نونية ابن القيم (( وصف الجنه ))2
13-06-2007, 07:40 AM
فصل
في سوق الجنة الذي ينصرفون اليه من ذلك المجلس

فيقول جل جلاله قوموا الى*** ما قد ذخرت لكم من الاحسان
يأتون سوقا لا يباع ويشترى*** فيه فخذ منه بلا أثمان
قد أسلف التجار أثمان المبيـ***ـع بعقدهم في بيعة الرضوان
لله سوق قد أقامته الملا***ئكة الكرام بكل ما احسان
فيها الذي والله لا عين رأت*** كلا ولا سمعت به اذنان
كلا ولم يخطر على قلب امرئ*** فيكون عنه معبرا بلسان
فيرى امرأ من فوقه في هيئة*** فيروعه ما تنظر العينان
فإا عليه مثلها اذ ليس يلـ***ـحق أهلها شيء من الأحزان
واها لذا السوق الذي من حله*** نال التهاني كلها بأمان
يدعى بسوق تعارف ما فيه من*** صخب ولا غش ولا ايمان
وتجارة من ليس تلهيه تجا***رات ولا بيع عن الرحمن
أهل المروة والفتوة والتقى*** والذكر للرحمن كل أوان
يا من تعوض عنه بالسوق الذي*** ركزت لديه راية الشيطان
لو كنت تدري قدر ذاك السوق لم*** تركن الى سوق الكساد الفاني


فصل
في حالهم عند رجوعهم الى أهليهم ومنازلهم

فاذا هم رجعوا الى أهليهم*** بمواهب حصلت من الرحمن
قالوا لهم أهلا ورحبا ما الذي*** أعطيتم من ذا الجمال الثاني
والله لازددتم جمالا فوق ما*** كنتم عليه قبل هذا الآن
قالوا وأنتم والذي أنشأكم*** قد زدتم حسنا على الاحسان
لكن يحق لنا وقد كنا اذا*** جلساء رب العرش ذي الرضوان
فهم الى يوم المزيد أشد شو***قا من محب للحبيب الداني

فصل
في خلود أهل الجنة ودوام صحتهم ونعيمهم وشبابهم
واستحالة النوم والموت عليهم

هذا وخاتمة النعيم خلودهم*** ابدا بدار الخلد والرضوان
أو ما سمعت منادي الايمان يخـ***ـبر عن مناديهم بحسن بيان
لكم حياة ما بها موت وعا***فية بلا سقم ولا أحزان
ولكم نعيم ما به بؤس وما*** لشبابكم هرم مدى الأزمان
كلا ولا نوم هناك يكون ذا*** نوم وموت بيننا اخوان
هذا علمناه اضطرارا من كتا***ب الله فافهم مقتضى القرآن
والجهم أفناها وأفنى أهلها*** تبا لذاك الجاهل الفتان
طردا لنفي دوام فعل الرب في الـ***ـماضي وفي مستقبل الأزمان
وأبو الهذيل يقول يفنى كلما*** فيها من الحركات للسكان
وتصير دار الخلد مع سكانها*** وثمارها كحجارة البنيان
قالوا ولولا ذاك لم يثبت لنا*** رب لأجل تسلسل الأعيان
فالقوم أما جاحدون لربهم*** أو منكرون حقائق الايمان




فصل
في ذبح الموت بين الجنة والنار والرد على من قال
إن الذبح لملك الموت وإن ذلك مجاز لا حقيقة

أو ما سمعت بذبحه للموت بيـ***ـن المنزلين كذبح كبش الضان
حاشا لذا الملك الكريم وانما*** هو موتنا المحتوم للانسان
والله ينشىء منه كيشا أملحا*** يوم المعاد يرى لنا بعيان
ينشىء من الأعراض أجساما كذا*** بالعكس كل قابل الامكان
أفما تصدق أن أعمال العبا*** تحط يوم العرض في الميزان
وكذاك تثقل تارة وتخف أخـ***ـرى ذاك في القرآن ذو تبيان
وله لسان كفتاه تقيمه*** والكفتان اليه ناظرتان
ما ذاك أمرا معنويا بل هو الـ***ـمحسوس حقا عند ذي الايمان
أو ما سمعت بأن تسبيح العبا***د وذكرهم وقراءة القرآن
ينشيه رب العرش في صورة يجا***دل عنه يوم قيامة الابدان
أو ما سمعت بأن ذاك حول عر***ش الرب ذو صوت وذو دوران
يشفعن عند الرب جل جلاله*** ويذكرون بصاحب الاحسان
أو ما سمعت بأن ذلك مؤنس*** في القبر للملفوف في الأكفان
في صورة الرجل الجميل الوجه في*** سن الشباب كأجمل الشباب
يأتي يجادل عنك يوم الحشر للر***حمن كي ينجيك من نيران
في صورة الرجل الذي هو شا***حب يا حبذا ذاك الشفيع الداني


أو ما سمعت حديث صدق قد*** أتى في سورتين من أول القرآن
فرقان من طير صواف بينهما*** شرق ومنه الضوء ذو تبيان
شبههما بغمامتين وان تشا*** بغيابتين هما لذا مثلان
هذا مثال الأجر وهو فعالنا*** كتلاوة القرآن بالاحسان
فالموت مخلوق بنص الوحي والـ***ـمخلوق يقبل سائر الألوان
في نفسه وبنشأة أخرى بقد***رة قالب الأعراض والألوان
أو ما سمعت بقلبه سبحانه الـ***أعيان من لون الى ألوان
وكذلك الأعراض يقلب ربها*** أعيانها والكل ذو امكان
لم يفهم الجهال هذا كله*** فأتوا بتأويلات ذي البطلان
فمكذب ومؤول ومحير*** ما ذاق طعم حلاوة الايمان
لما فسى الجهال في آذانه*** أعموه دون تدبر القرآن
فثنى لنا العطفين منه تكبرا*** وتبخترا في حلة الهذيان
ان قلت قال الله قال رسوله*** فيقول جهلا أين قول فلان

