رد: أمــــراء الظــلام
15-02-2008, 07:00 AM
السلام .
موضوع جديد سنتناول فيه مسيرة أمراء الظلام رواد الحركة الإسلامو/صهيونية التي تفتك أعراض المغلوبين و تسفك دماء المسلمين ، وكيف إستطاعت هده الحركة من توزيع الأدوار فيما بينها وخلق جو من الإبهام و ستار يحجب الرؤية الواضحة في مسائل الدين الحنيف و بالتالي جر الشباب المسلم الى برك الدماء .
من الحركة الوهابية الى حركة الإخوان المسلمين بمصر و إنتشارها في أكثر من مائة دولة حتى التزاوج مع الوطنيين و الإشتراكيين بل حتى الإقتباس المخابراتي الأمريكي في أفغانستان و إيران في نهاية الثمانينات .
كل دلك ببعض الإعترافات التي أدلى بها أمراء الموت و أمراء الحياة الظلامية .
أخي العضو في هدا المنتدى نطلب منك الإصغاء و الجدل العلمي المستقى من الحياة المعاشة و الأفكار المستنبطة من شرع الله تعالى و سيرة رسوله -صلى الله عليه و سلم -
تاريخ الإرهاب
إن استخدام العنف أمر مرافق للبشرية منذ نشأتها وما قصة إبني آدم قابيل وهابيل إلا دليل أولي على ذلك. ثم إن القاعدة الأساسية التي كانت منذ بداية الحياة الأولي هي القاعدة المعروفة والتي مازال بريقها متألقاً وهي " البقاء للأقوى". ومع تطور الانسان ونزوعه الفطري إلى تكوين حياة اجتماعية ومدنية؛ ومع نشوء الحضارات ظهرت قواعد للسلوك تطلبت بعض القيود على القاعدة المتألقة دائماً. ومع ذلك ورغم وصول الانسان للفضاء وتطور اكتشافاته واختراعاته الرائعة إلا أننا نجد بأن القاعدة مستمرة ولكن مع ظهور قاعدة أخرى لا أقول تنافسها ولكن تكملها وهي " البقاء للأصلح". والأمر ليس مقصوراً على الأفراد أو الجماعات بل ينسحب على كل التنظيمات التي ابتدعها الانسان وفرضها التطور صعوداً إلى "الدولة" وإلى "المنظمات الدولية" مهما تعددت ميادينها، حتى أن بعض الدول – ولو أنها تقال بخوفٍ أو استحياء – تتحرك في الاطار الدولي أو الداخلي إرتكازاً على " القوة فوق الحق"( ). تتم ممارسة العنف بأشكال متنوعة يتوقف شكلها على الفاعلين والظروف والمجتمع والبيئة التي يمارس فيها العنف سواءً كان عنفاً مادياً أو معنوياً، ولأن العنف هو أحد أوجه السلوك الاجتماعي فإنه يتأثر في المجتمع ويؤثر فيه ، فالجرائم تتطور وتتغير تبعاً لتطور المجتمع وتغيره. ذبح البقر في الهند عند الهندوس جريمة، وذبحه عند المسلمين للغذاء وفي مجتمعات أخرى أكل لحوم البقر أكثر رقياً من أكل لحوم الضأن.

إن خطورة العنف الارهابي أيضاً خطورة متطورة ومتعاظمة إذ لم تكن لها في بدايتها –ولو أن في الأمر نسبيه- الهول الذي رأته بعض المجتمعات فاتسع نطاقه وتعددّت أشكاله مسخراً ما تفتق عنه العقل والقدرة البشرية من فكر ووسائل( ). وأصبح اللجوء إلى الارهاب في نظر البعض بديلاً للحروب التقليدية، ولدى البعض الآخر أكثر فاعليةً خاصةً إذا لم يكن في الحيلة غيره( ) وبما أن لكل فعل رد فعل، فهناك بالمقابل تطور موازٍ في سبل مكافحة هذه الآفة. ولو استفاق من قبره اليوم أحد عباقرة التاريخ مثل الاسكندر الكبير أو خالد بن الوليد، أو جنكيز خان، أو السلطان سليم أو نابليون لفرك الواحد منهم عينيه من هول الجبروت الذي امتلكه الانسان المعاصر؛ ولا بد أن عَجَبَهُم سيكون أشبه بالجنون فلا يصدِّقون مثلاً سقوط الاتحاد السوفيتي المدجج من أخمص قدمه إلى قمة رأسه بجميع أنواع الأسلحة غير التقليدية الفتاكة التي تكفي للقضاء على الكرة الأرضية أربع مرات، الذي خر مستجدياً ذليلاً على يديه وجبينه- وكما يقول الأردنيون حافي القدمين دارعاً عقاله برقبته( ).

كما ولا يصدقون مثلاً بزوغ قوى لا تملك أي سلاح محكوم عليها نتيجة هزيمتها في الحرب العالمية الثانية بأن تبقى منزوعة السلاح مثل ألمانيا واليابان( ). كما ولن يصدقوا " شعبطة" قوى لا تمتلك شيئاً إلى قمة مسرح العمليات تفتك بدون هوادة بأقوى قوى العالم تُمَرِّغُ أنفها في التراب( ).

كان الاتحاد السوفيتي السابق قوةً عظمى لا بل كان أحد القطبين العالميين في النظام الدولي السابق المنتهي سنة 1990. وكأي قوة عظمى فهو مضطر أو أسير لمحددات الجغرافيا والقانون الدولي والداخلي، والحال الاقتصادي، والايديولوجيا، والتوازن السياسي، والظروف السياسية. إذا كانت هذه القوة القطبية الثانية السابقة قد انحلت؛ فالقوة البديلة أو التي صعدت إلى "القطبية الثانية" هي" القوة الإرهابية" التي هي عبارة عن فدرالية إرهاب فيها من كل انحاء العالم ربما أبرزها على السطح أو القسم الذي يطفو على سطح الماء من ذلك الجبل الجليدي والتي عن قصد تم إبرازها والتركيز على هذا الأبراز ألا وهي "القاعدة لأبن لادن". هذه القطبية الارهابية لا قيود عليها لا بل متحررة من أي قيد أو محددات الأمر الذي يجعل منها الأخطر أو ربما الأقوى من أية دولة عظمى. وما العمليات التي حدثت في نيويورك وأندونيسيا وغيرها إلا بمثابة " لعب أطفال" قياساً لما يمكن أن يتفجر خاصة بعد سقوط العراق ومن يدري من بعد العراق-( ). ربما أن هناك مستقراً في الذهن لمقولة "كبلنج" الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا "التي شكلت مرجعية حقيقية في التاريخ وصارت متأصلة في الغرب أكثر من الشرق( ).

إن القيام بعمل يسبب إرهاب الآخرين قديم قدم التاريخ المكتوب ومن أقدم الأمثلة على ذلك الحركة الارهابية اليهودية في القدس المسماة "السيكاريون" وهم طائفة دينية على درجة عالية من التنظيم لعبت دوراً فعالاً في العمليات الارهابية "للزيلوت" في فلسطين في القرن الأول للميلاد بين سنة 66-73م إذ اتبعت أسلوباً جديداً خارجاً عن التقاليد والعرف فكانت تهاجم أهدافها في وضح النهار وفي مناسبات الأعياد وحيث يكثر الحشد الجماهيري في مدينة القدس مستخدمة سلاحها المفضل الذي هو سيف قصير يخفيه " السيكاري" تحت سترته( ). إن الارهاب ينحدر من جذور عتيقة أجداده في عصور غابرة.

ويحاول "لاكور" تشبيه السيكاريين Sigaris "بالحشاشين" من الطائفة الاسماعيلية رغم أن الحشاشين لم ينطلقوا من التعاليم الاسلامية، وعلى العكس من ذلك السيكاريون الذين انطلقوا من عقيدتهم الدينية اليهودية رغم عدم صلتها بالتوراة الحقيقية التي لم يعد يعرف عن أصلها شيٌْ بعد أن شوهها وما يزال يشوهها اليهود من رجال الدين مفضلين عليها فتاوي الحاخامات والتلمود والمزامير ( ). وكانت الأعمال الارهابية موضع ترحيب رجال الدين بل وتسامحهم ومباركتهم ولكن ذلك لم يفرز محاولات تؤسس على هذا التاريخ لوضع نظرية في الارهاب المسيحي أو اليهودي. ومن هنا لا يمكن لأي باحث جاد أن يقبل الاستنتاج الخاطئ بأن الاسلام دين ارهابي.

إن ذلك يدفع المرء للوقوف بقناعة وجرأة ليؤكد أن الارهاب لا دين له ولا وطن له ولا زمان له ولا جنسية له ولا شكل محدد له. كانت هناك جمعيات سرية تتبع أساليب مختلفة وأهداف مختلفة منذ عدة قرون في الصين والهند وفي البلاد الاسلامية وكذلك في أوروبا وأمريكا. ولكن الارهاب المنظم بدأ في القرن التاسع عشر – ولا داعي لاسقاط مفاهيم آنية على عصور غابرة – إذ شهدت المعمورة أعمال عنف متفرقة منظمة لها محركات عرقية أو عنصرية أو سياسية ترتكب في مواجهة أنظمة أو حكومات أو سيطرة أجنبية إستعمارية ( ).

إن قضية الصراع بين الخير والشر قضية أزلية منذ غادر الانسان جنته ونَزَلَ على الأرض مروراً بالتاريخ الانساني حتى يومنا هذا وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها( ).

إن موضوع الاغتيالات التي مورست عبر التاريخ وثيقة الصلة بالارهاب الذي نحن بصدده اليوم ، وتبقى عملية " اغتيال الطغاة " عملية معقدة في أصولها الاخلاقية والسياسية، وليس بالمقدور غفرانها أو شجبها تلقائياً وعلى الفور إذ لا يخفى على المتتبع للتسلسل التاريخي أنه قد مرت ظروف لم تتوفر وسائل أخرى للتغيير أو لمقاومة الطغيان إلا الدخول في عملية الاغتيال أو القتل.

قال أصحاب اعلان استقلال أمريكا عن " جورج الثالث" ملك انجلترا" لقد دمر بحارنا ودمر شواطئنا وحطم أرواح أهلنا" حينما لجأوا إلى الارهاب. وفي مثل هذه الحالات لم ينظر الأمريكيون إلى قتل الجنود الانجليز – أصحاب الستر الحمراء- والموالين على أنها جرائم ولكنهم اعتبروها أفعالاً وطنية( ).

ومنذ ما يقارب المئتي عام قام الأمريكيون بطرد وإبادة السكان الأصليين – الهنود الحمر- وفتح نصف المكسيك وتدمير منطقة الكاريبي وأمريكا الوسطى واحتلال هاييتي والفيلبين وقتل مائتي ألف فليبيني. وبعد الحرب العالمية الثانية وسع الأمريكيون سيطرتهم على العالم وقاموا دائماً بدور القاتل وكانت المعركة دائماً أيضاً خارج الأراضي الامريكية ( ).

والارهاب المعروف عبر التاريخ بأحداثه الكثيرة يؤكد أنه ليس معطياً جديداً من معطيات العصر الحاضر. فقد عرف التاريخ أحداثاً كبيرة – وإن لم تُسم إرهاباً في حين الحدث أو الحقبة ذاتها – يمكن تفسيرها بأثر رجعي وحسب المفهوم المعاصر للارهاب على أنها إرهاب ( ). وتكمن الصعوبة في أن الارهابيين قد ادعوا وعلى مر العصور أنهم ارتكبوا أعمالهم كمحررين يحاربون الاستبداد بما فيه من شراسة وأعمال قهر تفوق الوصف. وطبيعي أن أعمالهم هذه لم تكتسب الوصف الشرعي إلا بعد نجاحها فحسب. وكانت كل دولة لوحدها – وحسب أخلاقها – هي التي تضع معايير السلوك الذي يُبين اللائق من عدمه. والتاريخ يغص بالأمثلة التي ظهر فيها مرتكبو الإرهاب بأنهم محاربون من أجل الحرية. وبما أنهم نجحوا فالبعض منهم أصبح فيما بعد رئيساً للدولة، أما من فشل منهم فقد حفظ في الهامش مكفناً بأقذع الصفات، ومن يدري فقد ينبش تاريخهم من جديد ليمنحوا فيما بعد أوسمة البطولة( ).

