مبدأ تدرج القوانين
13-10-2011, 06:24 AM
مبدأ تدرج القوانين *

مضمون مبدأ تدرج القواعد القانونية : تأسيسا على مقتضيات مبدأ المشروعية، ولكفالة احترام السلطات العامة للقانون، استقر الأمر على ضرورة ترتيب القواعد القانونية التي تكون عناصر المشـروعية في مراتب متعددة متتالية، بحيث يسمو بعضها على البعض الأخر، في تدرج يشمل كافة هذه القواعد التي تمثـل التنظـيم القـانوني للدولة، فتخضع القاعدة الأدنى مرتبة للقاعدة الأعلى منها مرتبة، فلا تستطيع مخالفتها و إلا عدت غير مشروعة ([1])، ويتفق الفقه والقضاء أن تدرج القواعد القانونية هو تدرج شكلي من ناحية، وهو تدرج للمرتبة الإلزامية لتلك القواعد:
- التدرج الشكلي للقواعد: والذي يرتكـز على مرتـبة السلطـة التي أصـدرت القـاعدة القانونية، والإجراءات المتبعة في ذلك.
- تدرج المرتبة الإلزامية للقواعد القانونية تدرج موضوعي ) والذي يعني أن بعض القواعد يتمتع بقوة إلزامية أعلى مما تتمتع به القواعد الأخرى التي تليها في المرتبة.
والحقيقة أن مظاهر التدرج تقتصر حقا على القوة القانونية للقـاعدة، أو قـوتها أو مرتبتها الإلزامية([2])، ومقتضى ذلك أن مبدأ تدرج القواعد القانونية يشمل كافة القواعد القانونية، سواء منها ما كان مدونا أو كان غير مدون ،ذلك أن مبدأ تدرج القواعد القانونية يتضمن تدرج التشريعات إلى جانب تدرج القواعد القانونية الأخرى.

أولا - تدرج القواعد القانونية المكتوبة

تمثل القواعد القانونية المكتوبة أو المسنونة من طرف السلطة المعهود إليها بسن القوانين، المصدر الأول للمشروعية في الدولة، والمستقر عليه فقها وقضاء أن ثمة ثلاثة أنواع من القواعد القانونية المكتوبة، وذلك بالنظر إلى السلطة التي قامت بسنها:
- القواعد الدستورية: التي تضعها السلطة التأسيسية.
- والقواعد التشريعية: التي تتولى السلطة التشريعية سنها.
- والقواعد اللائحة: التي تتولى السلطة التنفيذية وضعها.
- ونظرا لاعتراف الدستور في المادة 132 منه بسمو المعاهدات على القانون ، فمعنى ذلك إدراج
القواعد الاتفاقية الدولية ضمن التنظيم القانوني للدولة.
1- القـــواعــد الدســتورية : تقوم دولة القانون على وجود نظام دستوري يحمي حقوق الإنسان وما ينبثق عنه من حقوق وحريات من جهة، ووجود ضمانات فعالة تكفل التكريس الفعلي لهذا النظام الدستوري، بحيث تخضع له السلطات العامة خضوع المحكومين له، ويأتي (مبدأ سمو الدستور)على رأس هذه الضمانات، إذ لا يتصور قيام دولة القانون دون هذا السمو.
وقد سبق وأن تطرقنا لموضوع سمو القواعد الدستورية ومرتبتها ضمن هرم القواعد القانونية.( انظر في هذا الرابط : http://sciencesjuridiques.ahlamontada.net/t1805-topic )
2- القـواعـد الاتفاقـيـة الدولـية : لقد أخذت المعاهدة مبكرا مكانا مميزا في النظم الداخلية كأحد مصادر المشروعية فكان لها ذات قوة القانون بل سمت عليها حسب بعضها الآخر، و الحقيقة أن الدساتير لم تفعل أكثر من تقنين فكر القضاء و رؤيته لوضع المعاهدة في النظام القانوني الداخلي فقبل المشرع الدستوري كرس القضاء أن "المعاهدة ليست عقدا خاصا و لا قانونا و لكنها تتميز بقوة القانون" إذ جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية الدائرة المدنية المؤرخ في 24/06 /1839 ([3]) :
« les traites passes entre les nations ne sont pas de simple actes administratifs et d’exécution… ils ont le caractère de loi »
و هو ما تم تكريسه في دساتير العديد من الدول، إذ اعترفت للمعاهدات الدولية بقوة القانون أو جعلتها أسمى منه، و بالتالي أدرجتها ضمن مصادر و عناصر المشروعية. و في نفس الاتجاه قرر الدستور الجزائري هذا المبدأ إذ نصت المادة 132 من دستور 1996 على أن : "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون".
وطبقا لنص هذه المادة ، فإن هذا الأخير لم يعترف بالقانون الدولي بمختلف مصادره، إذ لم ينص إلا على المعاهدات الدولية، و أهمل باقي المصادر كالعرف الدولي و القضاء الدولي، وعلى ذلك فلا يمكن إدماج قواعد القانون الدولي ماعدا القواعد الواردة في المعاهدات ضمن القانون الداخلي الجزائري، على أن الدستور وضع شروطا حتى تجاور القواعد الاتفاقية الدولية عناصر النظام القانوني الداخلي كمصدر للمشروعية فيه.