فصل
في أن الجنة قيعان وأن غراسها الكلام الطيب والعمل الصالح


أوما سمعت بأنها القيعان فاغـ***ـرس ما تشاء بذا الزمان الفاني
وغراسها التسبيح والتكبير والتـ***ـحميد والتوحيد للرحمن
تبار لتارك غرسه ماذا الذي*** قد فاته من مدة الامكان
يا من يقر بذا ولا يسعى له*** بالله قل لي كيف يجتمعان
أرأيت لو عطلت أرضك من غرا***س ما الذي تجني من البستان
وكذاك لو عطلتها من بذرها*** ترجو المغل يكون كالكيمان
ما قال رب العالمين وعبده*** هذا فراجع مقتضى القرآن
وتأمل الباء التي قد عينت*** سبب الفلاح لحكمة الفرقان
وأظن باء النفي قد غرتك في*** ذاك الحديث أتى به الشيخان
لن يدخل الجنات أصلا كادح*** بالسعي منه ولو على الأجفان
والله ما بين النصوص تعارض*** والكل مصدرها عن الرحمن
لكنّ بالاثبات للتسبيب والـ***ـباء التي للنفي بالأثمان
والفرق بينهما ففرق ظاهر*** يدريه ذو حظ من العرفان


فصل
في اقامة المأتم على المتخلفينوعن رفقة السابقيت

بالله ما عذر امرئ هو مؤمن*** حقا بهذا ليس باليقظان
بل قلبه في رقدة فاذا استفا***ق فلبسه هو حلة الكسلان
تالله لو شاقتك جنات النعيـ***ـم طلبتها بنفائس الأثمان
وسعيت جهدك في وصال نواعم*** وكواعب بيض الوجوه حسان
جليت عليك عرائس والله لو*** تجلى على صخر من الصوان
رقت حواشيه وعاد لوقته*** ينهال مثل نقى من الكثبان
لكن قلبك في القساوة جاز حد*** الصخرة والحصباء في أشجان
لو هزك الشوق المقيم وكنت ذا*** حس لما استبدلت بالأهوان
أو صادفت منك الصفات حياة قلـ***ـب كنت ذا طلب لهذا الشان
خود تزف الى ضرير مقعد*** يا محنة الحسناء بالعميان
شمس لعنين تزف اليه ما*** ذا حلية العنين في الغشيان


يا سلعة الرحمن لست رخيصة*** بل انت غاليى على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها*** في الألف الا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها*** الا أولو التقوى مع الايمان
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد*** بين الأراذل سلفة الحيوان
يا سلعة الرحمن أين المشتري*** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب*** فالمهر قبل الموت ذو امكان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ***ـخطاب عنك وهم ذوو ايمان
يا سلعة الرحمن لولا أنها*** حجبت بكل مكاره الانسان
ما كان عنها قط من متخلف*** وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة*** ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمم التي تسمو الى*** رب العلى بمشيئة الرحمن


فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد*** راحاته يوم المعاد الثاني
واذا أبت ذا الشان نفسك فاتـ***ـهمها ثم راجع مطلع الايمان
فإذا رأيت الليل بعد وصبحه*** ما انشق عنه عمودة لأذان
والناس قد صلوا صلاة الصبح وانـ***ـتظروا طلوع الشمس قرب زمان
فاعلم بأن العين قد عميت فنا***شد ربك المعروف بالاحسان
واسأله ايمانا يباشر قلبك الـ***ـمحجوب عنه لتنظر العينان
واسأله نورا هاديا يهديك في*** طرق المسير اليه كل أوان
والله ما خوفي الذنوب فانها*** لعلى طريق العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من*** تحكيم هذا الوحي والقرآن
ورضا بآراء الرجال وخرصها*** لا كان ذاك بمنة الرحمن


فبأي وجه التقى ربي اذا*** أعرضت عن ذا الوحي طول زمان
وعزلته عمّا أريد لأجله*** عزلا حقيقيا بلا كتمان
صرّحت أن يقيننا لا يستفاد*** به وليس لديه من اتقان
أوليته هجرا وتأويلا وتحـ***ـريفا وتفويضا بلا برهان
وسعيت جهدي في عقوبة ممسك*** بعراه لا تقليد رأي فلان
يا معرضا عما يراد به وقد*** جد المسير فمنتهاه دان
جذلان يضحك آمنا متبخترا*** فكأنه قد نال عقد أمان
خلع السرور عليه أوفى حلة*** طردت جميع الهم والأحزان
يختال في حلل المسرة ناسيا*** ما بعدها من حلة الأكفان
ما سعيه الا لطيب العيش في الد***نيا ولو أفضى الى النيران
قد باع طيب العيش في دار النعيـ***ـم بذا الحطام المضمحل الفاني
اني أظنك لا تصدق كونه*** بالقرب بل ظن بلا ايقان
بل قد سمعت الناس قالوا جنة*** ايضا ونار بل لهم قولان
والوقف مذهبك الذي تختاره*** واذا انتهى الايمان للرجحان
أم تؤثر الأدنى عليه وقالت النـ***ـفس التي استعلت على الشيطان
أتبيع نقدا حاصلا بنسيئة*** بعد الممات وطي ذي الأكوان
لو أنه بنسيئة الدنيا لها*** ن الأمر لكن في معاد ثان
دع ما سمعت الناس قالوه وخذ*** ما قد رأيت مشاهدا بعيان