ينحدر الارهاب تاريخياً من جذور عتيقة وهناك من يؤشر إلى أن فلسفة الالتجاء إلى الارهاب ومستلهماته في العالم اليوم قد تكون في النموذج السوفيتي المصمم بعناية وحذق، ولكن مثل هذه الاشارة تحتاج إلى تقليب أكثر لصفحات التاريخ.

إن الارهاب الموصوف بأقذع وأرذل الأوصاف في أيامنا هذه، كان في أعين " الثوريين في مطلع القرن التاسع عشر إيجابياً ويرون فيه رديفاً للعنف الثوري الذي قال عنه "كارل ماركس" إنه قاطرة التاريخ لقناعته بأن الطبقة الحاكمة لا تتخلى عن موقعها وامتيازاتها كما ولا تسمح بقيام نظام العدالة الانسانية الاشتراكية ؛ ولا طريق للاطاحة بها إلا بالعنف الذي يجب أن يبلغ درجة الارهاب". وقد ربط " تروتسكي" باعتزاز بين الارهاب والشيوعية في عنوان واحد من مؤلفاته المهمة الارهاب عنف. والعنف كان يعتبر ايجابياً في العصور الثورية لأنه موجه ضد فئات وقوى حاكمة تقوم هي نفسها باحتكار العنف وأدواته لأنها تمتلك سلطة الدولة القهرية القمعية كما تمتلك القدرات الاقتصادية والمواقع الاجتماعية اللازمة الضرورية التي تستخدمها ضد مواطنيها من القوى التقدمية.

وبعد انهيار القطب الذي قاد التيار المسمى ثورياً فأصبح الارهاب والعنف الذي كان آنذاك ظاهرة ايجابية، أصبح ظاهرةً "سلبية لا بد من التخلص منها سواءاً داخل الديار التي كانت اشتراكية أو خارجها في ديار العالم الحر إما لأنها أصبحت تمثل شكلاً من الخروج على القانون والنظام العام أو لأنها تنتهك احتكار السلطة للعنف. هذا إذا آمنا أن الارهاب هو فعل عنف تقوم به جهة غير رسمية أو بدون تكليف رسمي. وهذا يفضي إلى فهمين متضادين للارهاب: إما أنه عنف تقوم به جهة غير رسمية فهو إذن خروج على القانون يجب وقفه ومعاقبته، وإما أنه عنف تقوم به جهة رسمية فهو إذن عنف مشروع مغطى بقبول قانوني. إذن فكل عنف تمارسه جهات غير رسمية تقوم به خارج القانون هو إرهاب مهما كانت أغراضه ومسوغاته ؛ والارهابي هو كل شخص أو جهةٍ غير رسمية تستعد للقيام أو تقوم بأعمال عنف مخالفة للقانون ( ). وهذا فهم لا يحظى إلا بتفسير جهة واحدة فقط علماً بأن هناك جهات متعددة تتناقض تفسيراتها مع هذا التفسير رغم أنه يمثل حقبة تاريخية جزئية وليس كل الحقب وحتماً ليس كل التاريخ.

والارهاب شر في نظر ضحاياه المستهدفين، بينما أهدافه نبيلة في نظر ممارسيه لأنه الوسيلة السهلة لتحقيق قدر من توازن القوى عن طريق توازن الضرر ورفع الكلفة على القاهر والمحتل ( ). ولكن لا يفوتنا احترام الرأي الذي أبداه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وهو " ليس الارهاب كالكولسترول فيه الحميد وفيه الخبيث، لا بل كله خبيث"( ). كما ولا بد من احترام رأي غسان تويني الذي قال" ليس الارهاب عليَّ وعلى أعدائي يا رب، بل هو عليَّ وعليَّ فقط يارب"( ).

والحق أن العنف السياسي الذي هو دائماً من النوع غير المستساغ كان ملازماً للانسان طيلة العصور، فإذا كان اليوم يقوم الارهابيون باختطاف البشر كرهائن والاختطاف شكل من الأشكال المتعددة للإرهاب- ففي الماضي كانت قبائل " الأنكا" تستولي على أوثان القبائل الأخرى كرهائن تكبح فيها تمرد أهلها( ). وصور الشاعر الانجليزي الخالد " شكسبير" ، صور" بروتس" كصاحب مبادئ تحول إلى إرهابي عندما اشترك في اغتيال يوليوس قيصر. وذهبت مثلاً عبارة القيصر بعد تلقيه طعنة بروتس. " حتى أنت يا بروتس".

إن "روبن هود" و "وليم تل" وهما من أبطال الأساطير الفلوكلورية الذين شنوا -ببطولة محط الاعجاب- حربا ضد الطغاة، وأثبتا أن أصل الارهاب ينحدر من العهد الذي كان يمجد الثورة ضِدَّ الطغاة( ).

وبالامكان رد عمليات الاختطاف -من أجل الحصول على فدية- إلى القرن الثاني عشر عندما ألقي القبض على الملك البريطاني" ريتشارد قلب الأسد " كرهينة في احدى قلاع الرأين ولم يفرج عنه إلا بعد أن دفع رعاياه مبلغاً كبيراً لأسرة أرشيدوق النمسا والامبراطورية الرومانية المقدسة. وقد تم اختطاف البابا نفسه من روما في القرون الوسطى إلى مدينة "أفينون" في فرنسا وبقى مركز البابوية هناك ردحاً طويلاً من الزمن( ).

أصبح فيما بعد الأطفال هدفاً سهلاً ومستحباً للأختطاف ويسود الاعتقاد بأن أصل الكلمة الإنجليزية Kidnapping (وتعني اختطاف) جاءت من الفترة التي انتشرت فيها عمليات خطف الأطفال. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر كان الأطفال يختطفون ويباعون في سوق الرقيق للمستعمرات في نيوانجلاند. ولا تنسى تلك المرحلة للاستعمار الاسباني والبرتغالي التي كانت سفنهم فيها تجوب السواحل الافريقية تختطف البشر لتبيعهم في سوق العبيد.

وفي القرن الثاني عشر والثالث عشر كانت فريضة الاغتيال" تأتي انفاذاً للأوامر السلطانية للسلاطين العثمانيين للخلاص من المعارضين والمنشقين – وأغرب ما في الأمر اغتيال أشقاء ولي العهد قطعاً لدابر المنافسة والانشقاق – وبعد ذلك بستة قرون انغمس حتى أذنيه روبسبير وسان جوست في وحلٍ من رعب الاغتيال تترجرج أصداؤه عبر التاريخ في ثنايا ما خلّدته الثورة الفرنسية لسنة 1789.( ).

وفي العصور الأحدث أعاد الأرمن في القرن التاسع عشر اكتشاف فاعلية ارهاب خطف الرهائن، وظهرت فكرة التنظيم الارهابي السياسي في نفس الوقت في كل من الجمعيات السرية في ايطاليا واسبانيا ثم انتقلت إلى المانيا قبل أن يعرفها الروس.

ويستطيب بعض الباحثين الغربيين في الارهاب – وواضحة ميولهم وثقافتهم الصهيونية – أن يؤرخوا للارهاب بتلك العملية الارهابية التي قامت بها المنظمة الفلسطينية " أيلول الأسود" التي قامت فيها بقتل 11 رياضياً إسرائيلياً في دورة الالعاب الأولمبية التي جرت في ميونخ في ألمانيا في 5/9/1972 حتى يقروا في الأذهان إن العرب والمسلمين إرهابيون بل وإن الإسلام دين ارهابي. وقبل ذلك بأربعة أشهر أي في شهر أيار /1972 قتل 28 شخصاً في عملية اطلاق رصاص في مطار اللد في القدس من قبل حدثين يابانيين ينتميان إلى الألوية الحمراء اليابانية التي ونتيجة اتفاق بين المنظمات الارهابية قامت بالعملية لحساب منظمة أيلول الأسود .

وكان من نتيجة عملية ميونخ وعملية مطار اللد أن تحركت الضغوط الدولية بعد أن حُرِّكَتْ خيوط لُعَبِها – كخيوط مسرح العرائس- فطلب كورت فالدهايم إدراج بند في جدول أعمال الجمعية العامة في دورتها السابعة والعشرين تحت عنوان " تدابير منع الارهاب واشكال العنف الأخرى التي تعرض حياة الناس للخطر أو تقضي على حياة الأبرياء أو تعرض الحريات الأساسية للخطر( ).

ولا يخفى على أي باحث أن السبب الحقيقي وراء النوح " وتعفير الوجوه وشق الثياب" بسبب الارهاب اعتباراً من أيلول سنة 1972 – وليس قبله وليس بعده- لم يكن نتيجة أن عنف الارهاب لم يبدأ قبل ذلك التاريخ بل بسبب أن الضرب طال الحبيب أي طال ( ) المصالح الحيوية للقوي المهيمن على الساحة الدولية فأصبحت مصالحه تشكل هدفاً لخصومٍ بالذات بأن طالت أولاً الحليف الاستراتيجي إسرائيل " هذه هي الحقيقة السافرة الكامنة وراء الاهتمام المفاجئ بظاهرة الارهاب"( ).

ثم أخذ الاهتمام بمكافحة الارهاب يزداد بعد انتهاء الحرب الباردة وذوبان الاتحاد السوفيتي وانفراد أمريكا بالعالم كقوة عظمى ولوحدها. يضاف إلى ذلك تغول إسرائيل على العرب كقوة هائلة لا يطاولها آخر – رغم النق الفارغ من هنا وهناك- في ساحة الشرق الأوسط.

واعتمد هذان الأوحدان في مَحْقْ إرادة الآخرين على قواتهما " العسكخبارية" - أي العسكرية والاستخبارية- واحتكار أسلحة الدمار الشامل والتفوق التكنولوجي. كما آمن هذان الأوحدان أن مقتلهما يكمن في الارهاب الذي ليس لديه لا جيوش نظامية باسلحتها الجوية، كما لا تتوفر له أية ميزات عسكرية، ولا تكنولوجيا رقمية علمية. ليس لديه أي من تلك بل ولا يحتاج إليها. لديه فقط أشخاص على استعداد للموت من أجل تحقيق هدف أثمن من حياتهم." إنهم يريدون أن يجروا مع جثثهم المتفجرة جلاديهم إلى محكمة دار الآخرة بعد أن أغلقت في وجوههم كل محاكم الدنيا بعد أن سقط القانون الدولي.

إن أمريكا بمساندتها اللامحدودة لإسرائيل أصبحت مسؤولة معها عن انتشار الارهاب، وتبدد الحل السلمي، وبالتالي عن انتشار البيئة الصالحة لتفريخ الارهاب وتجنيد الارهابيين. وكم من زعيم عربي حاول تقديم النصح لأمريكا – من الأصدقاء الصدوقين لأمريكا – بأن حل القضية الفلسطينية على أسس عادلة هو السحر الذي يمحو الارهاب. " ولكن في الأذن طينة وفي الأخرى عجينة". ولا ينسى الباحث في التاريخ السياسي أن إسرائيل قامت بالارهاب، كما أن أمريكا – كما هي حال الكثير من الدول التي استقلت- حققت استقلالها بالعنف ، ولا يشكل ذلك مأخذاً عليها.

يجب أن تتركز الجهود على معالجة الأسباب السياسية والاقتصادية، والاجتماعية المحفزة للارهاب فالاحتلال العسكري وغياب العدالة وعدم احترام الشرعية الدولية جميعها عوامل تسهم في تعزيز الميول نحو التطرف والعنف الأمر الذي يجعل من إزالة هذه العوامل أمراً مهماً للسلام والأمن الدوليين( ).

وقد استخدم الارهاب على مر العصور وفي مختلف أنحاء العالم: في اليونان سنة 349 ق.م وفي روما سنة 37م والحقيقة أن لا مكان ولا زمان مخصص للإرهاب. إذ عرفته البشرية قرناً تلو قرن وورثته الأجيال من جيل إلى جيل. عرفته فئات تنتمي إلى الديانات القديمة والحضارات السابقة والفلسفات العتيقة، وقد غالى البعض فرأى أن " اخناتون" كان متطرفاً بمعايير زمانه حينما نادى بوحدانية الله خارجاً عن معتقد شعبه وعن العادات والتقاليد . والسفسطائيون في اليونان كانوا متطرفي عصرهم إذ كانوا بارعين في الدفاع عن وجهة النظر وعن نقيضها بنفس الوقت. وظهرت حركات متطرفة تنتمي إلى الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام ( ).