- إدراج المعاهدة في القانون الداخلي: رغم التكريس الدستوري للمعاهدات باعتبارها أسمى من القانون فإن المشرع الدستوري لم يعتبرها قانونا و ذلك بالنظر بخصوصية وضعها و أدوات إنشائها المختلفة عن تلك التي تنشيء القانون، و تبعا لذلك اشترط الدستور إجراءات تدخل بها المعاهدة في النظام الداخلي إعلانا بأن قدومها هو بإذن السيادة الوطنية و ليس مفروضا مباشرة للقواعد الدولية([4])، فما هي هذه الإجراءات؟
1- اتخاذ مرسوم التصديق على المعاهدة الدولية: لقد فرض الدستور على رئيس الجمهورية احترام الإجراءات السابقة على إصدار مرسوم التصديق، وذلك قصد توزيع الاختصاص بين رئيس الجمهورية والبرلمان في مجال المصادقة عل المعاهدات الدولية، وفي ذلك دلالة عن تطبيق مبدأ فصل السلطات بمعناه المرن، لوجود تعاون بين السلطات في مجال المعاهدات الدولية، على أنه يجب التمييز بالنسبة لهذه الإجراءات بين حالتين:
الحالة الأولى: و تتعلق بالمعاهدات المنصوص عليها بالمادة 131 من الدستور، ففي هذه الحالة بعد أن يوقع رئيس الجمهورية على هذه المعاهدات يتوجب عليه عرضها على البرلمان بغرفتيه، و يشترط أن تصدر منه موافقة صريحة عليها، و معنى ذلك أنه يجب على رئيس الجمهورية قبل إصدار مرسوم المصادقة أن يحصل على قانون الموافقة من البرلمان، و بالنسبة لاتفاقيات السلم و الهدنة فيجب قبل عرضها على البرلمان أن يخطر المجلس الدستوري، للفصل في مدى دستوريتها طبقا لنص المادة 97 من الدستور.
الحالة الثانية: و يتعلق الأمر بالمعاهدات الأخرى و التي يمكن لرئيس الجمهورية المصادقة عليها دون اتخاذ الإجراءات سالفة الذكر.
2- نشر المعاهدة المصادق عليها: لم يشر الدستور إلى إجراء النشر كشرط لسمو المعاهدة على القانون، وهو ما يثير التساؤل عن مدى إلزامية شرط النشر لنفاد المعاهدة واندراجها ضمن القانون الوطني الجزائري؟
بالرجوع إلى المرسوم المؤرخ في 10/11/1990 الذي يحدد صلاحيات وزير الخارجية، نجد أن المادة 10 منه تنص على أنه: " يسعى وزير الخارجية إلى المصادقة على الاتفاقيات والاتفاقات والبروتوكولات واللوائح الدولية التي توقع عليها الجزائر أو التي تلتزم بها كما يسعى إلى نشرها" فهذا النص جعل وزير الخارجية يسعى لنشر المعاهدات، وهو المصطلح الذي يثير مشاكل تتعلق بطبيعة الالتزام الملقى على عاتق وزير الخارجية في هذا المجال، والملاحظ أن صياغة المادة توحي بأن الأمر لا يرقى إلى درجة الالتزام وإنمـا هو مجرد اختيار لا أكثر، خصوصا مع وجود فقرة "لا يشمل النشر كل المعاهدات التي أبرمتها الجزائر" كمـا أن مصطـلح (يسعى) لا يفـيد الإلزامية أو الجبر([5]). ولكن المجلس الدستوري تدخل من خلال قراره المؤرخ في 20 أوت 1990 ([6]) أي قبل صدور المرسوم المشار إليه أعلاه ليصرح: "ونظرا لكون أية اتفاقية بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني وتكتسب حسب المادة 123 من الدستور – لسنة 1989 المقابلة للمادة 132 من دستور 1996- سلطة السمو على القوانين ويمكن كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات القضائية" فنص على وجوب نشر المعاهدة المصادق عليها كشرط أولي لاندراجها ضمن القانون الجزائري، وعلى ذلك فالمعاهدة لا تكتسب طابعها الإلزامي على الواجهة الداخلية ولا تطمح إلى التطبيق إلا بعد نشرها. ومهما يكن فبعد اتخاذ إجراءات إدراج المعاهدة في التنظيم القانوني الوطني تصبح مصدرا من مصادر القانون، باعتبار أن القواعد التي تتضمنها المعاهدة هي قواعد قانونية ملزمة بذاتها، وهو ما يفرض التساؤل عن مكانتها بين القواعد القانونية الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية؟
- مرتبة القواعـد الاتفاقية الدوليـة: لم تترك المادة 132 من دستور 1996 مجالا للتردد حول مكانة القواعد الاتفاقية الدولية ، بنصها على مبدأ "سمو المعاهدات الدولية المصادق عليها وفق الشروط الدستورية على القانون" و هو المعنى الذي أكده المجلس الدستوري في قراره سالف الذكر، إذ قرر أنه: "ونظرا لكون أية اتفاقية بعد المصادقة عليها و نشرها تندرج في القانون الوطني و تكتسب حسب المادة 123 من الدستور- لسنة 1989 المقابلة للمادة 132 من دستور 1996 – سلطة السمو على القوانين.
- ونفس الحال بالنسبة لفرنسا ، ذلك أن المادة 55 من الدستور الفرنسي 1958 تعتبر الاتفاقيات الدولية التي تمت المصادقة أو الموافقة عليها والمنشورة طبقا للإجراءات القانونية الجاري العمل بها، لها سلطة أعلى من سلطة القوانين الداخلية ولكن شرط تنفيذها من قبل الطرف الآخر كذلك، أما المادة 54 من ذات الدستور، فتمنع المصادقة أو الموافقة على الاتفاقية الدولية التي أعلن المجلس الدستوري مخالفتها للدستور، وهذا ما يجعل الاتفاقية الدولية تقع في مترلة أدنى من الدستور.