والله لو جالست نفسك خاليا*** وبحثتها بحثا بلا روغان
لرأيت هذا كامنا فيها ولو*** أمنت لألقته الى الآذان
هذا هو السر الذي من أجله اخـ***ـتارت عليه العاجل المتدان
نقد قد اشتدت اليه حاجة*** منها ولم يحصل لها بهوان
أتبيعه بنسيئة في غير هذي*** الدار بعد قيامة الأبدان
هذا وان جزمت بها قطعا ولـ***ـكن حظها في حيّز الامكان
ما ذاك قطعيا لها والحاصل الـ*** ـموجود مشهود برأي عيان
فتألفت من بين شهوتها وشبـ***ـهتها قياسات من البطلان
واستنجدت منها رضا بالعاجل الـ***أدنى على الموعود بعد زمان
وأتى من التأويل كل ملائم*** لمرادها يا رقة الايمان


وضعت الى شبهات أهل الشرك والـ***ـتعطيل مع نقص من العرفان
واستنقصت أهل الهدى ورأيتهم*** في الناس كلغرباء في البلدان
ورأت عقول الناس دائرة على*** جمع الحطام وخدمة السلطان
وعلى المليحة والمليح وعشرة الـ***أحباب والأصحاب والاخوان
فاستوعرت ترك الجميع ولم تجد*** عوضا تلذ به من الاحسان
فالقلب ليس يقر ألا في انا***ء فهو دون الجسم ذو جولان
يبغي له سكنا يلذ بقربه*** فتراه شبه الواله الحيران
فيحب هذا ثم يهوى غيره*** فيظل منتقلا مدى الأزمان
لو نال كل مليحة ورياسة*** لم يطئن وكان ذا دوران
بل لو ينال بأسرها الدنيا لما*** قرت بما قد ناله العينان
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى*** واختر لنفسك أحسن الانسان
فالقلب مضطر الى محبوبه الـ***أعلى فلا يغنيه حب ثان
وصلاحه وفلاحه ونعيمه*** تجريد هذا الحب للرحمن
فإذا تخلى منه أصبح حائرا*** ويعود في ذا الكون ذا هيمان


فصل
في زهد أهل العلم والايمان وإيثارهم الذهب الباقي على الخزف الفاني

لكن ذا الايمان يعلم أن هـ***ـذا كالظلال وكل هذا فان
كخيال طيف ما استتم زيارة*** الا وصبح رحيله بأذان
وسحابة طلعت بيوم صائف*** فالظل منسوخ بقرب زمان
وكزهرة وافى الربيع بحسنها*** او لامعا فكلاهما أخوان
أو كالسراب يلوح للظمآن في***وسط الهجير بمستوى القيعان
أو كالأماني طاب منها ذكرها*** بالقول واستحضارها بجنان
وهي الغرور رؤوس أموال المفا***ليس الألى اتجروا بلا أثمان
أو كالطعام يلذ عند مساغه***لكن عقباه كما تجدان
هذا هو المثل الذي ضرب الرسو***ل لها وذا في غاية التبيان


وإذا أردت ترى حقيقتها فخذ*** منه مثالا واحدا ذا شان
أدخل بجهدك أصبعا في أليم وانـ***ـظر ما تعلقه اذا بعيان
هذا هو الدنيا كذا قال الرسو***ل ممثلا والحق ذو تبيان
وكذاك مثلها بظل الدوح في*** وقت الحرور لقائل الركبان
هذا ولو عدلت جناح بعوضة*** عند الاله الحق في الميزان
لم يسق منها كافرا من شربة*** ماء وكان الحق بالحرمان
تالله ما عقل امرئ قد باع ما*** يبقى بما هو مضمحل فان
هذا ويفتي ثم يقضي حاكما*** بالحجر من سفه لذا الانسان
اذ باع شيئا قدره فوق الذي*** يعتاضه من هذه الأثمان
فمن السفيه حقيقة ان كنت ذا*** عقل واكن العقل للسكران
والله لو أن القلوب شهدن منـ***ـا كان شأن غير هذا الشأن
نفس من الأنفاس هذا العيش ان*** قسناه بالعيش الطويل الثاني
يا خسة الشركاء مع عدم الوفا***ء وطول جفوتها من الهجران
هل فيك معتبر فيسلو عاشق*** بمصارع العشاق كل زمان
لكن على تلك لعيون غشاوة*** وعلى القلوب أكنة النسيان


أخو البصائر حاضر متيقظ*** متفرد عن زمرة العميان
يسمو الى ذاك الرفيق الأرفع الأ***على وخلى اللعب للصبيان
الناس كلهم فصبيان وان*** بلغوا سوى الأفراد والوحدان
اذا ما رأى ما يشتهيه قال مو***عدك الجنان وجد في الأثمان
اذا أبت الا الجماح أعاضها*** بالعلم بعد حقائق الايمان
يرى من الخسران بيع الدائم الـ***ـباقي به يا ذلة الخسران
يرى مصارع أهله من حوله*** وقلوبهم كمراجل النيران
مسراتها هن الوقود فان خبت*** زادت سعيرا بالوقود الثاني
جاءوا فرادى مثل ما خلقوا بلا*** مال ولا أهل ولا اخوان
ما معهم شيء سوى الأعمال فهـ***ـي متاجر للنار أو لجنان
تسعى بهم أعمالهم سوقا الى الد***ارين سوق الخيل بالركبان
صبروا قليلا فاستراحوا دائما*** يا عزة التوفيق للانسان
حمدوا التقى عند الممات كذا السرى*** عند الصباح فحبذا الحمدان
وحدت بهم عزماتهم نحو العلى*** وسروا فما نزلوا الى نعمان
باعوا الذي يفنى من الخزف الخسيـ***ـي بدائم من خالص العقيان
رفعت لهم في السير اعلام السعا***دة والهدى يا ذلة الحيران
فتسابق الأقوام وابتدروا لها*** كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينا في الديار مخلف*** مع شكله يا خيبة الكسلان