هناك من يعتقد أن الدقة في تحديد متى بدأ الارهاب ومَنْ يقوم به أمران مهمان لدفع التهمة بأن الارهاب إسلامي ( ). فالدقة في معرفة أكيدة لهوية الفاعل أمر ضروري فالعالم ينظر إلى الحدث من زاوية واحدة ( )؛ إذ لا يرى إرهاباً ما ترتكبه إسرائيل في الوطن المحتل بل يرى الارهاب في دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم. ولا يرى فيما تفعله أمريكا وحلفاؤها في افغانستان ارهاباً رغم الترويع الذي أصاب سكانها ليل نهار من الحمم الجوية المتتالية ؛ بل يرى الارهاب فيما يقوم به الطالبان والقاعدة. والمفارقة أنه حين كان المستهدف من المقاومة الاسلامية في افغانستان الاتحاد السوفيتي كان الفعل مشروعاً بل ومدعوماً كلياً من أمريكا وحلفائها. وحين أصبحت أمريكا هي الهدف صار ذات الفعل إرهاباً بغيضاً. لا نعتقد أن في ذلك عجباً فالإرهابي- ما دام أنها صفة للنذل الحقير المتوحش- هو الآخر ولستُ أنا ( ). ومصطلح الارهاب من المصطلحات التي تدل على الاهانة يستخدمها المُسَيْطِر المُهَدِد.‍‍ في القرن التاسع عشر كان الارهابي هو الشخص الذي يقوم بأعمال العنف ضد السلطة الرسمية. وللمصطلح استعمالات تقليدية وثورية وبراجماتية حسب مستعمله، وحسب من يقترفه أو من يئن تحت وطأته ( ).إن الغموض في المصطلح يُضَلَّلُ فهم كنه الارهابي والتهديد الذي يحدثه، فينزلق المصطلح وتزل قدمه ويبتعد عن الدقة، فالملاكمون يشتركون مع الإرهابيين في بعض الصفات.

" ظهر الارهاب الحقيقي على أيدي الاتحاد السوفيتي ضد الأطفال وضد الأبرياء في أفغانستان ، فترك المجاهدون العرب أعمالهم وأهلهم وعشيرتهم نصرةً لدين الله والمستضعفين من أبناء المسلمين. لذا لا يعقل أن يذهب هؤلاء اليوم لقتل الأبرياء كما يزعم الزاعمون. وحتى هذا التاريخ كانت أمريكا تؤيد كل من يجاهد وكل من يقاتل الروس فلما منّ الله على المجاهدين العرب أن ينصروا المستضعفين في فلسطين والأطفال الضعفاء غضبت أمريكا وقَلَبَتْ ظهر المجن لكل من قاتل في افغانتسان. إن الناس حتى وإن أصابهم بعض الظلم وبعض العدوان لا تستطيع أن تقتل الأطفال الأبرياء. وما عرف التاريخ أحداً يقتل الأطفال إلا نادراً وهو مذهب فرعون والله منَّ على بني إسرائيل إذ نجّاهم من فرعون. فتذبيح الأطفال أمر اشتهر به فرعون رأس الظلم والكفر, ولكن إسرائيل استعملت نفس الاسلوب ضد أبنائنا في فلسطين. والله بين أن النفس إذا بغت وقتلت النفس بغير حق فهذا أمر في غاية البشاعة والأبشع ( ) منه قتل الأطفال.

الجيل الثالث الارهابي:

وبما أن الانسان هو نتيجة بيئته ، فهو الان قلق جداً من الجو المخيم للارهاب المعاصر المسمى " عصر الجيل الثالث من الارهاب"، ذلك يعني أن هناك عصرين سبقا العصر الحالي. الكثير من شباب العصر – ومن بينهم ستفرز قيادات المستقل- يعيشون في المواقع المضطربة أو يتابعون أو يشاهدون أو يتأثرون بتلك المواقع، على سبيل المثال: منطقة الشرق الأوسط وليس فلسطين أو العراق فقط أو بيروت أو الرياض أو الدار البيضاء، وافغانستان، وكشمير واندونيسيا بل وأيضاً أوكلاهوما ونيويورك وواشنطن. من الأكيد أن أطفال فلسطين، والعراق ، وافغانستان وبيروت- في مرحلة الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عاماً في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي- وبلفاست لا يعرفون عالماً غير العالم المدجج بالسلاح والميليشيات وقاذفي القنابل والقناصة. أي أن حياتهم تتشكل في هذه البيئة ( ) فالعنف وليس غيره هو الذي يشكل حياتهم.

ولقد تسببت التجربة التي دخل فيها هؤلاء الأطفال في أن تعرفوا على الارهاب منذ أن تفتحت عيونهم على الحياة فظهر "الجيل الثالث من الارهابيين" الذي يتفوق على الجيلين الذين سبقاه في الشراسة وعدمية الحياة. ومن الأكيد أن العنف سيتصاعد عندما يصعد هؤلاء إلى مواقع القيادة. ولِيَتَلَمَّسَ كل مسؤول وفي أية بلد مجتمعة، إن إرهابيي القرن الواحد والعشرين هناك يحيون وموجودون حقيقة يتعرضون لهذه المؤثرات التكوينية التي تزرع فيهم العنف.

الارهاب ومراحل تاريخه:

يمكن تقسيم تاريخ الارهاب إلى المراحل التالية :

‌أ- المرحلة الموغلة في القدم من حيث ممارسة الانسان للعنف وكون العنف صفة ملازمة للانسان وسبق وتم ايراد أمثلة عديدة عليها؛ إنما تبقى ماثلة قصة ذلك القرصان الذي ألقي عليه القبض وجيء به أمام الاسكندر المكدوني صاحب الأمبراطورية الواسعة. فصاح في وجه الاسكندر محتجاً لأن محاسبة الارهابي البسيط مثله أمـر ممكـن وشرعي، ولكن لا يحاسب العظماء الكبار مثل الاسكندر رغم أنهم يتقرصنون ويذبحون ويستبيحون ولكن على مستوى أكبر، ولأن الصولجان في يدهم فلا يعتبرون خارجين على القانون.

‌ب- المرحلة الثانية في القرن التاسع عشر وفيها أعمال العنف التي وقعت في أوروبا وأمريكا الشمالية من قبل " الفوضويين " و " العدميين" و " القوميين". وكان أبرزها: اغتيال القيصر الروسي سنة 1881 الكسندر الثاني، واغتيال الارشيدوق فردناند/ ولي عهد إمبراطورية النمسا-المجر سنة 1914 إذ كان ذلك الاغتيال اشعالاً للحرب العالمية الأولى.

ظهر المتطرفون والخارجون على الاجماع في أوروبا في مجالات متعددة ؛ وكانت البدايات في جماعات السحر الأسود والهرطقة وتدفق النهر الأسود – يعني الارهاب- حتى بدأت موجات القرن التاسع عشر من الحركات " الفوضوية" و " العدمية" و "الشيوعية"، وهي عبارة عن حركات ذات طابع سياسي-أما في الأدب والفن فقد ظهرت " السيريالية( )" و "الوحشية "- تلاها بعد ذلك في القرن العشرين الحركات النازية والفاشية واليسارية والارهابية الدينية التي طغت واستشرت ردحاً طويلاً على مشاهد القرن.

وابتداء من أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين كان هناك تنظيمات "الجماعة الدولية"، العلم الأسود، وأبناء الطبيعة، وطليعة العمال، ومهما يكن، والأشغال الشاقة، والمتقززون، والمفلسون، والديناميت، وقلوب من حديد ، والفلاح الجائع وعديمو الأمل . وكان لكل تنظيم منها أطره وهي تنظيمات في معظمها متطرفة تَعَلَّمَ أعضاؤها الكيمياء كي يستطيع الواحد منهم أن يصنع بنفسه المتفجرات. وانتشرت فرق المتطرفين الفوضوين في معظم أنحاء العالم منطلقة من فرنسا إلى روسيا وإلى العواصم الأوروبية وإلى بعض الدول الآسيوية." وحدث في أواخر القرن التاسع عشر حالة من الرعب والفزع طالت الملوك والأمراء وكبار القوم كما طالت الجماهير أيضاً ( ).

وبلغت " العدمية" كمذهب متطرف أوج أَلَقِها في نهايات القرن التاسع عشر . إن أصول هذا المذهب العدمي قادمة من التطرف الديني الارثوذكسي إذ خُلِقَتْ ونمت في روسيا. كتب أحد المنتمين إلى هذا المذهب قائلاً" أية لذه أن تكره وطنك وأن تنتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة التي تتهدم فيها كل مقوماته" . وهذا المذهب يكره ويحتقر العلم والفن والكنيسة والدولة.

أما بالنسبة للمذهب السيريالي فهو أكثر المذاهب تطرفاً في تاريخ الأدب وارتكب اتباعه أعمالاً جنونية متطرفة. كان "سلفادور" أَحَدَ أَهَمِّ أركان ألسيريالية يدخل معارضه من النافذة أو بتكسير زجاج الباب الأمامي. ويصف الكاتب الشهير" البيركامو" المذهب السريالي:" إنها عدمية وتخريب منظم ، وعصيان دائم وعباده للسخف". والسريالية في بدايتها محاكمة لكل شيء ولا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد . وهناك تنظيم فني وأدبي آخر متطرف فَرَّخَتْهُ السيريالية في سويسرا واسمه "دادايزم" ضم العديد من الشعراء والفنانين.

وهناك عودة من جديد في أوروبا إلى النازية تحت إسم " النازيون الجدد" يتظاهرون ويحلمون بعودة النازي الجديد.

وغريب ظهور القس الكوري الذي أعلن موعداً للآخرة ويوم القيامة تاريخ 22/10/1992؛ فقام على الفور جمهور من أتباعه بلغ عددهم 160 شخصاً بالإنتحار إستعجالاً لصعودهم إلى السماء بدون إعاقة. وجاء الموعد ولم تقم القيامة فصار القس موضع انتقام أتباعه.

‌ج- المرحلة الثالثة التي بدأت إثر الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى معسكرين وإستشراء الحرب الباردة ومارس فيها الارهاب:

1- اليسار العلماني مثل جماعة "الوذرمن" في أمريكا، والجيش الأحمر في ألمانيا، والألوية الحمراء في ايطاليا، اللواء الغاصب في بريطانيا، الجيش الأحمر الياباني. مارست هذه التنظيمات التفجيرات ثم تخافتت في نهاية الثمانينات. وفي التسعينات إنبعث نشاط إرهابي يهدف إلى شل الحياة المدنية مثل طائفة " أوم شيزيكو" "الحقيقة المطلقة" التي نفثت الغازات السامة في نفق المترو في طوكيو سنة 1995، وبدأت المحكمة تنظر في قضية زعيمها الضرير في مايو /2003 ( ). وكذلك مثل عمليات التفجير في أوكلاهوما من قبل عناصر أمريكية يمينية سنة 1995 ما لبث أن صدر حكم بالموت على مرتكبها( ).

2- الأجهزة الرسمية أو غير الرسمية بفروعها المتشعبة التابعة للعملاقيين من ثورات وإنقلابات وغزوات.

3- ما وصفت بالأعمال الإرهابية المنسوبة إلى حركات المقاومة التي تناضل من أجل الاستقلال وحق تقرير المصير. وابرزها بدون شك المقاومة الفلسطينية. إن مقاومة هذه الحركات تقع في إطار المفهوم الارهابي في نظر الدول الاعظم.

4- مرحلة ما بعد الحرب الباردة إذ برز الارهاب على أرهب أشكاله وأنواعه فأصبح – بعد زوال القطب السوفييتي- هو القطب الأكثر انتشاراً وأثراً وربما قوة مما استدعى تمترساً عالمياً ضده.

5- ما سُمي "بالإرهاب الإسلامي" تخلل المرحلتين السابقتين إلى أن استقر الآن مُشَكِّلاً المرحلة الخامسة، ذلك ما هو مستقر في باطنية الذهن الغربي. ولا بد هنا من تبيان:

أولاً: إن العنف السياسي المستند إلى الدين ليس مقصوراً على الاسلام، بل استعان به اتباع المسيحية والهندوسية واليهودية والبوذية وجميع الملل الأخرى واستخدمه الذين يقفون ضد الدولة،كما استخدمته الدولة بدورها ضدهم. في الهند مثلاً تقوم مذابح ضد المسلمين يقوم بها اتباع الهندوسية بوسائل الدولة. كما أن إسرائيل غارقة حتى أذنيها في الإسناد الديني لإرهابها الذي قامت عليه الدولة؛ قال:" باروخ جولدشتاين" إنه انصاع لأوامر الله حينما قتل 29 فلسطينياً في الحرم الابراهيمي في الخليل سنة 1994. وفي إيرلندا استعان بالدين كل من البروتستانت والكاتوليك تبريراً لإرهابهم.

