رد: فُصُولٌ مِن جُهُودِ الإبراهيمي في إصلاحِ شبَابِ الأُمَّةِ
25-05-2017, 10:15 AM
فُصُولٌ مِن جُهُودِ الإبراهيمي في إصلاحِ شبَابِ الأُمَّةِ
الجزء الثاني

أَيقَظَ الإِبراهِيمي الهِمَمَ، وقَرعَ الأَسمَاعَ، بكلِماتٍ تحمِلُ شَيئًا مِن الغِلظَةِ والـقَسوَةِ، أحيَانًا، لـكنها في حَقِيقَتِها مَـحبَّةٌ ورَحمَةٌ، فقد كان مُستَشعِرًا لبَلاءِ تقلِيدِ شبَابِ الإسلامِ للغَربِ ورَدَّه إلى الاستعدَادِ الذَّاتي لدَينَا، "كاستعدادِ المرِيضِ للمَوتِ"، و:"شُعورٍ بالنَّقصِ في أَنفُسِنا لبُعدِ عَهدِنا بالعِزَّةِ والكَرَامَةِ"، و:"لموتِ أشياءَ فينا تصَاحِبُ مُوتَها في العَادَةِ يَقظَةُ أَشياءٍ، ففَقدُ الإحسَاسِ بالوَاجِبِ: تَصحَبُه يَقظَةُ الشَّهواتِ الجسدِيةِ، ومُوتُ النَّخوَةِ –كما يقول- تصحَبُهُ سُرعَةُ التَّقلِيدِ وعادَةُ الخُضوعِ للغَالِبِ وسُرعَةُ التَّحلُّلِ والذُّوبَان".
وكان الإبراهيمي ذُو نَظرَةٍ ثَاقِبةٍ لعَلاقَةِ الغَربِ بنا، فهو يقول:
"إنَّ الغَربَ لا يُعطِينا إلا جُزءًا ممَّا يأخُذَه منَّا، ولا يُعطِينا إلا ما يَعُودُ علينا بالوبَالِ، وقد أعنَّاه على أَنفُسِنا، فأصبَحَ المهَاجِرُ منَّا إلى العِلمِ يَذهَبُ بعَقلِه الشَّرقي، فيَنبُذَه هناك كأنَّه عقَالٌ على رَأسِه، لا عَقلٌ في دِماغِه، ثمَّ يأتِينا يوم يَأتي بعَقلٍ غَربي، ومِنهم مَن يأتي بعَقلٍ غَربي ومعه امرَأَةٌ تحرُسُه أن يَزيغ!".[1]
ومـع كُلِّ الهِجماتِ وكثرَةِ الـعقَبَاتِ والـنكبَاتِ الـمُحِيطَةِ بالشَّبابِ والشَّاباتِ، إِلَّا أَنَّ الإِبراهيمي –رحمه الله- كان صاحِبَ هِمةٍ عَليَّةٍ ونَفسٍ زكيَّةٍ، أَبَت أَن تَذِلَّ أو تَهِن، أَو تَقنَطَ أو تَيأَس، فقَام بإنشَاءِ المعَاهِدِ الـدِّينيّةِ والمدَارِسِ الـتَّعليميَّةِ، فأَنشأَ ما يُسمّى بـ:(الـمعهِد البادِيسي)، والذي أُسِّسَ بـقَصدِ رَفعِ الأُميَّةِ التي اجتَاحَت البِلادَ، وحَرَفتِ الـشَّبابَ، فأَقبَلَ عليهِ الـشباب لـيَتعلَّمُوا مِنه، وينهَلُوا مِن مَعِينه، فكان كما قال المصلِحُ عن نفسه:
" لـيعلم أبناؤُنا -مُعلِّمو هذا الجيل- أنَّنا -ولا مِنَّةَ عليهم- مَهَّدنا لهم كَثِيرًا مِن العِقابِ، وذلَّلنا لهم كَثِيرًا مِن الصِعَابِ، وحلَلنا كَثِيرًا مِن العُقدِ الاجتمَاعِيةِ التي عَقدَها البُعدُ عن هدَايةِ الدِّينِ، والجَهلِ بحقَائِقِه، ووَطَّأنا لهم أكنَافَ النُّفوسِ المستَعصِيةِ عن العِلم، المستَعصِمةِ بالجَهلِ، فأَقبَلت على العِلمِ بعد أن كانت عنه مُعرِضَةٌ، وجَادَت في سَبيلِه بالمالِ بعد أن كانت به شَحِيحَةٌ، واستمَرأت القِراءَةَ، فآمَنَت بها وأَنِسَت، واستَوبَلت الأُمِّيَّةَ، فكفَرَت بها، واستوحَشَت مِنها، وعَرفَت القُرآنَ بعد أن هَجَرته وتَنَكرَّت له، وأَصبَحَت تَهتَزُّ لسمَاعِ لُغَةِ القُرآنِ اهتزَازَ النَّشوَةِ والطَّربِ، وفتَحنَا أذهَانَها على حقَائِقِ الإسلامِ، فأَدرَكَتها وجَدَّت في طَلَبِها بعد أن كانت تتَلهَّى عنها بقُشُورٍ تُسمِّيها الإسلامِ، ووَصلنَا ماضِيَها المشرِقِ بحَاضِرِها المظلِم،ِ لينعَكِسَ عليه إشرَاقُه بعد أن قطَعَت الصِّلةَ بينها وبينه بجَهلِها ورُعُونتِها، ووَجَّهنَاها إلى سعَادَةِ الحيَاةِ وشَرفِ الحيَاةِ وجِدِّ الحيَاةِ، بعد أن كانت قانِعَةً مِنها لهزلِها وسفَاسِفها وتوافِهِها، وكل ذلك مما يُعِينُ المعلِّمين لهذا الجيل، ويُخفِّفُ عنهم المشقَّةَ"[2].