فصل
في رغبة قائلها الى من يقف عليها من أهل العلم والايمان أن يتجرد الى الله
ويحكم عليها بما يوجبه الدليل والبرهان، فان رأى حقا قبله وحمد
الله عليه وإن رأى باطلا عرف به وأرت اليه

يا أيها القارئ لها اجلس مجلس الـ***ـحكم الأمين أتى له الخصمان
واحكم هداك الله حكما يشهد الـ***ـعقل الصريح به مع القرآن
واحبس لسانك برهة عن كفره*** حتى تعارضها بلا عدوان
فإذا فعلت فعنده أمثالها*** فنزال آخر دعوة الفرسان
فالكفر ليس سوى العناد ورد ما*** جاء الرسول به لقول فلان
فانظر لعلك هكذا دون الذي***قد قالها فتفوز بالخسران
فالحق شمس والعيون نواظر*** لا تختفي الا على العميان
والقلب يعمى عن هداه مثل ما*** تعمى وأعظم هذه العينان


هذا وأني بعد ممتحن بأر***بعة وكلهم ذو أضغان
فظ غليظ جاهل متعلم*** ضخم العمامة واسع الأردان
متفيهف متضلع بالجهل ذو*** صلع وذو جلح من العرفان
مزجي البضاعة في العلوم وأنه*** زاج من الايهام والهذيان
يشكو الى الله الحقوق تظلما*** من جهله كشكاية الأبدان
من جاهل متطبب يفتي الورى*** ويحيل ذاك على قضا الرحمن
عجت فروج الخلق ثم دماؤهم*** وحقوقهم منه الى الديان
ما عنده علم سوى التكفير والتـ***ـبديع والتضليل والبهتان
فاذا تيقن أنه المغلوب عنـ***ـد تقابل الفرسان في الميدان
قال اشتكوه الى القضاة فانهم*** حكموا وألا أشكوه للسلطان
قولوا له هذا يحل الملك بل*** هذا يزيل الملك مثل فلان
فاعقره من قبل اشتداد الأمر منـ***ـه بقوة الاتباع والأعوان
واذا دعاكم للرسول وحكمه*** فادعوه كلكم لرأي فلان
واذا اجتمعتم في المجالس فالغو*** والغوا اذا ما احتج بالقرآن
واستنصروا بمحاضر وشهادة*** قد أصلحت بالرفق والاتقان
لا تسألوا الشهداء كيف تحملوا*** وبأي وقت بل بأي مكان
وارفوا شهادتهم ومشوا حالها*** بل أصلحوها غاية الامكان
واذا هم شهدوا فزكوهم ولا*** تصغوا لقول الجارح الطعان
قولوا العدالة منهم قطيعة*** لسنا نعارضها بقول فلان
ثبتت على الحكام بل حكموا بها*** فالطعن فيها ليس ذا امكان
من جاء يقدح فيهم فليتخذ***ظهرا كمثل جدارة الصوان
واذا هو استعدادهم فجوابكم*** أتردها بعداوة الديان


فصل
في حال العدو الثاني

أو حاسد قد بات يغلي صدره*** بعداوتي كالمرجل الملآن
لو قلت هذا البحر قال مكذبا*** هذا السراب يكون بالقيعان
أو قلت هذي الشمس قال مباهتا*** الشمس لم تطلع الى ذا الآن
أو قلت قال الله قال رسوله*** غضب الخبيث وجاء بالكتمان
أو حرف القرآن عن موضوعه*** تحريف كذاب على القرآن
صال النصوص عليه فهو بدفعها*** متوكل بالدأب والديان
فكلامه في النص عند خلافه*** من باب دفع الصائل الطعان
فالقصد دفع النص عن مدلوله*** كيلا يصول اذا التقى الزحفان

فصل
في حال العدو الثالث

والثالثل الأعمى المقلد ذينك الر***جلين قائد زمرة العميان
فاللعن والتكفير والتبديع والتـ***ـضليل والتفسيق بالعدوان
فاذا هم سألوه مستندا له***قال اسمعوا ما قاله الرجلان



فصل
في حال العدو الرابع

هذا ورابعهم وليس بكلبهم***حاشا الكلاب الآكلي الأنتان
خنزير طبع في خليقة ناطق*** متسوف بالكذب والبهتان
كالكلب يتبعهم يشمشم أعظما*** يرمونها والقوم للحمان
يتفكهون بها رخيصا سعرها*** ميتا بلا عوض ولا أثمان
هو فضلة في الناس لا علم ولا*** دين ولا تمكين ذي سلطان
فإذا رأى شرا تحرك يبتغي*** ذكرا كمثل تحرك الثعبان
ليزول منه أذى الكساد فينفق الـ***ـكلب العقور على ذكور الضان
فبقاؤه في الناس أعظم محنة*** من عسكر يعزى الى غازان
هذي بضاعة ضارب في الأرض يبـ***ـغي تاجرا يبتاع بالأثمان
وجد التجار جميعهم قد سافروا*** عن هذه البلدان والأوطان
الا الصعافقة الذين تكلفوا*** أن يتجروا فينا بلا أثمان
فهم الزبون لها فبالله ارحموا*** من بيعة من مفلس مديان
يا رب فارزقها بحقك تاجرا*** قد طاف بالآفاق والبلدان
ما كل كنقوش لديه أصفر*** ذهبا يراه خالص العقيان
وكذا الزجاج ودرة الغواص في*** تمييزه ما إن هما مثلان

فصل
في توجه أهل السنة الى رب العالمين
أن ينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين

هذا ونصر الدين فرض لازم*** لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وأما باللسان فان عجز***ت فبالتوجه والدعاء بحنان
ما بعد ذا والله للايمان حبـ***ـة خردل يا ناصر الايمان
بحياة وجهك خير مسئول به*** وبنور وجهك يا عظيم الشان
وبحق نعمتك التي أوليتها*** من غير ما عوض ولا أثمان
وبحق رحمتك التي وسعت جميع الـ***ـخلق محسنهم كذاك الجاني
وبحق أسماء لك الحسنى معا***نيها نعوت المدح للرحمن
وبحق حمدك وهو حمد واسع الـ***أكوان بل أضعاف ذي الأكوان
وبأنك الله الاله الحق معـ***ـبود الورى متقدس عن ثان
بل كل معبود سواك فباطل*** من دون عرشك للثرى التحتاني
وبك المعاذ ولا ملاذ سواك أنـ***ـت غياث كل ملدد لهفان
من ذاك للمضطر يسمعه سوا***ك يجيب دعوته مع العصيان
انّا توجهنا اليك لحاجة*** ترضيك طالبها أحق معان
فاجعل قضاها بعض أنعمك التي*** سبغت علينا منك كل زمان


انصر كتابك والرسول ودينك الـ***ـعالي الذي أنزلت بالبرهان
واخترته دينا لنفسك واصطفيـ***ـت مقيمه من أمة الانسان
ورضيته دينا لمن ترضاه من*** هذا الورى هو قيم الأديان
وأقر عين رسولك المبعوث بالـ***ـدين الحنيف بنصره المتدان
وانصره بالنصر العزيز كمثل ما*** قد كنت تنصره بكل زمان
يا رب وانصر خير حزبينا على*** حزب الضلال وعسكر الشيطان
يا رب واجعل شر حزبينا فدى*** لخيارهم ولعسكر القرآن
يا رب واجعل حزبك المنصور أهـ***ـل تراحم وتواصل وتدان
يا رب وارحمهم من البدع التي*** قد أحدثت في الدين كل زمان
يا رب جنبهم طرائقها التي*** تفضي بسالكها الى النيران
يا رب واهدهم بنور الوحي كي*** يصلوا اليك فيظفروا بجنان
يا رب كن لهم وليا ناصرا*** واحفظهم من فتنة الفتان
وانصرهم يا رب بالحق الذي*** أنزلته يا منزل القرآن

يا رب هم الغرباء قد*** لجأوا اليك وأنت ذو الاحسان
يا رب قد عادوا لأجلك كل*** هذا الخلق الا صادق الايمان
قد فارقوهم فيك أحوج ما هم*** دنيا اليهم في رضا الرحمنفصل
في أن الجنة قيعان وأن غراسها الكلام الطيب والعمل الصالح


أوما سمعت بأنها القيعان فاغـ***ـرس ما تشاء بذا الزمان الفاني
وغراسها التسبيح والتكبير والتـ***ـحميد والتوحيد للرحمن
تبار لتارك غرسه ماذا الذي*** قد فاته من مدة الامكان
يا من يقر بذا ولا يسعى له*** بالله قل لي كيف يجتمعان
أرأيت لو عطلت أرضك من غرا***س ما الذي تجني من البستان
وكذاك لو عطلتها من بذرها*** ترجو المغل يكون كالكيمان
ما قال رب العالمين وعبده*** هذا فراجع مقتضى القرآن
وتأمل الباء التي قد عينت*** سبب الفلاح لحكمة الفرقان
وأظن باء النفي قد غرتك في*** ذاك الحديث أتى به الشيخان
لن يدخل الجنات أصلا كادح*** بالسعي منه ولو على الأجفان
والله ما بين النصوص تعارض*** والكل مصدرها عن الرحمن
لكنّ بالاثبات للتسبيب والـ***ـباء التي للنفي بالأثمان
والفرق بينهما ففرق ظاهر*** يدريه ذو حظ من العرفان

فصل
في اقامة المأتم على المتخلفينوعن رفقة السابقيت

بالله ما عذر امرئ هو مؤمن*** حقا بهذا ليس باليقظان
بل قلبه في رقدة فاذا استفا***ق فلبسه هو حلة الكسلان
تالله لو شاقتك جنات النعيـ***ـم طلبتها بنفائس الأثمان
وسعيت جهدك في وصال نواعم*** وكواعب بيض الوجوه حسان
جليت عليك عرائس والله لو*** تجلى على صخر من الصوان
رقت حواشيه وعاد لوقته*** ينهال مثل نقى من الكثبان
لكن قلبك في القساوة جاز حد*** الصخرة والحصباء في أشجان
لو هزك الشوق المقيم وكنت ذا*** حس لما استبدلت بالأهوان
أو صادفت منك الصفات حياة قلـ***ـب كنت ذا طلب لهذا الشان
خود تزف الى ضرير مقعد*** يا محنة الحسناء بالعميان
شمس لعنين تزف اليه ما*** ذا حلية العنين في الغشيان


يا سلعة الرحمن لست رخيصة*** بل انت غاليى على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها*** في الألف الا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها*** الا أولو التقوى مع الايمان
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد*** بين الأراذل سلفة الحيوان
يا سلعة الرحمن أين المشتري*** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب*** فالمهر قبل الموت ذو امكان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ***ـخطاب عنك وهم ذوو ايمان
يا سلعة الرحمن لولا أنها*** حجبت بكل مكاره الانسان
ما كان عنها قط من متخلف*** وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة*** ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمم التي تسمو الى*** رب العلى بمشيئة الرحمن


فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد*** راحاته يوم المعاد الثاني
واذا أبت ذا الشان نفسك فاتـ***ـهمها ثم راجع مطلع الايمان
فإذا رأيت الليل بعد وصبحه*** ما انشق عنه عمودة لأذان
والناس قد صلوا صلاة الصبح وانـ***ـتظروا طلوع الشمس قرب زمان
فاعلم بأن العين قد عميت فنا***شد ربك المعروف بالاحسان
واسأله ايمانا يباشر قلبك الـ***ـمحجوب عنه لتنظر العينان
واسأله نورا هاديا يهديك في*** طرق المسير اليه كل أوان
والله ما خوفي الذنوب فانها*** لعلى طريق العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من*** تحكيم هذا الوحي والقرآن
ورضا بآراء الرجال وخرصها*** لا كان ذاك بمنة الرحمن


