رد: المقاصد عند شيخ الإسلام ابن تيمية
30-05-2017, 04:23 PM
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

إن الافتراء والكذب على شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله، ليس جديدا، بل هو قديم: كقدم معاداة الحق للباطل، فالحاقدون على شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله قد افتروا عليه كثيرا، ولكن هذا لم يمنع من وجود منصفين من مخالفيه شهدوا له بالحق، وهو ما سنستعرض بعضه من خلال هذه المشاركة، وبالله التوفيق:

من سنة الله عزّ وجل: أن يجري الحق على ألسنة أعدائه ومخالفيه؛ وذلك بياناً له، وتطميناً لقلوب المؤمنين، وإقامةً للحجة على أعدائه ومناوئيه، وفي هذا المطلب سأستعرض شيئاً من قول أعداءابن تيمية رحمه الله وهي من باب قول الله عزّ وجل: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } ، ولسنا في حاجة في كل موضع من المواضع: أن نذكر شهادة الأعداء والمخالفين، ولكنها إذا وجدت وذكرت: كانت شهادة بالفضللأهل الفضل، كما قال الشاعر:
وشمائل شهد العدو بفضلها *** والفضل ما شهدت به الأعداء

وليس القصد من ذكر هذه النماذج هو: الحصر، بل يكفينا من القلادة ما أحاط بالعنق، ومن الأمثلة: ما يقرر القاعدة.
ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان - ولا يزال - له من المكانة في نفوس أهل السنة مما لا يحتاج فيه إلى ذكر ثناء القادحين فيه، وفي عقيدته، ولو كان - أيضاً - رحمه الله من أهل المداراة، والملاينة مع المبتدعة في مقابل عدم إظهار امتعاضه، وبغضه لبدعهم، ولما هم عليه؛ لكان موضع قبول بإجماعهم، فهم مقرون في حقائق نفوسهم أنه إمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلامهم البارزين (انظر: ترجمة ابن تيمية في ذيل تاريخ الإسلام للذهبي (ضمن ثلاث تراجم نفيسة مستلة منه ص24)، الدرر الكامنة لابن حجر 1/161).

فمن مناوئيه: من أثنى عليه في أول أمره، ثم انقلب عليه وصار عدواً بعد أن كان صديقاً، بسبب الأهواء، والتأثر بما كان ينقل عن ابن تيمية رحمه الله من وشايات مضللة، ودعايات مغرضة، أو لتعصب وغيره - كما سبق بيانه - ومن أمثلة هؤلاء ابن دقيق العيد (ت - 702هـ) رحمه الله حيث قال: " لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد". (انظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين ص111، الشهادة الزكية لمرعي الحنبلي ص29).

ومنها: كلام ابن الزملكاني (ت - 727هـ) في ابن تيمية، وهو كثير، ومنه قوله عن ابن تيمية رحمه الله:
" كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرف مثله".(الرد الوافر لابن ناصر الدين ص107، الشهادة الزكية لمرعي الحنبلي ص36).
وقال عنه:" اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وله اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب، والتقسيم والتبيين".(الرد الوافر لابن ناصر الدين ص109).
وقال عنه:" هو بارع في فنون عديدة من الفقه والنحو والأصول، ملازم لأنواع الخير وتعليم العلم، حَسَن العبارة، قوي في دينه، صحيح الذهن، قوي الفهم". (الرد الوافر لابن ناصر الدين ص109).
وأثنى عليه كثيراً ثم أنشأ يقول:
هو حجة لله قاهرة *** هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية في الخلق ظاهرة *** أنوارها أربت على الفجر (البداية والنهاية لابن كثير 14/137، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/392)

ومن الأمثلة: كلام أبي حيان النحوي (ت - 745هـ) في ابن تيمية رحمه الله ومن قوله فيه: ما رأت عيناي مثل ابن تيمية، ثم أنشأ يقول:
لما أتينا تقي الدين لاح لنا *** داع إلى الله فرد ماله وَزَر
على محياه من سيما الألى صحبوا *** خير البرية نور دونه القمر (ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/392، الرد الوافر لابن ناصر الدين ص119 في قصيدة طويلة)

ومن خصوم ابن تيمية رحمه الله من يعترف بفضله وقدره، في حالة ضعف، واستسلام، كما حصل للقاضي المالكي ابن مخلوف (ت - 718هـ) حيث قال: " ما رأينا مثل ابن تيمية حرّضنا عليه، فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا، وحاجج عنا".(البداية والنهاية لابن كثير 14/54)، وذلك حين طلب الملك الناصر (ت - 741هـ) من ابن تيمية رحمه الله أن يفتي في قتل بعض العلماء من الفقهاء، والقضاة، فدافع عنهم رحمه الله وأثنى عليهم، وقد كان ابن مخلوف (ت - 718هـ) في مقابل ذلك يحرض السلاطين هو ونصرالمنبجي (ت - 719هـ) على ابن تيمية - رحمه الله رحمة واسعة -.