لقد بادر الإِبراهيمي ورِفَاقُهُ في "جمعية العلماء" بإِيفَادِ الـشَّبابِ إِلى الـتَّعلُّمِ خَارجَ حُدُودِ الـجَزائِرَ، في كُبرَى الـمعَاهِدِ والمنَارَات، ففِي تعدَادِه للـمشَارِيعِ الـعِلميةِ التي حقَّقتها الـجَمعِيةُ: بعثَاتٌ إلى جامِع الزَّيتُونةِ في تُونس، وإلى جَامِعِ القَرويين بمدِينةِ فَاس مِن المغرب الأَقصى[3]، وكان هدف الإبراهيمي بذلك: إعداد جيل متمكن من العلم، متسلح بالإيمان، يقوم بواجبات الإصلاح والتغيير كما ينبغي: "إنَّ زمَانَكم بَطَلٌ، فقَاتِلُوه بالبُطُولَةِ لا بالبطَالَةِ؛ وإنَّ البَطَلَ هو الذي يتعَبُ، ليَستَريحَ غَيرُه!"[4].
وواجَهَ الإبراهيمي، ومَن معه في "جمعية العلماءالـخِلافَاتَ بين الأحزَابِ الـسِّيَاسيَّةِ الموجُودَةِ وَقتَها، فقد كانت تُهدِّدُ الـوَطَنَ وتجرُّ عليه ضغَائِنَ وأحقَادًا، وتَفرُّقًا وافتِرَاقًا بين أبنَاءِ الـدِّينِ الواحِدِ والـوَطنِ الوَاحِدِ، وقد حَكَى الإِبراهيمي براثِنَ هذا الـجُرحِ، وما أَعقَبَه مِن آلاَمٍ ونكبَاتٍ، فقال:
"إنَّنا لا نتَصوَّرُ كيف يخدِمُ السِّياسيُّ أُمَّتَه بتَقطِيعِ أوصَالِها، وشَتمِ رِجالِها، وتَسفِيه كُلِّ رَأيٍ إلَّا رَأيَه، ولا نتصوَّرُ أنَّ ممَّا تُخدَمُ به الأُمَّةُ: هذه الدروسُ العَالِيةُ(!!؟) في أسَاليبِ السَبِّ التي يُلقِّنُها بعضُ الأحزابِ لطَائفةٍ مِن شبَابِ الأُمَّةِ في معَاهِدَ المقَاهي والأَزِقَةِ!.
إِنَّ تربيَةَ الشُّبَانِ على الشَّتمِ والسبَابِ جَرِيمَةٌ لا تُغتَفرُ !"[5].