فبأي وجه التقى ربي اذا*** أعرضت عن ذا الوحي طول زمان
وعزلته عمّا أريد لأجله*** عزلا حقيقيا بلا كتمان
صرّحت أن يقيننا لا يستفاد*** به وليس لديه من اتقان
أوليته هجرا وتأويلا وتحـ***ـريفا وتفويضا بلا برهان
وسعيت جهدي في عقوبة ممسك*** بعراه لا تقليد رأي فلان
يا معرضا عما يراد به وقد*** جد المسير فمنتهاه دان
جذلان يضحك آمنا متبخترا*** فكأنه قد نال عقد أمان
خلع السرور عليه أوفى حلة*** طردت جميع الهم والأحزان
يختال في حلل المسرة ناسيا*** ما بعدها من حلة الأكفان
ما سعيه الا لطيب العيش في الد***نيا ولو أفضى الى النيران
قد باع طيب العيش في دار النعيـ***ـم بذا الحطام المضمحل الفاني
اني أظنك لا تصدق كونه*** بالقرب بل ظن بلا ايقان
بل قد سمعت الناس قالوا جنة*** ايضا ونار بل لهم قولان
والوقف مذهبك الذي تختاره*** واذا انتهى الايمان للرجحان
أم تؤثر الأدنى عليه وقالت النـ***ـفس التي استعلت على الشيطان
أتبيع نقدا حاصلا بنسيئة*** بعد الممات وطي ذي الأكوان
لو أنه بنسيئة الدنيا لها*** ن الأمر لكن في معاد ثان
دع ما سمعت الناس قالوه وخذ*** ما قد رأيت مشاهدا بعيان


والله لو جالست نفسك خاليا*** وبحثتها بحثا بلا روغان
لرأيت هذا كامنا فيها ولو*** أمنت لألقته الى الآذان
هذا هو السر الذي من أجله اخـ***ـتارت عليه العاجل المتدان
نقد قد اشتدت اليه حاجة*** منها ولم يحصل لها بهوان
أتبيعه بنسيئة في غير هذي*** الدار بعد قيامة الأبدان
هذا وان جزمت بها قطعا ولـ***ـكن حظها في حيّز الامكان
ما ذاك قطعيا لها والحاصل الـ*** ـموجود مشهود برأي عيان
فتألفت من بين شهوتها وشبـ***ـهتها قياسات من البطلان
واستنجدت منها رضا بالعاجل الـ***أدنى على الموعود بعد زمان
وأتى من التأويل كل ملائم*** لمرادها يا رقة الايمان


وضعت الى شبهات أهل الشرك والـ***ـتعطيل مع نقص من العرفان
واستنقصت أهل الهدى ورأيتهم*** في الناس كلغرباء في البلدان
ورأت عقول الناس دائرة على*** جمع الحطام وخدمة السلطان
وعلى المليحة والمليح وعشرة الـ***أحباب والأصحاب والاخوان
فاستوعرت ترك الجميع ولم تجد*** عوضا تلذ به من الاحسان
فالقلب ليس يقر ألا في انا***ء فهو دون الجسم ذو جولان
يبغي له سكنا يلذ بقربه*** فتراه شبه الواله الحيران
فيحب هذا ثم يهوى غيره*** فيظل منتقلا مدى الأزمان
لو نال كل مليحة ورياسة*** لم يطئن وكان ذا دوران
بل لو ينال بأسرها الدنيا لما*** قرت بما قد ناله العينان
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى*** واختر لنفسك أحسن الانسان
فالقلب مضطر الى محبوبه الـ***أعلى فلا يغنيه حب ثان
وصلاحه وفلاحه ونعيمه*** تجريد هذا الحب للرحمن
فإذا تخلى منه أصبح حائرا*** ويعود في ذا الكون ذا هيمان

فصل
في زهد أهل العلم والايمان وإيثارهم الذهب الباقي على الخزف الفاني

لكن ذا الايمان يعلم أن هـ***ـذا كالظلال وكل هذا فان
كخيال طيف ما استتم زيارة*** الا وصبح رحيله بأذان
وسحابة طلعت بيوم صائف*** فالظل منسوخ بقرب زمان
وكزهرة وافى الربيع بحسنها*** او لامعا فكلاهما أخوان
أو كالسراب يلوح للظمآن في***وسط الهجير بمستوى القيعان
أو كالأماني طاب منها ذكرها*** بالقول واستحضارها بجنان
وهي الغرور رؤوس أموال المفا***ليس الألى اتجروا بلا أثمان
أو كالطعام يلذ عند مساغه***لكن عقباه كما تجدان
هذا هو المثل الذي ضرب الرسو***ل لها وذا في غاية التبيان


وإذا أردت ترى حقيقتها فخذ*** منه مثالا واحدا ذا شان
أدخل بجهدك أصبعا في أليم وانـ***ـظر ما تعلقه اذا بعيان
هذا هو الدنيا كذا قال الرسو***ل ممثلا والحق ذو تبيان
وكذاك مثلها بظل الدوح في*** وقت الحرور لقائل الركبان
هذا ولو عدلت جناح بعوضة*** عند الاله الحق في الميزان
لم يسق منها كافرا من شربة*** ماء وكان الحق بالحرمان
تالله ما عقل امرئ قد باع ما*** يبقى بما هو مضمحل فان
هذا ويفتي ثم يقضي حاكما*** بالحجر من سفه لذا الانسان
اذ باع شيئا قدره فوق الذي*** يعتاضه من هذه الأثمان
فمن السفيه حقيقة ان كنت ذا*** عقل واكن العقل للسكران
والله لو أن القلوب شهدن منـ***ـا كان شأن غير هذا الشأن
نفس من الأنفاس هذا العيش ان*** قسناه بالعيش الطويل الثاني
يا خسة الشركاء مع عدم الوفا***ء وطول جفوتها من الهجران
هل فيك معتبر فيسلو عاشق*** بمصارع العشاق كل زمان
لكن على تلك لعيون غشاوة*** وعلى القلوب أكنة النسيان