ثانياً: لا جدوى من تنسيب العنف إلى نصوص دينية فالعقيدة الدينية تجيز قراءتها بمعنى النزعة المسالمة والنزعة العنفية أيضاً كما أن في الأديان ما يسمى بالحرب العادلة، ويتوقف الأمر على التأويل والظرف والزمان.

ثالثاً: في حالة الإسلام هناك الحرب العادلة المشروعة في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق.

رابعاً: هناك إساءة استخدام مقصودة حين مقارنة الإرهاب بالإسلام تهدف إلى نزع الشرعية عن نضال المسلمين دفاعاً عن حقوقهم وإلى قصر النقاش في الإرهاب على الدولة الاسلامية وحدها.

أَكَدَّتْ هيئة كبار العلماء في السعودية بعد تفجير المجمعات السكنية في الرياض أن شريعة الإسلام تحرم الاعتداء على النفس والمال والعرض وذلك يشمل غير المسلمين أيضاً، كما تحرم قتل النفس المعصومة بغير حق( ). ويرى حاكم العراق الأمريكي " بول بريمر" أن الأصولية الاسلامية هي الخصم وليس المسلمون المعتدلون ( ) بالاضافة إلا أن هنري كيسنجر/ وزير خارجية أمريكا الأسبق اليهودي الديانة ومهندس اتفاقات كامب ديفيد ومنشئ سياسة "الخطوة خطوة" يصف حرب الحلف العالمي ضد الارهاب بأنها زادت من قدرة المعتدلين في العالم الاسلامي على استعادة دينهم من المتعصبين( ).

تاريخ الإرهاب في فرنسا

من حيث تفسير لفظة إرهاب، فقد بدأت بمعنى رعب في النفس سببه عمل شرير terreur، وليس في اللفظة ما يفيد بالنسبة للوسيلة التي يستخدمها الرعب ولا بالنسبة للهدف السياسي والاجتماعي. ولم ترد لفظة torrorisme ( إرهاب) في اللغة الفرنسية إلا أواخر القرن الثامن عشر بمعناها ذي المفهوم الجديد . صحيح أن terrorisme تنتمي إلى terreur بحكم " الاشتقاق" ولكن ليس " بالمعنى". فالأولى فيها " إرعاب" مجرد والثانية فيها " إرعاب" يعني الوسيلة والهدف وجوهره السياسة. والمشكلة ليست في غنى اللغة العربية، إنما تقع المشكلة في الثقافة والوعي السياسي للمترجم أو للمستخدم إما جهلاً وهو الأكثر وإما خبثاً وهو الأقل – ربما في زماننا الحاضر المرهوب أصبح فيه التوصيف بالخبث لا يكفي-ومرت العبارة الفرنسية بالمراحل التالية مرافقةً للتطور الفكري الذي اكتسب فيه "غطاءً" سياسياً واضحاً:

1- لم يكن لها مضمون سياسي في المرحلة الأولى.

2- أصبح لها " مضمون " سياسي مترجرج في مرحلة لاحقة.

3- وأخيراً أصبح فيها المعنى والمضمون السياسي حتى وتأدلجت نتيجة التطور في الفكر الاجتماعي والسياسي.

وبقيت المرادفة العربية نفسها لكل من terreur و terrorisme ولم تطلق عليهما مرادفتين عربيتين منفصلتين حتى الآن كما في اللغات الأجنبية الأخرى علماً بأنهما لفظتان مختلفتان جداً بالمعنى والمضمون؛ ولكل منهما صفات مستقلة وصلت حد التناقض في فترة معينة من تاريخ فرنسا ( ). ربما أن الأمر سيبقى كذلك إلى أن يتم حسم الوضع السياسي رغم المحاولات الجادة من الباحثين الذين اقترحوا المقابل– فقط أصحاب المرجعية الدينية الاسلامية – " كالحرابة" و "الارعاب" ( ).

وعلى العموم استقر المعنى في نهاية القرن التاسع عشر بعد اكتمال المعالم الموضوعية واتضح المعنى الاجتماعي السياسي. ومرت اللفظة في مخاضات عسيرة في جوف الثورة الفرنسية وفي جوف " الحركة الفوضوية" وكذلك في جوف " الحركة العدمية" إلى أن تبلورت عناصرها السياسية ومركباتها الثابتة كوسيلة عنيفة لهدف سياسي. ولكنها ما زالت " تغوي" الكثير من التنظيمات والدول بين متعفف ومتعرّي.

إن علاقة الثورة الفرنسية بالارهاب لم تقتصر على وصف الرهبة terreur من حيث عناصرها الأساسية باعتبارها حالة نفسية أو انفعالاً يسببه شر أو خطر بل على ممارستها عملياً وتطبيق مضمونها . فالثورة الفرنسية سنة 1789 قد استفادت واستغلت خصائص الرهبة ورفعت شأنها إلى مستوى أنها الوسيلة للحكم والمحافظة عليه. لقد أبرزت الثورة البعد الاجتماعي الذي تحمله الرهبة وأضافت إليها مهمة سياسية الأمر الذي انتهى إلى " توليد " عبارة terrorisme بمعنى إرهاب.

إن الغوص في الفلسفة التنويرية الفرنسية لن يتيح تلمس الارهاب لأن أثرها على النخبة كان في اتجاه آخر وهو ابتداع فكر جديد مرتكز على الايمان وبالعقل ودحض فكرة " السلطة الإلهية" والسنن الكنيسية، كما كان في اتجاه تنمية الروح النقدية. ولم يلاحظ عليها الدعوة إلى ممارسة الارهاب. الدعوة إليه اتضحت في فكر " اليعاقبة" الذي جاء في خطابات كل من " روبسبير" و"سان جوست" الرنانة وكتاباتهما الأخاذة، وفي محاضر لجنة السلامة العامة وإجراءاتها السياسية.

والصحيح أن صفحةً قد انطوت ، وصفحة جديدة قد انفتحت بعد أن سيطر اليعاقبة على الحكم وقيادة الثورة. وكان على الحكومة اليعقوبية مواجهة مهمتين في غاية الصعوبة والتعقيد:

• تأسيس الجمهورية على دعائم قوية.

• عودة النظام والأمن داخل البلاد.

وتتداخل هاتان المهمتان إلى المستوى الذي يستحيل فيه تحقيق واحدة إلا بتحقيق الأخرى. ولكي تسود الجمهورية لا بد أن يسود النظام والأمن. وتصدى لليعاقبة في تحقيق ذلك الملكيون والبرجوازيون أنصار النظام السابق بجميع الوسائل بالاضافة إلى العدو الخارجي المتربص من أجل عودة النظام السابق والمتأهب للهجوم عسكرياً على فرنسا. لم تكن " بروسيا" تخفي مطامعها فهي تحشد جيوشها لاحتلال فرنسا وتصفية الثورة، وكانت كل من النمسا وانجلترا تساعدان المهاجرين الفرنسيين أنصار النظام السابق وتساعدان أعداء الثورة في الداخل وتعلنان عداءهما للنظام الفرنسي الجديدة وتهددان بالحرب.

لذلك كانت حكومة اليعاقبة محصورة بين عدوين: الداخلي المكون من تحالف الملكيين والبرجوازيين، والخارجي المكون من تحالف الأنظمة الملكية المحيطة بفرنسا( ). فإذا دخلت الحكومة في حرب مع العدو الخارجي سَتُعرِّض أمنها الداخلي للخطر من ثورة مضادة ستستغل الفرصة لوجود الجيش الفرنسي على الحدود من أجل الاطاحة بنظام الحكم.

وإذا قامت الحكومة بتوجيه الجيش ليضبط الأمن الداخلي سينفتح المجال للخطر الخارجي ليقوم باحتلال فرنسا فيؤول النظام للسقوط.

لم يكن في قدرة الجيش الفرنسي مواجهة الاحتمالين في نفس الوقت، وكان على الحكومة أن تقوم بإجراءات استثنائية فرأت في الارهاب الوسيلة الممكنة والفعالة والسريعة لتحقيق مهمتها المزدوجة : قمع العدو الداخلي وفرض النظام بواسطة الارهاب ؛ وتسيير القوات العسكرية إلى مواجهة العدو دون تحسبات داخلية، وبذلك استطاع الارهاب أن يفتح الثغرة في الطريق المسدود بوجه الحكومة اليعقوبية( ).

يعتقد اليعاقبة بأن الحرية لا تقوم إلا بالجمهورية ليحيا المواطن بكرامة وعدل، وكل ما عدا الحرية فهو استعباد وموت. أصرّ اليعاقبة أن أرادتهم هي الحقيقة المطلقة ولا بد من تحقيقها وبدونها ستنهار الثورة.

"إن الإنسان الذي يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة هو إنسان شديد الخطر لأنه يرفض الحوار مع الآخرين ضارباً عرض الحائط إرادتهم وحقائقهم وعقائدهم، وعندما يختلط الحابل بالنابل وتنهار القيم حين القلاقل والأزمات، سيتطلَّب الأمر قيام مبادئ وقيم جديدة وحشوها بسرعة في المفهوم الاجتماعي فيُصبح لا مناص من استخدام العنف الفظيع الذي يصل إلى حد الارهاب ." ففي داخل كل إيديولوجي إرهابي ينتظر من يوقظه " ( ).

إن فترة الحكم المعروفة " بحكم الارهاب" في فرنسا هي بين 28/8/1792-27/7/1794 إذ أصبح فيها للإرهاب وقع سياسي للحاكم والمحكوم معاً وذلك عائد إلى:

أولاً: المرسوم الصادر بتاريخ 28/8/1792 الذي يجيز خرق حرمة المنازل من أجل نزع سلاح المشبوهين، وتم بموجبه اعتقال ثلاثة آلاف من أعداء الثورة.

وحتى 2/9/1792 كانت السجون الفرنسية تغص بالموقوفين، وتعرضت فرنسا للهجوم الخارجي الأمر الذي دعا المتطوعين أن يهبوا للدفاع عن فرنسا ولكن قبل ذلك كان لا بد من " حساب العدالة" مع أعداء الثورة في الداخل، فأنقضوا على السجون الباريسية وقضوا على جميع من فيها خوفاً من مساندتهم للعدو أثناء انشغال الثوار مع العدو الخارجي. وبعد ذلك قامت " لجنة المراقبة" في باريس بإبلاغ المدن الأخرى ما وقع في باريس قائلة " إن قسماً من المتآمرين المعتقلين قد تم إعدامهم على يد الشعب، إنه إجراء عادل وضروري من أجل السيطرة بواسطة الرهبة على آلاف الخونة المختبئين وراء جدران باريس ( ).

هذا الحدث بالذات كان البداية للإرهاب السياسي في تاريخ فرنسا ، وبعده "انفرطت المسبحة" وأخذت الأحداث تُدخل على مضمون الارهاب الطابع الرسمي والمؤسسي.

ثانياً: وبعد سنة من المجازر السابقة، جاء إلى باريس في 15/9/93 وفد من رؤساء المحافظات ومن بعض اليعاقبة ليشارك في جلسة المؤتمر الوطني فخطب رئيس الوفد/ محافظ باريس قائلاً " لقد حان وقت العدالة ليجز ساطورها الرؤوس، لقد حان وقت ترهيب المتآمرين؛ أيها المشرعون ضعوا الارهاب على جدول الأعمال، وسنوا سيف القانون على رقاب المجرمين"( ).

استجابت الحكومة لمطلب محافظ باريس وشكلت جيشاً ثورياً لتحقيق " عبارته " ضعوا الارهاب على جدول أعمالكم" مما يعني أن قادة الثورة قرروا فرض مبادئها السياسية بالقوة ملوحة بقهريات ليس أقلها القتل والتنكيل تحت ستار عدالة الشعب.

كان الارهاب وسيلة سريعة المفعول لدى اليعاقبة ثم أصبح نظام حكم للمؤسسة الرسمية وأجهزتها السياسية والعسكرية وبذا اقترنت الايديولوجية اليعقوبية بالارهاب ودوره في تسيير عجلة الحكم فهو الوسيلة الأصح لتأسيس الجمهورية( ).

أما بالنسبة للمقارنة بين الفكر اليعقوبي والفكر " الفوضوي". فإن ما ناضل من أجله اليعاقبة هو بناء الدولة على الشكل الذي أعجبهم، بينما الدولة عند الفوضويين لا بد من شطبها وشطب كل ما يمت لها بصلة . والفكر اليعقوبي أدى إلى ارهاب الدولة الذي تمارسه السلطة ضد المحكومين بينما الفكر الفوضوي أدى إلى الارهاب الذي يرتكبه المحكومون ضد الحكام وأجهزتهم، وعلى العموم فكلا الطرفين ارهابيان وكل على طريقته.

