:
[1] رواه مسلم (2643).
[2] رواه البخاريُّ (6594).
[3] إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ ابن أبي عاصم في "السنة" (399) من طريق ابن أبي عدي، بهذا الإسناد، وأخرجه الترمذي (2143)، وابن أبي عاصم (397) و(398)، وابن حبان (341)، والطبراني في "الأوسط" (1962)، والحاكم 1/339 -340، من طرقٍ عن حُميد، به؛ "استعمله"؛ أي: في الخير.
[4] رواه ابن حبان في "صحيحه" (342،343)؛ [تعليق الألباني: صحيح] - "الصحيحة" (1114).
[5] رواه البخاريُّ (4699)، و (1369)، ومسلم (2871) (73)، وأبو داود (4750)، وابن ماجه (4268)، والترمذي (3385)، والنسائي في "الكبرى" (2195) و(11200) من طرق عن شعبة، به، وأخرجه موقوفًا مسلمٌ (2871) (74)، والنسائي في "الكبرى" (2194) من طريق خيثمة، عن البراء.
[6] رواه البخاريُّ (1338، 1374)، ومسلم (2870)، وأبو داود (4750).
[7] الترمذي (1071)، وابن حبان، (3107)، [تعليق الألباني: حسن صحيح] - "الصحيحة" (1391)، "الظلال" (8641).
[8] صحيح: رواه أبو داود (4753)، وصححه الألباني.
[9] مسلم (62)، وأحمد (15416)، وابن حبان (5698).
[10] صحيح: رواه أحمد (25831)، وابن حبان (3010).
[11] مسلم (654)، وأحمد (3936)، وابن حبان (2100).
[12] حسن: رواه أحمد في "المسند" (8028)، وأبو داود (4833)، والترمذي (237)، وحسَّنه الألباني.
[13] رواه البخاريُّ (5534)، ومسلم (2628).
[14] الدر 5/ 105.
[15] "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 187 بنصه، وفي هذا ردٌّ على أهل الضلال الذين جعَلوا للعبادة أجلًا تنتهي عنده؛ لذلك فسَّروا اليقين بالمعرفة، فإذا وصل أحدهم إلى مقام المعرفة، سقط عنه التكليف! انظر: "تفسير ابن كثير" 2/ 617، والألوسي 14/ 87، والقاسمي 10/ 75.
[16] رواه البخاريُّ (52)، ومسلم (1599)، وأحمد في "المسند" (18374)، وابن ماجه (3984).
[17] مسلم (2564)، وأحمد (7827)، وابن ماجه (4143).
[18] صحيح؛ رواه النسائي (1953)، [حكم الألباني: صحيح].
[19] أخرجه عبدُ بن حُمَيد (1370)، والترمذي رقم (983)، وابن ماجه (4261)، وأبو يعلى (3303)، والبيهقي في شعب الإيمان (1002)، والضياء (1587)، قال الألباني: حسن صحيح؛ صحيح الترغيب والترهيب (3383)، و"المشكاة" 1612.
[20] أخرجه مسلم (2877)، وابن ماجه (4167) من طريق الأعمش؛ به، وأخرجه مسلم (2877) من طريق أبي الزبير، عن جابر.
[21] رواه مسلم (1844).
[22] رواه أحمد (12107)، والترمذي (2140)، وأخرجه ابن ماجه (3834)، والحاكم في "مستدركه" 1/526 [حكم الألباني: صحيح].
[23] صحيح: رواه الترمذي رقم (3522)؛ انظر: صحيح الجامع: 4801، الصحيحة: 2091.
[24] حسن: رواه الترمذي (3382) وأبو يعلى في "مسنده" (6397)، والحاكم (1997)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6290) الصحيحة: 593، صحيح الترغيب والترهيب: 1628.
[25] رواه أحمد (2669)، وأخرجه الترمذي (2516).
[26] الزهد؛ لأبي داود (392).
[27] الزهد؛ لأبي داود (225).
[28] أخرجه الترمذي (2376).
[29] صحيح: رواه الترمذي (2036)، وابن حبان (669) "المشكاة" (5250/ التحقيق الثاني).
[30] صحيح: رواه ابن حبان (208)، والطبراني (808)؛ "الصحيحة" (1338) و"صحيح الجامع" 1311.
[31] أخرجه أحمد (7912)، والترمذي (2307)، وابن ماجه (4258)، والنسائي (1824) وابن حبان (2992) [حكم الألباني: حسن صحيح].
[32] أخرجه الطبراني في "الكبير" (13536)، و"الصغير" (1008) من طريق سعيد بن يحيى به، وأخرجه ابن ماجه (4259)، والحاكم (4/ 540) من وجه آخر عن ابن عمر به، وحسَّنه بطرقه الألباني في "الصحيحة" (1384).
[33] البخاري (6514)، ومسلم (2960)، وأحمد (12080)، والترمذي (2379)، والنسائي (1937).
[34] أخرجه ابن ماجه (1569) و(1572)، والنسائي (2034) من طريق محمد بن عُبيد الطنافسي، بهذا الإسناد، ولفظ ابن ماجه الأول مختصر بلفظ: ((زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة))، وهو في "مسند أحمد" (9688)، و"صحيح ابن حبان" (1572).
[35] أخرجه ابن ماجه (4195) [تعليق محمد فؤاد عبدالباقي: في الزوائد إسناده ضعيف، قال ابن حبان في الثقات: محمد بن مالك لم يسمع من البراء، ثم ذكره في الضعفاء]، وحسَّنه الألباني.