- لكن هل يمكن تصور وجود اعتراف بسمو قواعد القانون الدولي على القواعد الدستورية للدولة ؟.
إن الدول التي تضع قواعد القانون الدولي في مرتبة أسمى من الدستور نادرة جدا إن لم نقل أنها تنعدم ، فالدستور الهولندي مثلا لعام 1922 المعدل في 1963 يجعل من القانون الدولي أسمى منه، إذ يمكن للاتفاقية الدولية التي تبرمها هولندا أن تخالف الدستور، كما يمتنع على المحاكم الهولندية أن تعلن عدم دستورية الاتفاقية التي تسمو على التشريعات الداخلية اللاحقة لها والسابقة عليها، لكن المادة 63 من الدستور الهولندي تعتبر سمو القانون الدولي محدودا فهي تربطه بضرورات الحياة الدولية.
3- القـواعـد التشـريعيـة : يقصد بالقواعد التشريعية: القوانين التي تسنها السلطة التشريعية في الدولة([7])، أي البرلمان بغرفتيه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة هذا من حيث الأصل، ورئيس الجمهورية في إطار التشريع بأوامر([8])،
I- مجال القواعد التشريعية: يتوجب على السلطة التشريعية وهي تسن القواعد القانونية، أن تقررها على مقتضى أحكام الدستور، فإذا تجاوزت فيما تسنه من قوانين حدود المبادئ الدستورية المقررة في الدولة، عد ذلك انحرافا منها في أدائها لوظيفتها، واعتبر تشريعها غير دستوري، ومن القيود الدستورية على سلطة التشريع ،التحديد الحصري لمجال التشريع، وذلك كما يلي:
1- تحديد المسائل التي يشرع فيها البرلمان: وهي المسائل الواردة في المادتين : 122 و123 من دستور 1996، وما خرج عن هذه المسائل يخرج عن مجال التشريع، ويندرج ضمن مجال التنظيم، إذ تنص المادة 125 من دستور 1996 على انه: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون".
2- اقتصار دور البرلمان على وضع المبادئ أو القواعد العامة:([9]) بالرجوع للنص الدستوري نجد أنه ألزم السلطة التشريعية بسن القواعد القانونية بطريقتين:
الأولى: وضع القانون بقواعده العامة والتفصيلية، كمثل مسألة القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي وإنشاء الهيئات القضائية، وقواعد قانون العقوبات، والإجراءات الجزئية، والنظام الجمركي ..الخ.
والطريقة الثانية: وضع المبادئ العامة أو القواعد الأساسية فقط، ويترك المجال للسلطة التنفيذية لتكملها بمقتضى سلطتها التنظيمية، ومنها القواعد العامة المتعلقة بالبيئة وإطار المعيشة والتهيئة العمرانية، ففي هذا النوع الأخير نلاحظ أن الدستور ضيق مجال القواعد التشريعية، لصالح القواعد التنظيمية.
3- اقتصار دور البرلمان على التنظيم دون المنع: لقد كرس المؤسس الدستوري حقوقا وحريات للإنسان والمواطن، بحيث لا يمكن للسلطة التشريعية المساس بها، فلا تملك إلا سلطة تنظيمها دون تجاوز دلك إلى منعها، لكون المنع من اختصاص المؤسس الدستوري، ومثال ذلك ما تنص عليه المادة 32 من دستور 1996: "الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والموطن مضمونة" فلا يجوز المساس بها بالمنع وإنما يجوز تنظيمها، والمادة 36 من نفس الدستور: "لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي" وغير ذلك من الحقوق والحريات.
II- درجات القواعد التـشريعـية: يختص بسن القواعد التشريعية البرلمان بغرفتيه، وذلك بموجب قوانين عادية أو قوانين عضوية، كما يجوز لرئيس الجمهورية استثناء وضع هذه القواعد بموجب أوامر، فنكون أمام ثلاثة أنواع من القواعد التشريعية يتوجب تحديد مرتبة كل نوع منها في التدرج القانوني.
إن المعيار الشكلي هو المعتمد في ذلك، وهو يجعل القانون بنوعيه العضوي والعادي أسمى من الأوامر التشريعية، بحكم أنها صادرة عن السلطة المختصة أصلا بالتشريع، فتكون أسمى من القواعد الموضوعة من طرف جهة أخرى بحكم الاستثناء لا الوضع الطبيعي، وتكون للقوانين العضوية سموا على القوانين العادية نظرا للإجراءات الخاصة بالتصويت عليها وبالرقابة عليها قياسيا بالإجراءات المعتمدة بشأن القوانين العادية، وعلى ذلك فالقوانين العضوية أسمى من القوانين العادية، وهي بدورها تسمو على الأوامر التشريعية :
1-القانون العضوي: وهذا النوع ابتدعه دستور 1996 وميزه عن القانون العادي في موضوعاته وإجراءاته، ([10]) فالموضوعات التي تندرج ضمن القانون العضوي تتعلق بمسائل تقترب من المسائل الدستورية، كالحريات وتنظيم السلطات العامة، وهو ما دفع بالبعض للقول بكون القوانين العضوية تحتل مكانة وسط بين ما هو أساسي (الدستور) وعادي من القوانين، والإجراءات الخاصة بها تختلف عن الإجراءات الخاصة بالقوانين العادية، إذ تتم الموافقة عليها بالأغلبية المطلقة من طرف غرفتي البرلمان، وتخضع للرقابة الإلزامية لمدى مطابقتها للدستور قبل صدورها، خلافا للقوانين العادية التي تخضع للرقابة الاختيارية على دستوريتها.