هذا وتم اطلاق التسمية "الإرهاب" على فترتين في الثورة الفرنسية"

• الارهاب الأول: من 10/8 إلى 20/9/1792 ، وكان بسبب تهديدات " بروسيا" باجتياح فرنسا، فتمَّ سن قوانين من أجل محاكمات سريعة . وبدأت مذابح أيلول وتم القاء القبض على " لويس السادس عشر ".

• الارهاب الثاني: من 5/9/1793 إلى 28/7/1794 الذي تلي القضاء على " الجيرونديين" من قبل " المونتنيارد" – أي الجبليين – وذلك من أجل ضمان الدفاع عن فرنسا ضد العدو الداخلي وضد العدو الخارجي. وتم في تلك الفترة اعتقال " نصف مليون من المشبوهين وتم قطع رأس أربعين ألفاً بالمقصلة. ووقع " الارهاب الكبير" في 10/6/1974 بقطع رأس "روبسبير" الذي قاد حكم الارهاب.

وعرفت فرنسا :

• " الإرهاب الأبيض" الأول – وهو اسم أطلق على الارهاب الذي مورس ضد القوى المعادية للثورة في أيار / حزيران سنة 1795 كعمليات انتقامية ضد أعوان روبسبير.

• الارهاب الأبيض الثاني – وهو الارهاب الذي وقع بعد معركة "واترلو" سنة 1815 ومورس ضد البونابارتيين والجمهوريين، وقام به أنصار الملكية في وسط فرنسا( ).

العدمية والفوضوية:

أما " العدمية" فهي حركة تنبع أصولها من " الفوضوية" ومن التيارات الاشتراكية الثورية وقد أطلقت هذه التسمية على الفوضويين في روسيا وهي تسمية أطلقها الشاعر " إيفا تورغينييف" على أحد أبطال روايته " آباء وبنون" سنة 1862 . والعدمية فلسفة تقوم على تحرير الذات من التقاليد والأعراف الموروثة ولا تعني العدم. والعدمي هو ذلك الارهابي المتمرد على الأعراف السائدة التي تحد من حريته مستعداً في سبيل ذلك حتى للتضحية بحياته. تبني الاشتراكيون الثوريون الروس العدمية نظرياً وعملياً توجهوا إلى الشارع يحثون الشعب على تأييدها الأمر الذي أدى إلى ارتكاب أعمال "إرهابية كانت ذات صدى وتأثير أعمق من ارهاب فوضويي أوروبا الذين انبهروا بها – مثل عملية اغتيال القيصر الكسندر الثاني- خاصة وأنهم كانوا يحلمون بالقنابل وبالاغتيالات وبالأعمال الباهرة والقادرة على سحق المجتمع البورجوازي( ).

يؤمن العدميون بأن العمل الارهابي قائم على تصفية رجال الحكم، لذا فقد تم التركيز على استعمال الارهاب كوسيلة سياسية للحط من هيبة وقدرة السلطة الرسمية ولاثارة الميول الثورية عند الشعب وتنمية اعتقاده بانتصار قضيته ولاعطاء المثل على النضال ضد السلطة . وقد جاء في البيان الصادر عن مؤتمرهم المنعقد في مدينة " ساراتوف" سنة 1893" إن الارهاب السياسي هو النهج الوحيد الذي يهيء لنا أوفر فرص النجاح "( ).

إن إرهاب الفوضويين إرهاب من الأسفل إلى الأعلى أي من الشعب نحو رأس الهرم السلطوي في موزاة مع الارهاب النازل من الأعلى إلى الأسفل. وهذان النموذجان الرئيسيان من الارهاب اللذان مازالا حتى اليوم في جدلية العلاقة بين السلطة الرسمية والمواطنين . وبين هذين النموذجين تصطف أشكال الارهاب على مدى التاريخ السياسي والاجتماعي. إرهاب السلطة لتثبيت الحكم ، وإرهاب مقابل لهدم الحكم.

أثبتت الثورة الفرنسية في أحد مراحلها وبَرهَنتْ جدوى الارهاب في تصميد السلطة، كما استولت الثورة البولشفية سنة 1917 على السلطة بعد أن لعب إرهاب الضعفاء ولمدة خمسين عاماً دوراً فعالاً في إهتراء النظام القيصري وفي خلق الظروف لانجاح الثورة.

وبما أن الركنين الأساسيين في الارهاب هما الركن السيكولوجي والركن السياسي؛ كان تأثير كل من العدمية والفوضوية واضحاً على الركن السياسي بأن أصبح الارهاب في ركنه السياسي يتضمن عنصرين أساسيين:

1- الارهاب نسق في الصراع السياسي يعتمد على وسيلة الرعب بهدف تغيير نظام سياسي.

2- يستخدم المحكومون هذا النسق بصورة غير قانونية ضد الحكام، كما يستخدم الحكام هذا النسق أيضاً ولكن بصورة قانونية ضد المحكومين ، إذن هناك إرهاب وهناك إرهاب مضاد.

أما من حيث تأثير الحركة الفوضوية والحركة العدمية فكان كماً واحداً إذ لم تشكل أي منهما مرحلة قائمة بذاتها فكانت إضافاتهما غير متباينة بل ساهمتا معاً في تاريخ الارهاب؛ فلا غرابة لأن مرجعيتهما الأيدويولوجية واحدة.

الموقف الرئيس " للفوضوية" هو الرفض المطلق " للسلطان" بمختلف أشكاله وتعبيراته وأشخاصه ومؤسساته ورفض القوى التي تسيطر على الانسان فرداً أو جماعة لتُملي عليه ارادتها وسلطتها. وترى الفوضوية أن كل تنظيم مُقَنِنْ يقيد حرية الفرد، وتحارب كل سلطة تقوم على الإكراه وتلغيها. إن الفوضوية من حيث المبدأ في مواجهة مع الدولة مفهوماً وواقعاً، وفي مواجهة مع حكم الدولة وسلطتها والاكراه الذي تمارسه ؛ بل وتعتبر كل دولة طغياناً فليس لها إلا هدف واحد وهو تقييد الفرد وتكبيله والحلول مكانه ؛ " وكل من يضع يده علي ليحكمني إنما هو مراب وطاغية لذلك فأنا أعلنه عدوي، " والدولة ليست إلا ذلك الشر الذي يجب استئصاله من حياة البشر والمجتمعات لأنه يسحق الحرية الفردية".

ولم يكتفِ " الفوضويون" بموقفهم هذا بالتهجم على الدولة الديمقراطية البرجوازية، بل وأيضاً تعداه إلى الدولة الاشتراكية الدكتاتورية وبعنف لا تقل حدته عـن الدولة الليبرالية . قال " باكونين":" إنني أكره الشيوعية لأنها نفي للحرية ولأنني لا أستطيع تصور أي شيء إنساني بدون حرية، ولأن الشيوعية تمتص كل قوى المجتمع وتركزها في الدولة، إنني أريد الغاء الدولة واقتلاع جذور مبدأ السلطة ووصاية الدولة، إن الدولة تحت ستار تشكيل الناس وتمدينهم قد استعبدتهم واستغلتهم واضطهدتهم. إنني أريد تنظيم المجتمع والملكية الجماعية من أسفل إلى أعلى عن طريق التداعي الحر وليس من أعلى إلى أسفل بواسطة أية سلطة كانت ( ). وما لبثت عملية الانفصال أن تمَّت بين الشيوعيين والفوضوية بانفصال ميشال باكونين عن كارل ماركس بعد المؤتمر الاشتراكي الذي انعقد في لاهاي سنة 1872.

تتوافق الفوضوية والشيوعية في العلاقة بين العمال وأرباب العمل، والنظام الطبقي في استغلال مالكي وسائل الإنتاج للعمال. ولكن الفوضوية ترفض جميع أنواع السلطة. فكان الخلاف بينهما قائماً على طبيعة العمل السياسي.

تاريخ الارهاب في روسيا

كان للثورة الروسية سنة 1917 أثر كبير على الحركات الثورية والفكر الثوري في القرن العشرين ليس لانبهار الآخرين بنجاحها فقط، بل لأن الوسائل والطرق السياسية والعسكرية التي استخدمتها صارت مثالاً لعدد من الشعوب لاستحضارها وتقليدها أملاً في انجاح مسعاها الثوري ، إن ما يهمنا هو الجزء المتعلق بالارهاب في الثورة البلشفية وقد عالجها زعيم الثورة وفيلسوفها " لينين" و " تروتسكي" بشكل خاص. وتم اتخاذ موقف جذري من الارهاب من حيث فائدته في العمل السياسي.

في المرحلة الأولى فيما يتعلق بعلاقة الثورة بالارهاب، فقد اعتبر لينين " ارهاب" الفوضويين سلاحاً تنصب أهميته على الأثر النفسي الذي يتركه لدى الأشخاص وليس على القضية التي يستخدم من أجلها. ولاحظ " لينين " وبعد عشرات السنين أن نجاح الارهاب" الفوضوي" كان في نطاق ضرب الأشخاص ولم ينجح في ضرب المؤسسات ؛ نجح في القضاء على أفراد رأسماليين وليس في القضاء على الرأسمالية القادرة على افراز بديل لأي فرد وفي الحال. نجح في اغتيال القيصر الكسندر الثاني، ووزير الداخلية " فون بليف"، و" الغراندوق" سيرج " ولكنه لم يسقط الحكم ولا السلطة.

لم يكن القيصر هدفاً للينين بل كان النظام القيصري هدفه وكذلك السياسة القيصرية ومؤسساتها ، كان هدفه النظام الرأسمالي ، وأهدافه هذه لا يمكن تحقيقها إلا بعمل دؤوب طويل النفس. وإذا لم يكن هناك شيء يخسره الفوضويون في ممارسة الارهاب الفردي، فإن لينين يرى فيه وسيلة " ترتد سلبياً على من يمارسه وتؤدي إلى عرقلة وتأخير تنظيم الجماهير ولهذا منع لينين إقتراف " الأخطاء المميتة".

وقام تروتسكي بدوره بإبراز هذا الموقف الماركسي نحو الارهاب الفردي " الفوضوي" واستنكر وجود أية فائدة في أن يُلقي الاغتيال الفردي الاضطراب أو الفوضى لدى الحاكمين( ). " وإذا كان التسلح بمسدس كافياً لإدراك الهدف فما الفائدة إذن من صراع الطبقات ؟ وإذا كانت حفنة من مسحوق البارود كافية لتفتيت رأس العدو فما الفائدة إذن من التنظيم الطبقي؟ وإذا كان تخويف أصحاب المقامات العليا ممكناً بفرقعة انفجار فما الفائدة إذن من الحزب. لذلك فإن الارهاب الفردي مرفوض من قبل الماركسية لأنه يحط من قدر الجماهير فيحبب إليها عجزها ويشد أنظارها ويوجه آمالها إلى المنتقم الكبير ذلك المحرر الذي تحلم بمقدمه ليتمم نيابة عنها عملها)( ).

وفي المرحلة الثانية وبعد الاحداث التي وقعت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر بدأ موقف لينين بتغيير اتجاه الارهاب إذ أصبح يرى فيه الايجابيات وبدأ يتعاطف معه ولكن دون الانغماس في محذوراته، وبعد " اليوم الأحمر" 22/1/1905 الذي قتل فيه جنود القيصر (500) قتيل وثلاثة آلاف جريح بالاضافة إلى النساء والأطفال، أصبح لينين مثل أساتذته من الارهابيين القدماء تأثراً باليوم الأحمر، ولم يكتف بالتعاطف مع الارهاب فحسب بل أصبح داعية بكل عزم للإرهاب، لا بل أصبح الارهاب بالنسبة له في تلك المرحلة الوسيلة الفريدة لتهيئة البيئة الملائمة للثورة ولتهيأة الثوار للمواجهة المنتظرة. وقد جاء في كتابه " من أين نبدأ"( ):

" من حيث المبدأ لم نرفض ولا يمكن أن نرفض الارهاب فهو شكل من أشكال الحرب يمكن أن يلائم أحد مراحل المعركة، لا بل ربما من المستحيل تغييبه عن بعض الظروف". وعلى نفس المنوال كانت آراء تروتسكي سنة 1902: " كانت مسألة الارهاب بالنسبة لنا ، نحن الثوريين الروس، مسألة حياة أو موت بالمعنى السياسي للكلمة وبالمعنى الشخصي والحرفي، لم يكن الارهابي بالنسبة لنا بطل رواية بل كان انساناً حياً وقريباً منا"( ).

