رد: فُصُولٌ مِن جُهُودِ الإبراهيمي في إصلاحِ شبَابِ الأُمَّةِ
30-05-2017, 04:18 PM

وصاياهُ للـشَّبابِ:
مَلأَ الإِبراهيمي -رحِمهُ الله- الـدُّنيا عِلمًا وحِكمَةً، ونَـصِيحَةً ووَصِيَّةً، فكانت كَلِماتُهُ ووَصَايَاهُ: بـلسَمًا للواثِقِين، ونِبرَاسًا وهُدىً للـمُخلِصين الـصَّادِقين، وقد اختَصَّ شبَابَ وَطَنِه وأُمَّتِه بالكَثِيرِ مِن الوصايا، لـيكُون عَونًا لهم على إِرشَادِهم في حيَاتِهم، والزَّادَ لهُم بعد ممَاتِهم.[12]
ووصَايَاه مُتنَوعَةٌ جَامِعةٌ، تتَـعلَّقُ بحثِّهم على الاعتزَازِ بدِينِهم، والنِّضَالِ مِن أَجلِ عَقيدِتهم، والتَّخلُّقِ بأخَلاقِ أَسلَافِهم، والتَّدَبُّرِ لـكتَابِ رَبِّهم، وبذلِ المهَجِ في سَبيلِ أَوطَانِهم، والـتَّحلِي بآدابِ الـعِلمِ والـسَّكينَةِ فيه، فكانتَ كما قال: "ولم يَزل التَّذكِيرُ في كُلِّ أطوَارِ الإنسَانيةِ مَدَدًا رَوحَانِيًّا يُثِيرُ الخَامِلَ إلى العَملِ، ويحثُّ العَامِلَ على مُواصَلةِ العَملِ"[13].
ومن أجمل وصاياه للشباب وكلماته لهم:

1) حثُّه إيَّاهم للتَمسُّكِ بالدِّينِ والأخلاقِ واللُّغةِ والأُخُوةِ:
"يا شباب الإسلام:
وصيتي إليكم أن تتصلوا بالله تديّنًا، وبنبيّكم اتّباعًا، وبالإسلام عملًا، وبتاريخ أجدادكم اطِّلاعًا، وبآدابِ دينِكم تخلُّقًا، وبآدابِ لُغَتِكم استعمَالًا، وبإخوانكم في الإسلام ولِداتكم في الشبيبة اعتناءً واهتمامًا، فإن فعلتم حُزتُم مِن الحياةِ الحظَّ الجليل، ومِن ثوابِ الله الأَجرَ الجزيل، وفاءت عليكم الدُّنيا بظِّلها الظَّليل!"[14].
كتابُ ربِّكم أيُّها الشَّبابُ هو: البُرهَانُ والنُّور، وهو: الفَلَجُ والظُّهورُ، وهو: الحجَّةُ البَالِغةُ، والآيَةُ الدَّامِغةُ، فلا يُزهِّدنَّكم فيه زِندِيقٌ يُؤَوِّلُ وجَاهِلٌ يُعطِّلُ، ومُستَشرِقٌ خَبِيثُ الدَّخلَةِ، يتَّخِذُه عِضين، ليَفتِن الغَافِلين، ويُلبَّسَ على المستَضعَفِين"[15].

2) ربطُه بينهم وبين أحلامِ أُمَّتِهم التي تعَوِّلُ عليهم:
"إنَّ أُمَّتَكم تُعَوِّلُ عليكم شَرطَ أن تُعِدُّوا أَنفُسَكم إعدَادًا رُوحيًّا لا بَدَنيًّا، فإذا أَشرَقَت أنوَارُ الإسلامِ وغَمرَت هِدَايَتُه كُلَّ المجتَمَعِ البَشري، فإنَّ هذا المجتَمَعَ سيَنعَمُ بالخَيرِ العَمِيمِ، وتتَحقَّقُ له السَّعادَةُ في الدُّنيَا والآخِرةِ. والإعدَادُ الرُّوحيُّ يجعَلُ المسلِمَ مُوقِنًا بأنَّه إذا مَاتَ في سَبيلِ اللهِ ينتَقِلُ مِن حيَاةٍ بَعضُها شقَاءٌ إلى حيَاةٍ كُلُّها سعَادَةٌ؛ فكونوا مُسلِمين كَامِلين، أي: كونوا عامِلين في سِبيلِ الله، وإيَّاكم أن تكونوا أنصَافَ أو أربَاعَ مُسلِمين، وحاسِبوا أنفُسَكم قبل أن تحَاسَبُوا، واقتَدُوا بالقُدوَةِ الصَّالِحةِ، وإنَّ الواحِدَ منَّا يستطيعُ أن يَقُودَ الملايين بشَرطِ أن تكون النُّفُوسُ مُستَعِدَّةً، وإنَّ هذا الشَّبابُ إذا تَدرَّبَ على الإقدامِ وقُوَّةِ العَزيمَةِ وعَدمِ الخُوفِ إلا مِن اللهِ، فإنَّه يأتي بالأعَاجِيبِ"[16].