2-القانون العادي: ويتحدد مجاله حصرا بالمسائل المذكورة بالمادة 122 من دستور 1996، ويوافق عليها البرلمان بالإجراءات العادية ،أي الأغلبية البسيطة، ولا تخضع لرقابة المطابقة الإلزامية، بل تخضع لرقابة الدستورية، والتي قدي تكون سابقة أولا حقه، ورقابة الدستورية محددة المسائل فيما رقابة المطابقة شاملة، وهي رقابة اختيارية.([11])
3- الأوامر التشريعية: أجـاز دستور 1996 لرئيس الجمهورية التشريع عن طـريق أوامر رئاسية،([12]) أثناء غيبة البرلمان، أو في الظروف الاستثنائية، واشترط عليه أن يعرض هذه الأوامر على البرلمان في أول دوره له، للموافقة عليها بالنسبة للأوامر الصادرة أثناء غيبة البرلمان، أي بين دورتيه أو أثناء شغوره، ولم يشترط ذلك بالنسبة للأوامر المتخذة في الظروف الاستثنائية، أو الأوامر التشريعية المتعلقة بقانون المالية، ونظرا لهذا التمييز يرى بعض الفقهاء أن الأوامر المتخذة أثناء غيبة البرلمان تبقى مجرد أعمال تنظيمية إدارية، والموافقة البرلمانية عليها هي التي تضفي عليها الطابع التشريعي، وخلافا لذلك يرى اتجاه آخر في الفقه، أن هذه الأوامر لها قيمة القانون ولو لم تعرض على موافقة البرلمان، فبمجرد صدورها ونشرها تصبح نافذة باعتبارها قوانين، إذ تصدر في المجال المخصص للتشريع، وأما الأوامر الصادرة في الظروف الاستثنائية، أو المتعلقة بقانون المالية، فلا جدال في كونها قوانين بمجرد صدورها ونشرها إذ لا تعرض على الموافقة البرلمانية.
مرتبة القواعـد التـشريعـية: يرى اتجاه في الفقه أن القواعد التشريعية تمتـاز بالسيادة والسمو([13])، لصدورها عن السلطة التشريعية، أي عن ممثلي الشعب، وبالتالي فلا يوجد ما يميز الدستور عن القانون الصادر عن البرلمان في المرتبة، أو في القوة، إذ لكل منهما صفة القاعدة القانونية الملزمة، ولكن من الناحية العملية تعتبر السيادة للقانون، مادام أنه صدر وفقا للإجراءات القـانونية عندما يتضمن أحكـاما تعـارض الدستور، بحيث ليس هناك من وسيلة لإزالة هذا التعارض. ولكن هذا الطرح منتقد فقها وقضاء وقانونا، ذلك أن سمو الدستور مبدأ مسلم به في مختلف الأنظمة القانونية، ويستتبع ذلك أن القانون يأتي في المرتبة التالية بعد الدستور، ولا يعتبر منتجا لآثاره إلا إذا جاء موافقا للدستور شكلا وموضوعا، ويترتب على ذلك أيضا أن تكون القـواعد الاتفـاقية الدولية أسمى من القـواعد التشريعية، وذلك إعمالا للنص الدستوري الذي كرس سمو المعاهدات المصادق عليها على القانون.
والخلاصة أن القواعد التشريعية الصادرة عن البرلمان تترتب بعد القواعد الدستورية والقواعد الاتفاقية الدولية، طبقا لمبدأ سمو الدستور ومبدأ سمو المعاهدات على القانون.
4- القـواعـد اللائحيــة : يقصد بالقواعد اللائحية([14]) تلك القواعد التي تجد مصدرها في النصوص الصادرة عن السلطة التنفيذية، في شكل مراسيم أو قرارات أو تعليمات أو منشورات أو مقررات، ويسميها الفقه (اللوائح) باعتبارها قرارات إدارية تتضمن قواعد عامة ومجردة وغير شخصية، تصدرها السلطة التنفيذية باعتبارها تمارس السلطة العامة، ولذلك فإن اللوائح تعد عملا تشريعيا، لكون القواعد القانونية التي تتضمنها هي قواعد عامة مجردة شأنها في ذلك شأن أي قاعدة قانونية أخرى، وهو ما يجعلها أحد عناصر البناء القانوني في الدولة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اللوائح تعد عملا إداريا طبقا للمعيار العضوي المعتمد فقها وقضاء([15]). وعلى ذلك فالقرارات الفردية والأعمال المادية للإدارة تخرج عن مضمون اللوائح التي تمثل قواعد عامة مجردة و ملزمة لجميع الأشخاص المخاطبين بها([16])، تماما مثل القواعد التشريعية، وتوجد ثلاثة أنواع للوائح.