فالارهاب الشيوعي في هذه المرحلة قبل سنة 1917 ليس مؤامرة تحيكها حفنة أفراد للقضاء على شخصية كريهة سياسية كانت أم عسكرية، وليس عملاً انتقامياً أو يائساً وليس حركة عُنْفٍ مهولة، الارهاب هو مدخل عمل الجيش الثوري إنه عمل مدروس وعمل كامل ينطلق من استراتيجية عسكرية وسياسية يرسمها الحزب الشيوعي ويطبقها في عمله النضالي. فالإرهاب ليس وسيلة منعزلة. ولم ينته الإرهاب السياسي الشيوعي بقيام ثورة البلاشفة بل استمر متخذاً وجوهاً عديدة يمكن وصفها باتجاهين:

1- لم يبق الإرهاب في إطار التكتيك بل أخذ أساساً عملياً لنظرية لينين في حرب الثوريين التي هي الوجه الآخر لحرب العصابات.

2- أصبح لإرهاب الدولة " في القرن العشرين جذور فكرية قام بوضعها لينين غير تلك الجذور المستمدة من الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر.

ومارس لينين الإرهاب في حكم الثورة بأن قامت السلطة بتأسيس الجهاز البوليسي المسمى " التشيكا" ومهمته المحافظة على الحكم ضد أعمال التخريب. كتب لينين سنة 1918 بعد أن تعرض هو وتروتسكي لمحاولات اغتيال؛ إلى قائد التشيكا في مدينة " بتروغراد " يجب تشجيع الاندماج الجماهيري والإرهاب الجماهيري ضد أعداء الثورة " فقامت بعد ذلك الجماهير في موسكو وبتروغراد بارتكاب مجازر مؤيدة للثورة- إنه عمل شبيه بما حصل في باريس إبان حكم اليعاقبة – كانت محصلتها قتل 800 شخص من الموقوفين في سجون بتروغراد وحدها( ). وصدر مرسوم عن مجلس السوفيت جاء فيه "إن ضمان الأمن بواسطة الإرهاب ضرورة قصوى".

وأحياناً اتخذ الإرهاب شكل الصراع الطبقي : فمن التوجيهات الصادرة للجهاز الأمني التشيكا " لا تبحثوا عن إثبات حتى تتأكدوا من وقوف سجينكم ضد السلطة، بل إسألوه عن الطبقة التي ينتمي اليها، ما هو أصله، مهنته، درجة ثقافته وعليها يتوقف مصيره وهذا هو جوهر معنى الإرهاب الأحمر "( ).

كما تبين فإن تاريخ الإرهاب طويل جداً شهد تطوراً معيناً في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. كان هدف العمليات الإرهابية غالباً وضع نهاية مميتة لقادة الدول فعلى سبيل المثال وكما ذكر سابقاً قام كل من " حيليابوف، وبيرونسكاياً بتكوين خلية صَفَّتْ القيصر الروسي الكسندر الثاني. واندلعت الحرب العالمية الأولى بعد أن صفي في "سراجيفو " الجراندوق النمساوي ولي العهد " فرانتس فرديناند". وفي مرسيليا 1934 صفي الملك اليوغسلافي " الكسندر الثاني ومعه وزير خارجية فرنسا " لويس بارتو".

وتواصلت الاغتيالات في النصف الثاني من القرن العشرين أيضاً فاغتال الباسك الانفصاليون الجنرال الإسباني "كاريو باركو"، وفي 1979 إغتال مقاتلو الجيش الجمهوري الإيرالندي اللورد "ماونتباتن". واغتيلت رئيسة وزراء الهند "انديراغاندي" 1984 على يد الإنفصاليين السيخ، واغتيل الرئيس المصري أنور السادات 1981 على يد الاسلامبولي، وفي 1951 اغتيل الملك عبد الله الأول/مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية في القدس على يد مصطفى شكري عشو، واغتيل وصفي التل رئيس وزراء الأردن 1973 في القاهرة على يد منظمة أيلول الأسود، و1960 اغتيل رئيس الوزراء الأردني هزاع المجالي بتفجير مكتبه، 1995 اغتال المتعصبون اليهود اسحق رابين : رئيس وزراء إسرائيل. لقد وسع الإرهاب دائرته في فترة الاغتيالات السابقة ولكنه بقي عموماً محصوراً في النطاق الداخلي ولم يخرج إلى الساحة الدولية فكان الإرهابيون يمارسون إرهابهم داخل بلدانهم.

تطور الأمر وخرج الإرهاب من النطاق الداخلي إلى النطاق الدولي – هذا إذا استثنينا ما يسمى إرهاب الدولة الذي امتدت أذرعه فشملت كل أنحاء العالم تبعاً لقوة دولته العسكرية والاستخبارية منذ زمان طويل – لقد بدأت الحركات السياسية المتطرفة والحركات الدينية أفعالها ضد المدنيين على نطاق دولي في النصف الثاني من القرن العشرين، وارتفعت حدة الأمر بعد أن اندمج الإرهاب بشكله الدولي مع بعض الدول وأجهزتها.

ثم بدأت حدة هذا الإندماج أو بالأحرى هذا النموذج لإرهاب الدولة بالإنخفاض في نهاية القرن العشرين مع بقاء مظاهر دعم الدولة لبعض الجماعات الإرهابية ولكنها ما لبثت أن استمرت بالإنحسار نتيجة( ) لإدارة اللاعبين الكبار على الساحة الدولية الذين خرجوا من الحرب الباردة وفي مقدمتهم أمريكا والبلدان الأوروبية وروسيا مستخدمة " الضغط" على الدول التي تؤيد أو تؤوي بعض المنظمات الإرهابية، ومستخدمة أيضاً أسلوب " بصيص النور" في نهاية النفق". وراهنت الولايات المتحدة بصورة رئيسية على الضغوط وفرض العقوبات وحتى استخدام القوة العسكرية، بينما كانت روسيا- كما يدافع بريماكوف – تدعو إلى اتخاذ موقف متوازن واستخدام التدابير السياسية، ووقفت موقفاً مشابهاً لروسيا بعض دول أعضاء الاتحاد الأوروبي. ونجحت تدابير هذه الدول وكان لها دور حاسمٌ في تحويل مواقف بعض الدول المتهمة بمساندتها للإرهاب: فمثلاً أوقفت ليبيا الدعم المالي لجماعات إرهابية وتدريب المسلحين في أراضيها وقطعت علاقاتها في النصف الثاني من التسعينات مع الألوية الحمراء الإيطالية والجيش الجمهوري الإيرلندي، وأبعدت من البلاد " منظمة أبو نضال" ، وقطعت العلاقات مع " جبهة التحرير القيادة العامة "، و " الجهاد الإسلامي الفلسطيني"، وأبعدت الأشخاص المشتبه بتورطهم بالإرهاب والعاملين ضد الأنظمة في مصر واليمن والأردن. أما في إيران في أعوام التسعينات فقد حدثت تحولات إيجابية أيضاً إذ تخلت بصورة رئيسية عن "تصدير" الثورة الإسلامية. وبعد سقوط العراق في أيار 2003 وبعد تفجيرات الرياض والدار البيضاء أصبحت إيران تتجه إلى محاكمة المتهمين من منظمة القاعدة، وقامت سوريا بترحيل المطلوبين من النظام العراقي من أراضيها، وتم إغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية المصنفة إرهابيةً تحت إعلان النبأ بأن هذه المنظمات قامت بإغلاق مكاتبها إرادياً. ويمكن القول إن الصلات قد ضَعُفَتْ بين الدولة والجماعات الإرهابية إنصياعاً لإرادة "اللاعبين" الكبار الأمر الذي شكل مرحلة جديدة في تاريخ الإرهاب . ولكن إلى أين تسير هذه المرحلة التاريخية الجديدة ؟

كانت عملية 11/9/2001 في أمريكا أكبر عملية إرهابية في التاريخ ( ) كشفت بما لا يترك مجالاً للشك عن وجود شكل جديد من الإرهاب أكثر خطورة من أي شكل من الإرهاب تم التعرف عليه سابقاً وهو : وجود منظمة مكتفية ذاتياً لا ترتبط بأية دولة( ) اقتحمت الميدان الدولي مرتكبة جرائم أودت بحياة الآلاف مرة واحدة( ) باعتبارها لاعباً جديداً على الساحة الدولية.

إذا كانت التحالفات بين الدول والتعاون أو الحروب أو المواجهة تشكل مسار الوضع الدولي وهيئته حتى وقت قريب جداً أو بالأصح حتى الآونة الأخيرة، فالأمر ليس كذلك الآن.( )

إن مثل هذه المنظمة السرية الجديدة لا بد وأنها قوية جداً ولديها دعم مالي كبير وتعمل بصورة مستقلة ذاتياً، إن عدم التساوق أفرز الجديد الذي يجد العالم نفسه غارقاً فيه. والمرحلة الأخيرة في المراحل التاريخية التي يمر بها العالم تحت وطأة الأرهاب هي المرحلة التي انقسم فيها العالم إلى كيانين متبلورين:

" كيان الإرهاب "، و يقابله " الضد". والعجيب أن فيروس " الإرهاب يسري في عروق الضد" مما يجعل الباحث في الإرهاب يصل في النهاية إلى طريق مسدود فيخبط رأسه في الحيط مرهوباً أو – وهذا للتندر- تصيبه العدوى فينقلب إلى إرهابي ، ألم تمر علينا في هذا البحث عبارة " إن في أعماق كل أيديولوجي إرهابي يغطُّ في النوم ينتظر من يوقظه "‍‍!.

الإرهاب في تاريخ العرب

بما أن العنف صفة ملازمة للبشر، وبما أن الإرهاب لا مكان لم يدخله ولا زمان لم ينتشر فيه، وبما أن الإرهاب لا دين له، فالعرب إذن كغيرهم من شعوب الأرض يمكن النبش في تاريخهم لمحاولة تَتَبُّعِهِ.

في مرحلة ما قبل الإسلام أي المرحلة المسماة بالجاهلية كان حب القتال من الصفات المغروسة في نفوس العرب حتى تحول إلى شغف بالسيطرة والغلبة. التوصل إلى الحق لم يكن ممكناً إلا بالعنف وقد اعتبر البعض في الجاهلية " البغي " بأنه طريق جيد أو ربما وحيد إلى "المُبْتَغى". كان الحق هو القوة أو لاحق إلا بالقوة. وفي سبيل الوصول إلى الحق عشق العربي الموت أو القتل، فالميتة الكريمة عنده هي التي في ساحة الوغى. وبقيت هذه الروح لها صدى في النفس حتى جاء الإسلام فهذبها وأطّرها( ) . إن قصة الموت البطولي للنعمان بن المنذر في ديوان كسرى إمبراطور الفرس دِفاعاً عن قومه وعرضه قصة مشهورة في التاريخ العربي وشهامة ابنته "الهند" ستبقى مثار الإعجاب( ). ولكن العرب في الجاهلية أصبحوا عرباً مسلمين بعد أن مَنَّ الله عليهم بالإسلام وكرمهم بإنزال كتاب الله بلغتهم وباختياره رسوله الكريم محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – عربياً منهم. لذلك فالتـأريخ للعرب في مُجْمَلِهِ إنْصَبَّ على العرب المسلمين فولدت حضارة جديدة نعمت بفضلها البشرية كلها ألا وهي : " الحضارة العربية الإسلامية".

وللتاريخ العربي، كما هو شأن تاريخ الأمم العظيمة الأخرى، مساران: مسار حضاري، ومسار سياسي، وليس من الممكن فصل مسار عن الآخر، فألمسار الحضاري هو مسار لحضارة هي حضارة عربية إسلامية، والمسار السياسي هو مسار عربي مسلم، والمرجعية لكلا المسارين هي الإسلام الذي أنزل على العرب فتشرف العرب به وحملوه للإنسانية بأجمعها( ). ومع كل ذلك فالعرب هم بشر مثل الآخرين ولهم صفات عامة تنطبق على الجميع تميزهم عن أي شعب آخر كتميز هذا الآخر عن غيرهِ، ولكن يبقى للفرد العربي أيضاً صفاته الشخصية فالعرب ليسوا نتاج مصنع ينتج ملايين القطع بنفس النموذج كسيارات المرسيدس أو الجاجوار، وكذلك الفرد الأمريكي والفرد الفرنسي والفرد الصيني والفرد الياباني.

