تعريف الاجتهاد لغة وشرعًا ..حكم الاجتهاد وأدلته..فيم يكون الاجتهاد ؟ ...متى وجد
02-03-2009, 07:01 AM
الاجتهاد للشيخ الفوزان حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وآله وصحبه . وبعد :

فهذا بحث حول موضوع الاجتهاد، قمت بتوفيق الله وإعانته بكتابة ما تيسر حول هذا الموضوع، مسترشدًا بأدلة الكتاب والسُّنَّة، وكلام أهل العلم، ويتلخص هذا البحث في النقاط التالية :

1 - تعريف الاجتهاد لغة وشرعًا .

2 - حكم الاجتهاد وأدلته .

3 - فيم يكون الاجتهاد ؟ .

4 - متى وجد الاجتهاد في هذه الأمة ؟ .

5 - شروط المجتهد وأنواع الاجتهاد .

6 - خطورة الاجتهاد .

7 - متى يكون المجتهد معذورًا ؟ .

8 - اجتهاد العامي .

9 - تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان .

10 - خاتمة في حكم الاجتهاد في هذا الزمان وهو ما يعبّر عنه بفتح باب الاجتهاد .

كثيرًا ما نسمع دعوات تطالب بفتح باب الاجتهاد، ومن المعلوم أن ديننا كامل وشامل لكل متطلبات الحياة . قال الله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي .

وقال تعالى : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ .

وقد استنبط علماؤنا الأوائل من هذا الكتاب العلم الغزير الذي غطّى حاجتهم، ومهّدوا منه القواعد العلمية التي يسترشد بها من جاء بعدهم، ولا يزال القرآن يشتمل على بيان حكم كل نازلة إلى يوم القيامة، وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسره وتبينه، وبالرجوع إليها وتدبّرها نحصل على العلم الغزير، والفقه الكثير لأنها وحي من عند الله : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى .

وهكذا بعلم الكتاب والسّنَّة تحلّ المشكلات، وتحصل الهداية التّامّة، وصدق الله العظيم : فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى .

نسأل الله أن يمنّ علينا بالعلم النافع، والعمل الصالح، والتمسك بكتابه وسنَّة نبيه، وأن يتوفانا مسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .


تعريف الاجتهاد
الاجتهاد لغة : بذل الوُسْع والمجهود - مأخوذ من الجهد وهو الطاقة - كما في قوله تعالى : وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ .

فهو في اللغة عبارة عن استفراغ الوسع في أي فعل كان [ " . وأما الاجتهاد في اصطلاح الأصوليين فهو : بذل المجهود في العلم بأحكام الشرع .

وبين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي عموم وخصوص، فالتعريف الاصطلاحي أخصّ من التعريف اللغوي - إذ التعريف اللغوي يعمّ بذل الوسع في تحصيل أي شيء يحتاج تحصيله إلى بذل وسع، أما التعريف الاصطلاحي فإنما يعني بذل الوسع في معرفة الحكم الشرعي خاصة .

أدلة الاجتهاد في الشريعة
الأصل في الاجتهاد قوله تعالى : يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ .

إذ من المعلوم أن الحكمين يجتهدان في الجزاء المناسب في الصيد الذي يقتله المحرم متعمدًا، وقوله تعالى : وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ .

داود وسليمان عليهما السلام حكما بالاجتهاد بدليل قوله تعالى في الآية التي تليها فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ .

ولو حكما بالنص لم يخص سليمان بالتفهيم، والدليل من السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم : إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فلهُ أجران [ الحديث رواه مسلم ( 12 / 13 ) ] .

فيم يكون الاجتهاد ؟
الأحكام التي تكون محلا للاجتهاد هي أحكام الفروع التي تستنبط من الأدلة التفصيلية، وهي أحكام الفقه، كتفاصيل العبادات والمعاملات والأنكحة والجنايات وأحكام الأطعمة .

أما أمور العقيدة فهي توقيفية ليست محلًا للاجتهاد وإنما يتوقف القول فيها على الدليل .


متى وجد الاجتهاد في هذه الأمة ؟
وأما وقت وجود الاجتهاد في هذه الأمة، فقد وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال معاذ رضي الله عنه : أجتهد رأيي [ من حديث رواه الترمذي ( 4 / 556 ) ، وأبو داود ( 9 / 509 ) ] .

وصوّبه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص في بعض القضايا : احكم، فقال : أجتهد وأنت حاضر ؟ فقال : نعم، إن أصبت فلك أجران، وإن أخطأت فلك أجر [ من حديث رواه الحاكم ( 4 / 88 ) ، وقال : صحيح الإسناد ] .