I- اللوائح التنظيمية: مكن المؤسس الدستوري رئيس الجمهورية من الإنفراد بمباشرة الاختصاص التنظيمي، وهو ما جاءت به المادة 125/1 من دستور 1996، والتي تقرر أنه: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون"، فالسلطة التنظيمية الممنوحة لرئيس الجمهورية لها صبغة تشريعية و اختلفت عن السلطة التشريعية التي يملكها استثناء، و يباشر ها بمقتضى أوامر تشريعية، إذ تندرج هذه الأخيرة في إطار المجال المخصص للبرلمان، فيما يخرج اختصاصه التنظيمي عن ذلك المجال و يباشـره رئيس الجمهورية معتمدا على السند الـدستوري وحده، وهو ما يجعل ما يصدره رئيس الجمهورية في هـذا الإطـار ليس في وسع البرلمان تعديله أو إلغاءه، لعدم اندراجه في مجال القانون المخصص للبرلمان.
II- اللوائـح التنـفيـذية: إن المادة 125/2 من دستور 1996 منحت لرئيس الحكومة السلطة للتدخل في الإنتاج التشريعي للبرلمان باعتباره الواقف على تنفيذ القوانين طبقا للمـادة 85 من دستور 1996، ولذلك فرئيس الحكومة يختص بإصدار مراسيم تنفيذية لكي يحدد بمقتضاها الشروط والضوابط لتطبيق القوانين الواردة في صياغة غير قابلة للتنفيذ، فيتطلب إكمالها بمراسيم أو قرارات إدارية، وعلى ذلك فاللوائح التنفيذية هي تلك اللوائح التي تتضمن الأحكام التفصيلية أو التكميلية اللازمة لتيسير تنفيذ القوانين ([17])، وهي بهذا المعنى اختصاص طبيعي للسلطة التنفيذية بحكم وظيفتها المتمثلة في تطبيق وتنفيذ القانون .
III- لوائح الضبـط الإداري: ويقصد بها تلك اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية بقصد المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة، فهي قواعد قانونية تضعها السلطة التنفيذية للمحافظة على الأمن العام والسكنية العامة والصحة العامة والآداب العامة، دون أن تستند في ذلك إلى قانون فتجئ لتنفيذه بل هي لوائح مستقلة([18])،غرضها صيانة النظام العام كلوائح تنظم المرور، ومراقبة الأغذية، وغيرها، وتصدر هذه اللوائح من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكـومة أو من الـوزراء أو المديرين أو الولاة أو رؤساء البلديات كل في مجال اختصاصه.
- مرتبـة القـواعـد اللائحيـة: إن اللوائح احد عناصر المشروعية، مما يوجب إدراجها في التنظيم القانوني للدولة، كما تمثل من زاوية أخرى أعمالا إدارية تخضع لمبدأ المشروعية وحدوده وقيوده، وخصوصا ما يترتب على تدرج القواعد القانونية من نتائج، سواء صدرت هذه اللوائح في الظروف العادية أم في الظروف الاستثنائية .
I - مرتبة اللوائح في الظروف العادية: رغم اتصاف القواعد اللائحية بميزات القاعدة القانونية، إلا أنها تعد وفقا للمعيار العضوي أعمالا إدارية، فلا تتساوى مع القواعد التشريعية، فهذه الأخيرة أقوى منها، لكونها تسري على السلطات الإدارية ذاتها طبقا لمبدأ المشروعية في الظروف العادية، التي تقتضي خضوع السلطة اللائحية للقواعد القانونية الأسمى منها، سواء كانت دستورية أو اتفـاقية دولية أو تشريعية، وهذا الطرح مسلم به في الفقه والقضاء، إلا بالنسبة للوائح التنظيمية الصادرة عن رئيس الجمهورية، فإن البعض حاول وضعها في نفس المرتبة الإلزامية مع القواعد التشريعية الصادرة عن البرلمان، لكون تلك اللوائح مستقلة عن القانون، ولا يمكن للبرلمان وضع قواعد في المجال المخصص لها ولا تعديلها ولا إلغاءها، لكنه طرح منتقد، إذ لا علاقة بين استقلالية رئيس الجمهورية في وضعها عن القانون وبين مرتبتها الإلزامية، وعلى ذلك فاللوائح الصادرة في الظروف العادية مهما كان نوعها تقع في مرتبة أدنى من القواعد التشريعية ([19]).
II- مرتبة اللوائح في الظروف الاستثنائية: يترتب على وقوع الظروف الاستثنائية قيام حالة الضرورة التي تبيح للسلطة التنفيذية أن تتخذ الإجراءات الاستثنائية اللازمة لمواجهة هذه الظروف، ويطلق الفقه عليها (أعمال الضرورة) هذه التي يندرج ضمنها (لوائح الضرورة) تأسيسا على صدورها إبان قيام حالة الضرورة، وتتبلور آثار نظرية الضرورة في ارتفاع القوة القانونية لتدابير الضرورة، بما فيها لوائح الضرورة التي تصبح لها قوة القانون في تدرج القواعد القانونية، ويترتب على ذلك انه يجوز للسلطات الإدارية مخالفة القانون في إصدارها، بل لها إمكانية إلغاء أحكام القانون أو تعديلها لكونها في جوهرها أعمالا تشريعية، وتتمتع بقوة القانون في الظروف الاستثنائية([20]). على انه ليس معنى ذلك أن السلطة التنفيذية تتحرر من كل قيد أثناء الظروف الاستثنائية، بل أخضعها الدستور إلى بعض الضوابط التي لا يمكن الخروج عنها استنادا لهذه الظروف، وتلك الضوابط يسميها الفقه (المشروعية الاستثنائية) التي تصدر في نطاقها اللوائح الاستثنائية([21]).

