المنظومة التربوية الجزائرية
20-10-2008, 04:01 PM
عبارتان : الاولى تمجد الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر في كتاب التاريخ للسنة الخامسة ابتدائي , و الثانية تسيء الى المجاهدين في كتاب التاريخ للسنة الرابعة متوسط , بعد مرور اسبوع فقط على فضيحة حذف المقطع الثالث من النشيد الوطني كانت كافية بتهويل الراي العام الجزائري , و جعل الساحتين الاعلامية و الشعبية تخرجان من جو اللامبالاة الذي كانت تعيشان فيه منذ بدء الحملة الانتخابية في الجزائر الى ما يشبه البركان .
و الحقيقة انها عبارات غير عادية و غير هينة لانها تتعلق بحفظ ذاكرة الامة و تاريخها . ما اثار الاشمئزاز و السخط فيما ورد في هذه العبارات التي تبدو و كانها ترجمة حرفية لما يرد في المناهج الفرنسية فنقرا مثلا: " استفادت فرنسا في بداية القرن 19 من الثورة الصناعية .......مما مكنها من تحرير الجزائر " و كان فرنسا دخلت الجزائر عام 1830 بغرض انقاذها من الاتراك فهل يصح ان نعلم اطفالنا مثل هذه المغالطات الخطيرة ؟ و استعمال عبارة " المتطرفين الثوريين" على مجاهدي الثورة الابرار تماما كما كان يسميهم المستعمر القديم .

سخط اولياء التلاميذ و غضبهم شرعي و مفهوم خاصة انهم يكتشفون ان الامر لا يقتصر على خطا مطبعي فحسب بل على اهمال كاد لولا تنبه المربيين الشرفاء ان يؤدي الى زرع افكار خاطئة بل خطيرة في اذهان فلذات اكبادنا و مستقبل اوطاننا ...؟ هذه الاخطاء اثارت ايضا جدلا سياسيا حادا , صعد من لهجته اوساط المعربين الذين نددوا بعودة حزب فرنسا و يقصدون بهم انصار تطبيع العلاقات مع فرنسا , الذين يحاولون على رايهمارضاء هذه الاخيرة و شراء مودتها بتشويه التاريخ و طمس ذاكرة المجاهدين , لكن من يعرف الجزائر و تاريخ علاقاتها مع العدو الحميم يدرك ان المنعطف لا يمكن ان يكون بدرجة 360 بل عليه ان يمر بمراحل تمهيدية قد تاخذ وقتا طويلا ,. فالقضية تتعلق بفقرات مؤلمة من التاريخ لازالت عالقة الى الان في الذاكرة المشتركة للشعبين يصعب مسحها بسهولة مهما كانت اهية الاعتبارات الاقتصادية .

و قد بقي قطاع التربية و التعليم طويلا " حقل تجارب " لوزراء ياتون بقرارات , يلغيها بعدهم اخرون الى ان قررت الجزائر اجراء اصلاح شامل و كلي عام 2002 و هي الخطوة التي كانت مطلوبة بل و ضرورية لمواكبة الحداثة و التطور الاجتماعي و الاقتصادي الذي تعيشه البلاد منذ العشرية الاخيرة .
و رغم ما قيل و ما يقال الا ان المنظومة التربوية الجزائرية نجحت في تحقيق مكاسب عظيمة اهمها نجاحها في بلوغ اهدافها الكمية التي تثمتل في الوصول لنسبة تعليم عالية في المراحل الابتدائية و المتوسطة تفوق ال 95 بالمئة و هي من اعلى المعدلات في المنطقة كلها . الا انها بقيت بعيدة عن توفير النوعية و الفاعلية المطلوبة لتكوين اجيال من المتخرجين على مستوى تنافسي .
فقد ورد في احصائيات منظمة اليونسكو ان من بين 100 طفل جزائري يدخلون مرحلة التعليم الابتدائي فان 11 فقط ينتهي بهم المطاف الى مقاعد الجامعة .
و يرجع التقرير اسباب هذه الوضعية الى عدة مشاكل يتخبط فيها القطاع منذ سنوات و اهمها ضعف فاعلية المناهج الدراسية المستعملة , قدم محتوى الكتب الدراسية و عدم تماشيها مع ما يعيشه البلد من تطورات , ضعف مستوى التاطير و التدريس عند معلمي الابتدائي حيث ان 85 بالمئة من معلمي الابتدائي لا يحملون شهادة البكالوريا .

وزارة التربية التي بذلت مجهودات لاصلاح هذه الوضعية , اصطدمت بعدة ازمات اخرها تلك التي فجرتها فضيحة هذه الاخطاء المشوهة للتاريخ , و لا تكاد تمر ازمة , الا و تذكرنا ان هذا المجال نظرا لاهميته يبقى في قلب الصراعات السياسية و تبقى معه المدرسة الجزائرية حبيسة لعبة شد الحبل بين مختلف التيارات السياسية و الثقافية .



منقول عن الكاتبة انيسة مخالدي
التعديل الأخير تم بواسطة IMENE CONSTANTI ; 20-10-2008 الساعة 04:05 PM