نماذج من طلبات التسجيل والقبول بجامعات "الأندلس"(عندما كان العالم يتكلم بالعربي)
10-06-2007, 06:08 PM
(إلى صاحب العظمة / خليفة المسلمين/ هشام الثالث الجليل المقام، من جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد، بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة لاقتفاء أثركم، لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة. وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص. من خادمكم المطيع جورج الثاني).

أما الثانية فجاء فيها رد للسلطان هشام الثالث في الأندلس جاء فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد: إلى ملك إنكلترا وإيكوسيا وإسكندنافيا الأجلّ، اطلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس (أي البُسُط جمع بِساط) الأندلسية، وهي من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا... والسلام. خليفة رسول الله في ديار الأندلس، هشام الثالث).

وبما أنني لا أتقبل أي معلومة إلا بعد التأكد من مصدرها قمت بإجراء البحث عن الرسالتين وتوصلت إلى أنهما وردتا في كتاب "العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى" للمؤرخ البريطاني جون دوانبورت وفي كتاب "دور المساجد التاريخي في التثقيف العلمي" لمحمد الشاذلي الخولي.

ثم أجريت بحثاً سريعاً عن ردود الفعل بالنسبة لما جاء في هاتين الرسالتين، وما وجدته كان يتناول كل شيء من البكاء على الأطلال إلى عظمة تلك الحقبة من علم وثقافة وصناعة يعتز بها، وجدت كل شيء إلاّ ما يخص موضوع اهتمامي، وهو المرأة. فكيف يرسل الملك جورج الثاني بعثة من الفتيات (ثماني عشرة فتاة) ترأسهن ابنة أخيه الأميرة دوانت، عبر البحار إلى حيث (حسب اعتقادي ومعلوماتي) لا يُقَدَّم العلم إلا للرجال؟! هذا يعني أنه وصل إليهم أن العلم كان يقدم للإناث أيضا كما أنه كانت توجد عالمات ومثقفات من الإناث في الأندلس في ذلك الحين. فانتقلت إلى المرحلة الثانية من البحث وهي وضع المرأة في الأندلس، والمثير حقا، على الأقل بالنسبة لي، أنني توصلت إلى معلومات لم أكن أتوقعها عن إسهامات المرأة في بناء الحضارة الإسلامية على مر العصور وحتى بدء مرحلة تهميش المرأة وإبعادها عن الساحة العلمية والفكرية.

كانت المرأة الأندلسية تشارك في الاحتفالات المحلية كما كانت تخرج لصلاة الجمعة ومن ثم تمشي في الشوارع حيث الحدائق العامة والمكتبات العامة والدكاكين التي كان مليئة بالبضائع المصنعة محليا بمهارة اشتهرت بها الأندلس في ذلك الحين، وعرف عن النساء في ذلك العصر دخولهن مجالات متعددة من المهن مثل الغزل والنسيج والطب والدلالة والتعليم والتجارة، حتى إن أول دكاكين فتحت لتزيين المرأة كانت في ذلك الوقت، حيث كانت تقوم فيها المرأة بصناعة الأمشاط ومزج العطور والنباتات الصحية إلى تسريح الشعر وتزيينه.

ما يهمنا هنا هو أن المرأة الأندلسية اشتهرت أيضا بالفطنة والعلم فيذكر لنا التاريخ الكثيرات منهن مثل الشاعرة بثينة بنت المعتمد بن عباد، ومريم بنت يعقوب الأنصاري التي كانت تعلّم النساء الأدب، ومن المحدّثات أم الحسن بنت سليمان التي حجت والتقت بعلماء في الحجاز، واستزادت منهم ثم أجازوها في علم الحديث والفقه (لماذا لم تمنع من الالتقاء بهم؟!)، ولقد تحدَّث عن علم ونبوغ المرأة المسلمة على مر العصور الكثير من العلماء والمفكرين مثل ابن حزم وابن رشد والحافظ ابن حجر والإمام النووي والخطيب البغدادي والسخاوي وعمر رضا كحالة، وغيرهم الكثير ولكن للأسف كل ما كتبه هؤلاء وغيرهم فيما يخص العالمات والفقيهات والقاضيات والأديبات والمفكرات والمحدثات لا يصل إلى المناهج التعليمية في مدارسنا!

فمن قام بإنشاء أول جامعة إسلامية في العالم، كانت بالأصل جامع القرويين، ألم تكن امرأة؟! ومن اشتهر بالطب النظري والعملي والتمريض بالإضافة إلى السيدة عائشة والصحابية رفيدة، ألم تكن أم عمرو بن زهر؟! وعلم المنطق الذي يعتبر من العلوم التي لا يقترب منها في المدارس لدينا، كانت العالية بنت الشيخ الطيب بن كيران، تدرسه في المسجد وكانت تخصص يوما للرجال ويوما للنساء. وفي تاريخنا المعاصر نبغت نساء مسلمات في ميادين العلوم والآداب، ووصل بعضهن إلى درجة عالية من التفوق العلمي في المجال الذي تخصصن فيه، وللتأكد ما عليكم سوى مراجعة قائمة الأسماء اللامعة في حقول البحث العلمي، محليا وعربيا ودوليا، فلسوف تجدون العديد من النساء العربيات المسلمات النابغات.


*نقلاً عن صحيفة "الوطن" السعودية(ميسون الدخيل:كاتبة سعودية)
التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبد الكريم ; 10-06-2007 الساعة 06:26 PM سبب آخر: اسم الكاتب