ثانيا - تدرج القواعد القانونية غير المكتوبة

من المستقر عليه في الفقه والقضاء، أن مبدأ المشروعية يعني (سيادة حكم القانون)، وهو في الحقيقة تعريف مناسب تماما لمبدأ المشروعية، خاصة وان المؤسس الدستوري قد اعتنقه في دستور 1996 إذ جاء في ديباجته أن الحكم في الدولة أساسه سمو القانون، ويشمل هذا القانون كافة القواعد القانونية السارية في الدولة أيا كان مصدرها وشكلها، فتندرج فيها القواعد القانونية المكتوبة أي الصادرة عن السلطات العامة المختصة بسن القواعد القانونية، سواء كانت دستورية أو اتفاقية دوليـة أو تشـريعية أو لائحية، كما تندرج فيها قواعد أخرى تم تعريفها بطريقة سلبية بالقول بكونها (غير مكتوبة) أي خلاف تنلك القواعد الموضوعة من طرف السلطات العامة. ولا شك أن هذه القواعد الأخيرة أي غير المكتوبة، تعتبر قواعد قانونية، سواء بالنسبة لمبادئ الشريعة الإسلامية أو القواعد العرفية أو مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة وكذلك المبادئ العامة للقانون وهذه القواعد القانونية غير المكتوبة ذكرتها المادة 01 من القانون المدني، باستثناء المبادئ العامة للقانون فقد غفلت عنها رغم الاتفاق الفقهي والقضائي بشأنها([22]).

ونكتفي بالتعرض لمبادئ الشريعة الإسلامية فقط دون التطرق لباقي القواعد التي يمكن دراستها ضمن مقياس النظرية العامة للقانون أو في غيرها من المراجع التي تتناول هذا الموضوع .


مبادئ الشريعة الإسلامية : تعددت المواضع التي أشار فيها دستور 1996 على المرجعية الأساسية للشعب الجزائري والمتمثلة في (الإسلام) ففي ديباجته جاء أن: " الإسلام من المكونات الأساسية لهوية الشعب الجزائري" وأن "الجزائر أرض الإسلام " كما قررت المادة 02 منه أن "الإسلام دين الدولة "وحددت المادة 08 منه أن إحدى غايات المؤسسات التي يختارها الشعب هي المحافظة على الهوية بما فيها الإسلام، ومنعت المادة 06 منه هذه المؤسسات من إتيان السلوك المخالف للخلق الإسلامي، ويلتزم رئيس الجمهورية في اليمين التي يؤديها بأن "يحترم الدين الإسلامي ويمجده" وفي المادة 176 منه جاء انه: " لا يمكن لأي تعديل دستوري أن يمس الإسلام باعتباره دين الدولة "واستنادا إلى كل ذلك نصت المادة الأولى من القانون المدني على انه: "وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية" وهي النصوص التي تقرر أن الشريعة الإسلامية مصدرا للقانون الجزائري ، وعنصرا من عناصر المشروعية فيه. إن التسليم بالطبيعة القانونية لمبادئ الشريعة الإسلامية، والاعتراف لها بكونها احد عناصر المشروعية، يفرض التساؤل عن مرتبتها بين مصادر القانون الأخرى طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية؟. وقد تولد عن هذا التساؤل اتجاهان:
I -الاتجاه الأول: مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا احتياطيا للقانون: يرى جانب من الفقه أن مبادئ الشريعة الإسلامية تعتبر مصدرا رسميا احتياطيا للقانون يأتي بعد التشريع، وهو ما يفرض على القاضي أن لا يلجأ إليها إلا عندما يعوزه النص التشريعي الذي يفصل به في النزاع، ويستدل على ذلك بأمرين:
الأمر الأول: مدلول المادتين01 من القانون المدني و 222 من قانون الأسرة، فالمادتين تحيلان القاضي إلى مبادئ أو أحكام الشريعة الإسلامية إذا عازه النص التشريعي.
الأمر الثاني: مدلول النصوص الدستورية، فالدستور في ديباجته أو المادة 02 منه وجه المشرع للاقتباس من الإسلام واستلهام أحكامه وهو يسن التشريعات، فلا إلزامية لمبادئ الشريعة الإسلامية لا بالنسبة للمشرع ولا بالنسبة للقاضي، ومعنى ذلك أن النص الدستوري في المادة 02 لا يخاطب القاضي بل المشرع، وبالتالي فلا تأثير لهذا النص الدستوري على مكانه مبادئ الشريعة الإسلامية التي تبقى مصدر احتياطيا للقانون طبقا لنص المادة الأولى من القانون المدني. ويضيف أصحاب هذا الرأي أن النص الدستوري ليس أكثر من تأكيد لإحدى الحقائق الاجتماعية، وهي أن ديانة الشعب الجزائي هي الإسلام، وبالتالي يرشد ويوجه السلطة التشريعية إلى استلهام أحكام هذه الديانة في تشريعاتها، لا على سبيل الإلزام بل الاختيار.