لقد وجَّه الإبراهيمي الشَّبابَ لدَورِهم الرِّيادِي في التَّجدِيدِ والدَّعوةِ والإصلاحِ:
"إنَّ دِينَكم شوَّهته الأضَاليلُ، وإنَّ سِيرَةَ نبيِّكم غَمَرَتها الأبَاطِيلُ، وإنَّ كتَابَكم ضيَّعَته التَّأَوِيلُ، فهل لكم يا شبَابَ الإسلامِ أن تمحُوا بأَيدِيكم الطَّاهِرةَ الزَّيفَ والزَّيغَ عنها، وتَكتُبُوه في نُفُوسِ النَّاسِ جَدِيدًا كما نَزَل وكما فَهِمَه أصحَابُ رَسولِ اللهِ عن رَسولِ الله.
إنَّكم قد اهتدَيتم إلى سوَاءِ الصِّراطِ، فاهدُوا إلى سوَاءِ الصِّراطِ.
إنَّكم لو عَبدتُّم اللهَ الليلَ والنَّهارَ لكان خَيرًا مِن ذلك كُلِّه عندَ اللهِ، وأَقرَب زُلفَى إلي:ه أن تجَاهِدُوا في سبيله بهدَايةِ خَلقِه إليه"[17].

ونَصَحَ الشَّبابَ بالجَمعِ بين صِحَّةِ العَقلِ والجَسدِ:
فـ"لا يَنفَعُ الشَّبابَ أُمَّتَه إلَّا إذا جمعَ بين صِحَةِ العَقلِ وبين صِحَةِ الجِسمِ، أمَّا صِحَةُ العَقلِ، فإنَّ علينا بُنيَانَها، وفي ذِممِنا ضَمَانها!.
وأمَّا صِحَةُ الجسمِ، فمِن المسكَنِ الصَّالحِ مُبتَدَاها، وإلى الغِذاءِ النَّافِعِ مُنتَهاها، وكِلا هذين دَينٌ على الأُمَّةِ وَاجِبُ الأدَاءِ!"[18].

ونبَّهَهم إلى أنَّه:
"لا حقَّ لكم على الوَطنِ، بل الحَقُّ كُلُّه للوَطَنِ عليكم، وإنَّ أوكَدَ حقُوقِه عليكم: أن تُحقَّقُوا بالعِلمِ مطَالبَه، وتَعمُرُوا بالعِلمَ جوَانِبَه، وتُنِيروا بالعِلمِ غيَاهِبَه"[19].


وحذَّرَهم مِن الانشِغالِ بالماضِي ذمًّا أو مَدحًا عن العَملِ:
"أُعيذُ الشَّبابَ المحمَّدي أن يَشغَلَ وَقتَه في تِعدَادِ ما اقتَرفَه آباؤُه مِن سيئَاتٍ أو في الافتخَارِ بما عَمِلُوه مِن حسَناتٍ، بل يبني فَوقَ ما بنى المحسنون، وليَتَّقِ عثَراتَ المسيئِين"[20].
"ليَحرِصَ الشَّبابُ على أن يكونوا كمَالًا في أُمَّتِهم لا نَقصًا، وأن يكونوا زَينًا لها لا شَينًا، وأن يُضِيفُوا إلى تَلِيدِ مَكارِمِها طَريفًا، وإلى قَدِيمِ محَاسِنِها جَدِيدًا، وأن يمحوا كُلَّ سيِّئَةٍ لسَلَفِهم بحسَنَة"[21].

ولم يغفَل عن التَّذكِيرِ بالأخلاقِ:
"أَي شبَابَ الإسلام.. خُذُوها فصِيحَةً صَرِيحةً لا تتَستَّرُ بجِلبَابٍ، ولا تتَوَارَى بحِجَابٍ، إنَّ علَّتَكم التي أَعيَت الأَطبَاءَ، واستَعصَت على حِكمَةِ الحُكمَاءِ، هي: مِن ضَعفِ أخلاقِكم ووَهنِ عَزَائِمِكم، فدَاوُوا الأخلاقَ بالقُرآن تَصلُح وتَستَقِم، وأُسُّوا العَزائِمَ بالقُرآنِ تَقوَ وتَشتَدُ"[22].