ومن مناوئيه: ما يحملهم الإنصاف، وكثرة المحامد والمناقب التي يتميز بها ابن تيمية رحمه الله على مدحه، والثناء عليه، وإن كان ذلك في لحن القول، مع بغضهم له، والقدح فيه، والنيل منه كلما أمكنهم ذلك: وهؤلاء كثير (أما الذين تحملهم الأهواء على الذم المطلق فهم - أيضاً - كثير مثل: الحصني، الكوثري، الحبشي، السقاف... وغيرهم).

فمن الأمثلة: قول تقي الدين السبكي (ت - 756هـ) حين عاتبه الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله في ابن تيمية رحمه الله:
" أما قول سيدي في الشيخ، فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه، واجتهاده، وبلوغه في كل ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أعظم من ذلك وأجل، مع ما جمع الله له من الزهادة والورع والديانة، ونصرة الحق، والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان، بل من أزمان". (ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/392 - 393، الرد الوافر لابن ناصر الدين ص100).
وقال في موضع آخر:" له فضل وذكاء واطلاع". (السيف الصقيل ص16).
وقال في ثنائه على رد شيخ الإسلام على الرافضة:
ولابن تيمية ردّ عليه وفى *** بمقصد الرد واستيفاء أضربه (هذه القصيدة في ترجمته في الطبقات الكبرى للشافعية لابن السبكي 10/176)

ومن الأمثلة: أقوال الحسن بن إسحاق (ت - 1160هـ) في ابن تيمية رحمه الله، وهو يرد عليه، فذكر عنه:" أنه العلامة المحقق، وأنه علمه كالبحر المتلاطم الأمواج، المتشعب الفجاج، كثير الطرائق، وإذا تكلم في مسألة فإنه يأتي على ما يتحير عنده العقل ويذهب، من تحقيق للحق وتدقيق".(رسالة تشتمل على ما ذكره ابن تيمية في منهاجه ص221).
وذكر عنه:" أنه بلغ الغاية في حسن الصناعة، لترصيف الكلام وتنميقه، وترقيق ما يسرده من الكلام وتدقيقه، يتصرف في كل مقام تصرف عارف متقن، بارع في معرفة أساليب الخطاب متمكن".(رسالة تشتمل على ما ذكره ابن تيمية في منهاجه ص222).

وقال عن منهاج السنة النبوية:" ومع هذا، فإننا لا ننكر أنه بتصديه للرد على الرافضي مصيب مأجور، وأن سعيه في ذلك سعي مشكور".(رسالة تشتمل على ما ذكره ابن تيمية في منهاجه ص231).

ومن الأمثلة: - أيضاً - بعض مقولات يوسف النبهاني (ت - 1350هـ) فقد قال عنه:
" وابن تيمية هذا هو إمام كبير، وعَلَم عِلمٍ شهير من أفراد أئمة الأمة المحمدية الذين تفتخر بهم على سائر الأمم، ولكنه مع ذلك غير معصوم من الخطأ والزلل... وابن تيمية وإن أخطأ في هذه المسائل المعدودة، فقد أصاب في مسائل لا تعد ولا تحد، نصر بها الدين المبين، وخدم بها شريعة سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم، على أن بعض ما نسب إليه من تلك المسائل أنكر صحة نسبتها إليه بعض العلماء الأثبات...".(شواهد الحق ص52).
وقال:" اعلم أن الإمام ابن تيمية هو في العلم كالبحر العجاج، المتلاطم بالأمواج، فهو تارة يلقي باللؤلؤ والمرجان، وتارة يلقي الأحجار والصدف...".(شواهد الحق ص56).
وقال:" اعلم أني أعتقد في ابن تيمية، وتلميذيه ابن القيم، وابن عبد الهادي، أنهم من أئمة الدين، وأكابر علماء المسلمين، وقد نفعوا الأمة المحمدية بعلمهم نفعاً عظيماً". (شواهد الحق ص62، وانظر: ص181، 183، 289، 292، الأساليب البديعة له ص456، 470 - 472).

ومن الأمثلة - أيضاً -: ما وصفه به أحد المناوئين المعاصرين،وهو الدكتور: علي سامي النشار بأنه:" أحد علماء السلف المتأخرين، ومفكر من أكبر مفكري الإسلام". (نشأة الفكر الفلسفي: 1/311).

رحم الله شيخ الإسلام: ابن تيمية، وأسكنه فسيح جناته.
ورحم اللهالإنصاف، فما أندره في هذا الزمن!!؟.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.