رد: مواقف مؤثرة من سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية
14-11-2017, 02:13 PM
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

ابن القيم يصور الحال قبل اتصاله بشيخ الإسلام: ابن تيمية رحمهما الله:
وابن القيم ذكر حال الناس، وذكر حاله هو قبل أن يتصل بشيخه بعد أن وقع في تلك الأمور المدلهمَّة والبدع، تلك الشِّباك شباك الضَّلالة، ثم ذكر آثار هذا العالِم عليه لَما قال في مجالس التحكيم على أقوال المخالفين في عقيدته الكافية الشافية، المسماة (النُّونية):
يا قومِ، واللهِ العظيم نصيحة ÷ مِن مُشفق وأخٍ لكم مِعوانِ
جرَّبتُ هذا كلَّه ووقعتُ في ÷ تلك الشباك وكنتُ ذا طيرانِ
حتى أتاح ليَ الإلهُ بفضلِه ÷ مَن ليس تَجزيه يَدي ولساني

وفي بعض النسخ المخطوطة "شيخ":
حَبرٌ أتى مِن أهل حَرَّانٍ فيا ÷ أهلاً بمَن قد جاء مِن حَرانِ
فالله يَجزيه الذي هو أهلُه ÷ مِن جنة المأوى معَ الرضوانِ
أخذَت يداه يدي، وسار فلَم يَرُم ÷ حتى أرانيَ مَطلعَ الإيمانِ
ورأيتُ أعلامَ المدينةِ حولها ÷ نُزلَ الهدى وعَساكرَ القرآنِ
ورأيتُ آثارًا عظيمًا شأنُها ÷ محجوبةً عن زُمرة العُميانِ
وورَدتُ رأس الماء أبيضَ صافيًا ÷ قيعانُه كلآلئ التيجانِ

ثم استرسل رحمه الله بذِكْر فضلِ هذا العالم عليه، وعلى أبناء زمانه، بل وعلينا نحن بعده بمئين مِن السنين، إلى أن ذكَر مؤلفاته، ووصيتَه إلى طلاب العلم بها:
حبرٌ أتى مِن أهل حرانٍ فيا ÷ أهلاً بمن قد جاء من حرَّانِ
فاقرأ تصانيفَ الإمام حقيقةً ÷ شيخِ الوجود العالمِ الربَّاني
أعني أبا العبَّاسِ أحمدَ ذلك ال ÷ بحرَ المُحيطَ بسائرِ الخُلجانِ
واقرأ كتابَ العقل والنقل الذي ÷ ما في الوجودِ له نظيرٌ ثانِ
وكذاكَ مِنهاجٌ له في ردِّه ÷ قولَ الروافض شيعةِ الشيطانِ
وكذلك التأسيس أضحى نَقضُه ÷ أُعجوبةً للعالم الربَّاني

إلى أن قال:
وكذا قواعدُ الاستقامةِ إنها ÷ سِفْران فيما بينَنا ضَخمانِ
هذا ولو حدَّثتُ نفسيَ أنه ÷ قَبلي يموتُ لكان غيرُ الشانِ
مع أن ابن القيم لازَم شيخَه ابنَ تيمية ستَّ عشرة سنة، فيقول:
" لو أني موقنٌ أنه سيموت قبلي لأريتُكم الهمَّةَ والظَّفَر، والحرص على الإفادة منه ومِن علومه".

المحنة على عقيدة الواسطية:
والمقصود أنه لما أتى رحمه الله بهذا الاعتقاد المسطور في:"العقيدةالواسطية" عُوديَ، ونووِئَ أعظمَ المناوئة، وخولف، وتُكلِّم فيه وفي عقيدته، وشُكي إلى السلطان، واغتِيب، وادُّعي عليه بالدعايات الباطلة، إلى أن ورَد المرسومُ مِن مصر بجمعه مع العلماء، فعُقدَت له مجالسُ المناظرة بعد تأليفه الواسطيةَ بسبع سنين سنة 705ﻫ بدءًا من جُمادى الثانية إلى منتصف شعبان، من مجلسٍ إلى مجلس يُناظر عليها، حتى إنه قيل له: اكتب اعتقادَك فأملى اعتقاده على ابن الزَّمَلكاني، ثم قال: "إن لي اعتقادًا" فذهب إلى بيته، فجيء بـ "العقيدة الواسطية"، فقُرِئت، فلما أراد أن يَقرَأها قال الأمير: "لا، ادفَعها إلينا"؛ خشوا أنه إذا قرأها أن يحرِّف، فقرأها القارئ، حتى مضى على آخرها وهم يُباحثونه في مَواطنَ تُخالف اعتقاد الأشاعرة، وهم السائدون في ذلك الزمان.
وألَّف بعدها "المناظرة على العقيدة الواسطية"، وهي مطبوعة في مجموع الفتاوى - بعد متن العقيدة الواسطية مباشرة - فلتقرأ حتى نعرف أنواعًا من الصَّبر والمصابرة الذي نال شيخَ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله بسببها، وأتت إلينا باردةً رخيصةَ الأثمان.

منقول بتصرف يسير، جزى الله خيرا راقمه.