الاتجاه الثاني: مبادئ الشريعة الإسلامية مبادئ دستورية: يرى طائفة من الفقهاء وعلى رأسهم الأستاذ عبد الرزاق السنهوري وكمال عبد الواحد الجوهري والدكتور سامي جمال الدين وغيرهم كثير، أن النصوص الدستورية تكرس الطابع الدستوري لمبادئ الشريعة الإسلامية([23])، وبالتالي فهي مبادئ عامة للقانون بل تأتي على رأس تلك المبادئ، وهو ما يجعلها تـأتي في الترتيـب بعد الدستور، وقبل باقي مصادر القانون الأخرى، ويستند الفقه الجزائري المناصر لهذا الاتجاه إلى الحجج التالية:
الحجة الأولى: المدلول الحقيقي لنص المادة 02 من دستور 1996، والذي جاء فيه أن: "الإسلام دين الدولة" فهذا النص لا يقصد به الجانب الديني العقيدي باعتباره يشير إلى ديانة الشعب الجزائري، بل هو يشير إلى النظام التشريعي في الإسلام، باعتباره النظام الملزم لكل السلطات والمؤسسات في الدولة، ومما يؤكد هذا الرأي أن مصطلح الدين في اللغة والمصطلح القرآني لا يقصد منه العقيدة والعبادات، وإنما التشريع والقانون، ويكفي للتدليل على ذلك قوله تعالى: "ومَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِك " ([24])أي في نظامه وقانونه، وقوله تعالى : "الزَانِيَةُ والزَانِي فَاجلِدُوا كُل وَاحد مِنهُمَا مَائة جَلدَة ولاَ تَأخُذْكُم بِهِمَا رَأفَة فِي دِين الله.."([25]) ودين الله هنا تشريعه الجنائي بتحريم الزنا والمعاقبة عليه، فصار الدين بمعنى الأحكام أو المبادئ المشكلة لما يطلق عليه الشريعة الإسلامية، وأما العقيدة فيطلق عليها في المصطلح القرآني الإيمان لا الدين، وأن الدولة في المصطلح الدستوري لا يقصد بها الشعب، بل ما تظهر به الدولة بعد تكونها من مظـاهر سياسة أي السلطات الثلاث، ومظـاهر قانونية أي النظام القانوني، فالدولة بهذا المعنى هي تعبير عن نظام أو بناء قانوني ومؤسساتي، وعلى ذلك فالمقصود من المادة 02 من الدستور هو أن النظام التشريعي الإسلامي هو القانون الأعلى،والمشروعية العليا التي تنبثق منها كافة القواعد القانونية في الدولة، فتكون أحكام الشريعة الإسلامية مصدرا رسميا شكليا للقانون، وتأخذ مرتبة المبادئ الدستورية، فلا يعلوها إلا الدستور، بينما تكون أسمى من القواعد الاتفاقية الدولية والتشريعية واللائحية([26]) ، ولا شك أن الخطاب موجها لكافة سلطات الدولة، فالمادة 08 من الدستور تلزم المؤسسات العامة بان تجعل إحدى غاياتها المحافظة على الإسلام، باعتباره إحدى مكونات هوية الشعب الجزائري، والمادة 09 منه قررت أنه لا يجوز لهذه المؤسسات أن تقوم بالسلوك المخالف للخلق الإسلامي، والمادة 76 منه تفرض على رئيس الجمهورية في اليمين التي يؤديها أن يلتزم بحماية الدين الإسلامي وتمجيده، وفي نفس الاتجاه ألزمت المادة 178 المؤسس الدستوري أثناء تعديله أحكام الدستور أن لا يمس الإسلام باعتباره دين الدولة، ومعنى ذلك أن الخطاب بنص المادة 02 من دستور 1996 هو خطاب موجه للدولة بكافة مؤسساتها وسلطاتها، بأن تجعل من أحكام الشريعة الإسلامية قانونها الأعلى، وتأكيدا على ذلك يضيف أصحاب هذا الاتجاه أن المادة 02 وردت في باب الأحكام العامة، وهذه الأحكام لا تخاطب المشرع وحده كما يقول أصحاب الاتجاه الأول، بل توجه الخطاب لكافة سلطات الدولة بما فيها القضاء، وخصوصا إذا نظرنا إليها بالموازاة مع النصوص الدستورية سالفة الذكر .
الحجة الثانية: الطبيعة القانونية لنص المادة 02 من دستور1996: إن القول بان النص الدستوري المتمثل في المادة 02 قد ورد على سبيل الإرشاد والتوجيه، وليس الإلزام مردود عليه، لكون نصوص الدستور بطبيعتها لا تحمل هذا المحمل إلا بقرينة، وان المادة 02 وردت في صدر أحكام الدستور، مما يجعلها نصا آمرا لكل السلطات العامة في الدولة، وان هذه المادة وردت في باب المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري ،وهو ما بجعلها تأتي في قمة المبادئ العامة للقانون، والتي يعترف لها الفقه بالطابع الدستوري، ويجعلها من النظام العام، ومعنى ذلك أن النص الدستوري الوارد في المادة الثانية لا يقدم توجيهات بل يفرض التزامات لا سبيل إلى مخالفتها لكونها من النظام العام، وتتمثل هذه الالتزامات في ضرورة الرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية عند سن القواعد القانونية أو عند تطبيقها، ومعنى ذلك أن هذه المبادئ أسمى من القواعد القانونية الأخرى بما فيها القواعد الاتفاقية الدولية والقواعد التشريعية، وبالتالي فعلى المشرع أن يرجع إليها عند سنه التشريعات أو الموافقة على الاتفاقيات الدولية، وإذا خالفها عد ذلك مخالفا للدستور.
وبالتأكيد فإن النص الدستوري رتب ذات الالتزام على القاضي مثله مثل المشرع تماما، باعتبار أن مبادئ الشريعة الإسلامية تمتاز بالطابع الدستوري، وبالتالي فإن القاضي وهو يراقب مدى مطابقة النص التشريعي لمبادئ الشـريعة الإسلامية، فإنه يقوم بذلك إعمالا لنص دستوري، فيكون كأنه يطابق بين النص التشريعي والدستور([27]).