أخو البصائر حاضر متيقظ*** متفرد عن زمرة العميان
يسمو الى ذاك الرفيق الأرفع الأ***على وخلى اللعب للصبيان
الناس كلهم فصبيان وان*** بلغوا سوى الأفراد والوحدان
اذا ما رأى ما يشتهيه قال مو***عدك الجنان وجد في الأثمان
اذا أبت الا الجماح أعاضها*** بالعلم بعد حقائق الايمان
يرى من الخسران بيع الدائم الـ***ـباقي به يا ذلة الخسران
يرى مصارع أهله من حوله*** وقلوبهم كمراجل النيران
مسراتها هن الوقود فان خبت*** زادت سعيرا بالوقود الثاني
جاءوا فرادى مثل ما خلقوا بلا*** مال ولا أهل ولا اخوان
ما معهم شيء سوى الأعمال فهـ***ـي متاجر للنار أو لجنان
تسعى بهم أعمالهم سوقا الى الد***ارين سوق الخيل بالركبان
صبروا قليلا فاستراحوا دائما*** يا عزة التوفيق للانسان
حمدوا التقى عند الممات كذا السرى*** عند الصباح فحبذا الحمدان
وحدت بهم عزماتهم نحو العلى*** وسروا فما نزلوا الى نعمان
باعوا الذي يفنى من الخزف الخسيـ***ـي بدائم من خالص العقيان
رفعت لهم في السير اعلام السعا***دة والهدى يا ذلة الحيران
فتسابق الأقوام وابتدروا لها*** كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينا في الديار مخلف*** مع شكله يا خيبة الكسلان

فصل
في رغبة قائلها الى من يقف عليها من أهل العلم والايمان أن يتجرد الى الله
ويحكم عليها بما يوجبه الدليل والبرهان، فان رأى حقا قبله وحمد
الله عليه وإن رأى باطلا عرف به وأرت اليه

يا أيها القارئ لها اجلس مجلس الـ***ـحكم الأمين أتى له الخصمان
واحكم هداك الله حكما يشهد الـ***ـعقل الصريح به مع القرآن
واحبس لسانك برهة عن كفره*** حتى تعارضها بلا عدوان
فإذا فعلت فعنده أمثالها*** فنزال آخر دعوة الفرسان
فالكفر ليس سوى العناد ورد ما*** جاء الرسول به لقول فلان
فانظر لعلك هكذا دون الذي***قد قالها فتفوز بالخسران
فالحق شمس والعيون نواظر*** لا تختفي الا على العميان
والقلب يعمى عن هداه مثل ما*** تعمى وأعظم هذه العينان


هذا وأني بعد ممتحن بأر***بعة وكلهم ذو أضغان
فظ غليظ جاهل متعلم*** ضخم العمامة واسع الأردان
متفيهف متضلع بالجهل ذو*** صلع وذو جلح من العرفان
مزجي البضاعة في العلوم وأنه*** زاج من الايهام والهذيان
يشكو الى الله الحقوق تظلما*** من جهله كشكاية الأبدان
من جاهل متطبب يفتي الورى*** ويحيل ذاك على قضا الرحمن
عجت فروج الخلق ثم دماؤهم*** وحقوقهم منه الى الديان
ما عنده علم سوى التكفير والتـ***ـبديع والتضليل والبهتان
فاذا تيقن أنه المغلوب عنـ***ـد تقابل الفرسان في الميدان
قال اشتكوه الى القضاة فانهم*** حكموا وألا أشكوه للسلطان
قولوا له هذا يحل الملك بل*** هذا يزيل الملك مثل فلان
فاعقره من قبل اشتداد الأمر منـ***ـه بقوة الاتباع والأعوان
واذا دعاكم للرسول وحكمه*** فادعوه كلكم لرأي فلان
واذا اجتمعتم في المجالس فالغو*** والغوا اذا ما احتج بالقرآن
واستنصروا بمحاضر وشهادة*** قد أصلحت بالرفق والاتقان
لا تسألوا الشهداء كيف تحملوا*** وبأي وقت بل بأي مكان
وارفوا شهادتهم ومشوا حالها*** بل أصلحوها غاية الامكان
واذا هم شهدوا فزكوهم ولا*** تصغوا لقول الجارح الطعان
قولوا العدالة منهم قطيعة*** لسنا نعارضها بقول فلان
ثبتت على الحكام بل حكموا بها*** فالطعن فيها ليس ذا امكان
من جاء يقدح فيهم فليتخذ***ظهرا كمثل جدارة الصوان
واذا هو استعدادهم فجوابكم*** أتردها بعداوة الديان

فصل
في حال العدو الثاني

أو حاسد قد بات يغلي صدره*** بعداوتي كالمرجل الملآن
لو قلت هذا البحر قال مكذبا*** هذا السراب يكون بالقيعان
أو قلت هذي الشمس قال مباهتا*** الشمس لم تطلع الى ذا الآن
أو قلت قال الله قال رسوله*** غضب الخبيث وجاء بالكتمان
أو حرف القرآن عن موضوعه*** تحريف كذاب على القرآن
صال النصوص عليه فهو بدفعها*** متوكل بالدأب والديان
فكلامه في النص عند خلافه*** من باب دفع الصائل الطعان
فالقصد دفع النص عن مدلوله*** كيلا يصول اذا التقى الزحفان