وفوّض صلى الله عليه وسلم، الحكم في بني قريظة إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه وصوّبه [ انظر " صحيح البخاري " ( 7 / 411 ) ] .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله وكان التبليغ عنه من عين تبليغ ألفاظه وما جاء به وتبليغ معانيه، وكان العلماء من أمّته منحصرين في قسمين :

أحدهما : حفّاظ الحديث وجهابذته والقادة الذين هم أئمة الأنام، وزوامل الإسلام، الذين حفظوا على الأمة معاقد الدين ومعاقله، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله، حتى ورد من سبقت له من الله الحسنى تلك المناهل صافية من الأدناس، لم تشبها الآراء تغييرًا، ووردوا فيها عينًا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا، وهم الذين قال فيهم الإمام أحمد بن حنبل في خطبته المشهورة في كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية : الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون في المتشابه من الكلام، ويخدعون جهّال الناس بما يشبّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين . اهـ كلام الإمام أحمد رحمه الله .

قال ابن القيم : القسم الثاني : فقهاء الإسلام، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء، بنص الكتاب . قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا .

قال عبد الله بن عباس في إحدى الروايتين عنه وجابر بن عبد الله والحسن البصري وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح والضحاك ومجاهد في إحدى الروايتين عنه : أولو الأمر هم العلماء، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، وقال أبو هريرة وابن عباس في الرواية الأخرى وزيد بن أسلم ، والسدّي ومقاتل : هم الأمراء، وهو الرواية الثانية عن أحمد . انتهى .

وهكذا نجد أن الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية قديم ومستمر في تاريخ الإسلام لأنه هو الفقه في الدين الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين [ رواه البخاري ( 1 / 164 ) مع " فتح الباري " ] .

وقال تعالى : فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ .

وعملًا بذلك أقبل علماء الإسلام على نصوص الكتاب والسنَّة فحفظوها، واستنبطوا منها الأحكام الشرعية، وفجروا منها ينابيع العلم، واجتهدوا في تطبيقها على النوازل، فكان من آثار هذا العمل الجليل تلك الأسفار الضخمة التي تزخر بها المكتبات الإسلامية، إنها كتب الفقه الإسلامي التي نعتز بها ونجد فيها حلولًا لمشكلاتنا، ونجد فيها أكبر عون على فهم الكتاب والسنَّة، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ووفّق الله الخلف للانتفاع بعلم السلف .

شروط الاجتهاد
أما شروط الاجتهاد، فإنه لما كانت مرتبة الاجتهاد واستنباط الأحكام مرتبة خطيرة لأن ذلك يتضمن الإخبار عن حكم الله، والاجتهاد عرضة للخطأ، وهذا يترتب عليه آثار سيئة على الأجيال اللاحقة بحيث تكون تلك الأخطاء الاجتهادية سببًا في ضلال من يأخذ بها، وفي ابتعاده عن الكتاب والسنَّة، لذلك صار منصب الاجتهاد منصبًا عاليًا لا يناله إلا من توافرت فيه المؤهلات العلمية .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله : ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد على العلم بما يبلّغ والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالمًا بما يبلغ صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلًا في أقواله وأفعاله، متشابه السّرِّ والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله . وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيَّات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات، فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعدّ له عدّته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب ! فقال تعالى : وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ .

وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفًا وجلالة، إذ يقول في كتابه : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ .

وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غدًا بين يدي الله . انتهى . ولما كان منصب الاجتهاد بهذه الخطورة . فقد وضع العلماء شروطًا لمن يتولى هذا المنصب، لأجل تلافي الأخطار الناجمة عن اجتهاد من لا تتوفر فيه تلك الشروط، واعتبار اجتهاده غير معترف به، ولا يجوز العمل به وهذه الشروط كما يلي

1 - إحاطة المجتهد بمدارك الأحكام المثمرة لها، من كتاب وسنَّة وإجماع واستصحاب وقياس، ومعرفة الراجح منها عند ظهور التعارض، وتقديم ما يجب تقديمه منها كتقديم النص على القياس .

2 - علمه بالناسخ والمنسوخ ومواضع الإجماع والاختلاف، ويكفيه أن يعلم أن ما يستدل به ليس منسوخًا، وأن المسألة لم ينعقد فيها إجماع من قبل .

3 - معرفته بالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والنص والظاهر والمؤول، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، والمحكم والمتشابه .

4 - معرفته بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث من أنواع الصحيح والحسن، والتمييز بين ذلك وبين الضعيف الذي لا يحتج به، وذلك بمعرفته بأسباب الضعف المعروفة في علم الحديث والأصول .

5 - أن يكون على علم بالنحو واللغة العربية يمكنه من فهم الكلام .

تلك أهم الشروط التي لا بد من توافرها في المجتهد، والعدالة ليست شرطًا في أصل الاجتهاد، وإنما هي شرط في قبول فتوى المجتهد، ولا يشترط كذلك حفظه لآيات الأحكام وأحاديثها، بل يكفي علمه بمواضعها في المصحف وكتب الحديث، ليراجعها عند الحاجة .
يتبع



قال الله عزوجل :وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .الآية رقم [126] من سورة [البقرة]
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "منْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا". أخرجه البخاري

فائدة من الاية والحديث أن إبراهيم عليه السلام أول مادعا الامن قبل الرزق والرسول صلى الله عليه وسلم بدا بالامن قبل الرزق ولو كان الرزق قليل يكفي يوم فكأنما حزيت له الدنيا
فهل من معتبر ؟
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن2 ; 02-03-2009 الساعة 07:07 AM