----------------------------
* - ملخص وجيز لمذكرة تخرج بعنوان "مبدأ تدرج القواعد القانونية و آثاره على الوظيفة القضائية" للطالب القاضي أحمد حميودة الدفعة 14 ، 2006
[1] - انظر: سامي جمال الدين، تدرج القواعد القانونية و مبادئ الشريعة الإسلامية، ص 16. و . طعيمة الجرف، المرجع السابق، ص 62 وما بعدها .و د. كمال عبد الواحد الجوهري، القصور التشريعي وسلطة القاضي الجنائي، المرجع السابق، ص 153.
[2] - ويضيف الدكتور طعيمة الجرف أن التدرج المادي أيضا له دخل في ترتيب القواعد القانونية – المرجع السابق ص 83 وما بعدها .
[3] - cass. Ch , cas, 24 juin 1839 – Napier et autres : S 1839 , I . 579
نقلا عن محمد فؤاد عبد الباسط، مدى اختصاص القاضي الإداري بتفسير المعاهدات الدولية، دار الفكر الجامعي ص 07 في الهامش .
[4] - محمد عبد الباسط، المرجع السابق، ص 06 وما بعدها . و جبار عبد المجيد، تأملات حول قرار المجلس الدستوري الأول فيما يتعلق ببعض القضايا المرتبطة بالعاهدات الدولية، مجلة العلوم القانونية السياسية الاقتصادية الجزائر، عدد 01 /1996 ، ص 164 و 165 .
[5] - جبار عبد المجيد، تأملات، المرجع السابق، ص 148 - 149.
[6] - المجلس الدستوري، قرار رقم1، ق.ق، مد مؤرخ في 20 غشت سنة 1989 يتعلق بقانون الانتخابات، الجريدة الرسمية رقم 36- 20، غشت 1989، ص 1049 (ملحق 1).
[7] - سامي جمال الدين، المرجع السابق، ص 42. وسليمان مرقس، المرجع السابق، ص 175. و طعيمة الجرف، المرجع السابق، ص 97
[8] - حسين صغير، المرجع السابق، ص 117. و موسى بو دهان، الفصل بين السلطات في النظام الجزائري مجلة النائب السنة 01 2003 عدد02، مجلة فصلية يصدرها المجلس الشعبي الوطني الجزائري، ص 33 و ما بعدها.
[9] - عبد اللة بوقفة، نفسه، ص 329 و ما بعدها. و أوصيف سعيد، تدهور المعيار التشريعي في النظام القانوني الجزائري، بحث لنيل شهادة الماجستير فرع الإدارة و المالية، جامعة الجزائر، 2001-2002، ص 75 و ما بعدها.
[10] - انظر المجلس الدستوري ، رأي رقم 01 / ر ق ع /04 مِؤرخ في 05/02/2004 يتعلق بمراقبة مطابقة القانون العضوي المعدل والمتمم للأمر رقم 97/07 المؤرخ في 06/03/1997 والمتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الدستور (ملحق 06) . وانظر:عبد الله، بوقفة، المرجع السابق، ص 192 و ما بعدها. و Francis Hamon et Michel Troper , Droit constitutionnel, Op.Cit, P 49
[11]- Francis Hamon et Michel Troper , Droit constitutionnel, Op.Cit, P 51
[12] - عبد الله بوقفة، المرجع السابق، ص 251 و ما بعدها.
[13] - خليل جريج، المرجع السابق، ص 64 و ما بعدها.
[14] - إسحاق إبراهيم منصور، نظريات القانون و الحق، الطبعة الثانية، ص 150 و ما بعدها. وحسين صغير، المرجع السابق، ص 117. وسليمان مرقس، الوافي، المرجع السابق، ص 177.
[15] - سامي جمال الدين المرجع السابق، ص 50. و سليمان مرقس، نفسه، ص 178.
[16] - إسحاق إبراهيم منصور، نفسه، ص 54. و سامي جمال الدين، نفسه، ص 56.
[17] - عبد الله بوقفة، المرجع السابق، ص 321 و ما بعدها. حسين الصغير، المرجع السابق، ص 118.
[18] - محمود سعد الدين الشريف، النظرية العامة للضبط الإداري، مجلة مجلس الدولة المصري السنة 11، 1962، ص 82 و ما بعدها.
[19] -. سامي جمال الدين، المرجع السابق، ص 68. و حسيني بوديار، الوجيز في القانون الدستوري، دار العلوم ، ص 25.
[20] -. سامي جمال الدين، نفسه، ص 68 و ما بعدها.
[21] -. سامي جمال الدين، نفسه، ص 89 و ما بعدها.
[22] -. سامي جمال الدين، نفسه، ص 68 و ما بعدها.
[23] - كمال عبد الواحد الجوهري، المرجع السابق، ص 58 وما بعدها .
[24] - سورة يوسف: الآية 76.
[25] - سورة النور: الآية 02.
[26] - أبو الأعلى على المودودي، المصطلحات الأربعة في القرآن الكريم، 1941، ترجمها إلى العربية الأستاذ محمد كاظم سباق، 1955 ، ص116 وما بعدها .
[27] - كمال عبد الواحد الجوهري، المرجع السابق، ص 78 وما يليها . و سامي جمال الدين، المرجع السابق، ص 148.و سمير عبد السيد تناغو، النظرية العامة للقانون، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1974، ص 262.
التعديل الأخير تم بواسطة ali2007 ; 02-03-2012 الساعة 02:49 PM