لذلك كان يَنصَحُ الشَّبابَ ويُحذِّرُهم مِن دعَاةِ تلك الأَحزَابِ البَعِيدَةِ عن دِينِهم وهَويَّتِهم، فيقُول:
"العِلمَ، العِلمَ، أَيُّها الشَّبابُ، لا يُلهِيكم عنه سِمسَارُ أحزَابٍ ينفُخُ في مِيزَابٍ، ولا دَاعِيةُ انتخَابٍ في المجَامِعِ صخَّابٌ، ولا يَلفِتنَّكم عنه معلِّلٌ بسَرابٍ، ولا حَاوٍ بجرَابٍ، ولا عَاوٍ في خَرابٍ يَأتَمُّ بغُرَابٍ، ولا يَفتِنَّنكم عنه مُنزَوٍ في خَنقَةٍ، ولا مُلتَوٍ في زَنقَةٍ، ولا جَالِسٌ في ساباط على بسَاطٍ، يُحاكِي فيكم سُنَّةَ اللهِ في الأسبَاطِ!، فكُلُّ وَاحِدٍ مِن هؤلاءِ مُشعوِذٌ خَلَّابٌ وسَاحِرٌ كذَّابٌ"[6].
وممَّا كان يَشغَلُ الإبراهيمي في إِعدَادِه وتَرتِيبِه داخِل مُجتَمعِه:" قَضِيةُ تَزوِيجِ الـشَّبابِ"، والـمَشَاكِلِ الـتي تَقِفُ عائِقًا بينهم وبين بُلوغِ هذا الـمُرادِ![7]، فقد كانت هناك عِدةُ مشَاكِل أَحَاطَت بالشَّبابِ، وتسَبَّبت في عُزُوفِهم عن هذه النِّعمَةِ العَظِيمةِ، وقد تَحدَّثَ الإِبراهيمي عنها، فقال:
" فإنَّ مِن بعضِ هذه المشَاكلِ ما لو تمَادَى وامتَدَّ: لأتَى بنيَانَ الأُمَّةِ مِن القَواعِدِ، وقَضى عليها بالمسخِ أَولًا، والتَّلاشي أَخيرًا!، أَعضَلُ هذه المشَاكِلِ، وأَعمَقُها أَثرًا في حيَاةِ الأُمَّةِ، وأَبعدُها تَأثِيرًا في تكوينِها: مُشكِلَةُ الزَّواج بالنِّسبَةِ إلى الشُّبَّان"[8].
وأعاد الإبراهيمي مشكلة عدم رغبةِ الـشباب في الزواج لأسباب عدَّة، منها:
- غلَاءُ الـمُهُورِ وتَعجِيزُ الشَّبابِ بالشُّروطِ، وقد تنَاولَ هذه القَضِيةَ، فأجَادَ فيها، وأَرشَدَ الطَّرَفَين لما فيه صَلاحُ الأِمرِ.[9]
- والـخَوفُ مِن الـمُستَقبَلِ الـمُترَتِّبِ على تكَاليفِ الزَّواجِ وتكثِيرِ الـنَّسلِ؛ والامتِناعُ بـدَاعِي عدمِ الزَّواجِ مِن الفتَاةِ الأُمِّيَّةِ!، وقد تحدَّثَ الإِبراهيمي عن هاتين الـعَقبَتين وسَببِ انتشَارِهما وتَفشِّيهما في الـمجتمعِ، وكيفيةِ الوِقايةِ منهما.[10]
لقد قدَّمَ الإبراهيمي فَلسَفَته للزَّواجِ للشَّبابِ بقوله:
" أَيُّها الشُّبَّان!، إنَّكم لا تخدِمُون وَطنَكم وأُمَّتَكم بأَشرَفِ مِن أن تتَزَوَّجُوا، فيُصبِحَ لكم عِرضٌ تدَافِعُون عنه، وزَوجَاتٌ تحَامُون عنهن، وأَولَادٌ يُوسِّعُون الآمَالَ، هنالك تتَدرَّبُون على المسؤُوليات، وتَشعُرون بها، وتَعظُمُ الحيَاةُ في أَعيُنِكم، وبذلك تزدَادُ القَوميَّةُ قُوَّةً في نُفُوسِكم.
إنَّ الزَّوجَةَ والأَولادَ حِبالٌ تَربطُ الوَطنيَّ بوَطنِه، وتَزيدُ في إيمَانِه، وإنَّ الإعرَاضَ عن الزَّواجِ: فِرارٌ مِن أَعظَمِ مَسؤُوليةٍ في الحيَاةِ، ولمـَن تُخدَمُ الأَوطَان: إذا لم يكن ذلك لحمَايةِ مَن على ظَهرِها مِن أَولادٍ وحُرُمٍ، ومِن في بَطنِها مِن رُفاتٍ ورِمَمٍ؟، قد كان أجدَادُكم العَربُ يضَعُون نساءَهم وذَرَارِيهم خَلفَ ظُهورِهم في ساعَةِ اللِّقَاءِ لئَلَّا يفِرُّوا، وهذا هو: الحفَاظُ"[11].