إن التاريخ العربي فيه الكثير من أعمال العنف في مرحلة الجاهلية، وفيه ايضا الكثير منها في مرحلة الإسلام؛ منها ما هو حسب التعاليم الإسلامية ومنها ما هو عدم التزام بها وخروج عليها. إذ لم تقم دولة تحكم بالإسلام إلا في مرحلة قصيرة.

ولكن هناك زوايا عنف كثيرة، كالتصفيات الجسدية وجز الرؤوس والقتل والاغتيال السياسي والإرهاب الفكري. وكان هناك " تفنن في قتل الخلفاء والقادة كعمليات سَمْلِ العيون والأخصاء وقطع الرقاب وقطع الألسنة وبتر الأطراف والشوي المرعب في التنور المسجور، أو على رأس خازوق حاد، أو سلخ الجلد أو شلع الأظافر لإنسانٍ حي، أو قتل الأخوة أو تنفيذ المجازر الجماعية أو سحق العظام أو القتل سحلاً( ) بالحبال أو بالتعليق على الأعمدة أو بالنهش بأنياب الحيوانات؛ إضافة إلى الاعتقالات والسجون المظلمة والترحيل الإجباري. إن إيراد تلك الأمثلة لا يعني أن العرب قد انفردوا بذلك النوع من الإرهاب، كما لا يعني أن تاريخ الأمم الأخرى كان مقصوراً على الاستمتاع بسماع الموسيقى والإبداع في فنون الرسم أو البناء أو إنتاج مئات الأنواع من الأجبان أو الخبز، بل كان تاريخها يطفح بالإرهاب كحرق العالِم المُجَدِّدْ أو المكتشف في الساحات العامة أو قاعات محاكم التفتيش( ).

والملاحظ أن العرب المسلمين كانوا قساة على أنفسهم وليس على الشعوب الأخرى، مارسوا نماذج الإرهاب السابق على مواطنيهم فقط ولم يحصل قط على الآخرين مهما بلغت حدة العداء وشدة الصراع. وقاتلوا أعداءهم حسب أسمى القوانين وأرقى الأعراف فلم يقتلوا طفلاً أو شيخاً أو متعبداً في صومعته ولم يغدروا فمن يكسر سيفه( ) لا يقتل إلا إذا عاد يحمل سيفاً ولم يقلعوا شجرة أو ذبحوا شاة إلا للتغذية( ).

بين اتباع كل ديانة مساحة للتشديد، وداخل مساحة التشدد هامش للتطرف الذي فيه حيز للغلو، إن التشدد والتطرف والغلو حقائق تتصل بطبيعة الإنسان أكثر من صلتها – إلى حد ما – بالأديان السماوية ولكن كما نزلت وليس كما حورت. ( )

والمقولة التي تكررت بأن الإسلام قد انتشر بحد السيف ليس مقولة صحيحة، وكذلك فإن مقولة " دين محمد دين السيف " ليست خاطئة فقط بل هي مدسوسة وهمجية. لقد بلغ عدد الغزوات الإسلامية سبعين غزوة كان عدد ضحاياها من المسلمين وغير المسلمين 386 ضحية فقط. وحين مقارنة هذا الرقم الضئيل بضحايا الحروب الدينية في اوروبا بين البروتستانت والكاثوليك لا يتجاوز نقطة في بحر، بلغت الضحايا في ألمانيا لوحدها 40% من الشعب الألماني في الوقت الذي اكتسح فيه الإسلام الشرك وظهر على جميع الأديان بكلفة 386 فرداُ..

والمعارك التي خاضها المسلمون كانت ضد قوى الفرس والروم المحتلة المهيمنة المستعمرة ولم يقاتل المسلمون شعوب المناطق التي افتتحوها بل قامت تلك الشعوب بالقتال إلى جانب المسلمين. إذ قاتل نصارى الشام مع جيش أبو عبيدة، وقاتل المجوس مع خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة. لم يوجه الإسلام سيفه إلا ضد المستعمر وبهدف نشر الإسلام طوعاً بعد تحرير إرادة الشعوب لتختار ما تريد. لقد فتح المسلمون مصر ولم يدخل المصريون الإسلام إلا بعد مائتي سنة تَلَتْ ذلك الفتح دون إكراه أو إجبار من أحد. وفتح المسلمون خلال ثمانين عاماً مساحات أوسع من الإمبراطورية الرومانية خلال ثمانية قرون لأن رجال الفتح آمنوا على يد الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا يقاتلون من أجل هداية الناس وتحرير إرادتهم. والنصرانية لم تزدهر في مصر إلا بعد دخول الإسلام لأنه أعاد لهم حرية العبادة "ولولا سماحة الإسلام لما استمرت النصرانية في مصر ولما كان هناك كنيسة قبطية "( ) لقد أعاد عمرو بن العاص الكنائس من مغتصبيها إلى أهلها، إنها المرة الأولى في التاريخ التي يحرر فيها قائد دور عبادة لإتباع دين آخر ويردها لهم. حرر المسلمون الشعوب وتركوها وما تدين ولم يجبروا أحداً على اعتناق الإسلام.

قالت امرأة لصاحبتها في بيت المقوقس/عظيم مصر وقد بلغها مجيء عمرو بن العاص وإقدامه على دخول مصر : "لا تخافي فإن هؤلاء قوم سيوفهم ذات أخلاق".( )

وأشهر ما يرد إلى الذهن للتنوير : عندما اعتدى ابن عمرو بن العاص والى مصر آنذاك على قبطي بإحساس السيد المتعالي قائلاً وهو يضربه " خذها وأنا ابن الأكرمين". استدعى الخليفة عمر بن الخطاب كلاً من عمرو بن العاص وابنه مع القبطي واقتص له فطلب منه أن يضرب ابن الأكرمين فضربه. لم يكتف الخليفة بذلك بل طلب منه أن يضرب أيضاً عمرو بن العاص نفسه قائلاً " فو الله ما ضربك إلا بسلطان أبيه". ففزع عمرو بن العاص فزعاً شديداً وقال لأمير المؤمنين "لقد اشتفيت يا أمير المؤمنين". ولم ينقذه إلا الشاب المصري الذي اعتذر قائلاً: "لقد ضربتُ من ضربني" ورفض أن يضرب ابن العاص احتراماً لشيخوخته. فلم يجبره بن الخطاب وقال له " والله لو ضربت بن العاص لما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه"، ثم قال لابن العاص تلك العبارة التي تدارجت وما تزال على لسان العالم وكانت أساساً لحقوق الإنسان " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. وقال للشاب المصري " انصرف راشداً فإن رابك شيء فأكتب إليّ"( ). لذا فكيف يُعقل أن يقدم المسلم – ليس الإسلامي – على قتل الأبرياء ما دام الإسلام في الاصل لم يسمح بإهانتهم أو الحط من كرامتهم!. ( )

لذا فإنه من مفارقات التاريخ وغرائبه أن يرتبط الإسلام في أذهان الكثرة الغربية بالعنف والإرهاب وأن " تختزل عظمة الإسلام العظيم –الذي أرسل الله به الرسل والأنبياء هدي للبشرية- "وتُقَزَّمَ" إلى "نُدْبة أمنية". يتبين من هذا التربيط للإرهاب بالإسلام حين الغوص في الأسباب أن هناك عواملَ شاركت في هذا التربيط:

أولاً : ما زال يتربع في الذاكرة الغربية ذلك الصراع القديم بين الغرب والمسلمين، وهو صراع حركته في بداياته المنافسة التي قامت بين أجهزة التبشير الاستخباراتية المسيحية والدعاة المسلمين إذ يسعى المبشرون إلى دعوةِ الآخرين لاعتناق المسيحية. وكان لحروب الفرنجة – الحروب الصليبية – دور الباعث من جديد لهذا الصراع إذ حاول الغربيون الاستيلاء على بلاد المسلمين وفرض سلطتهم عليها. وقد غرس " المستشرقون الاستخباريون " إسناداً لسياسة بلادهم الغربية في عقول الأجيال عندهم صورة سلبية للإسلام تستثير عداءهم وسخطهم، وحاولوا تفنيد وتتفيه أساسيات العقيدة الإسلامية وخاصة الجهاد الذي صوروهُ كقسرٍ وإكراهٍ وفرض الرأي على الآخرين.

ثم وقع العالم الإسلامي تحت النفوذ الغربي المباشر بعد أن انحسر المد الإسلامي. وقامت حركات لمقاومة الإستعمار الغربي متمسكة بدينها ومبادئه وكمثال على ذلك تمسك الثورة الجزائرية بدينها الإسلامي ولم تكن تعتبر نفسها إلا " مسلمة"، ولم تكن تعتبر العدو الفرنسي إلا "نصراني"( )، وكذلك كان حزب الاستقلال في المغرب وجميع فصائل الفدائيين التي قامت بالمواجهات العسكرية. فكانت لفظة المسلم " تعني : مواطن مخلص مجاهد يعتنق الإسلام". بينما "نصراني" تعني المستعمر الأجنبي الذي يعمل ضد الإسلام وضد البلاد". لذلك كانت الصورة في الوجدان الغربي أن الإسلام هو الذي يحرك العداء للغرب وأن المسلمين خطر على الحضارة الغربية كلها. ولذا بناء على هذه الخلفية فالعقل الغربي مهيء لقبول كل نقد موجه للإسلام وتصديق كل صورة سلبية عنه، بل وعقد الغربيون المؤتمرات الدولية من أجل ردع الإسلام والوقوف بوجه الحضارة العربية الإسلامية.

ثانياً : ظهرت على الساحة العربية حركات سياسية- ومعظمها ولد ولادة مشبوهة كأبناء السفاح- تحمل شعارات شتى ومنها من رفع شعارات إسلامية صدقاً أو عن جهل أو خبث. ومارست هذه الحركات القوة الانقلابية العسكرية التي انقَضَّتْ فيها على المجتمعات العربية تستبيح وتُصَفّي بما لم يُنزل الله به من سلطان فحطمت صورة المجتمع وجميع قدراته في الداخل وشوهت صورته لدى العالم الخارجي وجعلت منها مسخاً مُقزِزاً. وقد أتيحت الفرصة لجميع هذه التيارات القاصرة والمزورة بأن يجرب كل منها دوره في الحكم ولم يكن شهاب الدين إلا أسخف من أخيه!! إن الأثر السلبي الذي تركته مثل هذه الحركات لدى العالم الغربي كان أفعل حتى من جميع الحملات الغربية الحاقدة على الإسلام والمسلمين . وبالذات إن الحركات التي تَدَّعي الإسلام – والتسمية هذه محشوة في جوفها مليئة بالعفن وملفوفة للإغراء وشراء الضمائر بشرائح الذهب فغدت تصفي خصومها- تقوم على العنف والقتل. إن وجود مثل هذه الجماعات التي لا تفهم من الدين إلا الخمار بثقبين تتشَبْرَقُ من ورائها بياض عيون زائغة أو لحية طويلة تصل إلى طرف الثوب الذي يجب أن يكون أقصر بشبر عن القدمين! ولا ترى من الكبائر إلا الأنوثة!. ( )

ولا بأس من الإشارة إلى أن الأمر هنا ليس مناقشة الإسلام من حيث مبادؤه الثابتة ونصوصه القاطعة ومواقفه الواضحة إنما الأمر يتعلق بتحليل تيارات ثقافية جانبية أو تحتية ترفع بيرق الإسلام في الوقت الذي تتناقض فيه سلوكياتها مع الإسلام لا بل تخرق مبادئه وأخلاقياته. فالإسلام منظومة كاملة لمحددات العلاقة بين بني البشر حين يتفقون وحين يختلفون في أوقات النزاع وفي أوقات الوفاق. ولم يكن الإسلام في صدام مع الحضارات( )، فالمسلمون يقفون مع كل أفراد العالم وشعوبه ودوله ضد أي خطر يهدد الإنسانية. والإسلام قائم على التواصل والتعاون يحارب القطيعة والتقوقع ومبادؤه الكبرى في هذا المجال هي:

1- الإنسان مخلوق مكرم أياً كان لونه أو دينه أو جنسه أو أواصله. وهو مفضل على كل المخلوقات( )،وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ. الإسراء (70).

2- " التعددية" ثروة تغني البشرية فالتنوع والاختلاف نعمة وليس نقمة وليس خطراً. " وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ ". الحجرات(17).