فصل
في حال العدو الثالث

والثالثل الأعمى المقلد ذينك الر***جلين قائد زمرة العميان
فاللعن والتكفير والتبديع والتـ***ـضليل والتفسيق بالعدوان
فاذا هم سألوه مستندا له***قال اسمعوا ما قاله الرجلان

فصل
في حال العدو الرابع

هذا ورابعهم وليس بكلبهم***حاشا الكلاب الآكلي الأنتان
خنزير طبع في خليقة ناطق*** متسوف بالكذب والبهتان
كالكلب يتبعهم يشمشم أعظما*** يرمونها والقوم للحمان
يتفكهون بها رخيصا سعرها*** ميتا بلا عوض ولا أثمان
هو فضلة في الناس لا علم ولا*** دين ولا تمكين ذي سلطان
فإذا رأى شرا تحرك يبتغي*** ذكرا كمثل تحرك الثعبان
ليزول منه أذى الكساد فينفق الـ***ـكلب العقور على ذكور الضان
فبقاؤه في الناس أعظم محنة*** من عسكر يعزى الى غازان
هذي بضاعة ضارب في الأرض يبـ***ـغي تاجرا يبتاع بالأثمان
وجد التجار جميعهم قد سافروا*** عن هذه البلدان والأوطان
الا الصعافقة الذين تكلفوا*** أن يتجروا فينا بلا أثمان
فهم الزبون لها فبالله ارحموا*** من بيعة من مفلس مديان
يا رب فارزقها بحقك تاجرا*** قد طاف بالآفاق والبلدان
ما كل كنقوش لديه أصفر*** ذهبا يراه خالص العقيان
وكذا الزجاج ودرة الغواص في*** تمييزه ما إن هما مثلان

فصل
في توجه أهل السنة الى رب العالمين
أن ينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين

هذا ونصر الدين فرض لازم*** لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وأما باللسان فان عجز***ت فبالتوجه والدعاء بحنان
ما بعد ذا والله للايمان حبـ***ـة خردل يا ناصر الايمان
بحياة وجهك خير مسئول به*** وبنور وجهك يا عظيم الشان
وبحق نعمتك التي أوليتها*** من غير ما عوض ولا أثمان
وبحق رحمتك التي وسعت جميع الـ***ـخلق محسنهم كذاك الجاني
وبحق أسماء لك الحسنى معا***نيها نعوت المدح للرحمن
وبحق حمدك وهو حمد واسع الـ***أكوان بل أضعاف ذي الأكوان
وبأنك الله الاله الحق معـ***ـبود الورى متقدس عن ثان
بل كل معبود سواك فباطل*** من دون عرشك للثرى التحتاني
وبك المعاذ ولا ملاذ سواك أنـ***ـت غياث كل ملدد لهفان
من ذاك للمضطر يسمعه سوا***ك يجيب دعوته مع العصيان
انّا توجهنا اليك لحاجة*** ترضيك طالبها أحق معان
فاجعل قضاها بعض أنعمك التي*** سبغت علينا منك كل زمان


انصر كتابك والرسول ودينك الـ***ـعالي الذي أنزلت بالبرهان
واخترته دينا لنفسك واصطفيـ***ـت مقيمه من أمة الانسان
ورضيته دينا لمن ترضاه من*** هذا الورى هو قيم الأديان
وأقر عين رسولك المبعوث بالـ***ـدين الحنيف بنصره المتدان
وانصره بالنصر العزيز كمثل ما*** قد كنت تنصره بكل زمان
يا رب وانصر خير حزبينا على*** حزب الضلال وعسكر الشيطان
يا رب واجعل شر حزبينا فدى*** لخيارهم ولعسكر القرآن
يا رب واجعل حزبك المنصور أهـ***ـل تراحم وتواصل وتدان
يا رب وارحمهم من البدع التي*** قد أحدثت في الدين كل زمان
يا رب جنبهم طرائقها التي*** تفضي بسالكها الى النيران
يا رب واهدهم بنور الوحي كي*** يصلوا اليك فيظفروا بجنان
يا رب كن لهم وليا ناصرا*** واحفظهم من فتنة الفتان
وانصرهم يا رب بالحق الذي*** أنزلته يا منزل القرآن

يا رب هم الغرباء قد*** لجأوا اليك وأنت ذو الاحسان
يا رب قد عادوا لأجلك كل*** هذا الخلق الا صادق الايمان
قد فارقوهم فيك أحوج ما هم*** دنيا اليهم في رضا الرحمن
ورضوا ولايتك التي من نالها*** نال الأمان ونال كل اماني
ورضوا بوحيك من سواه وما ار***تضوا بسواه من آراء ذي الهذيان
يا رب ثبتهم على الايمان واجـ***ـعلهم هداة التائه الحيران
وانصر على حزب النفاة عساكر الـ***إثبات أهل الحق والعرفان
وأقم لأهل السنة النبوية الـ***انصار وانصرهم بكل زمان
واجعلهم للمتقين أئمة*** وارزقهم صبرا مع الايقان
تهدي بأمرك لا بما قد أحدثوا*** ودعوا اليه الناس بالعدوان
وأعزهم بالحق وانصرهم به*** نصرا عزيزا أنت ذو السلطان
واغفر ذنوبهم وأصلح شأنهم*** فلأنت أهل العفو والغفران
ولك المحامد كلها حمدا كما*** يرضيك لا يفنى على الأزمان
ملك السموات العلى والأرض والـ*** ـموجود بعد ومنتهى الامكان
مما تشاء وراء ذلك كله*** حمدا بغير نهاية بزمان
وعلى رسولك أفضل الصلوات والتـ***ـسليم منك وأكمل الرضوان
وعلى صحابته جميعا والألى***تبعوهم من بعد بالاحسان


منقول للأمانة
les algeriennes toujour plus hauts