لقد نَثرَ الإبراهيمي دُرَرَه مِن النُّصحِ في مقَالاتِه للشَّبابِ، ولم يألُ جُهدًا في ذلك، وكان صَادِقَ العِبارَةِ، عَمِيقَ الفِكرَةِ، قَريبَ الخِطَابِ، وَاضِحَ الإشَارَةِ، فقد حذَّرَهم مِن اختِلافِ القُلوبِ وتَشَتُّتِ الأَهوَاءِ، وأوصَاهم بالتَّقوى وحُسنِ العِشرَةِ، وعزَّز فيهم حُبَّ القرآن:
"أَي شبَابَ الإسلامِ.. إنَّ أوَّلَ أُمَّتِكم شَبيهٌ بآخَرِها عُزوفًا عن الفضَائِلِ، وانغِمَاسًا في الرَّذائِلِ، فلم يَزلِ بها هذا القُرآنُ حتى أَخرَجَ مِن رُعَاةِ النَّعَمِ رُعَاةَ الأُمَّمِ، وأخرَجَ مِن خُمُولِ الأُمِّيَّةِ أعلامَ العِلمِ والحِكمَةِ، فإن زعم زاعم أنَّ الزَّمَان غَيرَ الزَّمان، فقولوا: ولكن الإنسان هو الإنسان"[23].
و"تَدبُّرُ القُرآنِ واتِّباعُه هما: فَرقُ ما بين أَوَّلِ الأُمَّةِ وآخِرِها، وإنَّه لفَرقٌ هَائِلٌ، فعَدَمُ التَّدبُّرِ: أفقَدنَا العِلمَ، وعَدمُ الاتِّباعِ: أفقَدنَا العَملَ، وإنَّنا لا نَنتَعِشُ مِن هذه الكَبوةِ إلا بالرُّجوعِ إلى فَهمِ القُرآنِ واتِّبَاعِه، ولا نُفلِحِ حتى نُؤمِن ونعمَلَ الصَّالحات: [ فالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الـمُفلِحُونَ] "[24].

ختاما:
كانت تلك أسطرا في تَوضيحِ الـمعَالِم الإِصلاحِيَّةِ لدى الشَّيخِ:" مُحمَّد البَشيرِ الإِبراهيمي" -رحمه الله، في الاهتمام بالشباب ونَشرِ الـعِلمِ والفَضِيلةِ فيهم، واستِنهَاضُ هِمَمِهم، جامِعًا في هذه الـمَسِيرَةِ بين الـعِلمِ والرَّحمَةِ.
رحم الله الشَّيخِ:" مُحمَّد البَشيرِ الإِبراهيمي"، وأسكنه فسيح جناته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

هوامش:
[1] الآثار: ج4/312. وقد فصَّلتُ الـقَولَ في الـكَلامِ عل مسأَلةِ الإِلحادِ ذَاكِرًا (تارِيخها وأسبابِها ومظاهِرها وطرق الوقاية منها)، في الـمَنهجِ الإِصلاحِي لدى المصلح الإِبراهيمي عند الـكلام على (الإِصلاح الـفكري). يسَّر الله نـشره.
[2] الآثار: ج2/110.
[3] الآثار: ج4/255.
[4] الآثار: ج2/110.
[5] الآثار: ج3/67.
[6] الآثار: ج3/316.
[7] عَرَّفَ الإِبراهيمي (الزّواجَ) بأنه: "عَقدٌ بين قَلبَين، ووَصلٌ بين نَفسَين، ومَزجٌ بين رُوحَين، وفي الأَخيرِ تَقرِيبٌ بين جِسمَين!"[7]. الآثار: ج3/297. وقال مُذكِراً بفضل هذه الـشعيرةَ وعَظِيمِ أثرِها: "راعَى الإسلامُ -وهو دِينُ الفِطرَةِ- كُلَّ ذلك، فنَدبَ إلى الزَّواجِ، وحَضَّ عليه، وسمَّاه إحصَانًا، وشَرعَ له مِن الأحكامِ ما هو أقرَبُ إلى التَّيسيرِ والفِطرَةِ والتَّسامُحِ، كلّ ذلك ليَحفَظَ على الشَّابِ والشَّابَةِ دِينَهما وعِرضَهما، ويَضبِطَ عليهما عوَاطِفَهما، فلا تَمتَدُّ العَينُ إلى مُحرَّمٍ، ولا تَهفُو النَّفسُ إلى محظُورٍ، ولا يجَاوزَان بالفِطرَةِ حُدودَ الله". الآثار: ج3/294.
[8] الآثار: ج3/293.
[9] الآثار: ج3/295، وج3/393، وج3/394.
[10] الآثار: ج3/393.
[11] وقد فصّلتُ الـكلامَ حولَ جهُود الإِبراهيمي في حلحلةِ هذ الـمشاكِل من (بطالة) و(طلاق) و(زواج)، في كلامِي حول (الإِصلاح الاجتماعي). يسَّرَ الله إِتمَامَهُ ونَشرَه.
[12] وللإِبراهيمي مقالةٌ رَصِينَةٌ، ووصايَا ثَمِينَةٌ، نَشرَها في أَربعِ حلقَاتٍ، سمَّاها (الشاب الجزائري كما تمثِّلُه لي الخواطِرُ). الآثار: ج3/510- 517. فانظرها، فهي ممتعةٌ مُقنِعَةٌ!.
[13] الآثار: ج1/51.
[14] الآثار: ج4/121.
[15] الآثار: ج4/271.
[16] الآثار: ج4/210.
[17] الآثار: ج4/272.
[18] الآثار: ج2/253.
[19] الآثار: ج3/315.
[20] الآثار: ج4/121.
[21] الآثار: ج4/121.
[22] الآثار: ج1/163.
[23] الآثار: ج1/163.
[24] الآثار: ج1/327.