3- الإسلام يعصم دم الإنسان وعرضه مهما كان دينه. أوصى نبي الإسلام الإنسانية كلها " أيها الناس إن دمكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم".

4- احترام المواثيق في السلم والحرب." الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ". الرعد(20).

5- قَنَّنَ الإسلام الحرب وصار قانون الحرب جزءاً من الشريعة الإسلامية ولم تعد الحرب إرهاباً أو همجية خارج القاعدة القانونية تستعصى على المحددات. إن الأصل في العلاقات بين البشر هو السلام والود، والحرب خارجة عن هذا الأصل. ( ).

ومن الملفت للنظر ظاهرتان لصيقتان بالإرهاب الذي يرتكبه إسلاميون:

الأولى : حينما فشلت هذه التيارات في الوصول إلى السلطة، وفشلت في إ قناع الجمهور شعرت بأنها معزولة عن التيار العام فانحصرت داخل " حوزة" تنحت لنفسها " فقهاً "تتصوره جزءاً من الإسلام. إن نظرة فاحصة لهذا الفقه الحوزوي هو فقه إنعزالي يفسر النصوص تفسيراً ضيقاً لا يتسع إلا لوجهة نظر صماء وعمياء ينكر المجتمع حوله وقوانينه ويسعى للتغيير بأي ثمن وباستعلاء وفوقية مستخدماً ما تمتد اليه قدرته من وسائل بطش إرهابية.

الثانية : إن عزلة هذه الجماعات ولَّدت الريبة بكل ما حولها، بل الوسوسة والهلوسة تجاه محيطها فقامت بنحت فقه مكمل لفقه العزلة وهو " المكتومية" مما أسقطها أتوماتيكياً في النزعة العدوانية والسلوك المنحرف. ومن منابع فقه العزلة و المكتومية العناصر التالية :

1- "التقية" أي التمويه بإظهار ما لا يبطن مما زاد في عزلتها لثبوت عدم صدقها عند السلطة وعند الناس كما أدى إلى التيه" في صفوف منتسبيها وعدم التمييز.

2- استحلال اللجوء إلى العنف والإكراه للاستعجال في الوصول إلى السلطة والحط من الالتزام بالقواعد الأخلاقية للعمل العام فيضربون بعمى وبغير بصيره بل بغباء. مخالفين قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ " النساء(94). وقول رسوله " إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً".

3- حين تصل هذه الجماعات إلى استخدام السلاح دفاعاً عن قضاياً عامة كانت مشروعة، أو تعتبرها هي مشروعة، لا تتركه بعد ذلك أبداً وتبقى متمسكة به لتستخدمه في قضايا غير قانونية وغير مشروعة الأمر الذي يؤدي إلى الفساد والوقوع في المفاسد، "إن القوانين التي لا يحميها السلاح تصبح محطَّ إزدراء، والأسلحة التي لا تلجمها القوانين تحكمها الفوضى"( ).

جذور الإرهاب في التاريخ العربي الإسلامي:

منذ البداية لا بد من التأكيد على أن الإسلام لا جذور فيه للإرهاب -سيرد تفصيل أكثر في الأبواب اللاحقة من هذا الكتاب- حسب المفهوم الحقيقي للإرهاب وليس حسب المفهوم الهوائي، وإذا لم تمسخ معاني المقاومة والعدالة والمساواة والأخلاق. أما إذا انطلقت الأعنة على هوى مطلقها فسنجد من يصف عصفوراً شادياً بالإرهاب حينما يقضم طرف عرقٍ من العشب. وإذا تم الولوج في مثل تلك التصورات، سنظهر وكأننا ننساق إلى أنفاق معتمة كَتِمَةٍ، وما أكثر المنساقين الموجهين عن بعد بالرموت كونترول.

يرى بعض الباحثين أن الإرهاب القائم على التطرف الديني قد بدأ مع بداية "الخوارج" ومنها تفرعت العديد من الحركات المنشقة على أثر التحكيم بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعاوية بن سفيان 37هـ بعد معركة "صفين"( ). فَكَفَّرَ الخوارج علياً لأنه قبل بالتحكيم، وعمرو بن العاص وابا موسى الأشعري لأنهما قاما بالتحكيم. اعتبر الخوارج كل من خالفهم الرأي من المسلمين كافراً يحل قتله فلا يرحمون منهم الرضيع أو الطفل أو المرأة أو الشيخ الهرم. وانقسم الخوارج فرقاً منها :

- الأزارقة : نسبة إلى قائدهم " نافع بن الأزرق" الذي كَفّرَ كل من ليس مسلماً، ولا يقبلون من الناس إلا الدخول في عقيدتهم أو القتل ويحلّون ايضاً قتل أطفالهم ونسائهم فهم أيضاً مشركون. كما يستبيحون ممتلكاتهم بالإستيلاء عليها أو تدميرها. أعتقد أن الإرهاب الذي انتشر في الجزائر بعد مصادرة الانتصار الكاسح " لجبهة الإنقاذ الإسلامي" في الانتخابات التشريعية 1991 تعود جذوره إلى الأزارقه، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول البشاعات التي اقشعرت لها أبدان كل العالم مثل الذبح " من الوريد حتى الوريد" أو القتل بالفؤوس لأطفال ونساء أو إبادة لأسر كاملة. كما يجد جذوره أيضاً في الإرهاب الذي مارسه الاستعمار الفرنسي ضد الجزائرين بفظائع لم تكن أقل بشاعة من إرهاب الأزارقة الأمر الذي يبرهن على أن العنف لا يجر إلا العنف والإرهاب لا يولد إلا الإرهاب ولو بعد آجيال. الأمر الخطير جداً في الإرهاب أنه لا يموت أو الأصح أن البشرية لم تكتشف حتى الآن الوسيلة القاضية عليه( ).

- اليزيدية: وَمُنَظّرُهُم هو يزيد بن أنيسه " الذي اعتقد بأن الفرس سيكون منهم "نبي" يتلقّى من الله كتاباً يلغي شريعة محمد النبي العربي.

- "النجدات": الذين أباحوا أموال ودماء أهل الذمة. يتبعون "نجدة بن عامر".

- الميمونية : أنكروا سورة يوسف في القرآن الكريم لأنها قصة غرام لا يمكن تنزيلها من عند الله. أباحوا الزواج من بنات الأخ أومن بنات الأولاد. ُمَنظِّرُهُم "ميمون العجرودي".

الحشاشون :

لقد برع الحشاشون في الاغتيالات السياسية وزرعوا الذعر في المجتمع الإسلامي. وتعود تسميتهم بهذا الأسم إلى تناول المخدرات –الحشيش- قبل القيام بتنفيذ عملية الاغتيال. وهناك رأي آخر مستمد من الصليبيين الذين تحالفوا معهم واستغلوهم للقيام باغتيال الشخصيات المسلمة المقاومة للوجود الصليبي، فكانوا يسمونهم assassins أي " مغتالون" ثم حورت إلى العربية "حشاشون". ( ).

المؤسس لحركة الحشاشين: هو " الحسن بن الصباح" في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي في بلاد فارس وتوسع انتشارها إلى الجزيرة العربية وبلاد الشام. تعرضت للتصفية 1200م، إلا أن أتباعها ما زالوا موجودين في الهند وإيران وسوريا. والآغاخان رئيسها الفخري.

وتعود جذورها إلى الطائفة الشيعية الإسماعيلية. كانت شديدة التنظيم وابتكرت أسلوب الإرهاب بديلاً عن الحرب لقلة عدد أفرادها ومحدودية إمكاناتها، فكان من الصعب عليها أن تشن حرباً نظامية فعمدت إلى تكوين مجموعات تنفذ التصفيات الجسدية للقوى التي تريد السيطرة عليها( ) وهذا هو دَيْدَنُ الإرهاب الآن إذ يشنُّ حرباً سميت بحرب " غير متساوقة"( ).

تحول " الحشاشون إلى مساندة الصليبيين بل إلى عملاء لهم ينكلون بإخوانهم المسلمين بما عرف عنهم مِنْ فظاعة في القتل والتدمير فاغتالوا، ميمون "قائد المسلمين الذي تصدى للصليبين في طبريا 1113 م وهو يدخل المسجد لتأدية صلاة الجمعة الأمر الذي شكل نصراً للصليبين بتخلصهم من عدوٍ لدود على يد الحشاشين( ). واستمراراً لحقدهم على كل ما هو عربي ومسلم استمروا في إرهابهم وقاموا بمحاولات فاشلة لاغتيال نور الدين وصلاح الدين( ).

وقد سبب الحشاشون الإرهابيون نُدَبَاً في بنية المجتمع، إذ بسبب فظائعهم سيطر الهلع على الناس فأصبح " لا يثق الأخ بأخيه، والأب يخاف من ابنه، والأمير لا يستطيع أن يعرف مَن هو المخلص من عدم المخلص من أتباعه وحراسة، فالحشاشون قد سلبوا العقول بأفكارهم المريبة البراقة. ومن الأمور الخطيرة التي ارتكبوها قتل عدد كبير من العلماء( ) والقادة والأمراء لتخلو لهم الطريق لإرباك المجتمع.

القرامطه :

اعتقد القرامطة أن الحج الى بيت الله الحرام -وهو أحد الأركان الخمسة للإسلام-؛ من شعائر الجاهلية وهو عبارة عن عبادة الأصنام. فزحفوا الى مكة المكرمة في موسم الحج 317هـ بزعامة "أبو ظاهر القرمطي" ودخلوها محتلين ونزلوا تقتيلاً وذبحاً في أهلها وفي الحجاج وردموا بجثثهم بئر زمزم وبلغ عدد القتلى(80)ألفاً وسبوا زهاء ثلاثين ألفاء من النساء والأطفال ودكوا أركان الكعبة واقتلعوا الحجر الأسود حتى لا يبقى له أثر وأخذوه معهم رهينة لمدة عشرين عاماً حتى أفلح الفاطميون في إعادته إلى مكانه( ). وكادَ القرامطة يقوضون الخلافة الإسلامية في الفترة بين 883-886م فأقاموا دولة لهم في " الأحساء" ومن هناك بدأوا يغيرون على البلدان المجاروة.

أسس هذه الحركة "حمدان بن قُرْمُطْ" وهو رجل واسع الإطلاع من بين رجال الدعوة الإسلامية. انفصل عن الإسماعيلية الى جنوب العراق متخذاً من الفقراء والفلاحين قاعدة له مكوناً تنظيماً سرياً بطابع إشتراكي لا يؤمن بفروض العبادة والتقوى فأمَرَ أتباعه بترك الصلاة والصوم وأباح لهم سفك دماء الخصوم ونهب أموالهم. فغدا القرامطة عصابة من السفاحين الأشقياء مهمتهم نشر الدمار أينما حلوا( ).

لقد تَرَكَتْ هذه الفرق الباطنية الإرهابية آثاراً سيئة في المجتمع الإسلامي تضلل الشباب المراهق الذين تحولوا الى أداة طيعة تم محو عقلها وسحق إرادتها يحركها زعماء الباطنية لما يحقق أهدافهم الخبيثة فأرهبوا المجتمع( ).

مذبحة الخندق في الأندلس :

قمعاً للقلاقل التي كانت تتكرر في مدينة طليطلة أهم المدن في الخلافة الأندلسية، قرر الخليفة آنذاك " الحكم" عام 807 م القضاء على جميع زعماء المعارضة. فطلب من والي المدينة "عروس بن يوسف" إقامة حفل على شرف ابن الخليفة وولي عهده يدعو اليه زعماء المعارضة، وأمره أن يحفر خندقاً عميقاً داخل القلعة التي سيقام فيها الحفل. وكان جنود الخليفة في كمين للمدعويين يقطعون رأس كل من يدخل من المدعوين، وتم دفن جميع المدعويين في ذلك الخندق. ( )

مذبحة المماليك :

وبعد مذبحة طليطلة بألف عام، أقام والي مصر محمد علي 1811 حفل غداء لتوديع ابنه "طوسون" الذي كلفه بقيادة حملة للقضاء على الوهابيين في الحجاز بناءً على أوامر السلطان العثماني. دعا جميع زعماء المماليك الى هذا الحفل وتمت محاصرتهم في ممرٍ ضيق داخل القلعة ثم قتلهم واحداً تلو الآخر، ولم ينج منهم إلا واحداً استطاع القفز بحصانه والهرب. وبلغ عدد القتلى 500 قتيل، أرسل محمد علي الى السلطان 64 رأساً من رؤوس القتلى.